مشاهدة تغذيات RSS

طارق شفيق حقي

الحياة أحياناً لا تحتاج لأكثر من خيط

تقييم هذا المقال
الحياة أحياناً لا تحتاج لأكثر من خيط
لم أكن أدركُ أني سأكون ضعيفاً أمامك أيها الخيطُ الصغير ، أحياناً أظنك قوياً وأظن أن ارتداء السترة الجديدة يعني خيطاً متيناً ، فتتملكني الثقة وأشد كتفي كيفما أشاء فأسمع صوت تمزقك تسخر مني وتحرجني.
أحياناً أظنك ضعيفاً والزر المهزوز يوشك على السقوط ، لكنه يبقى سنوات طويلة مهزوزاً لا يسقط ولا تنقطع، أنت تعاندني ، تتحدى ظنوني وتهز ثقتي بالأشياء.
كم تجمعنا أيها الخيط وكم تفرقنا وكم تسترنا وكم تعرينا
إن الخيوط حيلنا نشدها دون أن نعرف ، أسرارنا نعقدها ونخفيها .

في جيبي خيط صغير ، خيط لا فائدة منه ولا فائدة فيه.
ماذا أفعل بك أيها الخيط وأنا أشتم رائحة الاسفنج المتعفن من حولي، هل أهديك حبيبتي ، هل ستفهم كل الأسرار التي بحتها لي ، أم أن النساء لا تفهم لغة الخيوط اللاذهبية.
أحسست أن جيبي يحكني ، ولا أعرف جيباً غير جيبي يحك ،على الأقل لم أسمع أحداً تكلم عن ذلك.
كنت كلما حكني جيبي ، أدخل يدي أبحث عن النقود التي فيه، أصرفها ظناً مني أن النقود إذا بقيت في الجيب تحك صاحبها ، عاد الحك قوياً ، مشيت في أزقة كثيرة وقد أغمدت كلتا يديّ في جيبي، وما إن أخرجتهما حتى عاد جيبي يحكني ، مددت يدي وقلبت جيبي حتى أخرجته لم يكن فيه أي شيء ، غير خيط هارب من مخيطه
سحبته فانسحب ، رفعته أمام عيني ثم فتلته ، ما أكثر ما تحك الخيوط هذه الأيام.
أعدته لجيبي وعدت لغرفتي
في الغرفة التقطت إبرةً ، وهممت بخياطة جيبي بذلك الخيط الهارب
بللته بلعابي مرة ثم أخرى ، ثم رفعت الإبرة مدققاً فيها ملياً ثم مررت الخيط بدقة ، سمعت صوتاً يقول : أأخ
نظرت في إصبعي ظناً أن الإبرة طالته
ثم أعدت الكرة فعاد الصوت : أأأخ.

نظرت في الإبرة هذه المرة ، لأول مرة أعرف أن الإبرة تتألم من وخز الخيوط.
صاح الخيط : آخ من هذا الزمان.
فرفعته أمام عيني وتأملته وقد أحنى رأسه ، لا أعرف أكان لعابي قد أحناه أم هو الزمان.
ما بك أيها الخيط تشكي زمانك.

فأجابني وقد تمايل طرباً : وما نفع أن تخيط جيبك ولست تملك نقوداً تضعها فيه.
حاولت كثيراً أن أمنحك دفء النقود لكني لم أسبب لك إلا الحكة ، وهل يدفئ خيط ٌضعيفٌ مثلي يداً كبيرةً مثل يدك.
تمددت على ظهري ورفعته أعلى عيني: لا عليك أيها الخيط فأنت قد أصبحت ونيسي ،فأجهش بالبكاء ، قال :كم تمنيت لو استطعت ربط علاقتك بها ، لقد غادرتك ولا أظنها تعود ،أطرقت صامتاً وقد حرك الخيط مواجعي.
كيف لي أن أصارحها وأنا لا أملك شيئاً، كيف لي أن أعدها وأنا لا أملك غير هذا الخيط ، وبقيت أتأمل الخيط الدقيق طيلة ليلتي حتى ربط على قلبي.

في اليوم الثاني بحثت عنها ، حين رأيتها ، طلبت محادثتها، كانت تنظر بعيداً لا ترجو مني شيئاً، ماذا أقول لها وأنا لا أملك حرفاً واحداً أكلمها به ، ماذا ينفع الحب في هذه اللحظات ، شعرت أنني سأنسحب مرة أخرى، حكني جيبي
فقلت : آآه ، نظرتْ فيَّ مستغربة.

-قلت : انتظري.
مددت يدي في جيبي ثم بحثت عنه : هذا هو.
أخرجته ونشرته في الهواء وقلت لها هذا هو.
نظرت باستغراب ودهشة ، حملقت فيّ ثم في الخيط.

جذبته لفمي ثم قضمته حتى قطعته نصفين ، فصاح : آآآخ ، فديتك.
-وفي لحظة من لحظات الرومانسية الهاربة التي قلما تجود بها الخيوط ،أمسكت يدها بشجاعة ، ثم ربطت إصبعها بطرف الخيط كخاتم دقيق جميل.
وأعطيتها الجزء الثاني، نظرت فيّ مستغربة ، أومأت لها برأسي بثقة عالية.
نظرت فيه ثم فيّ، ثم أمسكته وربطته على إصبعي بخجل في لحظة مصيرية، وقد ازدان خدها بحمرة ساحرة، آآ ه ما أجمل النساء حين تزين الخيوط أصابعهن.

فقلت في جيبي : الحياة أحياناً لا تحتاج لأكثر من خيط.
طارق شفيق حقي
الكلمات الدلالية (Tags): لا يوجد إضافة/ تعديل الكلمات الدلالية
التصانيف
قصة

التعليقات

كتابة تعليق كتابة تعليق

Trackbacks