مشاهدة تغذيات RSS

داود سلمان الشويلي

عقبات في طريق النهضة - المشروع النهضوي للامام الشيخ حسين المؤيد- ج1

تقييم هذا المقال
عقبات في طريق النهضة
المشروع النهضوي للامام الشيخ حسين المؤيد
(قراءة في الاسباب)

داود سلمان الشويلي

مرت الامة الاسلامية (1)– وبالتالي الامة العربية حاملة لواء نشر الاسلام العربي، قرآنا ونبيا وكادرا – بمحاولات عديدة – بعضها تلبس لبوس الاسلام ايضا – لتفتيتها ، ومن ثم القضاء عليها ، ابتداء من العصر الثاني للخلافة العباسية حتى وقتنا الحاضر، مرورا بسقوط بغداد ، وانتهاء الخلافة العباسية العربية الاسلامية (2) وصعود العثمانيين بحجة انهم مسلمون ، ومن ثم سقوط الامبراطورية العثمانية التي قادت المسلمين باسم الاسلام والاسلام منها براء ، وتفتيت الكيان العربي الذي جاء الاسلام للم شعفته ، واستطاع على مدى اقل من قرن ان يوحده .
ليس ما ذكرته اعلاه تسطيحا للامور وانما هو مدخل بسيط وملخص لتاريخ طويل للامتين العربية والاسلامية (وجهي العملة الواحدة) مليء بالنجاحات ومحطات الفشل ، محطات الصعود والانتكاسات .
انه مدخل نلج من خلاله فكر سماحة الامام الشيخ المؤيد السياسي الذي يقف على دعامة رئيسية هي الاسلام ،ندرسه لبيان محطاته الفكرية الاساسية التي عالج من خلالها الواقع العربي / الاسلامي ، كواحد من ابناء الامة ليشارك همهم الكبير، وقل ما نجد مرجعا دينيا يقوم بذلك.
فسماحته – ومن خلال طروحاته الفكرية والسياسية والفقهية ايضا - يفهم الترابط الوثيق بن الامتين العربية و الاسلامية ، على انهما وجهان لعملة واحدة، ويفهم جيدا الدور الذي لعبه ابناء الامة العربية في ايصال رسالة الاسلام الى ارجاء المعمورة.
وهو عندما يتحدث عن الامة العربية لا ينسى ان الاسلام هو الذي وحد ما كان مفتتا من قبله: ((الإسلام هو الذي أوجد ذلك الرباط الوثيق وهو الذي أوجد هذا الانتماء الواحد)) .
وعندما يتحدث عن الاسلام لا ينسى ان العرب الذين كانوا مفتتين هم حملته الى العالم.
قال احد منظري القومية في الخمسينات( 3): العروبة جسد روحه الاسلام.
إذن كانت الامتان امة واحدة ، الا انهما افترقتا لاسباب كثيرة ،بعد ان خسرت دورها الحضاري في العالم ، وخسرت مكانتها الطليعية القيادية، ابتداء مما بيناه سابقا من العصر العباسي الثاني.
السؤال الذي يطرح دائما ويتجدد في كل يوم ، هو كيف السبيل للخروج من هكذا خسارة ، والعودة الى ما كانت عليه الامة (الامتين) من مكانة كبيرة ، على المستويات كافة؟
***
قبل ان نجيب عن هذا السؤال ، علينا معرفة الاسباب ، لان معرفة الاسباب تعطينا الحل الامثل للخروج مما وصلته الامة من انحطاط وسقوط وتردي .
يعتمد سماحته وهو يدرس الاسباب، نظرية المؤامرة التي قال بها الكثير من المفكرين ورجال السياسة في العالم العربي وغيره ممن ينتمون الى هذه الامة ، وفي الوقت نفسه ، حاول البعض – بحسن نية او بدونها – ان يبعد هذه النظرية عن الواقع العربي / الاسلامي ، وبحجج شتى ، الا ان سماحته ظل متمسكا بها وهو ينظر الى الواقع الذي يعيشه كعربي وكمسلم ، وفوق ذاك كرجل دين فقيه ، ومرجع من مراجع التقليد الشيعية ،فضلا عن انه صاحب مشاريع نهضوية على الاصعدة الوطنية والقومية والاسلامية ، وهو يعيش القرن الواحد والعشرين.
يقول:
((فما يحصل من أوضاعنا المتردية هو مزيج من مؤامرة حيكت ولا تزال تحاك ضد أمتنا وضد تقدمها وضد أن تأخذ مكانها الطبيعي في العالم وعلى الساحة الدولية)).
واذا كانت نظرية المؤامرة هي المسبب الحقيقي للوضع القائم في امتنا ، فإن سماحته لا ينسى ما احاط بالمؤامرة من عوامل اخرى جعلت منها – أي المؤامرة – قوية للحد الذي تضاءل امامها بعض ابناء الامة ووصلوا الى حالة اليأس المميت ، وراحوا يطبلون ويزمرون لتلك الحالة ، ويندبون انفسهم، وكأنهم يعيدون التاريخ مرة اخرى في الاندلس وبكاء عبد الله الصغير على الملك المضاع ، و نكسة حزيران عام 1965 خير شاهد على ذلك.
ومن بين العوامل تلك التي يشخصها سماحته: ((واقع مريض تعاني منه أمتنا داخلياً )).
هذا الواقع المريض، ولاسبابه الذاتية والموضوعية ، جعل الامة هشة امام تدخلات الخارج ، لهذا يقول سماحته : (( وقد استطاع المتآمرون أن يتخذوا من تلك الأوضاع المتردية ثغرة للنفوذ إلى هذه الأمة واللعب على حبال متنوعة لإبقاء هذه الأوضاع المتردية وتعميقها وترسيخها، وما من مقطع زماني استطاعت فيه هذه الأمة أن تجتاز بدرجة ما، حتى لو كانت محدودة ونسبية تستطيع أن تجتاز واقعها السيئ إلا ووجدت أوضاعاً تفرض على الأمة لترجعها إلى المربع الأول ، وهذا يدل دلالة واضحة على أن هناك أيادي تعبث بمصير الأمة وتهزأ بتاريخها وتلعب بواقعها وهناك محاولات حثيثة من أجل زرع الإحباط في النفوس لأن الهزيمة الأساسية إنما هي هزيمة داخلية ومن يستطيع أن يهزم العدو من الداخل أن يهزمه نفسياً فقد انتصر عليه من غير سلاح ومن غير معركة ودون أن يفتح معه معركة ولهذا محاولات زرع الإحباط واليأس في هذه الأمة تستهدف هزيمتها داخلياً، فإذا هزمت هذه الأمة داخلياً، نفسياً أعانت عدوها على التسلط عليها وعلى اللعب بأقدارها)).
***
العقبات التي تقف حجر عثرة في طريق النهضة الاسلامية:
من خلال قراءة متأنية للفكر السياسي عند سماحة الامام الشيخ المؤيد – وحتما ان قراءة للفكر الديني لسماحته ستعيننا على تلمس الكثير من الامور التي نحن بصدد الحديث عنها – ستضع ايدينا على فهم واقعنا الذي نعيش.
ومن خلال طروحاته الفكرية / السياسية ، ادرك سماحته ان الامة تمر بوضع لا تحسد عليه ونحن ندخل الالفية الثالثة، بسبب الكثير من العقبات التي شخصها، والتي هي في الاساس عقبات وضعت في طريق تقدم ونهضة الامة من قبل القائمين بالمؤامرة التي ما زال سماحته يؤكد على صحة تبنيها كمعرقل للنهضة ، ومن تلك العقبات:
1- التفتيت الثقافي و السياسي للأمة :
لعب العامل الخارجي (4) دورا كبيرا في تفتيت الوحدة الثقافية للامة (العربية - الاسلامية) ابتداء – كما قلت – من العصر الثاني للخلافة العباسية والى يومنا هذا ، حيث ما زال هذا العامل يقوم بالدور نفسه من خلال استخدام ادوات كثيرة ، كالقوة العسكرية (الاستعمار بوجهيه القديم الكولنيالي والجديد)، والعولمة (بصورتها السلبية)، وافتعال الفرقة بن المذاهب الاسلامية (التناحر الطائفي بين السنة والشيعة)، بعد ان قطعت اوصال الامة الى اجزاء محددة بحدود واضحة، كخطوط وهمية على الخارطة ، او كواقع مجزء تستخدم فيه جوازات السفر ، وتنوع مناهج التدريس ، وتنمية اللهجة العامية (5)، وتثبيت حدود الدولة القطرية ، وافتعال الحروب بين تلك الدول، فضلا عن ايجاد مؤسسة غير فعالة تسمى الجامعة العربية.
واعتمادا على كل ما قلناه ، يرى سماحته ان هذا التفتيت ينهج طريقين:
((الاول: التأكيد على الطابع القومي الذي يتنافى ولا ينسجم مع المبدأ الإسلامي العام لأن القومية أساساً كإطار لا تنافي الإسلام والتوجه القومي كإطار يحتاج إلى محتوى ثقافي لا يتنافى مع الإسلام فيمكن للقومية أن تتخذ من الإسلام محتواها )).
إذ لعبت تلك القوى الخارجية وهي تحوك مؤامراتها على فكرتين غير صحيحتين ، الفكرة الاولى هي ان القومية تنافي الاسلام ، والثانية، هي ان الاسلام دين عالمي لا يعترف بحدود القوميات.
وهكذا استطاعت ان تمرر فكرتيها هاتين بسهولة ويسر، بين المسلمين الذين هم من قوميات عدة .
((والثاني: جر الأمة إلى تلك الثقافات القديمة التي تجاوزتها الأمة عبر الإسلام)).
كالدعوات التي ظهرت في القرن الماضي مثل الفرعونية ،والفينيقية ،والبربرية، والامازيغية ، والافريقية ...الخ.
يقول سماحته: ((فهذه محاولات للتفتيت الثقافي وهي أخطر من التفتيت السياسي لأن التفتيت السياسي إذا كانت الأمة قادرة على حفظ وحدتها الثقافية سوف يقل ضرره إذ يبقى التواصل الثقافي بين شعوب هذه الأمة على الرغم من الحدود الجغرافية التي تعيشها ويبقى الانتماء الثقافي الواحد هو العنصر الفعال الذي يدعو إلى تماسك الأمة، بينما إذا فتتت هذه الأمة ثقافياً مضافاً إلى تفتيتها السياسي كان ذلك أنجح طريق للعدو ليقضي به على حاضر الأمة ومستقبلها ويحولها إلى شعوب متضاربة متناقضة لا يجمعها جامع ولا يربطها رابط، إذ ما الذي يربط العراقي الذي يرجع إلى ما قبل الإسلام ويتمسك بثقافة ما قبل الإسلام بالمصري الذي أيضا يتمسك بثقافة ما قبل الإسلام؟، إنما يشد العراقي إلى المصري، إلى المغربي هو هويته الثقافية الواحدة باعتباره ينتمي إلى شيء أسمه العروبة وينتمي إلى شيء أهم وأعظم وأوسع أسمه الإسلام، هذا الإسلام الذي خلق الأخوة بين الشعوب المتضادة في ثقافاتها, المتضادة في مصالحها التي لم يكن بينها فيما سبق، أي انسجام روحي وأي ارتباط وانتماء معنوي واحد، الإسلام هو الذي أوجد ذلك الرباط الوثيق وهو الذي أوجد هذا الانتماء الواحد، فهناك محاولات لتفتيت الأمة ثقافياً وهذه المحاولات ليست مجرد أفكار وليست مجرد خطط وإنما هي برامج تطبق على أرض الواقع في كثير من بلاد العالم الإسلامي)).
2- التضارب بين التيارات الفاعلة في الأمة سواءً تلك التيارات الفكرية أو التيارات السياسية:
فالفكرة القومية مثلا، اصبح لها اجنحة عدة تصارعت فيما بينها ، بين قومية ناصرية وقومية بعثية ،مما جعل تلك القوى الخارجية – وامامها قوى داخلية عديدة تأتمر بأوامرها – تنمي روح القطرية بعد ان وضعت الحدود المصطنعة .
3- القطيعة بين المؤسسة الدينية والمؤسسة الثقافية الحداثية:
اذا كانت العلمانية الغربية – على سبيل المثال، دون نسيان الفلسفات والافكار الاخرى - ومنذ بدء ظهورها ، هدفها عزل الدين عن السياسة للاسباب الخاصة بالمجتمع الاوربي والدين المسيحي، الا ان الكثير من المفكرين والسياسين حاولوا الايحاء بعزل الدين عن مناحي الحياة الاخرى ، مما دفع بالبعض من رجال ومفكري الامة الى تلقف هذه الفكرة والسير بها الى فضاءات اخرى تخدم مصالحها تحت شعار حماية الاسلام ومنظومته الفكرية (عقائدية وعبادية خاصة)، فظهرت – بحسن نية او بدونها ، ومن خلال دوافع اسلامية حسنة النية او بدوافع خارجية سيئة النية- حركات اسلامية متطرفة نادت بالعودة الى الاسلام الاول ، ورفعت شعار الحاكمية المطلقة لله ، وهو شعار يعارض المعاني الاصيلة لما جاء في القرآن الكريم والسنة النبوية الصحيحة.
عند ذاك ظهرت تلك القطيعة التي يتحدث سماحته عنها بين المؤسستين ، وتصاعدت النفرة بينهما، ومن ثم العداء ، وتحصن الاثنان في معقليهما ، فراحت تلك المعاقل تفرخ المتطرفين من كلا الطرفين، وأصبحت تلك المؤسسات عوالم قائمة بذاتها لا يأتيها الباطل من امامها ولا من خلفها (فَتَقَطَّعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ زُبُراً كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ). (المؤمنون:53) 4- تمزيق الأمة مذهبياً:
ان تلك العوامل الخارجية التي اكد عليها سماحته على انها هي التي حاكت وقادت المؤامرة ، لعبت دورا فاعلا في التمزق المذهبي والطائفي، وعرفت كيف تستغل ما في تلك المذاهب والطوائف من نويات (خلافية) (6) تصل حد العداء بينها، فأججتها الى الحد الذي راحت فيه تلك الطوائف والمذاهب الى الاصابة بفوبيا الطائفة الاخرى والمذهب الاخر.
5- غربة الحكومات عن مواطنيها :
او ما قال عنه سماحته : (( تحويل السلطة السياسية في أي بلد من بلاد العرب والمسلمين إلى سلطة غريبة عن أن تنسجم مع الوطن والمواطن فتستمد قوتها من ارتباطها بالخارج لا أن تستمد قوتها من شعبها)).
فالحكومات في الدول الاسلامية لا هي انتهجت النهج الاسلامي بحده الانى الذي يعطي للمواطن حقه الطبيعي في العيش ، ولا هي انتهجت النهج الاوربي في الديمقراطية وحقوق الانسان ولو بحدهما الادنى .
الكلمات الدلالية (Tags): لا يوجد إضافة/ تعديل الكلمات الدلالية
التصانيف
غير مصنف

التعليقات

كتابة تعليق كتابة تعليق