Post a reply to the thread: " صور المثقف " للمفكر العربي الراحل " ادوارد سعيد
Click here to log in
Please enter the six letters or digits that appear in the image opposite.
You may choose an icon for your message from this list
Will turn www.example.com into [URL]http://www.example.com[/URL].
رد: " صور المثقف " للمفكر العربي الراحل " ادوارد سعيد موضوع قيم.. يفيد كثيرا
رد: " صور المثقف " للمفكر العربي الراحل " ادوارد سعيد
" صور المثقف " للمفكر العربي الراحل " ادوارد سعيد بقلم الشاعر *يحي العبدلي* مازالت قضية المثقف تطرح نفسها بشدة, تفيض بالمعاناة حينا, وتنبض بجلال السعي الدءوب للعثور على الحقيقة, باعتبارها بحثًا عن القيم الكامنة في جوهر الإنسان حينا آخر. من بين قضايا عدة مهمة, شغلت المفكر العربي - الفلسطيني الراحل د.إدوارد سعيد أستاذ الأدب المقارن بجامعة كولومبيا, فإن قضية المثقف ودوره وفاعليته في المجتمع المعاصر والضغوط والكوابح التي تعمل على تحجيم هذا الدور, وتهميش تلك الفاعلية (سواء في المجتمع المتقدم أو المجتمع المتخلف) كانت موضع اهتمام وتقدير كبيرين لديه, نتيجة لإيمانه بأهمية هذا الدور في المجتمع وخطورته, وتكفي الإشارة إلى أنه من دون المثقف لم تكن لتشتعل أي ثورة رئيسية في التاريخ الحديث, وفي المقابل لم تقم أي حركة مضادة للثورة دونهم كذلك. والجدير بالملاحظة أن د. سعيد حين يعالج قضية المثقفين, فإنه لا يعالجها مطلقًا على نحو أكاديمي بارد مثلما يفعل العديد من الدارسين والباحثين إذ إنها قضية حية تمس في الصميم عنده مسألة الموت والمعنى وكيف لا.... وهو المثقف الفلسطيني الذي تحتم عليه العيش بعيدًا عن وطنه في بلد يعادي هذا الوطن, وينكر عليه حقه الشرعي في الوجود والحرية, وتسود هذا البلد كذلك مفاهيم مغلوطة وتصوّرات خاطئة عن هذا الوطن وقضاياه العادلة ويروج لها بكل أسف مثقفون يوظفون إمكاناتهم الخلاقة في خلق الأساطير السياسية لصالح الطغمة الحاكمة في الولايات المتحدة وإسرائيل. ونحن إذ نطالع صفحات ذلك الكتاب القيم لإدوارد سعيد والذي صدر عن دار النهار للنشر ببيروت بعنوان (صور المثقف) فإننا نشعر بهذه الإشكالية حادة وساخنة, تفيض بالمعاناة الشخصية وتنبض بروعة النضال من أجل الحقيقة, ويبدو الكتاب بمنزلة مرافعة نبيلة عن المثقف وعظمة وقداسة ما يمثله من قيم ومبادئ, وبمعنى ما - مرثية لإدوارد سعيد نفسه كمثقف عظيم - بالرغم من إصابته بسرطان الدم ومعرفته بأنه يمكن أن يموت في أي لحظة, فقد ظل رافعًا قامته بكبرياء, مجلجلاً بصوته, كاتبًا كلمته بتدفق مفكر, ومناضل, وفنان, وقبل كل شيء بكرامة إنسان, كأكرم ما يكون الإنسان, بحثًا عن القيم والمعنى والمعدن والجوهر في حياة الإنسان, وحواره المتصل مع الكون والحياة والخير والجمال. هذا وتجدر الإشارة إلى أن المقالات الست التي يتضمنها الكتاب, سبق أن بثتها هيئة الإذاعة البريطانية ضمن محاضرات (ريث) الرفيعة المنزلة, والتي افتتحها برتراندرسل عام 1948 وحاضر فيها محاضرون ممتازون أمثال ارنولدتوينبي وروبرت أوبنهايمر وجون كينث جالبرايت وغيرهم. وإدوارد سعيد في المقدمة يجلي الطبيعة الملتبسة ذات المنحنى الأقرب للسلبية والتي باتت تشكّل الوضعية العامة للمثقف في المجتمع الإنجليزي بصفة خاصة, إذ إنه ما إن أعلن عن المحاضرات حتى انهالت الانتقادات على الـ(بي.بي.سي) لأنها في المقام الأول وجهت الدعوة لفلسطيني ناشط في المعركة من أجل الحقوق الفلسطينية, حيث أصبحت كلمة الفلسطيني مقترنة بالعنف والتعصب وقتل اليهود ومعاداة الغرب في وعي الجمهور الغربي, مما زكى لديه الإصرار على إلقاء هذه المحاضرات لفضح هذه الدعاوى الباطلة, وإزالة ما علق بالفلسطيني بصورة خاصة, والعرب بوجه عام من شوائب وأكاذيب, إذ إن من مهام المثقف الرئيسية بالنسبة له بذل الجهد, لتهشيم الآراء المقولبة, والمقولات التصغيرية, والتي تحد كثيرًا من الفكر الإنساني والاتصال الفكري. أين الخلاص?! إن المسألة الرئيسية التي ينبري الكتاب لتأكيدها وترسيخها هي مقولة المثقف الفرد, ذلك الذي ينبغي عليه أن يحافظ على استقلاله, إذ إن ذلك شرط حريته الأساسي مهما كانت الضغوط والإغراءات التي تحدق به من كل صوب. وهو السبيل الوحيد لتمكينه من المجاهرة بقول الحق وحمايته من السقوط الأخلاقي والاحتفاظ له بمكانته وقوة تأثيره إلى جانب قضايا أخرى لا تقل أهمية: - كتحديد من هو المثقف الحقيقي, وهل يختلف دوره في العصر الحاضر عنه في العصور السابقة. أم أن هناك سمات ثابتة للمثقف مهما اختلفت الأزمنة والأمكنة. - وماذا عن الالتزامات القومية للمثقف, وهل ثمة مزالق ومهاو يمكن أن ينزلق إليها نتيجة لتلك الالتزامات التي لا يمكن لأحد التحلل منها مهما كان? - وما المدى المسموح به للمثقف في المجتمع المعاصر للاعتراض والنقد? وماذا يتعين عليه في مواجهة السلطة وإمكاناتها الجبّارة? وهل يمكن معاداتها والوقوف ضدها على طول الخط? وماذا عن المثقف الذي يصبح جزءًا من خطابها العام? وإذا كانت السلطة في الغرب قد نجحت في امتصاص العديد من المثقفين داخل مؤسساتها, فمن أين يأتي الخلاص إذن? إلى غير ذلك من أسئلة مهمة. هذا ويعالج الفصل الأول المسألة التقليدية عند أي حديث عن المثقفين: هل المثففون فئة كبيرة العدد من الناس? أم نخبة رفيعة المستوى وضئيلة العدد إلى حد معين? إن أنطونيو جرامشي ذلك المناضل الإيطالي الماركسي الفذ, يرى أن المثقفين بداية هم من يقومون بالوظائف الفكرية في المجتمع, وهم ينقسمون إلى قسمين أساسيين: يضم أولهما المثقفين التقليديين مثل المعلمين ورجال الدين والإداريين ممن يواصلون العمل ذاته جيلاً بعد جيل. ويشمل ثانيهما ما يطلق عليه جرامشي مصطلح (المثقف العضوي), وهم أولئك المثقفون المرتبطون بطبقات أو بمؤسسات اقتصادية تستخدمهم لتغيير الآراء وتوسيع الأسواق وتمثيل مصالحها وحمايتها, حيث يرى جرامشي أن منظم الأعمال الرأسمالي يخلق إلى جانبه التقني الصناعي والاختصاصي في الاقتصاد السياسي, ومسئولين لإنشاء ثقافة جديدة أو نظام قانوني جديد...إلخ. انتماء المثقف ويرى إدوارد سعيد المثقف كشخص قد وهب ملكة عقلية لتوضيح رسالة, أو وجهة نظر أو موقف, وجلاء هذا الموقف إلى الجمهور من خلال اللغة. وهو إنسان ليس من السهل على الحكومات أو المؤسسات استيعابه. ومبرر وجوده هو تمثيل كل تلك الفئات من الناس (المعوزين والمحرومين واللامسموعين واللاممثلين والعاجزين) والتي غالبا ما تنسى ويغفل أمرها على نحو روتيني. والمثقف كذلك ليس هو مشعل الحرائق, ولا هو يلزم الصمت والحذر إزاء انتهاك حقوق الشعوب والأفراد والذي يغير آراءه تبعًا للظروف وينأى بنفسه عن السياسة وكل ما هو مثير للجدل. إنه باختصار مَن يجسّد الحسّ النقدي خير تجسيد في المجتمع, وهذا ما لا يجعله مرشحًا مطلقًا للقبول بالصيغ السهلة, أو ترديد الأفكار المبتذلة الجاهزة, أو استخدام التأكيدات المتملقة والدائمة المجاملة لما يريد الأقوياء والتقليديون قوله, ولما يفعلونه, وإنما العمل بصبر ودأب وشجاعة على توضيح الحقائق للجمهور حتى يتمكن من تكوين رؤى صحيحة للأمور ووضع تلك الحقائق موضع التطبيق. نضال إنساني وإدوارد سعيد مبدئيًا مع وقوف المثقف مع قضايا أمته ومناصرتها, وبذل أقصى الطاقة في ذلك الأمر. لكن ثمة شراكا عدة عليه أن يحذرها. فالولاء للجماعة الإنسانية وصراعها من أجل البقاء لا يجوز أن يجر المثقف إلى درجة تخدير الحس النقدي لديه وتقليص ضروراته الأساسية, فالمسألة ليست استبدال شرطي أبيض بشرطي وطني يمارس الوظائف نفسها القمعية السابقة بحق أبناء وطنه, ممن لا يوافقون على سياسات النخبة الحاكمة. كذلك فإن عليه أن يحذر المبالغة في تأكيد النزعة الوطنية, وبخس الآخرين حقهم وإلا أدى ذلك إلى التعصب القومي. وضعية معقدة هذا ويخصص الكاتب القسم الأكبر من الكتاب لمناقشة الوضعية المعقدة للمثقف في المجتمع المعاصر - وهو هنا في المقام الأول يركز على المثقف في المجتمع الغربي - دون إغفال موقف المثقف في المجتمعات الأخرى - حيث إن المحاضرات في الواقع موجهة إلى مستمع غربي أساسا. والحق أنه يجد أن المثقف هو في وضع لا يحسد أبدًا عليه. فهو كإنسان يتحتم عليه أن يكسب عيشه مثل أي إنسان آخر, فليس ممكنًا لأي إنسان أن يعول نفسه بنفسه كليا ولا حتى أعظم الأحرار. وهناك الجامعات التي تدفع المرتبات, والأحزاب السياسية التي تصر على الولاء لمبادئ ما, ومصانع فكرية تعمد ربما بأسلوب أكثر براعة - وبينما توفر الحرية لإجراء الأبحاث - إلى شل القدرة على استخدام ملكة التميز, وكبت الصوت النقدي. من ناحية أخرى هناك ذلك الخطر القائم في تهميش المثقف إذا ما تعمد عدم الانتماء إلى السلطات (وسائل الإعلام - الحكومة - المؤسسات الاقتصادية الكبرى) - والحياة في نوع من الوحدانية الموحشة واللافاعلية والاكتفاء فقط بدور الشاهد على أمور مرعبة. ود.سعيد يرى أنه لا معنى على الإطلاق لاتهام المثقف بالخيانة لمجرد أنه يكسب عيشه بالعمل في جامعة أو في صحيفة, أو حتى العمل في مؤسسة تجارية, وإنه لا ينبغي توقع أو تصور المثقف الفرد كمثال بالغ الكمال, أو أشبه بفارس متألق طاهر ونبيل جدا, إلى درجة تبعد عنه شبهة المصلحة المادية. فالمثقف لا يمثل رمزا جامدا كالتمثال, بل كفاءة قائمة بذاتها, وطاقة وقوة صلبة تناوش كصوت ملتزم, وممكن تمييزه في اللغة وفي المجتمع بمجموعة كبيرة من القضايا, متعلقة كلها في نهاية الأمر بمزيج من التنوير والانفتاح أو الحرية. والخطر الحقيقي الذي يتهدد المثقف في كل مكان, هو السلوك طبقا لما يمكن أن ندعوه بالاحترافية. أي اعتبار المثقف وظيفته كمثقف وكأنها عمل يؤديه لكسب العيش. ومن ثم فهو يعمل على اكتساب الصفات التي تجعل منه رائجا ولائقا, وأن يعمل على تلبية احتياجات الجمهور والسلطة القائمة مهما كانت متخلفة ورجعية. والمثقف يجب ألا يكون بمنأى عن الخلاف وبمنجى من الأذى ليصبح تقنيا ودودا فقط, كما ينبغي عليه في المقابل ألا يحاول أن يكون ذلك المتمرّد الدائم والناقد لسياسة الحكومة وأن يرى في المهمة الفكرية حفاظا على حال من اليقظة المتواصلة ومن الرغبة الدائمة في عدم السماح لأنصاف الحقائق والأفكار التقليدية بأن تسير المرء معها. وينطوي ذلك على واقعية ثابتة وكفاح عسير لإقامة توازن بين مشاكل الفردية الذاتية ومتطلبات النشر والتحدث جهارا في العالم العام, وهذا ما يجعلها جهدا أبديا غير منجز تكوينيا وبالضرورة غير تام. ومع ذلك فإن محفزاتها وتعقيداتها تغني المثقف الحقيقي فكريا, ولو أنها لا تجعله يحظى بشعبية واسعة. كذلك يعد د. إدوارد أخطارا أخرى تهدد المثقف, منها على سبيل المثال (التخصص) كأن يغرق المرء في تخصصه بدعوى الإجادة, إذ إن ذلك أدعى إلى الانغلاق وضيق الأفق, كما أن الاهتمام المفرط بالأدب مثلا إنما يوصد الباب أمام الاهتمام بالتاريخ والسياسة, وهو يقتل لديه حسّ الإثارة والاستكشاف وينتهي به الأمر إلى الامتثال للسلطات القائمة. الحسّ الأخلاقي ويعد الموقف من السلطة من أكثر المواقف الأدعى للحساسية والتعقيد بالنسبة للمثقف. فالسياسة في كل مكان, ولا منجاة من كل هذا بالفرار إلى عالمي الفن الصافي والفكر النقي, أو حتى إلى عالم الموضوعية النزيهة أو النظرية المتسامية. ويوافق د.سعيدالمفكر الأمريكي رايت ميلز في أن المفكر إن لم يربط نفسه ذهنيا بقيمة الصدق في الكفاح السياسي, فلن يستطيع, على نحو مسئول, أن يكون على مستوى التجربة الحية بكاملها. وهذا الصدق يفرض عليه منازعة صور السلطة ورواياتها الرسمية وتبريراتها التي يتم ضخها على نحو دائم وبوسائط متعددة. والسؤال الذي يتحتم على المثقف مواجهته على نحو يومي:كيف يقول المرء الحق? وأي حق? ولمن? وأين? كذلك يشير د.إدوارد إلى قيام بعض المثقفين الغربيين الكبار أصحاب النزعة الليبرالية والقيم الديمقراطية بالدفاع عن هذه القيم داخل بلادهم وإنكارها خارج الحدود, وهو يضرب المثال بالمثقف الفرنسي اللامع دوتوكفيل, فبعد دفاعه المجيد عن الديمقراطية في أمريكا, كان عليه أن يتعاطى لاحقا مع السياسات الاستعمارية الفرنسية في الجزائر, في أواخر الثلاثينيات وفي الأربعينيات من القرن التاسع عشر, حيث شن جيش الاحتلال الفرنسي حربًا وحشية للقضاء على مقاومة الجزائريين المسلمين ولا تثير هذه المجازر دوتوكفيل, فالمسلمون كما يقول ينتمون إلى ديانة أدنى منزلة ويتحتم تأديبهم مجاملة للاستعمار الفرنسي. وباختصار فإن القيم الإنسانية العامة الظاهرة في لغته عن أمريكا يتم تجاهلها, بل وتتجاهل عمدا عندما يتعلق الأمر ببلاده, حتى ولو أن بلاده فرنسا تتبع سياسات مماثلة في لاإنسانيتها. وينتهي د.سعيد إلى أن المثقف إذا ما أراد أن يحتفظ بشرفه الذاتي وجلال رسالته فإن عليه أن يذكر نفسه دوما بأنه القادر كمثقف على الاختيار بين تمثيل الحقيقة بفاعلية على خير ما يمكن, وأن يسمح بإذعان لولي أمر أو سلطة بتوجيهه, وأن يعد نفسه هاويًا, أي إنسانا يعتبر أن كون المرء عاقلاً ومعنيًا في مجتمع ما يخوله إثارة قضايا أخلاقية حتى في صميم أكثر النشاطات تقنية واحترافية, لأنها تتعلق ببلاده وقوتها وأسلوب تفاعلها مع مواطنيها وأيضا مع مجتمعات أخرى, لأن التبعية العمياء للسلطة في عالم اليوم هي أحد أفدح الأخطار التي تهدد كينونة حياة فكرية أخلاقية نشطة. وإذا كان تصدي المرء لهذا الخطر بمفرده أمرا صعبا فإن الارتباط مع مثقفين آخرين, وبحركة قاعدة شعبية وبمجموعة من الناس تقودها مثل عليا إنسانية وبتاريخ متواصل, يمكن لراية الحرية والعدل أن تظل دوما خفاقة وعالية ويبقى على المثقف أن يحافظ على دوره كصوت صارخ في البرية وكحارس أبدي للمدنية. إدوارد سعيد
" صور المثقف " للمفكر العربي الراحل " ادوارد سعيد
Forum Rules