الرد على الموضوع

أضف مشاركة إلى الموضوع: نص المجموعة القصصية «قطعة سكر» لبدر بدير

رسائلك

اضغط هنا للدخول

رجاء ادخل الستة أرقام أو الحروف الظاهرة في الصورة.

 

يمكنك إختيار أيقونة لرسالتك من هذه القائمة

الخيارات الإضافية

  • سيتم تحويلها www.example.com إلى [URL]http://www.example.com[/URL].

عرض العنوان (الأحدث أولاً)

  • 24/03/2009, 05:46 PM
    د. حسين علي محمد

    رد: نص المجموعة القصصية «قطعة سكر» لبدر بدير

    *قلوب بيضاء*
    ................

    - والله سبقت يا أبو عطوة وجيت من البدرية.
    - ارم السلام الأول يا أخي .. اصطبحنا يا فتاح يا عليم .. تعالى يا عوض أقول لك.
    - ولا تقول ولا تعيد
    - والنبي تيجي .. ورحمة أمك تيجي ..
    لكن عوض الله مضى في سبيله دون أن يرد عليه بكلمة واحدة .. وهو يعض على أنيابه كيف يسبقه ذلك الوغد إلى الصيدة التي بيت النية عليها منذ أسبوع، لقد بات الليلة الماضية يعد العدة واتفق مع أبناء عمه شحاتة ومنصور، وجهزوا كل شيء لصيد السمك من تحت القنطرة التي تقوم على الترعة على رأس غيط العيلة .. لعن الله تلك الزوجة التي أصرت على أن يأكل لقمة ويشرب الشاي قبل أن يسرح للصيد. فلولا ذلك ما سبقه سيد أبو عطوة وإخوته إلى القنطرة من الصباح الباكر، وأقاموا سدا كبيرا من الطين والقش أمام القنطرة،وخلفها، ونصبوا الطنبور، وراحوا ينزحون منها الماء بنشاط .. تمهيدا لصيد السمك.
    وتوقف عوض الله عن السير ورفع قدمه اليمنى لينفض حصاةً دخلت إلى البلغه ثم واصل سيره إلى الدار.
    وتخيل منظر السمك، فقد نضب من حوله الماء، فراح يضرب الطين بذيله في عصبية ويأس .. الصبر طيب يا أبو عطوة. لقد كانت كمية السمك التي اصطادها مع أبناء عمه من تحت القنطرة في العام الماضي ثلاث صفائح كبيرة، كان نصيبه منها صفيحة كاملة .. خمسة كيلو سمك على الأقل .. لقد كان امهر الرجال في القبض على القراميط الماكرة التي تندس في الطين كلما جف من حولها الماء .. هيه .. صيد السمك ألذ من أكله يا أولاد .. ويذكر عوض الله كيف كان يُلقي من وقت لآخر بسمكة كبيرة لابنه الوحيد الحبيب صابر الذي يهب لالتقاطها سريعا قبل أن تصل في حركاتها السريعة مرة أخرى إلى الترعة!
    وانفجرت في هذه اللحظة بعض التجاعيد التي كانت مرسومة على جبهته .. الصبر طيب يا أبو عطوة .. وتنهد تنهيدة عميقة وواصل سيره في بطء نحو الدار .. آه .. كيف يبيت الليلة هو وزوجته وابنه الحبيب صابر يشمون رائحة الشواء والقلي التي تتسرب إليهم حتما من فوق الجدار الذي يفصل من بين الدارين؟!
    وتخيل عوض الله منظر القراميط التي يلقيها سيد أبو عطوة إلى ابنته سعاد التي تجلس على البر لتضعها في صفيحه كبيرة أو تجري بها إلى أمها في سرور، وأحس في هذه اللحظة أنه يريد أن يطبق أصابعه على رقبة سيد أبو عطوة لينزع روحه وكأنه سمكة ماكرة.
    ـ الله مالك يا راجل راجع كده بسرعة وشك زي قفاك؟
    ـ شورتك السودة .. والنبي تأكل لقمة .. استنى اشرب الشاي آهى راحت لأصحاب النصيب.
    وصعد إلى السطح، وألقى نظرةً على الغيط من بعيد، واطمأن على الجاموسةِ والحمارة اللتين، ربطهما ابنه صابر وألقى أمامهما كميةً من البرسيم، ونام بالقرب منهما على بعض أعواد حطب ناحية القنطرة فلم ير شيئا، ولكنه لمح سعاد ابنة سيد أبو عطوة وهي تجرى ناحية الدار، وبيدها صرة كبيرة .. لابد أنها مليئة بالسمك .. الذي سرقه قبل أن يقسم على المشاركين في الصيد، وبصق بعنف، وألقى نفسه على السطح ونام وغطى وجهه، وبعد لحظات راح يغط فى نوم عميق.
    الله أكبر الله أكبر .. وأزاح الحِرام وقام يفرك عينيه في كسل .. فليتحرك لصلاة الظهر في الجامع القريب، ثم يمضى إلى الغيط ، ليبعث الولد إلى شداد ليتناول طعام الغداء.
    وأحس عوض الله بشوق إلى ولده، وأنه يود لو ضمه إلى صدره يواسيه ويعد بصيدة أحسن من تلك التي ضيعها عليه ابن أبو عطوة، وألقى نظرةً تجاه الغيط.
    الله الله. والله عال يا ابن أبو عطوة، قالها وهب واقفاً، وهبط السلم سريعا وبدلاً من أن يتجه إلى الجامع لصلاة الظهر أوسع الخطى إلى الغيط فقد سنحت الفرصة للانتقام. ها هي نعجة سيد أبو عطوة سايبة ترعى البرسيم في حقله وبجوار الجاموسة المربوطة، والولد ليس هناك بالتأكيد، ربما كان نائما في الناحية الأخرى من العشة.
    فهو لا يحس بالنعجة وإلا طردها .. سيضربها هو لان نعجته ستكون فقد أسقطت جنيها ميتا قبل العشاء.
    وابتسم في خبث، وطوح عصاه في الهواء. وقطب ما بين حاجبيه، أن سيد لم يزل مشغولا بالصيد ولن يراه وهو يضرب النعجة، وحتى إذا رآه ماذا يستطيع أن يعمل؟! .. أنها في برسيمه وله الحق في طردها، وإذا احتج عليه كانت فرصة ليلقنه درسا في الأصول هو وأخوته الذين سبقوه إلى صيده الثمين، وحرموه من أكلة السمك التي كان يمنى نفسه بها منذ أسبوع.
    واقترب من النعجة ، ورفع عصاه ليهوي بها فوقها في غضب ولكن الملعونة جرت ناحية العشه التي يرقد في ظلها ابنه صابر، وجرى وراءها والشر يحتدم في تلك العقدة التي كانت بين حاجبيه، وأنزل عصاه ببطء حتى لامس طرفها الأرض، وترك النعجة تعود لرعى البرسيم.
    إيه ده يا ولد؟ وهب صابر واقفا دي سعاد بنت عمى سيد أبو عطوة، جابت لي قرموطين سمك مشويين، وحلفت على إن ما كنت أكلهم ما هي دايقه السمك في نهارها.
    وخفضت سعاد رأسها في حياء ولم تتكلم.
    كتر خيرك يا بنتي .. واتجه عوض إلى الترعة مره أخرى ورمى السلام على سيد أبو عطوة وإخوته، وطوح عصاه في الهواء.
    - كده يا عم سيد؟ أنتم سبقتونا في الصيد وإحنا سبقناكم في الأكل، وضحك سيد دون أن يفهم شيئا وهم عوض الله بالانصراف .. ولكن سيد خرج من الماء هذه المرة وأمسك جلباب عوض الله بيده اليسرى وبيده اليمنى قبض على صرةٍ بها عدة أسماك كبيرة وهو يقول ( دول لصابر .. مترجعش .. ورحمة أمك ما أنت مرجعهم).
    وفى المساء ،، بعد عشاء لذيذ ضحك عوض الله من قلبه وهو يهمس في إذن زوجته عن السر الذي بين سعاد بنت سيد أبو عطوة وبين ولده الحبيب الوحيد صابر.



    (انتهت المجموعة)
  • 24/03/2009, 05:22 PM
    د. حسين علي محمد

    رد: نص المجموعة القصصية «قطعة سكر» لبدر بدير

    *رسالة*
    ..........

    ـ بوستة ... بوستة ...
    قالها ساعي البريد بصوت مرتفع ونغمة روتينية وقد وقف فى بئر السلم رافعاً رأسه إلى أعلى ثم أردف بنفس النغمة:
    ـ الآنسة عطيات سليم .. مسجل ..
    وقبل أن ينتهي من عبارته الأخيرة كان رأس أشيب لسيدة فى الستين من عمرها يطل عليه من قمة السلم عند الدور الثالث، وقالت صاحبته فى لهفه صادقة وصوت متهدج:
    ـ .. أيوه يا بني دقيقه واحدة .. الله يسترك ..
    وراحت تسرع الهبوط على السلم وقد ثبتت يدها المعروقة ( بالدرابزين )الخشبي المتآكل تسند عليه حتى تضمن السلامة إذا خانتها قدماها.
    ـ مسجل للآنسة عطيات .. يا ست أم عطيات.
    ـ خير يا بني.
    ـ خير.. إن شاء الله وهاتى إصبعك.
    ـ خد .. لكن طمني الله يطمن قلبك .. افتحه يا بني واعرف لي فيه إيه؟
    ـ مبروك يا ست مصنع السجاد طالب الست عطيات لاستلام العمل .. حسب طلبها، وتجهيز بقية مسوغات التعين.
    - الحمد لله .. ألف حمد لك يا رب. وألف شكر.
    قالتها ام عطيات بصوت عميق وهى تحملق فى أعلى الحائط المقابل ويدها تقبض على الخطاب بقوه ودقات سريعة تضج بين ضلوعها، ودماء جديدة تتدفق فى شرايينها صاعدة إلى رأسها، واستدارت فى خفة إلى السلم، وصعدت إلى حجرتها فوق السطح وهى لا تكاد تصدق أنها تمسك بيمينها الآن مفتاح حياة جديدة سعيدة.
    وتنهدت أم عطيات وهى تلقى بنفسها فوق الكليم الذي يغطى نصف أرضية الحجرة والمصنوع من بقايا الملابس القديمة .. تنهدت فى راحة من يُلقى بحمل ثقيل ظل يحمله طوال هذه السنين الطويلة الحافلة ..
    من يصدق أنني وصلت إلى هذه الدرجة؟ .. من يصدق أن أوان الراحة قد آن؟، وأني اقدر أن أغمض عيني فى هدوء وأنام إلى الأبد سعيدة مطمئنة مرتاحة البال؟
    وأخرجت الخطاب من بين طيات ملابسها لتلقى عليها نظرةً أخرى وقربته إلى فمها، وتنهدت مرةً أخرى فى راحةِ منْ وصل إلى بر الأمان بعد أن قطع رحلةً من العذاب .. وطافت بالرغم منها أمام عينيها المغمضتين أشباح مظلمة وصور قاتمة عاشتها سنين طويلة ..
    ـ الله يرحمك يا سليم ويجعل مسكنك النعيم
    ورفعت رأسها تتأمل صورة صغيرة معلقة على الحائط المقابل فى إطار متآكل غيرت لونه الأيام، صورة لسليم أفندي زوجها الموظف المحترم الذي أذاقها ألواناً من السعادة، وعاشرها عشر سنوات لم ينغص حياتهما فيها شيء إلا الحنين إلى الذرية وإلى الأطفال؛ ذلك الحنين الجارح الصامت الذي لم يكن يجرؤ أحدهما أن يعبر عنه حتى لا يجرح شريكه. آه كم كانت سعادته عندما أخبرته ذات مساء أنها حامل!، لقد كاد يطير فرحا.. لا تقومي من مكانك يا حبيبتي .. لا تعملي أي حاجة .. أنا أعمل بدلا منك كل شيء ..
    وتنهدت .. لقد كانت أسعد الأيام .. ليتها دامت ..
    لقد مات المسكين قبل أن يرى حلمه يتحقق.. قبل أن يرى عطيات تبتسم فى لفائفها ..
    ودست أم عطيات الخطاب فى صدرها، وقامت فجلست على حافة السرير الحديدي المقابل للنافذة المطلة على الحارة تترقب مجيء عطيات من الخارج ومعها الخبز والفول اللذين ذهبت لشرائهما من الشارع القريب ..
    ولمحت أم عطيات المعلم طلبة يتوكأ على عصاه فى الحارة بشاربه الأبيض الكث وهامته المحنية قليلاً، التي يحاول أن يقيمها فى عناد، ومسبحته التي لا تستقر حباتها لحظة بين أصابعه، وابتسمت فى مرارة وسخرية..
    الله يجازيك يا معلم طلبه ويسامحك!
    وعادت صور الماضي إلى رأسها .. المعلم طلبه يواسيها فى وفاة زوجها فقد كان أعز أصدقائه، ويتردد على البيت ويساعدها فى بيع قطع الأثاث لسد حاجات المعيشة، المعلم طلبة يبحث لها عن حجرة متواضعة على سطح البيت الذي يسكنه بدلا من الشقة التي تكلفها كثيرا دون داع .. المعلم طلبة يتبسط معها فى الحديث إلى حد المداعبات، ثم يبدأ الإغراء المكشوف صراحة عندما أعيته الحيل، وهي مضطرة إلى ملاينته لما له عليها من فضل .. كانت تحس أحيانا أنها مندفعة بكل شوق الأنثى وإحساسها بالفراغ والوحدة وبكل حاجتها إلى الحماية والمساعدة، لكنها لم تستسلم .. كانت تتماسك فى النهاية .. كانت صور زوجها ونظراته الطيبة تصب فى عنقها دافقاً من الهدوء والسكينة، وكان صوت عطيات وهى تطلب منها ثمن كراسه للحساب أو تُلقي رأسها الصغير على صدرها يطرد من نفسها كل وسوسات الشيطان. وكان المعلم طلبة رغم ذلك أضعف الأخطار التي صادفتها فى رحلتها الطويلة!
    آه من قسوة الحاجة، وآه من الناس كل الناس الذين تعاملت معهم .. حتى صاحب البيت الذي سكنته مع زوجها أكثر من خمس عشرة سنة وأخذ من إيجار الشقة ما يوازي ثمنها أو يزيد ظل يحاول استغلال حاجتها وضعفها، لو كانت تملك المال لاستطاعت أن توقف كل واحد عند حده، لو كانت موظفة مثلا لما اضطرت إلى ملاينة أحد هؤلاء الذئاب .. لكن لا بأس!
    وتذكر أم عطيات كيف هدتها الحيلة إلى الجلوس على رأس الحارة تبيع الخضروات، لقد كانت هذه إحدى حسنات المعلم طلبة الذي رضي أن يقرضها عدة جنيهات أخرى لتكون لها رأس مال، وتذكر كيف صممت على أن تكون عطيات موظفةً، امرأة حرة قوية، تلبس أجمل الملابس، وتكلم أكبر كبير بشجاعة، كلام الند للند، ولن يساومها إنسان على شرفها لأنها ليست محتاجة إليه فى شيء.
    نعم، لن تسمح بتكرار المأساة، لن تسمح لأحد أن يسقي ابنتها نفس الكأس الذي ذاقت مرارته وحانت منها التفاتة إلى الحارة فإذا بعطيات قادمة إلى البيت في سرعة، فأشارت لها أمها بكلنا يديها في فرحة صائحة .. اجري يا عطيات اجري .. ورفعت عطيات رأسها إلى أمها مرسلةً إليها قبلةً عبر الهواء وهي تسرع إلى الداخل.
    تضع عطيات ما بيدها وتندفع إلى أحضان أمها التي مدت ذراعيها من الفرحة.
    - مبروك يا عطيات .. ألف مبروك يا حبيبتي.
    - الله يبارك فيكى يا ماما ..
    - النهاردة أسعد يوم فى حياتي .. خلاص يا حبيبتي أنا ارتحت وأقدر أموت وأنا مطمئنه عليكي.
    - يا ماما ... لسة بدري.
    - الله .. لكن من عرفك بالخبر يا بنتي؟ .. البوسطجى قابلك .
    - بوسطجي؟ لا يا ماما .. دا محمود .. الأسطى محمود صاحب ورشة العربيات اللي في آخر الشارع ابن المعلم طلبة.
    وسكتت عطيات في حياء وهى تسرق نظرة إلى وجه أمها ..
    ـ ما له يا بنتي؟
    ـ سيحضر بعد ساعة مع والده ليخطبني منك .. إنه يحبني .. وأنا ..
    واندفعت عطيات مرة أخرى إلى أحضان أمها، وتعانقت المرأتان.
    وسُمعت زغرودة حادة من مذياع في البيت المقابل، وسقطت دمعتان كبيرتان على ظهر كلتا المرأتين المتعانقتين لكل دمعة منهما معنى مختلف عن معنى الدمعة الأخرى!
  • 24/03/2009, 05:14 PM
    د. حسين علي محمد

    رد: نص المجموعة القصصية «قطعة سكر» لبدر بدير

    *حبان*
    .......

    بدت "فلة" بنظراتها الشاردة وجسمها الممتد على الأرض فى تراخ كالثوب القديم، وقد مدت ساقيها إلى الأمام ومالت على الجنب الأيمن قليلاً، لتبرز أثداءها المتورمة المليئة باللبن للصغار التي تزحف تحتها على غير هدى، وهى تصدر بعض أصواتٍ رفيعة متقطعة، وكأنها هي الأخرى غير راضيةٍ عن وضعها الجديد.
    وألقت الأم رأسها بين ساقيها الأماميتين وراحت كمن يفكر فى الماضي والمستقبل؛ ماضيها الحافل بالمغامرات، ومستقبل الأطفال الذين يحبون حولها ولم تستطع عيونهم أن تستقبل النور فى وضوح بعد، تلك المغامرات الغرامية التي كانت سيدتها "وردة" تفسدها عليها، وتوقع عليها بسببها أشد أنواع العقاب البدني بين صيحات الاستنكار الخجلة الساخرة.
    ومدت "فلة" رأسها فى رفق لجهة الشمال والتقطت أحد الصغار الذي كان قد انقلب على ظهره، وأخذ يحرك أرجله فى الهواء ليعود إلى وضعه الطبيعي دون جدوى، فعدلته على الأرض وأخذت تهدهده برأسها، وتمسح على جسمه بلسانها فى حنان، وأخذ الصغير فى الصراخ بصوت رفيع وهو يضرب الأرض فى محاوله يائسة للمشي وكأنه غير راض عن هذه الرقة وهذا الحنان الذي تقذفه عليه الأم، وكأن هذا النكران للجميل لم يرض الأم بدورها فانشغلت مع مولود آخر منصرفة ًعن هذا الصغير الشقي الذي يبدو وكأنه ذكرها بالماضي، أليس هذا الجلد الأحمر والطوق الأبيض من الشعر الذي يحيط برقبته ويغطى نصف صدره هو نفس لون "ركس" ونفس طوقه؟ ثم ما هذا النفور .. أليس هو من الشراسة والقوة الجسدية التي امتاز بها "ركس" على جميع الأقران؟
    إنها تتذكر المرة الأولى التي عرفت فيها "ركس" منذ شهور،كانت تراه دائما يقبع هادئا طوال النهار أمام دار "أبو مسلم" أو سارحاً خلف البهائم التي يسحبها ابن "أبو مسلم". ومدت "فلة" رقبتها مرةً أخرى فأخذت بين أسنانها ذلك الصغير الشقي الذي ابتعد عنها أكثر مما يجب، ثم أعادت رأسها إلى مكانها وكأنها تستأنف النظر إلى شريط الذكريات!
    لماذا كانت سيدتُها تحقد عليها وتعذبها كل هذا العذاب؟ إنها لولا العشرة الطويلة لتركت لها الدار. لماذا لا يعاقبها السيد الطيب أيضاً إن كان لا يرضى عن سلوكها مع "ركس"؟، كم تبدو الرحمةُ باديةً فى عينيه الطيبتين!، أليست هذه المرأةُ القاسيةُ تنعمُ مع زوجها بمثل العلاقة التي تنعم بها مع "ركس"؟ .. ليت لكلاب القرية مأذونا!!
    كانت هذه الأسئلةُ تدور فى رأس "فلة" الصغير ذات يوم، أما فى هذه الساعة التي تقعي فيها بجوار أبنائها فلم يعد لهذه الأسئلة فى رأسها مكان! .. إنها تعرف الحقيقة، وترضى عن سلوك سيدتها نحوها، فهي لم تعد تقسو عليها كثيرا وتجوعها، ليس ذلك لأنها تشفق على صغارها العميان وإنما لأن هذه السيدة تبدو وكأنها تخشى أن يقرأ زوجها الطيب فى عينها الصامتتين الضيقتين سرا خطيراً، ذلك أنها ذات ليلةٍ قدْ مضت أمام "ركس" إلى الخرابة الموجودة خلف المسجد القديم، وفى ظلام الخرابة وقبل أن يمضى "ركس" وهى فى مجونها المشين ارتدت فجأةً على عقبيها بسرعة من حيث أتت، و"ركس" يتبعها فى غضب دون أن يدرى سبب انسحابها؛ إنها لمحت رجلا عريض الصدر طويل الهامة له شارب مبروم ينحني على جسم شبه عارٍ لسيدة مهذبة تخجل من سلوك كلبتها المشين!.
  • 24/03/2009, 04:46 PM
    د. حسين علي محمد

    رد: نص المجموعة القصصية «قطعة سكر» لبدر بدير

    *شق في الشباك*
    ...................

    ما أسعدني بهذا الجمال الذي أفنى فيه فناء العابدِ المجتهدِ!، وما أعظم حقدي أيضاً على هذا الجمال!، كانت هذه العبارة التي دارت فى رأس كمال للمرة المائة بعد الألف وهو يسير بسرعة على الطريق الزراعي فى إحدى ليالي يناير الباردة وقد اطل القمر عن يمينه فى كسل، يحاول أن يرتفع عن الأرض وكأنه يبذل جهداً كبيراً لقطع حبال تشده إلى الأفق البعيد.
    كان كمال يسرع الخطى فى نشاط، ولو راقبته عين خفيه فى ذلك الوقت لحسبته يستمتع بما حوله من منظر طبيعي جميل: الأشعة الساقطة على قطرات المطر التي تغطى حقول البرسيم على جانبي الطريق فتعطى بريقا اختلطت فيه الخضرة بالبياض، فتبدو الأرض وكأنها لجة زرقاء لبحر نائم وتغطيه غلالة نثرت عليها ملايين من القطع الماسية والخرز والترتر، لكن كمال لم يكن فى الحقيقة منصرفا تماماُ إلى هذا الجمال. بل إن رعشة البرد الخفيفة التي تتسرب من خلال ملابسه فتلسع بدنه برفق لم تكن بقادرة على أن تصرفه عن التفكير فى أشياء أخرى.
    كان كمال خارجا من المحلة الكبرى كعادته فى بداية كل شهر منذ حصل على عمل فى أحد مصانع النسيج متجها نحو قريته الصغيرة وزوجته الصغيرة وطفلته الصغيرة. وكان عليه أن يحمل السلة التي تحوي بعض الفاكهة (والسميط) وكيسا به بعض الحلوى التي لم يكن أحد يعرف اسمها فى الكفر عموماً، ولفة أخرى بها (منديلان بأوية) وحذاء لطفلة صغيرة و(بلغة) بيضاء جديدة، كان عليه أن يحمل هذه السلة على كتفيه مسافة لا تقل عن ثلاثة كيلو مترات على الطريق الزراعي الذي يصل بين المحطة وبين الكفر.
    وعبرت شبه ابتسامه سريعة على شفتيه الدقيقتين، إنه سيرى بعد دقائق أباه الشيخ وأمه الطيبة، وسيدق الباب، وكم سيسود الفرح الدار عندما تفتح أمه الباب، وتأخذه بين أحضانها وهى تصيح ( يا حبيبي يا بني حمد الله على السلامة) عندها ستأتي بسيمة زوجته لتأخذ السلة وتدخلها قاعة حماتها، وبعد السهرة تسبقه إلى قاعتها وتنتظر فى دلال وحياء.
    كان القمر قد بدأ يرتفع في السماء بجرأة، وكأنه تخلص من الجهد الذي كان يبذله للصعود فبدا أكثر بياضا وأحس كمال وهو يمشى بحرارة تسرى فى جسده، ربما لأنه يمشى مسافة طويلة تحت وطأة السلة الثقيلة، أو لأن خيال زوجته وعيونها التي بدت تنظر إليه فى سحر وإغراء عبر الأفق الضيق المفروش بعيدان البرسيم. وكأن هاتين العينين تحولتا فجأة إلى فجوتين عميقتين من جهنم اندفق منهما على رأسه حمم دافق من الأفكار السوداء.
    زوجته بسيمة بنت الحاج مرزوق شيخ البلد، الحسناء التي اقتتل عليها شبان القرية: فؤاد ابن العمدة، وعبد الجواد أخو شيخ الخفراء وكان بسبب هذا التنافس ما كان بين العمدة وشيخ الخفراء، مما كان سببا فى تدبير العمدة لشيخ خفرائه مكيدة أطاحت به من سلك الحكومة، فأقسم الشيخ مرزوق ألا يزوجها من أحد الطرفين وكانت من نصيبه هو.
    كم كان سعيدا يوم وافق أبوها فرضيه خطيبا لابنته الوحيدة الحسناء، إنه يذكر كيف كان يمشى مختالا بهذا النصر وهذا الحظ بين شبان القرية وقد مشط شعره اللامع (وزرر البالطو) الأنيق فوق الجلباب الصوفي المكوي، وراح يؤرجح الخيزرانة يميناً وشمالاً وهو يوزع النظرات فى اعتزاز على النساء الجالسات على أبواب الدور وفوق المصاطب وكأنه أحد أبطال قصة الزير سالم.
    إنه يذكر هذه الفترة السعيدة من عمره، لكنه بدأ يحس بشيء من المرارة عندما أخذت بعض الشائعات الطائشة تأخذ طريقها إلى أذنيه فى تعثر وحذر، مؤداها أن خطيبته حزينة لأن والدها حال بينها وبين فؤاد ابن العمدة الذي كانت تحبه. إنه يذكر كيف ذهب إلى والدها وقد صمم على فسخ الخطبة إن كان هذا الكلام صحيحاً، ويذكر كيف مال الرجل على ابنته سائلاً (صحيح انتى بتحبي فؤاد وزعلانة عليه يا سميحة؟)، ويذكر كيف شهقت البنت استنكاراً لهذا الاتهام وقد خفضت رأسها وهى تقول بصوت مرتعش (عيب يابا)، ولم يدر كمال السبب الذي جعله يقتنع بدفاعها الذي كان يبدو له أحياناً دليلاً على ثبوت الاتهام. إلا أنه يحبها، ويحس بالفخر والكبرياء لمجرد أنه الفارس الذي نالها دون الآخرين!
    مهما كان السبب الذي دفعه إلى تصديقها فقد واتته لحظات ندم فيها على تهوره، وأحس فيها أنه مغفل وأنه أصبح حدوتة فى أفواه الناس .. لكنه حين يكون بجوارها يحس بسيل من الحرارة يُزيل كل شكوكه وآلامه.
    كم قاسى طوال هذا الشهر من الشك والغيرة الأمر الذي جعله يصمم على الخلاص، نعم الخلاص من عذابه .. إنه سيقتلها، سيحطمها إن رأى عليها ما يشين. إن دارهم تقابل دوار العمدة، وعلى بعد خطوات منه. تُرى ماذا يمنعها من أن تتسلل ليلاً من الدار لتلتقي بالحبيب القديم تحت جناح الليل الأسود الشرير؟ .. إنها تستطيع أن تتفق معه على الموعد بالإشارة! .. ما أتفه عقول النساء اللائي يفتتن بالمظاهر الكاذبة، بالشعر المموج على رأس فتى مثل فؤاد والقوام الفارع، والدم الذي يكاد ينط من وجنتيه. ترى ماذا سيفعل لو وجد الليلة غريمه المخنث فى فراش زوجه؟ إنها تستطيع أن تُدخله الدار دون أن يراه أحد، والطفلة لن تدرك مما يدور حولها شيئاً.
    وأحس عندما تصور منظر الطفلة وابتسامتها البريئة بالهواء يمر باردا على وجهه ليخفف من وطأة الحرارة والعرق، لكنه تعثر بحجر فى الأرض عثرةً كادت تسقطه على وجهه، وسرح بعينيه عبر حقول البرسيم التي بدت الآن أكثر لمعاناً تحت أشعة القمر المتعثر بين دروب السحاب، واستقر بهما فوق سطحه لحظةً ثم مد بصره نحو القرية التي بدت من بعيد بقعةً مظلمةً تنبعث من خلال سوادها أشعة مصباح حمراء تبدو على ارتفاعها كعين جني ساهر.
    ولمعت فى رأسه فكرة. كم تمنى وهو بعيد عنها لو أن له جناحين سحريين ينطلق بهما فى لحظه من الليل ليقف تحت شباكها مستترا بالظلام لينظر من شق هناك فى المصراع الأيمن للنافذة ليراها ويتأكد أنها وحدها وليس معها رجل، وكم مرة تصور فى يده مطواته الكبيرة قرن الغزال وقد انهال بها طعنا فى جسد زوجته الجميلة التي تخيلها تعانق عاشقها المخنث.
    كانت هذه الأوهام تراوده كثيرا، لماذا لا يجعل منها حقيقة؟، لن يدع أحداً يراه قرب الدار، ولن يقرع الباب، سيذهب توا إلى النافذة القريبة لحجرة زوجته التي تطل على الحقل، وسيمكث ساعةً أو أكثر من ساعة عله يضبطها، تلك الشريرة التي تلبس ثوب الملاك، سوف ينتقم لشرفه!
    ونبح كلب على سطح احد المنازل فى أول الكفر عندما لمح شبح القادم على الطريق، وتبعته عاصفةٌ من النباح لم يحفل بها كمال، ومضى فى سبيله إلى الدار.
    ومن خلال شق ضيق فى المصراع الأيمن للنافذة القريبة لحجرة زوجته رأى كمال وخفقات قلبه تصم أذنيه كأنها دقات مطرقة ثقيلة، رأى زوجته شبه عارية على السرير النحاسي الأصفر وعلى صدرها يركض جسم صغير لطفلة تضحك بصوت مرتفع، والأم تلقنها بين عبارات التدليل (كمال كمال جميل جمال يا رب تيجي بالسلامة يا كمال).
    وبسرعة اتجه كمال إلى باب الدار وقرعه فى لهفة، واستقبلته أمه بالدعاء، وفرح أبوه (بالبلغة) الجديدة وعكفت الطفلة على قطع الحلوى تلتهمها.
    وبعد السهرة وجد كمال زوجته بسيمة تسبقه إلى حجرتها وتنتظر فى حياء، وأغلق الباب وبين أحضانها أحس بدافق من الحرارة صهر كل شكوكه وآلامه.
  • 24/03/2009, 04:29 PM
    د. حسين علي محمد

    رد: نص المجموعة القصصية «قطعة سكر» لبدر بدير

    *قطعة سكر*
    .............

    كان الوقت ظهرا والجو حارا خانقا قالت "سيدة" لنصف دسته النساء اللاتي يحطن بابنها المريض، وقد لبسن الثياب السود ورحن يتفنن فى ابتكار أساليب الدعاء للمريض بالشفاء ولأمه بعدم حرق كبدها على وحيدها العزيز صاحب العيال الثلاث الذين يلعبون حول الجمع الأسود الحزين فى غير مبالاة، بينما جلس بعض الرجال من أقارب المريض .. يصب أحدهم بين الحين والآخر قطرات الماء على جبين الرجل الراقد فى الوسط يعانى آلام المرض المزمن بالمثانة الذي اشتدت وطأته عليه فى الأيام الأخيرة.
    الجو حار خانق قالت الأم لمن حولها بصوت متهدج (وسعوا شوية يا جماعة إلهي متشوفوهاش فى دوركم) ومسحت بطرف ثوبها الأسمر قطرات من العرق الذي تجمع على جبينها ورقبتها السمينة القصيرة مختلطا بقطرات من الدموع، وتنهدت تنهيدة طويلة ونادت زوجة ابنها، وأمرتها أن تبل قطعة السكر التي فى الصندوق الكبير ثم تعصر عليها ليمونه للعزيز المريض.
    وسمع أكبر الأولاد ذو الخامسة من عمره هذا الحديث الذي دار بين جدته وأمه، وفى خفة ورشاقة نفض التراب الذي كان يعبئه فى حجره ليعمل منه غيطا صغيرا مع إخوته أمام الدار وتسرب خلف أمه التي لم تحس به إلا فجأة، وهي تكاد تضع قطعة السكر في العلبة الصفيح لتصنع لزوجها الشراب.
    نظر الولد إلى أمه فى رجاء ولم يتكلم .. نظرت المرأة إلى الطفل ثم إلى خارج الحجرة .. تأكدت أن أحداً لا يراها، وبسرعة كسرت قطعة السكر ووضعت منها جزءا فى جيب ابنها الذي قفز فرحا وقبضت على أذنه بأصابعها الرفيعة وهمست (إياك أن يشوفك احد.. أنت سامع؟ .. على بره على طول).
    وطار الولد إلى الشارع وفى جيبه قطعة السكر. وضع يده فوقها غير مصدق انه يملك الآن هذا الكنز الثمين .. وفي طريقه إلى الشارع قفز الولد بين أخويه الصغيرين كالعصفور متجها إلى مصطبة خالته ليأكل غنيمته فى أمان.
    ورآه الصغيران وهو يجري لكن أحدا منهما لم يفهم سر الفرحة التي تبدو على وجهه غير مصطفى الذي يصغره بسنة واحدة .. ذلك الماكر الذي يجري في شوارع البلد طوال النهار حافى القدمين عاري الرأس بجلبابه الصفراء اللذيذة التي تحتاج إلى الغسل منذ ثلاثة أيام، وهو دائما فى شجار مستمر مع جوده ابن جارتهم وغيره من الأولاد فهم مصطفى الصغير ما يجرى حوله، وبمكر همس فى أذن أخيه الأصغر الذي كان يشاركه اللعب ( ولد .. ولد.. أمك معاها سكر).
    وما كاد يتم الكلمة الأخيرة حتى جرى الصغير إلى أمه حتى كان مصطفى الشقي قد لحق بأخيه الكبير هناك عند مصطبة خالته، وفى الوقت الذي كانت فيه جرعات الشراب تحل محل روح المريض شيئا فشيئا كان مصطفى يقف فى تذلل مصطنع أمام أخيه القابض بيده على قطعة السكر بعد أن أخرجها من جيبه وهو يقول (هات حتة عشان لما أمي تديني سكر أبقى أديك) ورد الولد الشره (خلاص يا سيدي السكر خلص وأبوك ربنا حيشفيه).
    وتهدج صوت مصطفى الماكر بإخلاص هذه المرة وهو يقول (لما يمرض مرة تانية أبقى آخد منها وأديك).
    وفى اللحظة التي صرخت فيها الجدة سيدة معلنةً وفاة ابنها صاحب العيال الثلاثة كان أحد هؤلاء الأطفال يصرخ ويتمرغ فى التراب لأن أخاه الشره لم يشأ أن يقتنع بحجته، والتهم قطعة السكر دفعةً واحدةً دون أن يعطيه منها ذرةً.
  • 24/03/2009, 04:06 PM
    د. حسين علي محمد

    رد: نص المجموعة القصصية «قطعة سكر» لبدر بدير

    *فرصة سعيدة*
    ................

    كان الأستاذ أحمد عبد المنعم مستلقيا على مقعده الوثير فى احد دواوين الدرجة الثانية بالقطار المتجه من أسوان إلى القاهرة والهواء يندفع من النافذة المفتوحة فيلطف قليلا من حرارة الجو فى ظهيرة أحد أيام شهر يونيه القاسية.
    لم يكن الأستاذ أحمد قد رأى القاهرة منذ تركها للمرة الأخيرة حين عين مدرسا للمواد الاجتماعية فى إحدى مدارس أسوان الإعدادية، وهو اليوم راجع إلى القاهرة بعد بضعة شهور من الحنين لأهله وبيته، إلا أنه لم يكن منشرح الصدر إلى الدرجة المنتظرة فى مثل ظروفه، ولم السرور والمرح؟ وماذا ينتظره بالبيت بعد اللقاء الحار الذي ينتظره بالبيت وإخوته الصغار؟ ثم تعود الحياة فى عمره رتيبة فارغة قلقة؟
    وانتبه الأستاذ احمد على وقع خطوات فى الطرقة التي أمام الديوان الذي يشغل أحد مقاعده، وارتفع صوت عامل البوفيه يعلن عن الشاي والكوكاكولا المثلجة. وابتعد الصوت وعاد أحمد إلى الملل الذي ينشر جناحيه الأسودين فى صدره، مع ضجيج عجلات القطار وهى تحتك بحديد القضبان .. ثم بدأت هذه الأصوات المختلطة تغيب عن سمعه شيئاً فشيئاً حتى أحس هذه اللحظة بالوحدة التي لم يحس بمثلها منذ ركب القطار من أسوان، إنه دائما وحيدُ ُ حتى فى القطار ليس له رفيق!!
    إن الذين يعرفهم جميعا لم يكن من بينهم الإنسان الذي يستحق المكانة الصادقة من قلبه. إنه رجل كل عيبه أنه يهتم باللباب فى كل شيء، لا يميل إلى المظاهر الفارغة التي تجذب إليها معظم من يعرفهم من شبان! حتى الحفلات الترفيهية التي كانت تقام فى الكلية أثناء الدراسة لم تكن تستولي على مشاعره بما فيها من مظاهر الترف!
    كان يطرب طربا لا حد له لسماع قصيدة عاطفية يلقيها زميل فى إحدى الندوات، أو قطعة موسيقية، أو أغنية عميقة المعنى .. ولذلك كان يحس بحجاب غير رقيق يفصله عن معظم الناس، ومن هنا كان إحساسه بالوحدة والحرمان، وحاجته إلى من يملأ عليه هذا الفراغ، ولكن أين هذا الإنسان المنشود، أين الفتاة التي تفهم فيه هذا العمق، ويرى فيها ما لم يره فى الكثير من الزميلات؟ إنه يخشى أن تمر الأيام دون أن يلقى هذه الفتاه التي تستطيع أن تملأ حياته.
    وأحس فى هذه اللحظة بالجو يضيق ويتلوى ف صدره كالنصل الحاد، وشعر برغبة شديدة في أن يبرح مكانه، وقام فى كسل ونظر من النافذة، وأخذ من الهواء اللطيف نفسا ملأ رئتيه، وأحس بارتياح لمنظر الشريط الأخضر من النباتات التي يجرى فى وسطها القطار.
    وارتفع صفير القاطرة فجأة، وبدأت سرعة القطار تخف، واقتربت إحدى المحطات .. إنها محطة الأقصر الجميلة، وبين زحمة الركاب، وضجيج الباعة والمودعين نسي الأستاذ أحمد نفسه.
    وتحرك القطار، ولأول مره منذ زمن بعيد يحس الأستاذ أحمد بارتياح لقد رأى شيئا من العمق فى تعبيرات وجوه الناس وهم يودعون بعضهم بعضا، إنه دائما يحب هذه المواقف التي يلمس فيها الصدق والإخلاص فى تصرفات الناس.
    لقد ازدحم القطار فليجلس على مقعده حتى لا يستولي عليه أحد الركاب الذين يعلو ضجيجهم فى الطرقة، وأدار ظهره إلى النافذة ليجلس فى صمت عميق.
    رد الأستاذ أحمد (مساء الخير) وهو ينظر فى أدب إلى فتاة رقيقة تحمل حقيبة كبيرة تحاول فى جهد أن تضعها فوق الرف، وبدون أن يدرى خفض عينيه اللتين التقتا بعينيها فجأة، وحمل عنها الحقيبة ووضعها فى مكانها بجوار حقيبته، وأحس بارتياح، وهو يجعل الحقيبتين تلتصقان، وتحسسهما للمرة الأخيرة، وتوقفت يداه لحظه فوق حقيبتها وراح يحدق فى وجهها دون أن يدري أن عينيها عميقتان وهذه الابتسامة تحمل من الأمل أكثر مما تحمل من الرقة، لقد رأى فيها شيئاً جديداً، صحيح أنه لم يستطع أن يحدد ذلك الجديد فى هذه اللحظة الخاطفة، ولكنه متأكد أنه لم ير ذلك الشيء فى فتاة أخرى .. ورفع يديه بسرعة عن الحقيبة والتفت إليها، فقد سمع صوتها تشكره ..
    ـ العفو يافندم هذا أقل ما يجب.
    وجلست على المقعد المقابل، وأخرجت من حقيبة اليد الكبيرة كتاباً، وراحت تقرأ فى سكون، إنها تقتل الوقت بالقراءة، إنها لا تقطعه فى النظر إلى مرآة أو مجله هزلية مصورة.
    ألم أر فيها شيئا جديدا من أول لحظة؟
    وابتسم الأستاذ أحمد وهو يقول:
    ـ إلى أين إن شاء الله؟
    ورفعت رأسها عن الكتاب، بابتسامة خجلة أجابت:
    ـ مصر ..
    وغرق الأستاذ أحمد في عينيها لحظة، وأحس بقلبه يدق فى عنف ..
    ـ فرصة سعيدة .. أنا أيضاً مسافر إلى مصر.
    وقبل أن يكمل عبارته سمع صوتا رقيقا كصوت الأطفال.
    ـ السلام عليكم .
    التفت أحمد إلى مصدر الصوت وهو يرد التحية، ثم حول عينيه فجأة تجاهها فوجد على شفتيها نفس الابتسامة التي كانت على شفتيه لمنظر الرجل الضخم صاحب الصوت الرفيع الذي لم يتناسب مع جسمه الكبير وكرشه البارز، ثم ابتسم مرة أخرى عندما تلاقت عيونهما على وجه الرجل الضخم الذي كان يغط فى نومه بعد مدة لا تتجاوز الدقائق من استقراره على مقعده.
    ـ حضرتك من مصر؟
    - نعم .. ومدرسة بالأقصر.
    - مدرسة؟! .. أهلاً وسهلاً، وأنا أيضاً مدرس بأسوان.
    ومضى الوقت فى حديث لطيف، إنه لم يعد يحس بالملل الذي كان يحاصره منذ وقت قصير! كم هو سعيد بهذه الفرصة، لقد أحس نحوها إحساساً لم يتعوده من قبل، ونظر إليها بعطف وقد أسندت رأسها إلى الوراء وغابت فى النوم، وتمنى لو كانت تسند رأسها على صدره، ولو أن هذا الليل الساكن كان ينشر جناحيه عليهما فى عش سعيد!
    نعم إنها العصفور الذي يسعد العش الذي طالما حلم به منذ زمن بعيد، لكن ترى ماذا يكون موقفها منه؟ هل أحست به؟ وهل من الممكن أن تربط الظروف قلبه بقلبها هكذا بدون ترتيب وإلى الأبد؟ تراها تحلم الآن به أم بفارس آخر تسافر على أمل أن تلقاه هناك، فيطفئ كل منهما بين أحضان الآخر نار الشوق التي أشعلتها هذه الشهور من العمل المرهق؟
    وأحس فى هذه اللحظة بضيق يخنق أنفاسه، ولكنه أبعد عن نفسه هذا الخاطر المزعج .. لقد رآها تسترق النظر إليه فى حنان، إن قلبه يحدثه أنها تكن له من المشاعر مثل ما يكن لها. إنه يثق فى قلبه، إنه لم يكذبه مرة واحدة فى حياته، إنه يذكر الآن صوت أمه وهى تحثه على أن يختار بنت الحلال لتكتمل فرحتها به
    وأغلق أحد الركاب إحدى النوافذ بقوة فأحدثت فجأة صوتا عاليا فانتبهت رجاء من غفوتها وتقابلت عيناها بعيني أحمد الذي قرأ فيهما مرة أخرى ما كان يتمنى وأغمضت عينيها لكنها لم تكن نائمة هذه المرة، كانت تفكر وأعصابها فى شبه خدر لذيذ، أن نظراته تنطق لغةً أخرى لم تتعودها فى عيون الآخرين.
    تُرى هل تعلق بها؟ ماذا سيكون مصيرهما بعد دقائق عندما يقف القطار فى محطة القاهرة ويمضى كل واحد فى طريقه؟!!
    وهدأ القطار من سرعته واستيقظ المسافر الضخم وقال بصوته الرفيع الحاد (الحمد لله على السلامة) ونزل المسافرون، وعلى رصيف المحطة وقف أحمد ورجاء معا ينتظران حاملاً لنقل الحقائب، وفجأة ارتسمت على ثغريهما دهشة وحيره رائعة الجمال وترقرق شيء لامع فى عينيها الصامتتين عندما رأت سيده رائعة الجمال تجرى نحو أحمد وتعانقه فى حرارة وطفل صغير يتعلق بظهره من الخلف صائحاً (بابا .. بابا ) فضحك أحمد من قلبه حين رأى هذه التعبيرات الحزينة تتلاشى من على وجه رجاء بعد أن قدم لها أخته الكبرى سعاد وأخاه الصغير سامي الذي يدعوه ببابا لأنه ولد بعد وفاة أبيهم بشهور، وشد أحمد على يد رجاء فى حرارة وهو يودعها قائلاً:
    ـ سأراك غدا إن شاء الله فى بيتكم.
    ـ لن تكون وحدك.
    ـ معي أمي وأخي بالطبع.
  • 24/03/2009, 04:05 PM
    د. حسين علي محمد

    رد: نص المجموعة القصصية «قطعة سكر» لبدر بدير

    *خروفان*
    ...........

    قام عبد المقصود إلى الترعة المجاورة فغسل يديه وفمه بعد أن تناول عشاءه ولم باقي الجبن وكسر الخبز الجاف فى الطبق الصغير المصنوع من خوص النخيل وعلقه فى غصن شجرة التوت التي تغطى أغصانها وظلالها المكان. وفى إناء صغير من الفخار أشعل بعض الأغصان الجافة وعلى ألسنة النار المتصاعدة أعد لنفسه كوباً من الشاي، وصعد سلمتين وأصبح فى حجرته الصغيرة التي بناها بنفسه وبمساعدة زوجته سميحة من طين الترعة فوق حظيرة الماشية على رأس حقله الذي يبعد عن القرية أكثر من نصف ساعة مشياً على الأقدام.
    واستقر عبد المقصود فوق الحصير الذي يفرش أرض المكان وراح يرشف الشاي فى ملل وتنهد بين لحظة وأخرى.
    كانت الدنيا ليلاً وأغصان شجرة التوت تهتز مع نسمات هادئة تتشابك فوق رأسه فتكون بمثابة سقف أخضر للحجرة البسيطة، ورغم ذلك فقد أحس بالحر يضايقه، فخلع جلبابه وأسند ظهره إلى الحائط فى كسل، وعيناه تسرحان عبر حقول القطن الناضجة التي بدت لوزاته المتفتحة البيضاء الكثيرة كنجوم السماء.
    لم تكن هذه هي الليلة الأولى التي يبيتها عبد المقصود فى هذا المكان بحجة حراسة محصول القطن فقد تعود منذ أكثر من أسبوعين أن يبيت هنا وحده ، فيقضى أكثر الليل ساهرا تسيطر عليه الهموم التي لم يكن يحب أن يعلنها أبدا لمخلوق حتى ولو كان هذا المخلوق زوجته العزيزة سميحة. ومد يده فتناول (قلة) الماء فشرب جرعات قليلة لم ترو ظمأه، لقد كانت آخر شربة فى القلة، لقد نسيت البنت أن تملأها من البلد.
    ـ لا يهم إنها لم تزل صغيرة، لا لوم عليها .. إن عمرها لا يزيد عن عشر سنوات ومع ذلك فهي تحمل له كل يوم الغداء والعشاء من البيت إلى الغيط، وتنهّد عبد المقصود فى حيرة .. نعم عشر سنوات عمر ابنته فكيهة أولى بناته من زوجته العزيزة سميحة.
    وتحرك عبد المقصود من مكانه، ومد يده فانتزع حصاة صغيرة من تحت الحصير كانت تخزه، فرماها وعاد إلى أفكاره التي اعتاد أن يغرق فيها كل ليلة فى هذا المكان.
    (إحدى عشرة سنة قضيتها مع سميحة كانت مليئة بألوان من الأفراح والهموم، كنت أحلم بها قبل الزواج فحقق الله لي الحلم لكن الحلم الآخر لم يتحقق، كنت أتمنى أن تلد سميحة لي ولدا جميلا أسميه عنتر أقبله من شعر رأسه إلى قدميه الصغيرتين كل صباح، وأرعاه حتى يكبر ويصبح شابا قويا يشاركني أعمال الغيط أو أربيه فى المدرسة كأبناء الأعيان حتى يصير ضابطا تهتز له البلد عندما ينزلها زائرا بملابسه الحكومية، لكنها ولدت بنتاً، كانت صدمةً لي، لم أكن انتظرها.
    فى الحقيقة كانت صدمةً له، وليس ذلك لكونه رجلا جاهلا ساخطا على قضاء الله، وإنما لأنه كان قد خلق بخياله المشتاق صورةً لابنه المنتظر طوال شهور الحمل وراح يحركها ويجسمها ويعيش معها وقت فراغه وعمله، حتى أصبحت جزءا من حياته.
    وتذكر عبد المقصود صوت أمه العجوز وهى تقبل عليه فى فتور بعد أن خرجت من عند زوجته بعد الوضع الأول وهى تقول بصوت منكسر (تتربى فى عزك يا ابني).
    وبعد جهد روض عبد المقصود نفسه على تقبل الوضع الجديد وأصبح راضيا بحظه! .. وكلما مرت الأيام ازدادت محبته لطفلته الصغيرة، وكبر أمله فى أن يكون المولود الثاني ولداً، وفى العمر متسع لتحقيق الآمال.
    ومرت سنة وثانية وثالثة ولم تحمل زوجته، وكان عبد المقصود يحس كلما مرت الأيام دون أن يتحقق أمله أنه يسير وحده فى طريق موحش كئيب، وازداد قلقه فكاشف امرأته بقلقه عليها وبرغبته فى مولود جديد.
    ـ يجب أن نعرضك على طبيب يا سميحة.
    ـ لا مانع عندي ..
    ـ إلى متى سننتظر؟
    ـ ربنا يعمل الطيب.
    ويذكر عبد المقصود كيف سافر مع زوجته إلى المركز وكيف كشف عليها الطبيب وأوصى بالحقن وغير الحقن من ألوان الدواء .
    وكم كانت فرحته عندما أخبرته سميحة ذات يوم أنها حامل. لقد عاش فتره من أسعد فترات حياته مع الأمل الحلو مع صورة ابنه القوي الجميل عنتر!
    ومرت شهور الحمل الثاني المتثاقلة بطيئة، وبلع عبد المقصود ريقه عندما وصل إلى هذه الدرجة من التفكير فقد تذكر للمرة الثانية صورة أمه وهى تقبل عليه خارجه من حجرة زوجته بعد الولادة الثانية وهى تكرر هذه العبارة الثقيلة:
    (تتربى فى عزك يا ابني).
    وابتسم عبد المقصود فى مرارة وهو ينزل الدرجتين اللتين توصلانه إلى الأرض، وراح يمشى صوب حقل القطن دون هدف اللهم إلا ليقطع على نفسه بقية ذلك الحمل الثقيل من التفكير الذي حفظ كل جزء فيه لكثرة التكرار.
    ورغم ذلك فإنه لم يستطع، لقد ألحت بقية القصة عليه إلحاحاً شديداً، وأبت أن تفارق خياله وكأن صوتا ثقيلا يأتيه من بعيد من أعماق نفسه ( يجب أن تجد حلا يا عبد المقصود .. يجب أن يكون لك ولد، يحمل اسمك ويفتح بيتك من بعدك).
    إنه نفس الصوت الذي سمعه من قبل، صوت أمه بعد أن قالت له عباراتها البغيضة للمرة الثالثة (تتربى فى عزك يا ابني) .. نعم .. أصبح الآن أباً لثلاث بنات، ورغم أنه يحب البنات الثلاثة من قلبه إلا أنه لم يزل شديد الشوق للصورة التي خلقها خياله للولد الذي يتمناه.
    وراح عبد المقصود يسير ببطء بين خطوط القطن الناضج، ولم يثنه منظر اللوزات البيضاء المنثورة على أطراف شجيرات القطن عن التفكير، فتوقف عبد المقصود وقد ندت عنه ضحكه ساخرة قصيرة، وهمس لنفسه بعدها:
    ما شاء الله المحصول يفرح، وتذكر زوجته سميحة وهى تمشى بجواره ذات يوم وهى تنظر إلى اللوزات المتفتحة فى سرور:
    ـ إن شاء الله نكسو البنات هذا العام ذهبا وحريرا يا عبد المقصود.
    ـ إن شاء الله ونعمل حسابنا على أربع بنات .. أليس كذلك؟
    ونظرت إليه سميحة عاتبه باكية:
    ـ أنت تسخر مني يا عبد المقصود؟ .. أتمنى هذه المرة أن يكون ما فى بطني الآن ولدا لكن الله وحده يعلم الأسرار.
    وانسحبت من جانبه عائدة إلى الدار.
    ومن يومها لم يرها وهو يعيش فى الغيط على نار بحجة أنه يحرس المحصول، وهو فى حقيقة الأمر يعلم أنه يهرب من الواقع .. إنه يعلم أن امرأته حامل للمرة الرابعة وقد أوشكت أن تضع بعد أيام .. إنه لا يطيق أن ينتظر فى الدار حتى تلد، وحتى تقبل عليه أمه وتكرر على سمعه للمرة الرابعة العبارة الكريهة (تتربى فى عزك يا ابني)!
    ومع ذلك من يدري؟!، الله وحده يعلم الأسرار.
    ورجع عبد المقصود أدراجه إلى حيث ينام، وسوى فراشه ونظر فى ساعته .. إنها الثانية عشرة، وقبل أن يضع رأسه على الجلباب التي كومها تحت رأسه فيما يشبه الوسادة سمع نداء طفلته من بعيد.
    ـ يا بنت يا فكيهة.. تعالي يا بنت .. تعالي بسرعة.
    هب عبد المقصود وجرى إلى ابنته التي كانت تثب بسرعة على الطريق تحت ضوء القمر الذي ظهر حديثا فى الأفق.
    ـ ماذا جرى يا بنتي؟
    ـ أمي.
    ـ مالها؟
    ـ تلد ..
    ـ ماذا يا بنت؟
    ـ إنها ستموت إذا لم يحضر الطبيب هكذا قالت خالتي أمينة المولدة.
    - تموت؟ لا .. لا قدر الله ..لا قدر الله.
    وأسرع عبد المقصود مع ابنته إلى البيت، لقد اكتشف فى نفسه شيئاً جديداً، لم يعد يفكر فى الولد، إنها فكرة واحدة تسيطر عليه، امرأته التي تقف أمام الموت وجها لوجه إنه يريدها هي .. هي فقط ولتذهب المولودة الجديدة إلى حيث لا رجعة.
    وأسرع عبد المقصود إلى البندر، وقبل أن تدق الساعة الواحدة كان عائداً مع الطبيب فى عربته.
    ـ أرجوك يا بك تنقذها ..
    ـ ربنا يسهل ..
    وراح عبد المقصود يسير فى وسط الدار ذهاباً وإياباً فى قلق زائد.
    يا رب أنقذها من اجل البنات .. لله على نذر إن قامت وولدت بالسلامة لأذبحن خروفاً للمساكين.
    وبعد ساعة كاملة من القلق فتح الباب وخرجت أمه مسرعةً وكأنها عادت شابة من جديد، واندفعت إليه وهى تصيح:
    ـ مبروك يا عبد المقصود .. مبروك يا ابني .. سميحة ولدت بالسلامة .. ولدت يا بني.
    ـ ولد؟
    ـ ولدين يا عبد المقصود، ولدين اثنين!.
    وجرى عبد المقصود إلى زوجته وركع إلى جوارها.
    وتساقطت من عينيه دمعتان دافئتان، وهمست زوجته فى أذنيه:
    ـ إن شاء الله نكسو البنات هذا العام ذهباً وحريراً يا عبد المقصود.
    ـ ونذبح خروفين للمساكين يا سميحة ..
    ـ خروفين اثنين؟!!
  • 24/03/2009, 04:04 PM
    د. حسين علي محمد

    رد: نص المجموعة القصصية «قطعة سكر» لبدر بدير

    *عقب سيجارة*
    ................

    كنت أتنفس السعادة في النسيم الرقيق الذي يمر عبر النهر فيما نعد الأمواج فيعانق الراقصة ثم ينساب إلى وجهي نديا فأملأ رئتي منه في ارتياح .
    كنت أسمع لخطواتي وقعا موسيقيا وأنا سائر ببطء على الكورنيش آخذ النفس بعمق من سيجارة وأنفثه في الهواء وقد رفعت رأسي قليلا وأنا انظر عامود الدخان الرفيع الذي يندفع من فمي ثم يضيع مع النسمات الرقيقة .
    كنت مستغرقا في إحساسي بالسعادة حتى لم أعد ألحظ شيئا حولي اللهم إلا صفا به بعض شجيرات الزهور التي تتمايل في كسل مع هبات الرياح الهادئة، وطرق سمعي صوت خفيف لحذاء يدب صاحبه خلفي وكأنه يبذل مجهودا كبيرا ليتمكن من جذبه على الأرض دون أن ينخلع من قدميه لاتساعه، ونظرت خلفي لأرى رجلا نحيلا يتبعني عن قرب، واستأنفت سيرى لأصل في ميعادي وسرح فكرى مره أخرى وتصورتها في ثوبها الجميل الذي أهديته لها عندما قابلتها في المرة الأخيرة، منذ ذلك اليوم لم أرها، ولم اقرأ أحلامي الحلوة في عينيها الزرقاوين الجميلتين، وأخذت صور الليالي الماضية تتوالى على مخيلتي: الغرفة التي أسكنها مع زميلي على سطح إحدى العمارات الأنيقة في شارع النيل، والمكتب الذي أجلس إليه لأستذكر محاضرات اليوم المنقضي على ضوء المصباح الكهربائي المدلى من السقف والذي تعلوه ورقة مستديرة صنعها له زميلي فخري الذي يستلقى دائما على سريره المقابل لسريري وقد اسند ظهره إلى المخدة ويروح يلقى على مسامعي أنواعا من الفكاهات اللاذعة .
    وأخذت نفسا من سيجارتي وتلفت حولي .. لم يزل الرجل يسير على بعد خطوات قليلة من خلفي، إنى المح هذه المرة عصا طويلة في يده، إنه ينظر إليَّ في فضول ولكنه أشاح بوجهه عنى عندما التقت عيناي بعينيه اللتين تلمعان في ضوء الشارع الشاحب كما تلمع سيجارتي هذه التي وصلت النار إلى قرب منتصفها لماذا يتبعني هكذا في هذا الشارع الخالي إلا من رجل يقابلني بين فتره وأخرى؟ لماذا لا يسرع فيسبقني أو يبطئ الخطو فيبعد عني؟ إنني لا أرتاح لهذه العصا الغليظة التي يحملها في يده أتراه يعلم أن حافظة نقودي تضم بعض جنيهات أرسلها الوالد من البلد لتكون ذخيرة وعتادا طوال الشهر؟ وتحسست جيبي فإذا بالحافظة ترقد به في أمان.
    لكن هل من الرجولة أن يخشى شاب مثلي سطو هذا الشبح الهزيل الذي أستطيع أن أصرعه في ثوان إذا بدرت منه بادرة شر رغم أنني لست على قدر كبير من القوة البدنية ؟
    وابتسمت في سخرية من نفسي بعد أن أعرت هذا المسكين من اهتمامي أكثر مما ينبغي فحرمت نفسي متعة التخيل للمقابلة القريبة مع فتاة أحلامي الجميلة ومضيت في طريقي وعادت الصور إلى خيالي: سوف أقبلها الليلة مهما كانت الظروف .. نعم سأقبلها وأضمها إلى صدري في لهفة وشوق، فلا يمكن أن انتظر أسبوعا بين أكداس الكتب وإرهاق الامتحان دون قبل، إنها زادي وقمة سعادتي. ولن تضيع الفرصة بين ترحاب الوالد . وثرثرة الوالدة سأختطف قبلتي كما تعودنا هي وأنا على باب الشقة فهي تعرف الطريقة التي أدق بها الجرس مره طويلة تتبعها مره قصيرة بعدها تندفع إلى الباب لتفتحه قبل أى إنسان ثم تقف أمامي وقد تشبثت عيناها الجميلتان بعيني فأضمها لنغيب في قبلة حذرة قصيرة صامتة.
    وأحسست بطعم القبلة على شفتي فتحسستهما بلساني ورفعت السيجارة وضغطتُ على طرفها الأحمر بشفتي برفق وتؤدة وسحبت نفساً عميقاً.
    ومرت عربة أنيقة فارهة يميل سائقها المترف على حسناء جميلة في قبلة خاطفة وتألقت المصابيح فانعكس نورها على صفحة الماء فكان المنظر رائعاً. ما أسعدني هذه الليلة!! دعوت الله أن تكون هناك .. وأن تفتح هي الباب لأحظى بحلاوة اللقاء، ترى ماذا سيكون شعورها عندما تسمع رنة الجرس التي تعرفني بها؟!
    ماذا سيكون مصيري لو كانت سافرت لزيارة أخيها في الإسكندرية؟ وأحسست في هذه اللحظة بضيق وشعرت بالحرارة تتسرب إلى أصابعي بقوة . . إذاً فليكن النفس الأخير .. إن هذا الملعون لم يزل يتبعني ولكنه يزداد اقترابا منى ويزداد صوت جر حذائه على الأرض هل يمكن أن يسير كل هذه المسافة خلفي مصادفةً، لابد أن يكون في الأمر شيء! سأكلمه بعنف وأسأله عن وجهته ولماذا يتبعني لكن بعد هذا النفس الأخير!
    وأخذت نفسا طويلاً ووقفت فوقف الرجل، واستدرت له وأخذت ما تبقى من السيجارة في نفس آخر وعيناي تقدحان بالشرر، وحرقة الدم أحس بها في وجهي ثم ألقيت بالعقب في الماء اللامع بين الأمواج الراقصة، وإذا بي أسمع من الرجل شهقة مكتومة كمن وخزته إبرة وهو ينظر في الاتجاه الذي استقر فيه العقب على صفحة الماء، وقبل أن أفيق من دهشتي كان الرجل قد تمتم بكلمات لا أفهمها وقفل راجعاً.
  • 24/03/2009, 04:01 PM
    د. حسين علي محمد

    رد: نص المجموعة القصصية «قطعة سكر» لبدر بدير

    المحتويات:
    1-ركن في عربة.
    2-عقب سيجارة.
    3-خروفان.
    4-فرصة سعيدة.
    5- قطعة سكر.
    6- شق في الشباك.
    7- حبان.
    8-رسالة
    9-قلوب بيضاء.
    ..................

    *ركن في عربة*
    .................

    الساعة الثالثة ظهرا. تحركت العربة بحملها الثقيل ، وأخذت تشق طريقها في شوارع المدينة الصغيرة ، متجهة إلى الطريق الزراعي المرصوف المؤدى إلى مدينة الزقازيق ، وراح الكمساري يسعى بصعوبة بين الواقفين بالطرقة في زحام شديد القلم بيده اليمنى يؤشر به في سرعة وثقه على الأوراق التي يقطعها ويسلمها للركاب بعد أن يقبض منهم الثمن، وهو لا يكاد ينتهي من راكب حتى يبدأ مع راكب آخر ،وهو بين فتره وأخرى يضرب بنهاية القلم سقف العربة أو على اللوح الخشب المثبتة فوقه رزم التذاكر مناديا بصوته المرح ( ورق ..ورق يا أفنديه .. ورق) ويبتسم بعض الرجال الذين انتهوا من إجراءات الدفع ،بينما يهم آخرون بإخراج نقودهم من جيوبهم استعدادا للدفع وتحاشيا لقفشات الكمساري اللاذع اللسان.
    _( و الباقي يا أخ ) يعلو بها صوت أحد ثلاثة شبان وقفوا متجاورين بالطرقة بعد أن تسلم تذكرته وقدم للكمساري ورقة مالية من فئة الجنيه.
    _ بعدين لما تفرج بالفكة.
    _ اكتب الباقي على ظهر التذكرة أحسن أنا عارفك من زمان تحب تنسى.
    وتعلو ضحكة الشبان الثلاثة معلنة النصر على الكمساري الذي لا يفلت أحد من قفشاته اللاذعة، ويغيب الكمساري بين الزحام، لكن صوته المرح وصفارته الحادة، ونقرات قلمه الفجائية على سقف العربة أو على لوحته الخشبية لا يغيب وسط الأصوات المختلطة في زحام العربة المسرعة، وهو كلما انتقل من ركن إلى ركن في العربة أحدث ضحكا ومرحا تتجاوب له الأركان الأخرى بابتسامات على الوجوه التي يبدو بعضها راضيا وبعضها ساخرا، وبعضها مشاركا بلا معنى أو هدف إلا ذلك الوجه الذي لا يظهر للناس ما يرتسم عليه من اختلاجات وانفعالات لأن صاحبه قد تهالك في مقعده وثنى ساعديه وثبتهما على مسند المقعد الذي أمامه وانحنى بظهره ملقيا رأسه فوق ساعدي وقد بدا وكأنه يغط في نوم عميق، بحيث لا يرى الآخرون منه إلا حلته العسكرية ، التي تغطى جسده المرهق.
    وتوقفت العربة في إحدى المحطات ، ولم ينزل احد، وصعد عدد آخر من الرجال وسيدتان أنيقتان يبدو أنهما عائدتان إلى المدينة بعد انتهاء اليوم الدراسي ، واشتد الزحام ، وانحشرت السيدتان بين الركاب ،ولم تمر فترة طويلة حتى جرفهما التيار إلى وسط العربة حيث يقف الشبان الثلاثة بجوار المقعد الذي يحتله رجلان احدهم شيخ معمم تبدو عليه إمارات التحذلق وخفة الروح معا، والآخر هو ذلك الجندي الذي يلقى رأسه على مسند الكرسي الأمامي بينما يستند بكتفه الأيسر على جانب النافذة الزجاجي المغلق ، دون أن يلقى بالا إلى ما حوله من ضجة متضاربة الأصوات .
    وتوقفت العربة مره أخرى ، وانحشر عدد آخر من الركاب، وكان من الضروري لتأمين الركاب من إغلاق باب العربة ، ولكي تتم هذه العملية لابد أن يزداد تداخل الأجسام المرصوصة والتصاقها بحيث تنعدم المسافات بين الواقفين ، ويزداد ضغطهم على الجالسين على الجانب الخارجي من صفى المقاعد يمينا وشمالا.
    وتمكن بعضهم من إغلاق الباب ، وتلاشت المسافات وأصبح الشبان الثلاثة في بنطلوناتهم الضيقة وقمصانهم الناعمة ، وشعورهم اللامعة والسيدتان الأنيقتان وبقية الركاب كتلة واحدة متصلة الأجزاء وبدلا من جو المرح الذي كان شائعا في أنحاء العربة ، بدأت العصبية تغلب على تصرفات الركاب فيما عدا ذلك الركن الذي كان أكثر الأركان ازدحاما والتصاقا وتداخلا و الذي يضم السيدتين والشبان الثلاثة والمقعد المشغول براكبين اثنين احدهما الشيخ المعمم والآخر الجندي النائم فقد زادت به نسبة العبارات المرحة والتعليقات المتخففة من القيود إلى حد ما ، وبدا المنظر عناقا غير إرادي وغير منتظم سيدتين وثلاثة شبان ترك كل منهم لنفسه حرية الحركة والسكون حسب قوانين وعلاقات الشد والجذب داخل العربة وكأن لسان حالهم يقول (ما باليد حيله).
    ـ رجلك شوية من فضلك .
    ـ أروح فين يا عم .
    ـ لا مؤاخذه.
    ـ يا سلام يا ناس .!!
    وهكذا كانت التعليقات والهمسات تعلن عن الجو الذي أصبح يسود العربة المندفعة في طريقها بسرعة لا تلوى على شيء.
    يا ساتر يا رب ... مش معقول كده .
    ونظر الشيخ إلى مصدر الصوت الناعم فإذا السيدتان وقد دفعتهما عوامل الدفع إلى جواره ، بحيث أصبح كتفه الأيمن منغرسا بشده في الجزء الأسفل من بطن صاحبة الصوت الناعم المحتج .
    _لا حول ولا قوة إلا بالله مفيش فايدة... هذا قدري .. تفضلي يا هانم وقام الشيخ مستخدما كل قدرته العضلية ليفسح لنفسه مكانا بين الوقوف وليمكن السيدة المجاورة صاحبة الصوت الناعم المحتج من الجلوس بدلا منه .
    ـ هكذا النخوة يا مولانا .
    ـ بارك الله فيك يا سيدنا .
    وهكذا كانت تعليقات الشبان الثلاثة على الموقف في عبارات يفهم منها الشيخ ثناءً على شهامته بينما يبتسم المعلقون ابتسامات ذات معنى آخر ، استقرت إحدى السيدتين بجوار الجندى الذي لم تبد منه أية حركه متجاوبة مع الموقف الجديد خاصة بعد أن لاذت السيدة الثانية بزميلتها وأصبح ضغطها عليها شديدا وبلا حرج مما جعل السيدة الجالسة تزداد التصاقا بجارها الجندي والذي حرك يده اليمنى دون أن يرفع رأسه ، وجذب ( البريه ) من على رأسه إلى الجانب الأيمن أكثر مما كان بحيث أصبح يغطى الجزء الأيمن كله من الوجه والجبهة ثم عاد الى وضعه القديم ، وأصبح هذا السلوك الصامت أمرا شاذا وسط ضجيج الركاب الأمر الذي لفت إليه أنظار الواقفين من حوله .
    أعوذ بالله من الشيطان الرجيم .. لا فائدة .. حاولت حل المشكلة فتعقدت أكثر من ذي قبل .
    قالها الشيخ وهو يحوقل ويستعيذ ويلملم ملابسه ويحاول مستميتا ومخلصا أن يدفع الواقفين خلفه بظهره ليبتعدوا عن جسد السيدة الأخرى و التي وضعها القدر بحكم علاقات الشد والجذب أيضا أمامه .
    _ ولا يهمك يا سيدنا .
    _ الظروف بتحكم ...تعمل إيه ؟
    _ أنت عملت اللي عليك .
    وعادت التعليقات والابتسامات ذوات المعاني مره والخالية من كل معنى مره أخرى وفى حركه مسرحيه غير منتظره نظر الشيخ إلى الشبان الثلاثة من حوله وهو يمط شفتيه في اشمئزاز ويشير بإصبعه إلى الجندي النائم تارة والى السيدة الواقفة أمامه تارة أخرى إشارة تعلن عن الاحتجاج والتقزز وتدعو الواقفين الى مشاركته نفس الشعور.
    ـ فاكر كل الناس زيك يا سيدنا الشيخ ؟
    ـ يا خسارة يا رجالة
    ـ (معلهش) أصل الإجازة كانت أربعة وعشرين ساعة فقط .
    ـ تلاقيه أخدها كلها خدمه .
    ـ يحق له ينام على طول
    ـ سهران طول الليل على الجبهة الداخلية.
    وهكذا أصبحت الهمسات أكثر صراحة ، وأحس الشيخ انه فجر زوبعة، وان الجندي قد تململ في جلسته ، وحرك يمناه ، واخرج منديله الكاكى من جيبه بصعوبة ، ومسح به فمه وانفه من أسفل دون أن يرفع رأسه ، وأشار الشيخ الى مجموعة المعلقين المتحفزين واضعا سبابته على فمه لعله يقطع هذه السخريات التي قد ينتج عنها احتكاك يزيد نظام العربة سوءا على سوء .
    ولكن تحذير الشيخ كان أكثر إغراءا للمجموعة الساخرة فمضى كل منهم يتفنن في ابتكار تعليق جديد ، وتزداد درجة حرارة المرح والسخرية كلما ازداد الزحام وازدادت سرعة العربة ، وأحيانا يقترب الكمساري من الركن الضاحك فيشترك في الحلبة ويدلى بدلوه في النكات .
    _آه آه فرمت صابعي يا سي الشيخ .
    _لا مؤاخذه يابنى ..هانت دقيقتان وكل واحد يروح لحاله .
    وكان لهذه الجملة الأخيرة مفعول السحر في ذلك الركن من العربة المسرعة فانتهت التعليقات ، وهدأت الأصوات ، و تطلعت العيون الى الأرفف التي تكدست عليها الأشياء ، وارتفع صوت :
    - الباقي يا كمساري .. ونادى آخر
    الموقف الأولاني من فضلك.. وهمس أحدهم لجاره - والنبي تبقى تناولني الشنطه دي من الشباك ، وقال الشيخ لجيرانه حمد الله على السلامة يا جماعة.
    _ أهلا هو أنت يا أخي .. مش تبين وشك .. ألف سلامة
    قالها الشيخ مرة أخرى للجندي الذي كان قد رفع رأسه لأول مره وراح يلقى على من حوله نظرة سريعة جامدة ليس لها معنى محدد ، واخرج منديله الكاكي ومسح به هذه المرة آثارا جفت على وجهه لدمعتين يبدو انه ذرفهما منذ فتره دون أن يحس به احد .
    ـ أهلا يا شيخ سيد ..!!
    قالها الجندي في اقتضاب، وبصوت ليس به أي أثر للحزن أو العتاب وتلعثم الشيخ سيد وهو يرد عليه ..
    الله يعمر بيتك يا بني وينصرك ويصبرك على ما بلاك .
    وهز احد الشبان رأسه يمينا وشمالا وهو ينظر للشيخ مستفسرا وقد اكتسى وجهه بالجد ، وأشار الشيخ بسبابته إلى الجندي هذه المرة وبكل ما يمكن أن تحمل نغمات الصوت البشرى من حزن ممتزج بالفخر والاعتزاز قائلا احمد مخيمر .. الجندي احمد مخيمر اخو الملازم الشهيد محمد مخيمر الذي استشهد الأسبوع الماضي في عملية العبور الناجحة للقتال ، و التي تم فيها قتل عشرين فردا للعدو وتدمير ثلاث دبابات إسرائيلية.
    وساد السكون التام هذا الركن الهائج من العربة لأول مره ، وراح كل من الشبان ينظر لصاحبه ، وابتسم شاب آخر كان يراقب الأحداث عن بعد ، وتمتمت السيدة الواقفة أمام الشيخ في خشوع . وهدأت العربة من سرعتها ، واخذ بعضهم ما كان لدى الكمساري من نقود . وفى المحطة تدافع الركاب إلى الباب من كل أنحاء العربة ، عدا ذلك الركن الهادئ .
    _ تفضل يا سيد .. ويشير المتكلم إلى الشيخ ويقول آخر .
    تفضل يا سيدنا الشيخ
    تفضلي يا هانم ، وتتحرك السيدتان نحو الباب ، ويمضى كل في طريقه لكن الشيخ يقسم يمينا مغلظا ألا يمضى فى طريقه إلا بعد أن يصطحب ابن قريته الجندي أحمد مخيمر حتى محطة السكة الحديد ليودعه قبل أن يركب القطار الحربي الذي يقله إلى الجبهة.
  • 24/03/2009, 04:00 PM
    د. حسين علي محمد

    نص المجموعة القصصية «قطعة سكر» لبدر بدير

    « أصوات معاصرة » ـ العدد (62) أغسطس 2002م.
    .................................................. ........

    النص الكامل للمجموعة القصصية «قطعة سكر» لبدر بدير



    سلسلة:
    أصوات معاصره
    أسسها د.حسين على محمد 1980م
    ..................
    رئيس التحرير:
    د. حسين على محمد
    ...........
    مستشارو التحرير:
    د. احمد زلط
    احمد فضل شبلول
    بدر بدير
    د.صابر عبد الدايم
    محمد سعد بيومى
    ............
    مدير التحرير:
    مجدى جعفر
    ............
    سكرتير التحرير :
    فرج مجاهد
    ..........
    المراسلات : ديرب نجم – الشرقية– مجدى محمود جعفر
    موقعنا الالكتروني :www.aswat.4t.com

ضوابط المشاركة

  • تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •