مشاهدة تغذيات RSS

داود سلمان الشويلي

تجليات الاسطورة - قصة يوسف بين النص الاسطوري والنص الديني - القصة بين النص القرآني وا

تقييم هذا المقال
تجليات الاسطورة
قصة يوسف بين النص الاسطوري والنص الديني

القصة بين النص القرآني والنص الاسطوري (*)

داود سلمان الشويلي

في كتابه (الفن القصصي في القرآن الكريم) يؤكد محمد احمد خلف الله على ان القصة في القرآن هي: (ذلك العمل الادبي الذي يكون نتيجة تخيل القاص لحوادث وقعت من بطل لا وجود له او لبطل له وجود ولكن الاحداث التي دارت حوله في القصة لم تقع او وقعت للبطل ولكنها نظمت في القصة على اساس فني بلاغي فقدم بعضها واخر آخر وذكر بعضها وحذف آخر أو أضيف الى الواقع بعض لم يقع أو بولغ في التصوير الى الحد الذي يخرج بالشخصية التاريخية عن ان تكون من الحقائق العادية والمألوفة ويجعلها من الاشخاص الخياليين). (1)
وان القراءة المتأنية لقصة يوسف- بعيداً عن القرآن الكريم – تؤكد على انها قد حدثت في غابر الزمان ، ولهذا فهي حكاية عما مضى، شأنها – على مستوى الفن السردي – شأن حكايات الليالي، وغيرها التي تتحدت عن الماضي ، والماضي السحيق جداً . انها حكاية تهدف للتسلية بالنسبة للناس ، اذ ان الليالي الطوال – وقتذاك - تحتاج الى من يزجيها بمثل هذه الحكايات ، وقد كانت هي كذلك قبل نزولها في القرآن الكريم (( إن الله تبارك وتعالى إنما أنزل هذه السورة على نبيه يعلمه فيها ما لقي يوسف من إخوته وملكوته من الحسد مع تكرمة الله إياه تسلية له بذلك مما يلقى من إذيته وأقاربه من مشركي قريش)).( 2)
وهي للعبرة :(( لقد كان في يوسف وإخوته آيات للسائلين)) ( يوسف: 7)، لانها تحمل بين سطورها الكثير مما يندرج في هذا الباب .
جاء في سبب نزول هذه السورة :(( أن هذه الآية نزلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم لمساءلة أصحابه إياه أن يقص عليهم ، ذكر الرواية بذلك حدثني نصر بن عبد الرحمن الأودي قال حدثنا حكام الرازي عن أيوب عن عمرو الملائي عن ابن عباس قال قالوا يا رسول الله لو قصصت علينا قال فنزلت نحن نقص عليك أحسن القصص (...) فأرادوا الحديث فدلهم على أحسن الحديث وأرادوا القصص فدلهم على أحسن القصص )).(3)
وهذا يدل دلالة تامة على ان ليالي العرب وقتذاك كانت تزجى بالحكايات (4)، وعندما جاء الاسلام اصبحت هذه الحكات ذات مغزى ديني ، كما الشعر - أي انها تحولت وظيفتها تحت ضغط الايدولوجية الى وظيفة اخرى، وان الخطاب – اصلا – كان موجهاً الى النبي (ص):(( نحن نقص عليك أحسن القصص بما أوحينا إليك هذا القرآن وإن كنت من قبله لمن الغافلين)) (يوسف : 3) لانه ، لو كان عرب المدينة - حيث نزلت فيها ، والمسلمين خاصة – غافلين عن هذه القصص لخاطبهم هم، كما خاطبهم في الكثير من الآيات .
وهي تعيد نفسها بإطراد وبغنى كلما قرأناها، اذ انها تكتسب اضافات متخيلة جديدة ، ستشوش بناءها ، وستفتقد الى ان تكون نصاً ادبياً فضلاً على انها نصاً قرآنياً – والدارس يرفض أي اضافات جاء بها المفسرون تحت ما سمي بالاسرائيليات، ويعدها من الاضافات الدخيلة على النص الالهي و غير حقيقية ولا منطقية – ((وهذه الاقوال والله أعلم كلها مأخوذة عن كعب الاحبار فإنه لما أسلم في الدولة العمرية جعل يحدث عمر رضي الله عنه عن كتبه قديما فربما استمع له عمر رضي الله عنه فترخص الناس في استماع ما عنده ونقلوا ما عنده عنه غثها وسمينها وليس لهذه الامة والله أعلم حاجة إلى حرف واحد مما عنده )).(5)
ويمكن قراءة النص على عدة مستويات:
فالنص يقرأ على المستوى المعرفي ، اذ يعتبر نصاً معرفياً ليس في وقت نزوله فقط بل يمتد الى ما لانهاية .
ويمكن قراءته على المستوى الاجتماعي ، من خلال دراسة ظاهرة الحسد بين الاخوة ، و العلاقة بين المرأة والرجل.
ويمكن قراءته على المستوى الاخلاقي ، لما يحمله النص من قيم اخلاقية عالية .
ويمكن قراءته على المستوى الاقتصادي ، توزيع الناتج القومي بين ازمان الرخاء والجدب .
وهكذا تتعدد صيغ القراءة ، دون الاعتماد على القراءة الدينية التاريخية التي امتلأت بها الكتب الدينية منذ اكثر من الف واربعمائة عام .
والنص هذا لو اختصرناه ، ووضعناه في جملة واحدة لقلنا انه يحكي عن طفل ضاع عن اهله ووجدوه ، ولكن هذه الجملة تحمل بين ثناياها – لو فككناها – الكثير مما يقال ، وهذا هو غاية هذه الدراسة .
***
ومن الجدير بالذكر ان سورة يوسف في القرآن تفتتح بآية فيها لفظ يحمل اشكالا جعل الكثير من المفسرين وعلماء الدين يختلفون في تأويله ، وهولفظ ( احسن ) الذي يصف به الله سبحانه القصة التي ذكرت في سورة يوسف: (( نحن نقص عليك أحسن القصص بما أوحينا إليك هذا القرآن وإن كنت من قبله لمن الغافلين)) ، فهل لفظ احسن اريد به ان هذه القصة هي الاحسن مضموناً – كالعبر والحكم التي فيها- عما رويت به هذه القصة عند العامة في ذلك الوقت او الذي قبله ، ام كانت الاحسن في طريقة الاسلوب الذي اتبعته (سردياً)؟ ام كان ذلك يعني انها الاحسن من بين قصص القرآن الاخرى ،كونها جاءت كاملة ،على خلاف غيرها من القصص الاخرى التي تناولت حياة الرسل والانبياء؟
على الرغم من هذه الاسئلة وما ورد من اجوبة عنها طيلة الف واربعمائة سنة من تاريخ نزول القرآن الكريم ، يمكن القول ان هذا اللفظ جاء ليؤكد ان القرآن ميز هذه القصة من بين قصصه .
واخيرا فأن ما يؤكد ما ذهبنا اليه هو :
آ - كثرة الشبهات التي احاطت بيوسف في النص القرآني ، خاصة اذا اعتبرنا يوسف نبيا معصوما، فالآية لا تدل على ذلك مما دعا العلماء الى دفع هذه الشبهات عن يوسف بشتى التمحلات القولية والتأويلية والتفسيرية ، الا اننا نرى العالم الفخر الرازي في كتابه عصمة الانبياء ( 6) يعدد احد عشر شبهة اخلاقية تخرجه عن كونه نبياً نلخصها هنا،من مثل :
1 – همه بأمرأة العزيز .
2 - صبره على الرق ،وذلك معصية .
3 - قوله : (( وما أبرئ نفسي إن النفس لأمارة بالسوء )).
4 - أنهم سجنوا يوسف ، وذلك معصية بالاتفاق وأنه قال: (( رب السجن أحب إلي مما يدعونني إليه )) فيدل ذلك على محبته لتلك المعصية .
5 - كيف يجوز على يوسف مع نبوته أن يعول على غير الله في الخلاص من السجن في قوله للذي كان معه (( اذكرني عند ربك )) حتى وردت الروايات أنه إنما طال مقامه في الحبس لأنه عول على غير الله ؟
6 - ما الحكمة في طلب أخيه من إخوته ، ثم حبسه عن الرجوع إلى أبيه مع علمه بما يلحق أباه من الحزن ؟ وهل هذا إلا ضرر بأبيه ؟
7 - ما معنى جعل السقاية في رحل أخيه ؟
8 - ما بال يوسف لم يعلم أباه خبره حتى تسكن نفسه ويزول حزنه؟
9 - قال الله تعالى: (( ورفع أبويه على العرش وخروا له سجدا )) وكيف رضى بأن يسجدوا له والسجود لا يكون إلا لله ، وكيف رضى باستخدام الأبوين ؟
10- ما معنى قوله تعالى حكاية عنه: (( من بعد أن نزغ الشيطان بيني وبين إخوتي ))؟
11 - ما معنى قوله عليه السلام :(( اجعلني على خزائن الأرض )) وكيف يجوز أن يطلب الولاية من قبل؟
ب – اضافة لذلك ، فمما يدفعنا الى الاعتقاد بأنها اسطورة– على الاقل قبل نزول الوحي - كان يتداولها العامة قبل وبعد النبوة، هو ان اليهود عربوا قصة يوسف ، فقد روى عبد الرزاق الصنعاني في مصنفه ج 6 ص 113 : (( عن الزهري أن حفصة زوج النبي جاءت الى النبي صلى الله عليه وسلم بكتاب من قصص يوسف في كتف فجعلت تقرؤه عليه والنبي يتلون وجهه فقال : والذي نفسي بيده لو أتاكم يوسف وأنا بينكم فاتبعتموه وتركتموني لضللتم )) .(7)
فضلا عن ان التوراة عند ظهور الاسلام كانت توراة منحولة وهذا القول ليس فقط للقرآن فقط ، بل ان تاريخ تدوينها يذكر ان مدونها كان واحدا من ابناء السبي البابلي وهو الكاهن او الحاخام عزرا.
ولو قارنا بين النص المذكور في التوراة و بين النص التلمودي لوجدنا اختلافا كبيرا بين النصين.
ج – وكذلك ما جاء في (مذاهب التفسير الاسلامي ) لجولد تسهر ص 255 : (( وقصة يوسف واخوته . . تأخذ عند ابن عربي صورة من التمثيل بالقوى الروحانية عن طريق التأويل .. فيوسف هو القلب .. العقل المحسود من اخوته من العلات اي الحواس الخمس الظاهرة والخمس الباطنة والغضب والشهوة )). (8)
فيما ترد قصة يوسف في التلمود - التراث الشفوي لحاخامات اليهود - مختلفة عن المصدر التوراتي والنص القرآني في الكثير من الموتيفات الحكائية ، ان كان ذلك بالزيادة او النقصان او تغير في المواقف او الشخوص لموتيفة واحدة ترد في النص القرآني او النص التوراتي ، وعلى سبيل المثال : في النص القرآني ترد موتيفة مجلس النساء كما في الآية : (9)
(( * وقال نسوة في المدينة امرأة العزيز تراود فتاها عن نفسه قد شغفها حبا إنا لنراها في ضلال مبين * فلما سمعت بمكرهن أرسلت إليهن وأعتدت لهن متكأ وآتت كل واحدة منهن سكينا وقالت اخرج عليهن فلما رأينه أكبرنه وقطعن أيديهن وقلن حاش لله ما هذا بشرا إن هذا إلا ملك كريم * قالت فذلكن الذي لمتنني فيه ولقد راودته عن نفسه فاستعصم ولئن لم يفعل ما آمره ليسجنن وليكونا من الصاغرين * قال رب السجن أحب إلي مما يدعونني إليه وإلا تصرف عني كيدهن أصب إليهن وأكن من الجاهلين)).( يوسف : 30 - 33)
فيما تتجاوز التوراة هذه الموتيفة ولا تذكرها .
اما التلمود – التراث الشفوي اليهودي – فيذكر هذه الموتيفة كما يلي :
(( وكانت صاحباتها اللواتي يزرنها يأخذهن الاعجاب ايضا بيوسيف ،ويطرين حسنه. وفي احدى المرات لما وُضعت الفواكه امام الزائرات، راحت احداهن تقشر فاكهة فجرحت اصبعها دون ان تشعر بما جرى، الى ان لفت نظرها تقاطر الدم على ثوبها ،اذ كانت عيناها زائغتين بيوسيف،وخيالها مأخوذا برونق حسنه وبهائه)).
من خلال هذا المثال وغيره يمكن السؤال : من اين عرف مدونوا التلمود – مدونوا التراث الشفوي اليهودي – هذه الموتيفة دون ان ترد في توراتهم؟ هل اوحي لهم بها؟
يقول مترجم التلمود على الصفحة 34 : (( وتعود الاراء والفتاوي التي وردت في التلمود الى القرن الخامس قبل الميلاد. وبدأت عملية جمعها وتدوينها مع القرن الثاني الميلادي، واستمرت عملية التفسير والتدوين حتى القرن السادس)). (10)هذا يعني انه قد اكتمل قبل ظهور الاسلام.
نستنتج من ذلك : ان قصة يوسف ، والكثير من القصص التي احتواها التلمود هي قصص واساطير كانت متداولة بين عامة الناس، ولا يمكن ان تكون في التوراة قصة موحى بها ، والا لتطابق النص التوراتي مع النص التلمودي الذي كتبه حاخامات اليهود.
***
الهوامش :
* هذا فصل من كتابي (تجليات الاسطورة - قصة يوسف بين النص الاسطوري والنص الديني) ، يمكن قراءة الكتاب على شبكة الانترنيت.
1- الفن القصصي في القرآن الكريم- محمد احمد خلف الله – ص 152 .
2- الطبري: ج12 :154 .
3- كما يقول الطبري في التفسر:ج12 ص150 – قرص المكتبة الالفية .
4 - مما يدل على عدم افتقار ليالي العرب من المسامرة هو هذا الكم الهائل من الحكايات والاساطير والتي ضمتها امات الكتب والقسم الكبير من حكايات الف ليلة وليلة .
5 - تفسير ابن كثير : ج 4 ص 19 . يذكر ابن كثير في مقدمة كتابه البداية والنهاية – دار الكتب العلمية – لبنان – ط4 – 1988 – مج1- ص5 ، الحديث المنسوب الى النبي (ص) الذي يقول: (بلغوا عني ولو آية ، وحدثوا عن بني اسرائيل ولا حرج).فيبني عليه موضوعة كتابه وما ملأه بالاسرائيليات.
6 – عصمة الانبياء – الفخر الرازي – انظر : قرص المعجم العقائدي – الاصدار الاول.
- ينظر كذلك الى دراسة د. نصر حامد ابو زيد (إشكاليَّة تأويل القرآن - قديمًا وحديثًا ) – الشبكة العنكبوتية – عن تساؤله بعد شرحه لمعاني مصطلحات من مثل : التفسير ، التأويل ، البشرح : (ولكن ألا يفضي هذا الشرح الذي قدَّمناه إلى إبراز أن ثمة إشكالية في المصطلحات ذاتها، فضلاً عن عملية التأويل في الممارسة العملية؟).
7 – القرص المدمج : المعجم العقائدي – الاصدار الاول .
8 –أضواء على الإسرائيليات في مصادر السنة والشيعة - المصدر السابق .
9- انظر كذلك : موتيفة القميص الذي قـُد من دبر واختلافها عن النص القرآني.وعدم ذكررؤيا السجينين، والتأكيد على صدق يوسف في تعبير الاحلام بموت ابن فرعون البكر ، اذ انها لا تذكر في النص التوراتي ولا القرآني ،وفي النص القرآني يطلب يوسف من فرعون ان يجعله مسؤولا عن خزائنه ( الفخرالرازي يعد هذا الطلب نافيا لنبوة يوسف) (* قال اجعلني على خزائن الارض إني حفيظ عليم [يوسف : 55]) فيما في التلمود ان الذين اشاروا على فرعون هم علية القوم والامراء والقواد، بأن يولي يوسف حكم البلاد.
10 – التلمود – كتاب اليهود المقدس – ت : احمد ايبيش- دار قتيبة- ب. ت.
الكلمات الدلالية (Tags): لا يوجد إضافة/ تعديل الكلمات الدلالية
التصانيف
غير مصنف

التعليقات

كتابة تعليق كتابة تعليق