مشاهدة تغذيات RSS

زكريا عبدالغنى

نظارة:قصة قصيرة بقلم زكريا عبدالغنى

تقييم هذا المقال
[I][SIZE=5][FONT=Arial][/FONT][/SIZE][/I][SIZE=4][FONT=Arial][/FONT][/SIZE][SIZE=3][FONT=Arial][/FONT][/SIZE][SIZE=4][FONT=Arial][/FONT][/SIZE][SIZE=3][FONT=Arial]نظارة ملقاة على المكتب،مهملة،جناح مطوى وجناح مفرود،تراب كثيف يغطى العدسات،بعيدا عنها على المكتب ينكفىء كتاب على وجهه،مفتوح ومنكفىء فى يأس وقنوط،
ضوضاء السيارات فى الشارع وأصوات البشر تتصاعد إلى النظارة فلا تحرك ساكنا،كأنما أصابها الموت، أو كأنها تحتضر.
ارتعشت النظارة،أرادت أن تفرد جناحها المطوى فلم تستطع،شحذت عزيمتها وحاولت أن تتغلب على ضعفها وتزحف فوق المكتب لكى تصل إلى الكتاب فتعدله وتنظر فيه، لكن الوهن غلبها فراحت ترمقه فى أسى،غبش وعتمة تسد فى وجهها منافذ الرؤية، التراب فى عينيها،من يزيل من عينيها التراب؟
راحت تتطلع إلى أهل البيت، رائحون غادون لكنهم إليها لا يلتفتون،أرادت أن تحدث صوتا لكى تلفت انتباههم،أن تضرب بجناحها المكتب،لكن جناحها مهيض،منذ متى وهى راقدةهكذا؟تذكر أن هذا الرقاد بدأ منذ حدث فى البيت جلبة وضجيج،ظنت أنه راحة قصيرة ستعاود بعدها رحلة الكشف التى خلقت من أجلها،لكن طال الرقاد..وصعبت عليها نفسها.
ملت النوم فوق المكتب الترب،الأصوات التى تتصاعد من الشارع أيقظتها من نومة يأس طويلة، وهل أمامها إلا النوم تهرب إليه؟تغمض عينيها وتلج إلى عالمه الغامض وتقول"النوم أرحم من الموت"..شعرت برغبة جارفة تدفعها نحو النافذة تريد أن تقف فيها وتتطلع إلى الشارع،إلى الحركة التى لا تنقطع،تشنجت النظارة،رفعت جناحيها إلى ربة البيت وتوسلت إليها أن تأخذها إلى النافذة،لكن ربة البيت كانت تهرول نحو المطبخ فلم تسمع توسلاتها.
رضيت النظارة بأقل القليل، رأتهم يشاهدون التليفزيون،لكنها غير متجهة إليه،قالت فلأبذل كل طاقتى لكى أستدير وأواجه هذا التليفزيون الذى عليه يتفرجون،لكنها عجزت،
عجزت،وخبّطت بجناحيها فوق المكتب وقالت"جحيم..جحيم"
كثيرا ما تقضى أوقاتها مع الذكريات،كان لها تاريخ طويل عريض عميق،تجولت فى كل الدروب،جابت بلادا عديدة،قرأت كثيرا من الكتب،وشاهدت أجمل العروض،مسارح وأوبرا وفنونا جميلة..الآن انتهى بها الحال إلى الرقود بلا حراك على مكتب ترب تبخل عليه ربة البيت بالتنظيف.
وفيما هى عائدة إلى ذكريات الأمس القريب شمت رائحة عرقه،كان العرق يضمّخ جناحيها، استيقظت حواسها وتجدد الأمل فى نفسها، هاهو سيمد يده، سيرفعها ويضعها فى مكانها الصحيح أمام عينيه السوداوين اللتين تريان أكثر من كل العيون،رائحة العرق تتغلغل فى حواسها،وأعصابها تزداد رهافة،لكن الصديق الحميم لم يرفعها من مكانها الكئيب،فتنهدت تنهيدة يأس،وفيما هى تفعل ذلك راحت منها التفاتة إلى الحائط المقابل فرأت صورته مجللة بالسواد، طوت جناحيها على نفسها،ولم يبق لها إلا رائحة العرق القديم،واستسلمت لسكون أبدى.
"تمت"
[/FONT][/SIZE]
الكلمات الدلالية (Tags): لا يوجد إضافة/ تعديل الكلمات الدلالية
التصانيف
غير مصنف

التعليقات

كتابة تعليق كتابة تعليق