رد: أنا التي أكسر الحديد وأخنق الأطفال!!
حب جبران :
وللحديث عن العلاقات العاطفية لمى بمن حولها نستحضر علاقة كتب عنها الباحثون كتبا بأكملها، وهى علاقتها بجبران خليل جبران الرسام والأديب اللبنانى الشهير•• وحينما يقرأ المرء ويطبع على هذه العلاقة السامية، ستغمره الحيرة والذهول، وربما يسأل نفسه: هل من الممكن أن تنشأ علاقة حب بين رجل وامرأة دون أن يلتقيا طوال حياتهما؟!
نعم•• هذا ما كان في علاقة مى وجبران!
العلاقة العاطفية الغريبة بين رجل لم يلتق امرأة ويحبها، وامرأة لم تلتق رجلا وتحبه، كانت في البداية مبنية على أساس إعجاب مى بمؤلفات جبران، فقد بعثت له برسالة عام 1912 الى أمريكا - حيث يعيش - لتعبر له إنها فى كثير من الاحيان تخالفه الرأي•• لقد أعجبت مى بجبران، إعجاب المناقضة وهو أن يعجب المرء بصفات إنسان آخر يتمنى أن تكون موجودة فيه هو• مى لوضوح أفكارها
واستقامة سلوكها، هى فى الحقيقة نقيض جبران•• اذن لقد تحول الاعجاب الأدبى إلى صداقة حميمة وعلاقة روحية متبادلة بين الطرفين لتتطور بعد ذلك بالتلميح بالحب ثم الحب الصريح! ولم تلتق مى بجبران إلا فى رسائلهما ومؤلفاتهما حتى وفاته عام 1931 إثر علة أصابته فى قلبه•
وفى إحدي رسائلها لجبران عام 1921 قالت فيها وهى تفصح عن حبها وقلقها عليه فى ثوب من الوقار والاحتشام الشرقى :
"أريد أن تساعدنى وتحمينى، وتبعد عنى الأذى ليس بالروح فقط، بل بالجسد أيضا•• حدثنى عن صحتك ، وأذكر عدد ضربات قلبك، أخبرنى كيف تصرف نهارك• أتوسل إليك أن تتناول الادوية المقوية مهما كان طعمها ورائحتها••"•
دامت المراسلة بين جبران ومى تسعة عشر عاما، وقد كان أديبها المفضل الذى وجدت فيه امانيها، وكانت هى سلواه فى بلواه وغربته والهامه فى كثير من إبداعاته،
كتب إليها يوما :
"هل تعلمين بأنى كنت أقول لذاتى، هناك فى مشارق الأرض صبية ليست كالصبايا، قد دخلت الهيكل قبل ولادتها•• ووقفت فى قدس الاقداس فعزمت السر العلوى الذى اتخذه جبابرة الصباح ثم اخذت بلادى بلاداً لها وقومى قوما لها••"•
مي لا أهل لها ...":
بداية العد العكسى لتحطيمها ككل شئ فى العالم يوشك أن يأفل، ككل الورود التى توشك أن تذبل تويجاتها، ككل الطيور التى كانت تحلق عاليا وعاليا وعاليا: بدأ النسر المحلق الذى تعود على القمم يعصف به الزمن وهو جريح لا يملك من أمر نفسه شيئا،,,
**فالعمر أخذ يتقدم بـ (مى) وولى عهد الجمال والشباب وخلا من حولها المعجبون وفارقها الاصدقاء وتوالت عليها النكباتَ!•
**فى 1931/10/24 توفى والدها بعد داء عضال وصراع مع المرض ..فرحل وتركلها مشكلة ورثة وأقاراب نغصت حياة مى!•
**وفى 1931/4/10 توفى جبران خليل جبران رفيق طموحاتها ، لقد توفى فى أمريكا، عاجلته المنية قبل الوفاء بوعده لمى فى أن يلقاها وجها لوجه فى لبنان!•
**وفى 1931/3/5 توفيت أمها، ففقدت الحنان والعطف وعانت اضطربات نفسية وعاشت فى وحدة رهيبة...
ففقدت الحنان والعطف وعانت اضطربات نفسية وعاشت فى وحدة رهيبة•• فكان من نتيجة كل ذلك لجوءها الى التدخين علها تجد فيه تسرية عن همومها واكتئابها ...
جنون أديبة :
ولكن الحزن الذى استبد بها كان أكبر من محاولاتها التخلص منه، لتدخل ورثة أسرتها فى شؤونها الخاصة وإلحاحهم فى مقاسمتها التركة، أبلغ الاثر فى تردى صحتها حينما وجدت نفسها وحيدة أمامهم لا سند يحميها ولا قانون، استنجدت مى بأحد ابناء عمومتها المقيمين فى بيروت وهو الدكتور جوزيف زيادة• وكتبت له رسالة تصور له مرضها ويأسها من الحياة••
وكانت هذه الرسالة بداية العد التنازلى الحقيقى لتدمير حياة مى زيادة!•
ففى أحد الحوارات الصحافية التى أجريت مع مى زيادة تساءلت مى فى إستنكار : "أنا التى أكسر الحديد، وأخنق الأطفال؟!••
إن هذا التساؤل المر يقودنا إلى حقيقة ما حدث فقد فجعت أديبتنا فى ذلك الانسان "ابن عمها" الذى وثقت فيه، فكان من المتربصين بها• فبعد أن أخذ منها توكيلا عاما لإدارة ممتلكاتها إخرجها من بيتها
ونقلها إلى مستشفى للامراض العقلية والعصبية فى لبنان، وظلت فيه سبعة أشهر، عذبت وضربت حتى نقص وزنها إلى 28 كيلو جراماً! وأضربت عن الطعام، وأشاع أهلها واصدقائها أنها جنت فلم يتقدم أحد من أصدقائها لمساعدتها ...
خروج عن النص :
وأخيرا، تم نقل مى من مستشفى الامراض العصبية الى بيت صغير فى رأس بيروت استأجره لها بعض المنقذين. ولم تنته أزمة مى، إذ صعّد أهلها الطامعون بها القضية برفع دعوى حجر عليها!
وانتهت قضية الحجر على مى فى صالح الأديبة الكبيرة، إذ صدر قرار محكمة بيروت برد دعوى الحجر في الأول من شهر حزيران "يونيو" عام 1938 . ورجعت مى زيادة، الاديبة والصحافية تجدد نشاطها الفكرى والأدبى، تقرأ الكتب وتعد المحاضرات وتكتب المقالات ...
فى 22 من نفس الشهر ألقت أديبتنا محاضرة قيمة فى الجامعة الامريكية فى بيروت موضوعها "رسالة الأديب الى المجتمع العربى".. وكانت تلك المحاضرة - الرهان القاطع - على صحة قواها الفعلية وعمق ثقافتها وحضور ذهها.. ووقف الحاضرون جميعا بعد انتهاء المحاضرة "ونحن معهم الآن وغدا" يهتفون إعجابا بها. وصفقوا بقوة لمدة طويلة تحية لهذه الأديبة التى "خرجت عن النص" بوقت مبكر...
... القرأءة من كتاب جنون إمراءة / خالد غازي