الرد على الموضوع

أضف مشاركة إلى الموضوع: النص الكامل لرواية «شغل الليل والنهار» لثروت مكايد

رسائلك

اضغط هنا للدخول

رجاء ادخل الستة أرقام أو الحروف الظاهرة في الصورة.

 

يمكنك إختيار أيقونة لرسالتك من هذه القائمة

الخيارات الإضافية

  • سيتم تحويلها www.example.com إلى [URL]http://www.example.com[/URL].

عرض العنوان (الأحدث أولاً)

  • 28/02/2008, 06:08 AM
    د. حسين علي محمد

    رد: النص الكامل لرواية «شغل الليل والنهار» لثروت مكايد

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة sapry_2020 مشاهدة المشاركة
    كلام رقيق


    شُكراً على المشاركة.
  • 24/02/2008, 10:52 PM
    sapry_2020

    رد: النص الكامل لرواية «شغل الليل والنهار» لثروت مكايد

    كلام رقيق


  • 23/12/2007, 10:19 AM
    د. حسين علي محمد

    رد: النص الكامل لرواية «شغل الليل والنهار» لثروت مكايد

    (31)
    نُقلت إلى زنزانة فاقداً الوعى , وعندما أفقت سألت عن عادل النمل ومحمود سعيد فلم يجبنى أحد .. وجدت وجوهاً أخرى تنضح ألما غير أن فى عيونهم يقيناً بنصر سيأتى .. ولو بعد ألف ألف سنة . ولم يمض شهر على وجودى فى المعتقل إلا ونقلونى إلى زنزانة أخرى وهناك وجدت عادل النمل .. كان يرزح تحت هم ثقيل .. وقلت وأنا أقترب منه :
    - ماذا حدث ؟
    رفع بصره إلىَّ .. كان شاحب الوجه جامد النظرة , وتمتم بأسى :
    - لقد مات ..
    - من ؟
    - محمود سعيد .
    قلت بثبات أُحسد عليه :
    - محمود لم يمت .
    - لم يمت !
    - لقد استشهد ..
    وكأنما ذكرته بشئ غاب عنه , فعاودته الحياة من جديد , وقال :
    - نعم .. محمود لم يمت ..
    - هذا حق .
    وقال :
    - ماذا يحدث فى الخارج ؟
    - الكل يريد الإصلاح ..
    - شئ طيب .
    - غير أنهم غارقون فى الرذائل .
    - يجب ألا نيأس ..
    - لا يأس مادمنا على قيد الحياة ..
    - والحل ؟
    قلت :
    - لا بد من روح جديدة تسرى فى أمتنا , تحيل سباتها يقظة , وهمودها حياة ..
    - وما السبيل إلى ذلك ؟
    قلت :
    - ذلك شغل الليل والنهار .

    ........................
    (تمت الرواية)
  • 23/12/2007, 10:18 AM
    د. حسين علي محمد

    رد: النص الكامل لرواية «شغل الليل والنهار» لثروت مكايد

    (30)

    لا زال المعتقل مكتظاً بالشباب والشيوخ حتى النسوة . يخيل إليك أنه لم يعد أحد طليقاً فى بلدنا .. وقال الضابط :
    - لِم عدت للصلاة بعد أن انقطعت عنها !
    - حمداً لله على الهداية .
    - كنت ترتعد فى المرة السابقة وأنت واقف أمامى !
    - كان فى صدرى قبضة من تراب ..
    - أخبرنى بكل شئ , وسوف أفرج عنك ..
    - ماذا يحدث للجنين لو قُطع الحبل السرى الذى يربطه بأمه ؟
    - لا أريد ألغازاً أيها الغبى ..
    - إن ما يحدث للجنين لا يكاد يذكر بجانب ما يحدث للمسلم حين يقطع علاقته بربه .. حين لا يصلى ..
    ودق فوق المكتب بإصبعه , فانهالوا فوق رأسى ضرباً . وهتف هاتف فى أذنى بأن الله إذا أراد أن يرفع عبداً من عباده , سلط عليه الجهلة , ليبخروا ذنوبه ويرفعوا درجته .. وقال الضابط :
    - حدثنى بصراحة ..
    - ما كنت لأكذب بعد أن عرفت الله ..
    - إلى أى حزب تنتمى ؟
    - حزب الله .
    - حزب الله !
    - نعم ..
    - حدثنى عن كل شئ يخص هذا الحزب .. أين مقره , ومن يموله ؟
    - إنه فى كل مكان , ويموله الإيمان ..
    - أتسخر منى يابن الكلب !
    - لو قرأت كتاب الله لوجدت ما تسأل عنه ..
    - يا لك من مراوغ داهية !
    - إن الدنيا أصغر وأحقر من أن أراوغ فيها , فما عند الله أعظم ..
    وأمرهم بجرى إلى غرفة الإنعاش . هناك وجدت عادل النمل معلقا من قدميه فى السقف , ومحمود سعيد تصعقه الكهرباء , وغيرهما بين لاهث ومن ورائه سوط يلهب ظهره , أو مكور فى ركن وقد غطى وجهه قار .. وقلت لنفسى : " لا بد من روح جديد تسرى فى أمتنا تحيل همودها يقظة و وسباتها حياة " .. ووجدتنى معلقاً بجوار عادل . كان الدم يسيل من فمه .. وقلت بأعلى صوتى :
    - صبراً آل ياسر فإن موعدكم الجنة ..
    وتبارى الجند فى ضربى بالسياط حتى خارت قواى غير أن قلبى كان يقظاً , وكنت أردد بين الحين والآخر :
    - صبراً آل ياسر فإن موعدكم الجنة .
  • 23/12/2007, 10:17 AM
    د. حسين علي محمد

    رد: النص الكامل لرواية «شغل الليل والنهار» لثروت مكايد

    (29)

    تحول البيت إلى جنة وارفة .. وأشرقت روح زوجتى مما زاد من بهاء بيتنا وروعته .. كنا نسعى لإعداد محمد عبده ليكون قوة إسلامية .. وقلت :
    - يجب أن يحفظ كتاب الله .. هذا شئ ضرورى .. يحفظه فى صغره ، ليتفرغ لتدبره وتطبيقه حين يشب .
    قالت :
    - أفعل الإسلام بك كل هذا !
    - إن الإسلام يحول المرء من تراب .. من جثة هامدة إلى طاقة جبارة مبدعة .. إلى كائن عجـ...
    ودق الباب بعنف. قمت لأفتح غير أن الطارق لم يصبر , فدفعه بقوة , فانخلع . نفس الوجوه المظلمة غير أن رعبى منهم تلاشى . كنت أنظر إليهم بشفقة , وقلت مبتسماً :
    - أهلاً بكم ..
    - هيا معنا ..
    - توكلت على الله .
    واقترب منى عتل جاحظ العينين لا أثر فيهما لحياة , وأمسك بياقتى . نظرت إلى زوجتى فوجدتها ثابتة هى الآخرى وقد تعودت على هذا المشهد منذ صغرها .. فوالدها اعتقل من قبل وزوجها السابق .. وأنا .. ولن تكون هذه المرة هى الأخيرة ما دام الجهل والحمق ينعقان فوق أشجار حديقتنا . سرت معهم رافع الرأس ثابت الفؤاد , ولسانى يترجم عن قلبى : لا إله إلا أنت سبحانك إنى كنت من الظالمين .
  • 23/12/2007, 10:17 AM
    د. حسين علي محمد

    رد: النص الكامل لرواية «شغل الليل والنهار» لثروت مكايد

    ( 28 )

    قرت عينى بعد طول عناء . سرت إلى المسجد رافع الرأس .. نعم كنت أختال .. لا اختيال الكبر بل الفرح لأنى من المسلمين . بات يقيناً عندى أنه لا خلاص للبشرية من آلامها المبرحة إلا إذا أخذت بمنهج الإسلام .. ذلك المنهج الذى يصلح الدنيا للآخرة . إنه منهج الإسلام ليس لصلاح الدنيا وكفى وإنما لصلاح الآخرة أيضاً . لا يوجد مثل هذا الامتداد والشمول فى غير منهج الإسلام .. ولأول مرة أشعر بانسجام مع الكون .. لست نغمة شاذة وإنما أنا جزء من كل متماسك منظم .. إنه الشعور بالسكينة . لا قلق ولا يأس ولا حقد ولا غش وإنما سلام محض .. ولأول مرة أفهم لِم دخلت امرأة النار فى هرة , ولِم كان الفاروق يعبد الطرق لحيوان أبكم .. ذلك كله صار الآن مفهوماً . كما صار واضحاً وضوح شمس الظهيرة : لِم تقدم العرب يوم كان للإسلام وجود فيهم .. ذلك دين لا يرضى لمعتنقيه بغير السيادة والاستعلاء .. الاستعلاء بالحق لا بالباطل , والسيادة لقيادة الناس لرب الناس ومن ثم للجنة .. وقال إبراهيم الفقيه :
    - أراك الآن مبتسماً !
    قلتُ :
    - تبسمك فى وجه أخيك صدقة .
    - نعم ..
    - جعلنا الله ممن يحيون سنن نبيهم .
    - أنت تتغير بسرعة مذهلة ..
    - كيف ؟
    - أنت إنسان جديد تماماً ..
    - اللهم ثباتاً على الحق ..
    وأردفت قائلاً :
    - أين جهودك فى مجال الطب ؟
    - ماذا تقصد ؟
    قلت :
    - إن إسلامنا طريق للتقدم والرقى والأخذ بزمام العالم إلى حياة أفضل .. أووه يا صاحبى .. إن الدنيا فى أمس الحاجة لديننا .. نعم .. محتاجة لنا حاجة الأرض الموات إلى الماء بل حاجة الدنبا للدين أشد ..
    - أفصح يا صاحبى ..
    - الغرب المتقدم فقير جداً .. فقير فى أغراضه وفى قيمه رغم غناه فى آلاته . لقد تحول الإنسان هناك إلى آلة وفقد كل ما هو إنسانى .. ومصيره لو استمر فى طريقه ذاك أن يحطم نفسه بنفسه .. غير أنه لو عرف حقيقة ديننا وفتح قلبه له , لحدث التوازن فى حياته بين عقله وقلبه ، وبذا لا يترنح فى سيره ولا يختل . السؤال يا صاحبى الذى يجب أن نبحث له عن إجابة.. إنه : كيف يعرف الغرب الإسلام على حقيقته ؟ .. والطريق إلى ذلك أراه فى تقدمنا العلمى .. ساعتها سينظر الغرب إلى ما لدينا بعين غير تلك التى ينظر بها إلينا الآن .. لذا ففرض عليك وأنت طبيب أن تتفوق وتبتكر وتبحث حتى تصل إلى ما وصلوا هم إليه وتتفوق , وبذا يقبلون دينك حين تعرضه مع ما تعرضه من علمك . لقد خدم أينشتين إسرائيل خدمات جليلة بعلمه . ويخدم الاقتصاديون اليهود إسرائيل وهم يحيون فى أمريكا بقوة الثروة التى يجمعونها ويسيطرون بها على اقتصاد دول الغرب ومن ثم على العقل الغربى ..
    - لقد ذكرتنى بالشيخ النمل ..
    - بل أذكرك بمطالب ديننا العظيم وبمدى ما نحمله على عاتقنا من مسئولية نحو العالم أجمع ..
    - سأبدأ إن شاء الله ..
    - نعم .. يجب أن نُطَلقَّ اليأس .
  • 23/12/2007, 10:16 AM
    د. حسين علي محمد

    رد: النص الكامل لرواية «شغل الليل والنهار» لثروت مكايد

    ( 27)

    نحل جسمى وجافانى النوم . وجدتُ أن الخطأ يكمن فى تعجل النتائج .. إنك لن تجد العلاج الذى يقضى على الفساد الذى استشرى فى جسد أمتنا فى لمحة عين .. ذلك متعذر . وإنما الحل فى العلاج البعيد المدى , فالبذرة كى تأتى بالثمرة تدفن فى باطن الأرض ، ويتعهدها الفلاح رياً وحرثاً ويقف للآفات التى تريد القضاء عليها بالمرصاد .. إنه لن ينتظر الثمرة بين عشية وضحاها بل دون الحصد جهد جهيد . لكن أين تلك التربة الصالحة لتقبل العلم وتعهده بالرعاية والعناية حتى يأتى بثمره ؟ .. لم يقطع سيل خواطرى غير بكاء محمد .. محمد عبده . وقمت لأحمله .. لم أكن أذكره إلا حين يبكى أو حين أراه يمتص رحيق أمه , وقد أقلقنى هذا .. وقالت حين رأتنى أحمله , وأقبل رأسه :
    - شغلتك الكتب عنا ..
    - إلى حين .
    - أنت ترهق نفسك ..
    - ربما ..
    - أتريد الحقيقة ؟
    - ومن لا يريدها !
    وقلت فى نفسى : "بل من يريدها !" , إننا نفر من الحقيقة فرارنا من الذئاب الضوارى . أما لِم يحدث هذا ؟ , فالجواب سهل جداً ولا يحتاج إلى كثير إعمال فكر . إنها تكشفنا أمام أنفسنا كما تكشف المرآة قبح القبيح وهرم العجوز .. ربما نهرب منها لضعفنا , ولخوفنا منها , فالحقائق مُرة المذاق .. وقالت :
    - كم أتمنى أن تترك تلك الكلمة ..
    - أى كلمة ؟
    - ربما ..
    - لا أفهم شيئاً ..
    - تلك كلمة تغيظنى وتشعرنى بترددك وعدم يقينك .
    - ربما ..
    - هأنتذا تعيدها !
    - المرء حين يألف شيئا , يأتيه دون وعى منه .
    - لكن ..
    ولم أسمع منها شيئاً , ورحت أعرض نفسى على صورة الإنسان فى الإسلام كما رأيتها فى الفترة الأخيرة تلك التى نهلت فيها من كتب الشيخ الشىء الكثير , فلم أجد غير ملامح قليلة فىّ منها .. قليلة جداً لدرجة أفزعتنى .. أهذا هو أنا !. وأفزعنى أكثر أننى لا أصلى .. وأحدث الناس عن الصلاح وإصلاح النفس .. ذلك ضرب من الخبل . إنه إما إسلام أو .. لا إسلام . لا توجد منطقة وسطى .. وهذا لا يعنى بحال تطبيق الدين كله فى اللحظة والتو , كما لا تعنى أهمية الدواء لعلاج علة أن أقذف فى جوفى بكل الدواء فى وقت واحد .. ذلك لا يكون أبداً , ولا يخطر على بال أحد حتى الحمقى من الناس . وقالت تهزنى : أين أنت ؟
    - لا أدرى ..
    - ماذا تعنى ؟
    - لست أصلح لشئ ..
    - تلك بداية طيبة .
    - بداية طيبة للانهيار !
    - الاعتراف بالحق بداية طيبة .
    - بداية طيبة لماذا ؟
    - للإصلاح ..
    وقلت فى نفسى : "هى صادقة ولا شك . فبداية الطريق إلى العلاج أن يعترف المريض بأنه مريض , أما إن لم يعترف بذلك فسيقضى عليه المرض وهو فى حمقه مقيم" . وقلت :
    - إنهم يريدون قائداً ..
    - ولِم لا ؟
    - هل أخدع نفسى !
    - الناس فى حاجة إلى قدوة ..
    - هذا حق .. لكنى لست قدوة .
    - ولِم لا تكون ؟
    - يفزعنى كثرة التفكير فى هذا الأمر ..
    - لِمه ؟
    - إنه يأكل الإخلاص كما تأكل النار الحطب .
    - لو أن ما تفكر فيه صحيح , لما أفلتت منك الفرصة .
    - ربما ..
    - بل هى الحقيقة .. تأكد من هذا ..
    وأردفتْ : المنافق يستغل الفرصة بل إنه ليخلقها خلقاً أما أنت فتخشى النفاق خشيتك الحية القاتلة ..
    قلت شارداً : ربما ..
    وتنهدت باسمة وهى تقول : ألن تكف عن النطق بها !
    قلت شارداً :
    - ربما ..
  • 23/12/2007, 10:15 AM
    د. حسين علي محمد

    رد: النص الكامل لرواية «شغل الليل والنهار» لثروت مكايد

    (26)

    ليس أقسى على المرء من داء الجهل .. أقصد من شعوره بجهله . وقد زاد هذا الشعور عندى وأنا أمضى فى طريق العلم .وزدت غربة حين أنزلت ما علق فى الرأس إلى القلب ومن ثم إلى الأرض .. إلى أرض الواقع . أنكرنى من التف حولى من قبل ، وعَدُّونى من الجهلاء أدعياء التدين .. وقلت لهم : علينا أن نفهم سنن ديننا وقواعده ونعمل بها ..
    قال رجل :
    - نريد إصلاحاً ..
    - لا سبيل إلى إصلاح إلا إذا أصلحنا نحن أنفسنا ..إذا صلحنا نحن حدث الإصلاح ..
    - لكن هناك موانع كثيرة ..
    قلت :
    - ما المانع من إماطة الأذى عن الطريق ؟ .. وما المانع من تبسمك فى وجه أخيك ؟ ، وما المانع من أن تنام وليس فى قلبك غش لأحد ؟!
    - نريد حرية ..
    - حرر نفسك منك ، تتحرر من كل سلطان .
    وأردفت حين وجدت صمتاً :
    - إنه مالم نتحرر من أنفسنا وسلطان شهواتها ، فلا سبيل إلى أن نتحرر الحرية المنشودة .. الحرية العظمى ..
    - هذا كلام لم يقله أحد ..
    - لذا طالبتكم بالفهم أولاً .. تلك مهمتنا .. أن نتغير نحن وساعتئذ يحدث وعد الله لنا .. إنهم يريدون الحرية فى ظلال سحب دخان الشيشة ! . وهبها وُهبت لهم ، فما يصنع العجزة بالحرية ! . إن دخول سباق الحياة يحتاج إلى إعداد وبذل للجهد والمال .. ولو ألقيت الجند فى ميدان النزال دون تدريب ومران ، لحصدهم العدو حصداً ، ولعادوا بفشل هم صانعوه .. وقلت :
    - إنه لا سبيل لإخراج العالم من ظلمة الباطل إلى نور الحق إلا إذا خرجنا نحن أولاً من تلكم الظلمة .
    - لا تدخلنا فى متاهات !
    - بل أخبركم بالحقيقة ..
    - أى حقيقة !!
    - لا سبيل إلى نشر دعوتنا إلا بعد فهمها وتمثلها بحيث تسرى مسرى الدم فينا ، فنندفع – ساعتئذ – إلى معرفة روح العصر الذى نحيا فيه ، وندرك أى أفكار توجه نشاطه وتدفع حركته .. وبهذه المعرفة وحدها نستطيع أن نبث الحق فى الدنيا ، ونغير من أفكار العالم أجمع بالقدر الذى نريده ، ليتحرك الوجهة التى نريدها نحن له .. وما نريد إلا ما يريده الله رب العالمين .. وهذا لن يحدث إلا بامتلاك القوة .. قوة العصر ..
    - عن أى قوة تتحدث ؟!
    - العلم ..
    - ماذا تقصد ؟
    - أقصد أن تسرى فينا روح واحدة هدفها أخذ العلم وجمعه ، وتدبر ما فيه والبناء عليه ، ولا سبيل لهذا إلا بفهم الدين وتشرب تعاليمه .. إنهما خطوتان متلازمتان ..
    - أى علم تقصد ؟
    - أى علم ..
    - لم نعد نفهمك !
    - الدين يدفعنا دفعاً إلى النظر والتدبر فى أسرار الكائنات ، وامتلاك أسباب القوة لا لإرهاب أهل الحق ، وإنما لإرهاب الباطل وأهله ، ولإشاعة العدل ونشر لواء السلام فوق الأرض والدعوة إلى الله بالحسنى .. وبذا نكون شهداء على الناس، وإلا فبأى وجه نقابل صاحب الرسالة يوم العرض الأكبر؟
    - هذا كلام غريب ..
    - إننا ننطلق من ديننا .. والأمر بإعداد القوة كلأمر بإقامة الصلاة . العلم هو القوة فى عصرنا هذا ، لذا وجب علينا أخذه والسهر عليه حتى يصير طوعاً لنا ، وبذا نوجهه لخير الدنيا والآخرة ، لأن انطلاقنا موجه لخير الدنيا والآخرة .
  • 23/12/2007, 10:15 AM
    د. حسين علي محمد

    رد: النص الكامل لرواية «شغل الليل والنهار» لثروت مكايد

    ( 25)

    - ألا زلت على عنادك ؟!
    قالتها لطيفة ابراهيم وهى تمسح على راسى بيمناها . اقتربت بوجهها من وجهى فانتفضت .. وقلت وأنا أبتعد :
    - ما عاد وقت لِلَهو ..
    - أتسمى حبنا لهواً !
    " إنه خيانة وفاحشة " .. قلتها فى نفسى والرعشة تلفظ أنفاسها الأخيرة .. وأردفتْ :
    - لِم لا ترد !
    قلت بثبات :
    - إنه خيانة .
    - خيانة !
    - تلك هى الحقيقة .
    - إنما الدنيا ساعة وساعة ..
    ساخراً قلت :
    - ساعة لزوجك ، وساعة لى !
    - يا لك من سكين بارد !
    - لم أقصد إها ...
    وقاطعتنى وهى تنصرف :
    - لا داعى للكلام بعد ذكرك للحقيقة كما تدعى !! وقلت لنفسى ! لا بد مما ليس منه بد . وليس أمامك الآن سوى محاولة الفهم والسير .. وذكر الحقيقة كاملة .
  • 23/12/2007, 10:14 AM
    د. حسين علي محمد

    رد: النص الكامل لرواية «شغل الليل والنهار» لثروت مكايد

    (24)

    جاءنى مدحت شكرى لمقابلتى فى المستشفى بعد أن أفرج عنه بقليل . لم أتمالك نفسى حين وجدته أمامى ، فجعلت أضحك وأبكى فى آن واحد . وتذكرت أننى لم أسأل عنهم منذ خرجت من المعتقل , فباخ موقفى أمام مدحت غير أنه لم يتطرق إلى هذا , وسألته عن حال عادل النمل ومحمود سعيد , فقال :
    - يعلم الله متى يتم الإفراج عنهما ..
    - هل تأكدوا أنك مـ....
    - لمِ لا تكمل !
    واحمر وجهى خجلاً , وأردف مدحت :
    - كانوا متأكدين من ذلك .
    - ولِم اعتقلوك إذن !
    - لأنى أدعو إلى الإسلام ..
    - كيف !
    - الإسلام السياسى هو ما أدعو إليه .
    - لكنه فرع من فروع شجرة الإسلام الشامخة ..
    - ما يشغلنى أنا هو الإسلام السياسى , لكونه السبيل الحق لوجود العدل والحرية والمساواة وجوداً حياً فى أرض الواقع , وليس وجوداً خرافياً فى أذهان الناس ..
    وهممت أن أدعوه إلى الدخول فى الإسلام , فتذكرت أننى لا أفقه من الإسلام غير قشور .. ربما كان هو يعرف عن الإسلام ما لا أعرفه أنا المسلم بالوراثة .. ثم أنا لا أصلى ! .. وقلت :
    - رأيى أن تستكمل أبحاثك فى الجامعة ..
    - لا بد من هذا ..الحياة فى المعتقل غيرت ما كان فى نفسى .. ما كنت لأتصور أن يحدث ما رأيته فى بلد يدعى مع كل طلعة صبح أنه ...
    - متحضر ..
    - بيننا وبين التحضر عوالم شتى ..
    - يا له من تناقض !
    - كيف ؟
    قلت :
    - إن المسلم لا يفقه ما تفقهه أنت عن الإسلام .. الإسلام السياسى . لا يرى الكثيرون ذلك الجانب من الإسلام , ولا أكتمك سرا , فقد كنت من هؤلاء ..
    رد مدحت :
    - لقد فشلت النظم الوضعية فى حل أزمات الإنسان بينما ثبت تاريخيا نجاح الإسلام الباهر فى رفع الإنسان عقلا وروحا إلى آفاق لم يحلم بها الحالمون .. إنك لا تكرر النظر فى ذلك الدين إلا وتزداد يقينا بأنه الحل الوحيد لأزمة الدنيا , وأننا لا بد أن نتجه إليه شئنا ذلك أم أبينا , لكونه الحل الوحيد , والمالك وحده لعلاج أزماتنا الطاحنة . إن من ينادى بعزل الإسلام عن الحياة مقلد لا يفقه شيئاً , ولم يدرس الإسلام قط , وإنما هو يحسب الإسلام كالمسيحية فى جعلها ما لله لله وما لقيصر لقيصر .. وأمثال هؤلاء الجهلة قد عَلِقَ فى أذهانهم سلطان الكنيسة إبان العصور الوسطى حيث قيدت العقل , وكبلت الروح عن الانطلاق . إننا مضطرون لأسلمة السياسة كى ننهض من كبوتنا ، كما أننا مضطرون لأسلمة الاقتصاد كيلا تتمركز الثروة فى أيدٍ قليلة ، فيأسن وتأسن هى .. وربما كنا مضطرين لأشياء أخرى لم ندركها بعد ..
    قلت وقد زاد إعجابي به ، وتقديرى لهذا العقل الفذ :
    - أنت عقل مسلم .
    - وقلب مسيحى ...
    وأردف بعد لحظة تمنيت فيها أن يكون قلباً مسلماً :
    - إن الحضارة التى يصنعها الإسلام ليست من صنع من يدين بالإسلام وكفى وإنما يصنعها كل من يستظل برايته ويحيا فوق أرضه ..
    قلت بحماس :
    - نعم .. ذلك هو الطريق .. العلم .. وإلا تاهت المفاهيم ، وضرب بعضنا رقاب بعض ..
    وقال باسماً :
    - تريدُ أن تكون قساً دون أن تخدم الكنيسة . وكأنما وقعت كلمته فى جُرحى ، فغرزت عينى فى الأرض ، وتمتمت :
    - أريد أن أفتح لك صدرى ..
    - ماذا بك ؟
    - ألم وضيق ..
    بدا على وجه مدحت الاهتمام الشديد ، وقال :
    - تحدث .. ماذا بك ؟
    - ليس لى تاريخ فى النضال ..
    وتجمد برهة ثم قال دهشاً:
    - أى نضال !!
    - مثلكم ..
    وابتسم عجباً وكأنه لا يصدق أذنيه ،وكأن الأسد الذى ظنه موجوداً تمخض عن فأر .. وقال :
    - أنت تتصور الأمر على غير حقيقته ، فليس ثمة حرب بيننا وبين أبناء الوطن وحكامه ، وإنما هى فكرة أو رأى رأيناه وحسبناه السبيل إلى التقدم ، وأردنا عرضه للنقاش لا على أنه الطريق الذى لا طريق سواه وإنما عرضناه ليتبين لنا ثوابه من ... غير أننا لم نجد صدراً رحباً ، ليناقشنا وإنما صراخ فى الوجه وادعاء بالباطل بأننا لا نريد خير البلد وإنما نسعى لمجد شخص .. نعم هناك تجاوزات عديدة وشديدة من الجانب الآخر ، لضيق فى الفهم ، ولعوامل أخرى .. لكن تصوير الأمر على أنه نضال وصراع وغير ذلك من ألفاظ ضخمة ، تصوير للأمر على غير حقيقته .
    قلت :
    - والسجن والتعذيب .. وغرفة الإنعاش !
    - هناك تجاوزات ..
    - كرامة الإنسان التى تداس وحرمته التى تنتهك فى وضح النهار !
    وعاودتنى فى تلك اللحظة صورة أمى ، وبقع الدماء تتناثر فوق الحصيرة فى غرفتنا الحقيرة ، فغلى الدم فى عروقى وأردفت شارداً :
    - إنه لا تزر وازرة وزر أخرى فى كل بلاد الدنيا إلا هنا ! ، لو لم أنقل لهم أخباركم ، لفعلوا بزوجتى مافعله التتار بالمسلمين ..أكل هذا مجرد تجاوزات !!
    - لسنا فى صراع ..
    - لكنهم يخلقون ذلك الصراع .
    - لن نجاريهم وإلا حدثت الكارثة ..
    - هم صنعوا الكارثة .
    - أنت منفعل جداً ..
    - ربما ..
    - بل هى الحقيقة .
    وقلت شارداً :
    - تلك حياة لم أكن أريدها .. كنت أود حياة سهلة مريحة . لكن هذا محال .. لم أدخل المعتقل لأنى صاحب رأى ، أو لأنى شاركت فى عمل بطولى .. حتى السبب الذى دعاهم إلى القبض علىّ كان وهماً .. كنت موجوداً أثناء قيام المظاهرة وتسللت منها خفية ، فلم يكن يشغلنى من أمور السياسة أى شيء ، لكن الكاميرا سُلطت علىّ ! .. أما ذقنى التى لم أحلقها غير مرات قليلة فقد أطلقتها لأسباب خاصة جداً .. صدقنى .. لقد مرت علىّ أيام لم يكن معى فيها ماأدفعه إلى الحلاق ، ليحلق لى شعر رأسى .. ثم أنا كما ترى .. وجهى لا يصلح بغير لحية .. أعرف هذا .. لذا تعجبت حين وافقت أرملة الشيخ على الزواج .. نعم .. تلك اللحية تدفع عن وجهى بعض قبحه .
    وخطرت فى ذهنى لطيفة إبراهيم فتغضن وجهى . لكنى تنبهت _ ولأول مرة _ أنها لم تكن تريد غير ذكر وكفى . رجل يشبع جوعتها ولو كان له وجه قرد أو وجه خنزير .. وقال مدحت :
    - فِيم شرودك ؟
    - المسألة أننى كما قلت أنت أريد أن أصبح قساً دون أن أخدم الكنيسة .
    رد باسماً :
    - الموقف الراهن يدفعك لأن تصبح قساً ..
    - الذى لم يخدم الكنيسة !
    - ماذا فى رأسك ؟
    - غبار ..
    - تأكد أن رأسك ليس فارغاً تماماً ..
    - ماالذى يجعلنى أتأكد من ذلك ؟
    - لديك بعض الأفكار القوية ..
    - فى القانون !!
    - لا تسخر من القانون .
    - أى قانون !!
    - أى قانون .
    - ذلك الإله الذى صنعه سادتنا بأيديهم وأسجدوا له الضعفاء من أمثالنا !
    - تلك نغمة شاذة لم نسمعها فى حياة الشيخ عبد السلام ..
    - ألم أقل لك أنى فارغ الرأس ، ويدفعنى الناس لأن أصبح قساً ، ولا أجد الجرأة لأخبرهم بأننى يهوذا ..
    - لستَ يهوذا ..
    - لقد بعتكم فى المعتقل .
    - لا تجعل هذا الأمر يعذبك .
    - إنها الحقيقة .
    - كان ذلك من أجلها ..
    - من ؟
    - زوجتك ..
    - ليتنى ما تزوجت .
  • 23/12/2007, 10:14 AM
    د. حسين علي محمد

    رد: النص الكامل لرواية «شغل الليل والنهار» لثروت مكايد

    (23)

    لم تفلح لطيفة إبراهيم فى إعادة ما كان رغم محاولاتها المتكررة . كنت فرحاً إذ تخلصت من حمل ثقيل كان يجثم فوق صدرى . على أنى لازلت أتحرك فى أرض ضبابية .. لا شىء واضح حتى عبد السلام النمل الذى أعيش فى بيته لم أعرفه بعد وكأنه أسطورة من الأساطير .. الناس هنا تحبه وتكرهه فى آن واحد . البعض يتهم إخلاصه ويذكر أنه كان أكبر داهية عرفته البلاد , والبعض الآخر يؤكد أنه رجل من ذلك الجيل الذى رباه رسولنا . وبدأ صاحب القهوة يضيق بمن يتجمع حولى وإن كان يرحب بى حين أدخل .. لكن زوجتى ضاقت بالفعل , لسهرى المتكرر . لم تكن تعرف أننى أذهب إلى المقهى , لذا عجبت حين أخبرتها , وقالت وكأنها غير مصدقة :
    - لكنك لم تذهب إلى قهوة من قبل !
    - بل ذهبت مرات كثيرة ..
    - وابنك !
    - ماذا حدث له ؟
    - ألم تلاحظ أنك لم تسأل عنه !
    - أشياء كثيرة تشغل عقلى ..
    - عن ابنك !
    - أريد حياة نظيفة .
    - ماذا تقصد ؟
    - أنا ملوث الفكر والوجدان والجوارح ..
    - ماذا تقول ؟!
    - ما سمعتِ ..
    - لم أعد أفهمك !
    - المسألة أكبر مما كنت أظن ..
    - ماذا تقصد ؟
    - إنهم ينظرون إلىّ نظرتهم إلى بطل !
    - من ؟
    - الناس ..
    - هذا شئ يفرحك ..
    - لكنى لست بطلاً ..
    ونهضت حين بكى محمد .. محمد عبده .. هذا اسمه .. ولعلها أول مرة أفكر فى هذا .. إن اسمه محمد عبده ." لا يهم الاسم المهم المسمى " .. هذا ما قلته فى نفسى وأنا أقوم إليه . كان يشبه أمه إلى حد كبير , فحمدت الله على ذلك . وقد كنت أنا الآخر أشبه أمى .. وربما كنت أشبه أبى .. لا أدرى بالضبط فقد مات قبل أن أراه , ولم تكن هناك صورة له تبين لى الحقيقة . قبَّلت جبهته . كانت تنظر إليه بزهو وكأنها هى التى صنعته ، وحين التقت عينانا بدا عليها الضيق . وتساءَلتُ :
    - ماذا أفعل ؟
    - فيمه ؟
    رمقتها بغيظ , وقلت :
    - فيما قلته لك ..
    - قلت أنك قد تلوثت , وأنا لا أفهم كيف تلوثت !
    لكنى أفهم كيف تلوثت .. فهمت هذا حين رأيتهم فى المعتقل يبحثون عن طريق للتقدم رغم السوط الساقط فوق الظهر , ورغم الدم الصارخ يلعن جبناً فينا وخوفا .. ويلعن سعياً وراء الغايات الصغرى والوسائل الدنيئة , ويلعن عراك الحقراء على البغايا وهلم جرا من تفاهات .. وقال عادل :
    - ليس كفقد الشعور مصيبة ..
    وقلت له :
    - كيف !
    رد :
    - إن الشعور بالمرض أول خطوة فى طريق العلاج ومن ثم النجاة من ذلك المرض .. أما فقد الشعور فإنه الخطوة الأخيرة ناحية النهاية ومن ثم الهلاك . ولك أن تنظر لما يحدث للمسلمين فى أنحاء العالم من قتل ونهب وهتك للأعراض ونحن نغنى ونرقص ونتعارك على نتيجة مباراة , ونتجادل فى أمور صغيرة حقيرة .. إنه فقد الشعور أصاب الأمة , فأحدث ذلك الخلل الذى تراه , واللامبالاة المنتشرة فى جسد الأمة إنتشار السرطان ..
    وقالت :
    - أين ذهبت !
    - عادل النمل ...
    هزت رأسها أسفاً وتمتمت :
    - لم تخرج من المعتقل بعد !
    - ألا تعرفينه ؟
    - لا أعرف أحداً ..
    - إنه من أقرباء الشيخ .
    - ألا تصدقنى ؟
    وعجبت كيف خرس الكلب . بحثت عنه فى صدرى فلم أجد له أثرا .. وقلت :
    - أريد كتبه ..
    - كتب الشيخ ؟
    - لا بد من كشاف ينير لى الطريق ويكشف ما أنا فيه من انحطاط , وما حدث لى من انفصال عن الحياة ..
    ردت شاردة :
    - المصيبة الكبرى أنك لم تعد تصلى !!
    - لم أكن أصلى من قبل رغم ذهابى إلى المسجد .. الدين فى أذهانهم كل شامل محيط , لذا فهم أحياء أما أنا فمجرد جيفة قذرة ..
    وأردفت بعد صمت خانق :
    - كنت أذهب للمسجد ثم ألقاها ..
    صرخت فى وجهى :
    - تلقى من !
    - المعصية ..
    وابتسمت وهى تضرب كفاً بكف , وأردفتُ :
    - أتغارين ؟
    - أنت زوجى ..
    دق قلبى وكأننى غر يقابل فتاة لأول مرة . أحقاً تغار علىّ أنا القبيح الوجه ؟ . تحسست وجهى بيدى . أردت أن أتجه للمرآة المعلقة فى مدخل الشقة , غير أنى ضحكت لبلاهتى تلك , وقلت : إن العلاقة بين الزوج وزوجه علاقة مقدسة , وفيها من الأسرار ما لم يطلع عليه الإنسان بعد . ووجدتنى أقبلها , وقلت لها :
    - أحبك ..
    احمر وجهها , وسرت فى جسدها رعشة خفيفة .. وهمست :
    - وأنا أحبك .
    - حقاً !
    - أهناك شك فى حبى لك ؟
    أحقاً تحبنى أنا ! . لم أكن يوماً فتى أحلام لفأرة , وخطرت الممرضة فى خاطرى فبصقتها , وقلت شارداً :
    - أريد الحياة ..
    - الدنيا أمامك , والناس بدأت تحبك .
    - المهم أن أكسب نفسى ..
    - ماذا تريد ؟
    - العلم أولاً ..
    - لا أفهمك ..
    - الإسلام غريب عنى .
    - كيف !
    - لأنى لا أعرفه ..
    وأردفت بعد لحظة صمت :
    - نعم .. تلك هى الحقيقة .. وما دمت لا أعرف الإسلام ، فكيف أسير على الصراط ! .. على الساحة الآن أفكار كثيرة ولكل فكرة أنصار . الكل يحسب أنه على صواب ومن خالفه فهو على الباطل .. نعم .. كيف أعرف أنا الصواب , وكيف أدرك التفرقة بين كل هاته الأفكار المتصارعة , وأعرف إلى أى مدى تقترب من الحقيقة ؟ .. لا شىء ينير لى السبيل غير العلم . علم بقواعد الإسلام وسنته .. وعلى ضوء هذا العلم أكشف الحق من الباطل . الجهل ستار بينى وبين الضياء ومن ثم الطريق الواجب السير عليه ..
    وقالت :
    - الناس هنا أحبت الشيخ عبد السلام , وها هى ذى تلتف من حولك ..
    - لن أغير من حياتهم شيئاً إلا إذا تغيرت أنا .. إلا إذا تشربت تعاليم ذلك الدين القيم, وصرت تمثيلاً له ومن ثم أدعو على بصيرة .. أنا أحب الإسلام .. وهم كذلك .. لكن ! أى إسلام هذا الذى أحبه ؟.. لست أدرى .. لقد رأيت فى الزنزانة أناساً من لون فريد.. أظنهم أقرب الناس إلى الحق , لأنهم أكثر صموداً وأكثر إشراقا .. لكن هذا وحده لا يكفى .. لا بد من العلم حتى أكون على بصيرة من أمرى وأمر هؤلاء ..
    وقمت إلى صناديق الكتب , لأفك طلاسم جهلى المتراكم .
  • 23/12/2007, 10:13 AM
    د. حسين علي محمد

    رد: النص الكامل لرواية «شغل الليل والنهار» لثروت مكايد

    (22)

    عندما عدت إلى بيتى وجدت حركة غريبة , وقابلتنى عجوز , وأخبرتنى أن زوجتى على وشك أن تضع . سمعت صرخات فى غرفة النوم .. وعجبت لأنى لم ألحظ انتفاخ بطنها وتغير حركتها . قعدت دقائق معدودة , وضقت بالصراخ وبحركة النساء وبحديث المرأة العجوز , فخرجت إلى الطريق.
    قررت أن أذهب إليها .. إلى لطيفة إبراهيم .. وسرت خطوات فى الطريق المؤدى إلى شقتها وتراجعت . تجمدت لحظة بعد أن طار لبى وأنا أسير بضع خطوات فى الطريق إليها ثم أرجع ثم أعود إلى السير ثم أرجع حتى كدت أن أجن . وأخيرا قررت أن أسير إليها غير أنى لاحظت ذلك التناقض الصارخ بين الواقع وما يدور فى أذهان الناس عنى .. أنا خليفة الشيخ عبد السلام النمل ذلك المسلم الفذ ! .. خليفة الشيخ يتسلل ليقابل امرأة ! . خليفة الشيخ لا يسجد لرب السماء والأرض ! .. يا له من تناقض صارخ مميت !! . لمحت جلبة وأنا فى الطريق إليها فاتجهت ناحيتها .. كانت قهوة على ناصية حارة ضيقة , مكتظة بالأنغام الآتية من مذياع يسكن رفاً خشبياً على يمين الداخل , وبسحب الدخان المتصاعد من أفواه الناس , وبضربات النرد وبأصوات أناس تتناقش فى أمور شتى : هزيمة المنتخب , وأغنية أم كلثوم الجديدة وهلم جرا من أحاديث , عزمت على المكث بها ثم أرجع إلى البيت . قابلنى الناس بالترحاب وبود ظاهر . لم أكن أعرف منهم أحدا .. وقال النادل :
    - أهلاً بك يا شيخنا الجليل .. تفضل هنا ..
    ومسح لى الكرسى بخرقة كانت فى يده .. وقال رجل آخر :
    - حمدا لله على سلامة البطل .
    واقتربوا بمقاعدهم منى حتى كونوا دائرة حولى ، وقال قائلهم :
    - حدثنا يا شيخنا عن الغد ..
    - الغد بيد الله .
    رد شاب وكأنما لم يعجبه ردى :
    - لكن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم ..
    - صدقت .
    - هذا وعد الله وسنته .
    قلت اجتر حديث أصحاب السجن :
    - تغيير النفس لن يكون بين عشية وضحاها , وإنما الأمر يحتاج إلى جهد جهيد وصبر .
    رد الشاب نفسه :
    - كل هذا ندركه جيداً .. لكن طريقة العمل .. ما منهجنا فى السير ؟ , وهل نتحرك فرادى أم جماعات ؟ .. وأى جماعة تضم شتاتنا ؟ , وما معنى وجود كل هذه الفرق على الساحة ؟ .. وكيف نتفق سويا ؟ .. كل هذا يحتاج إلى إجابة . نريد أن نفهم . نعم إننا فى حاجة إلى قدوة صالحة وإلى فهم للأوضاع . فهم لغايتنا نحن وكيف نسلك السبيل إليها ؟ .. هأنتذا ترانا هنا نلقى بأنفسنا فى أحضان الثرثرة والجوزة , لأننا قوى معطلة , لا مجال لنا ولا طريق .. وقد يحالف أحدنا حظه , فيحظى بلقاء أنثوى يشبع فيه جوعه الجنسى ثم يعود ليتحدث عن الغد المظلم أو يحاول نسيان كل شئ عن طريق أحلام اليقظة إذ لا مال لنا كى نلجأ للمخدرات .. أنا لم يحالفنى الحظ كى ألتقى بالشيخ عبد السلام . نعم .. عرفته من تلاميذه . إنهم اليوم أعمدة فى مدينتنا , لكنهم بلا صوت . من يتحدث منهم يُعتقل .. ولا أمل ثمة فى الأفق .. أسمع عن الإنجازات التى تمت فى حياة الشيخ لكن الشيخ مات وتفرق التلاميذ , ولم يجمعهم من بعده أحد .. نحن فى حاجة إلى قدوة .. فى حاجة إليك ولو خضت بنا البحر , لخضناه معك ..
    - ما اسمك ؟
    - إسماعيل رمضان الفقيه ..
    - سمعت هذا الاسم من قبل ..
    - أخى طبيب فى المستشفى التى تعمل فيها ..
    - نعم.. تذكرت .. الدكتور إبراهيم ، إبراهيم رمضان الفقيه .
    خطر فى ذهنى أن ألقى إليهم بالحقيقة .. أن أخبرهم أنى ذاهب إلى .. ورأيت زوجها . نعم .. عرفته من صورته المعلقة فى جدار الصالة . كان ضمن من التفوا حولى . وقعت عيناى فى عينيه ، فنكست رأسى , وكأنما خفت أن يكتشف السر .. وقال إسماعيل :
    - نحن فى حاجة إليك .. فى حاجة إلى قدوة وقد حقـ...
    قاطعته :
    - ولماذا أنا !
    - لأنك .. لأنك ..
    - لأنى ماذا ؟
    - لا أدرى .. كل الناس هنا تحبك . أنت بطل بمعنى الكلمة . يكفى أنك أقدمت على الزواج من السيدة أرملة الشيخ عبد السلام .. لم يكن أحد ليقدم على مثل هذا الزواج وهو يعلم ما فيه من التبعة وما فيه من المخاطره إلا أنت . لأنك بطل .. بطل بمعنى الكلمة ..
    - عن أى مخاطرة تتحدث !
    - كلامك هذا دليل على ما أقوله لك .. أنت بالفعل بطل المرحلة القادمة .
    أيقنت أنى أسكن دائرة , وكلما حاولت الخروج منها , وجدتنى حيث بدأت . نظرت فى ساعتى واستأذنت .وقام إسماعيل وشد على يدى وهو يقول :
    - الله معك ..
    سرت فى خطوات قصيرة . أردت أن أرجع إلى البيت فلم أستطع . كنت أسير إليها دون وعى , وعزمت على الإفصاح لها عن عدم رغبتى فى استمرار علاقتنا . وعاودتنى صورة زوجها بجسمه الفيلى وعينيه الجاحظتين الحمراوين .. وقلت : لن أستمر .ووجدتنى عندها . كانت فى حلة زاهية . أحاطتنى بذراعيها وطبعت فوق خدى قبلة . كنت واقفا كَلوح من خشب أو ثلج , لكن داخلى كان يغلى , ورأيتهم .. محمود ومدحت وعادل النمل .. قالت :
    - ما بك ؟ !
    - أريد أن .. أن ..
    - ماذا تريد ؟
    - لا شىء ..
    - هيا معى إلى الداخل ..
    - لِمه !
    حدجتنى بنظرة ماكرة وقالت ضاحكة :
    - يا له من سؤال !
    - الحقيقة ..أنا فى ظرف لا أملك فيه القدرة على التفكير .
    أمسكت بذراعى وسحبتنى إلى الداخل , وتمتمت لاهثة :
    - أنت هنا كيلا تفكر فى أى شىء ..
    - لكن ..
    - دعك من كل شئ و .. أو شىء ..
    - كان زوجك معى ..
    - أين ؟
    - فى المقهى ..
    - إنه فى وادٍ آخر , ولن يأتى هنا إلا بعد الفجر .. هذا إن جاء ..
    - لِمه !
    - هيا بنا ..
    - الحقيقة .. أننى ..
    - ضقتَ بى ؟
    - ليس تماماً ..
    ورأيت عادل النمل ووجهه يتهلل بشراً وقد رأى بلالا .. وهمستُ :
    - علاقتنا يجب أن تنتهى بأقصى سرعة ..
    لطمت خدها , وقالت :
    - هكذا .. وتقولها بيسر دون ..
    قلت أقاطعها :
    - أنا رجل متزوج .. وأنتِ ...
    - كنت تعرف هذا حين التقينا , وعشقتك , وكنتَ تحبنى ..
    قلت شارداً :
    - كل شئ إلى زوال ..
    - حتى الحب !!
    - حتى الدنيا .
هذا الموضوع لدية أكثر من 12 ردود. اضغط هنا لعرض الموضوع بأكمله.

ضوابط المشاركة

  • تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •