الرد على الموضوع

أضف مشاركة إلى الموضوع: النص الكامل لرواية «صيد العصاري» للروائي الكبير محمد جبريل

رسائلك

اضغط هنا للدخول

رجاء ادخل الستة أرقام أو الحروف الظاهرة في الصورة.

 

يمكنك إختيار أيقونة لرسالتك من هذه القائمة

الخيارات الإضافية

  • سيتم تحويلها www.example.com إلى [URL]http://www.example.com[/URL].

عرض العنوان (الأحدث أولاً)

  • 04/08/2008, 03:12 PM
    د. حسين علي محمد

    رد: النص الكامل لرواية «صيد العصاري» للر

    ـ 20 ـ

    هل اعتبرت اعتزام جارو السفر نهاية لعلاقتنا ؟
    ترددت على الأماكن التى اعتدنا اللقاء فيها . مكتبة البلدية ، مكتبة الجامعة ، ميدان محطة الرمل ، شاطئ ستانلى ، المسافة من الكورنيش بين تمثال الخديو إسماعيل ولسان السلسلة ، قلعة قايتباى ، ميدان أبو العباس . حتى بائع الصحف على ناصية أجزخانة جاليتى ، سألته عنها ..
    قال فى ابتسامة تذكر :
    ـ نعم .. البنت الخوجاية ..
    وقلب شفته السفلى :
    ـ لم أرها إلا معك ..
    رنا فيصل مصيلحى ناحيتى بنظرة مشفقة :
    ـ يبدو أن علينا تبادل النصائح ..
    ثم هز سبابته فى وجهى :
    ـ لا تكثر من الحركة هذه الأيام ..
    ـ ماذا تقصد ؟
    ـ المظاهرات والمؤتمرات الشعبية . نحن فى حرب ، وعين البوليس صاحية ، ويده لا ترحم !
    ***
    كان الوقت عصراً ..
    لمحت ضلفتى الشرفة المطلة على المينا الشرقية مفتوحتين . مضيت نحو البيت بعفوية . ضغطت على الجرس .
    ـ نورا ..
    كانت تعانى ارتباكاً ، والترحيب يغيب عن نظراتها ..
    ـ ماذا حدث ؟
    أدارت وجهها تتفادى نظرتى المتسائلة :
    ـ لا شئ ..
    سبقتنى إلى مقعد الدكتور جارو . أكرهت نفسى على الابتسام ، حتى لا تفطن إلى ما أعانيه ..
    ـ تبدين متغيرة ..
    وهى تهز الهواء براحتها :
    ـ لعله الحر !
    تظل ساكتة ، ثم تقول :
    ـ قد يتأخر الدكتور عن العيادة ..
    ـ هذه فرصة لنتبادل الحديث ..
    واستطردت :
    ـ لم أرك منذ أيام ..
    بدا أنها تريد تفويت الملاحظة :
    ـ أظن أن جارو لن يأتى اليوم ..
    لاحظت نطقها اسمه دون لقب . أردفت :
    ـ طلب منى أن أتحدث إليك ..
    ـ ماذا تخفين ؟ ماذا تخفيان ؟
    ـ تزوجت الدكتور ليلة أمس ..
    ت .. ز .. و .. جـ .. ت ..
    متى ، وكيف ، نشأت العلاقة ؟
    كنت على ثقة أن نورا والعجوز من عالمين متباعدين ، يجهل أحدهما أفكار الآخر ومشاعره . لم ألحظ عاطفة ما بينها وبين العجوز : عبارة ، ضحكة ، تبدل نبرة الصوت ، لمسة الأصابع على ظهر اليد ، همسة فى الأذن ، إيماءة ، ابتسامة ذات مغزى . صمت مفاجئ مرتبك . أى تصرف يشى بعاطفة معلنة ، أو مستترة . حتى حواراتهما بالأرمنية غاب عنها انفعال العاطفة .
    قلت وأنا أحاول السيطرة على مشاعرى من تأثير المفاجأة :
    ـ لماذا لم يحدثنى الدكتور جارو بنفسه ؟ لماذا لم يبلغنى باعتزامه الرحيل ؟
    قالت :
    ـ هو يحبك كما تعلم !
    الحب دعوى كاذبة . يختفى المجرم بعد ارتكاب جريمته . أدرك العجوز ما فعل ، فلجأ إلى الاختفاء . إن لم يكن هذا هو العداء ، فماذا يكون ؟
    داخلنى إحساس أن كل شىء زائف ، وغير حقيقى . التفت البنايات بعاصفة من الغبار المصفر ، وحلقت الطيور السوداء فى أفق المينا الشرقية ، وتساقطت حجارة الكورنيش فى قلب البحر ، وواصل عفريت الليل سيره دون أن يضىء بعصاه فوانيس الطريق ، وتداخلت حلقة الذكر المترامية من على تمراز بما اختلطت كلماته ومعانيه ، وعانت صفارات البواخر فى الميناء الغربية حشرجة مقبضة ، وتحول ميدان الخمس فوانيس إلى سرادق للعزاء ، وهتفت المظاهرات للظلم ، وللشيطان ، وتمنيت لو أن الأتراك أفنوا الأرمن عن آخرهم ..
    ـ أنت ؟!
    وفى دهشة :
    ـ لكنك ..
    ـ أعترف أنى أحبك ..
    عصتنى الكلمات ، تتشكل فى فمى ، لكننى أعجز عن نطقها :
    ـ وأنت برهنت لى على حبك ..
    شعرت أن العبارة أفلتت منى دون أن أتدبر المعنى . استطردت :
    ـ ووافقت على زواجنا ..
    ـ أن أحبك ، لا يعنى أن أتزوجك ..
    وسرت ارتعاشة فى صوتها :
    ـ الحب شئ والزواج شئ آخر ..
    شردت فى معنى الكلمات ، ثم غمغمت كأنى أخاطب نفسى :
    ـ أنا لا أفهمك ..
    ـ الزواج استقرار . أريد أن أستقر فى أرمينية ..
    استطردت فى ابتسامة متكلفة :
    ـ تزوجته ليصحبنى إلى أرمينية ..
    ـ لا أفهم .. هل زواجك منه شرط للسفر ؟
    ـ جنسيتى مصرية ..
    ثم وهى تضغط على الكلمات :
    ـ هذه فرصتى الوحيدة لأرى أرمينية ..
    ـ تتخلين عن كل شىء لرؤيتها ؟
    ـ أذهب للإقامة لا للفرجة !
    ـ ألن تستكملى إعداد الماجستير ؟
    ـ ما أريده الآن أن أسافر إلى أرمينية .
    ـ سافرى للسياحة .. للفسحة .. وعودى ..
    ـ لا أهل للدكتور هناك ..
    أضافت فى نبرة واثقة :
    ـ يريدنى أن أكون أهله ..
    ـ هذه مشاعر شفقة ..
    ـ أطلت التفكير قبل أن أتخذ قرارى ..
    ـ الرجل أكبر من أبيك ..
    ـ أعرف ..
    لم يعد لدىّ ما أقوله ، فسكت . رفضت أن أجتر الكلمات التى لا تعنى شيئاً فى الأغلب ..
    حل صمت ، مفعم بالمعانى الحزينة . أحسست أنى وحيد فى صحراء مترامية الأطراف ..
    بدا لى العالم مليئاً بالأسئلة القاسية ، وبالألغاز . لماذا لم يحدثنى العجوز عن العلاقة بينه وبينها ؟ لماذا صمت عن تعلقى بها ـ لابد أنه لاحظه ـ وواصل نسج غزله حتى ألقى طراحته فى وقت لا أعرفه ، وفاز بعروس البحر ؟ هل حدثته عن مصارحتى بحبى له ؟ هل كان يعتبرنى غريماً ؟..
    شغلنى ، صرف انتباهى ، بمتاعب الشيخوخة ، البناية المهددة بالانهيار ، اختلاف الرأى بتباعد السن . لم يحاول حتى مجرد الإشارة ، فأكف عن إلحاح النظرات ، أو أستكين إلى تلاشى التوقع ..
    خمنت من نظرته المتأملة ، الصامتة ، فهمه وموافقته . فارق السن بينه وبينها ، بينه وبينى ، لم يطرح معنى مغايراً . علاقة الأب بابنته هى التى تصورتها ، بين رجل متقدم فى السن وفتاة تصغره بعشرات الأعوام ..
    انطلق الخيال . توقعت أن يريحنى العجوز من عناء المصارحة ، ومن العقبات التى ربما تفرضها أسئلة غير متوقعة من أسرة الخواجة أندريا ؟
    قلت :
    ـ هل يعرف الخواجة أندريا ؟
    ـ هذا شأنى ..
    فى دهشة :
    ـ تتزوجين دون أن تستشيرى أسرتك ؟ دون أن تخبريها ؟
    ـ أنا لست فتاة من بحرى ..
    ضايقتنى العبارة ، وإن جاوزتها بالقول :
    ـ أرجو أن تعيدى مناقشة قرارك ..
    ـ ما قررته نفذته بالفعل . تزوجت الدكتور جارو ..
    ـ سأتغاضى عن الإهانة لأنى أريد أن نفترق صديقين !
    تباعدنا بالصمت ، وبالنظرات المحدقة فى الأرض ..
    حاصرتنى الأسئلة : لماذا ؟ وكيف ؟ وهل تسافر مع العجوز بالفعل ، فلا تعود ؟..
    بدت كل الكلمات فاقدة المعنى ، وسخيفة ، فلا يمكن النطق بها . أضفت صمتها الواجم إلى الجدار الزجاجى بيننا ..
    داخلنى شعور بأنى سأحرم من رؤيتها إلى الأبد . لا أتصور أنى أستطيع فراقها . تصحبنى إلى باب الشقة . تودعنى ، ثم تغلق الباب . أظل فى ذاكرتها ـ ربما ـ لأعوام ، ثم تذوى الملامح ، تشحب ، تختفى . ما كان كأنه لم يكن . لقاءات العيادة ، ذكريات الدكتور جارو ، الجلوس على شاطئ البحر ، رفض فيصل مصيلحى ، ملاحظات الخواجة أندريا ، المناقشات ، المظاهرات ، الأسرار الصغيرة ، التردد على أمكنة المدينة : الشوارع الخالية ، والزحام ، واللافتات ، والأشجار ، والكورنيش ، والحدائق ، ورائحة البحر ، وزرقة السماء ، ورذاذ الأمواج ، وركوب الترام ، وباعة النواصى ، وظلال الشمس على الجدران ، وتلاقى الأذان فى المساجد القريبة .
    هل تواتينى الجرأة لزيارة أسرتها ؟..
    هبطت السلالم إلى الباب الخارجى ..
    طالعنى شارع إسماعيل صبرى بحركته الهادئة . الشرفات الحجرية ذات المقرنصات والأشكال تمتد بطول الواجهة ، ضوء العصر يعلو البنايات ، فغطت التندات الشرفات المفتوحة . امتزج نداء الجرسون فى المقهى على ناصية الشارع بأذان العصر من مئذنة جامع على تمراز المجاور ..
    عبرت تقاطع الشارع مع شارع فرنسا وشارع رأس التين . على ناصية شارع التتويج عربة حنطور ، راح السائق فى إغفاءة ، فوق كرسيه ، ودس الحصان رأسه فى مخلاة التبن . فى الناحية المقابلة عربة تين شوكى ، ينزع البائع بالسكين أغلفته الشوكية عن الثمار ، وعفريت الليل يضىء لمبات غاز الاستصباح
    مضيت فى اتجاه البحر ..
    التفت ـ بتلقائية ـ ناحية شرفة الطابق الأول . كانت نورا تغلق ضلفتى الشرفة . تنبهت ـ بسخونة الشمس ـ إلى أنى أطلت الوقفة أمام قهوة فاروق . يتعالى من داخلها نداءات الجرسون ، وأصوات لاعبى الطاولة والكوتشينة ، وطرقعة القشاط على الطاولة ، وصوت عبد الوهاب يغنى للجندول . وثمة ماسح أحذية يرنو ـ بنظرة متوسلة ـ إلى أحذية الجالسين ، وهو يضرب على الصندوق بظهر الفرشاة ، وقط ـ أسفل الرصيف ـ قوّس ظهره فى مواجهة نباح كلب ..
    البحر حصيرة . ألق الشمس يضوى على مياهه ، وثلاثة قوارب متناثرة ، ألقى أصحابها طراحاتهم ، وانتظروا الصيد . ثمة فى الرمال ، وبين الأحجار الصغيرة والحصى ، جحور للكابوريا ، وطحالب ، وبقايا أعشاب ، وقناديل ميتة . سحابات من الطيور الداكنة اللون ، تحلق فى السماء . تقترب ، تتباعد ، تعلو فى اتجاه الأفق ، ثم تعود ، ثم تنطلق . تشحب فى انطلاقها ، حتى تغيب تماماً ..
    محمد جبريل ـ مصر الجديدة ـ إبريل 1996

    (انتهت الرواية)
  • 04/08/2008, 03:11 PM
    د. حسين علي محمد

    رد: النص الكامل لرواية «صيد العصاري» للر

    ـ 19 ـ

    أسرعت فى خطواتى . قفزت درجات السلم ، لأبلغ فيصل مصيلحى بالنبأ الذى نشرته الصحف : حسن البنا قتل فى أثناء خروجه من مبنى جمعية الشبان المسلمين .
    اكتفى بالقول وهو يتطلع من الشرفة المطلة على شارع التتويج :
    ـ أعرف ..
    هل كان يتوقع ما حدث ؟
    قال :
    ـ ما يحيرنى أن الأستاذ البنا أصدر بياناً هاجم فيه قاتل النقراشى ..
    حدجنى بنظرة جانبية :
    ـ لماذا دفعوه إذن إلى إصدار البيان ماداموا قرروا قتله ..
    قلت :
    ـ قتله الإخوان عندما وضعوا حقيبة المتفجرات فى مبنى محكمة الاستئناف ..
    وهو يهز رأسه :
    ـ أضعف إبراهيم عبد الهادى الإخوان المسلمين لصالح الوفد .
    قلت :
    ـ الحمد لله أنك أفلت من الاعتقال
    ـ أنا واحد من نصف مليون عضو فى الإخوان ..
    وعلا حاجباه فى تساؤل مستغرب :
    ـ من الصعب أن يقتلوا كل هذا العدد !
    ثم بصوت خفيض :
    ـ لا تنس أنى استقلت من الإخوان منذ مقتل النقراشى !
    أذهلتنى البساطة التى تحدث بها عن استقالته ، كأنه لم يكن ذلك العضو الذى يطبع المنشورات ، ويحتفظ بها ، ويخفى ما يفعل .
    كان يتابع حملات الاعتقال ، والمصادرات . تتبدل ملامحه بتوالى متابعتنا للأخبار . يحاول كتم ما يعانيه من خوف . يجرى بلسانه على شفتيه ـ بعفوية ـ كمن يتذوق العطش . يعلو صوته ليقضى ـ هذا ما أتصوره ـ على القلق فى داخله ..
  • 04/08/2008, 03:11 PM
    د. حسين علي محمد

    رد: النص الكامل لرواية «صيد العصاري» للر

    ـ 18 ـ

    كنا نطل ـ من وقفتنا داخل الحجرة ـ على صدام المتظاهرين والجنود . اصطف العساكر على مفارق الطرق . حاصروا المظاهرة ، وتقدموا فى اتجاهها . انقضوا بالعصى والسيور الجلدية . اختلطت الهتافات والضربات والبروق والصواعق والبراكين والصرخات الوحشية ..
    صرخت نورا بما أخافنى . كأنها تواجه الموت ..
    لم ألحظ كيف سقط الشاب ، لكن العسكرى أهمل الأنين والحركات المتشنجة . واصل الضرب بدبشك البندقية حتى هدأت حركة الشاب تماماً ، كأنه مات . أدارت نحوى ملامح مستغيثة .. قهرها الخوف ، تصورت موت الشاب قد انتقل إليها . احتضنتنى . دست رأسها فى صدرى ، كأنها تريد أن تدخل جسمى . أحسست صدرها وهو يتنفس فى صدرى . مسدت أصابعى شعرها وعنقها وكتفيها وذراعيها . اقتربت شفتاى من شفتيها . تظاهرت بالرفض ، وإن بدا القبول فى إغماض عينيها ..
    قالت ـ فى صوت مرتعش ـ إنها أحست بتكسر عظامها ، والعسكرى ينهال على الشاب بدبشك البندقية ..
    تخليت عن قرارى فى أن أرجئ مصارحتى بمشاعرى قبل أن أتأكد من أنها تبادلنى المشاعر نفسها . حلقنا فى أفق المينا الشرقية . شيدنا القصور على السحب . سرنا فوق الماء كما المتصوفة . راقصنا عرائس البحر فى الأعماق البعيدة . انتشينا بالسحر والأسطورة . بدت الجنة متاحة فى الدنيا .
    سرقتنا اللحظة . لم ألحظ متى تراخت ذراعاها ، ولا كيف تغيرت ملامحها ، وغلب الشرود على نظرتها ، كأنها لا ترى ما تتجه إليه عيناها ..
    غلبنى شعور بالارتباك :
    ـ كنت أظن أنك لا تعنين بفكرة الخطيئة ؟
    أدركت سخف ما قلت ، فتمنيت أن أعتذر ..
    أحيا معها بمشاعر موزعة بين العاطفة والرغبة . لا أدرى متى ، ولا كيف تحل اللحظة التى تجتذبنى . أحلق معها فى سماوات لانهائية الآفاق ، تتناغم فيها أصوات الشفافية والسحر . أشعر ـ فى لحظات تفاجئنى ـ أن ما أطلبه هو جسدها ، لا شأن لى بآرائها ، ولا رسالتها الجامعية ، ولا حتى بالدكتور جارو والخواجة أندريا . الجسد هو المطلب الذى أتوق لملامسته وعناقه . أركز فى الجسد الذى تخفيه ثيابها . أتصور علاقة تبرق فيها الرعود ، وتشتعل النيران ..
    مشطت شعرها بأصابعها ، وعدلت الجونلة ، وواجهتنى بنظرة متسائلة :
    ـ هل تظننى مومساً ؟
    ـ بل أثق أنك محبة ..
    ـ لا أحب أن تنظر لى نظرة الذكر إلى الأنثى ..
    ـ لكننا كذلك بالفعل ..
    مدت يدها تدير خصلة الشعر :
    ـ نحن أصدقاء . هذا يكفى !
    أخذت حقيبتها القماشية من على الكرسى . طوحت بها فى الهواء . نقلتها من يد إلى الأخرى . ألقت بها على كتفها . همست بالسلام ، واتجهت ناحية الباب ..
  • 04/08/2008, 03:10 PM
    د. حسين علي محمد

    رد: النص الكامل لرواية «صيد العصاري» للر

    ـ 17 ـ

    واصل تقليب جواز السفر ، كأنه يتأكد من أنه حصل عليه . غمغم بكلمات غير واضحة ولا مترابطة ، وإن عكست الفرحة فى داخله ..
    قلت :
    ـ هل هذه هى المرة الأولى التى تحصل فيها على وثيقة سفر؟
    ـ عندما قدمت إلى مصر اكتفيت بتجديد الإقامة ..
    لاحظ دهشتى من أنه استخرج الجواز للمرة الأولى . ألم يغادر مصر طيلة تلك السنوات ؟
    حدثنى عن رحلته الوحيدة خارج مصر ، بعد ثلاثة أعوام من استقراره بالإسكندرية . سافر إلى الشام ليلتقى بأفراد من رحلة النفى . أعياه النبش بأصابعه فى كومة القش . تحدد الموطن فى الإسكندرية ، لا يغادرها .
    شرد بنظره إلى نقطة غير مرئية :
    ـ لم أفكر فى أنى قد أعود إلى أرمينية ..
    ثم وهو يدنى فنجان القهوة من فمه :
    ـ أريد أن أحتسى هذا الفنجان هناك ..
    قلت :
    ـ هل نسيت المذابح ؟
    ـ إذا استعدت الماضي فأنا أخلصه من كل الذكريات السيئة!
    حدثنى عن رسالة من أرمينية . جميل أن أجد ـ بعد هذا العمر ـ من يراسلنى . عد إلى الوطن لتقضى فيه ما بقى من حياة ..
    يسلمه الشرود إلى الحياة فى أرمينية ، إلى البنايات والشوارع الضيقة المغطاة بالأسقف والكاتدرائيات والكنائس وجبال القوقاز ، والبحر الأسود وبحر قزوين ونهر أراكس وبحيرة سيفان وجبل أرارات ، سقف العالم ..
    ـ هو إذن يعرف أنى فى لحظات النهاية ..
    ـ لك طول العمر . أثق أنهم يحنّون إليك مثلما تحنّ إليهم ..
    قال :
    ـ أفكر فى العودة إلى أرمينية ..
    ـ لماذا ؟
    ـ هذا أفضل ..
    ـ كنت ترفض العودة إلى الحكم الشيوعى بعد انضمام أرمينية إلى الاتحاد السوفييتى فى 1922
    ورمقته بنظرة مستفهمة :
    ـ ما أعرفه أن الأمور لم تتغير ..
    ـ ليس صحيحاً . آلاف من المهاجرين عادوا إلى أرمينية فى السنوات الأخيرة ..
    ـ لماذا ؟
    وهو يشيح بيده :
    ـ لماذا .. لماذا .. ربما لأن الأوضاع تغيرت ..
    ثم فيما يشبه الضيق :
    ـ أنا أرمنى ، ولست سوفييتياً !
  • 04/08/2008, 03:09 PM
    د. حسين علي محمد

    رد: النص الكامل لرواية «صيد العصاري» للر

    ـ 16 ـ

    استعدت العبارة :
    ـ مات النقراشى ؟
    جاء صوت فيصل مصيلحى على التليفون محملاً بالتوتر :
    ـ قتله عضو فى الإخوان المسلمين .
    ظل متكتماً صلته بجماعة الإخوان المسلمين ، لكننى كنت أدرك ـ من كلماته وتصرفاته ـ ارتباطه بالجماعة على نحو ما . أطالع الصحف . أكتفى بنظرة تساؤل صامتة إلى عينيه . تومضان بما أحدس أنه يخفيه : قتل القاضى أحمد الخازندار . إلقاء القنابل والمتفجرات على أقسام البوليس فى الخليفة والموسكى وباب الشعرية والجمالية ومصر القديمة والأزبكية والسيدة زينب . إلقاء القنابل ـ فى ليلة عيد الميلاد ـ على محال يرتادها جنود الجيش البريطانى . توالى الانفجارات فى ممتلكات اليهود : بنزايون ، جاتينيو ، شركة الدلتا التجارية ، ماركونى ، شيكوريل ، شركة الإعلانات المصرية ، تدمير بيوت فى حارة اليهود ، قتل حكمدار القاهرة سليم زكى ، إلقاء قنبلة على رجال الأمن بالمدرسة الخديوية ..
    فضل فيصل أن نلتقى فى قهوة فاروق . مشكلات صغيرة ، علينا إنهاؤها قبل أن نلتقى فى العلن . روى ـ بكلمات سريعة ـ ظروف قتل النقراشى . أطلق عليه طالب البيطرى عبد المجيد أحمد حسن ثلاث رصاصات ، وهو يتهيأ للصعود إلى مكتبه بوزارة الداخلية .
    بدا فيصل ميتاً من الخوف وهو يهمس بقرار حل جماعة الإخوان المسلمين وشعبها ، إغلاق الأمكنة المخصصة لنشاطها : المصانع والشركات والمعاهد والمستشفيات ، ضبط أوراقها ، وثائقها ، سجلاتها ، مطبوعاتها ، أموالها ، كل الأشياء المملوكة لها . حتى شعبة الإخوان فى البناية المطلة على ميدان أبو العباس ، رآه مغلقاً ـ فى وقفته أعلى الدحديرة الخلفية للجامع ـ وأمامه عساكر ..
    قلت :
    ـ هل ينطبق القرار على الشركة ؟
    ـ أى شركة ؟
    ـ شركتنا .. شركتك ..
    ـ لا شأن لهم بها . ورثتها عن أبى ..
    ونقر جبهته بإصبعه :
    ـ فى دولاب حجرة هناء زكريا آلة طباعة بالبالوظة . لابد من وسيلة لإخفائها ..
    هل كان يمارس فى الشركة نشاطاً سياسياً ؟
    اعتدت ـ فى عودتى إلى البيت على الكورنيش ـ رؤية الضوء المنبعث من خصاص النافذة المغلقة . أحدس بقاءه فى الشركة لإنجاز ما يتطلب السهر . ربما كان يلتقى بمن لا أعرفهم ـ هل هم أعضاء فى الجماعة ؟ ـ أو يدير آلة الطباعة فى منشورات يخفيها ؟
    أدركت أنه تخلى عما ألفته منه : إذا استعصت عليه مشكلة ، أو بدت نذرها ، لجأ إلى جزيرته الخاصة ، يحيطها بأسوار عالية ، لا تأذن لأحد برؤية ما بداخلها ..
    همست بما يقلقه للدكتور جارو ..
    قال :
    ـ ما أعرفه أن الاعتقالات شملت الشيوعيين أيضاً ..
    وتنحنح ليزيل احتباس صوته :
    ـ كل من اختلف مع السعديين أودع المعتقلات !
    ورنا ناحيتى بنظرة جانبية :
    ـ خذ من صديقك آلة الطباعة التى يخشى ضبطها ..
    وأردف فى لهجة مشاركة :
    ـ وجودها فى العيادة لن يثير الشكوك ..
    قلت فى ذهول :
    ـ هل تحتفظ بها هنا ؟
    ـ قلت إنه صديقك ..
    ـ أخشى أن أعرضك لمتاعب ..
    ـ عين البوليس لن تفطن إلى عيادة طبيب أرمنى عجوز ..
    ورفع عيناً متسائلة :
    ـ لماذا قتلوا النقراشى ؟
    قلت :
    ـ اتهمه الأخوان بخيانة قضية فلسطين ..
    قال فى نبرته الهادئة :
    ـ قرار الحل منطقى فى ظل تحول الإخوان إلى جماعة عسكرية ..
    اعتدل فى جلسته بحيث واجهنى . قال لنظرتى المستغربة :
    ـ ما فعلته لأن صديقك تهدد فى حريته . أرفض ـ لأسباب تعرفها ـ نفى أى إنسان ومصادرة رأيه وإلغاء حريته .
    توقع أن يرد الإخوان المسلمون على قرار الحل : الضربة مؤلمة ، لكنها ليست قاتلة . المئات ـ مثل صديقك ـ خارج المعتقلات . هؤلاء لن يسكتوا . لابد أن يردوا . عرف الإخوان التشكيلات المسلحة والعمل السرى واستخدام المتفجرات . لم تعد الكلمات وحدها وسيلتهم إلى التعبير . علينا أن ننتظر مفاجآت ..
    عاب على الإخوان المسلمين أنهم أنفقوا الأموال فى شراء السلاح ، والتدرب على استخدامه . لكن السلاح ظل فى المخازن ، حتى بدأ استخدامه فى عمليات الاغتيال والتفجير . أتشكك فى الدعاوى الدينية منذ استغلت حكومة الأتراك جهل مواطنيها المسلمين بحقيقة دينهم. حرضتهم على قتلنا باعتبارنا كفاراً !
    استعدت لقاءاتنا . لم يكن يشير إلى الدين على أى نحو . وحين أتمتم " الله أعظم " بتعالى صوت مؤذن جامع سيدى على تمراز بالأذان " الله أكبر " لم يكن يبدى ملاحظة ما ..
    قال :
    ـ موقفى ، رأيى ، ضد الإخوان المسلمين . لا شأن لذلك باختلاف الديانة . ورثت عقيدتى ، ولا شأن لى بها . إجازتى الأسبوعية أقضيها فى البيت ، لا أتردد على الكنيسة . أعامل البشر باعتبارهم كذلك . ما فعله الأخوان المسلمون فى عهد صدقى أثارنى . مهادنة صدقى جريمة ارتكبها من ادعوا انتماءهم إلى دين متطور . أثق أن الإسلام دين متطور . إذا كان النقراشى قد أخطأ فى حل الإخوان المسلمين ، فإنهم قد أخطأوا بعمليات الاغتيال والتفجير ..
    وعلا صوته :
    ـ من يضع يده فى يد الديكتاتور فهو يوافق على أفكاره وتصرفاته !
    ثم غير صوته :
    ـ كان فى بالى أنى غريب عن هذه المدينة ، غريب عن مصر كلها . لا شأن لى بما أراه أو أسمعه . ثم جرنى التعاطف مع الفلسطينيين إلى الاهتمام بما يعانونه ، ثم اجتذبتنى الأحداث فأنا ـ كما ترى ـ أنشغل بها ..
    استطرد فى ابتسامة متكلفة :
    ـ التقاط طرف الخيط جر البكرة كلها ..
    ***
    كانت مفاتيح الشركة معى . أذهب إلى الشركة فى كل صباح . أتوقع ضباط المباحث ـ أمام الباب ، أو فى الداخل ـ والإغلاق ، والشمع الأحمر ، والحراسة ، وبطاقتك الشخصية ، والسؤال : من تريد ؟
    ألغت الحكومة قرار حل جماعة الإخوان المسلمين . تشجع فيصل ـ بغياب ما يقلق ـ فعاد إلى الشركة ..
    ـ الحمد لله أنى لست واحداً من الآلاف الذين أودعوا المعتقلات .
    قلت فى نبرة لوم :
    ـ لم تبلغنى بعضويتك فيها ..
    تردد فى الإجابة ، ثم قال :
    ـ ربما لأن الموضوع شخصى .
    لم أتحدث عن الموضوعات الشخصية التى يقاسمنى فيها الرأى : تحقيقات عيسوى أبو الغيط ، عيادة الدكتور جارو ، علاقتى بنورا ..
    اكتفيت بالقول :
    ـ الحمد لله !
    أطرق إلى الأرض ، ثم رفع عينين منداتين :
    ـ أسخف الأمور أن تحتفظ فى داخلك بخوف لا تصارح به أحداً !
    أردف فى كلمات متباطئة :
    ـ الجهاد يتطلب شجاعة .. لا أمتلكها !
    ـ حاولت أن ألتقى بك فى صلاة الجمعة بعلى تمراز ..
    ـ اكتفيت بالصلاة فى البيت ..
    ثم وهو يتشاغل بتقليب أوراق فى يديه :
    ـ همنى أن أبتعد عن الجوامع ..
    تكلم عن الحزن الذى تملك مشاعره ، وهو يحرق ـ فى دورة المياه ـ كل ما له صلة بالجماعة . أوراق ومطبوعات ـ يرى أنها مهمة ـ ائتمنته الجماعة عليها . حتى خطب الإمام وكتب قيادات الجماعة . حتى الصورة الوحيدة وهو يتابع درساً للإمام البنا . أحزنه مجرد التفكير فى رد السؤال ، بعد أن تزول المحنة : أين الأوراق التى لديك ؟
    لم تمتد إلى المكتب يد التفتيش ، ولا الإغلاق . شاب شعورى بالراحة إدراك أن فيصل مصيلحى كان أداة هامشية فى نشاط الجماعة . لم تلحظها عين الدولة ، فأهملتها .
  • 27/07/2008, 07:02 AM
    د. حسين علي محمد

    رد: النص الكامل لرواية «صيد العصاري» للر

    ـ 15 ـ

    قال العجوز :
    ـ لا تخرجى من بيتك هذه الأيام ..
    ـ لماذا ؟
    ـ المظاهرات ..
    وهز إصبعه :
    ـ لا تخرجى .. ولا تأتى إلى العيادة ..
    حذرها من أوامر الضرب فى المليان . المليان هو أجساد المتظاهرين . طلقات الرصاص تندفع من كل مكان ، تتجه إلى غير مكان . حتى الفرار يبدو مستحيلاً . إن لم تخافى على نفسك ، فاشفقى على أبويك .
    قالت فى لهجة مهونة :
    ـ الأمر ليس بهذه الخطورة ..
    ـ قد يتفجر الوضع بأشد مما نتصوره ..
    وفاجأنى بالقول :
    ـ اصحبها إلى محطة الترام ..
    ملنا ناحية البحر ..
    آثار تحطيم وتكسير متناثرة فى شارع إسماعيل صبرى . قهوة فاروق خالية من الرواد ، ومعظم الأبواب مغلقة ، والكراسى تكومت فوق الطاولات . سحب بيضاء ، صغيرة ، تتناثر فى السماء ، ومن وراء الكورنيش الحجرى تترامى أصوات التكسرات المستمرة لمد الموج على المصدات الأسمنتية .
    قالت نورا :
    ـ حتى أبى طلب أن أظل فى البيت ، ولا أذهب إلى الكلية .
    ولوت شفتها السفلى :
    ـ ولا حتى إلى مكتب أبى ..
    استطردت لنظرتى المتسائلة :
    ـ أتردد عليه ساعتين كل صباح لمساعدته فى إنجاز الأوراق المهمة .
    قلت :
    ـ ما شأن ذلك بما يحدث ؟
    ـ امتدت المظاهرات إلى كل مكان ..
    ـ أتصور أنه ليس ملحاً ذهابك إلى الكلية أو المكتب ..
    ـ صحيح .. لكن أوامر المنع تثيرنى !

    [align=center](يتبع)[/align]
  • 27/07/2008, 07:01 AM
    د. حسين علي محمد

    رد: النص الكامل لرواية «صيد العصاري» للر

    ـ 14 ـ

    ألقت نورا بكل ذاتها فى انشغالها بما يجرى . تسأل ، وتناقش ، وتوافق ، وتعترض ، وتلصق الشعارات ، وتردد الهتافات ، وتوزع المنشورات ، وتذوب وسط الجموع المتلاصقة ، الهاتفة . لم تفاجئنى تصرفاتها . أرمينية هى القضية التى اختارتها لرسالة الماجستير ، الاحتلال والتهجير والقتل والتدمير .
    يقتحمنى الخوف من أن تجرفها أمواج المتظاهرين . تقع تحت الأقدام فلا تملك الوقوف . تتقلص يدى على موفقها ، وأجتذبها ناحيتى .
    بدت كأنها تخوض معركتها الشخصية ، لا تشغلها النتائج ، ولا تتطلع لأفق الخطر . حتى المصادمات بين العساكر والمتظاهرين ، كانت تجتذبها ، تثيرها ، وتتابعها . تدخل معى فى مناقشات ، تبدأ ولا تنتهى . أستعيد أسئلتها وآراءها فيما لم أتصور أنها تحدثت فيه . تدرك ـ لابد ـ أن الدكتور جارو والخواجة أندريا يرفضان اقترابها من العمل السياسى . تتلفت ـ بعفوية ـ كمن تتأكد أنه ليس بيننا ثالث . تسأل ، أو تبدى الملاحظة . تتشابك الخيوط ، وتختلط ، وإن لم تجاوز مساحة الأحداث التى نعيشها . تفاجئنى بالمعلومة أو الفكرة التى ربما لم أفطن إليها . أحداث من المشهد الثقافى والسياسى . أمر الملك بدخول الحرب بحثاً عن الشعبية ، لم يخطر فى باله أنه سيخسر الحرب والشعبية . متطوعون من أوروبا الشرقية يصلون بطائراتهم للقتال إلى جانب اليهود . كان يجب على الدول العربية أن تساعد الفلسطينيين على خوض معركتهم ، ولا تحارب بالنيابة عنهم . تقتصر مشاركتها على المتطوعين . تظل الحرب فلسطينية يهودية ، وليست عربية يهودية ، فلا يكسب اليهود عطفاً لا يستحقونه . إذا لم تكن تعرف ، فإن العالم كله مع دولة اليهود فى فلسطين ، من أقنعته السياسة ومن أقنعته الرشوة . أنت تكتفى بقراءة الصحيفة العربية ، وأنا أقرأ الصحف الأجنبية أيضاً ..
    فاجأتنى بالقول :
    ـ مشكلة العرب أنهم يتعاملون مع اليهود باعتبارهم عصابات !
    ـ هم كذلك بالفعل !
    ـ لماذا إذن قبلوا الهدنة ؟
    ـ الأمم المتحدة هى التى قررت الهدنة .
    قاطعتنى :
    ـ وهى التى أعلنت التقسيم ، وهى التى احتشدت فيها كل الدول الكبرى لإعطاء فلسطين لليهود
    ـ إرادة المجتمع الدولى يجب أن تحترم !
    ـ وخرق اليهود للهدنة .. ما معناه ؟!
    حدجتنى بنظرة تتأمل الريبة التى لابد أنها نطقت فى وجهى :
    ـ أذكرك بأن العرب ضيعوا الأندلس بإهمالهم آخر قلاع الجنوب الأسبانى ..
    خلت حياتنا إلا من مفردات المظاهرة ، والإضراب ، والاعتصام ، وتوقف المواصلات ، والمنشورات ، والعمال ، والطلبة ، والصهيونية ، وفلسطين ، وإيقاف الدراسة . إذا كانت الحكومات المصرية قد أخفقت فى حل قضية مصر أمام مجلس الأمن ، فكيف نتوقع أن تحل قضية فلسطين ؟ . ما حدث فى دير ياسين يدل على أن اليهود يريدون طرد العرب من فلسطين ، وليس مشاركتهم الحياة فيها . انشغل ملوك العرب بالحصول على قطع من تورتة فلسطين ، بينما حصل اليهود على تأييد الشرق والغرب . هل هى أسلحة فاسدة ، أم قيادات فاسدة ؟ من يدفع ثمن الخيانة ؟
    ألفنا المظاهرات ، وهجمات عساكر البوليس ، وضربات الهراوات ، ودبشكات البنادق ، وخراطيم المياه ، والقنابل المسيلة للدموع ، وإطلاق الرصاص فى الهواء . شاركنا المتظاهرين فى التقاط قطع الحجارة من الخرابات والبيوت المتهدمة والساحات ، وفى قطع الأشجار ، وانتزاع أعمدة النور ، وإقامة المتاريس وسط الشوارع ، وفى تقاطعاتها .
    استقرت فى داخلى أشواق إلى أجوبة عن أسئلة ، تشغلنى دون أن تكتمل مفرداتها ..
    ***
    فاجأنى ، أذهلنى ، ما فعلته نورا ..
    قفزت إلى مقدمة سيارة واقفة إلى جانب الطريق . بدت بالتايير الكحلى المنسدل إلى ما فوق قدميها ، أعلى من كل الرءوس المتلاصقة . هزت قبضتها ، وهتفت بآخر صوتها : الاستقلال التام أو الموت الزؤام ..
    كأنه مجموعة أصوات ، تختلف عما اعتدته فى صوتها ، وإن تآلفت الأصوات فى هارمونية اجتذبت صمت المتظاهرين . أعادت رفع قبضتها ، وخفضها . هزتها فى الهواء ..
    ردد المتظاهرون الهتاف : الاستقلال التام أو الموت الزؤام ..
    أخذ الهتاف شكل الإيقاع المنتظم . تسارع . رددت البنايات المحيطة بالميدان أصداء الهتاف ..
    أبطأت الخطوات ، توقفت تماماً ، لما ظهر عساكر البوليس يسدون الشوارع الرئيسية المتفرعة من ميدان محمد على وميدان المنشية . ثلاثة صفوف متراصة ، يحملون العصى والمصدات الزجاجية . حول طريق السيارات إلى الكورنيش والشوارع المتفرعة منه . سدت كل المنافذ . بدت العودة إلى بحرى مستحيلة ..
    اختلطت قطع الحجارة والهتافات ، والعصى والهراوات وكعوب البنادق والدروع والخوذات ودخان القنابل المسيلة للدموع ..
    تفرقت المظاهرة إلى مظاهرات صغيرة . لاذت بالشوارع الصغيرة ، الجانبية . تبادلنا نظرات الحيرة . مددت يدى ـ بتلقائية ـ فأمسكت بذراعها , وسبقتها إلى شارع جانبى ..
    سرنا صامتين ..
    ملنا إلى انحناءات الشوارع الجانبية ، لا نقصد شارعاً ، ولا نتوقف لتبين ما إذا كنا نعرف اتجاهنا . تصخب فى داخلى ـ حدست أن هذا هو ما كانت تعانيه ـ ومضات المظاهرة وهتاف نورا وضربات العساكر والدماء والصراخ . هدأت خطواتنا ـ بالطمأنينة ـ والكورنيش يطالعنا أمام قهوة المطرى ..
    دخل ـ دون تعمد ـ عالمى الذى اقتصر ـ منذ تركت عيسى أبو الغيط ـ على دراسات القضية المصرية ، وقضايا وادى النيل ، والقضية الفلسطينية . ثم الخروج فى مظاهرات ، وعقد المؤتمرات ، وحبى لنورا الذى يشبه سمكة يرفض الصياد جذبها !
    ارتبكت للخاطر الذى راودنى بأن أضمها إلى صدرى . أقبل شعرها وجبينها وخديها وشفتيها . زاد فى ارتباكى مشيتها الصامتة ، ونظرة ـ غير متأملة ـ تتجه بها إلى الأفق . وكان قوس قزح يتوسط الميناء الشرقية .
    قالت :
    ـ لم أتصور أنى سأواجه هذا الموقف ..
    وأنا أحدق فى وجهها الشاحب :
    ـ هل أصبت ؟
    يبدو أن العسكرى أشفق علىّ ، فوجه ضربته إلى الشاب بجانبى ..
    ـ من ؟
    ـ لا أعرفه .. شاب من المتظاهرين !
    ـ مشاركة البنات فى المظاهرات قليلة .. لكنك الأولى فى قيادة المتظاهرين ..
    وهى تستعيد ابتسامتها :
    ـ لا أدرى كيف جرى ما حدث .. الانفعال وحده دفعنى إلى ما فعلت !
    أردفت فى عفوية :
    ـ الانتماء جميل !
    ***
    قال لى فيصل مصيلحى :
    ـ أنت تسير فى زقاق مسدود ..
    ـ لماذا ؟
    ـ علاقتك بهذه الفتاة لها نهاية واحدة ، هى الفراق ..
    رفع كتفيه فى نفاد صبر :
    ـ ما معنى أن تحب فتاة لا أمل لك فى الزواج منها ؟
    ـ ليس عند أى منا موانع طبية . يمكن أن نتزوج ..
    ـ توجد موانع شرعية . إنها من ديانة مختلفة ..
    ـ ديننا لا يمنع الزواج من الكتابية ..
    ـ وأهلها .. هل يوافقون ؟
    ـ ترحيبهم بعلاقتنا يؤكد موافقتهم ..
    ـ رحبوا بالصداقة لا بالزواج ..
    ـ الخواجة أندريا متعصب للأرمن ، لكنه متسامح فى الدين ..
    قال فى نبرة حاسمة :
    ـ قراءة قصص الحب فى الروايات شىء ، ومحاولة تقمص شخصيات تلك القصص شىء آخر
  • 27/07/2008, 07:00 AM
    د. حسين علي محمد

    رد: النص الكامل لرواية «صيد العصاري» للر

    ـ 13 ـ

    مذبحة دير ياسين ..
    بدت شاغلاً للناس فى كل مكان : 250 عاملاًُ فلسطينياً كانوا عائدين وقت الغروب من عملهم . تربص لهم أعضاء الأرجون وحصدوهم بالرصاص .
    حضرت مؤتمراً ، مزق فيه الطلبة صور الملك فاروق ، وأشعلوا فيها النيران . أول هجوم سافر ضد الملكية . لحقتهم فى مظاهرة تهتف : لا ملك إلا الله .
    قال الدكتور جارو :
    ـ ما يحدث فى فلسطين ليس أول إبادة يشهدها هذا القرن . لا تنس الإبادة العرقية التى قام بها الأتراك ضد الأرمن .
    ونطق الأسى فى صوته :
    ـ اللجوء إلى الإبادة يأتى عند الشعور بخطر السكان الأصليين . هذا ما حدث فى أمريكا ، وفى أرمينية ، وهو ما يحدث فى فلسطين ..
    وطرقع بأصابعه :
    ـ هدف مذبحة دير ياسين ـ كما أرى ـ دفع الفلسطينيين إلى الفرار بحياتهم خارج بلادهم ..
    وأسلم نفسه إلى شرود :
    ـ هذا هو ما أراده الأتراك بمذابحهم ضد الأرمن ..
    واتجه ناحيتى بنظرة متسائلة :
    ـ هل تذكر ما رويته ؟
    أمنية يستعيدها ، يكررها : أن يزاح الغموض عن حقيقة الإبادة العرقية للأرمن ، الموت جوعاً ، والضرب المفضى للموت ، وعمليات الاغتصاب ، والتشوه الجنسى . ومضت إمكانيات ، ثم اختفت . بدت المسافة متسعة فيصعب تقريبها ..
    قال :
    ـ لليهود دور سلبى فى أوقات المذابح العثمانية للأرمن . أوكلوا إلى أنفسهم دور المرشدين عن الفارين من الإبادة ..
    وبدا أنه يجاهد ليبدو صوته هادئاً :
    ـ عُرف ـ فيما بعد ـ أنهم عرضوا على العثمانيين أثناء المذابح موافقة السلطان عبد الحميد على استيطان اليهود فلسطين مقابل التأثير على الإعلام الأوروبى والأمريكى ..
    أتبين ـ فى رنة صوته ـ ما يعانيه . حتى لو كسا الهدوء وجهه . حتى الابتسامة الخافتة ، المتكلفة ، على شفتيه ، أحدس ما بذله من جهد فى رسمها ..
    ***
    جاءنى صوت نورا فى التليفون حزيناً ، مرتبكاً :
    ـ ألقوا القبض على الدكتور جارو ..
    أغلقت السماعة دون أن أعرف من هم ، ولا لماذا ألقوا القبض عليه ؟
    كان إعلان قيام دولة إسرائيل ، وتحرك القوات العربية إلى فلسطين ، محور أخبار الإذاعات والصحف ومناقشات المكاتب والمقاهى والأسواق . كان يتأمل ارتباكى من أخبار الاعتقالات التى امتدت إلى كل أحياء الإسكندرية . استقبل معتقل أبو قير المئات من المصريين واليونانيين والأرمن واليهود . أعانى الانتظار أن يطالعنى ـ فى لحظة لا أتوقعها ـ من يحيط بساعدى وهو يقول : تفضل معى !
    أطلت الوقوف أمام باب الشقة . لاحظت أمى أنى أكتم ما يشغلها أن أبوح به . كنت أعانى ترقب المجهول . الخطر الذى لا أدرى بواعثه ولا ملامحه . أبتعد عن أمى ، وعن نورا ، وعن الحياة التى ألفتها . أدخل نفقاً تطمس الظلمة مرئياته ..
    قلت :
    ـ إذا تأخرت عن البيت لا تقلقى ..
    واتجهت للتساؤل فى عينيها :
    ـ ربما أسافر خارج الإسكندرية ..
    وهى تدير خصلة الشعر :
    ـ هل تخفى شيئاً ؟
    ـ أبداً .. لكن إذا تأخرت سأترك خبراً عند فيصل مصيلحى فى المكتب ..
    أغلقت الباب خلفى ، حتى لا تربكنى بالمزيد من الأسئلة ..
    فاجأنى فيصل مصيلحى بتخوفه من دخول القوات العربية النظامية ، بدلاً من قوات الفدائيين . الجيوش تعبير عن أنظمة فاسدة . أما الفدائيون ، فهم يدافعون ـ بيقين دينى ـ عن بلاد الأقصى . استعاد قول الشيخ البنا للنقراشى : فلسطين فيها عصابات صهيونية ، ونحن عصابات إسلامية ، والعصابات يضرب بعضها بعضاً . إن انتصرنا فلمصر ، وإن متنا دخلنا الجنة ..
    قال :
    ـ للإخوان ست كتائب قبل إعلان الهدنة الأولى .. لماذا يجبرهم على قبول ما اضطر لقبوله ؟
    قال لى العجوز دون مناسبة :
    ـ لا شأن للحكومة بأصحاب الرأى .. لكنها تعتقل من ينضمون إلى تنظيمات معادية لها ..
    قلت فى دهشة :
    ـ لماذا تخبرنى بهذا ؟
    بدا أن الرجل واصل شروده ، فلم يسمعنى . كانت عيناه ـ فى الأيام الأخيرة ـ دائمتى الشرود . كأنه ينفصل عما حوله ، وأنه لا يرانى فى جلستى أمامه ..
    أعدت السؤال ..
    قال :
    ـ إذا نقل أحدهم آراءك فلا خوف . المهم أن تظل فى حدود إبداء الرأى ..
    لم أعد أتردد على العيادة . لم أعد أسير فى اتجاه شارع إسماعيل صبرى ، ولا الشوارع المتصلة به . توقعت أنهم دخلوا العيادة لاعتقالى . إن لم يفطنوا إلى المنشورات ، فلابد أن تثيرهم مقالات الصحف .
    سابع يوم، وربما ثامن يوم، كانت نورا تنتظرنى أمام المكتب:
    ـ لم يكونوا يقصدونك كما تصورنا ..
    وافتر فمها عن ابتسامة باهتة :
    ـ ألقوا القبض على الدكتور جارو .. ثم أفرجوا عنه ..
    لم أخف دهشتى :
    ـ لا صلة للرجل بالسياسة ..
    ـ لعلها وشاية أو بلاغ كاذب ..
    هزت رأسها مؤمّنة :
    ـ حققوا معه ، ثم أفرجوا عنه ..
    أذهلنى هدوؤه كأنه لم يعتقل ، ولا تعرض للتحقيق ، بكل ما ينطوى عليه من ملابسات . ظلت الابتسامة الهادئة على شفتيه ، وإن تكثفت ـ فى وجهه ـ خيوط توتر صامت ..
    قال :
    ـ البلد فى حالة حرب ، وأنا أجنبى ..
    هتفت بانفعال :
    ـ أنت أكثر مصرية من بعض المصريين ..
    ـ رأى أعتز به .. لكن الأمن لا يعرف التعبيرات الطيبة ..
    أردف فى لهجة محايدة :
    ـ هذا ليس وطنى ..
    وتلفت حوله كالمتحير :
    ـ لم يعد يغضبنى فقد أى شئ منذ فقدت أرمينية ..
  • 27/07/2008, 06:59 AM
    د. حسين علي محمد

    رد: النص الكامل لرواية «صيد العصاري» للر

    ـ 12 ـ

    أذهلنى التماع عينيها بالمفاجأة . أدركت أنها لم تكن تنتظر هذا العرض ، وأن العلاقة بينى وبينها ترفض الارتباط الأبدى ..
    رشقت فى عينى نظرة زاجرة :
    ـ أنا لا أصلح لك ..
    ـ هذا ما أقرره أنا . المهم هو : هل أصلح أنا لك ؟
    لم أتوقع ردها . لم أتوقع أنها سترفض . غابت الأحاديث عن المستقبل ، لكنه بدا لى فى الأفق القريب . يضمنا معاً ، لا تهمله ، ولا أتخلى عنه ..
    كنت قد صحبتها إلى حديقة الحيوان ، تمشينا فى حديقة أنطونيادس ، انشغلت بقراءة الدوريات فى مكتبة البلدية أثناء نقلها ملاحظات من المراجع ، خلعت حذاءها وتقافزت على رمال ستانلى ، أرهفنا السمع لصوت ارتطام الأمواج بجدران قلعة قايتباى . تأملنا الصيادين يضعون الحبال الطويلة على أكتافهم ، يجرّون ـ فى سيرهم المتباطئ على الكورنيش الحجرى والرصيف ـ شبك الجرافة إلى موضع إفراغه من الأسماك . زرنا المتحف اليونانى والرومانى ، ومقبرة اللاتين . أطلنا متابعة مواكب الزفاف فى ميدان المساجد . تمشينا فى المسافة بين تمثال الخديو إسماعيل والسلسلة . استعدنا وقفة نابليون فى هضبة عامود السوارى . ألحظ ما لم أتصوره فى بداية تعرفى إليها . طالعتنى بإلمام واسع فى السياسة والتاريخ والاقتصاد . حتى القصص والروايات كانت تستشهد بأحداثها . ربما استعادت أبياتاً من الشعر للتدليل على رأيها . لم تكن معلوماتها تقتصر على الحياة فى أرمينية ، التاريخ والبشر والمعتقدات والعادات والتقاليد . تتكلم فى كل ما تستدعيه المناقشات . تتسع رواياتها عن الحكايات والوقائع التاريخية والأماكن والأرقام والأحداث .
    التقينا فى ميدان محطة الرمل بشقيقها يعقوب . تبادلت نورا معه كلمات سريعة ، وأومأ لى بالتحية ، ومضى . اعتذرت عن عدم تلبية دعوتى بمشاهدة فيلم فى سينما أمير ، بطلاه دوريس داى وروك هدسون ..
    لاحظت أنها كانت تستعيد ما يرويه الدكتور جارو من صور . تتخيلها بالعبارات التى يتحدث بها : الطقس والجبال والسهول والوديان والميادين والشوارع والمتنزهات وسلوكيات الحياة . أعرف أنها ولدت فى الإسكندرية . لم تغادرها إلى خارج مصر . مساحة الإسكندرية ، ما يسهل أن تتحدث عنه ستة وعشرين كيلو متراً ، المسافة بين قصر رأس التين وقصر المنتزة . ربما جاوزت المسافة إلى أبو قير ، أو إلى ناحية الغرب فى المكس . لكن أحاديثها تقتصر على المساحة التى تشكل مدينة الإسكندرية ، المدينة التى يغمض أهلها أعينهم على قسماتها ، يتحركون فى الشوارع والميادين ، ويتجولون بين الأسواق والبنايات .
    قلت :
    ـ قد لا تصدقين .. لكننى كنت على ثقة أننا سنلتقى ذات يوم .
    ـ أذكر أن لقاءنا الأول كان فى عيادة الدكتور جارو ..
    ـ التقيت بك فى خيالى عشرات المرات ، وتوقعت أن يحدث اللقاء فى الواقع ..
    ـ مجاملة لا بأس بها ، لكننى لا أحب المبالغات الرومانسية .
    وواجهتنى بنظرة متسائلة :
    ـ لماذا أنا ؟
    وأدارت خصلة الشعر بإصبعها :
    ـ نحن نختلف حتى فى الديانة ..
    ـ لكننا نتفق فى ميل أحدنا إلى الآخر ..
    أردفت فى تحمس :
    ـ طبيعة الحب أنه لا يعترف بالعقبات ..
    ـ الحب ليس كل شئ فى حياتنا . هناك أشياء أهم !
    ـ حتى الأشياء الأخرى ، إما أن نحبها أو نكرهها ..
    استطردت فى ثقة مفتعلة :
    ـ الحب أو الكره .. أليس كذلك ؟
    قالت :
    ـ لو أنى أحيا فى أرمينية ، قد تبهرنى شخصية الرجل الشرقى ، ما يغلف حياته من الغموض والسحر ، لكننى أحيا فى مصر .. أنا مواطنة مصرية ..
    قبضت على حقيبتها ، ونهضت واقفة .
  • 27/07/2008, 06:59 AM
    د. حسين علي محمد

    رد: النص الكامل لرواية «صيد العصاري» للر

    ـ 11 ـ

    بدت العيادة ممتلئة بالمترددين . على غير العادة . هو الوقت الذى خصصه الدكتور جارو لاستقبال نورا ، ولاستقبالى ..
    لمح وقفتى المترددة :
    ـ ادخل ..
    وأشار إلى صناديق كرتونية صغيرة فوق المكتب :
    ـ مستوصف سوق السمك القديم عاجز عن استيعاب طالبى التطعيم من الكوليرا ..
    ونفث تنهيدة :
    ـ أحاول القيام بدور ..
    ونقر بإصبعه على جبهته كالمتنبه :
    ـ خذ المصل أنت أيضاً ..
    كنت أجلس فى لقاءات تسجيل ذكرياته لنورا فى فترات متباعدة . مجرد الحرص أن تظل صلتى بالدكتور جارو ، وصداقتى له . ألتقى بنورا بعيداً عن العيادة . فى بيتها ، أو فى أماكن نختارها ، أو تختارها المصادفة . صار العالم كله ملكاً لنا ..
    اعتدت من العجوز أحاديث المرارة . يقتحمه الشعور بأنه وحيد . تغيب البواعث ، وإن بدت الوحدة قاسية . المرء يولد ، يتعلم ، يعمل ، يأكل ، يشرب ، يتزوج ، ينجب ، يحب ، يكره ، يشيخ ، يمرض ، يموت ..
    لماذا يولد أصلاً ؟ لماذا لا يموت من البداية ؟
    صارحنى أنه ظل كارهاً لمصر أعواماً طويلة ، حتى ألف الأمكنة والبشر ، وإن بقيت صورة واحدة ، ثابتة ، لا تختلط بغيرها من الصور . يتجه ـ بالحنين ـ إلى مدن وأماكن فى أرمينية . يذكر الأسماء . لا أعرف موضعها على وجه التحديد . لا أعرف حتى كيف أنطقها جيداً . أكتفى بالخيال فى تصور المدن والبنايات والميادين والشوارع والجبال ، والناس الذين افترق عنهم بتشريد المنافى ..
    ـ كان الموقع هو مشكلة أرمينية مثلما كان مشكلة مصر . أرمينية ملتقى الطرق التجارية والعسكرية بين أوروبا وآسيا .. ومصر ملتقى الطرق بين أوروبا وإفريقيا وآسيا .. لذلك تعددت الغزوات للبلدين منذ التاريخ القديم ..
    ولاحظت ارتجافاً فى شفته السفلى :
    ـ الأحلام بعيداً عن الوطن مجرد حالة مرضية ..
    وعكس وجهه ما يعتمل فى نفسه من انفعالات :
    ـ كنت أعد نفسى للعودة إلى أرمينية لولا الوباء الذى فاجأ الجميع ..
    حدست أن الرجل يعانى : هل يستعيد بالتطعيمات ما رواه عن دوره فى إنقاذ جرحى النفى من بلاده ؟
    بدا الحدس يقيناً ، لما التفت ناحيتى فى وقفته أمام الطابور :
    ـ منذ قرار مجلس الأمن بتقسيم فلسطين لم يعد من السهل توقع ما سيحدث .
    اكتفيت بهزة من رأسى ..
    قال :
    ـ منذ ما يقرب من ربع قرن أنهت الحكومة العثمانية قضية الأرمن رسمياً . أعلنت أنه لم يعد للأرمن وجود فى دولة الخلافة !
    وهز سبابته :
    ـ تحدث قرار تقسيم فلسطين عن العرب واليهود . أما معاهدة لوزان فى 1923 فقد خلت من كلمتى أرمينية والأرمن ..
    وداخل صوته تهدج :
    ـ لم يعد للأرمن ادعاء مجرد الحق فى الحياة ..
    وتبدّلت نبرة صوته :
    ـ أخشى أن ذلك ما يعدونه للفلسطينيين !
  • 27/07/2008, 06:58 AM
    د. حسين علي محمد

    رد: النص الكامل لرواية «صيد العصاري» للر

    - 10 -

    طارت بى الدنيا ـ رغم تأثرى ـ لأنها باحت لى بالسر الذى تحتفظ به لنفسها . بما حرصت ألا ترويه لأحد ..
    لماذا اختارتنى من بين كل الذين تعرفهم لتحكى لى أسرارها ؟
    أثق أنها تعرف كثيرين . تتناثر فى كلماتها أسماء كثيرة ، وأحداث شارك فى صنعها من لا أذكرهم ، لكنهم ـ بالتأكيد ـ يملأون ذاكرتها ..
    هل هى صادقة فى تحذيرها لى ؟ . قالت : إنى إذا أعدت رواية الأسرار التى ائتمنتنى عليها ، فستكون الأسرار قد جاوزت اثنين ، فعرفها ثالث ؟ .. وانغماسها فى الأحاديث الهامسة مع العجوز ، ألا يسرق ما تتصور أنها كتمت صدرها عليه ؟
    أيقنت ـ فى لحظة لا أذكرها ـ أنى لم أعد أعرف أحداً ، ولا شيئاً ، فى الدنيا سواها . ألتقى بالآخرين ، أحادثهم ، أسير فى الشوارع ، أقف على شاطئ البحر ، أتلقى الرسائل من القرية ، أحيا كما يحيا الناس . لكن صورتها وحدها هى التى تشغلنى .
    ما نتبادله فى أحاديثنا يشى بالصداقة ، لكنه لا يتطلع إلى تسمية ، أو تسميات ، أخرى ..
    الحب !..
    شعرت أنى أحبها . لا يشغلنى فى هذا العالم سوى أن تكون لى . لا تشغلنى القراءة ولا الكتابة ولا الآراء المؤيدة أو المعارضة ، ولا فرص النشر ، ولا عملى عند فيصل مصيلحى ، ولا أى شئ . أن أكون محباً لها ، محبوباً منها ، هو ما يهمنى . تهاوى جدار السر بينى وبينها ، أعطى كل منا نفسه للآخر بالفضفضة ، ورواية ما كان يعتبره شأنه الشخصى .
    أنا أحبها .
    أتصور أنى أرى الحب فى عينيها . أثق أنها تبادلنى الحب ، وإن لم تهبنى ما أحيا على توقعه : كلمة ، أو إيماءة ، أو نظرة ذات معنى ..
    هل أحبتنى ؟!..
    لم يغب شعورى ، ولا شحب ، ولا تخاذل ، بأنها تضمر لى ما أسميه الحب ، ما أضعه فى إطاره ..
    خلت دنياى إلا منها : شعرها الأصفر ، المتموج ، على رأسها وكتفيها ، وعيناها الصافيتا الزرقة ، وأنفها الصغير ، وشفتاها الرقيقتان كورقتى وردة ، وقوامها الذى يستدعى معنى العافية . أصحو ، وأنام ، وأقرأ ، وأكتب ، وأسير ، وأجلس ، وأسأل ، وأجيب ، وأناقش ، وأشاهد . لا تبرح ذهنى . ربما ناقشتها ـ بينى وبين نفسى ـ فيما أكتمه فى داخلى ، لا أقدر أن أواجهها به .
    كانت تدير الفونوغراف فى حجرتها على أسطوانات لباخ أو موزار أو بيتهوفن . ترنو ناحيتى . تتأمل انعكاس الموسيقا فى ملامحى . أحببت الموسيقا الكلاسيكية لأنى أحب نورا . تنقلنى إلى أجواء تختلط فيها عيناها ، وابتسامتها ، وخصلة الشعر الملتفة حول إصبعها ، والهارمونى المنساب فى عالم بلا زمان ولا مكان ..
    فاجأتنى بالقول ـ ذات مساء ـ ونحن نفترق فى محطة الرمل ـ :
    ـ لا إله إلا الله .
    قلت بعفوية :
    ـ محمد رسول الله .
    تنبهت ـ فى اللحظة التالية ـ إلى ما قالت ..
    اعتدت ـ فيما بعد ـ قولها : بسم الله الرحمن الرحيم .. اسم الله عليك .. ودين النبى .. وحياة أبو العباس ..
    تمنيت أن نتبادل ـ ذات يوم ـ كلام المحبين . يصعب أن أحدسه معها . ماذا أقول ؟ ماذا تقول ؟. لكنه لابد أن يختلف عن كلام المظاهرات ، وذكريات الدكتور جارو ، وقضايا السياسة ، ومراجع رسالة الماجستير ..
    عدنا إلى السير فى ميدان المنشية ..
    بدا الميدان صامتاً ، ساكناً ، يختلف عن الصورة التى كان عليها يوم الصدام بين المتظاهرين وقوات البوليس . لم يعد إلا قطع حجارة متناثرة ، وفروع أشجار ، وبقع دماء داكنة ..
    صحبتنى إلى مكتب البريد الرئيسى بالمنشية . وضعت حوالة الجنيهات الخمسة فى داخل المظروف . كتبت عليه " السيدة الفاضلة والدة صلاح بكر ـ الصوامعة ـ طهطا . أرفقت بالحوالة كلمات ، لمّحت فيها إلى أن العمل قد يأخذ وقتى فى الفترة القادمة .
    كيف تستقبل أمى زواجى من نورا ، لو أن أميرتى وافقت ؟
    حياتها تختلف عن حياتنا . إنها جميلة بارك الله لك فيها . هى ليست من دينك . هل تعرف أهلها ؟ هل تقبل العيش بعيداً عن الإسكندرية ؟.
    حتى لو عارضت أمى ، فإنها ـ هذا هو ما اعتدته ـ ستوافق ، وتبارك ، وتحب نورا مثلما أحببتها ..
  • 27/07/2008, 06:57 AM
    د. حسين علي محمد

    رد: النص الكامل لرواية «صيد العصاري» للر

    ـ 9 ـ

    أشارت نورا بيدها إلى شارع توفيق ..
    قلت :
    ـ مظاهرة ..
    ـ لماذا ؟
    ـ لألف سبب ..
    ثم وهى تصلح بأصابعها من فوضى شعرها :
    ـ اتهم النقراشى الإنجليز فى مجلس الأمن بالقرصنة ، وعاد ليمارس القهر على المصريين .
    كنا واقفين على باب مكتبة دار المعارف . صحبتها لشراء مراجع ، واشتريت كتاب محمد خطاب " المسحراتى " ..
    اعتدت أن أقضى ساعات فى مكتبة كلية الآداب ، فى البناية المطلة على شاطئ الشاطبى . أتشاغل بقراءة ما أشعر أنى سأفيد منه فى دراساتى . على الجانب المقابل من الطاولة الخشبية المستطيلة ، اللامعة . تضع نورا المراجع أمامها . تسجل فى بطاقات ما ترى أنه يفيدها فى رسالتها . تومئ برأسها ، دلالة أنها تستعد للانصراف . أسبقها إلى الباب ..
    خلفت المظاهرة شارع توفيق . اتسعت مساحتها باتساع ميدان محمد على . انجذبنا نحو الهتافات والزحام . سرنا فى قلب المظاهرة . لم نعرف إلى أين تتجه . اندسسنا فيها ، التصق كل منا بالآخر ، ورحنا نردد هتافات كان الشاب فى مقدمة المتظاهرين يرددها ، ضد الصهيونية والولايات المتحدة ، وبريطانيا .
    أرنو بجانب عينى إلى نورا . أشعر أنها قد استغرقت تماماً فى المظاهرة ، والهتافات ، وتكوير قبضات الأيدى ، وتحدى الخطر . يعلو صوتها بالهتاف ، وإمارات النشوة تكسو ملامحها ، وتخبط الأرض بقدميها ، وتلوح .
    علا صوت الشاب ـ فجأة ـ بهتافات غير التى كان المتظاهرون يرددونها وراءه : يسقط ملك النساء والحفاء .. لا ملك إلا الله .. فاروق يا نور العين .. أمك مرافقها اتنين .. على ماهر واحمد حسنين .
    لم أفكر ـ لحظة ـ فيما علا به صوت الشاب . حتى الهتافات التى رددتها وراءه ، لم أتدبرها ، ولا تنبهت إن كنت قد استمعت إليها من قبل ، أم أنها كانت وليدة اللحظة . مزق الشاب ـ فى مقدمة المظاهرة ـ العلم الأمريكى ، وأحرقه .
    عكس التصفيق وترديد الهتافات ، تأييد المطلين من النوافذ ، والواقفين فى المقاهى ، وعلى أبواب البيوت والأرصفة .
    هدأت المظاهرة فى اقترابها من شارع فرنسا . لاحت أمام قسم المنشية قوات بوليس ازدحم بها الشارع ، وأقامت الكردونات . خفتت أصوات المتظاهرين وهى تهتف بالنشيد " بلادى بلادى فداك دمى " . تلفتوا يبحثون عن قطع الحجارة ، وأيدى العساكر تحمل الهراوات والبنادق ، والجياد تجرى وسط الجميع ، لا يستطيع حتى العساكر ضبط خطواتها . لجأ العساكر إلى كعوب البنادق ، يضربون ويضربون ، لا يتحرون المواضع التى تتجه إليها ، ولا تشغلهم الآثار الدموية ـ وربما القاتلة ـ التى تحدثها . اختلط وقع الهتافات ، وتماسك الأيدى ، والضربات ، والصرخات ، والصهيل ، والقنابل المسيلة للدموع ، والدماء النازفة ..
    ***
    جاءنى صوتها فى التليفون ـ بعد غيبة أيام ـ فاتراً :
    ـ إن أردت ، يمكن أن نلتقى فى موعدنا .
    لم تشر إلى المكان ، لأنى كنت أسبقها إلى الكورنيش الحجرى أمام مدينة الملاهى بالأزاريطة . ربما سرنا إلى السلسلة ، أو إلى قبالة تمثال الخديو إسماعيل ، أصحبها إلى مكتبة كلية الآداب . مرتان ، التقينا ـ خارج البيت ـ فى ميدان أبى العباس ، وعلى شاطئ الأنفوشى . زرت معها ـ للبحث عن مراجع ـ المركز الثقافى الأمريكى بشارع فؤاد .
    تكلمت عن الموعد ، ولم تحدد المكان .
    حدست أنها تقصد الموضع الذى اعتدنا اللقاء فيه .
    سرنا فى اتجاه بحرى . خلفنا مرسى القوارب فى الميناء الشرقية ، والشارع المفضى إلى معهد الأحياء المائية ، وقلعة قايتباى ، ومساكن السواحل ، وكومات الحجارة والردم تتسع بها مساحة الأرض أول الأنفوشى ، وورش المراكب . تناهى أذان العصر من مسجد طاهر بك أول شارع الحجارى .
    أمسكت بساعدى . ساعدتها على القفز ـ بأقدامنا الحافية ـ على الكورنيش الحجرى ـ قبالة قصر أم البحرية ذى الطابع الشرقى والطوابق الثلاثة ـ إلى داخل الشاطئ . إلى اليسار ثكنات الحرس الملكى ، وقصر رأس التين ، وإلى اليمين البيوت التى تآكلت واجهاتها بملح البحر ، وفى الأفق تعلو الجزيرة الصغيرة
    مد الموج يلامس الرمال . تضوى لحظات ، ثم تعود الرمال إلى انطفائها ، بامتصاصها للماء ، وبحرارة الشمس ..
    يترامى صوت ارتطام الأمواج بالصخور ، أسفل الكورنيش الحجرى ، ترافقه صيحات النورس ، وهبات الريح المندفعة من ناحية الشمال ..
    جلست فوق الكورنيش . تحتضن ساقيها ، وترنو إلى الأفق . يترامى صوت تكسرات الأمواج . وثمة بقايا طحالب وأعشاب وقناديل بحرية ، واندفعت كابوريا نحو حجر داخل الرمل ..
    انداحت دفقة هواء مفاجئة . طار أسفل فستانها ، فظهرت ساقاها وما فوق ركبتيها . تملكتنى رغبة أن ألمس البشرة الوردية ، الناعمة ..
    لاحظت أنى أختلس النظر ، فشبكت يديها على الركبتين ، ونطق التوتر فى ملامحها ..
    قلت لمجرد أن يدور حوار :
    ـ لكل إنسان حلم .. وحلم هذا الصياد تركز فى السنارة التى تنتهى بها القصبة .. إنها وسيلته بالطعم الملتف حولها لاجتذاب السمك !
    قالت :
    ـ قرأت حكاية عن صياد طلعت شبكته بعروسة بحر ، عرضت عليه أن يطلق سراحها لقاء مساعدته فى الحصول على ما تضمه أعماق البحار من كنوز وثروات ..
    قلت وأنا أغوص فى زرقة عينيها :
    ـ عروستى لا تعادلها كنوز الدنيا كلها !
    كنت أرى فى عينيها أسئلة كثيرة ، وإن لم تجرؤ على مصارحتى . أدركت أنها تخفى وراء الابتسامة التى تملأ الوجه ما تعانيه . راعيت ميلها إلى الصمت . لم أشأ أن أسألها فى ما قد لا تجيب عنه ..
    ـ أين كنت ؟
    ـ لم أترك حجرتى ..
    ـ لماذا ؟
    عانيت ارتباكاً ، فتنقلت نظرتى بين الرضوض والكدمات الزرقاء فى ساقها ، والقوارب التى تصيد المياس فى خليج الأنفوشى . رفعت الجونلة ـ بعفوية أربكتنى ـ إلى ما فوق الركبتين ، وأشارت بيدها :
    ـ زميل فى الدراسات العليا ظن نفسه كازانوفا ..
    قالت إنها لم تبح لأحد بذلك السر . اختصتنى بما أطالت كتمه فى نفسها . حتى نظرات الخواجة أندريا القلقة ، وأسئلة الأم ، اكتفت أمامها بالصمت . ما حدث أكبر من أن تحاول استعادته : حصاره لها فى الشقة المغلقة . نظرته الشهوانية ، المتوعدة ..
    قال من بين أسنانه :
    ـ لماذا أنت هنا ؟
    ـ لنذاكر معاً ..
    ـ فقط ؟
    هزت رأسها :
    ـ فقط ..
    ـ هل هذا كل ما تملكه فتاة أرمنية ..
    أدركت ما يفكر فيه :
    ـ أولاً .. أنا مصرية ..
    ورمته بنظرة ساخطة :
    ـ ثانياً .. هل الأرمن يختلفون عن بقية البشر ؟!
    التف ساعداها ـ بتلقائية ـ حول وجهها . تتقى الصفعات التى فاجأها بها ، صفعات قاسية ، رافقتها عبارات قاسية ، وشتائم . لف شعرها حول قبضته . اجتذبها . طرحها على الأرض . ظل يوجه إليها اللكمات والصفعات ، والشتائم ..
    ـ تملكنى شعور أنه يريد قتلى !.. يضرب ليقتل لا ليؤذى !
    ـ لماذا ؟
    وهى تهز راحة يدها :
    ـ لا أعرف .. لا أعرف ..
    وأنا أغالب التردد :
    ـ آسف .. لكن هل كان يتوقع شيئاً ؟..
    شوحت بيدها :
    ـ لا أعرف ذلك النوع من التوقعات !
    وغامت فى عينيها سحابة دامعة :
    ـ أستعيد الموقف فلا أجد ما يبرر فعلته إلا أنه مجنون ..
    سكت قليلاً ، ثم قلت :
    ـ هل رويت ما حدث للأسرة ؟
    ـ النتائج السلبية سأتحملها بمفردى !
    داخلنى شعور أنى أراها للمرة الأولى . ليست هى الباحثة التى ألتقى بها فى عيادة الدكتور جارو ، ولا الصديقة التى تصحبنى إلى بيت أسرتها ، ومكتبة كلية الآداب ، وكورنيش الشاطئ ، بل ولا حتى الفتاة الجميلة بشعرها الأصفر ، وعينيها الزرقاوين ، وأنفها الصغير . هذه فتاة أخرى . تهبنى ثقتها ، تحدثنى عن معاناتها ، وما كتمت روايته .
    ***
هذا الموضوع لدية أكثر من 12 ردود. اضغط هنا لعرض الموضوع بأكمله.

ضوابط المشاركة

  • تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •