مشاهدة تغذيات RSS

داود سلمان الشويلي

رحلتي مع المرجعية

تقييم هذا المقال
رحلتي مع المرجعية

(( وما كان المؤمنون لينفروا كافة فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة ليتفقهوا في الدين ولينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم لعلهم يحذرون)).
[التوبة :122 ]

((ضعها برأس عالم واطلع منها سالم ))
مثل شعبي

داود سلمان الشويلي

بعد اشهر قليلة – ان شاء الله – سأكون في عمر الستين عاما ، هذا يعني ان رحلتي في الحياة لحد هذا اليوم قد امتدت بعون الله على مساحة ستين عاما بطولها وعرضها ، و مرت عليّ تجارب حياتية كثيرة ،شخصية ، او كنت مشاركا فيها ، او متأثرا بها.
ان الذاكرة مليئة بالذكريات التي تزدحم راغبة في ان تتسطر على هذا الورق الافتراضي ، الا ان بوابة الاختيار في تلك الذاكرة - الان - سمحت للذكريات الخاصة بالمرجعية ان تخرج لتتدون على هذا الورق الافتراضي.
***
ولدت في عائلة شيعية ، من والدين – رحمهما الله - اميين متدينين (1).
و في الدراسة المتوسطة (بين سني 12 و 15) دخلت عالم التدين ، اقامة الصلاة فقط ، مع تشدد في بعض امور الحياة الشبابية ، كتحريم دخول السينما مثلا ، ولا اذكر ولو مرة واحدة انني صمت شهر رمضان في ذلك الوقت، والسبب كما اذكر ان تديني هذا لم يستمر كثيرا ، اذ كان على فترات متقطعة و قصيرة، مرحلة القلق النفسي والروحي والفكري.
في تلك الفترة، كنت احضر مجالس العزاء الحسينية في شهر عاشوراء (محرم)، وقد شدني في ستينات القرن الماضي في المجالس تلك - في مدينتي - صوت قاريء منبري اذكر ان لقبه البحراني ، وكذلك عجبت بخطب الشيح احمد الوائلي المنبرية، ولم تعجبني القراءة المنبرية للسيد علي العلامة وهو قاريء من ابناء مدينتي ، لان فترة قراءته لا تزيد على الربع ساعة ، حيث يبدأ بقوله : (يا ليتنا كنا معهم ونفوز فوزا عظيما )، ثم يعرج على قراءة الجزء الخاص بذلك اليوم من مقتل ابي مخنف – حسب حفظه – ثم يبدأ بالنعي .
اذكر في تلك الفترة، انني راسلت المرجع الديني السيد محسن الحكيم وسألته مجموعة من الاسئلة ، (2) من ضمنها سؤالا كثيرا ما دار بيني وبين زملائي وقتذاك عن شرعية اللطم وضرب القامة والزناجيل ، فجاء الجواب بقلم ابنه السيد يوسف الحكيم على ورقة رسالتي ذاتها في هامش جانبي ما معناه : لا يكلف الله نفسا فوق طاقتها – الاية - ، من ذلك الوقت ، عرفت ان هذه الاعمال لم تكم شرعية ، خاصة ان شخصا اكبر مني ، وافهم مني بأمور الدين، اخبرني ان رجال الدين لا يقولون صراحة بحرمة هذه الممارسات، لان هذه الممارسات قد اصبحت من ثقافة العامة، وهم يخافون على مرجعيتهم من العامة ،خاصة الخمس.
***
بعد سن العشرين، بدأت بقراءة الكتب التي تبحث في امور الدين ، إذ كنت اعيش – بحكم وظيفتي - في مدينة كل ابنائها من السنة ، فطالعت في مكتبة احد مساجدها كتب دينية كثيرة ،خرجت بخلاصة مفادها ان الفتاوي بين رجال الاسلام تختلف كثيرا فيما بينها.
***
اعود الى عنوان مقالتي وهو ( رحلتي مع المرجعية ):
اتساءل : هل المسلم يحتاج الى مرجع يفتيه بإمور دينه ؟
يقول الله سبحانه : ((وما كان المؤمنون لينفروا كافة فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة ليتفقهوا في الدين ولينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم لعلهم يحذرون)). [التوبة :122 ]
الجواب : نعم، ولا.
إذ ان المسلمين كافة وبكل مذاهبهم يحتاجون اليها ، واذا كان للشيعة مراجعا معروفين ، فإن للسنة على سبيل المثال مراجعهم ، الا ان هناك فرقا بين المرجعيتين.
نعم : لان العامة من المسلمين محتاجين الى معرفة الحلال والحرام على اقل تقدير.
ولا : لان في المرجعية امور كثيرة اضيفت الى وظيفة المرجعية خارج امور الحلال والحرام.
وإذ كان حديثي هنا عن المرجعية الشيعية ، اقول:
ان في تعدد المرجعيات رحمة ونقمة.
رحمة - كما افهما – : ان تعدد المرجعيات هو تعدد للفتوى بما لا يخرجها عن الشرع ، وفي ذلك امكانية للمؤمن الذي يحتاج الى الفتوى ان يختار المرجع الاسهل له شرعا في الحصول على الحكم الشرعي الميسر، بغض النظر عما يقال عن اعلمية المرجع ، لان هذا الشرط يمكن ان يكون ممتنعا على العامة من المؤمنين لاسباب كثيرة ، اهمها :عدم معرفة شرائط الاعلم عندهم من بين المرجعيات العديدة.
فهناك كثيرمن المرجعيات من يستخدم في فتاويه الاحوط مثلا، ويترك مقلديه يستسهلون الفتوى .(3)
ومنهم من يتشدد في التحريم ، الممنوع شرعا ، وعلى سبيل المثال قرأت في رسالة عملية لمرجع ديني ان مشاهدة لعبة كرة القدم حرام .
فالاختيار الشخصي للمقلِد (العاقل )(4)، يسمح له الحصول على الحكم الشرعي الميسرلامور الدين.
ونقمة : فالكثير من المراجع يتخذون اراء شرعية من مجالات الحياة المتشعبة ،ويفرضون اراءهم تلك على مقلديهم ، بحكم التبعية للمقلدين والذين يمكن ان نسميهم كما اسماهم الامام علي بن ابي طالب عندما صنف الناس الى ثلاثة اصناف في كلمته الى صاحبه كميل ، وهم الهمج الرعاع الذين ينعقون مع كل ناعق.
والشاهد في ذلك اختلاف فتاويهم فيما بينهم في امر ما من امور الحياة، وموقف الدين منه، ومن يطلع على الرسائل العملية للمراجع سيجد ذلك واضحا جليا.
لنأخذ مثالا على ذلك ، هو حلية او حرمة السماع الى الموسيقى .
فنجد المراجع مختلفون في فتاويهم ، فمنهم من يحرمها كافة ، ومنهم من يحللها اذا لم تثر الغرائز .
***
اما بالنسبة لي ، فمنذ ان (عقلت) (5) رحت ابحث عن الفتوى الايسر لي في امور الدين التي يصعب عليّ فهمها شرعا(6) ،على اعتبار ان جميع المراجع قد تقلدوا المرجعية ضمن اشتراطاتها الشرعية .(7)
وربما هذا العمل سيغضِب البعض من المتشددين من المراجع ، مع العلم ان المراجع - وعلى الرغم مما بينهم من تنافس خفي – الا انهم متسالمين فيما بينهم ، ولم يقل احدهم ان هذا او ذاك ليس بمرجع.(8)
***
خلال مسيرة حياتي ،تحولت من مرجعية السيد الحكيم الى مرجعية السيد الخوئي بعد وفاته ،ومن ثم الى مرجعية السيد السيستاني ، وعندما اطلعت على موقع سماحة المرجع الشيخ حسين المؤيد تحولت من السيد السيستاني الى مرجعية الشيخ المؤيد لاسباب ذاتية وموضوعية لا محل للميول والاهواء فيها ، وما زلت لحد الساعة اختار في الفتوى ما هو ايسر دون الخروج عن الشرع فيما لو احتجتها.
والمرجعية عندي هي مرجعية دينية خاصة بالحلال والحرام وليس بأمور اخرى ، كالموقف السياسي ، او امور اجتماعية اخرى ، وإن الاسلام عندي وكل رجاله المتفق على مرجعيتهم الشرعية هم مراجع لي ، فيما يعقل عندي من امور لا تخرج عن النص القرآني .
وعلى سبيل المثال : ان كل المخلوقات الحيوانية – عدا الخنزير والدم والميتة –اكلها حلال ، عدا ما تعافه نفسي البشرية انطلاقا من نص قرأني يقول : ((يا أيها الذين آمنوا كلوا من طيبات ما رزقناكم واشكروا لله إن كنتم إياه تعبدون)).[البقرة:172 ] (9)

‏22‏/02‏/2011
-----------------------------
الهوامش:
1 - كانا يقيما الصلاة ويصوما شهر رمضان وقد حجا الى بيت الله الحرام ، يحضر والدي مجالس العزاء الحسينية بعض الاحيان ، ويذهب لزيارة الامام الحسين في الزيارة الاربعينية مع زملائه في مهنته في موكب عزاء بإسمهم وقتذاك، وقد احصيت مرات ذهابه فكانت ثلاث اواربعة مرات كما اذكر ،لم اسمع من الدي انه دفع الخمس، ربما لانه لم يجد ان ما يحصل عليه من مال في عمله يستحق الخمس ، الا انني لم اسمع منه ولا مرة واحدة انه تحدث عن الخمس ودفعه الى المرجع كحال عامة الشيعة.
2 - اذكر انه ارسل لي رسالته العملية منهاج الصالحين .
3 - الاحوط هو :
* الأحوط : المطابق للاحتياط . ويراد به أن العمل به يتيقن منه البراءة .
* الأحوط استحبابا : عبارة تعني الاحتياط المستحب.
* الأحوط الأقوى : بحكم الفتوى لا يرجع المقلد فيه إلى مرجع آخر .
* الأحوط الأولى : عبارة تعني الاحتياط المستحب .
* الأحوط وجوبا : عبارة تعني الاحتياط الواجب . ( انظر احتياط واجب ).
– راجع : المصطلحات - إعداد مركز المعجم الفقهي - ص 88 – القرص الالكتروني (مكتبة ال البيت).
4 – بين الانسان العاقل والانسان البالغ شرعا - المحتلم - فرق كبير ، والبالغ هو الذي عليه القيام بالواجبات الدينية.
5 – اقصد : فهمت كل امور الحياة بعقل مدرك ، وخرجت من فترة المراهقة الحرجة المتغيرة الاهواء، الى فترة النضوج العقلي والفكري.
6 – وما اقلها بتقادم الزمن وكثرة قراءاتي ، وكذلك بالنسبة لعامة الشيعة ، إذ ان ظروف الحياة عندهم لا تتطلب حكما شرعيا من احد ، فلا هم اغنياء بحيث يطلبون حكما شرعيا عن خمس اموالهم مثلا ، مع العلم ان القرآن الكريم قد شرع الخمس في الغنائم التي يغنمها المحاربون ، ولا يعني هذا ان المكاسب كارباح التجارات او راتب الموظف او ما يحصل عليه من كده اليومي هي من الغنائم ، قال تعالى : ((واعلموا أنما غنمتم من شئ فأن لله خمسه وللرسول ولذي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل إن كنتم آمنتم بالله وما أنزلنا على عبدنا يوم الفرقان يوم التقى الجمعان والله على كل شئ قدير)). [الانفال: 41 ] وقد نزلت بعد معركة بدر.
مع العلم ان بعض المراجع قد امتنع من اخذ الخمس من المكاسب ، كسماحة الشيخ المؤيد.
ولو احصينا ما يحتاجه الشيعي من العامة من غير الفقهاء من حكم شرعي هو نزر يسير لا يشكل اقل من عشرة بالمائة، عدا شكل ومحتوى الصلاة ، وبعض المفطرات ، وشعائر الحج لو استطاع اليه سبيلا ، وهذه وغيرها يمكن الحصول عليها بالاكتساب من الوالدين او من أي رجل دين دون ان يتقيد بمرجعية تأخذ منه اكثر مما تعطيه ، وتقيده في حريته السياسية او الفكرية او الثقافية، وحتى الاجتماعية ،مثلا ، خاصة بعد ان اتسعت رقعة التعليم ، ووجود شبكة الانترنيت.
وهذا الامر عام عند نسبة اكثر من تسعين بالمائة من عامة الشيعة .
7 - والشروط هي :
1 - الاجتهاد ، بمعنى ان تكون الملكة موجودة عند حال اخذ الفتوى منه للعمل بها فلا يكفي حصولها في الزمن السابق على العمل بالفتوى 0
2 - العقل , بمعنى ان يكون عاقلا حال الاستناد إلى فتواه فلا يكفي كونه عاقلا في الزمن السابق على العمل بالفتوى .
3 - العدالة 0
4 - الحياة , فلا يجوز الرجوع إلى الميت ابتداء أو بقاء إلا إذا وافق قوله قول الأعلم الحي .
5 - الاعلمية إذا تعدد المجتهدون ولم يحصل للشخص علم أو اطمئنان باتفاقهم في الرأي
- انظر الاسلام منهاج الحياة – متن فقهي يعبر عن دورة فقهية تمثل فتاوي سماحة اية الاية الامام الشيخ حسين المؤيد.
8 – فسّق بعض المراجع البعض منهم، او اخرجه من المذهب لاسباب لا علاقة لها بشروط المرجعية، وانما لامور اخرى.
9 – هناك اناس لا يحبذون اكل السمك بانواعه ، او لحم الغنم او لحم البقر او لحم الجمال على سبيل المثال . فالاكل عند ذلك هو لما لا تعافه النفس البشرية.
وانظر كذلك فتاوي المراجع حول اكل لحم الارنب ، فمن المراجع من يحرم اكله ، ومنهم من يحلله ، علما ان المسلمين كافة يحللون اكل لحمه ، واليهود هم من بين الاديان السماوية الذين يحرمون اكله، انظر الاية 6 : الفصل 11 سفر الاحبار ، من التوراة . وكذلك السمك المسمى في العراق بالجري، فهناك من المراجع من يحرم اكله ومنهم من يحلله ، علما ان اليهود ايضا يحرمون اكله كما في الاية 10 ، الفصل ذاته.
الكلمات الدلالية (Tags): لا يوجد إضافة/ تعديل الكلمات الدلالية
التصانيف
غير مصنف

التعليقات

كتابة تعليق كتابة تعليق