مشاهدة تغذيات RSS

أبو حسام الهواري

فانتازيا كاتب مشهور

تقييم هذا المقال
[CENTER][COLOR="blue"][SIZE="6"]فانتازيا كاتب مشهور[/SIZE][/COLOR][/CENTER]
[IMG]http://img111.imageshack.us/img111/4999/[CENTER][/CENTER]picassodonquixoteyd0.jpg[/IMG]

[COLOR="#006400"][SIZE="4"]جلس أمام مكتبه شارد الفكر مضطرب الخواطر رأسه مليء بهواجس متضاربة ... بعد أن جذب نفسا عميقا من سيجاره ، تنفس الصعداء مخرجا معها سحابة من الدخان تتماوج كأحلامه ، كالسراب في ثنايا الغرفة ... لقد قرر أخيرا ان يكتب قصة قصيرة .. لا كالقصص المتداولة ، لكم يمج ما ينشر في الساحة من قصص لا تستحق القراءة ... يجب أن تكون قصة رائعة ... نعم رائعة !! يجب أن يجدد في هذا الفن .
أمامه كتب مبعثرة على سطح مكتبه المكتوي ببقايا السجائر .. حول فراش نومه أعقاب السجائر ، متناثرة هنا و هناك .. خيوط العنكبوت تتشابك في أعلى السقف ، و تتدلى عبر الزوايا ، و الأخشاب ، تكاد تلتصق برأسه ... حياة بوهمية ، شعر منفوش و ذقن خشن لقلة ما زار حلاق الدرب ... هكذا كان يحيى كبار المبدعين مثله ، لم يكن و قتهم – و لا وقته – ليسعفهم في مراودة الحلاق أو الحمام ...
ينهض ، و يبدا يطرق الحجرة جيئة و ذهابا ، محتضنا صدره بيديه ... ضاربا برجله أعقاب السجائر ... يلتقط قصة لـ " موبسان " و يقرأ العنوان " العاشق الجبان " يحرك رأسه مترنما حالما ... و حوله تتكدس المجموعات القصصية : « إني آلة تلتهم القصص » هكذا يشبه نفسه أمام أصدقائه .
(( ... يجب أن أكتب قصة تثير ضجة في النوادي الأدبية ... و في الحياة النقدية ... تتسابق المجلات لنشرها ... و الدراسات النقدية حولها ... يجب أن اكسر طوق القصة التقليدية ، قصة تتضمن تجديدا و تجاوزا لواقع القصة المعاصرة )) يرفع رأسه شاردا ، يركز بصره على بيت عنكبوت عالق بالسقف ... لكم ستتسابق الصحف و المجلات لالتقاط صورة له و هو يسير في الشارع ، أو جالس في المقهى يناقش القصة ... أو يرتشف من قهوته المرة مرارة حياته ... لكم سيزدحم الصحفيون أمام بيته لإجراء حوارات مفتوحة معه ... و لكم سيعجز النقاد عن فك رموز و دلالات قصته ... سيضطرون إلى إعادة النظر في مناهجهم التحليلية ... يحاول ان يمثل ابتسامة أمام الكاميرا ، يقوم إلى المرآة ليراها (( لا .. لا .. لا .. سوف أحرمهم من الابتسامات )) ... تمر فتيات أمام مجلسه المعتاد في المقهى ... و هن يختلسن النظر إليه ... يتهامسن ... و تشرئب أعناقهن و أبصارهن إليه ... يبتسمن ... قرر تعذيبهن ، و حرمانهن من الابتسامات ... سيلقنهن درسا لن ينسينه ... كيف يسئن الأدب مع كاتب مشهور ؟؟؟ ينهض ... يتوعد ويصيح في وجوههن (( أنا لست دون كيشوت دي لامانشا حتى تستهزئن بي !! أنا كاتب كبير مشهور مشهور ... بسيط بساطتي أنا ... أنا نسيج لوحدي ... أنا هو أنا ...)) يقهقه في وجوههن .
لما تذكر عبارة قرأها في أحد كتب الأدب الكثيرة المكدسة أمامه عن الشعر (( الشعر هو الشعر هو الشعر !!! لذا أنا هو أنا .. هو أنا !!)) رجع إلى مكانه و صدى كلامه يتردد في أدنيه و جمجمته ... و شفاهه ترددها همسا و قد أحس براحة عميقة ، و انفرجت أساريره ، لما تيقن أنهن لم يسمعن بـ " دي لامانشا " و لا عن الشعر (( إنهن ناقصات عقل و دين )) أردف قائلا ...
أعاد شريط تفكيره من تداعياته ، و تحسس : أهو في حلم أم في يقظة ؟ اعتدل في جلسته ، و جذب حزمة من الأوراق العذراء ، و قلما فحلا ... و تذكر أنه سيقيم ندوة لمناقشة القصة ... فقام من مكانه متمثلا نفسه و هو يدخل قاعة المحاضرات ، إذا بشخصيات العلم و الفكر و الأدب ، بثيابها الأنيقة ... و رابطات العنق ... تقف احتراما و إجلالا لهذا الكاتب الموهوب ليلقي محاضرته عن القصة منذ أن خطرت على باله إلى أن أخرجها للقراء مشروعا متكاملا ... و عن دلالاتها ، و ما عجز النقاد عن تحليله و فهمه ... و أضواء آلات التصوير تلمع أمام عينيه ، و الجمهور دامية أكفهم من التصفيق ... يرفع يديه لتهدئتهم و الحفاظ على هدوء القاعة ... ليتم محاضرته ... شاكرا لهم اهتمامهم ... لقد قرر الاحتفاظ بالقلم الذي كتب به القصة ليهديه إلى أحد المتاحف ... لما له من سبق في مساره الإبداعي ... لقد قرر ان يكتب قصة بدون شخصيات و لا حدث ، و بدون زمان و لا مكان !!!
و ضع القلم على الورقة و بدأ يكتب ((جلس أمام مكتبه شارد الفكر مضطرب الخواطر رأسه مليء بهواجس متضاربة ... بعد أن جذب نفسا عميقا من سيجاره ... !!! ))[/SIZE][/COLOR]


كتبت هذه الخربشة اثناء التلمذة بالثانوي ، و نشرت بمجلة محلية " مجلة نادي الكلمة " يوليوز - غشت 1993 - العدد الأول
الكلمات الدلالية (Tags): لا يوجد إضافة/ تعديل الكلمات الدلالية
التصانيف
غير مصنف

التعليقات

كتابة تعليق كتابة تعليق