الرد على الموضوع

أضف مشاركة إلى الموضوع: الطبيعة عند أرسطو

رسائلك

اضغط هنا للدخول

رجاء ادخل الستة أرقام أو الحروف الظاهرة في الصورة.

 

يمكنك إختيار أيقونة لرسالتك من هذه القائمة

الخيارات الإضافية

  • سيتم تحويلها www.example.com إلى [URL]http://www.example.com[/URL].

عرض العنوان (الأحدث أولاً)

  • 24/07/2018, 01:44 AM
    طارق شفيق حقي
    الحيوانات في نظريات الفلسفة السياسية


    ألقى الدكتور نديم سراج الدين محاضرة في ريغنسبورغ مؤخراً تحدث فيها عن نظريات عدة حول الفلسفة السياسية حيث قال فيها :
    إن الوضع المأساوي والخراب والدمار الحاصل في البلاد العربية سواء كان ماديا أو معنويا والذي لم يتوقف بقتل البشر فحسب و إنما راح يقتل الحيوانات والنباتات أي اتباع سياسة الأرض المحروقة هو ما أجبرنا على تحليل الواقع الراهن الذي يستند إلى فقدان وجود حوار بين البشر. و من هنا نتساءل عن السبب، هل هو عدم قدرتنا على التعامل مع بعضنا البعض أو أنه بسبب انعدام قابلية التعلم من بعضنا البعض والاعتراف بالآخر؟ و بناء على هذا الواقع المرير يتوجب علينا الرجوع إلى التاريخ العربي الأصيل الذي يستند إلى الحكمة والتشاور وليس إلى النظريات الأيديولوجية الغربية العقلانية التي لا تُناسب شعوبنا الشرقية في هذا العصر على الأقل وإذا أسقطنا هذا الواقع على التقلبات العربية بشكل عام وسورية بشكل خاص فإننا نجد أن عدم وجود مبادئ فلسفية عقلانية مقنعة و أصيلة هو ما يُجبرنا على القول بأن ما يحدث ليس ثورة و لكنه عصيان وكما قال كارل ماركس : بدون نظريات لا توجد ثورات ومن هنا نستطيع القول : إذا فُقد الأمل بالحوار بين البشر فيجب أن نتعلم من الحيوان عن طريق فهم و مقارنة:‏
    ظ، - علاقة الإنسان مع الإنسان .‏
    ظ¢ - علاقة الإنسان مع الحيوان .‏
    ظ£ - علاقة الحيوان مع الحيوان نفسه .‏
    فعلاقة الإنسان مع الإنسان كانت فاشلة تماماً وهذا ما نسميه نهاية العقل و نهاية التاريخ وهو ما نلاحظه في الواقع الحالي.‏
    أما علاقة الإنسان مع الحيوان في الأدب والفن فهي علاقة متفاوتة، فأحيانا تكون سلبية وأحيانا إيجابية و لكنها ليست حيادية أما في اللغة الفلسفية فتكون العلاقة في معظم الأحيان سلبية في حين تكون علاقة الحيوان مع الحيوان في معظم الأحيان إيجابية أكثر من كونها سلبية.‏
    نظريا و علميا يُعرّف الإنسان نفسه على انه في أعلى درجات التطور وأنه مركز العالم وهو المحور الذي يدور حوله الوجود بالإضافة إلى أنه حامل القيم الأبدية وهي الجمال، الحقيقة، الطيبة والقدسية و هذه الصفات بصورة عامة لا يملكها الحيوان و هذا ما يُعلل الرفض المبدئي للإنسان له.‏
    أما بالنسبة للمقارنة بين الإنسان والحيوان فتكون في أكثر الأحيان عبارة عن لغة خاصة لتوضيح بعض الأفكار و توصيف الأوضاع و بلغة أبسط : تشبيه الإنسان بالحيوان في علم السياسة الفلسفية فإن هذه اللغة بصورة عامة تكو ن صارمة، حادة وواضحة و لها تعبير خاص رمزي وتصل في معظم الأحيان إلى فن الإهانة وكمثال فإننا نستخدم هذه اللغة لتعريف من هو المهاجم كأن نصف المهاجم على أنه وحش أو حيوان مفترس و هذا تبعا لقانون الغاب و بهذا ننخفض من قيمة الحيوان و النبات أيضاً إلى درجة متدنية و الهجوم والوحشية المطلقة نسميها البربرية و تتكون من:‏
    ظ، – الإبادة والتصفية العرقية .‏
    ظ¢ - جريمة ضد الإنسانية .‏
    ظ£ - جريمة الحرب و هذا ما يفعله الإنسان فقط‏
    ففي علم المنطق كما نعلم نقول إن أقرب شيء إلى الحقيقة هو الخطأ و الغلط و لا يوجد أقرب للإنسان من الحيوان في هذه الطبيعة حيث أنهم ينشؤون من أرومة واحدة، و في علم الطبيعة نحن نعلم أن التنافر بين الحيوانات والنباتات موجود، فتختلف فيما بينها و تتعارك و لكنها في النهاية تتعايش مع بعضها و تعود من جديد لإكمال حياتها فالطيور مثلا تهاجر آلاف الكيلومترات من قارة إلى أخرى بشكل جماعات مما يظهر المودة لديها.‏
    أما النباتات فهي بصورة عامة مسالمة و لها عزتها و رونقها بالإضافة إلى الزهور الجميلة والرائحة العطرة التي نستخلصها منها و نتعطر بها و يمكننا تشبيه الشجرة المُنبتة بالمرأة التي تُنجب الأطفال وتؤدي إلى وجود إنسان جديد، و كذلك الحيوان الذي له قيمة كبيرة في حياتنا فهو يُعطي و يُنتج ونشرب حليبه ونأكل لحمه وله في بعض الديانات قيمة قدسية كالبقرة عند الهنود و لكن تختلف طريقة تعامل البشر مع الحيوانات بحسب البيئة فعند أهل المدينة تكون قيمة الكلب مثلا متدنية أما عند البدوي فهو مثال للإخلاص و الوفاء.‏
    أما من الناحية العاطفية و نأخذ مثالا على ذلك علاقة المرأة والرجل ففي مرحلة العشق يصف الرجل المرأة بالعصفور أو بالقطة أو بالغزالة أو حتى بالفرس وهي تشبيهات محببة عند المرأة وتجد فيها الكثير من الإطراء أما في مرحلة الجدال فيصفها بالكلبة أو بالحمارة أو بالبقرة و حتى بالدبة و هذه التشبيهات بالمقابل تجد فيها المرأة الكثير من الإهانة على عكس التشبيهات الأولى علما أن كل هذه التشبيهات هي لحيوانات.‏
    الحيوان في الفلسفة اليونانية:‏
    عرّ ف أرسطو الإنسان على أنه حيوان سياسي zoon politikon وهذا المعنى لا ينطوي على المعنى السلبي و إنما يشتمل على التعريف العام للإنسان على أنه وجود حيوي اجتماعي و إن مفهوم zoonله علاقة بعلم الحيوانات zoologie مما يُظهر التقارب بين الإنسان و الحيوان من مُنطلق طبيعي وبكلمات أخرى نستطيع مُقارنة بعض تصرفات الإنسان بتصرفات الحيوان اعتمادا على هذا المُنطلق و خاصة في المجال السياسي فإذا كانت هذه التصرفات سلبية فتكون عادة قاسية و متوترة وتُظهر حقيقة الإنسان بالانفعال فتبدو الغريزة الأنانية أكثر وضوحا بالإضافة إلى حب النفس وعدم المبالاة بالآخر في حين أن الفيلسوف أفلاطون لم يأخذ هذا المفهوم بعين الاعتبار بل اعتمد مفهوم كون العسكري كالكلب واعتمدنا مفهومه لأنه هو المناسب للوضع في بعض البلدان العربية حيث أن النظام العسكري هو الموضوع الذي يشغل بال الكثيرين وهو ما ركز عليه أفلاطون أصلا.‏
    لقد شبّه أفلاطون العسكر بالكلب الذي يكون شرساً على الأعداء و يلعق حذاء صاحبه و ينام خارج البيت ) في الثكنات ( ولا بد أن نذكر هنا أن تشبيه أفلاطون العسكري بالكلب لا يُعد تشبيهاً سلبياً نظراً لكون العسكري يملك نوعاً من التفكير الخاص و يضع حياته في خدمة الوطن‏
    كما أنه مُستعد لتقديم روحه فداء لهذا الوطن و لا يمكن الاستغناء عنه أبدا.‏
    و هذا ما دفعني إلى دراسة الفلسفة عند جنرالات الألمان بعد الحرب العالمية الثانية الذين كان هدفهم إعادة بناء شخصية الجنود وترويضهم لتهيئتهم للدخول إلى المجتمع المدني الأهلي والعمل كعنصر فاعل وكسبهم لخدمة المجتمع.‏
    إن الحيوانات الأليفة كالقطة والكلب هي حيوانات محبوبة في الغرب حتى أنهم يعتبرون أن لها دوراً تربوياً وطبياً حيث أن الأطفال هناك يتربون مع الحيوانات مما يؤثر على سلوكهم العاطفي أما الدور الطبي فيعتمدون على بعض الحيوانات في الترفيه عن المُسنين والترويح عنهم بالإضافة إلى كل ذلك يستخدم الإنسان صور بعض الحيوانات كرموز يريد منها الإشارة إلى صفة معينة يتمتع بها هذا الحيوان فالصقر في طيرانه فوق الجبال والسهول يملك السماء ويتمتع ببعد النظر أما الحمار فهو رمز للغباء والتحمُّل وقد تختلف هذه الصفات بين الشرق والغرب كما هو الحال في حالة الجمل.‏
    و قد شبه النازيون أعداءهم بالجرذان و الحشرات.‏
    الحيوان في النظريات الكلاسيكية الغربية:‏
    التصرف السياسي للإنسان هو مُعقد غير ثابت و مُركب من عدة عوامل أهمها :‏
    العقل- العاطفة- الجسم.‏
    القاسمان المشتركان مع الحيوان هما العاطفة و الجسم و في بعض تصرفاتنا المتشنجة نصل ليس فقط إلى الحدود الحيوانية بل نتعداها أيضاً. و يوجد مثل عربي: "الحيوان يعرف حدوده والإنسان أحيانا يتعدى و لا يعرف الحدود و قد يتخطاها".‏
    من النظريات الفلسفية السياسية نأخذ نظرية المفكر الانجليزي توماس هوبز الذي قال: "إن التطور من الوضع الطبيعي إلى الوضع المدني المتقدم و الحضاري هو تغلب على قانون الغابات و هو حرب الكل مع الكل" كما أنه عرّف الإنسان كذئب متوحش يتوجب على الحاكم أن يسلب جزءاً من حريته من أجل أن يحافظ على أمان الآخرين ومن هنا ينبثق مبدأ الحرية والأمان بالوضع الطبيعي.‏
    لتقدم الوجود الحضاري يتوجب أن يوجد توازن بين الحرية والأمان والسلام والمبدأ العسكري هو أولوية الأمان على الحرية، أما الديمقراطية فهي على العكس إذ تقدم الحرية على الأمان. و يجب ألا ننسى أن القاعدة الفكرية والأسباب المناسبة لتنفيذ الديمقراطية يجب أن تكون جاهزة فإن لم تكن كذلك فيتوجب الانتظار حتى تنضج مظاهر الديمقراطية بسيطرة العقل و المنطق على العاطفة و الإرادة علاوةً على ذلك إن عدم وجود الديمقراطية لا يعني بالضرورة أننا مُتأخرون لأنها أصلا ليست مقياساً للشعوب الشرقية في حين أننا نحتاج للاستقلال الفكري والمعنوي و الأيديولوجي من أجل إنتاج تجربتنا الخاصة وهي أساس الاستقلال السياسي.‏
    و إذا كان وعي المواطن غير ناضج فأولوية الأمان والحكم الصارم أهم من مبدأ الحرية والانفتاح ومن هنا نحن لسنا ضد العسكري لأنه ضروري في بعض المراحل من حياتنا ولكن يجب أن نميز بأن العسكرية ليس من الضروري أن تكون دكتاتورية حيث أننا على الأقل ننظر إلى الحكم العسكري على أنه حكم انتقالي مؤقت و ليس هو الهدف و الغاية. فالرئيس الراحل جمال عبد الناصر رفع شعار "الاتحاد- النظام- العمل" أي أنه استطاع في مرحلة مبكرة أن يُشخص أمراض المجتمع العربي حيث أننا نعيش الآن في مجتمع يُسيطر عليه نقيض هذا الشعار من تفرقة و فوضى و كسل .‏
    مُلخص:‏
    يتعلم الإنسان من أخيه الإنسان المعرفة والتجارب ولكن يجب أن يتعلم من الحيوان التصرف ، نعم التصرف أحيانا أهم من العلم و المعرفة حيث نُلاحظ أن تصرف الإنسان مع الحيوانات الأليفة يكون بشكل ناعم و لطيف و قد يصل أحيانا إلى حد الترجي و هذا ما يفتقره الكثير من البشر في التعامل مع الآخرين و هناك مثل ألماني يقول: "من يعرف البشر يُحب الحيوانات" لأنها لا تتبنى مبدأ الشر و نقول أخيرا بعد إخفاق الحوار مع بعضنا البعض كما نرى في صورة الحمارين: يجب علينا أن نتعلم من كيفية تعامل الحيوانات مع بعضها البعض، صحيح أن للحيوان وحشية قد تصل حد الموت لكن هذا ليس هو الوضع الطبيعي ولكنه الاستثناء فالتعايش السلمي الذي نُلاحظه بين الحيوانات هو درس عملي يجب أن نأخذه بعين الاعتبار.‏
    تنويه :‏
    لم يكن الهدف من هذه المقاله إهانة البشر و لكن أردنا أن نُسلط الضوء أكثر على أهمية التصرف و التعايش السلمي الذي تسلكه الحيوانات في معظم الأحيان بدافع الغريزة أي إن غريزة الحيوان قد تكون أحسن و أفضل من علم و عقلانية البشر .‏
    الجماهير


  • 24/07/2018, 01:43 AM
    طارق شفيق حقي
    ماهية العقل

    العقل في اللغة وعند الفلاسفة


    يُعَد العقل من المعاني التي أثير بشأنها الجدلُ قديمًا وحديثًا.
    فما هو العقل؟ هل هو جوهر أم هو عرض؟ وما هي وظيفته؟ وهل العقل هو القلب، أم هو العلم؟ أم هو عملٌ بالعلم؟ وما عَلاقة العقل بالدماغ الإنساني؟
    هذه هي الأسئلة التي أثيرت حول العقل، وتعددت الإجابات حولها منذ عهد الفلسفة اليونانية وحتى العصور الحاضرة.
    وحتى يطلع القارئ على هذا الموضوع الشائك، نستعرضُ بعض هذه الإجابات، ونبرز بعدَها - في مقالات تالية - رأيَ الإمام ابن تيمية، الذي ناقش الآراء السابقة له وفنَّد أدلتها حول معنى العقل ووظيفته.
    أولاً: العقل في اللغة:جاء في لسان العرب[1]: إن العقل مصدر عقَل.
    قال ابن الأنباري: رجل عاقل؛ أي: جامع لأمره ورأيه، مأخوذ من عقَلْت البعير إذا جمعت قوائمه... وشدُّوها بحبل هو العِقال.
    ولذا قالوا: سمي العقل عقلاً؛ لأنه يعقِل صاحبه عن التورُّط في المهالك؛ أي: يحبسه.
    وقيل: العاقل هو الذي يحبس نفسه ويردُّها عن هواها.
    كما قيل: إن العقل هو التمييز، وبه يفترقُ الإنسان عن سائر الأحياء، وبه يفهمُ الإنسانُ ما لا يفهمه الحيوان.
    وجاء في تاج العروس للزَّبيدي: العقل هو العلم، الحِجْر، النُّهْيَة، وهو قوة، وهو غريزة.
    والعقل هو القوة المهيَّأة لقبول العلم، وبه يستنبط العاقل الأمور.
    وقيل: العقل نورٌ روحاني يقذِفُه الله في القلب والدماغ.
    وقال أبو المعالي في الإرشاد: العقل هو علوم ضرورية، بها يتميَّز العاقل عن غيره... وهو قوة للنفس بها تستعد للعلوم والإدراكات، وهو المَعنيُّ بقولهم: غريزة يتبعها العلم بالضروريات عند سلامة الآلات.
    قال الإمام علي - رضي الله عنه -: العقل عقلانِ؛ مسموع ومطبوع"؛ (انتهى كلام الزَّبيدي).
    ونخلص إلى القول: إن العقل لغةً يُفِيدُ معاني عدة؛ منها: أنه قوة مهيَّأة لقَبول العلم، وأنه غريزة في الإنسان، وأنه العلم، وأنه الحبْس والحجر، وأنه نور يقذفه الله في القلب، وأنه التمييز بين الإنسان والحيوان.
    ثانيًا: العقل عند الفلاسفة:1- في الفلسفة اليونانية ومَن تأثر بها:نختار من الفلاسفة القدماء الفيلسوف اليوناني أرسطو، الذي تأثر به كل مَن يطلق عليهم فلاسفة الإسلام؛ مثل ابن سينا، والكندي، والفارابي.
    يحدد أرسطو معنى العقل بأنه جوهر قائم بنفسه، وهو أنواع متعددة؛ مثل: العقل الهيولاني، أو العقل بالقوة، وهو الاستعداد المحض لإدراك المعقولات، وهو قوة محضة خالية من الأفعال، وسمي بالهيولاني نسبة إلى الهيولَى الأولى الخالية من الصور كلها.
    والعقل الفعَّال، وهو العقل العاشر، وسمي فعالاً لكثرة أفعاله في عالم العناصر.
    والعقل بالفعل؛ أي النفس الناطقة.
    وهناك العقل المستفاد والعقل المطلق... إلخ.
    ولو بحثتَ عمَّا وراء هذه الأنواع من العقول، أو عن مضمونها الحقيقي، لما وجدتَ سوى أوهام، أو مجرد كلام نظري ناتج عن تأملات خيالية، لا حقيقة خلفها.
    ويأتي ابن رشد، فيقسم العقول إلى ثلاثة أنواع:النوع الأول: العقول البرهانية القادرة على متابعة دليل يقيني محكم، وتصل إلى نتائج بيِّنة ضرورية، وربطُ هذه الأدلة هو الذي يكوِّن الفلسفة، ولكن هذا لا يتسنَّى إلا لقلة من العقول الموهوبة، بالقدر الذي يجعلها تكرِّس نفسها لها.
    النوع الثاني: عقول منطقية تكتفي بالبراهين الجدلية.
    النوع الثالث: العقول التي تستجيب للوعظ والأدلة الخطابية، وهذه غير مهيأة لاتِّباع الاستدلال المنظم.
    والعقول الأخيرة نجدها عند الناس العاديين، وهم السواد الأعظم، الذين لا يستجيبون إلا للخيال والعاطفة فحسب[2].
    ويردُّ أبو بكر بن العربي على الفلاسفة مُنكِرًا هذه الأنواع للعقل، ويقول بأنها أسماء لا فائدة تحتها، وتهويلات لا طائل وراءها؛ وذلك أن الأشياء والمدركات تسمَّى في نظره علمًا لا عقلاً؛ حيث قال - تعالى -: ï´؟ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ ï´¾ [النمل: 52]، كما أطلق عليها عقلاً بقوله: ï´؟ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ ï´¾ [الرعد: 4].
    فالعقل عند ابن العربي هو العلم، وهو صفة يتأتَّى بها إدراك العلوم، وهذا التعريف للعقل هو إحدى مقولات ابن تيمية في تعريف العقل، كما سترى عند بحثنا للعقل عنده - رحمه الله.
    2- في فلسفة الأوروبيين في قرونهم الوسطى والحديثة:أعطي هنا لمحاتٍ فقط عن العقل عند بعض الفلاسفة في القرون الوسطى والحديثة - وليس كلهم - ولا أتعمَّق في حدوسهم، وأقول حدوسهم لأعبِّر أن فلسفتهم آراءٌ وتأملات مبنيَّة على رؤيتهم العقلية للوجود والحياة، وقد تصل إلى بعض الحقيقة وقد لا تصل، ولكن حتى أعطي القارئ الكريم صورةً عن أسلوب تفكيرهم ونتائج هذا التفكير التي قد تلتقي مع الفكر الإسلامي وقد لا تلتقي، بل قد تكون ضدَّه كما تمثَّل ذلك في الفلسفة المادية الإلحادية عند كلٍّ من ماركس فيلسوف الشيوعية، وسارتر فيلسوف الوجودية.
    وحتى يقارِنَ المسلم بين حدوس الفلاسفة البشرية حول أثر العقل الإنساني في الحياة، ونتاج الفكر الإسلامي لدى ابن تيمية - رحمه الله - كما سأبينه - بإذن الله - في هذه الدراسة، ومن هؤلاء الفلاسفة[3]:1- أوغسطين (354 - 460م، عاش في شمال إفريقيا قرب مدينة عنابة الجزائرية)، يُعَد من رجال الكنيسة، ذكر في كتابه: "المعلم عام 389م": الإيمان ضروري للعقل، والعقل ضروري للإيمان، أو كما يقول: "اعقِل كي تؤمن، وآمِن كي تعقِل".
    شعور الإنسان بوجود نفسه دليل على وجود الله.
    الله والروح والعقل لا شك في أمرها.
    الإلهام يشكِّل المصدر القوي للمعرفة الصحيحة.
    2- أنسلم (1033 - 1109م) قديس إيطالي، أصبح رئيس أساقفة في إنكلترا، سار على نهج أوغسطين، ومن أفكاره: العقل وحدَه هو وسيلة المعرفة، وهو سبيل الإيمان.
    القلب سبيل الكشف والإلهام.
    الكمال في الكون هو دليل وجود الله.
    3- توما الإكويني (1225 - 1274م) من فلاسفة الكنيسة، ولد في إيطاليا، واعتمد على أفكار أرسطو، وابن سينا، والغزالي، وابن رشد؛ ومن آرائه: العقل والعقيدة يرميانِ إلى غرض واحد.
    بالوحي يعلم الإنسانُ ما هو فوق العقل.
    بالعقل نفهم الوجود، وبالعقل والوحي تتمُّ المعرفة، لكن العقيدة أولاً.
    خلق الله العالم ورعى نظامه في خلق مستمر.
    4- مونتاني (1533 - 1592م)، كاتب ومفكر وفَرَنسي، من أفكاره: لكل إنسان حق في أن يبحث عن الحقيقة بحرية.
    الحواسُّ قد تخدع، والعقل قد يعجز.
    الإنسان قد يعجز عن بلوغ الحقيقة والعدل.
    5- فرنسيس بيكون (1561 - 1626م) فيلسوف إنكليزي من أصحاب الفلسفة العقلية، ويعدُّه الغربيون واضعَ المذهب التجريبي الذي يقوم على الاستقراء الذي ينتقل من الوقائع المادية إلى القوانين.
    قال بأن العقل يكفي وحده للوصول إلى الحقيقة بدون الوحي.
    7- كانت (1724 - 1804م) فيلسوف ألماني، كان له أثر كبير في الفكر الغربي، وذكر العقل في كتابيه المشهورين: "نقد العقل الخاص"، و"نقد العقل العلمي"؛ ومن آرائه في الكتابين: التجربة الحسية تُوقِظُ العقل أكثر ممَّا تنفعه.
    المعرفة ليست كلُّها من عمل الحواس.
    قواعد الإيمان والأخلاق فوق العقل.
    العقل يقوم بمهامِّه بواسطة الزمان والمكان فيرتب المدركات.
    لا يستطيع العقل فهمَ حقيقة الأشياء ولباسها.
    لا يتمكَّن العقل من البرهان على وجود الله، والدليل على وجوده العقل الفطري المغروز فينا.
    إن في أعماقنا صوتًا ينادِي ليدلَّنا على الخير والفضيلة، وهو خارج عن مملكة العقل، وهو فطري فينا، وهو صوت الواجب.
    7- هيجل (1770 - 1831م) فيلسوف ألماني، من أفكاره: لا يتم الوصول إلى حقيقة العالم إلا إذا تدرَّجنا بمراتب العقل من الأدنى إلى الأعلى، وقال عبارته المشهورة: "إن ما هو عقليٌّ حقيقي، وما هو حقيقي عقلي".
    الحقيقة النهائية التي هي أساس كل الحقائق هي العقل.
    إن الوحدة في الفكر هي وحدة أضداد، وإن المطلَق هو الانسجام بين الأضداد، وهو ما أطلق عليه (الجدلية الهيجلية أو التضاد)؛ أي إن الفكرة تتطور على مراحل: الإثبات، ثم النقض، ثم الخلاصة، ومن هذه الفكرة استقى ماركس فكره.
    8- برغسون (1859 - 1941م) فيلسوف فَرَنسي، من أفكاره: العقل ليس أداة صالحة لإدراك الحياة؛ لأنه والحواسَّ أدواتٌ للتجزئة.
    البصيرة (أو الحدس) هي وحدَها التي تُدرِك روابط الوجود؛ (فكرة تذكرنا بآراء أبي حامد الغزالي).
    انتقد "دارون" في قوله بالمصادفة وبداية الخلق والتطور، وسأل: هل يعقل أن العين وطبقاتها مصادفة؟ وهل المصادفة هي التي خلقت الذكورة والأنوثة؟
    العقل والدماغ ليسا شيئًا واحدًا، والدماغ هو المجرى الذي يسير فيه تيار الإدراك، ولكن ليس الماء ومجراه شيئًا واحدًا.
    9- وليم جيمس (1842 - 1910م) عالم نفسي أمريكي، وصاحب مذهب البراجماتزم (الذرائعية)، من أفكاره: على الإنسان أن يتَّخذ من أفكاره ذرائع لحفظ حياته، ثم السير بالحياة نحو الكمال ثانيًا.
    الرأي الصحيح ما له فائدة عملية لأكبر عددٍ من الناس.
    سلوكنا العملي هو الذي يُوجِّه أفكارنا، وليست أفكارُنا هي التي توجِّه أعمالنا.
    المدرك العقلي هو مدرك حسي يعمل بطريقة معيَّنة، والمدرك العقلي إما أن يكون كلمة (وهي مدرك حسي)، وإما صورة ذهنية (وهي مدرك حسي).
    هذه حدوس بعض الفلاسفة القدماء والمحدثين من الغربيين، والحدس قد يصدق وقد يخطئ، عرضتُها ليتبيَّن القارئ الكريم قيمةَ العقل عند المسلمين بعامة وعند الإمام ابن تيمية بخاصة، ويعرفَ أن العقل المسلم كان أكبر الأثر في بناء الحضارة الإسلامية، الحضارة الإلهية القائمة على الرحمة والعدل، والمعرفة الحقة، بينما نجد الفلسفة الغربية أودَتْ بأبنائها إلى حضيض المادية المظلم، والأنانية الفردية.

    [1] لسان العرب لابن منظور، مادة: عقل.
    [2] ارجع إلى: تراث الإسلام لشاخت وبوزرورث، ترجمة الدكتور محمد زهير السمهوري، القسم الثاني ص209، سلسلة عالم المعرفة - الكويت 1398هـ - 1978م.
    [3] انظر: العقل في مجرى التاريخ، د/ علي شلق، ص 111 وما بعدها، دار المدى، بيروت: لبنان.


    الألوكة

  • 24/07/2018, 01:42 AM
    طارق شفيق حقي
    مفهوم الجوهر
    لجوهر substance مصطلح فلسفي يوناني، ويعني الموجود القائم بذاته لا في موضوع، فلا يحتاج وجوده إلى شيء آخر خارج عنه وكأنه علة ذاته، والمبدأ الأول غير القابل للتحول الكامن في كل الأشياء الموجودة، والذي يظل دون مساس في كل التحولات، متميزاً من الأشياء والظواهر الحسية المتحولة، ويقابله العَرَض accident أي الموجود في موضوع، أو في محل مقوم لما حل فيه.

    ولمفهوم الجوهر عند الفلاسفة معاني متباينة في سياق التطور التاريخي للفكر الفلسفي.فالجوهر في الفلسفة الطبيعية اليونانية ما قبل سقراط، هو «الأصل» أو «المبدأ» لكل الموجودات، وهو الحامل الثابت للكيفيات والصفات المتغيرة.ويُفهم الجوهر عند ديمقريطس ضمن تصوره لمفهوم الذرة بوصفها جوهر الوجود، والبنية الأساسية لكل الموجودات.والجوهر عند أفلاطون هو المثال ideal المفارق والشرط الضروري لوجود الصفات وتغيّر المتعينات، فالجوهر الأفلاطوني هو ما يوجد واقعياً والكلي الثابت، الذي يجمع بين الأشياء المختلفة، وهو موضوع التأمل العقلي، أزلي ولا متناهٍ، وذو طبيعة روحانية.والجوهر كما يعرفه أرسطو ذات أو حامل للصفات المتغيرة. ويعرّفه في كتاب «المقولات»: هو «ما لا يسند إلى موضوع ولا يوجد في موضوع». وهذا التعريف تعريف منطقي حيث يعرض للجوهر من خلال مشكلة الإسناد أو الحمل predication على عدِّ الجوهر أحد المقولات، والجوهر بهذا المعنى يصدق على عدة أنواع من الموجود وهي:

    • الجوهر الأول (الفرد): وهو الموجود المركب من صورة ومادة (نفس وجسد).

    كذلك يصدق الجوهر على المادة التي تتعاقب عليها الأضداد، وتكون موضوع الكون الفساد والحامل للأعراض التي تُلحق بالموجود (أجزاء أجسام الحيوان والنبات والعناصر الأربعة).وأخيراً يصدق الجوهر على صورة الشيء وماهيته essence، ويدخل في هذا المعنى الأجناس والأنواع والتي يدعوها أرسطو بـ«الجواهر الثواني».
    ويقسم أرسطو الجواهر إلى ثلاثة أنواع


    • أولاً- جواهر حسية فاسدة وهي الأجسام الطبيعية الواقعة في عالم الكون والفساد، والتي تخضع لأربعة أنواع من العلل (المادية ـ الصورية ـ الفاعلة ـ الغائية).


    • ثانياً- جواهر حسية سرمدية متحركة في المكان، وهي الأجرام السماوية التي تتركب من عنصر بسيط هو الأثير.


    • ثالثاً- الجوهر المفارق وهو الإله أو المُحرك الأول ومبدأ للوجود.

    وقد تأثرت فلسفة العصور الوسطى بمفهوم أرسطو حول الجوهر المفارق وحددته بـ«الله» اللامتناهي، الخالق بفعل الإرادة الحرة والمتعال، أما فلاسفة الإسلام، ابن سينا مثلاً، فقد حدد الجوهر على أنه «كل ما وجود ذاته ليس في موضوع، أي في محل قريب قد قام بنفسه دونه لا بتقويمه». أما الجوهر عند المتكلمين، فهو الجوهر الفرد المتحيز الذي لا ينقسم، أما المنقسم فيسمونه جسماً لا جوهراً، ولهذا السبب يمتنعون عن إطلاق اسم الجوهر على المبدأ الأول. أما الفلسفة الحديثة فقد جمعت الصورة والمادة في الجوهر الواحد.فيحدد ديكارت الجوهر بما هو متقوم بذاته، ولا يحتاج إلى أي شيء لكي يوجد، وهو الأول في مرتبة الوجود، وهو الدائم الثابت هو الله.والجوهر في تصور سبينوزا: هو ما كان موجوداً ومتصوراً من خلال ذاته، أي ما كان مفهومه لا يفتقر إلى أي مفهوم آخر ينبغي أن يُستمد منه. فلا يمكن أن يوجد إلا شيء واحد فقط يصدق عليه هذا التعريف وهو الله والطبيعة ككل، وعلى هذا المفهوم يقوم مذهبه في «وحدة الوجود» pantheism.ويقول ليبنتز بعدد لا متناه من الجواهر الروحانية، ويسميها بـ «المونادات» monads، والموناد عنده هو جوهر بسيط فعّال وليس له علاقة عليّة بالعالم الخارجي، أو بالمونادات الأخرى، ما عدا الله، الموناد الأعظم أو «موناد المونادات» على حد تعبيره.أما الجوهر عند لوك locke فهو الشيء المتقوم بذاته والذي تتقوم فيه الأعراض، وهو الحامل للصفات، وله وجود يصعب على الإنسان إدراكه، وكل محاولة لمعرفة ماهية الجوهر أو طبيعته غير مجدية.وقد استهزأ باركلي من فكرة الجوهر، ومهد السبيل مع هيوم والفلاسفة الآخرين إلى إزالة مفهوم الجوهر وعدّه وهماً.أما بالنسبة إلى «كَنت»، فالجوهر هو أحد مقولات العقل القبلية التي نحكم بموجبها على (الظاهرات)، وهو يمثل الثابت والمتغير في (الظاهرات) ذاتها، ولا يتناول الشيء بذاته الكامن في أساس الظاهرات.وقد ظهر في الفلسفة الحديثة دعوات للاستغناء كلياً عن النظرة التقليدية للجوهر بوصفه حاملاً أساسياً للصفات، وللتركيز على أحداث الطبيعة وحالاتها المتغيرة. وهنا تبرز قوانين الطبيعة بوصفها الثابت الذي حل مكان الجوهر القديم مع الوضعية المنطقية.ومع أرنست كسيرار (في كتابه «تصور الجوهر وتصور الوظيفة») يتم الانتقال نهائياً من حقبة الجوهر القديم إلى حقبة الوظيفة الجديدة.
  • 24/07/2018, 01:40 AM
    طارق شفيق حقي
    بشرى زكاغ

    فكرة الإله عند أرسطو وامتدادها في الثقافة الغربية


    يعتبر أرسطو أو أرسطوطاليس من أبرز عمالقة الفكر الفلسفي الإغريقي، وقد كان تلميذًا لأفلاطون ومرافقه الدائم لمدة عشرين سنة، إلا أنّه اختلف عن أستاذه بعد وفاته من حيث الطريقة والمنهج، حيث يعتبر أسلوب أرسطو استقرائيًّا واستنتاجيًّا، أما أسلوب أفلاطون فهو أساسًا استنتاجي لمبادئ استدلالية.
    تسعى هذه الدراسة إلى مقاربة فكرة الإله عند أرسطو، انطلاقًا من استنتاجاته واستقراءاته التي قدم لها في كتابه 'ما بعد الطبيعة'، حيث نظر هذا الفيلسوف إلى الكون نظرة هيراركية تصاعدية، من الجماد إلى النبات إلى الحيوان إلى الإنسان، ومن الإنسان إلى الأجرام السماوية إلى الآلهة، وتنتهي سلسلة المحركات هذه عند محرك لا يتحرك، وهو أصل الحركة بجميع أشكالها في الكون، لكن أرسطو لا يقف عند هذا المحرك الذي لا يتحرك، بل يرى أنّه يجب أن يكون هناك محرك آخر يلي المحرك الأول الذي لا يتحرك ويستمد حركته منه، وهذا المحرك هو السماء الأولى أو فلك النجوم الثوابت. فما طبيعة الإله عند أرسطو؟ ما هي حلقة الوصل بين المحرك الذي لا يتحرك وسائر الموجودات الأخرى؟ هل أخلص أرسطو لوحدانية الإله؟ كيف امتد إله أرسطو المنشغل عن العالم إلى الفكر الغربي؟ وهل وجد الغرب ضالته في هذا الإله المنشغل والمغلوب على أمره؟1- من هو أرسطو؟يعتبر أرسطو أو أرسطوطاليس من أبرز عمالقة الفكر الفلسفي الإغريقي، وقد كان تلميذًا لأفلاطون ومرافقه الدائم لمدة عشرين سنة، تشبع فيها بحكمته ومثاليته، إلا أنّه سرعان ما ابتعد عنها وأنكر عالم المثل بعد وفاة معلمه، حيث آمن أفلاطون بفلسفته المثالية التي كانت تبحث عن الحقيقة في أعماق النفس وفي الأعالي، بينما تشبث أرسطو بعالم الواقع والحس، وركزت فلسفته على الواقع وعلى الإنسان، ونظر إلى الطبيعة نظرة علمية عميقة سار فيها بمنطق تدريجي متسلسل.شأن أستاذه أفلاطون، هدفت فلسفة أرسطو إلى العالمية، وقد وجد العالمية في أمور معينة، وصفها بأنها جوهر الأشياء، في حين يرى أفلاطون أنّ العالمية موجودة بصرف النظر عن أشياء معينة، وغير متعلقة بها على نموذج أو قدوة. كما تنطوي الطريقة الفلسفية عند أرسطو على الصعود من دراسة الظواهر الخاصة لمعرفة الجواهر، في حين أنّ طريقة أفلاطون الفلسفية تعني الهبوط من معرفة نماذج عالمية (أو أفكار) إلى التأمل في تقليد معين، ويظهر جليًّا من ذلك أنّ أسلوب أرسطو استقرائي واستنتاجي، أما أسلوب أفلاطون فهو أساسًا استنتاجي لمبادئ استدلالية.جعلت الظروف من أرسطو معلمًا لواحد من أهم شخصيات العالم القديم، وهو إسكندر الأكبر المقدوني، حيث لازمه صديقاً، ومعلماً، ومستشاراً، الأمر الذي مكن إسكندر الأكبر من أخذ قسط وافر من سمات معلمه، حيث تميز بالشجاعة والحكمة وحب المعرفة، كما أنّ أرسطو تمكن من غرس فلسفته وأفكاره في الأمير الشاب خاصة نزعة الفتح، والوحدة والهيمنة. جعل ذلك من تلميذ أرسطو على الرغم من فترة حكمه الصغيرة، العقل المفكر والسياسي المحنك والقائد المدبر لإمبراطورية مترامية الأطراف، تمتد من أقصى شرق الكرة الأرضية إلى أقصى غربها.2- طبيعة الإله عند أرسطو:يعتبر أرسطو واحدًا من أهم الشخصيات التي وضعت الأسس الأولى للفلسفة الغربية. فقد كان أول من أنشأ نظامًا شاملاً للفلسفة الغربية، ويشمل الأخلاق وعلم الجمال والمنطق والعلم والسياسة والميتافيزيقا، كما كتب في العديد من المواضيع، بما في ذلك علوم الفيزياء والميتافيزيقا، والشعر، والمسرح، والموسيقى، والمنطق والبلاغة والسياسة والدولة، والأخلاق، والبيولوجيا، وعلم الحيوان، ساعيًا من خلال كل ذلك إلى الإجابة عن مجموعة من الإشكالات المطروحة في عصره من قبيل: ما خير نوع من الحكم تصلح به الدولة؟ ما خير سلوك يسلكه الإنسان؟ ما طبيعة الإله؟وللإجابة على هذه الإشكالات تحدث أرسطو عن نظام الحكم في كتاب 'السياسة' وعن السلوك في كتاب 'الأخلاق'، وعن الإله في كتاب 'ما بعد الطبيعة'. ولما بعد الطبيعة عند أرسطو معنيان: معنى خاص يقتصر موضوعه على الجواهر المفارقة، وهو ما يدعوه بالإلهيات خاصة، ومعنى عام يبحث في خصائص الوجود بما هو موجود، وهو ما يسميه بعلم الوجود.وأول ما ينبغي أن نلفت النظر إليه في مذهب أرسطو، هي نظرته إلى الكون أو ما يعرف بـ"الهيراركية" أي التصاعدية، فالكون حسب هذا الفيلسوف مرتب من الجماد إلى النبات إلى الحيوان إلى الإنسان، ومن الإنسان إلى الأجرام السماوية إلى الآلهة، ومعنى هذا في فلسفة أرسطو، أن الكون منظم بطريقة تصاعدية دقيقة، وقد مكنته نظرته الهيراركية هذه من قاعدته الشهيرة: "إنّ الطبيعة لا تفعل شيئًا باطلاً"، ومعنى ذلك يشرح أرسطو: "نستطيع أن نقول إنّنا نجد أنفسنا باستمرار في العالمين معًا: عالم الطبيعة وعالم الفن – أمام ترتيب نجد فيه أنّ ما هو أدنى موجود لصالح ما هو أعلى، وما هو أعلى إنّما يكون كذلك لسبب ما فيه من مبدأ عقلي"[1].ومن أهم بنود العلم الإلهي الذي تطرق له أرسطو كان البحث عن طبيعة الإله (أو المحرك) الذي يخرج ما هو بالقوة من القوة إلى الفعل، وذلك انطلاقًا من مجموعة من المفاهيم، التي حاول هذا الفيلسوف صياغتها لتحديد طبيعته: المحرك الأول الذي لا يتحرك، صورة الصور، الإله عقل محض، حياة الإله في تعقله، عاقل لذاته، معقول لذاته، عقل لذاته..مما سبق يبدو أنّ الإله عند أرسطو ليس خالق الكون فقط بل حركته، فكل الأشياء تتحرك في زمن معين، فإذا تساءلنا من يحركها؟ يكون جواب أرسطو: إنّ الذي يحرك الأشياء هو المحرك الأول، ولكن ما طبيعة هذا المحرك؟يجيب أرسطو بأنّ الإله محرك لا يتحرك، فكل محرك سواء أكان شخصًا أو شيئًا أو فكرةً، يحرك شيئًا ويحركه شيء، فالمحراث يحرك التربة، واليد تحرك المحراث، والعقل يحرك اليد والرغبة في الطعام تحرك العقل، وغريزة حب الحياة تحرك الرغبة في تناول الطعام والشراب. ولكن الإله حسب أرسطو لا يمكن أن يكون نتيجة لأي عمل، بل هو مصدر كل عمل، إنّه محرك العالم الذي لا يتحرك، يقول في هذا الطرح: "ينبغي أن تنتهي سلسلة المتحركات إلى محرك أول لا يتحرك وهو أصل الحركة بجميع أشكالها في الكون"[2]، وطبيعة هذا المحرك أنّه:- ينبغي أن يكون محركًا أزليًّا: لأنّه لو تحرك بغيره فمعنى هذا أنّه يوجد شيء آخر يحركه، فهو لا يمكن أن يكون محركًا بغيره بل محرك بذاته.- ينبغي أن يكون غير منقسم وغير ذي كم: أي أنّه أبدي لا ينقسم لأنّه، إذا انقسم تعدد ولو تعدد لأصبح له أجزاء، وعندها لا نستطيع أن نعرف الحركة من أي جزء، وهو لا يكمم (من الكمية) لأنّه خالٍ من المادة.- ينبغي أن يكون بالفعل دائمًا: أي أنّه فعل محض خالص.- ينبغي أن يكون عقلاً بالفعل وأن يكون موضوع عقله أسمى المعقولات: أي أنّه عبارة عن فكر وعقل، وما دام فكرًا وعقلاً فهو أقرب إلى الأشياء الإلهية.ومن ثم يعتبر أرسطو أنّ الإله جوهر تتحد فيه الذات بالموضوع، من حيث لا يعقل إلا أشرف الأشياء وأنفسها وهي ذاته، ويتنزه عن عقل ما دونها شرفًا أو نفاسة، لما يدخل ذلك عليه من نقص، فهو والحال هذه عقل يعقل العقل، وإله أرسطو بعد ذلك لا يهمه أمر العالم، وإن كان أمره يهم العالم، ومعناه أنّ الإله إذا اهتم بالعالم تعرض للانفعالات النفسية التي قد تدفعه إلى تغيير رأيه منفعلاً ومتأثرًا، كأن يمتلئ غضبًا أو أن ينعم على من يحب من الناس، أي أنّه يكون ناقصًا، ولكن الإله في فلسفة أرسطو يجب أن يكون كاملاً يسمو على الانفعال والتغير.ومعنى أنّ أمره يهم العالم، أي أنّه شيء يحبه البشر كافة ويهتمون لأمره ويسعون للتشبه به، لأنّه المعشوق أو المحبوب الأول الذي تصبو إلى كماله سائر الموجودات العاقلة وتطلبه، "إنّ إله أرسطو يشبه قائدًا وقف كالتمثال اعتزازًا بكرامته، وكان هناك عساكر من خشب أخذت تحاكيه على قدر استطاعتها فتنظمت جيشًا حقيقيًّا"[3].لكن أرسطو لا يقف عند هذا المحرك الذي لا يتحرك، بل يرى أنّه يجب أن يكون هناك محرك آخر يلي المحرك الأول الذي لا يتحرك ويستمد حركته منه، "وهذا المحرك هو السماء الأولى أو فلك النجوم الثوابت الذي يتحرك حركة دورية أزلية"[4]. وهذا المحرك المتحرك يمثل في النظام الأرسطي همزة الوصل بين الموجود الأول (الإله)، الذي لا يتحرك، وسائر الموجودات الخاضعة للحركة بأشكالها، إذ يقول أرسطو في كتاب النفس: "والأول يحرك وليس هو بمدفوع والآخر مدفوع فقط غير دافع، والأمران يلزمان المتوسط، وقد نقول في الاستحالة، إلاّ أنّ المحيل يفعل وهو ثابت في مكانه"[5].3- إخلاص أرسطو لوحدانية الإله:معلوم أنّ اليونان كانوا يعتقدون في تعدد الآلهة أي مشركين، وأنّ هذه الآلهة خالدة، وقد كانت الأساطير القديمة تحكي عن ميلاد معظم الآلهة، وعن أعمالهم، وصراعاتهم ومناطق نفوذهم، وأنّ لها جميعًا في الأساس هيأة الإنسان، وهي التي تحكم ظواهر الكون، وتبعًا لتعدد الظواهر الطبيعية تتعدد الآلهة والقوى الخارقة التي تتمتع بها: ديونيزوس إله الخمر والخضرة، وزوس كبير الآلهة، وأورانوس إله السماء، وبوسيدون إله البحر، وهيرا إلهة الزواج والوضع، وأفروديت إلهة الجمال.."غير أنّ توافر مجموعة من الشروط التي تفاعلت فيما بينها، ما بين القرن الثامن والرابع قبل الميلاد، أدت إلى إحداث قطائع وتباعدات وتوترات داخلية في العالم الذهني للإغريق"[6]، ومجموع تصوراتهم عن آلهتهم الشعبية. لقد تراجع تدريجيًّا الفكر القائم على الميثوس (الأسطورة) لصالح اللوغوس (العقل)، ومن تم انطلق العقل اليوناني باحثًا عن أسرار الوجود وأصل العالم وبداياته انطلاقًا من فكرة المبدأ، "القائمة على إرجاع كل شيء إلى أصل واحد، وشكل ذلك بداية فعل التفلسف وبداية البحث عن الوحدة بل التعدد"[7].وكان من بين هؤلاء أرسطو الذي اهتم بواحد من أهم فروع الفلسفة وهي الميتافيزيقا، أي العلم بالعلل الأولى للأشياء، وقد أطلق أرسطو أيضًا على هذه الفلسفة اسم الحكمة أو العلم الإلهي، لأنّها تبحث في الموجود الأول أو العلة الأولى، وتبحث في أكثر موضوعات الألوهية، وهى فكرة الإله وصفاته وأفعاله.لقد جعل أرسطو الإله المبدأ الأول للوجود، وهو لا يتحرك، بل سبب كل حركة، وهو متصف بالكمال لكنّه خال من القوة، ولا يدرك إلا أفضل الموجودات وهي ذاته فقط، هذه الصفات التي ألزمها أرسطو للإله تستلزم منه أن لا يعلم العالم، بحجة أنّ العالم شيء ناقص وفاسد بالنسبة إليه، وأنّ الأشياء توجد وتنعدم، دون أن يريد الإله لها ذلك أو يعلم من أمرها شيئًا، إذا فالإله عند أرسطو منطوٍ على نفسه، جاهل لما يقع في الكون، ولا مريد لما يجري فيه من أحداث، كما أنّه لا يحرك في الكون ساكنًا، فليس هو علة فاعلة في الكون، بل علة غائية، يتحرك الكون شوقًا إليه، فعلاقة الإله بالعالم تنحصر في أن يثير اشتهاء العالم، وباستثناء ذلك فإنّ نشاط الإله يتجه بالكلية إلى داخله هو أي ذاته.ولذلك استنتج العديد من مؤرخي الفلسفة أنّ إله أرسطو مسكين فقير مغلوب على حاله، لأنّ أرسطو نفى كل تدبير إلهي للعالم أولاً، كما أنّه نفى وحدانية الإله في الكون ثانيًا، ولم يخلص للوحدانية إخلاصًا تاًّما، "فهو يدعو هذه العقول المفارقة آلهة، ويشيد بأجداده من قدماء اليونان الذين نسبوا الألوهية إلى الأجرام السماوية"[8]، حيث وصفها بالعقول المفارقة وشبهها بالمحرك الأول، من حيث أنّها بريئة من المادة وغير خاضعة للكون والفساد، وقد دعا أرسطو هذه المحركات جواهرَ قياسًا لها على المحرك الأول الذي لا يتحرك، "ومع ذلك ظل أرسطو يصر على وحدانية الكون، ووحدانية المحرك الذي لا يتحرك (بالماهية والعدد) أولاً لأنّه الحق التام، وثانيًا لأنّ الكون يرفض أن تحكمه مبادئ عدة"[9]، إلا أنّ أرسطو اعتبر في نظر المؤرخين مشركًا بكل ما تحمله الكلمة من معنى، لأنّه لم يخلص لوحدانية الإله إخلاصًا تامًّا.ذلك أنّه وعلى الرغم من تأكيده على وحدانية الإله كونه محرك العالم وخالقه، في موضع إلا أنّه لا يلبث أن يضيف إليه حركة الأجرام السماوية بوصفها جواهر، قياسًا لها على المحرك الأول في موضع ثان، دون أن يشوب برهانه تناقض مؤكدًا أنّ المسائل الجدلية تحتمل قولين: "إّن قدم العالم والحركة من المسائل الجدلية التي تحتمل قولين"[10].وفي "كتاب الفلسفة اليونانية" يستدل صاحبه على شرك أرسطو انطلاقًا مما أورده هذا الأخير في كتابه ما وراء الطبيعة إذ يقول: "لو كان هناك عوالم عدة لكان هناك مبادئ محركة عدة متفقة بالنوع، مختلفة بالعدد، ولكن الموجود الأول بريء عن المادة، فلا يمكن أن يكثر من حيث أنّ المادة هي التي تكثر الصور، فالمحرك الأول واحد والعالم واحد"[11]. لقد خالف أرسطو مبادئه في هذه المسألة، "وخرج على التوحيد اللازم من مذهبه، لنفس السبب الذي جعله يتشبث بقدم العالم وهو أنّ الإله يفعل ضرورة لا اختيارًا وأنّ الفعل الضروري غير محدود إلى مفعول واحد، فكان مشركًا بأدق معنى الشرك."[12]5- امتداد فكرة الإله الأرسطي داخل الفكر الغربي:وجد الغرب إبان نهضته الأولى غاياته في الكتابات الأرسطية، مشروحة ومفسرة في مؤلفات ابن رشد، خصوصًا ما تعلق منها بمركزية الكون وهيراركيته، بحيث جعلوا أوروبا مركز العالم وأهم جزء فيه، والباقي مجرد تابع يدور في فلكه، كما اقتبسوا فكرة الإله المنشغل عما يحدث في العالم، وفكرة نفي التدبير الكوني عنه، فتصرفات رجال الكنيسة، وتضييقهم الخناق على العقل، والفكر الحر، وتواطؤهم مع ذوي السلطة والمال، على حساب الطبقات الكادحة، هي التي ولدت الكراهية والامتعاض ضد الدين وتعاليمه، مما أدى بالكثير من الفلاسفة والمفكرين إلى تبني أفكار مناهضة للدين، وقراءات مناقضة للوحي الإلهي، إذ ذهبوا أبعد بكثير وروجوا لنهاية الإله، "لكن موت الإله المجرد أمر لا يقبله العقل، ولكن في إطار حلولي يصبح الأمر منطقيًّا، فالحلول الإلهي يأخذ درجات منتهاها وحدة الوجود حيث يتجسد (يحل) الإله تمامًا في الطبيعة وفي أحداث التاريخ"[13]، ويتوحد مع الإنسان ومع مخلوقاته، "ويصبح كامنًا فيهما تماشيًا مع مقولات أرسطو العقلية، إذ يقول هذا الأخير في كتاب النفس: "فهو إذا اتصل بنا عقل المعقولات التي هاهنا، وإذا فارقنا عقل ذاته"[14]، ولكن لحظة وحدة الوجود هي نفسها اللحظة التي يصبح الإله فيها غير متجاوز للمادة، ومعنى ذلك موت الإله وغيابه، وهي الفكرة التي روج لها العقل الغربي ودافع عنها بشدة، "فالإله قد مات" كما أعلن نيتشه، و"الدين أفيون الشعوب" كما قال ماركس.وعندما غاب الإله عن الكون وركن إلى الرف ليعقل ذاته فقط، وكف عن الحضور في الوعي الغربي، كان لزامًا على العقل أن يأخذ زمام المبادرة، ويخضع كل شيء لتوجيهاته الخاصة دون غيره، فأصبح الإنسان هو السيد، وهو مركز الكون، وهو الذي يحدد الخير وفق مصالحه الآنية، ويحدد ما هو الشر وفق معاييره الدنيوية، أضف إليه أنّ الإله عندما غاب عن الحضور، رحلت الروح عن الإنسان، فالروح مصدرها رباني، وأصبح - أي الإنسان - محكومًا بسلطان الجسد، ومتمحورًا حول الأشياء، ومنتهى ما يطمح إليه هو تحقيق الملذات، وإشباع الشهوات والرغبات، ومن ثمّ ارتفعت عاليًا في سماء الفكر الغربي مفاهيم من قبيل الحرية والإرادة، والفرد والفردانية، والسعادة والرفاه، وتحول الإنسان الغربي نحو الحياة الدنيوية والمادية والاستهلاكية.هكذا إذن قامت الحضارة الغربية وتقوت انطلاقًا من إعلان العداء التام للفكر الديني، خاصة حضور الإله في الكون وتدبيره له ولمصير الإنسان، وأسست لصرح فكري وضعي جديد، يقر إقرارًا صريحًا بحرية الإنسان وامتلاكه للإرادة، أي امتلاكه القدرة على الفعل والتدبير، وبلوغ الحقائق وصُنعها.بيبليوغرافيا:لائحة المصادر:- تلخيص كتاب الجدل، ابن رشد، حققه وقدم له وعلق عليه الدكتور تشارلس بتروث، شارك في التحقيق الدكتور أحمد المجيد هريدي، الهيأة المصرية العامة للكتاب القاهرة، 1979م.- تلخيص كتاب النفس، أبو الوليد ابن رشد، تحقيق وتعليق الفرد ل عبري، مراجعة محسن مهدي، تصدير إبراهيم مدكور، مطابع الجمعية المصرية العامة للكتاب - القاهرة، 1994م.لائحة المراجع:- أرسطو والمرأة، إمام عبد الفتاح إمام، سلسلة الفيلسوف والمرأة، مؤسسة الأهرام للنشر والتوزيع، ط 1 1996م.- أرسطو المعلم الأول، ماجد فخري، سلسلة قادة الفكر، المطبعة الكاثوليكية - بيروت، بدون ذكر الطبعة والسنة.- الفلسفة اليونانية حتى أفلاطون، عزت قرني، تنفيذ وإخراج وطبع ذات السلاسل، جامعة الكويت، 1993م.- الفلسفة الغربية وتفكيك الإنسان، عبد الوهاب المسيري، دار الفكر المعاصر، سوريا 2013م.- تاريخ الفلسفة اليونانية، يوسف كرم، السلسلة الفلسفية، مطبعة لجنة التأليف والنشر، 1300هـ - 1936م.- نشأة الفلسفة في فترة المأساة الإغريقية، فريدريك نيتشه، دار النشر غاليمار، 1977م.
    [1] أرسطو والمرأة، إمام عبد الفتاح إمام، سلسلة الفيلسوف والمرأة، مؤسسة الأهرام للنشر والتوزيع، ط 1، مصر 1996م، ص 29[2] أرسطو المعلم الأول، ماجد فخري، سلسلة قادة الفكر، المطبعة الكاثوليكية- بيروت، بدون ذكر الطبعة والسنة، ص 94[3] تاريخ الفلسفة اليونانية، يوسف كرم، السلسلة الفلسفية، مطبعة لجنة التأليف والنشر، بدون ذكر الطبعة، 1300هـ - 1936م، ص 37[4] أرسطو المعلم الأول، ماجد فخري، مرجع سابق، ص 95[5] تلخيص كتاب النفس، أبو الوليد ابن رشد، تحقيق وتعليق الفرد ل عبري، مراجعة د. محسن مهدي، تصدير ا د إبراهيم مدكور، مطابع الجمعية المصرية العامة للكتاب- القاهرة بدون ذكر الطبعة، القاهرة 1994، ص 83[6] جون بيير فرنان، الأسطورة والمجتمع في الإغريق القديمة، ماسبيرو، باريز، 1974، ص 196[7] فريدريك نيتشه، نشأة الفلسفة في فترة المأساة الإغريقية، دار النشر غاليمار 1977، ص ص 34-35[8] أرسطو المعلم الأول، ماجد الفخري، مرجع سابق، ص 98[9] الفلسفة اليونانية حتى أفلاطون، عزت قرني، جامعة الكويت 1993م، تنفيذ وإخراج وطبع ذات السلاسل، بدون ذكر الطبعة، ص 135[10] تلخيص كتاب الجدل، ابن رشد، حققه وقدم له وعلق عليه الدكتور تشارلس بتروث، شارك في التحقيق الدكتور أحمد المجيد هريدي، الهيأة المصرية العامة للكتاب – القاهرة، 1979م، ص 22[11] المرجع نفسه، ص 231[12] المرجع نفسه، ص 234[13] الفلسفة الغربية وتفكيك الإنسان، عبد الوهاب المسيري، دار الفكر المعاصر، سوريا 2013، ص 175[14] تلخيص كتاب النفس، أبو الوليد ابن رشد، ص 120
  • 24/07/2018, 01:23 AM
    طارق شفيق حقي
    مفهوم الحركة عند أرسطو - سرو محمد
    الوجود الطبيعي هو الذي يتعلق بالمادة، وكل ما هو مادي فهو متحرك. ومن هنا فموضوعا الطبيعة ومفهوم الحركة هما اللذان استأثرت بهما فيزياء أرسطو. فقد اهتمت على الخصوص بالمبادئ وكيفيات الحركة عند الكائنات الطبيعية التي تختلف عن الكائنات المصطنعة في كونها تمتلك مبدأ حركتها الذاتية.
    ليتمكن من شرح إمكانية الحركة، كان ضروريا بالنسبة لأرسطو، الرجوع إلى عناصر ومبادئ الكائن، وهو ما شكل موضوع المقالة الأولى من كتاب الطبيعة1 .فخلافا للمدرسة الإيلية (بارمينيدس) التي كانت تعتقد أن الكائن يتميز بالوحدة، وبأن الوحدة تتعارض مع التغير أي أنها تعلي من شأن السكون وعدم الحركة، فقد اعتبر أرسطو، وحتى يتغلب على هذه الإشكالية، أن الكائن يتألف من عناصر أساسية تشكل مبادئه.
    « ولذلك وفي اتجاه تعليل الأجسام الطبيعية، يرى أرسطو أنها مركبة من مبدأين: هيولي أي مادة أولى غير معينة أصلا، وبها تشترك الأجسام في كونها أجساما، ومن صورة وهي المبدأ الذي يعين الهيولي ويكسبها ماهية خاصة ويجعلها شيئا واحدا وهي ما نتعقله من الأجسام... والهيولي هي بمثابة الخشب قبل أن يصنع منه شيئا. فتكون الصورة بمثابة الشكل الذي يعطى للخشب فيصير تمثالا أو آلة من الآلات «.2
    عندما يكون الكائن عرضة للتغير فإن ما يبقى ثابتا فهي مادته، وما يتغير هي صورته: إن الإنسان يبقى دائما إنسانا (مادة) سواء كان موسيقيا (صورته) أو غير موسيقيا. فإذا كان الكائن يتألف من مادة ثابتة وصورة متغيرة، وبما أن الصورة تتغير من طرف إلى طرف ضده فإن الكائن يصبح قابلا للحركة. إلا أن مفهوم التغير سوف يطرح صعوبات عدة من ضمنها تلك التي تحيلنا تلقائيا إلى ألفاظ مثل ظهور أو اختفاء: ظهور شيء ما كان غير موجود، أو اختفاء شيء ما كان موجودا. هذا التحليل لن يصمد طويلا من الناحية المنطقية، بحيث يصعب على المرء تصور انتقال شيئا ما من اللاوجود إلى الوجود أو العكس. وهذا المشكل كان قد طرح بنفس الحدة داخل الديانات «الخلقية» التي تقول بأن العالم قد خلق من طرف الإله من لا شيء.3
    كعادته سوف يقترح أرسطو حلا لهذه المعضلة بإدراجه مفهوما جديدا، بمثابة حل وسط بين الوجود واللاوجود: إنه الكائن ب»القوة». فالتغيير، يقول أرسطو، ليس هو الانتقال من اللاوجود إلى الوجود، ولكنه انتقال من «القوة» إلى «الفعل»، وبالتالي من وجود إلى وجود آخر. هكذا يصل أرسطو إلى تحديد الحركة كما يلي:
    «الحركة فعل الممكن»4
    المادة لا معينة، والصورة هي التي تحدد كما قلنا الكائن وتجعله كما هو وبالتالي هناك حركة عندما تتصل الصورة بالمادة. ومادام لا توجد حركة خارج الأشياء، يجب دائما عندما يتغير الكائن أن يحصل التغير إما في الجوهر أو الماهية، أو في الكمية، أو في الكيفية، أو في مكان الكائن. وبما أن الكائن ممكن أن يكون واقعيا أو مجرد ممكن، فإن الانتقال من الممكن إلى الواقع هو الذي يحدد الحركة أي الفعل، أو تحقيق الممكن بما هو ممكن. إن الحركة تفترض في كل تغيير الانتقال من الوضع الافتراضي virtuel إلى الواقع وبالتالي من «القوة» إلى «الفعل». وهي تبحث عن كمالها، يجب على الحركة أن تبقى غير تامة إذا أرادت أن تدوم في فاعليتها؛ وهذا هو جوهر الحركة الذي يفرض أن شيئا ما يبقى مضمرا وكامنا. إن فعل بناء منزل هو البناء، قبل أن يكون المنزل مبنيا ليس هناك حركة؛ المنزل فقط ممكن. بعد بنائه لم تعد هناك حركة، هناك حركة أثناء إنجاز الفعل.5 بالمثل أيضا أن شخصا ما لا يمكن له أن يروي ظمأه من جبل ثلج، ولكن عندما يذوب الثلج ويصير ماءا يمكن له ذلك: الماء كان يوجد في جبل الثلج ولكنه يوجد ب «القوة»، كإمكانية فقط، أما عندما ذاب الثلج وصار ماءا واقعيا فإنه انتقل إلى الفعل.
    مفهوما القوة والفعل دفعا أرسطو أبعد من ذلك بالتفكير في العلاقة بين الإنسان والحيوان، حيث سمح له هذا التفسير إلى اعتبار جميع الخصائص البشرية مثل التخيل، اللغة، الفن، وحتى العلم، توجد عند الحيوان ولكن فقط ب»القوة» وغير متطورة. وهذا ما جعل داروين يتبنى أفكار أرسطو في هذه القضية.6
    اعتبر أرسطو، متسائلا:لماذا الحركة،وحتى يتسنى له فهم طبيعة الكائنات في شموليتها، أن الفرق بين الكائنات الطبيعية وبين الكائنات غير الطبيعية مثل تلك التي ينتجها الفن البشري، يكمن في أن هذه الأخيرة لا تمتلك مبدأها الذاتي في الحركة والسكون، وذلك بخلاف الكائنات الطبيعية مثل الحيوانات، النباتات والأجسام البسيطة (النار، التراب، الهواء، الماء) التي يكمن في ذاتها إما سبب تحركها وتطورها التلقائي وإما سبب سكونها. « إن الموجود الطبيعي حاصل في ذاته على مبدأ حركة وسكون بالإضافة إلى المكان، أو إلى النمو والذبول، أو إلى الاستحالة، أما المصنوعات كالسرير والرداء وما أشبه، فإن اعتبرناها بما هي مصنوعات، لم نجد فيها أي نزوع طبيعي للحركة، فإن تحركت فذلك إما بالمواد المركبة منها ومن هذا الوجه، وإما بفعل الصانع».7
    يرفض أرسطو الاعتقاد بأن النظام والانسجام الموجودان في الطبيعة ينتجان فقط عن الصدفة والضرورة كما يقول بذلك الذريون. إنه يرى بالأحرى في الطبيعة قوة أو عقل «ذكي» قادر على إنتاج أشياء عديدة وجميلة من أجل غاية معينة. هل من الصدفة والضرورة وليس من أجل الغاية، أن يقوم النحل والنمل بتلك الأشغال المدهشة، وبأن الأوراق تحمي الفاكهة في النباتات، والجذور تنبث دائما تحت الأرض للبحث عن أكلها.
    لماذا كل هذا النشاط وما هي الغاية التي تهدف إليها الطبيعة؟ إنها بذلك، يقول أرسطو، تعمل من أجل الاقتداء ومحاكاة صانع الكون، لأن ما يميز المحرك الأول هو بالضبط حريته واستقلاله.8
    إذا أضفنا السبب الغائي إلى السبب المادي، والصوري، والفاعل، يمكننا حسب أرسطو فهم وإدراك طبيعة الكائنات في كونيتها وشموليتها؛ لأن كل شيء يتكون من مادة، له صورة، فيه حركة، وفوق كل ذلك يتجه نحو غاية. إن العلة الصورية والعلة الغائية تلعبان الدور الأساسي في التفكير الأرسطي، لأن المادة بدون صورة تبقى مضمرة و»قوة»، ويتطلب انتقال المادة إلى الفعل صورة، وإذا علمنا أن «الصورة» هي الشكل الذي يجعل الشيء يقوم بوظيفة ما، أدركنا أن الفعل هو الصورة التي تجعل الشيء يقوم بوظيفته الغائية ويحقق بالتالي ماهيته.
    الحركة تتم في الأجسام الطبيعية المتصلة أي أنها متصلة والخاصية الأولى للمتصل هي قابليته للقسمة إلى ما لا نهاية، هذا من جهة، أما من جهة أخرى فإن الحركة تستحيل بدون مكان أو زمان أو خلاء.
    فيما يخص اللامتناهي، يؤكد أرسطو على وجوده ويبرهن على ذلك من خلال خمس دلائل:
    1- الزمان لا نهائي.
    2- انقسام المقدار إلى ما لا نهاية.
    3- التعاقب اللانهائي والغزير للكائنات.
    4- الضرورة المطلقة للانهائي لمعرفة النهائي.
    5- لا نهائية الأعداد.
    بهذا المعنى لا يمكن أن يوجد اللامتناهي بالفعل، ولكن موجود بالقوة.» وعلى ذلك فليس اللامتناهي ما قد قال القدماء من أنه ما لا شيء خارجه، ولكنه على العكس ما خارجه شيء دائما فهو ضد التام والكامل أي المحدود. وهو مدرك بما لا هو متناه، لأنه مادة من غير صورة وقوة لا تنتهي إلى فعل.»9
    بعد نظرية اللامتناهي التي شكلت موضوع المقالة الثالثة من كتاب الفيزياء، اهتمت المقالة الرابعة بنظرية المكان والخلاء والزمان، لقد كان على أرسطو كما هو الشأن بالنسبة للانهائي، وحتى يتجاوز مفارقات زينون المتعلقة بالمكان والزمان، أن يشرع أول الأمر في البرهنة على وجود المكان: عموما ما كان متداولا هو أن ما يوجد يستقر في مكان ما، ومن ليس في مكان ما لا وجود له.
    النقلة كنوع من أنواع الحركة تفترض فضاءا ضروريا لحركة الأجسام، كما أن حركة الأجسام الأولية تبرهن على وجود مكان يتوفر على خصائص معينة: حيث أن النار تتجه دائما إلى فوق والتراب إلى تحت، بالإضافة إلى ذلك فالأجسام تتجه إلى اليمين وإلى اليسار، إلى الأمام أو الخلف، مما يرفع إلى ستة عدد الجهات التي تميز الفضاء أو المكان. لا شيء إذا يوجد ويتحرك بدون مكان، إنه طويل الأمد وخالد. المكان مثل الأجسام له ثلاثة أبعاد: الطول والعرض والعمق، ولكنه ليس جسم أو عنصر ولا مركب من عناصر جسمية. كما لا يمكن اعتباره كذلك سببا لأنه ليس مادة أو صورة. تبعا لذلك لا يمكن اعتباره كائنا ما دام ليس جسما أو سببا، لأنه لو كان كذلك لتساءلنا مثل زينون أين المكان من الفضاء؟ لأن كل كائن يوجد ضرورة في مكان معين وبالتالي يصير ممكنا القول مكان المكان وهلم جرا إلى ما لا نهاية.10 هنا بالضبط يساهم أرسطو إسهاما مهما، حيث سيميز بين المكان اللانهائي الذي يحوي جميع الأجسام والمكان الخاص الحاوي الأول للجسم. «فمثلا أنت في السماء لأنك في الهواء، والهواء في السماء، ثم أنت في الهواء لأنك في الأرض. لكن وأنت في السماء، في الهواء، وعلى الأرض، فإنك في نفس الوقت في المكان الذي لا يحوي شيئا غيرك».11
    ارتباطا بالمكان دائما هناك مشكل الخلاء الذي طرح كذلك قبل أرسطو على هيئة رأيين متعارضين: الرأي الأول يقر بوجود الخلاء وضرورته للحركة، والثاني يؤكد عدم وجود الخلاء. أيد أنكساغوراس الرأي الثاني12، حيث برهن على أن ما نأخذه كخلاء هو في الحقيقة مملوء بالهواء، وبأننا إذا لم ندرك حسيا أي جسم في المكان، نفترضه خال:فإن ذلك راجع إلى وجود الهواء والأثير. أرسطو دعم هذه النظرية واستبعد إمكانية الخلاء في العالم أو داخل الأجسام. ذلك أن نمو الأجسام لا يبرهن على وجود الخلاء داخلها، كما في الحركة، الخلاء غير ضروري إذ أن الأجسام تستطيع أن يحل بعضها محل البعض الآخر دون فرض الخلاء.
    في القسم التالي من كتابه ينتقل أرسطو إلى قضية الزمان. وكعادته يبدأ أولا بالبرهنة على وجوده، فيرى أن له وجود ناقص أو غامض، لأننا عندما نقسم الزمان إلى ماضي ومستقبل، سنكتشف أن الماضي كان ولم يعد، أي انقضى، والمستقبل سيكون وليس بعد، أي غيب لايدرك. كما أن الحاضر، اللحظة أو الآن، ليس جزءا من الزمان لأن الزمان لا يتركب من اللحظات. فاللحظة هي حد الزمان لأنها تفصل بين الماضي والمستقبل، ووجودها بالتالي ليس أكثر واقعية من هذين الأخيرين. فاللحظات تتعاقب ولكن لا تتعايش لأن اللحظة تموت بمجرد ولادتها. وإذا ادعينا أن اللحظة ذاتها هي التي تستمر وتدوم فمعنى هذا أن الأحداث التي وقعت في السنوات الماضية والتي نعيشها اليوم ستكون متزامنة. إن أرسطو وهو يناقش قضية الزمان بهذه الدقة لا يسعى إلى نفي وجوده بقدر ما يسعى إلى تبيان كم هو قلق أخذ فكرة عنه.
    الزمان ينساب بطريقة منتظمة متساوية وأبدية، وهذا يدل على أنه حركة ولكنه ليس بحركة، لأن هذه الأخيرة خاصية المتحرك غير منفكة عنه، ثم هي سريعة أو بطيئة. على أن الزمان إن لم يكن حركة فإنه في نفس الوقت لا يمكن تصوره بدونها، حيث أن تفكيرنا عندما لا يدرك أي حركة من أي جنس كانت أو تغير، فإننا نعتقد أن الوقت لم يمر. إن الزمان لا يوجد بالنسبة إلينا إلا من خلال الحركة والتغير.
    ما هي حقيقة الزمان إذن؟ وما هي علاقته بالحركة؟ يتساءل أرسطو. إن فكرتا المتقدم والمتأخر لا تفهمان إلا لأننا نجدهما في الحركة، بحيث ينطبق المتقدم والمتأخر على الحيز(lieu ) كلما تحرك الجسم. إن الزمان هو إذا تقدير عددي للحركة أي عدد الحركة بحسب المتقدم والمتأخر. إن الحركة في اتصالها، دائما مختلفة؛ إما لأن الجسم يغير الحيز وإما يتغير مع بقائه في نفس الحيز، كذلك الشأن بالنسبة للزمان إذا كان دائما مماثلا، فإن اللحظات المتعاقبة تختلف دائما. بدون زمان ليس هناك لحظة والعكس صحيح، بدون لحظة ليس هناك زمان. فاللحظة بمعنى من المعاني هي الوحدة العددية في الزمان، تفصل بين المتقدم والمتأخر، بين الماضي والمستقبل. إن اللحظة حد الزمان وليست جزءا من الزمان كما أن النقطة ليست جزءا من الخط. لكن إذا كان الزمان قياس الحركة، فالحركة قياس الزمان، ذلك أن الزمان كمتصل يمكن أن يكون قصيرا أو طويلا، وكعدد يمكن أن يكون كثيرا أو قليلا. من هنا فإن الحركة تتضمن المقدار، والزمان يتضمن الحركة. الزمان، الحركة والمقدار يشكلون كميات يمكن دائما أن نقيسها. لكن الزمان لا يقيس كل شيء، هناك موجودات لا يمكنه بلوغها، إنها الموجودات الدائمة التي ليست في الزمان. هل الزمان يمكن أن يغيب؟ يجيب أرسطو بسرعة أن الزمان أبدي مثل الحركة. إن عدم التمييز بين الزمان والخلود سيؤدي به إلى عدم التمييز بين الحركة والمحرك الأول. أخيرا إذا كان الزمان هو عدد وقياس الحركة، بمثل أن هذه الأخيرة هي قياس الزمان، فهل يتعلق الأمر بأي حركة أم بحركة محددة؟ أرسطو يفك هذه المسألة بقوله إن النقلة الدائرية السماوية هي قياس جميع الحركات الأخرى. ومن ثم هي قياس الزمان، لأنها الحركة الوحيدة المتسقة والمنتظمة على الوجه الأكمل.
    بعد نظريات الزمان، واللانهائي، والمكان، والخلاء تتجه أفكار أرسطو نحو الحركة وحدها التي شكلت موضوع الكتب الأربعة الأخيرة من فيزيائه. ما يتغير في العالم، لا يمكن أن يتغير وبالتالي يتحرك إلا بطرق ثلاث: عرضي غير جوهري، جزئي، ومطلق. وهذه الطرق الثلاث تهم المحرك والمتحرك على السواء. ومن جهة أخرى فكل تغير هو من طرف إلى طرف ضده.
    « وعلى ذلك فلا تغير من اللاوجود إلى اللاوجود، إذ ليس بينهما تضاد، وإنما التغير من اللاوجود إلى الوجود، ويعني كونا، ومن الوجود إلى اللاوجود، ويعني فسادا، ومن الوجود إلى الوجود أي انتقال الشيء من حال إلى حال، ويعرف بالحركة». 13
    يوجد ثلاثة أنواع من الحركة: الحركة في الكمية والكيفية والحيز: عندما يكبر جسم أو يصغر، ينمو أو ينقص، فهي حركة في الكمية، وعندما ينتقل الجسم من الحرارة إلى البرودة أو العكس، بدون تغيير في الكمية، فهي حركة في الكيفية، وأخيرا عندما يتحرك جسم بدون تغيير لا في الكمية ولا في الكيفية فهي حركة في الحيز. الحركة الأولى تسمى نمو ونقصان، والثانية تسمى استحالة، والثالثة نقلة. 14
    الحركة عند أرسطو أبدية، لأن الزمان، بما هو عدد الحركة، أبدي أيضا. فالحركة في التفكير الأرسطي، وخلافا لما قال به أنكساغوراس وأمبيدوقليس، ليس لها بداية، ولكن لا يمكن أيضا أن تكون لها نهاية؛ لأنه لا يمكن تصور تغير أولي بدون وجود تغير سابق عليه. وبالمثل ليس سهلا فهم تغير أخير غير متبوع بتغير آخر.
    اعتبر أرسطو في السياق ذاته، واعتمادا على الملاحظة الحسية، أن هناك في العالم أشياء تتحرك، وأشياء أخرى لا تتحرك، كيف ذلك؟ إننا عندما نرمي حجرة بالعصا فإن اليد هي التي تحرك العصا، والرجل هو الذي يحرك اليد؛ومن هنا يستخلص أرسطو أن في كل حركة يجب الرجوع إلى المحرك الأول، الذي هو بالضرورة غير متحرك مع نقل الحركة التي يخلقها ويتوفر عليها إلى الخارج. نقرأ للأستاذ البعزاتي يقول: « فعند أرسطو أن وراء كل حركة محرك يسببها، وتتسلسل الحركات والمحركات في علاقة سببية، إلى المحرك الأول الذي لا محرك له، أي لا سبب لوجوده». 15
    المحرك الأول بالنسبة لأرسطو، هو مبدأ كل الحركات في الكون ولا يمكن البحث عن أي شيء خارجه، وإلا سيجرنا الأمر إلى غير نهاية، ويتوفر على جزأين: جزء يحرك ولا يتحرك وجزء محرك ويتحرك بدوره. إن الحركة إذا كانت أبدية، فإن المحرك الأول، يستنتج أرسطو، هو أيضا أبدي ووحيد. لكن إذا كان المحرك الأول كذلك، فما هي طبيعة ونوع الحركة التي ينتجها؟ إن الحركة إذا كانت أبدية، فالمحرك الأول الذي هو أيضا أبدي، لا يمكن حسب أرسطو أن ينتج بالضرورة إلا حركة وحيدة متجانسة متصلة وأولية مثله. وإذا نظرنا من قرب إلى الأنواع الثلاثة للحركة، فإننا سنجد، والحالة هذه، أن الحركة في الحيز أو النقلة Translation هي التي تستجيب لهذه الشروط؛ وذلك لأنها من الناحية المنطقية هي أولى الحركات، ثم لأنها امتياز الكائنات الأكثر تطورا، وأخيرا لأن المادة تبقى تابثة أكثر في النقلة مما هي عليه في الحركة في الكمية أو الكيفية. بالإضافة إلى هذا، فإن الحركة في المكان هي الوحيدة التي يمكن لها أن تكون متصلة. لكن داخل النقلة يجب التمييز بين النقلة الدائرية، والنقلة على شكل خط مستقيم، والنقلة المختلطة. من بين أنواع النقلة من هو الذي يعطينا حركة وحيدة، دائمة، لا نهائية، ومتصلة، كما هو الشأن في حركة المحرك الأول؟ يتساءل أرسطو. إنها الحركة الدائرية.
    كتب نفس الباحث البعزاتي يقول:
    «الحركة عند أرسطو صنفان أساسيان: حركة تحصل في السماء، وهي دائرية ومنتظمة وسرمدية لأنها حركة أجرام من طبيعة أثيرية لطيفة، لا تتغير طبائعها، وحركة تحصل فيما تحت القمر، وهي مستقيمة ومتغيرة تناسب تغير العناصر وتكونها وفسادها، كما تخضع لمقاومة الوسط». 16
    تلك إذن هي آخر أفكار أرسطو الفيزيائية حيث أنهى هذه الدراسة الشاملة بنظرية عن فعل الإله في الكون.
    خاتمة
    يعتبر أرسطو ( 384-322 ق.م ) من بين الفلاسفة الكبار في تاريخ الفلسفة. لقد تتلمذ على يد أستاذه أفلاطون، وكان عنصرا بارزا بأكاديميته، قبل أن يؤسس بعد وفاة هذا الأخير مدرسته الخاصة التي سماها الليسي أو المدرسة المشائية PERIPATOS.
    ألف الكثير من المؤلفات والمقالات، ولكن لم يصلنا منها إلا القليل، كما خلف فكرا فلسفيا وعلميا كبيرا شمل جميع فروع المعرفة، ويعتبر أوج ما وصلت إليه الحضارة والفكر اليونانيين حيث كان تأثيره واضح ليس فقط على الحضارات التي جاءت من بعد، بل إن تأثيره ما زال ملموسا حتى وقتنا الحاضر. ففيزيائه تكون نظرية شاملة ومتماسكة وترتكز على أسس النظام والترتيب. إنه علم الوضوح والبداهة الذي يوافق الحدس البشري وإدراكه.
    يبقى أرسطو في اعتقادنا عالم كبير ومفكر موسوعي، صحيح أن بعض عناصر نظريته الفيزيائية شابها الخطأ مثل حركة الأجرام السماوية، سكون الأرض، سقوط الأجسام، خوف الطبيعة من الفراغ والقوة المسببة للحركة، وهي العناصر التي تم تصحيحها ابتداءا من القرن السادس عشر على يد العديد من العلماء، أمثال كوبيرنيك، كيبلر، كاليلي، ديكارت، نيوتن، لايبنتز و لابلاص. لكن هل بدون أفلاطون كان بالإمكان ظهور أرسطو كما نعرفه اليوم، هل بدون كيبلر، كاليلي وديكارت كان بإمكان نيوتن أن يبرع في مثل ما برع فيه، ثم ألم يترك هذا الأخير صاحب «المبادئ الرياضية للفلسفة الطبيعية» السؤال حول طبيعة الجاذبية معلقا، ولم تتم الإجابة عنه وتفسير هذه الطبيعة إلا بعد مرور حوالي ثلاثة قرون، من طرف نظرية النسبية العامة لصاحبها ألبير أنشطاين. إنها في نظرنا طبيعة المعرفة التي ليست كلا جاهزا، بل سيرورة تطورية ينقح ويصحح فيها اللاحق، ما اعتراه الخطأ أو جانب فيه الصواب السابق.
    مؤاخذة أخرى توجه لأرسطو وتفيد أن فكره اعتمد بالأساس على الاستنتاج المنطقي، وهمش دور التجربة، ثم أنه مزج بين العلم الطبيعي وما بعد الطبيعة أو الميتافيزيقا. لكن أليس المحرك الأول عند أرسطو هو إله ديكارت، أو أن فهم نيوتن لطبيعة القوة يمكن إعادة قراءته على ضوء ما احتوته حقيبته الخاصة من مخطوطات ألخيميائية، حسب ما ذهب إليه بعض مؤرخي العلوم في العقود الأخيرة.17
    كان أرسطو وعاش ابن عصره ومن حيث هو كذلك، فإن فكره بقي محصورا ومتمحورا حول السؤال المتعلق بلماذا الأشياء، ولم يتجاوزه إلى السؤال عن كيف هي الأشياء، يكفي أنه إلى جانب أفلاطون وسقراط وآخرون من بني جلدته في الحضارة اليونانية أيقظوا الشهية بالنسبة للعلم. لهذا الاعتبارات كلها فإن المرء لا يبالغ عندما يعتبر فكر وإنتاج أرسطو بمثابة الحصيلة المجسدة لكل الثقافة الفلسفية والعلمية اليونانية.
    المراجع
    * البعزاتي ب.، الأفق الكوني لفكر ابن رشد، منشورات الجمعية الفلسفية المغربية، ط1، 2001.
    * غالب م.، في سبيل موسوعة فلسفية، دار ومكتبة الهلال، بيروت، 1988.
    * Abattouy M., le concept de force chez Newton : Explication Mécanique ou Interprétation Alchimique ? Publications de la faculté des Lettres et des Sciences Humaines, Rabat, 1997.
    * Clavelin M. La Philosophie Naturelle de Galilée, Essai sur les origines et la formation de la mécanique classique, Armand Colin, Paris, 1968.
    * Durant A., Physique d?Aristote ou leçons sur les principes généraux de la nature, Tome 1, Traduction en Français pour la première fois et accompagnée d?une paraphrase et de notes perpétuelles par Barthelemy et Saint Hilaire T., ed. de Paris : LADRANGE, 1862.
    * Duhem P., Le Système du Monde : histoire des doctrines cosmologiques de Platon à Copernic, Herman, Paris, vol.1, 1913.
    * Montminy J., Les Philosophes de l?antiquité : leur contribution à diverses problématiques.
    * Souffrin P., De Gndt F.(éditeurs), La Physique d?Aristote, Vrin, Paris, 2000.
    * طبيب باحث
    1 - Durant A., Physique d?Aristote ou leçons sur les principes généraux de la nature, Tome1, Traduction en français pour la première fois et accompagnée d?une paraphrase et de notes perpétuelles par Barthélemy de Saint hilaire T éd. de Paris : LADRANGE, 1862, récupéré de :
    www. remarcle.org/blood wolf/philosophe/aristote/table
    2 - غالب م.، في سبيل موسوعة فلسفية، م7، دار ومكتبة الهلال، بيروت، 1988، ص:48.
    3 - Montminy J. Les philosophes de l?antiquité : leur contribution à diverses problématiques. Récupéré de : www.jbphi.com
    4 - Durant A. مرجع سابق
    5 - تفس المرجع
    6 - Montminy J.مرجع سابق
    - غالب م.، مرجع سابق، ص: 51.7
    8 - Ibid
    - غالب م.، مرجع سابق، ص: 68.9
    10 - Durant A., مرجع سابق
    - غالب م.، مرجع سابق، ص: 69.11
    12 - Ibid
    - غالب م.، مرجع سابق، ص: 65.13
    14 - Durant A.مرجع سابق
    - البعزاتي ب.، الأفق الكوني لفكر ابن رشد، منشورات الجمعية الفلسفية المغربية، ط1، 2001، ص: 107.15
    - نفس المرجع، ص: 107.16
    17 - Abattouy M., le concept de force chez Newton : Explication Mécanique ou Interprétation Alchimique ? Publication de la faculté des Lettres et des Sciences Humaines, Rabat, 1997, p : 3-29.
  • 24/07/2018, 01:12 AM
    طارق شفيق حقي

    الطبيعة عند أرسطو

    للطبيعة عند أرسطو معنى مؤداه أنها تمثل المبدأ الداخلي الذي يحرك الموجود الطبيعي ويجعله قادرا على أن يتخذ أشكالا مختلفة، فالطبيعة بهذا المعنى هي القدرة على التولد الذاتي. وإذا كان الإنسان كائنا طبيعيا فهل يمكن القول أن ما يحدثه من بنى ثقافية ناتج عن طبيعة تخصه كإنسان أم عن الطبيعة كقوة متحكمة في الكون؟.هل تفسر الإنتاجات الثقافية للإنسان من دولة واجتماع وفنون وعلوم بالثقافة أم بالطبيعة؟. يجيب أرسطو مؤكدا أن الطبيعة مبدأ كوني يفسر كل شيء. ما يهمنا من هذا التقديم البسيط هو أن نعرف نظرية أرسطو حول الاجتماع البشري، ولنفهم سر غياب التاريخ والتغير الاجتماعي لديه.
    يقيم المعلم الأول نظرية الاجتماع على فكرة الحاجة والنقصان، فهذه الأخيرة هي التي قادت إلى اجتماع الناس في الأصل، وبالتالي فالمجتمع لم ينشأ عن التعاقد والاتفاق، بل هو مخلوق طبيعي استلزمته طبيعة الإنسان الناقصة. إن عجز كل فرد لوحده عن الوفاء بكل حاجياته ومتطلبات حياته من مأكل ومشرب وملبس ومسكن وأمن وتعلم هو ما دفع الناس إلى الاجتماع والتعاون والتضامن مع بعضهم بعضا(4). والتعاون والتضامن طبعان بشريان يكشفان عن حسن نية الإنسان تجاه أخيه الإنسان ويدفعان الجماعة إلى خلق نوع من تقسيم العمل وتوزيع الواجبات حسب المؤهلات الطبيعية، مما يضمن الأمن والاستمرارية.
    إن الحياة الاجتماعية تلبية لحاجة طبيعية تتجلى في وعي الإنسان بنقصه وحاجته إلى الآخرين الذين يكملونه، وأولى الحاجات الطبيعية التي يفي يلبيها الاجتماع هي ضمان استمرار النوع البشري، وهذا ما تفي به مؤسسة الأسرة، فهي الإطار الأول للتوالد والتناسل، يبتدئ المجتمع من الأسرة، وتجمع مجموعة من الأسر يشكل عشيرة، والعشائر تخلق نظاما اجتماعيا هو القرية، وبتوسع القرى تنشأ المدينة/الدولة.
    الإنسان حيوان اجتماعي بالطبع، من هنا يقرر أرسطو أن الاجتماع البشري أمر وقضاء لا اختيار فيه، فالإنسان كائن يشغل في سلم الوجود مكانة وسطى بين الكمال المطلق الذي يجسده الإله، والنقصان المطلق الذي تجسده العجماوات والبهائم، لذا لا يعيش خارج الدولة إلا الإله لأنه مكتفي بذاته ولا يحتاج أحدا، والحيوان لأنه لا يملك العقل ويفتقر للقدرة على التفاوض والتشاور والتعاون(5).
    يظهر مما سبق أنه لا مجال للحديث عن التغير الاجتماعي/النظام السياسي الذي سيحكم الدولة، ما دامت تتأسس على الطبع، وما هو بالطبع يبقى قائما لا يقبل التغيير، فهي تستمد مشروعيتها من الطبيعة لا من رضى الناس. مثل هذه الفرضية المفسرة لأصل الدولة ونشأتها تحمل - شئنا أم أبينا- إيديولوجيا تعمل على الدفاع عن نظام الحكم وتدعو للمحافظة عليه واستمراريته، بل وتقدم هذا الدولة كما لو أنها واقع يتقرر مصيره بعيدا عن رغبات الناس وإرادتهم، لذا يتوجب على المواطنين أن يأخذوها كواقع لا يرتفع ولا ينبغي رفعه ولا تغييره. وبالتالي يجب عليهم الخضوع للأمر الواقع والقيام بالدور الذي هيأتهم الطبيعة له، فهناك من هيأتهم ليعملوا بأجسادهم ومنهم من هيأتهم ليفكروا فقط، وعلى كل فرد أن يحترم قسمة الطبيعة العادلة، فالعدل كما عرفه الإغريق هو إنزال الناس منازلهم، ولا تتحقق العدالة في الدولة إلا عندما تقوم كل طبقة بوظيفتها بما يتلاءم ومؤهلاتها الطبيعية(6). وفي تصور كهذا ما يحكم وضعية الأفراد هو الواجب فقط [أما الحق فلا ذكر له نهائيا]، واجب كل فرد أن يقوم بمهمته دون التفكير في تغيير نظام المجتمع الذي ارتضته الطبيعة، والذي ينبغي أن يحاكي نظام الكون لا في تناغمه وتناسق مكوناته فحسب، بل في ثباته وعدم قابليته للتغير.
    هنا تجد التفاوتات الطبقية والعبودية مبرراتها وسندها القوي،(قارن بين هذه النظرية، والتفسير الذي يعطيه الفقهاء الرسميون للآيتين: والله فضل بعضكم على بعض في الرزق، وقوله تعالى: نحن قسمنا بينهم معيشتهم في الحياة الدنيا ورفعنا بعضهم فوق بعض درجات ليتخذ بعضهم بعضا سخريا)، فالتفاوت في الاستفادة من الخيرات والقهر الاجتماعي قدر ليس إلا!!
    مقتطف من مقالة للأستاذ عاصم منادي إدريسي، بعنوان " الفكر العربي وغياب البعد التاريخي"

ضوابط المشاركة

  • تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •