مستنقع مالي بين صراع المصالح الاستعمارية وأطماع التنظيمات الدينية
by
, 22/01/2013 at 09:31 PM (3025 Views)
[COLOR="#2F4F4F"][SIZE=4]أمريكا تلعب من وراء الستار.. واليورانيوم كلمة السر في الحرب
تقرأ معكم الملف: حنان فهمي
ماذا يحدث فى مالى؟ هل الأزمة المتفجرة فى هذه الدولة المسلمة هى حرب صليبية جديدة تستدعى إعلان الجهاد فى أوساط المسلمين دفاعا عن الإسلام وإعلاء لكلمة الله فى مواجهة الغرب المسيحى؟ أم أن الأزمة لها أبعاد أخرى محلية وإقليمية ودولية ومصالح تتشابك وتتعقد وتجعل من كرة الصوف «ملعبكة» لدرجة يستحيل معها الوصول إلى أول الخيط دون استخدام المقصات والسكاكين.
هذه الأسئلة والكثير غيرها سنحاول مساعدة القراء على الوصول إلى إجابات منطقية لها من خلال المعلومات المتاحة حتى لا نفيق على ورطة جديدة للعالم العربى الذى يمكن أن تتورط دولة فى المغرب العربى فى أوحاله وتجر باقى الدول العربية – خاصة مصر – إلى منطقة رمال متحركة تغرق الجميع..
آخر تطورات الموقف هناك تقول إن الموقف العسكرى شديد الغموض بعد الإعلان عن استعادة مدينة كونا الاستراتيجية من الجماعات المسلحة ونفى هذه الجماعات ذلك مع استمرار أزمة احتجاز الرهائن الأجانب فى الجزائر وامتداد الأزمة إلى دول الجوار واستعداد دول غرب أفريقيا للتدخل تحت الضغوط الغربية والإقليمية.
وحتى لا نغرق فى الرمال المتحركة لتفاصيل الأزمة المتفجرة لنبدأ الحكاية من أولها..
مالى دولة من دول أفريقيا والعالم الثالث.. هكذا يمكننا تلخيص الوضع هناك.. فساد وتدهور أوضاع معيشية وصراعات قبلية وثروات وطنية تستغلها الشركات الأجنبية وفقر لأغلبية الشعب مقابل حياة شديدة الرفاهية لأقلية محدودة جدا جدا.. وتعد مالى من أفقر 25 دولة فى العالم وتعتمد على المساعدات الخارجية. وتؤكد البيانات الرسمية أن80% من السكان يعملون بالزراعة وصيد السمك وأن معدل النمو لا يتجاوز 2.7 % ومعظم السكان أميّون، حيث إن ما لا يقل عن 69% من الراشدين لا يعرفون القراءة والكتابة، فى حين أن 27% فقط من الأطفال يلتحقون بالمدارس... لا يوجد فى مالى أية جامعة, وأعلى درجة يمكن أن تمنحها مالى الدبلوم والشهادة الثانوية إلا أن هناك بعثات إلى فرنسا والولايات المتحدة الأمريكية. ويعانى شعب مالى من تَدنّى المستوى الصحى حيث يقل متوسط العمر المتوقع عن 50 سنة. ويموت حوالى نصف الأطفال حديثى الولادة.
جمهورية مالى إحدى دول غرب أفريقيا غير الساحلية وهى تجاور الجزائر – التى امتدت إليها الأزمة – من جهة الشرق وكذلك النيجر التى تتخوف فرنسا من امتداد الأزمة إليها والسنغال وموريتانيا من جهة الغرب وغيرها من الدول. وتعانى مالى منذ فترة طويلة من حالة من عدم الاستقرار مع سعى العديد من قبائل الطوارق للاستقلال والانفصال بإقليم ازواد فى شمال مالى.. وشهد شمال مالى العديد من الانتفاضات لقبائل الطوارق خلال النصف الثانى من القرن الماضى أشهرها انتفاضتا 1962 و1990 واستمرت الاضطرابات حتى انتفاضة 2006 مع صعود تنظيم القاعدة فى بلاد المغرب العربى وظهور العديد من الجماعات الجهادية المسلحة المنتمية للعديد من القبائل العربية فى المنطقة وتدخل الرئيس الليبى السابق معمر القذافى فى الصراع وتشكيله الفيلق الأخضر فى الجيش الليبى الذى ضم أعداداً كبيرة من المقاتلين الأفارقة المسلحين تسليحا قويا.. وبعد انتفاضة 2006 أصبح هناك 3 أطراف رئيسية للصراع فى مالى وهى قبائل الطوارق والجماعات المنتمية للإسلام السياسى والحكومة. وفى 2011 حدث تبدل فى المواقف حيث شكل الطوارق والجماعات المنتمية للإسلام السياسى تحالفا ضد الحكومة وﺗﺷﻛﻠت ﺟبهة ﺟديدة ﺑﻘيادة إياد اغ ﻏﺎﻟﻲ واﻟذى ﻛﺎن اﺣد ﻗﺎدة ﺛورات اﻟطوارق ﻣﺎ ﺑين 1990 و2006، وﺗﺷﻛﻠت اﻟﺣرﻛﺔ اﻟوطﻧيﺔ اﻟﻣوﺣدة ﻟﺗﺣرير ازواد، وﺑدأت ﺣرب ﺷﺎﻣﻠﺔ ﺿد اﻟﺣﻛوﻣﺔ اﻟﻣﺎﻟية ﻓﻲ يناير 2012. وﺑﻌد ﺳﻠﺳﻠﺔ ﻣن اﻻﻧﺗﺻﺎرات ﺗﻣﻛن مقاتلو الجبهة الجديدة ﺧﻼل أﺳﺎﺑيع ﻗليلة ﻣن طرد اﻟﺟيش اﻟﻣﺎﻟﻲ ﻣن ﺷﻣﺎل اﻟﺑﻼد. وفى مارس 2012 وقع اﻧﻘﻼب عسكرى أطﺎح ﺑﺎﻟﺣﻛوﻣﺔ اﻟﻣﺎﻟية، بقيادة النقيب أمادو سانوجو قبيل الانتخابات الشرعية بشهر واحد فقط علماً بأن النقيب قد تلقى تعليمه فى الولايات المتحدة الأمريكية. وتسلم السلطة رئيس الوزراء الشيخ موديبو ديارا، الممثل السابق لوكالة الفضاء الأمريكية – ناسا - والممثل السابق لشركة مايكرو سوفت فى أفريقيا. وصرح بيل جيتس رئيس شركة مايكروسوفت -فى ذلك الوقت - بأن الولايات المتحدة الأمريكية مستعدة للاستثمار فى اقتصاد مالي، ولكن ومن أجل ضمان مصالح رجال الأعمال المستثمرين يجب أن يكونوا على ثقة بأن من يرأس البلاد فى الانتخابات المقبلة سيكون الشيخ ديارا. وكانت هذه أبرز إشارة على رغبة الولايات المتحدة فى «اللعب فى الفناء الخلفى لفرنسا».وفى ديسمبر الماضى تم اعتقال ديارا وإجباره على تقديم استقالته. وكلف «ديونكوندا تراور» رئيس جمهورية مالى المؤقّت، «ديانجو كيسوكو»، بتولى منصب رئيس الوزراء. وكان قد ﺗم إﻋﻼن اﺳﺗﻘﻼل إقليم ازواد – بشمال مالى - ﻓﻲ 6 أبريل 2012 أثناء حكم ديارا الذى كان معروفا بتشدده تجاه هذه الأزمة وإصراره على القضاء على الجماعات المسلحة والقضاء على محاولات الانفصال. وانقلبت بعض اﻟﺟﻣﺎﻋﺎت الجهادية اﻷﺻﻐر ﻋﻠﻰ اﻟﺣرﻛﺔ الوطنية اﻟﻣوﺣدة لتحرير ازواد وأعلنوا ﻓرض الشريعة الإسلامية ﻋﻠﻰ اﻟﻣدن اﻟواﻗﻌﺔ ﺗﺣت سيطرتهم، حيث قاموا بهدم الأضرحة وجلد المدخنين وﺗﺳﺑﺑوا ﻓﻲ ﻓرار مئات الآلاف من المواطنين وبدأوا التحرك تجاه المناطق الجنوبية التى يعيش بها أغلبية من السكان ذوى الأصول الأفريقية المختلفين فى طبائعهم عن سكان الشمال ذوى الأصول العربية.
الأطراف الرئيسية فى الأزمة
هناك أكثر من لاعب رئيسى على مسرح الأحداث فى مالى.. وتضم قائمة اللاعبين الأساسيين أطرافاً خارجية وتأتى فرنسا المدعومة من الاتحاد الأوروبى فى المركز الأول والولايات المتحدة وكندا فى المركز الثانى وفى المركز الثالث الصين.. كما تضم القائمة ايضا مجموعة كبيرة من الجماعات المنتمية لتيار الإسلام السياسى والقبائل العربية وأخيرا دول الجوار العربية والأفريقية. وحتى نفهم أبعاد الأزمة فى مالى لا مفر من توضيح دور ومصالح الأطراف المختلفة فى الأزمة..
فرنسا:
لا يمكن أن نطرح الدور الفرنسى الحالى فى مالى بمعزل عن كونها الدولة الاستعمارية التى استعمرت مالى لعقود طويلة من الزمن ومازالت تتعامل معها من منطلق أنها بمثابة الفناء الخلفى لها حتى الآن.. والجدير بالذكر - حتى ندرك قوة التغلغل الفرنسى فى مالى حتى بعد استقلالها – أن اللغة الرسمية فى مالى هى الفرنسية وهى وسيلة توحيد لمواطنى مالى الذين يتحدثون اكثر من 40 لغة مختلفة بعشرات اللهجات.. وكشفت صحيفة «ليبراسيون» الفرنسية كواليس وأهداف ودوافع العملية التى تشنها القوات الفرنسية فى مالي. وأوضحت الصحيفة أن الوجود الفرنسى فى المنطقة «إرث الماضى الاستعماري، إضافة إلى المصالح الاقتصادية الكبيرة فى غرب أفريقيا، مشيرة إلى أن أهم تلك المصالح الاقتصادية يتمثل فى استخراج اليورانيوم من النيجر، والذى تديره شركة «أريفا» الفرنسية والذى يزود به أكثر من ثلث محطات الطاقة النووية لشركة «أو دى إف» للكهرباء فى فرنسا. وأضافت «ليبراسيون» أنه عندما شنت الجماعات المنتمية لتيارات الإسلام السياسى هجوماً كبيراً على وسط مالي، وأصبح الطريق مفتوحا أمامها للوصول إلى العاصمة باماكو، أعطى الإليزيه أوامره للجيش الفرنسى بالتدخل بناء على طلب الرئيس المالى المؤقت تراورى ديونكوندا. واستخدمت باريس قواتها وعتادها الموجود مسبقاً فى القارة الأفريقية، حيث لجأت إلى المروحيات التابعة للقوات الخاصة، ومقرها فى بوركينا فاسو، و5 طائرات «ميراج»، متمركزة فى تشاد. وأربع مقاتلات «رافال» من إحدى القواعد الفرنسية فى الخليج انضمت إلى القتال لتعزيز القدرات الجوية. وقد حصلت فرنسا على غطاء دولى لتشارك فى الحرب المالية إلى جانب القوات الحكومية ضد الجماعات المتشددة..فالعملية العسكرية الفرنسية تعد من وجهة نظر القانون الدولى أمرا مشروعا تحت مظلة الامم المتحدة بقرار مجلس الأمن رقم 2085 الصادر فى 20 ديسمبر الماضى لأنها تستهدف الإرهاب، كما أنها جاءت بطلب مجموعة دول غرب أفريقيا «إيكواس» التى تحضر لنشر قواتها لدى مالى.
ويرى المحلل التونسى توفيق المدينى ان قرار التدخل العسكرى الفرنسى فى مالى تتحكم فيه العوامل التالية:1- الرواسب الاستعمارية لفرنسا باعتبارها القوة الاستعمارية المعنية أكثر من غيرها فى التدخل بشؤون الدول الفرانكفونية. 2- الخوف المهيمن على باريس من إمكانية تهديد جماعات تيار الإسلام السياسى فى مالى لفرنسا، لا سيما أن أغلبية أعضاء هذه الجماعات لديهم العديد من الصلات والأقارب على الأراضى الفرنسية. كما أن تنظيم «القاعدة فى بلاد المغرب» هدد فى السابق فرنسا بنقل المعركة إلى داخل فرنسا. 3-عجز النظام المالى عن مواجهة المتشددين الذين باتوا يهددون أبواب العاصمة باماكو خلال الفترة الماضية، وسيطرة قادة الانقلاب العسكرى المستمرة على الجيش المالى وممارسة الحكم من خلف الكواليس، مع العلم أنهم كانوا ضدّ التدخل العسكرى الخارجى. 4-الانقسامات التى تعانى منها قوات «الإيكواس» الأفريقية، وصعوبة التنسيق الكامل بين القوة الأفريقية وبين حكومة باماكو والجيش المالي.
إضافة إلى هذه الدوافع مجتمعة، هناك عامل اقتصادى وجيبوليتيكي، يفسر لنا التدخل العسكرى الفرنسى فى مالي، ويتمثل فى ضمان عدم سيطرة تنظيم القاعدة فى بلاد المغرب وحلفائه من جماعات تيار الإسلام السياسى المتشددة فى مالى فى دول الساحل وغرب أفريقيا على القوس الذى يخترق المصالح الاستراتيجية الفرنسية، فى منطقة تتجاوز مساحة القارة الأوروبية ذاتها، من مالى فموريتانيا والنيجر، وهى المنطقة التى تضم أضخم مناجم اليورانيوم، لا سيما فى النيجر المجاورة لدولة مالى، التى حصلت شركة «ريفا» الفرنسية على امتياز استغلالها منذ عقود، وهى تزود بالوقود النووى ثلث المفاعلات النووية المنتجة للطاقة فى فرنسا. كما أن «القاعدة» حولت شمال مالى الجبلى المنيع إلى حصن تهيمن منه على 250 ألف كلم مربع، وتشن منه الغارات على دول المنطقة، وتحتفظ فى مخابئه الكثيرة بالرهائن الغربيين.
ويتوقع الخبير الاستراتيجى الروسى أندريه جروزين أن منطقة شمال وغرب أفريقيا بأسرها ستدفع ثمن مخلفات الرئيس الفرنسى السابق نيكولاى ساركوزي.وقال فى تحليله للازمة المتفجرة فى مالى إنه منذ بضعة شهور صرح الرئيس الفرنسى فرانسوا هولاند بأن بلاده لن تلعب دور رجل الشرطة فى أفريقيا ولن يكون هناك تدخل من جانب فرنسا كما كان فى عهد ساركوزي. ولكن الرئيس تحول 180 درجة لعدة أسباب منها تراجع شعبيته فى بلاده مما خلق لدية الرغبة فى تصحيح الأمر عبر حرب صغيرة يحرز النصر فيها، بالاضافة إلى أسباب جيوسياسية مثل العودة إلى لعب دور بارز فى أفريقيا من خلال التدخل فى مالي.
الولايات المتحدة:
كانت أول اشارة على وجود يد أمريكية تلعب صراحة على مسرح الأحداث فى مالى تصريحات بيل جيتس رئيس شركة مايكروسوفت المؤيدة للشيخ ديارا رئيس الوزراء السابق الذى تمت الإطاحة به واعتقاله فى ديسمبر الماضى. فهو قد أعلن بصراحة رغبة بلاده فى تولى أحد رجالها المخلصين رئاسة البلاد ولكن جاءت الرياح بما لا تشتهى الإدارة الأمريكية وتمت الاطاحة سريعا بديارا.. ولكن هل ذلك يعنى أن الولايات المتحدة ليست موجودة على الساحة فى مالى؟ لا اعتقد ذلك لأن الوجود الأمريكى ليس بالضرورة أن يكون ظاهرا بل هى موجودة منذ فترة طويلة عن طريق كندا وشركاتها العاملة فى مالى والدول المجاورة وإسرائيل التى تعمل بكل قوتها فى الدول الأفريقية ومنها المجاورة لدولة مالى.. ومن أشهر وأكبر الشركات الكندية العاملة فى المنطقة شركة «روك جيت» التى قدمت طلبا للتنقيب عن اليورانيوم فى منطقة فاليا التى تبعد مسافة 350 كلم غرب العاصمة المالية باماكو بالقرب من حدود السنغال وغينيا. وتشير الأنباء المتواترة من المنطقة إلى أن الشركة الكندية لم تعثر فقط على اليورانيوم ولكن أيضا على الفضة والنحاس. وقدر بعض الخبراء الجيولوجيين كميات اليورانيوم بـ12 ألف طن أى ما يساوى أربعة أضعاف ما تنتجه شركة «أريفا» الفرنسية من أهم مناجمها «أرليت» فى النيجر. وأعلنت ميشال ريفازي، النائبة الفرنسية فى البرلمان الأوروبى أن الشركتين الفرنسية والكندية أبرمتا اتفاقا لاستغلال مشترك لليورانيوم فى مالي. ويرى العديد من الخبراء والمحللين السياسيين فى المنطقة أن الصراع فى أصله هو صراع مصالح اقتصادية بالدرجة الأولى مما أدى إلى تحويل قارة أفريقيا إلى أكبر ساحة للصراعات ومن أبرزها الصراع الأمريكى – الصينى للاستحواذ على أكبر مساحات نفوذ فى المناطق الغنية بالثروات الطبيعية خاصة المهم منها كالبترول والذهب والغاز واليورانيوم... وفرنسا ليست بعيدة عن هذه الصراعات فى مناطق نفوذها التقليدية منذ عهود الاستعمار المباشر.. ومازالت الدول الأفريقية ضحية عمليات استنزاف منظمة لثرواتها الطبيعية وتأتى أزمة مالى الحالية فى حقيقتها داخل هذا الإطار.. ومن أنصار هذه الرؤية اسلم ولد عبد القادر - الوزير الموريتانى السابق – الذى يؤكد فى تصريحات صحفية أن «فرنسا لديها مصالح فى هذه المنطقة، وهى لا تختلف كثيرا عن المصالح التى تسعى إليها الصين والولايات المتحدة فى هذه المنطقة، حيث تعرف هذه القوى العظمى أن القارة الأفريقية قارة واعدة فى الخمسين سنة القادمة».
والجدير بالذكر أن الولايات المتحدة تسعى بكل قوة لإيجاد مكان لها بوضوح فى المنطقة خاصة بعد تصاعد أنشطة تنظيم القاعدة فى دول المغرب واتساع نطاق عملياته فى العديد من الدول المجاورة وارتباطه بعلاقات مع جماعات مثل باكو حرام فى نيجيريا وأنصار السنة وغيرها من جماعات تيار الإسلام السياسى فى وسط وغرب أفريقيا. وتشهد الإدارة الأمريكية حاليا صراعا حول الموقف الذى يجب الالتزام به فى أزمة مالى.. وحسب صحيفة لوس أنجليس تايمز فإن البيت الأبيض ووزارة الدفاع الأمريكية (البنتاجون) مختلفان حول الموقف الذى يجب تبنيه. وأوضحت أن عددا من مسئولى البنتاجون وضباط كبار يحذرون من أن غياب التزام أكبر من جانب الولايات المتحدة يمكن أن يجعل مالى ملاذا للمتطرفين كما كانت أفغانستان قبل اعتداءات 11 سبتمبر 2001.
لكن مستشارى البيت الأبيض يرون أنه غير واضح حتى الآن ما إذا كان متمردو مالى وبينهم عناصر من تنظيم القاعدة فى بلاد المغرب يشكلون تهديدا يعرض الولايات المتحدة للخطر. ويخشى مستشارو البيت الابيض من السياسيين أن تجر الولايات المتحدة إلى نزاع معقد ضد عدو لا يمكن السيطرة عليه فى مالى بينما تقوم القوات الأمريكية بالانسحاب من أفغانستان. وحسب تأكيدات مسئول أمريكى فإن الوضع فى مالى حتى الآن لا يمثل تهديداً للأراضى الأمريكية بمعنى أن النيران طالما هى بعيدة فلا يهم من تحرق أو من يموت.. كما تعنى بصورة أوضح أنه لا صوت يعلو فوق صوت المصالح.
الجماعات المنتمية لتيار الإسلام السياسى
تعد الدراسة التى أعدها الباحث السلفى المصرى على عبدالعال الباحث فى شئون الحركات الإسلامية أفضل مرجع حتى الآن للجماعات المنتمية لتيار الإسلام السياسى فى شمال مالى. وتوضح الدراسة التى تم نشرها على أحد المواقع السلفية على الإنترنت أن أهم هذه الجماعات 3 حركات أهمها جماعة أنصار الدين. وتتوزع السيطرة حاليا على مناطق شمال مالى ومدنها الكبرى (تمبكتو وغاو وكيدال) ـ والتى تمثل مجتمعة أكثر من نصف مساحة البلاد ـ بين كل من (حركة التوحيد والجهاد فى غرب أفريقيا) و(تنظيم القاعدة فى بلاد المغرب الإسلامي) المتحالفين مع جماعة أنصار الدين، بالإضافة إلى عدد من الكتائب والسرايا مثل كتيبتى (أنصار الشريعة) و(الملثمين).
وعرضت الدراسة هذه الجماعات ومناطق سيطرتها فى مالى بالشكل التالى:
حركة أنصار الدين
جماعة إسلامية مسلحة، ذات توجه سلفي، تسعى إلى تطبيق الشريعة الإسلامية على كامل التراب المالي، لكن لا تطالب باستقلال شمال البلاد على عكس حركة «تحرير أزواد» التى تسعى إلى انفصال الشمال لإقامة دولة أزواد.
مؤسس أنصار الدين هو «إياد آغ غالي»، وهو من أبناء أسر القيادات القبلية التاريخية لقبائل ''الإيفوغاس''. عسكرى سابق، وشخصية بارزة، وزعيم تاريخى فى تمرد قبائل الطوارق خلال التسعينيات من القرن الماضي، ينحدر من أسرة أزوادية عريقة فى (كيدال) بأقصى الشمال الشرقى لمالي. وكان إياد غالى مسئولاً كبيرًا فى مالي، تأثّر بالفكر السلفى خلال عمله كدبلوماسى بالخليج وخلال قيامه بالوساطة لتحرير رهائن غربيين مختطفين عام 2003 لدى تنظيم القاعدة فى بلاد المغرب الإسلامي. وتعد حركة أنصار الدين هى أكبر الجماعات فى شمال مالى وأهمها، ويمكن اعتبارها بمثابة حركة طالبان فى أفغانستان نظرا لأنها حركة محلية معظم قياداتها ومقاتليها من أبناء مالي، ويقال إن تفوق «أنصار الدين» العسكرى والمكانة الخاصة التى يحظى بها التنظيم تعود فى جانب كبير منها إلى تحالفه مع تنظيم القاعدة الذى أمدَّه بالمال والرجال حتى بات يحظى بأقوى حضور ميدانى بين التنظيمات الإسلامية فى المنطقة. وتمكنت حركة أنصار الدين من بسط سيطرتها بشكل كامل على مدينة تمبكتو الأثرية، شمال غرب مالي، وفى هذه المدينة الكبيرة عملت الجماعة السلفية على هدم الأضرحة التى أدرجتها اليونسكو على لائحة التراث العالمى عام 1988 ـ وهو ما لاقى ردود فعل شديدة على المستوى الدولى ولدى منظمة اليونسكو.
القاعدة فى بلاد المغرب
يتمتع تنظيم «القاعدة فى بلاد المغرب»- المنبثق عن الجماعة السلفية للدعوة والقتال فى الجزائر، والتى كانت قد ولدت، بدورها، من رحم الجماعة الإسلامية المسلحة المصرية ـ بوجود قواعد خلفية له فى مناطق الصحراء الكبرى ومن بينها شمال مالى منذ سنوات، والتى ينطلق منها لشن عملياته. ويعد التنظيم المسلح الأقدم فى المنطقة والأكثر خبرة، وأيضا الأقدم فى التواصل وإقامة للعلاقات مع شيوخ القبائل هناك؛ إذ يرتبط التنظيم الذى يتزعمه أبو مصعب عبد الودود «عبد المالك دروكدال» بعلاقات متشابكة مع سكان المنطقة من الطوارق والعرب، ويحتفظ بعلاقات قوية معهم.
وتشير الدراسة المهمة إلى أن تنظيم القاعدة هو المحرك الحقيقى من بين كل الفصائل المسلحة فى شمال مالي، وأنه حلقة الربط الأساسية بين التنظيمات المختلفة وصاحب اليد الطولى بالمنطقة، وغالبا ما تصفه المصادر المحلية بأنه الأكثـر تجذرًا ومعرفة وخبرة بمناطق الشمال. كما اشارت الدراسة نقلا عن مصادر محلية متطابقة إلى أن العناصر التى تعمل بين صفوف «أنصار الدين» أو حركة «التوحيد والجهاد» ليسوا فى النهاية سوى مقاتلين سابقين لدى تنظيم القاعدة فى بلاد المغرب. ويقول التنظيم إنه «يسعى لتحرير المغرب الإسلامى من الوجود الغربى - الفرنسى والأمريكى تحديدا - والموالين له من الأنظمة «المرتدة» وحماية المنطقة من الأطماع الخارجية، وإقامة دولة كبرى تحكم بالشريعة الإسلامية».
ويعمل عناصر القاعدة فى شمال مالى ضمن إطار إمارة الصحراء، وهى المنطقة التاسعة وفق التقسيم الإدارى للقاعدة فى بلاد المغرب، وتسمى أيضا منطقة الجنوب. ويقسم التنظيم شمال أفريقيا إلى مجموعة من المناطق العسكرية، تمتد فيها «إمارة الصحراء» بين مالى والنيجر ونيجيريا وليبيا وموريتانيا وتشاد، وتعرف لدى التنظيم بـ «صحراء الإسلام الكبرى». ويتولى إمرتها حاليا يحيى أبو الهمام القائد السابق لـ «كتيبة الفرقان»، أما الناطق الرسمى باسم إمارة الصحراء فهو عبد الله الشنقيطي.
وكان يتبع أمير الصحراء أربع مجموعات عسكرية، كتيبتان وسريتان، فالكتيبتان هما كتيبة طارق بن زياد، وأميرها عبد الحميد أبو زيد، وكتيبة الملثمين، وأميرها مختار بلمختار، أما السريتان فهما سرية الفرقان، وسرية الأنصار، وأميرها عبد الكريم التاركي. لكن حدث مؤخرا ما يشبه الانشقاقات فخرج أمير كتيبة الملثمين وكون تنظيما منفصلا. وتتمركز كتيبة طارق وسرية الفرقان فى ولاية تمبكتو، وتضم هذه الكتائب والسرايا كل الجنسيات الموجودة بالمنطقة، كما تضم عناصر تنحدر من أصول غربية، وترتبط هذه الكتائب والسرايا بتنسيق وثيق.
وفى أوائل ديسمبر الماضى أعلن تنظيم القاعدة عن ميلاد كتيبة جديدة حملت اسم الأمير المرابطى «يوسف بن تاشفين» وأسندت قيادتها الى أحد نشطاء التنظيم المسلح هو القيروانى أبو عبد الحميد الكيدالى نسبة إلى كيدال عاصمة قبائل الطوارق فى الشمال المالي. وعملت الكتيبة المسلحة فى كيدال واجلهوك وسلسلة جبال «تغير غاريم» الممتدة حتى الحدود مع الجزائر وهى المنطقة التى يعتقد أن التنظيم قد أقام قواعده المحصنة بها.
ولا توجد إحصائيات دقيقة لعدد مقاتلى التنظيم، لكن أغلب المصادر تقدر عددهم بالمئات، أغلبهم جزائريون، فيما يتوزع الباقون على جنسيات دول أبرزها موريتانيا وليبيا والمغرب وتونس ومالى ونيجيريا. وقد قدرت بعض الجهات عدد المجموعات الصغيرة المنتسبة للتنظيم بنحو سبعين خلية. ويتسم الهيكل التنظيمى للقاعدة فى بلاد المغرب بالتعقيد والشمول، فى نفس الوقت، وهى تعكس صورة العمل الجماعى للقاعدة، حيث تتكون قيادة التنظيم من أمير التنظيم، ومجلس الأعيان، ورؤساء اللجان والهيئات، الذين يشكلون ما يعرف بمجلس شورى التنظيم، وتقوم مهامه على تنسيق العمل بين مختلف المستويات القيادية.
واﻧﺗﻌﺷت ﻗوة اﻟتنظيم ﻓﻲ اﻟﻣﻧطﻘﺔ ﺑﻌد ﺗدﻓق اﻷﺳﻠﺣﺔ اﻟﺗﻲ ﺧﻠﻔﺗها ﻓوﺿﻰ ﺗدﺧل حلف شمال الاطلنطى «اﻟﻧﺎﺗو» ﻓﻲ ليبيا، وﺑﻌدﻣﺎ اﺳﺗوﻟت «اﻟﻘﺎﻋدة» واﻟطوارق اﻟﻌﺎﺋدون ﻣن ليبيا ﻋﻠﻰ كميات كبيرة ﻣن اﻟذﺧﺎﺋر واﻷﺳﻠﺣﺔ ﻣن ﻣﺳﺗودﻋﺎت اﻟﻘذاﻓﻲ أو ﻣن اﻹﻣدادات الأمريكية، وهو ﻣﺎ ﺟﻌل ﺧﺑراء اﻟدﻓﺎع يسمون اﻟﺗدﺧل اﻟﻔرﻧﺳﻲ ﻓﻲ ﻣﺎﻟﻲ ﺑـ«ﺣرب ليبيا الثانية»، ﻷن الفرنسيين يحصدون ﻧﺗﺎﺋﺞ اﻷﺧطﺎء اﻟﻣرﺗﻛﺑﺔ هناك.
حركة التوحيد والجهاد فى غرب أفريقيا
إحدى أهم الحركات الإسلامية المسلحة التى تنشط بالمناطق الشمالية، وهى حركة منبثقة عن تنظيم القاعدة فى بلاد المغرب ويقودها محمد ولد نويمر ومعظم عناصرها من العرب.
تدعو الحركة إلى الجهاد فى غرب أفريقيا، وتتمركز سيطرتها فى مدينة (قاو) الواقعة على نهر النيجر فى شمال شرق مالي، وكانت «التوحيد والجهاد» تتقاسم السيطرة على المدينة مع «الحركة الوطنية لتحرير أزواد» بعد طرد الجيش المالى منها، وقبل أن تطرد ـ فيما بعد ـ عناصر الحركة الأزوادية على خلفية صراع بين الطرفين استمر نحو شهرين. وأعلنت الحركة تطبيق الشريعة الإسلامية فى المدن الواقعة تحت سيطرتها، وأكدت أنها لا تهدف إلى الوصول للعاصمة «باماكو». وقالت «التوحيد والجهاد» إن بإمكانها السيطرة على العاصمة المالية فى غضون 24 ساعة إن أرادت. مشيرة إلى أنها تملك ترسانة عسكرية هائلة تمكنها من الاستيلاء على باماكو وقهر جيوش المنطقة فى حالة المواجهة العسكرية. وبفضل ما يتوفر لديها من موارد مالية، وما تملكه من روابط قبلية، وما لها من حضور ميداني، استطاعت حركة «التوحيد والجهاد» طرد جميع مناوئيها الطوارق من مدينة اسونغو فى 27 يونيو الماضى إحدى المدن الثلاث الكبرى فى شمال مالي.
وكباقى حلفائها المسلحين وقفت «حركة التوحيد والجهاد» وراء اختطاف دبلوماسيين وأجانب ومن بينهم جزائريون كانوا قد اختطفوا فى منطقة غاو فى شهر أبريل الماضي. كما نفذت الإعدام بحق دبلوماسى جزائرى بعد أن رفضت السلطات الجزائرية إبرام اتفاق معها، يقضى بالإفراج عن إسلاميين معتقلين وفدية تقدر بنحو 15 مليون يورو.
وخلال الأيام الماضية، أعلنت التوحيد والجهاد تشكيل أربع سرايا عسكرية هي: سرية عبد الله عزام، وسرية أبو مصعب الزرقاوي، وسرية أبو الليث الليبي، وسرية الاستشهاديين. واعتبرت الجماعة فى بيان لها أن إعلان الهيكلة الجديدة كان نتيجة لتوسع نفوذها، وتزايد أعداد مقاتليها، مؤكدة أن السرايا الجديدة سيتم توزيعها حسب التحديات التى تواجهها المنطقة داخليا وخارجيا.
وللحركة كتيبة أخرى تتبعها تعرف بـ (كتيبة أسامة بن لادن) يتزعمها عضو مجلس شورى جماعة التوحيد والجهاد أحمد ولد عامر. واعتبر ولد عامر المشهور بـ«أحمد التلمسي» فى أول ظهور إعلامى ديسمبر الماضى «التهديد الدولى قدرا كونيا»، مؤكدا أنه «لا بد من مواجهته ودفعه بالقتال والجهاد وتحريض المسلمين على كسر شوكة»، ما وصفها «بالمنظومة الكُفرية العالمية التى تتربص بشريعة الرحمن فى كل بقعة من الأرض يُمَكِن الله فيها لعباده المجاهدين».
كتيبة «أنصار الشريعة»
أسسها عمار ولد حماها، الذى سبق وطاف على كل الجماعات الإسلامية فى مالى قبل أن يشكل كتيبته بعد خروجه مباشرة من جماعة التوحيد والجهاد فى غرب أفريقيا. عرف ولد حماها بقدرته الكبيرة على جلب الانتباه إليه منذ بداية سيطرة الجماعات على شمال مالي، حيث لقبه البعض بـ«الرجل ذى اللحية الحمراء»، ووصفه آخرون بأنه «رجل الكاريزما القوية» نتيجة لحضوره اللافت ولغته الفرنسية «الحادة»، التى يتقنها أكثر من أى زعيم إسلامى آخر فى الشمال. ففى الأيام القليلة الماضية قام ولد حماها، المنحدر من قبائل البرابيش العربية، بالإعلان عن تشكيل كتيبته «أنصار الشريعة»، التى أراد لها أن تكون قطباً جديداً يحتضن أبناء قبائل البرابيش والعرب الذين «تقاعسوا عن الجهاد»، حسب تعبيره. يقدم ولد حماها أنصار الشريعة بأنهم «كتيبة إسلامية شعبية إقليمية لتطبيق شرع الله فى كل مالي».
واستطاعت الكتيبة الجديدة أن تقنع أغلب عناصر الجبهة العربية الأزوادية، من القبائل العربية فى تينبكتو، بالالتحاق بها بعد أن بقيت على هامش الصراع الدائر منذ عام، فيما حظيت بدعم العرب الموجودين فى منطقة غاوه. ونفى ولد حماها أن يكون تشكيل الكتيبة الجديدة قد لاقى أى معارضة فى الأوساط الجهادية أو القبلية أو الشعبية، مشيراً فى حديثه عن العلاقة مع جماعة التوحيد والجهاد فى غرب أفريقيا التى تتمركز فى مدينة غاوه.
وكان قادة أنصار الدين قد أفسحوا المجال للكتيبة التى تحمل هوية خاصة بوصفها «التنظيم الإسلامى العربى الوحيد» فى منطقة تعددت فيها التنظيمات حسب تعدد الأعراق، حيث يشير ولد حماها إلى أنه أسس الكتيبة «غيرة على العرب والبرابيش الذين تجاوزهم إخوتهم من الطوارق الذين تعمقوا فى الجهاد».
وفى محاولة لإبعاد البعد الجغرافى والعرقى عن كتبته، يقول ولد حماها «إن الباب مفتوح لكل المسلمين من عرب وعجم وسونغاي، وليس محصورا على سكان تينبكتو»، قبل أن يؤكد أن بعض قبائل السونغاى الموجودة على نهر النيجر قررت التطوع والانضمام للكتيبة الجديدة. كان ولد حماها ناشطاً فى جماعة الدعوة والتبليغ لينتقل بعد ذلك إلى ما وصفه بـ«مرحلة السيف» مع تنظيم القاعدة ببلاد المغرب وكتيبة الملثمين ثم تنظيم التوحيد والجهاد فى غرب أفريقيا فحركة أنصار الدين.
كتيبة «الموقعون بالدماء»
يتزعمها الجزائرى خالد أبو العباس «مختار بلمختار» وكان قد شكلها حديثا بعد عزله من زعامة «كتيبة الملثمين» من قبل تنظيم القاعدة ببلاد المغرب، وهو ما وصفته القاعدة وقتها بأنه عزل لا يعدو كونه «إجراءً إدارياً وتنظيمياً» اتخذه أمير التنظيم أبو مصعب عبد الودود والتزم به أبو العباس. لكن بلمختار خرج ليشكل تنظيم جديد يحمل اسم «الموقعون بالدماء»، وبالرغم من ذلك ظل حريصا على التزامه بوحدة القرارات التى تتخذها التنظيمات المسلحة حيال الأزمة فى شمال مالي. ونشرت مواقع جهادية تصريحات للقيادى المعروف بالأعور قال فيها إن كتيبته ستحترم أى خيار تتفق عليه حركتا أنصار الدين وحركة التوحيد والجهاد، والقبائل التى دعت لتطبيق الشريعة، ما لم يخالف أصلا من أصول الشريعة «وسنكون عونا لهم وسندا سالموا أو حاربوا».
ودعا خالد أبو العباس فى تصريحاته العالم إلى احترام خيار الشعب الأزوادى فى تطبيق الشريعة الإسلامية على أرضه.
كما توعد من يشارك أو يخطط للحرب فى شمال مالى التى قال إنها «خطة خبيثة ماكرة وحرب بالوكالة عن الغرب». وقال خالد أبو العباس فى تسجيل مصور «سنرد وبكل قوة وستكون لنا كلمتنا معكم، ووعد منا سننازلكم فى عقر دياركم وستذوقون حر الجراح فى دياركم وسنتعرض لمصالحكم». ووجه مختار بلمختار دعوة إلى العلماء وطلاب العلم وأبناء الدعوة الإسلامية جميعاً فى موريتانيا إلى ما قال إنه «الهجرة لنصرة إخوانهم المسلمين فى أزواد»، مشيراً إلى أنهم «يدركون حجم المعاناة والجهل وقلة العلم المنتشرة فى هذه الأرض، وكان الأولى أن تكونوا سباقين بالوقوف فى نصرة هذا المشروع الإسلامى بحكم القرابة والجوار وقد سبقكم البعيد»، وفق تعبيره.
القبائل العربية
يعد كتاب «البرابيش - بنو حسان» من تأليف الفرنسى بول مارتى – المولود فى الجزائر- والذى قام بترجمته والتعليق عليه السفير السابق الدكتور محمد محمود ولد ودادى سنة 1985 من أهم المراجع التى تؤصل للقبائل العربية فى مالى.
يقول المؤلف إن من اهم القبائل البرابيش الذين ينحدرون من الهجرة العربية الكبرى إلى المغرب العربى التى انطلقت من مصر تحت اسم بنى هلال فهم فرع من الأفخاذ العربية التى واصلت الهجرة حتى نهريٍ صناهجة فى السنغال والنيجر وكان لها الفضل فى تعريب هذه المنطقة بشكل نهائى وترسيخ الدين الإسلامى الحنيف ولغته بفضل الانصهار الذى تم بين السكان الأصليين والمهاجرين الجدد.
ولعبت هذه القبائل العربية المسلمة دورا كبيرا فى نشر الإسلام واللغة العربية فى هذه المنطقة وأفريقيا عموما. وتمتد مناطق القبائل العربية بأزواد - شمال جمهورية مالى - حسب التوزيع الجغرافى لأزواد من الغرب إلى الوسط إلى المنطقة الشرقية.
وهى أولاد داوود، أولاد أزعيم، ايجومان، ايديلبا، ترمز، الوسرة رقان، أولاد الشيخ سيدى ناجى (النواجي)، أهل آروان، موقجر، موشر، أسكاكنه، أولاد سليمان، أولاد بوهندة، أولاد إيعيش، أولاد غيلان، أولاد بوخسيب،أولاد إدريس، أولاد عمران، أولاد غنام، أهل الكوري، الطرشان، لقوانين، أهل بوجبيها، أهل بوكو (يرجع أهل بوكو إلى قبيلة «إدّواعلى» العريقة)، أهل كرزاز، الشرفة (الشرفاء)، أولاد بله، الأغلال، أعريب، تجكانت، الأنصار أو كلنتصر، تكنــــــــه، أولاد الشيخ سيدى عالي، أهل كليكــــــه، أولاد ملــــوك، كونــــــته، تدبوكه، لادم، ياداس، مشظوف، ابدوكل، أهل سيدى الامين الفولاني، أولاد باعلي، الزخيمات، أولاد المولات، أولاد عمران (الشرق)، الطرشان (الشرق)، أهل الطالب لّمذن، أهل الطالب محجوب، للّمازيـــــــل، أهل حمه صالح، أهل التوارق، أهل أسيد، إبدوكل، أهل أركيبي، التلاميد، أولاد طلحة، لمهــــــار، أولاد عبد المؤمن، ارقناتن, إدنان.
وتشبه الحياة الاجتماعية لهذه القبائل الحياة العربية التقليدية والعرفية والاجتماعية التى لا تختلف أبدا مع حياة العرب فى شمال أفريقيا أو الجزيرة العربية، فهم أهل بدو وأكثر ما يمارسونه هو تربية المواشى وخصوصا الإبل والغنم ولهم مواضيع وآبار خاصة بهم وينتقلون إليها من الشمال إلى الجنوب ومن الشرق إلى الغرب حسب الفصول وأماكن المراعى. وتسميتهم للآبار والمواضيع هى أسماء عربية أو حسانية مثل: قصر الشيخ، قصر الحلة، الحاسى الأبيض، الطويل، أروق، بولنوار، الظوية، لحسيني، الأرنب، لمجيبير، عين السبيل، خوبة رأس الماء، لمقيطي، بوجبيهة، فم العلبة، أتويلة، المبروك، أقونى السلام، بير (بيئر)... إلخ. وتتميز هذه القبائل عن غيرها بالطبائع والتقاليد العربية العريقة كالكرم والشجاعة وحسن الضيافة والأخلاق الكريمة، والشهامة، والحرص على الدين والعرض.
وهناك أيضا نشاط مهم إلى جانب تربية المواشى خاص بهم مع أنه شاق وهو استخراج الملح من منجم «تاودنى» الذى يبعد حوالى 750 كم شمال عاصمة الرمال (تمبكتو) تلك المدينة التاريخية التى كان يدرس بها حوالى 16000 طالب علم فى القرن السادس عشر وفى ذلك الوقت. وهذه القبائل العربية هى من أبناء الفاتحين الذين جاءوا إلى أفريقيا من أجل رفع راية الإسلام عالية والتصدى لأعداء العروبية والإسلام ونشر الدين الإسلامى السوي.
وهناك الآن قبائل الطوارق ومن الصونغاى ومن الفولان.
وأزواد تطلق على شمال جمهورية مالى ويشتمل على أربع ولايات وهى: موبتى حيث توجد بقايا وآثار مملكة دوقون المشهورة. وسكان هذه المنطقة أغلبهم من قبيلة فولان التى ترجع إلى بنى حميرة العربية الذين جاءوا من اليمن عبر الحبشة بالإضافة إلى أعراق أخرى وتمبكتو وقاوه وكيدال.
الولايات الثلاثة الأخيرة حيث يسكن العرب والطوراق والصونغى ومازالت إلى هذا اليوم قبائل عديدة من هذا الشعب تسكن فى البوادي.
الحركة الوطنية لتحرير أزواد
حركة قومية الطابع تضم، ليبراليين ومستقلين ولها جناحان مدنى وعسكري، غالبية قادتها طوارق، ويعود لها أسبقية إطلاق شرارة الصراع المسلح ضد الجيش المالى فى مدينة «ليرة» بالقرب من الحدود الموريتانية. وشعب أزواد شعب عربى مسلم ينتمى بعروقه إلى الشعب العربى المسلم فى الشمال الأفريقي، والجزيرة العربية ويتكون كله من قبائل تحمل أسماء نفس القبائل القاطنة بأقطار الشمال الأفريقى تحديدا. وكان شعب أزواد قبيل مجيء الاستعمار الفرنسى يتكون من عدة سلطنات تحكم بواسطة النظام القبلي، ويمكننا ذكر السلطنات القائمة قبيل الاحتلال الفرنسى على النحو التالى: (1) سلطنة الفولان، (2) مملكة الصونغاي، (3) سلطنة البرابيش، (4) سلطنة كونته، (5) سلطنة إلمدن، (6) سلطنة الأنصار أو كلنتصر، (7) وسلطنة إفوغاس. وجميع هذه السلطنات كانت تضم عشرات القبائل المنضوية تحت لواء القبيلة الحاملة لاسم السلطنة ولكن الأسماء المذكورة أعلاه قد تعنى فى بعض الأحيان ائتلاف قبائل. وخلال فترة الاستقلال فى 1957 – 1958 م، طلبت فرنسا من السلاطين أن يوافقوا على جعل منطقة أزواد محمية فرنسية إلا أن أهل أزواد رفضوا العرض الفرنسى لاعتقادهم أنه يستهدف محاصرة الثورة الجزائرية آنذاك ولاعتقادهم أنه يستهدف وجود قواعد عسكرية فرنسية فى المنطقة.[/SIZE][/COLOR]
[IMG]http://dl.dropbox.com/u/36710202/a%D8%AD%D8%B1%D8%A8%20_%D9%85%D8%A7%D9%84%D9%8A.jpg[/IMG]
[COLOR="#2F4F4F"][SIZE=4]الأسباب الحقيقية لأزمة مالى
تعد مالى أرض صراع على مصالح دول كثيرة، فبالإضافة لكونها ثالث اكبر دولة مصدرة للذهب فى أفريقيا فهى ايضا دولة غنية بـاليورانيوم والبترول وحجر المالاكيت إضافة إلى ثرواته وإمكانياته الزراعية لوقوعه عند حوض نهر النيجر، هو ما يفسر الاهتمام الدولي، فهناك دائماً حسابات اقتصادية أو استراتيجية لكل حرب والمصالح تتصالح أو تتقاطع..
ويرى المحللون أن الشركات الفرنسية والصينية والأمريكية - الكندية تقف خلف النزاع الدامى فى مالي. فهذه الشركات مهتمة بالنفط ومناجم اليورانيوم فى شمال مالى وبعض ولايات النيجر وحوض تاودنى المحاذى لموريتانيا وهذه الشركات سبق أن اكدت ان شرط استغلال هذه المناجم هو استتباب الأمن والاستقرار فى المنطقة.
وانتقدت صحيفة «لوفيجارو»، الفرنسية تصريحات الرئيس الفرنسى فرنسوا أولاند، التى أكد فيها أن فرنسا ليس لديها مصلحة فى مالى.. مشددًا على أنها لا تدافع عن أية مصالح اقتصادية أو سياسية...! تساءلت الصحيفة: ماذا عن الشركات الفرنسية – البالغ عددها حوالى 60 شركة - عاملة فى مجالات البترول والغاز واليورانيوم فى مالى وهى قطاعات ذات أهمية استراتيجية؟ وأضافت الصحيفة الفرنسية «أن مصادر الثروة الكامنة تحت الأرض فى مالى مازالت حتى الآن غير مستغلة وغير مكتشفة..» مضيفة أن الذهب هو المعدن الوحيد الذى تصدره هذه الدولة ـ التى تعد الأفقر بين دول العالم إذ وضعها البنك الدولى فى المرتبة 170 من أصل 192 دولة بعد حساب الناتج الداخلى الخام بالنسبة للفرد...
توقعات تطور الأزمة
يصف المحلل الفرنسى لوى فابيان تورط فرنسا فى مالى بالمخاطرة الحمقاء. ويشير فابيان إلى أن القوات الفرنسية تحارب وحدها أولاً ومن دون أيّ عون أفريقى أو غربى (باستثناء طائرتى نقل عسكرى أرسلتهما بريطانيا، و.. كثير من بيانات التأييد الأوروبية). وهى تحارب مجموعات عسكرية قاتلت طويلاً لتحقيق استقلال مناطق البلاد الشمالية. والكثير من هذه المجموعات قاتلت فى ليبيا ضمن صفوف الجيش الليبى بداية ثم فى صفوف معارضيه، بمعنى أن رجالها تمرّسوا على الحروب التقليدية وعلى حرب العصابات. يُضاف إلى هؤلاء مقاتلو «القاعدة» المعروفون بتدريبهم العالى وشراستهم القتالية. كل هذا من دون أن نُسقط من الحساب مجموعة من حوالى 1600 مقاتل أنفقت الولايات المتحدة الأمريكية حوالى 600 مليون دولار على تدريبهم وإعدادهم ليحاربوا «القاعدة» ضمن جيش مالي، ولم يلبثوا أن انضمّوا إلى «القاعدة»، وهم الآن فى مواجهة القوات الفرنسية مع بقية الفصائل المقاتلة. ومن الطبيعى أن تعانى القوات الفرنسية فى مواجهة هؤلاء المدرّبين جيداً، لا سيما أنهم يعرفون أسرار الاستراتيجية التى تعتمدها القوات الأمريكية والغربية عموماً، للقتال فى المناطق الصحراوية. وقال فابيان: أمام هذه الوقائع، لا يبدو أن القوات الفرنسية ستكون قادرة على حسم المعركة سريعاً على الأرض، كما أن الطيران الحربى لن يمكّنها من كسبها من الجوّ. لذا فالحرب سوف تطول والزمن لن يكون فى جانب هذه القوات. فتراكم الأيام سوف يزيد تورطها عُمقاً ويحوّل مالى إلى مقصد ومستودع للجماعات الجهادية الأفريقية، ما يبرر المخاوف التى يتحدث أصحابها عن «أفغانستان» جديدة. اما المحلل الروسى يفغينى يرمولايف فهو يرى أن شمال مالى - الذى أعلن استقلاله كما جرى ذلك فى المناطق الوسطى لأفغانستان فى عهد حكم طالبان- أصبح قاعدة للمنظمات المتطرفة والتى أشبه إلى حد كبير بإمارة أفغانستان الإسلامية علماً بأن الغرب كان يدعم حركة طالبان بشكل غير علنى أثناء مسيرتها تجاه كابول فى حين أن الغرب أيد وبشكل علنى الشباب الذين استولوا على السلطة فى شمال مالي، منذ سنتين تقريباً عندما كانت باريس والمنظمات الجهادية الدولية يقاتلون معاً ضد القذافى فى ليبيا.
وتعد عملية احتجاز رهائن فى الجزائر مؤشراً خطيراً على اتساع نطاق الأزمة المتفجرة.. ويقول المحلل السياسى الجزائرى المقيم بفرنسا، أنور مالك – فى تصريحات صحفية - إن «العواقب وخيمة وخطيرة على استقرار الجزائر، وحتى وحدة ترابها التى ستبدأ فى التزعزع من الجنوب مستقبلا». ويضيف «هذا الخطر يعود لاعتبارات كثيرة من بينها، أنه توجد نسبة كبيرة من عناصر تنظيم القاعدة هم من الجزائريين، وتدربوا على القتال فى الجزائر وستكون وجهتهم الجزائر عبر مسالك مفتوحة ويعرفونها جيدا، وبأسلحة ثقيلة بينها حتى المضادة للطيران وهو ما سيعيق المراقبة الجوية الجزائرية وحتى الأجنبية.. وقد تضطر السلطات بأن تسمح للطيران الفرنسى للقيام بعمليات عسكرية على التراب الجزائري، وهذه كارثة حقيقية وتطور خطير». وأضاف مالك أن الجزائر «ستكون وجهة للنازحين والهاربين من جحيم الحرب، بسبب صلة القرابة بين الأزواد والطوارق، وهذه الحرب ستطول فلا يمكن استعمال الطيران ضد جماعات مدربة جدا على حرب العصابات، التى ستكون استنزافية للكل وعلى رأسهم الجزائر التى تورطت فى مستنقع مالي». وتابع أنور «الأخطر أن الحرب فى مالى أخذت بعدا دينيا حيث صار الكثيرون يعتبرونها حربا صليبية على المسلمين. وبما أن الجزائر انحازت إلى التدخل الخارجى بالسماح للطيران الحربى الفرنسى باستعمال أجوائها، فإنها بهذه الخطوة ستكون فى نظر الجماعات المسلحة العدو الأساسي». وبما أن المغرب اتخذ الخطوة الجزائرية نفسها.. ويتوقع أن تلحق بهما موريتانيا فإنهما ستكونان أيضا على خط مرمى الجماعات أيضا. أما إسلم ولد عبد القادر، الوزير الموريتانى السابق، فيتوقع إن «الحرب ستتسع رقعتها إلى النيجر وموريتانيا»، مشيرا فى نفس السياق إلى أن «انعكاسات الحرب على موريتانيا ستكون خطيرة جدا، لأنه فى موريتانيا يوجد مخزن بشرى هائل لتكوين وتمويل الجماعات المسلحة، وهى الحلقة الأضعف من بين دول الطوق (النيجر، الجزائر، موريتانيا) لأنها تفتقد إلى نظام سياسى قادر على حفظ الوئام وتدعيم الجبهة الداخلية لمواجهة هذه المخاطر التى تحدق بها».
ويقول الباحث الدكتور يحيى ولد البراء، إن «موريتانيا توجد بها استثمارات دولية من طرف شركات كبيرة مثل (كينروس الكندية، وتوتال الفرنسية)، وهى أهداف محتملة لهذه الجماعات المسلحة»، مشيرا فى هذا السياق إلى ما حدث فى الجزائر لشركة «بريتش بيتروليوم» البريطانية. وأضاف ولد البراء أن «موريتانيا متشابكة قبليا وبشريا مع سكان شمال مالي، وبالتالى فإنها ستجد صعوبة كبيرة فى متابعة العناصر المرتبطة بتنظيم القاعدة داخل أراضيها، نتيجة لاندماجهم فى المجتمع الموريتانى الشبيه بسكان إقليم أزواد».[/SIZE][/COLOR]