قصة الرغيف
by
, 09/02/2010 at 07:23 PM (2870 Views)
[font= DecoType Naskh]
[CENTER][COLOR="red"][SIZE="6"]قصة الرغيف[/SIZE][/COLOR][SIZE="5"]
[COLOR="black"]
هذه أم عماد تعد وجبة العشاء لها ولولدها ( آخر العنقود ) أسامة ،
بعد يوم حافل بالكدَّ والسعي في بيتها العامر الذي يبدو في النهار كخلية نحل
تعجُّ بالأبناء والبنات والأحفاد ، وتحمد الله تعالى أنها استطاعت أن تكمل المشوار
الذي بدأه المرحوم أبو عماد قبل عقود من الزمن .
ثم اسمعها وهي تحدث جارتها التي غادرتها قبل دقائق قائلة :
سامحك الله يا أم سعيد على كلامك الذي ندَّ من لسانك ،
كيف تطلبين مني أن أمنع أولادي من زيارتي في كل وقت يريدون ؟
كيف تطلبين مني أن أجعل لهم يوماً واحداً في الأسبوع يجتمعون فيه عندي
ثم أعيش بقيته وحيدة فريدة دون أن أراهم ؟ تريدين راحتي ؟
وهل تكتمل سعادتي وتتم راحتي إلا بضمهم جميعاً في صدري وبين ذراعي ؟
ويطل عليها أسامة من غرفته وبيده كتابه الذي يقرأ فيه : أمي هل عندك أحد ؟
وتجيبه الوالدة الحنون : لا يا أسامة ، أنا هنا في المطبخ وحدي أعد وجبة العشاء ،
أقبلْ إلي إن شئت .
- كأنني سمعتك تتحدثين مع جارتنا ؟
- لا ، كنت أعلِّق عل كلامها الذي لم يرق لي ،
- تعرف يا ولدي أنني لا أحب الردَّ عليها لأنها طيبة حبيبة ،
- لذلك قلت ما في نفسي بعد خروجها ...
هل ستتناول العشاء الآن أم بعد رجوعك من صلاة العشاء ؟
- سأذهب للصلاة ثم أعرِّج إلى بيت صديقي أحمد لأناقشه في بعض المسائل
بعدها أرجع لأتناول مع أعظم الأمهات عشائي ، لكن أسألك بالله يا أمي
إذا تأخرت عند أحمد أن تأكلي ...
ثم قبل رأسها وخرج من المنزل وهو يردد الأذان مع المؤذن .
لحظات بعد خروج أسامة من البيت ، ويُفتح الباب .
- هل نسيتَ أن تتوضأ يا ولدي ؟
- ( لم تسمع جواباً لسؤالها )
- أسامة ، لماذا عدت يا ولدي ؟
- أنا رجاء يا أمي . ( قالتها ممزوجة بأمواج البكاء الدفين وأنفاسها المتصارعة )
- ( تركتْ كل شيء وأسرعتْ إليها ) أهلاً حبيبتي ، ما الذي جاء بك الساعة ؟
هاتِ عنك طفلتك ، ( ضمت الطفلة إلى صدرها وقبلتها وهي ترمق ابنتها بنظراتها الحائرة وتنتظر منها الإجابة )
- اشتقتُ إليك وإلى أخي أسامة فحضرتُ ، أين الغرابة في ذلك ؟
- دعي عنك هذا التمثيل وتعالي معي إلى المطبخ نكمل إعداد الطعام ، وبعد العشاء أسمع منك .
- أين أسامة يا أمي ؟
- ( وكانت قد فرغت من تحضير الطعام ورتبته على طاولة السفرة ) أخرجي يا رجاء من الثلاجة كيس الخبز واجلسي .
- تفضلي يا أمي كلي بالهناء والشفاء ، أما أنا فاعذريني ، لكني سأجلس معك .
- ( أخرجت أم عماد رغيفين من كيس الخبز ووضعت واحداً أمامها والآخر أمام ابنتها ) بسم الله الرحمن الرحيم ، هيا يا ابنتي .
- قلت لك يا أمي ( قاطعتها )
- وهل ترضين لأمك أن تأكل بمفردها دون مشاركة ابنتها وحبيبتها ؟
- ( تناولت البنت قطعة صغيرة من رغيف أمها ،
ووضعتها في فمها وأخذت تلوكها كأنها الزقوم ) والله يا أمي سأشاركك الطعام لأجل عينيك فقط .
- يا رجاء لقد زوجتُ قبلك كل إخوانك وأخواتك وكانت حياتهم الأسرية تسري بفيض من نور الله وتوفيقه ،
ولم يأتني واحد منهم غاضباً ، أما أنتِ هداكِ الله ، فلم يمضِ على زواجك عامان حتى عدتِ إليَّ تندبين حظكِ وتتألمين و...
- لو سمعتِ يا أمي ما قاله لي يوسف زوجي ..
- بعد العشاء أسمع .
( أي عشاء هذا ؟ لم تكمل الأم وابنتها رغيفاً واحداً ، غطّت الأم الطعام ونسيت الرغيف الآخر خارج الكيس ،
ثم جلست تستمع إلى ابنتها ، ولما فرغت البنت قالت :
- أ هذه هي الحكاية ؟
- وهل قليل أن يتهمني يوسف بأنني الطفلة المدللة عند أهلي ، ولم أكبر بعد ..
- قومي نصلي العشاء .
- ( وبعد صلاة العشاء ) هيا بنا يا رجاء .
- إلى أين يا أمي ؟
- إلى بيت زوجك .
- لا ، لا ، مستحيل ، لا بد من الاتصال بأخي عماد ليوقف هذا المغرور عند حده
- ألم يزكِّه أخوك ويمدحه عندما تقدم لخطبتك ؟
- طبعاً ، لأنه يعمل عنده .
- وما الذي تغير ؟ هيا أسرعي يا ابنتي ولا داعي لإشغال أخيك بأمور بسيطة ؟
( وتحت إلحاح الأم امتثلت البنت وسارت معها إلى بيتها )
وعند وصول أم عماد وابنتها ، فوجئ يوسف وعقدت الدهشة لسانه ،
وتصبب عرقاً وفاض خجلاً واعتذاراً ، وتلعثم في استقبال ضيوفه وقال :
- خالتي أم عماد بنفسها تشرفني في بيتي ؟
- ألستَ كسائر أبنائي ؟
- هذا شرف كبير يا أم...ي .
- قلها ولا حرج يا أمي .
( وبوقت قصير من العتاب والتوجيه والحكمة ، انتهى الخلاف وعادت المياه إلى مجاريها ) ،
ولما همَّت الأم أن تعود إلى بيتها ، أقسم عليها صهرها أن تنام ليلتها عنده ،
قالت :
- لم أعتد ذلك يا ولدي ، والبيت قريب جداً .
- تنامين عندنا الليلة ، وغداً تذهبين مع رجاء إلى بيتك .
- إذن اتصل بأسامة وأخبره حتى لا ينشغل عني وقل له : عشاؤه جاهز في المطبخ
- سأفعل .
نامت أم عماد عند ابنتها بعدما غمرت البيت سحائب الحب والودِّ والتفاهم ،
وفي الصباح عادت مع ابنتها إلى البيت ، ودخلتا المطبخ ،
وكان الطعام الذي تركاه لأسامة على حاله حيث نام صاحبنا دون أن يتناول عشاءه .
أمسكت الأم رغيف الخبز بيدها وناولته ابنتها وهي تشرح لها وتستثمر الموقف :
- ما الذي جرى للرغيف عندما بات ليلة خارج الكيس ؟
- لقد جفَّ وبيس وأصبح صلباً .
- هل تستطيعين ثنيه أو تعديله يا رجاء ؟
- لا يا أمي ، لا يمكن ذلك وإلا تكسَّر وتهشَّم .
- كذلك الخلافات بين الزوجين يا ابنتي ،
إذا حاولت إنهاءها فور وقوعها تلاشت بسرعة وعاد الوفاق إلى القلوب ،
أما إذا باتت إلى اليوم الثاني كبرت وزادت وتصلبت وكانت مسرحا للشيطان ينفث فيها من سمومه .
أفهمتِ ؟ .[/COLOR][/SIZE][/CENTER]
[/font]