الرد على الموضوع

أضف مشاركة إلى الموضوع: النص الكامل لمجموعة «الدار بوضع اليد!» لحسين علي محمد

رسائلك

اضغط هنا للدخول

رجاء ادخل الستة أرقام أو الحروف الظاهرة في الصورة.

 

يمكنك إختيار أيقونة لرسالتك من هذه القائمة

الخيارات الإضافية

  • سيتم تحويلها www.example.com إلى [URL]http://www.example.com[/URL].

عرض العنوان (الأحدث أولاً)

  • 01/06/2008, 11:26 PM
    د. حسين علي محمد

    رد: النص الكامل لمجموعة «الدار بوضع اليد!» لحسين علي محمد

    ً للــــــــرفع
  • 28/04/2007, 07:50 PM
    طارق شفيق حقي

    رد: النص الكامل لمجموعة «الدار بوضع اليد!» لحسين علي محمد





  • 23/04/2007, 11:36 PM
    د. حسين علي محمد

    رد: النص الكامل لمجموعة «الدار بوضع اليد!» لحسين علي محمد

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة طارق شفيق حقي مشاهدة المشاركة
    سلام الله عليك

    ألف مبروك دكتور حسين

    إذا رغبت أن نحول لك المجموعة لكتاب الكتروني


    ونضعها للتحميل
    شكراً للأديب الأستاذ طارق شفيق حقي
    وموافق على تحويلها إلى كتاب إلكتروني،
    وشكراً أيها الصديق.
  • 23/04/2007, 08:42 PM
    طارق شفيق حقي

    رد: النص الكامل لمجموعة «الدار بوضع اليد!» لحسين علي محمد

    سلام الله عليك
    ألف مبروك دكتور حسين

    إذا رغبت أن نحول لك المجموعة لكتاب الكتروني

    ونضعها للتحميل
  • 23/04/2007, 08:24 AM
    د. حسين علي محمد

    رد: النص الكامل لمجموعة «الدار بوضع اليد!» لحسين علي محمد

    مؤلفات الدكتور حسين علي محمد
    أ-شعر:
    1-السقوط في الليل، القاهرة-دمشق 1977م، ط2، الإسكندرية 1999م.
    2-ثلاثة وجوه على حوائط المدينة، القاهرة 1979م، ط2، الإسكندرية 1999م.
    3-شجرة الحلم، القاهرة 1980م.
    4-أوراق من عام الرمادة، الزقازيق 1980م.
    5-رباعيات، الزقازيق 1982م.
    6-الحلم والأسوار، القاهرة 1984م. ط2، الزقازيق 1996م.
    7-الرحيل على جواد النار، القاهرة 1985م. ط2، الزقازيق 1996م.
    8-حدائق الصوت، الزقازيق 1993م.
    9-غناء الأشياء، الزقازيق 1997م، ط2-القاهرة 2002م.
    10-النائي ينفجر بوحاً، الإسكندرية 2000م.
    11-رحيل الظلال، دار ناشري، على الإنترنت 2004م.
    ب-شعر (مشترك)
    12-حوار الأبعاد، القاهرة 1977م، ط2، حلب 1979م.
    ج-مسرحيات شعرية:
    13-الرجل الذي قال، الزقازيق 1983م.
    14-الباحث عن النور، القاهرة 1985م، ط2-الزقازيق 1996م.
    15-الفتى مهران 99 أو رجل في المدينة، الإسكندرية 1999م.
    16-بيت الأشباح، الإسكندرية 1999م.
    17-سهرة مع عنترة، المنصورة 2001م، ط2، المنصورة 2003م.
    18-الزلزال، موقع "أصوات مُعاصرة"، على الإنترنت 2004م.
    د-شعر قصصي للأطفال:
    19-الأميرة والثعبان، القاهرة 1977م.
    20-مذكرات فيل مغرور، عمَّان 1993م، ط2- عمان 1997م، ط3-الرياض 2004م.
    21-كان يا ما كان، القاهرة 2005م.
    هـ-قصص قصيرة:
    22-أحلام البنت الحلوة، الإسكندرية 1999م، ط2-المنصورة 2001م.
    23-مجنون أحلام، المنصورة 2005م.
    24-الدار بوضع اليد، القاهرة 2007م.
    و-دراسات أدبية:
    25-عوض قشطة: حياته وشعره، المنصورة 1976م.
    26-القرآن .. ونظرية الفن، القاهرة 1979م. ط2، القاهرة 1992م.
    27-دراسات معاصرة في المسرح الشعري، القاهرة 1980م، ط2، المنصـورة 2002م.
    28-البطل في المسرح الشعري المعاصر، القاهرة 1991م، ط2- الزقازيق 1996م، ط3-الإسكندرية 2000م.
    29-شعر محمد العلائي: جمعا ودراسة، الزقازيق 1993م، ط2- الزقازيق 1997م.
    30-جماليات القصة القصيرة، القاهرة 1996م، ط2-القاهرة 2003م.
    31-التحرير الأدبي، الرياض 1996م، ط2- الرياض 2000م، ط3- الرياض 2001م، ط4- الرياض 2003م، ط5-الرياض 2004م، ط6-الرياض 2005م.
    32-سفير الأدباء: وديع فلسطين، القاهرة 1998م، ط2- القاهرة 1999م، ط3- الإسكندرية 2000م.
    33-المسرح الشعري عند عدنان مردم بك، القاهرة 1998م.
    34-كتب وقضايا في الأدب الإسلامي، الإسكندرية 1999م، ط2-القاهرة 2003م.
    35-صورة البطل المطارد في روايات محمد جبريل، الإسكندرية 1999م.
    36-من وحي المساء (مقالات ومحاورات)، الإسكندرية 1999م.
    37-الأدب العربي الحديث: الرؤية والتشكيل، ط1-الإسكندرية 1999م، ط2-الإسكندرية 2000م، ط3- الإسكندرية 2001م، ط4-الرياض 2002م، ط5-الرياض 2004م.
    38-دراسات نقدية في أدبنا المعاصر، الإسكندرية 2000م.
    39-مراجعات في الأدب السعودي، الإسكندرية 2000م.
    40-شعر بدر بدير: دراسة موضوعية وفنية، الإسكندرية 2000م.
    41-تجربة القصة القصيرة في أدب محمد جبريل، المنصورة 2001م، ط2-المنصورة 2004م.
    42-في الأدب المصري المُعاصر، القاهرة 2001م، ط2-القاهرة 2002م، ط3-القاهرة 2003م.
    43-أصوات مصرية في الشعر والقصة القصيرة، المنصورة 2002م.
    44-مقالات في الأدب العربي المُعاصر، المنصورة 2004م.
    45-في النقد التطبيقي، الرياض 2007م.
    بالاشتراك:
    46-خليل جرجس خليل شاعراً وباقة حب إليه (بالاشتراك مع حسني سيد لبيب)، القاهرة 1978م.
    47-زكي مبارك (بالاشتراك مع مجموعة مؤلفين)، القاهرة 1991م.
    48-دراسات في النص الأدبي العصر الحديث (بالاشتراك مع د. محمد عارف)، ط1-الرياض 1995م، ط2-الرياض 1996م، ط3-الرياض 1996م، ط4، الإسكندرية 1998م، ط5، الإسكندرية 2001م.
    49-فن المقالة (بالاشتراك مع د. صابر عبد الدايم)، ط4-الزقازيق 2000م، ط5-القاهرة 2001م، ط6-الزقازيق 2003م.
    50-الرؤية الإبداعية في شعر عبد المنعم عوّاد يوسف (بالاشتراك مع د. خليل أبو ذياب)، المنصورة 2002م.
    تحرير وتقديم:
    51-محمد جبريل وعالمه القصصي، الزقازيق 1982م.
    52-قراءات في أدب محمد جبريل، الزقازيق 1984م.
    53-إبراهيم سعفان مبدعاً وناقداً، الإسكندرية 2000م.
    54-حسني سيد لبيب: سيرة وتحية، المنصورة 2001م.
    55-حوارات في الأدب والثقافة (مع د. محمد بن سعد بن حسين)، القاهرة 2003م.
    56-العصف والريحان (حوارات ومواجهات مع د. صابر الدايم)، المنصورة 2005م.
    أبحاث مُحكّمة:
    1-شاعرية علي الجارم، مجلة كلية اللغة العربية بالزقازيق، 1994م.
    2-جوانب مضيئة من الأدب الإسلامي في العصر الحديث، مجلة جامعة الإمـام محمد بن سعود الإسلامية (العدد 15)، شعبان 1416هـ.
    3-الاتجاه الإسلامي في شعر محمد مصطفى الماحي، مجلة جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية (العدد 18)، ذو القعدة 1417هـ.
    4-الاتجاه الوجداني قي شعر بدر بدير، مجلة كلية اللغة العربية بالمنصـورة (العدد 19)، لعام 1420هـ-2000م.
    5-الشعر في المسرح النثري (1875-1932م)، مجلة كلية اللغة العربية بالمنصورة (العدد 20)، لعام 1422هـ-2001م.
    6-تجربة القصة القصيرة في أدب محمد جبريل: دراسة أدبية تحليلية، مجلة كلية اللغة العربية بالمنصورة (العدد20)، لعام 1422هـ-2001م.
    7-رواية «ملكة العنب» لنجيب الكيلاني: دراسة أدبية تحليلية، مجلة كلية اللغة العربية بالزقازيق (العدد21)، لعام 1421هـ-2001م.
    8-مجموعة «عسل الشمس» لفؤاد قنديل: دراسة موضوعية وفنية، مجلة «عالم الكتب»، مج23، ع1-2، رجب، وشعبان، ورمضان وشوال 1422هـ.
    9-الحوار في مسرحية «السلطان الحائر» لتوفيق الحكيم: دراسة فنية تحليلية، مجلة «عالم الكتب»، مج23، ع3-4، ذو القعدة، وذو الحجة 1422هـ، والمحرم ، وصفر 1423هـ.
  • 23/04/2007, 08:22 AM
    د. حسين علي محمد

    رد: النص الكامل لمجموعة «الدار بوضع اليد!» لحسين علي محمد

    البنات .. البنات

    أجلس بجوار تمثال عرابي على المقعد الحجري المستطيل وبجواري سعاد. سعاد الأخرى تغني في المسجل الذي ينطلق من محل العصير المُقابل «البنات .. البنات .. أجمل الكائنات» .. في مرات سابقة جلسنا مثل هذه الجلسة .. لكن لم تكن سعاد حسني تُغني!. تضع سعاد كفها أسفل ذقنها .. بهدوء شديد أمد يدي وأسحب يدها، وأقول مداعباً:
    ـ ما الذي يشغل الجميل؟
    فتبتسم في مرارة.
    نحن متزوجان تحت إيقاف التنفيذ؛ فقد عقدنا قرننا منذ ثلاثة أعوام .. ولا أعرف بالضبط متى نعبر المضيق: من التنظير إلى التطبيق؟!
    سعاد وأنا من شارع واحد (هو شارع فاروق) ومن مدينة واحدة (هي مدينة الزقازيق) ومن كلية واحدة (هي كلية الآداب) تخرجنا .. هي خريجة فلسفة وأنا خريج جغرافيا!! .. فلماذا تكون سككنا مغلقة دائماً، ولماذا لا نستطيع أن نضع الحلول لمشاكلنا الكثيرة؟
    الفلوس قليلة .. ولم يدركنا قطار التعيين، بعد عناء الدراسة الطويل! .. عملنا في مدرسة خاصة .. نعمل بالحصة في هذه المدرسة القديمة المشهورة التي عمرها أكبر من عمر آبائنا .. مدرسة خاصة، وفلوسها قليلة .. والشقة التي يبنيها لي أخي الذي يعمل طبيباً في الإمارات تحت الإيقاف أو الهدم .. فمجلس المدينة يقول إنها مخالفة للتنظيم .. وأن أخي بناها بدون رخصة!
    وأثاثنا مركون منذ عام في شقة أمي الرطبة التي لا تمرُّ الشمسُ من ناحيتها، والتي لا يدخلها الهواء!
    سعاد حسني انتهت من أغنيتها .. ومازالت سعاد تضع كفها أسفل ذقنها .. تنظر للحافلة التي ستقلنا إلى شارعنا في ضيق بالغ .. تنظر إلى التمثال البرونزي للزعيم أحمد عرابي .. وتتمتم في كسل، وهي تنظر إلى الفرس الذي يركبه عرابي:
    ـ تحفة فنية حقيقية ..
    وتبتسم لي ضاحكة:
    ـ ليتك تجد مثله لتركبه ليلة زفافك على عروس غيري.
    ضحكت وأنا أقول:
    ـ لن أتزوج غيرك .. إلا إذا كانت العروس هي سعاد حسني!
    ضحكت، فهي تعلم أن سعاد حسني قد ماتت!
    ...
    وضعت يدها على صدري .. لا بد أنها أحست أن قلبي يدق بسرعة واضطراب!
    نظرت للناحية الأخرى، وخلعت «الدبلة»، ووضعتها في حقيبتها .. وقفزت في خفة لتقلد سعاد الأخرى، وتُغني في أنين مكبوت:
    ـ البنات .. البنات!
    وسالت من عيني دموع كثيرة!

    الرياض 22/5/2006م


    *انتهت المجموعة*

  • 23/04/2007, 08:22 AM
    د. حسين علي محمد

    رد: النص الكامل لمجموعة «الدار بوضع اليد!» لحسين علي محمد

    وجه آخر للفجيعة!
    ............................
    قالت له زوجته:
    ـ أنت غني .. فلماذا لا تُعطي أولادك في حياتك؟.
    انفعل، وخرج الرذاذ من فمه يغطي وجهها، كأنه بصقة:
    ـ أنت تفسدينهم ..
    قالت وهي تُدير وجهها، وتمسح رذاذه بيسراها، وتضرب الهواء بيمناها:
    ـ أنت وحيد .. ليس لك إخوة .. قلت لك ألف مرة اجعلهم أخوة لك.
    جناح كلماته ينكسر عن التحليق‏!
    ماذا يقول هذا الرجل ..؟
    أعدّ لها ما استطاع من قول بكل قوة .. شحن قلبه بالكراهية السوداء .. هذه المرأة دائماً تكسر كلامي وتقف في وجهي وتحول بيني وبين تربية أبنائي كما أريد!
    أدار وجهه مكتئباً، فأضافت:
    ـ أنت تجعلهم يتمنون موتك.
    ...
    أدركته نوبة ربو مفاجئة ذات مساء، فمات عن خمسةٍ وخمسين عاماً.
    لم تجد الزوجة ابناً من أبنائه يسير في جنازته .. وبعد أن دفنه الناس أقسم أبناؤه ألا يعرفوا مكان مقبرته!

    الرياض 14/10/2005م
  • 23/04/2007, 08:19 AM
    د. حسين علي محمد

    رد: النص الكامل لمجموعة «الدار بوضع اليد!» لحسين علي محمد

    زيــــــــــــــــــارة
    ...................

    القرية تمجني وكل من فيها لا يريد رؤيتي.
    فكيف أذهب إلى القرية؟
    كيف أذهب إلى القرية وأبي وأمي قد ماتا معاً في حادث مروري منذ سنوات طوال (لم أزر القرية من يومها)، وشقيقي الوحيد «بهاء» ترك القرية ليعيش في إيطاليا مع المرأة الإيطالية التي أحبها وتزوجها، وترك بلاده من أجلها؟
    فلأذهب إلى الطبيب النفسي «صفوت عيسى» الذي عرفته زميلاً لي في معهد حلوان الاشتراكي في «سنوات النضال»، قبل هزيمة يونيو 1967م، وأتحدّث معه بعض الوقت.
    كان أيامها ما يزال نائباً في مستشفى القصر العيني.
    وهو الآن أستاذ كبير في طب القصر العيني؛ تستضيفه الفضائيّات، والمجلات الطبية، ويُدلي برأيه الطبي في الكثير من الصحف التي تطلع عليها، وأحيانا ما يتحدّث في بعض قضايا المجتمع؛ كالإصلاح، والفقر، وقضايا التعليم.
    مازالت أتمنّى أن يسمعني!
    ...
    ابتسم ابتسامة مشجعة، قبل أن أتكلم!
    الاسم: سُها، غيّرته من سناء علي خليل إلى سها، أليس ذلك أفضل يا دكتور؟!.
    العمر: ألف عام في التيه، وممارسة الخطيئة، بلا لذة. وكأني أعذب نفسي!
    الهواية: قراءة الشعر، والاطلاع على بعض ما تنشره الصحف النسائية التي تهتم بقضايا المرأة من قضايا الجريمة، والاستماع إلى الفضائيات ومشاهدة ما تقدمه من أفلام قديمة .. أبيض وأسود .. لا أحب الأحاديث الطويلة .. كم أتمنى ألا يزيد البرنامج ـ أي برنامج عن نصف ساعة.
    الملل؟ .. هو ما يقتلني، بل هو الذي دفعني لأجيء وأتحدث معك!
    هل تذكر أنك عرضت عليَّ ذات يومٍ الزواج، فقلت لك: إني تزوّجتُ القضية! قضايا مصر وأفريقيا ودول العالم الثالث؟
    أية لوثة أصابتْ عقلي يا صفوتْ؟
    هل ساءتك أحوالي؟
    هل تريد أن تسألني عن صحتي؟
    القوام: القوام؟!
    .. هل أبقت فيَّ الأيام قواماً؟
    هاأنت تراني طويلة، وبيضاء، وملفوفة، وكأني ابنة باشا، مع أني ابنة لفلاح متواضع كان يملك أربعةً وعشرين قيراطاً (أي فداناً لا غير) في إحدى القرى المنسية من شمال محافظة الشرقية، ها هو تركها ومات من ثلاثة أعوام في حادث مروري، وبموته ودَّعتُ القرية، ولم أعد أطيق السير في الطريق الموصلة لها!
    بيتنا؟ .. لم يعد لي بيت في القرية، فقد تركه أخي هو والأرض لأبناء عمي، وتزوّج من امرأة عرفها في فندق كان يعمل فيه في شرم الشيخ. سحرته، فترك وظيفته، وسحبته وراءها إلى إيطاليا.
    لا .. لم آخذ ميراثي في الأرض .. الأرض لله.
    كأنك تقول أين صدر سناء الذي اشتهرت بجماله؟
    صدري كان مكتنزاً .. وهاهو قد بدأ يترهّل تحت وقع سنابك خيل الزمن، وكأنها خيول المغول التي لا ترحم!

    سألني صفوت الآخر «صفوت نعمان» ذات صباح أسود جنائزي (ورحلاتي تتوقّف في شقته مرتين أسبوعيا، حتى بعد أن مرّت «سنوات النضال» ـ بحلوها ومرها ـ وصار رئيساً لمجلس إدارة مصنع رأسمالي (لا أعرف أسماء أصحابه، ولا جنسياتهم، فهو من المصانع عابرة القارات!!)
    تسألني وأنت خائف من ردي:
    ـ لماذا لم تتزوّجي يا سُها؟
    وضعتُ ابتسامة شبه ميتة ألِفتُ رسمها على وجهي كلما قابلتُ صفوت الآخر:
    ـ هل تنوي أن تتزوّجني يا باشا؟
    .. وكأنما لدغته عقرب:
    ـ وهل من الممكن أن أتزوّج في هذه السن؟!
    ... وكأن عينيه تقولان:
    «وهل أتزوّج داعرة مثلك؟!!»
    فهل ينسى هو ورفاقه أنهم هم الذين صنعوا مني هذه الدّاعرة؟! وهم الذين لوّثوا هذه القروية الغريرة .. التي كانت ذات يومٍ جميلة؟!!
    ـ لم تدع لي الأيام فرصة أن أتخذ قراراً مثل هذا!

    سألني الطبيب النفسي «صفوت عيسى» ـ دون أن ينطق ـ كيف كانت الرحلة من القرية إلى المدينة .. إلى ذلك الحي الراقي من المدينة وكأنها رحلة ألف عام من المعاناة الدائمة والألم؟
    نظر إليَّ كأنما يكتشف للمرة الألف مناطق اللذة الرخاميّة، التي يستعذبها الساقطون من أمثال صفوت نعمان بعد أن أطال من قبل التأمل في أجزاء نساء أخريات لا تُضاهيها حلاوةً وتمرداً ..
    ـ من أنتِ منهما: سناء علي خليل أم سُها؟
    ـ سُها!
    وكأن الطبيب قد بوغت بإجابة لا يبحث عنها، ولا ينتظرها:
    ـ لا أسألك عن الاسم .. ولكنَّ ما أقصده ..
    ـ ماذا؟
    ... غيَّر اتجاه الكلام بعد أن أحس سفالة السؤال:
    ـ كيف تركك صفوت ـ معذرةً ـ ولم يتزوّجك؟
    وهو يُنزل عينيه إلى أسفل:
    ـ حينما رفضتِ عرضي للزواج .. عرفتُ من البعض أنك على علاقة به!
    رفع عينيه، وأضاف ضاحكاً:
    ـ كيف ترك كلَّ هذا الجمال؟
    إن عيني الطبيب تقولان: كيف يتركك وهو الذوّاقةُ الخبير بأجساد النساء؟!
    لاحظتُ أن شعره يميل إلى البياض، قلتُ كأني تمزح:
    ـ أظن أنني رأيتُك منذ عشرة أعوام، يا دكتور صفوت .. كان شعرك فاحماً.
    قال ضاحكاً، وقد استهوته المزحة:
    ـ لم أرك يا سناء ـ آسف يا سُها ـ .. منذ ثلاثين عاماً .. هل مازلتِ تذكرين اللقاءَ الأول؟ في معهد الشباب الاشتراكي بحلوان في أواخر الستينيّات، في تلك الفترة السوداء التي أعقبت هزيمة يونيو 1967م.
    صححتُ له:
    ـ بل رأيتُك قبل الهزيمة بفترة بسيطة ..
    أغمض عينيه:
    ـ كنتُ حديثَ التخرج من كلية الطب، فقد تخرجت في عام 1965م وكانت لي أحلام في السفر إلى أمريكا، أجهضتها ظروف تلك الأيام. ووجدتني أقرب إلى البعثة للاتحاد السوفيتي من أمريكا. لماذا أذهب إلى أمريكا وهي التي تدعم إسرائيل على اغتصاب فلسطين، وهي التي ضربت بلدي؟ بل كانت هزيمتنا بسبب دعمها لإسرائيل. هكذا قالوا لي في إدارة البعثات وقتها.
    ويقطع روايتَه:
    ـ هل تذكرين؟
    ويزفر ضاحكاً:
    ـ اتجهت إلى الاشتراكية، ثم تبيّن فيما بعد أنها كذبة كبرى!
    غامت الرؤى في عينيه، وصمت، وهو يزفر بحسرة:
    ـ سقطنا جميعا في الفخاخ التي كانت منصوبة لنا بلا رحمة! .. نحن والاتحاد السوفيتي!
    أدار رأسهُ وهو يضحك:
    ـ تستطيعين أن تقولي إنني الآن من التيار الإسلامي، وإن كنتُ لم أنضم إلى حزبٍ أو جماعة!
    قال وهو يُغمض عينيه:
    ـ الإسلام هو الحل .. فيه الحل لكل مشاكل البشر وليس المسلمين فحسب.
    وجدني صامتة، فأضاف في نبرات واضحة:
    ـ ما رأيك يا سُها؟
    ـ انتفضتْ:
    ـ أنا زميلتك سناء علي خليل!، لكن الناس يعرفونني باسم: سُها! .. اسم من ضرورات المرحلة يا دكتور .. وأنت ناديتني باسم سناء من قليل!
    ابتسم:
    ـ لقد كبرنا .. يا سناء! أنا في الثامنة والخمسين الآن .. أنا من مواليد 1943م، وأظن أنك تصغرينني بعدة أعوام .. ثلاثة مثلاً؟
    لم أُجب.
    ضرب المكتب بيده وهو يخلي للبسمةِ مكاناً:
    ـ رحلة طويلة .. من النشأة في قلاع الإقطاع بأنشاص .. بمحافظة الشرقية حيث أرض الملك .. وأبي وأعمامي أجراء في أرضه .. إلى الحلم بإنجازات الثورة .. التي وعدنا بها جمال عبد الناصر .. وغناها عبد الحليم حافظ وصلاح جاهين في «بستان الاشتراكية»، ثم التفوق .. ومنظمة الشباب ومعهد حلوان الاشتراكي .. وذهابي إلى روسيا لاستكمال دراساتي، والتحول هناك عن طب المجتمع إلى الطب النفسي .. لمحاولة التخفيف عن أوجاع الناس الذين قتلتهم هزيمة 67.
    أغمض عينيه، كأنه يريد أن ينسى:
    ـ رحلة صعبة!!.
    زفر:
    ـ يا الله حسن الختام .. أحاول أن أنسى تلك الفترة من حياتي!
    رأيته وهو ينظر إلى الجهة الأخرى .. ويُخرج منديلاً ورقيا، ويبصق في قرف!
    ......
    لأغير الموضوع .. سألتُه:
    ـ كيف حال أسرتك .. أقصد زوجتك وأولادك؟
    ابتسم:
    ـ أمضيتُ حياتي وحيداً .. أبي ترك لي ستة أولاد وبنتين. أكملتُ بعده رحلتي معهم .. تزوّجوا جميعاً، وعملوا في وظائف حكومية، وسافر بعضهم للعمل في الخارج: في ليبيا والعراق والسعودية .. وبقيت أنا، أقضي خمسة أيام في القاهرة مع أصدقائي من المرضى .. ويومين في أنشاص .. أزور أقاربي، وأشارك أهل القرية في الأفراح والعزاء ..
    استمرّ في الحديث ..
    .. وكان عليَّ أن أستمعَ له، لأنسى وحدتي والكثير من جراحي، وأجعل سها المأزومة تنسى تلك الأيامَ التي تُطاردها .. وتنكأ جراحها، وأُساعدها على أن تقذف ذلك الماضي الحزين القاتل الذي يُطاردها في صحيفة الزبالة التي بجانبه!!
    الرياض 24/2/2006م
  • 23/04/2007, 08:18 AM
    د. حسين علي محمد

    رد: النص الكامل لمجموعة «الدار بوضع اليد!» لحسين علي محمد

    حزن لا يموت!
    ..................

    (1)
    لأيام حنينك .. التي فارقتْها الشمسُ اللاهبةُ سأودعُ ساعات الدعة، وسأكتبُ أحرفي المجنونةَ على بابك .. وأسألُك: لِمَ لمْ تسمعي صدى نداءاتي الأخيرة .. ودعائي أن يجعلك اللهُ تعالى من نصيبي؟
    كم بدت النجومُ قصية حينما صممتِ على الرحيل ..
    هل أقول: وتحطّمت آمالي؟
    لا أجرؤ على قول ذلك، فأنا ـ للأسفِ ـ مازلتُ أعيشُ، وأُهاتف أمي وشقيقتي مرتين أسبوعيا، وأسألُ عن أحوالِ أقاربي وقريتي؟!
    هاهي أشرعتُك تبحرُ متعجلةً نحو البعيدِ .. المجهول، وبقسوةٍ لم أتخيلها ..
    لماذا رحلت يا نبوية وتركت أشلاء فارس تبحث عنك كيْ تعيدي إليها الحياة كما فعلت جدتك «إيزيس» ذات يوم!
    لماذا رحلتِ ولم تسمعي قصائدي المرهقة بالحنين، الحالمة ـ كقلبي ـ دواماً بكلمة منك .. تعيدُ الحياةَ لهذه الجثةِ الساكنة؟!!
    أطفأتِ ـ بيديْكِ ـ شمعتي الساهرة!
    (2)
    أخذتُ أرضي وصفصافتي وعصافيري .. تحت جلدي، وقبعْتُ مقنَّعاً بالفضاء الأبيض الفاتر في هذه المدينة الجميلة التي تستلقي في حضن البحر هاربةً من أضلاع الصحراء!
    أجلسُ خلف الكرسي الوثير .. وأمامي حاسوب أدون عليه أرقام الصادر والوارد، وأُحصِّل المبالغ المستحقة لهذه المؤسسة التجارية ذات المسؤولية المحدودة التي أعملُ بها، والتي يمتلكها شيخٌ نقي ضرير، ويُشرفُ عليها أخوه الأستاذُ الجامعي، الذي يثق بي كثيرا.. وأرجو أن تكون ثقته في محلها!
    لم تعد لديَّ أجنحة كي أحلق بها، ولم أعد أستظل بصفصافةٍ أو أشع في بهاء، ولم أعد أكتب شعراً، منذ تركت «نبوية»، وغادرتني أحصنة شعري التي لا تصهل!
    أتركتُها أنا .. أمْ هي التي تركتْني؟
    استقرَّ والدها التاجر الكبير في الإسكندرية التي ضاعت فيها، فلم أستطع أن أراها أو أجلس إليها!
    لعلها رحبت بهذا الانتقال؛ فلم تكن أختي فريال تحبها.. وظنت نبوية أنها ستقف في طريق زواجي منها!
    أصبحتُ ـ بعد رحيلها ـ أوقنُ أن الجفافَ يسودُ الأرض، وأن السماء لم تعد تمطر.. والخراب ينشر أجنحته السوداء في كل مكان من أرض الله!
    لم أعد أشعر بنبض ما أكتبُه من خواطر، فما أكتبه هو هوامش ـ لا أكثر ولا أقل ـ على كتاب رحيل نبوية .. أو كتاب الغياب!
    ...
    لكني ـ مع ذلك ـ ظللتُ أكتبُ .. حتى لا أنسى صبوات النرجس، وموسيقا حياة الروح!
    (3)
    قلتِ لي ذات مساءٍ، والشمسُ الغاربةُ تدفع شعاعاً قانياً من خلفِ الغيوم ليسكبَ في قلبي الفزعَ على مشهدِ مأتمِ الجمال الوحشيِّ:
    ـ في مقلتيِّ ضياء طفوليٌّ قديمٌ ينبئُ عن حرماني!
    وأنتِ وردةٌ حمراءُ أعلقها في «شم النسيم» على عروةِ قلبي، المُباغَتِ دائماً بحرابِ الفقْدِ والثكل!!
    لماذا اختفتْ ملامحُ وجهك الطفولي اللامع .. خلف شرفةِ الغيابِ .. فما لي أبصرهاَ ـ على الرغم من ذلك ـ حقل أنجم خرساءَ في سمائي المعتمة؟
    أتذكرين ريشتي التي رسمتك ذات مساءٍ صافٍ على قبةِ السماء، وحثت خطاها القصيرة، نحو مروجك السماوية .. يا ذات العينين العسليتيْنِ المثقلتين بالوجوم؟!
    وأنتِ تقولين: رسمك أحسنُ من شعرك.
    ـ كان جبران رساماً أيضاً.
    تضحكين:
    ـ أيهما أسبق عندك .. الرسم أم الكتابة؟
    ـ رسم الإنسانُ الأول على جدر الكهوف قبل أن يخط قصيدة أو حكمةً!
    رحلتِ ..
    منذ كمْ تركتني؟ .. عشرة أعوام؟
    قابلتُك وأنت في السنة النهائية من دراستك الجامعية في ملتقى صيفي للطلاب، وكنتُ قد تخرّجتُ من عاميْن!
    ذهبتُ لزيارة صديق في معسكر أبي بكر الصديق، فوجدتك هناك!
    وأنا أُطالعُ الآنَ خطابك الوحيد .. يحدثني عن نزوة حنانك الساخر، وعن عينيك الحالمتين. ويحدثني بصيف بديعٍ قريبٍ نزق .. نقضيه في غفوة من زماننا المخاتل .. وتغنين فيه أغنيات الحب لطفلكِ (هلْ مازلْتُ طفلاً؟) الذي لا يكبر أبداً.
    وأتساءل:
    أهجرتِني إذنْ، وأنا في الرابعة والعشرين.. فمن سيؤنس وحدتي ـ في أيام العمر القادم المملة ـ بعد فراقك المباغت؟!.. ومتى سيدخل طيفُكِ حجرتي أعلا السطوح؟ .. طيفك الذي يرجُّ أضلعي، ويطوي أيام الغربة بحنينٍ دافق .. إلى قريتنا (التي لم تعد قريتك) البعيدة .. البعيدةِ .. البعيدة؟
    ومن الذي سيُفاجئ طريقي .. بخطوات غير مُراقَبة .. ويمدُّ يده البيضاء لألثمها وأنا مُغيَّبٌ، بين حلمي .. وواقعي؟!
    (4)
    لماذا ذهبتُ إلى البحرِ ـ بحر الدمام ـ في اليومِ الثالثِ من أيام عيد الفطر؟
    أكان لا بد أن أذهب إلى البحر .. وأنا الذي لا أغادر الشركة إلا للنوم، وقبل النوم أقرأ رواية أو أشاهد بعض برامج الفضائيات؟ .. أو أكتب سطوراً مما أظنه شعراً؟
    رأيتُ «نبوية» على البحر، تضحك بقلبٍ ممتلئ بالبهجة (أم هكذا صوّرتْ لي هواجسي؟) وأولادها، ينطقون لهجة الخليج في تمكن، ويلعبون ويجرون في حبور وضوضاء.
    كانت تجلس بجواري على الشاطئ، في هذه الحديقة المترامية، وكنت أنا والمهندس النوبي سعيد ـ جاري في السكن ـ نلعب الدومينو، ويحاول كل منا أن يكسب الدور، وضحكاتنا العالية ترج المكان!
    تشاغلتُ برهةً بتأمُّل خطواتها، وهي تتحرك لتجلس على السور الواطئ الذي يفصل الحديقة عن البحر!
    ...
    وسعيد يضحك:
    ـ لن أتركك تهزمني، لو اضطررتُ أن ألعب حتى الفجر .. فسألعب.
    وأضاف:
    ـ غداً الخميس .. إجازة في البلدية.
    أضفتُ وأنا ابتسمُ، مشجعاً له:
    ـ عليَّ أن أفتح مكتب المؤسسة في السابعة والنصف.
    (5)
    اتركي لي في القلبِ جذوةً صغيرةً .. صغيرةً .. من نار العشق .. تضئُ طريقي الدّامسَ، وتعاليْ معي .. نجلس على العشبِ في قصْرِ مسحور، نقرأُ أشعار طاغورَ .. وتغنين لي أغنية فايزة أحمد الأخيرة!.. ونلقي الصحف الكاذبةَ بعيداً، بكلِّ ما تقدرُ أيدينا .. حتى لا تلوث أصابعنا (التي تكادُ تنْدى) بحبرها الأسودِ الخبيثِ.
    تضحكين:
    ـ الصحفُ لم تعد تلوثُ الأيدي، فقد مات العرَّابُ الكاذبُ ربُّ الجنود .. بعدَ رحلتِهِ الأخيرةِ / غيْرِ المقدَّسةَ!!، وتركنا للفجيعةِ، وللحقيقة الوحيدةِ ..
    ـ ماذا تقولين؟
    لا تردين على سؤالي، وتُكملين:
    ـ تركنا كالفئران، أو قل أسرى في أيدي الغربان!!!
    (6)
    هاهي أخيراً «نبوية»، يا الله!
    لم أجدها للمرة الثانية على شاطئ الإسكندرية، ووجدتُها على شاطئ الدمّام!
    تزوجتْ من خليجي، وتركتني!
    كسبتُ الدورَ من سعيد، وتأكدت خسارتي في «نبوية»!! ..
    زوجها فتى .. في نحو الأربعين، خفيض الصوت، له لحية خفيفة، ويداعب أطفاله في حنو بالغ، ويتكلم كثيراً في هاتفه الجوال .. يبدو من منظره وكلامه أن صاحب مؤسسة تجارية، كالمؤسسة التي أعملُ بها.
    لماذا جئتُ الليلةَ إلى البحر؟
    (7)
    لا أذكرُ خطواتي الأولى معها!
    لا أدري كيف تعرّفتُ عليها.. أو كيف اكتشفتُ أنها جارتي، وأنا في الرابعة عشرة؟!
    كنتُ صبياً، لي الأمسياتُ التي أنطلقُ فيها كالفراشة أغني، تُدغدغُ الأغنياتُ مشاعري فأطير بعيداً عن قيدي الزمان والمكان، وكانت جميلةً جميلةً .. وكان فمُها عصافيرَ تغردُ، وكانت وردةً حمراءَ في العيون، مُبهجة!
    تمنيتُ لو تصمت الأغنية الكسول التي تتردد بجانب شجرة الصفصاف، في مذياعٍ خشبي كبير ـ حينما مرّت ـ وأنا مستلق على تل صغير بالفضاء، أُذاكرُ ما قاله أبو ماضي، عن الحجر الصغير، والأستاذ يُهددنا بأننا سنرسب في امتحانات الثانوية العامة ـ التي لا ترحم ـ إذا لم نحفظ النصوصَ جيداً ..، كنتُ في الصفِّ الثالثِ الثانوي، وكانتْ تصغُرني بعامين. وأختي فريال التي لم تتعلّم تراها قطةً لها أنياب!!
    قطة لها أنياب؟!
    .. ماذا تقولين يا فريال؟ .. أنت لا تعرفين القطط، ولا تحبين الفراشات أو الورود!
    كان الضوءُ البعيدُ للعصفورة الملونة .. يتجلى في هالةٍ شبه رماديةٍ صغيرةٍ كافيةٍ أن تحيطَ بالرأس والعنق، وتُحدد ملامح الصدر الصغير المكتنز .. فتبدو كأميرة منحدرةٍ من سلالةِ ملوكٍ من قرونٍ سالفة أراهم في الصور الملونة في الروايات المترجمة!
    لماذا ترك أبوها ـ تاجر الألبان ـ القرية، وهاجر لبعض الوقت إلى المنصورة فدمياط ثم إلى الإسكندرية؟
    أكان متعثرا في تجارته ولا يريد من البلاد أن تفرح في فشله؟ .. أمْ كان ناجحاً وينتقل من نجاح إلى نجاح؟
    أصغرت القرية عن أن تحتوي آماله ونشاطه؟ وهو الرجل الذي له زوجة ثرية .. وبنت ولد؟!
    على شاطئ الترعة المتخم بالزرقةِ .. بين النوم واليقظة، وحيثُ لا يُطالع أبي دفاتري .. كتبتُ قصيدتي الأولى، وكان صوتُ العصفورةِ الوحيدة هو القوةُ الحقيقية التي يمُكنها أن تجعلني أحلم وأغني .. خلف الجدران الطينية هناك .. حيثُ تزهرُ أشجارُ القطن، وتجري مياه الينابيع، وتجلسُ أمام صنبور بجانب باب الدار الكبيرة، وترشني بقطر الندى كلما مررتُ!
    كنا يوم أربعاء في قرية منسية من قرى الشرقية!
    وها نحن في يوم أربعاء بعد سبع عشرة سنة في الدمّام .. وفي ثالث أيام عيد الفطر .. في أرض بعيدة!
    ما أسرع ما يمر الزمان!
    ...
    (8)
    لماذا تحوطك الغمامات وأنتِ ـ في جلستك البهيجة ـ محاصرةٌ بأحاديثِ العابراتِ عن حزنكِ، وعن جمالِك البهيج الذي يُدير الرؤوس!
    لتنتش أرضٌ أنت تجلسين عليها، ولينتش كرسيٌّ أنيق، ومقابضُ ذهبية ولأنتش أنا المأخوذُ ببهائك ولأسرف في الفخر، لأنني كان لديَّ فسحةٌ من الوقْتِ لأراكِ وأنتِ جالسةٌ تطالعين مجلةً ملوّنةً لا تتحدّثُ بالطبعِ، عن إسرائيلَ، وحرب الاستنزافِ، والقائد الكهل، الذي يريد أن يبسط سلطته المتآكلة على ثلة أصحابه الكهول بفعلِ الوقتِ، والهزيمة!
    قبل آخر لقاء في معسكر أبي بكر الصديق .. كان يُرافقني ابنُ خالتي العائدَ منهزماًَ من حرب الساعاتِ الست، وكانت ضاربةُ الرملِ تُغريه بزواج ابنتها القبيحةِ (الغولة)، وكانتْ طيورٌ متوحشة تقرعُ الكؤوسَ في صباحٍ معتمٍ!، تركني أمام المعسكر وأنا أثرثرٌِ:
    تعاليْ أيتُها الطواويسُ المهزومةُ، تعالَ يا إوزٌّ، يا بطُُّ، لنحتف ٍجميعاً بالهزيمةِ .. برجالِ الهزيمةِ، ولندحرج مآتمنا في رمالِ الشرقِ، ونأخذ أقمارَ البراري في أحضاننا.. ولنكتب قصائد الهجاء في كلِّ نجمٍ محاربٍ، لم يصُن مفارق سيناء، أو «شرم الشيخ» و«دير سانت كاترين».. حتى لو استمطر سحائب النصر الغائب بهمهةِ العرَّابِ الكاذبِ..، وحاول أن يُطلع في سمائنا أقمارَه العجيبةَ السوداءْ!!
    أيها الشعرُ .. يا جناحَ الطائر البحريِّ المسافر إلى البعيد ..
    خذ شوقي إلى سريرها الغافي في مروج النور ..
    ورش أطيافاً من نورٍ، وصلاةٍ
    على هدبها الغافي ..
    وتعال .. صف لي ضجعتها الأخيرة!
    ...
    أيتُها الفرسةُ الصاهلةُ! كمْ يعذبني صمتك
    وأنتِ كم صهلتِ .. وصهلْتِ .. بين مروج ربيعي الأجرد، قبل أن يُقدمَ الغربانُ بنجمتهم السداسية وسوالفهم الطويلةِ السوداءِ القبيحة!
    تتكدّرين؟
    سأذكرك دائماً
    ...
    لأجلسْ على الصخورْ
    ولأتِهْ بحبك .. الذي كان ملاذي
    في الشارع المهجور
    بين أقراني!!
    وعلى أطيافِ سهدي
    وسأحاولُ ـ أنا مالكُ بن الريب ـ أن أكتب المرثية الأخيرة
    لقلبك المفطور!!
    (9)
    «نبوية» تخرجت، وتزوجت، وأنجبت ..
    وأنا وحيد، بلا أب!!
    فقد رحل أبي قبل أن أتزوج!!
    .. ولي أم عطوف، تحنو عليَّ، وتدعو لي، وتقول لي دائماً إن «نبوية» ليست آخر الدنيا!
    .. ولي أخت عانس (هل قلتُ من قبل إن اسمها «فريال»؟) في الأربعين لم تتزوج، وتهوى اصطياد اليمام والعصافير، وتحب قتل الفراشات واغتيال الورود!
    يا لدورات الزمن!!
    لم أكن أدري عن «أربعاء الرماد» هذا ـ بالدمام ـ الذي فتق جراحي!.
    وكأن المُغني الكهل الضرير ـ الجالسَ في طرفِ الحديقةِ ـ يجلد إحساس الشاعر القديم بقوله:
    «إن الزمان هو الزمان دائماً
    وإن المكان هو المكان الدائم والوحيد
    وإن ما هو فعلي هو فعلي لمرة واحدة فقط
    ولمكان واحد فقط» !!

    ديرب نجم 24/8/2005م
  • 23/04/2007, 08:17 AM
    د. حسين علي محمد

    رد: النص الكامل لمجموعة «الدار بوضع اليد!» لحسين علي محمد

    رباب
    .....

    (1)
    قطعةُ السكرِ التي تذوبُ سريعاً ـ ولا تترك بعدها إلا الحرقة والمرارة ـ تجربةٌ أولى تُشعلُ الجمرَ في ذاكرةِ المؤرَّقِ بغيابٍ وعذاباتٍ:
    أنا العشرينيُّ وربابُ أبناءُ قريةٍ نائيةٍ واحدةٍ.
    يدثِّرُنا الفقرُ بعباءتهِ المثقوبة، ويُغطينا الحلمُ بخيمتِه المزركشة الفضفاضة.
    هانحن في بداية العام الثالث من دراستنا الجامعية في كلية الهندسة.
    نلتقي بين حين وآخر..
    نقطعُ جسْر الفقْر بتشابكاتِ الأصابعِ.
    ونحلمُ ببناء مساكن آدمية بعد أن تختفي عشوائيات «عُلب الصفيح» التي خرجنا منها!
    حاولْتُ أن أحذرَ نفسي من أطرافِها المسكونةِ بالحبِّ والعذابِ والتمرُّدِ الجميل، أوْ أتجنبها؛ لكنها أقنعتْني أن الليْلَ للحلم، ولأطيافِ البحْرِ وعرائسِهِ المسكونة بالترقبِ لطفولةٍ ثانية، وبدايةٍ جديدةٍ، نحن ـ وأبناء جيلنا ـ قادرون على صنعها.
    أتذكَّرُ الدقائقَ الفارة، وهي تلفظ الأنفاسَ.
    وحدي ورباب ـ هل قلتُ عبلةَ؟ ـ في كتب التاريخِ، والشعر، والعشق!
    لم تمنعنا الدراسةُ العلمية من أن نكون فارسيْن مُبحريْن في قراءة الشعر والفلسفة والحلم بالغد الجميل.
    صرختْ ذات مرة، وكنّا واقفيْن في محطة مصر ننتظر القطار الذي سيحملنا إلى الزقازيق في نهاية أسبوع:
    ـ رباب .. لا تناسب مساكن علب الصفيح!
    ضحكتُ:
    ـ اقترحي اسماً آخر.
    قالت وعيناها تبرقان بوميض غريب:
    ـ عبلة!
    ضحكتُ من كلِّ قلبي، وأنا أردد مستغرباً:
    ـ عبلة؟!!
    ـ أجل!
    قلتُ مبتسماً:
    ـ امسحي إذن عبد الستار.
    وهي تجاريني:
    ـ بم أناديك؟
    ـ عنترة!
    ...
    نجترحُ الحلمَ، ونصنعُ سفائنه!
    في كتبِ هذا الليلِ أستنطقُ تذكارات طفولتي، والسكرُ في الفمِ النّائمِ، وأمي تحكي لي ما فعله السلطان فيمن اقتحم خلوة حريمه!
    قلتُ وأنا أعاني من زحامِ الحافلة:
    ـ مسي جبهتي بيسارك، التي بجانبي.
    ـ .. أنت محموم!
    (2)
    أفقتُ من نوْمٍ طويلٍ في عيادةِ طبيبٍ جارٍ لنا، لأكتشف موتَ رباب، بعد أن ضربتْنا سيارةٌ مجنونة، ونحنُ نسيرُ مُتشابكي الأيدي في ظهيرةٍ يومٍ صائفٍ مجنون.
    قالت أمي في ثبات أحسدها عليه:
    ـ رباب ماتتْ .. لمْ تتحمّل الصدمة.
    صرخْتُ:
    ـ ربابُ لم تمتْ!
    هلْ كانتْ أمك تُحبها أم تكرهها؟
    سؤال لا يؤرقك!
    لكن الذي سيؤرقك طويلاً .. هو غياب رباب!
    (3)
    في حكاياتي المُقبلة، سأتكئ على التاريخ، لأثبتَ أن الفقير يُمكنه أن يُقابل السلطان، ويقول له ما لا يُحب سماعه؟
    فعنترةُ يحتوي عبلة في أضلعه!
    وعبدُ الستار ماتَ يوم أن ماتتْ رباب!
    ...
    رأيتُ فيما يرى النائم أنهم قادوني إلى سراي النيابة: قلتُ لهم إن هذا النص .. (الذي أكتبه عن تجليات فمِ المُغنِّيةِ رباب وعجائب شدوه) أكثرُ منْ معجزةٍ، لأنه يجعل القرية النائيةَ المُغَيَّبةَ تولد من جديد، فوقَ الكراسي العالية، التي لا يصلُ إليها أحد! وأن الأولاد الحفاةُ العراةُ يُمكنهم أن يكونوا اللاعب الأول ـ الذي يملك كل أوراق اللعبة! ـ في منطقة المساجلة!
    ـ ماذا تعرف عن رباب؟
    ـ شاعرة من قريتي!
    ـ ماذا تحفظ من أشعارها؟
    ـ أحفظها، وأعرف خرائطها، لكني لا أحفظ أشعارها.
    ـ أغانيها مسجلة عندنا، فلماذا تنفي معرفتك بأغانيها؟
    ـ لماذا تسألونني إذن؟
    ـ إنها تُهاجم الجميع في أغانٍ ثوريةٍ بذيئة.
    ـ إنها تُغني للحياة وللمستقبل .. ولم أسمعها تُهاجمْ أحداً.
    ـ من الذي قتلها؟
    ـ لم يقتلها أحد .. لأن الجميع يحبها .. حتى الأشجار والعصافير.
    (4)
    سأخبركم ـ بلا فخرٍ!! ـ أنني أحكم الطوق حول رقاب الذين يريدون غياب رباب!
    ولن أجعل الحمى تدخل بيتي، أو الوهم يخترقُ جدرانَ حبي للجميلة، ولنْ يحتويَها الغيابُ!
    رغم الثقل الذي أشعر به في جسدي وفي أطرافي!
    ...
    وإذا كان الفجر مظلماً في الدروبِ
    فبإمكان غنائها أن يضيء طرقاتكم!
    ولا مانع ـ في فعلِ الغناءِ الجميلِ ـ من أن تجعل الفيلم الصامتَ فصيحاً، مُفجِّراً طاقاتِ شعوركمْ، محققاً أمانيكم ومكبوتَ ضمائركم!
    ألا يكفيكم أن تروْا بسمة رباب؟!!
    ألا يكفيكم أن تسمعوا غناءَ رباب؟!!
    (5)
    فتحتُ الكراسةَ التي أكتبُ فيها خواطري فصرخت أمي:
    ـ هل مازلت تقرأ شعر رباب؟! ..
    أجبتُ ضاحكاً:
    ـ ربابُ لا تكتبُ شعراً .. هذا شعري.
    وقرأت:
    ربـاب
    يا من تقفين في آخر الطريق، وتُنادين
    ـ لست وحدك هناك أيتها الحبيبة القديمةُ!
    ...
    أنا أوقن أن بجانبي ألف نخلة
    ترتفع فوق وجع السنين الطويلة!
    وتناجيني من خلال حزنها
    لغيابك
    ...
    الشطآن المراوغة تتراجع تحت قدميَّ
    وألف وردة تشتعلُ نارها في شراييني
    فالرباب ما مات لحنها!
    ...
    (قلَّبتُ صفحات الكراسة، وفزعت أمي:
    ـ كأنه لا يكتب إلا لها!.
    (6)
    تلك الحياةُ الصامتةُ.
    تلك البهجةُ المكبوتةُ في عيونكم.
    لا تنبئُ عن حبِّ رباب!
    أخبرتني أختي الصغيرةُ (سُها ) أنها رأتها في شاشة الأخبار ـ قبلَ عرضِ الفيلم، وكانتْ واقفةً مع فارسٍ، لا يُشبهُ أحداً من الناس!
    كأنَّه رجلٌ سماوي.
    وأن النخاس أخذ يقلبها، ويُعري أطرافاً من ثوبها!
    و...
    لا تُكملي فريتَكَ يا سُها، فلن أُصدِّقكَ!
    فربابُ ..
    لا تُباعُ ـ أو تُعرضُ ـ في سوقٍ للرقيق،
    فلماذا .. أيُّها المتقولون .. تتربصون بسيدةِ نصوصي التي تقولون عنها إنها ماتتْ غيلةً؟
    وأنا ..؟
    لا أبصرُ القضبان
    حول خطواتي..
    أو في رحابةِ أفقي،
    أو عائقةً عنْ قدومِ فجري بعودة «رباب»؟!!

    ديرب نجم 26/8/2003م
  • 23/04/2007, 08:17 AM
    د. حسين علي محمد

    رد: النص الكامل لمجموعة «الدار بوضع اليد!» لحسين علي محمد

    أزمة مُخرج
    .............

    حاول «فاروق منير» أن يخرجني من حالة الصمت التي أعيشها منذ عامين، هو مدير إدارة النصوص بالمسرح القومي. كنا زملاء في المرحلة الثانوية، وذبحنا سكين الهزيمة، فبدأ بكتابة الأشعار المتمردة، الرافضة للهزيمة، وأذكر أن إحدى الصحف رفضت نشر قصيدة مبكرة له كتبها عام 1968م، وهو في الثامنة عشرة، ومازلتُ أذكر وجهه المملوء فرحا وهو يقول لي مطلع قصيدته التي رفضتْها الرقابة:
    كيف تكون الكلمة سيفاً
    يهوي بالأعماق
    كيف تكون الكلمة سهماً
    وأنا أوقفُه قائلاً:
    أريد أن أصير مخرجاً وأقدم لك مسرحية من إخراجي!
    ...
    وهاهو الزمن قد مرَّ ..
    صرتُ مخرجاً شهيراً أقدَّم متطلبات السوق في المسرح التجاري، ومسرح الدولة .. أنا الذي أنفقت عليَّ الدولة أموالاً طائلة لأتعلم حرفة الإخراج في موسكو على يديْ أشهر المخرجين.
    صرتُ ـ أنا سامي الإمام ـ مخرجاً محترفا، أقدم مسرحياتي بلغة مسرحية عالية الإبهار.
    قال لي «فاروق منير» إنه يريد أن يراني، بعد أن صار شاعراً مشهوراً، وقدّم له المسرح القومي ثلاث مسرحيات شعرية، وصار له عمود يومي في واحدةٍ من أكبر الصحف انتشاراً.
    هاتفني أمس وسألني لماذا أنت متوقف عن الإخراج، فأخبرته أنني أُعاني من أزمة ..
    ـ نفسية؟
    ـ .. لا
    ـ .. أزمة موقف؟
    ـ .. ربما! ..
    إنني أراجع قناعاتي السياسية والمبدئية وما أقدمه من مسرحيات تُدغدغ العواطف ..
    قال إنه سيقدم لي نصا لأخرجه في مسرح الدولة.
    زارني في بيتي في الثالثة بعد الظهر.
    أعطاني نصه، وقال إنه عن صراع الطبقات، من خلال تقديم المتصوفة «رابعة العدوية»؟
    فقلتُ مستغرباً:
    ـ هل يُمكن أن تُمثِّل رابعة العدوية صراع الطبقات؟ .. وكيف يُمكن أن نجد هذا في النص؟
    قال ضاحكاً:
    ـ إنها تنتقد القطط السمان، والوجهاء الذين يدَّعون التديِّن، ويمسكون السبح في أيديهم، لتزداد مكتسباتهم، وتروج تجارتهم، وتتضاعف استثماراتهم.
    قلتُ حائراً:
    ـ إذن كيف سأقوم بإخراج مسرحية تحملُ مثل هذه الكلمات على مسرح الدولة؟
    قال:
    ـ نحن الذين نختار نصوص مسرح الدولة، ثم لا تنس أن مسرح الدولة ـ في ظل هامش الحرية المُتاح ولطبيعة المسرح ورمزيته ـ أكثر جرأة من المسرح التجاري، الآن.
    قلت:
    ـ الموضوع ـ موضوع تقديم شخصية متصوفة ـ ليس من الموضوعات المثيرة، ليتك ناقشت في نصك قضية الحرية، أو انفراد أمريكا بحكم العالم منذ زوال الاتحاد السوفيتي، أو العولمة، أو صراع الحضارات .. أو غيرها من الموضوعات من خلال مسرحيات تشتبك مع الواقع لا من خلال أقنعة!
    ـ هل تنسى أن صلاح عبد الصبور قدم صورة للصراع بين السلطة والمثقفين من خلال شخصية متصوفة، في منتصف الستينيات من القرن الماضي هي شخصية «الحلاج»؟!
    قلتُ ضاحكاً:
    ـ ألا تعرف؟ .. الزمانُ اختلف!
    قال في بلاهة:
    ـ أجل! .. ماذا تقول؟
    قلبتُ في الأوراق التي بين يديَّ، وتوقفتُ كمن لسعه عقرب:
    ـ قل لي يا فاروق .. ماذا تعني بقولك: صوفية .. نورانية؟
    قال ضاحكاً:
    ـ إنك متوقف منذ عامين عن الإخراج (وحرص على أن يُداعبني) يبدو أنك أصبحتَ لا تقرأُ أيها المخرج القدير!، وأصبحت لا تفهم شيئاً في غير الفن الذي تعرفه .. المسرح .. هذه من مصطلحات الصوفية، وأنا قلت لك أمس أن نصي عن صراع الطبقات وفيه صراع بين درويش فقير يحبُّ رابعة وثري غبي، لا ينحازُ للفقراء، بل يستعديهم بمسلكه الاستفزازي!!.
    قلتُ:
    ـ أنا أرفضُ التصوفُ كما رفضتُ الماركسية!.
    قال لي:
    ـ أنت مخرج، تقدم نصا.. ما علاقة قناعاتك وفكرك بما تُخرجُه؟
    قلتُ وقد ضقتُ به ذرعاً:
    ـ أنا لست «بوتيكاً»، أو صاحب معرض للأفكار على خشبة المسرح.
    هزَّ رأسه مستفسراً، وعيناه تستوضحان ما أقول، فقلتُ بصوتٍ هادئٍ أجتهد أن تكون نبرتُهُ واضحة:
    ـ لستُ يا صاحبي محلَّ بقالة.. إنما أنا مخرج له فكره.
    صمتنا، وأعدت تقليب الأوراق:
    ـ أنت تقول في بداية المشهد الخامس، على لسان الثري:
    نحن وضعنا للعامة والغوغاء الترياق
    في قالب دين يعتنقونه
    في بضعة أبطالٍ مهووسين
    يعتقدون بمنزلةٍ ساميةٍ لهمو
    .. فهلْ كان الثري أيام رابعة من الشيوعيين؟
    لم يُجب، فأضفتُ في نبرات حادة:
    ـ لا يُمكن أن يُقدِّم سامي الإمام هذا القول في مسرحية تحملُ اسمه!
    ـ هذا ليس كلامك، إنه كلام البطل .. لماذا تتكلم كلاماً غريباً يظن من يسمعه أن من يقوله لا يمكن أن يكون سامي الإمام المتخرج من أهم أكاديميات الاتحاد السوفيتي السابق؟
    وأضاف ضاحكاً:
    ـ هل تخاف سطوة الأصوليين من أصحاب السلاسل والجنازير؟
    قلتُ في حسم:
    ـ فلتعذرني يا فاروق. إنني لا أستطيع أن أخرج مثل هذا النص، فمازالت فيّ بقيّة من تلك الأرضِ الطينيةِ، من القرية التي مازال أبي يخطو فوقَ ثراها، ويصومُ رمضان والستة البيض.. ويُصلي في أعماق الليل، ويصلي الفجر جماعةً، ويحج، ويعتمر.
    قام وهو يصرخ ويقذفُ كلماته كالرصاص الطائش في كل جانب:
    ـ هلْ يجرفُك سيلُ الجبن الذي يعتري حياتنا؟ .. هل تخافُ سطوة الأصوليين؟ .. ما هذا الذي أسمع؟ .. هل المخرجُ التقدميُّ الكبير هو الذي يقول مثل هذا الكلام؟
    .. ألقى كل ما بنفسه من شوائب وأحجار وصَمَتَ، فشددتُه وأجلستُه، وأضفتُ:
    مازال أبي .. والد سامي الإمام يؤمنُ بالله .. ومازالت أمي مؤمنة بالله ورسوله! اعذرني يا فاروق، فقد زلّت بالقدم النعلُ ذات مرة! فلماذا ترفُضُ أنت أن أخرج من الحفرة؟
    قال وهو يرسم ابتسامة صفراء على شفتيه:
    ـ تهمني هذه المسرحية، وكنتُ أتمنّى أن تخرجها.
    قلتُ ضاحكاً:
    ـ إنك تهمك الكتابة والشهرة فقط. وإني تصطرعُ الأفكارُ برأسي كالطوفان!
    قال:
    ـ ماذا تقول؟!
    حدّقتُ في عينيه قائلاً:
    ـ .. لا أستطيع أن أخرج هذا النص، حتى لو جلستُ عاميْن آخرين بدون عمل!
    الرياض 1/12/2004م
  • 23/04/2007, 08:16 AM
    د. حسين علي محمد

    رد: النص الكامل لمجموعة «الدار بوضع اليد!» لحسين علي محمد

    نوال تقرأ الحقول
    (قصة من التغريبة اليمانية)
    ..................................

    دارت الطرق المتعرجة نحو الشمس، ولم تُدرك الشمس ولا القمر .. هاهي «نوال» تقتربُ من الخامسة والأربعين .. ولم تحمل في أحشائها ثمرة! .. "يا لخسرانها في يقظتها وفي منامها!".
    توشك فترة الخصوبة أن تمضي، وتترك خلفها الجفاف والعقم!
    درست نوال حتى الثالثة في مدرسة المعلمين في قريتها، ثم تركت الدراسة لتتزوّج ابن خالتها، وهي في السادسة عشرة، وترحل معه إلى قريته البعيدة.
    كان هذا من تسعٍ وعشرين سنة!
    كانت متمردةً على الناس والحياة في أرضِ بيت الفقيه، فرفضتْ ابن عمها وتزوجتْك يا عبد الولي، وعاشتْ معك في الوصاب السافل بناحية ذمار، حيثُ الجبال المتراصة، يسكبُ عليها الغروبُ صفرة الشفق، والسحب المعتمة تتراكض في حيوية لافتة .. تعد بالأمطار!
    لكنك تتركُها وهي الغريبة وحيدةً خلف البقرةِ والمحراث، تشق الخط المعتم .. تنتظر هطول الأمطار لتنبت البذور التي وضعتها بيديها المخضبتيْن! .. تتركُها وتعملُ حارساً لمبنى في صنعاء، وتعودُ كلَّ شهرٍ لتقضي معها ليلةً أو ليلتين!
    تعدُّ «نوال» الأيامَ والليالي يوماً فيوماً.. وليلةً فليلةً ..
    كيف لا؟ .. والحلم الأجمل .. لا يكتمل إلا مع بزوغ فجرك وعودتك البهية.
    تحلمُ دائماً بالخضرة الوارفة ..
    وهي تتأمل البذور الصغيرة النابتة، في قطعة أرضك الصغيرة التي ترعاها في غيابك .. وجدت زوجاً من حمام يناغي أحدهما الآخر، وعلى جنبات الأرض وجدت ابنيهما الصغيريْن يُمدان منقاريْهما ينتظران الطعام من أبويهما، اللذيْن يبتعدان وراء حقل الذرة .. في ثنية مجاورة، ويتقافزان والحب والغناء واضحان في هديلهما!
    متى يجيء الغد؟!
    متى تُشرق شمسُك في أرضي يا عبد الولي ولا تغيب؟!!
    متى نتقافز مثل فرخي حمام؟!!

    الرياض 31/5/2005م
هذا الموضوع لدية أكثر من 12 ردود. اضغط هنا لعرض الموضوع بأكمله.

ضوابط المشاركة

  • تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •