مشاهدة تغذيات RSS

داود سلمان الشويلي

حرية الرأي - ج 2

تقييم هذا المقال
حرية الراي
المناهج الحديثة في دراسة وتحليل ونقد النص
(آليات الاشتغال في فهم الكتاب والحديث)
- ج2 -
داود سلمان الشويلي
قبل اشهر انتقل الى رحمة الله كل من المفكر الاسلامي محمد اركون والمفكر الاسلامي نصر حامد ابو زيد رحمهم الله ، وهذه السطور غير معنية بهذا الخبر ،وانما هي معنية بطرح تساؤل مهم مفاده : لماذا يتطيّر رجال الدين الاسلامي ومفكروه (على كافة درجاتهم العلمية ومن كافة المذاهب) – او جلهم - من استخدام المناهج الحديثة في دراسة النص الديني (القرآني والحديثي) وكذلك دراسة القضايا التي يطرحها الفكر الاسلامي (بشري المصدر)، من مثل المنهج الديكارتي، او الانثربولوجي او الاتنولوجي، او الماركسي " المادية التاريخية والديالكتيكية" ، او التحليل النفسي (السيكلوجي)، او السيسيولوجي ،او الهرمنيوطيقية (الحديثة وليست التأويلية التي استخدمها المفسرون المسلمون قديما والتي تمتاح مما هو اسطوري وخرافي)، او الالسني،او البنيوي(ان البنيوية تدرس النص بعيداعن منشئه او خالقة ، وكذلك النص القرآني المحفوظ في اللوح المحفوظ يصبح نصا بشريا بعد تداوله ،ولهذا قال الامام علي (ع) بما معناه ان القرآن بين الدفتين يتكلم بالرجال )(1) و آليات التناص(2) او الاركيولوجية،او السميوطيقا ، وغير ذلك من المناهج؟ ليصل هذا التطيّر الى حد التكفير والقتل والمنع من النشر و التوزيع لمن يستخدمها،خاصة من ابناء بلدان العالم الاسلامي و العربي على الخصوص،والشواهد كثيرة .
وابتداء من العصر الاموي والتهمة الجاهزة على الدوام وهي " الزندقة " فقد قتلوا جاد بن درهم ، وابن المقفع ،وابن ابي العوجاء ،والشاعر ابن برد ، وصالح بن عبد القدوس، والحلاج ، وكذلك ما جرى للمفكرين زمن العباسيين من محنة سميت بـ " محنة القران " ، وبعدها منشور القادر العباسي ضد المعتزلة ،حتى اذا وصلنا الى القرن العشرين ،نرى محاكمة د. طه حسين لـ (استخدامه المنهج الديكارتي في اطروحته في الشعر الجاهلي) (3).و الشيخ علي عبد الرزاق الذي كان استاذاً في الازهر،وكتابه" الاسلام واصول الحكم" ومطالبته بفصل الدين عن الدوله ، فحوكم عام 1925، وتم فصله من منصبه في الازهر ومنعه من تقلد أي منصب ديني في البلاد.
، مرورا برفض رسالة الدكتوراه لمحمد احمد خلف الله ( الفن القصصي في القرآن الكريم )، ومحاكمة د.صادق جلال العظم وحكايته مع كتابه " نقد الفكر الديني" (4)
واعدام السوداني الاستاذ محمود محمد طه عام 1985 ،لارائه الاسلامية الجريئة ، و قضية رفض الترقية الجامعية للدكتور ابو زيد (لاستخدامه المناهج الحديثة في تحليل الخطاب القرآني) ومن ثم تكفيره و تطليق زوجته(5) ، و اغتيال فرج فوده (لكتاباته النقدية للفكر الاسلامي الموروث) ومحاولة اغتيال نجيب محفوظ (استخدامه القصص الديني في رواية اولاد حارتنا)، والدكتور محمود اسماعيل عندما درس الفكر الاسلامي سوسيولوجيا من خلال المنهج الماركسي ،وقد صدر امر من الازهر لمصادرة كتابه " سوسيولوجية الفكر الاسلامي " في طبعته الثانية ، و السيد القمني وكتاباته،وتهديده هو وعائلته بالتصفية الجسدية من قبل بعض الحركات الاسلاموية في مصر وتراجعه عما كتبه ، و علي شريعتي (الايراني) وانفتاحه الفكري، والكاتب الايراني علي الدشتي الذي سجنه الخميني ومات في سجنه إثر نشر كتابه " ثلاثة وعشرون عاماً " الذي انتقد فيه الاسلام،
ونبيل فياض اللاديني، وغيرهم ،وغير ذلك من الاحداث الدامية التي تعتبر وصمة عار على جبين القائمين بها، ومن يقف من ورائهم من فكر او رجال، فضلا عن استعداء الحكومات على الكتّاب لمنع نتاجاتهم الفكرية التي يشم منها رائحة المغايرة لكل ما هو موروث مهما كانت صحته الموضوعية او التاريخية، والذي اصبح ارثوذكسية مقيتة لبّست لبوس المقدس.
ان المنهج التاريخي الاسطوري والخرافي الذي استخدمه الطبري واليعقوبي وابن هشام (نقلا عن ابن اسحاق الموضوعي حد النخاع في نقل صورة حقيقية لحياة الرسول"ص") والواقدي وابن سعد ومن كتب من جديد واقعة الطف ، وغيرهم في كتابة تاريخ الفكر الاسلامي وتاريخ النص (المقدس ) وتاريخ العالم ، كل ذلك ما زال هو المستخدم في الكتابات لحد الان ، وكأن اؤلئك (الطبري واليعقوبي وابن هشام وغيرهم) مقدسون ولا يمكن المس بهم او بمناهجهم.
اما الكتب التي حررها الكتاب الغرب (حتى لو كانت بالمنهجبه الفللوجية الكلاسيكية) فهي اما ممنوعة من الترجمة، او نشرها ،او تهديد مترجمها .
فان كانت تلك الكتب لا تحمل حقيقة ما ،فهي تحمل نصف الحقيقة ، او على اقل تقدير تحمل وجهة نظر يمكن مناقشتها.
(ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن إن ربك هو أعلم بمن ضل عن سبيله وهو أعلم بالمهتدين). [النحل - 125 ]
(فمن حاجك فيه من بعد ما جاءك من العلم فقل تعالوا ندع أبناءنا وأبناءكم ونساءنا ونساءكم وأنفسنا وأنفسكم ثم نبتهل فنجعل لعنت الله على الكاذبين). [آل عمران -61 ]
ويبقى القبول للافكار – المطروحة في الكتب - انتقائيا ،و يتحكم به توافق تلك الافكار مع هذا المذهب او ذاك عند الكل ولا استثني دينا او مذهبا ، ولا حزبا سياسيا حتى.
على سبيل المثال ،ان الكاتب نبيل فياض كاتب لاديني، قبل له كتابين عند الشيعة لانه يتوافق وتوجهاتهم الفكرية / المذهبية، وتم الترويج لهما هما: (يوم انحدر الجمل من السقيفة،و أم المؤمنين تأكل أولادها) وحوربت كتبه الاخرى.
فيما رفض رفضا شديدا كتاب (فصل الخطاب في تحريف كتاب رب الارباب) من قبل السنة – خاصة السلفيين – بينما ظل الكتاب متداولا ومفضلا عند الشيعة، لانه من تأليف عالم دين شيعي ، ولم يجرؤ كاتب او مرجع او مفكر شيعي من رفضه او تكفيره .
وإذ لا اناقش مضمون الكتاب هنا ، اقول ان المؤلف لم يأت بجديد ،وانما كان ناقلا من مصادر سنية وشيعية سبقته في بيان ما قيل انه تحريف ، زيادة او نقصان. (6).


وكذلك بالنسبة لكتاب (الشيعة والتصحيح) للعلامة الشيعي موسى الموسوي الذي طبل وزمر له السلفيون وامتلآت به مواقعهم على الانترنيت لانه يخدم توجهاتهم في انتقاد مذهب الشيعة.
-------------------------------
الهوامش:
1 – اكثر من درس النص القرآني بوساطة المناهج الحديثة كأبي زيد واركون على سبيل المثال اصطدم باشكالية بين ان يكون النص (الموجود الان بين الدفتين)ازلي الفهم الواحد ، وبين ان يكون تاريخيا ، ولو عادوا الى فهم الامام علي للنص القرآني لوجدوا ان هذه الاشكالية قد حلت.
2 – يمكن مراجعة كتابي (الذئب والخراف المهضومة- دراسات في التناص الابداعي– بغداد – دار الشؤون الثقافية العامة- 2001.)
3 - راجع : محاكمة طه حسين – خيري شلبي – 1993 .
4 - نقد الفكر الديني – صادق جلال العظم – دار الطليعة للطباعة والنشر – ط9 2003
5 – راجع كتاب :التفكبر في زمن التكفير - ضد الجهل والزيف والخرافة - د/ نصر حامد ابو زيد – ط2 – مكتبة مدبولي – القاهرة – 1995.
6 – في تفسير الدر المنثور للسيوطي تفسير لآيتي (الخلع) و (الحفد) وهما ايتان لم تثبتا في القرآن الامام وانما هما من قرآن أبي – الدر المنثور – ج 6 ص420 - الناشر : دار المعرفة للطباعة والنشر - بيروت – لبنان.
‏الجمعة‏، 23‏ نيسان‏، 2010
الكلمات الدلالية (Tags): لا يوجد إضافة/ تعديل الكلمات الدلالية
التصانيف
غير مصنف

التعليقات

كتابة تعليق كتابة تعليق