مشاهدة تغذيات RSS

داود سلمان الشويلي

المرجعية الرشيدة - دراسة مقارنة بين مرجعيتي الشيخ حسين المؤيد و السيد فضل الله

تقييم هذا المقال
المرجعية الرشيدة
دراسة مقارنة
بين مرجعيتي الشيخ حسين المؤيد و السيد فضل الله

داود سلمان الشويلي

(( اختلاف امتي رحمة)).
حديث نبوي

(( ولا تظنوا بي استثقالا في حق لي ، ولا التماس إعظام لنفسي ، فانه من استثقل الحق ان يقال له او العدل ان يعرض عليه كان العمل بهما اثقل عليه . فلا تكفوا عن مقالة بحق او مشورة بعدل ، فاني لست في نفسي بفوق ان اخطئ ولا آمن ذلك من فعلي الا ان يكفي الله من نفسي ما هو املك به مني)).
الامام علي بن ابي طالب

((إنَّ الأشياء من أجل أن تبقى يجب أن تتحرك، ومتى وقفت عن الحركة فسدت وبطل نظامها)).
إخوان الصفا

دفعتني إلى اختيار موضوع هذه الدراسة عوامل عديدة، لعل أبرزها، أنني واحد من ابناء المذهب الشيعي، وقد تثقفت كثيرا على مصادره الكثيرة ، وكنت قد اطلعت على الكثير من الاراء الفقهيه عند رجاله ، خاصة الفقهاء والمراجع، مع العلم انني اذا احتجت الى حكم شرعي لمسألة ما في حياتي الخاصة - وما اقلها بالنسبة لي - ابحث عنه عند اقرب رسالة عملية لاحد المراجع الذين ارى انه الاوثق عندي ، دون ان احدد مرجعا واحدا اقلده ، وربما يجد البعض ان في هذا الاسلوب خروج عن اولويات التقليد في المذهب ، الا انني اجد في جميع المراجع الذين استفتيهم الامانة العلمية في الوصول الى حكم شرعي ضمن الضوابط المعتمدة في الحصول على الحكم الشرعي ، طالما انه لا يعارض القرآن الكريم ولا السنة النبوية الموثقة عندي ولا العقل والمنطق السليمين.
كان اهتمامي بهذا الموضوع يزداد بزيادة قناعتي بأهميته وجدارته للبحث، بعد اتساع افق معلوماتي عنه،والقدرة على دراسته، اولا ، والصراع – ولو بالسر عن العامة – الدائر بين المراجع والفقهاء فيما بينهم ثانيا، فضلا عن ان المذهب - كما هو واضح من الدراسات الحديثة عنه - يمر بأزمة منذ تطبيق نظرية ولاية الفقيه الى الان ، وتعدد المراجع الفاعلين بين صفوف العامة من الشيعة الامامية ثالثا ، وكذلك ، بروزه كقوة فاعلة ومؤثرة في الحياة العامة للامة الاسلامية كافة .
و كنت مدركاً، منذ البداية أنني، سأغامر بدراسة هذا الموضوع ، لان دراستي هذه سوف لا تنهض باعباء هذه المهمة كاملا ، بل هي ستفتح المجال واسعا الى دراسات مماثلة ، وربما اكثر عمقا واتساعا.
كان طموحي، في البداية، أن أدرس من خلال المنهج المقارن الفكر الشيعي الامامي الاثني عشري – بكل تجلياته - منذ بداياته وحتى يومنا هذا ، الا انه تبين لي سعة المساحة التي كان ينبغي لي أن اتحرك فيها، أي نتاج ما يزيد على مائة فقيه (وفقيه مرجع) لهم كتابات منشورة على الورق او على شبكة النت ، اضافة لعدم تمكني من العشرات من اللغات التي كتبت فيها تلك الكتب والتي سميت بـ (الرسائل العملية) وغيرها، لهذا قررت دراسة الفكر الخاص بمرجعين ، معاصرين ، وكان لاختيارهم اسباب ، منها:
- انهما عربيان (لبناني وعراقي).
- متفقان كثيرا في افكارهم الفقهية والعامة والسياسية.
- انتقل الاول منهما الى ذمة الله ، فكان على العامة من مقلديه – حسب شروط التقليد – اما ان يبقوا على تقليدهم له ،وفي ذلك اراء ، او ان يعدلوا الى اخر ، وحتما ان من يبقى على تقليده للمتوفي يحتاج في يوم ما الى حكم شرعي لامر مستجد في الحياة– اذ الحياة المعاصرة تطرح مشاكل كثيرة تحتاج الى حلول شرعية – أي يحتاج الى مرجع حي.
و الامر الاخر هو ان من يريد ان يقلد ابتداء ، وكان ممن سمع بمرجعية المرجع المتوفي ، ورغب في تقليده لاسباب ، منها انه كان وقت حياة المرجع المتوفي لم يبلغ عمر التكليف الشرعي ، وعندما بلغه وجد ان مرجعه الذي كان يعده مرجع المستقبل قد انتقل الى رحمة الله ، فيختار مرجعا حيا.
في الحالتين ، وجدت ان المرجع العربي المعاصر هو الشيخ حسين المؤيد ، الذي سينهض بهذه المهمة.
وهذا لا يعني ان الدراسة هذه قد إشتملت على كل ما جاء به المرجعين ، وانما هي نماذج شبه منتقاة .
وان كنت قد اصبت فلي حسنتين وان اخطأت فلي حسنة البحث والتقصي.
اطلب من الله سبحانه التوفيق والسداد .
نيسان 2011
***
المحتوبات:
- مقدمة.
- منهجية الاصلاح في المذهب عند الامامين فضل الله والمؤيد.
1 - المبحث الاول:
* الموقف من الامامة.
2 - المبحث الثاني:
* الموقف من الحوزة.
3 - المبحث الثالث:
*الموقف من الروايات والاحاديث:
- الرأي في السنة النبوية.
- رد بعض الاحاديث.
- الرأي في ما احتواه نهج البلاغة.
- الرأي في بعض الكتب الشيعية.
- الرأي في روايات الادعية.
4 - المبحث الرابع:
*الموقف من الصحابة:
1 – المؤمن والمسلم.
2 - حرمة سب زوجات النبي والصحابة .
3 - فضيلة ابو بكر الصديق.
5 - المبحث الخامس:
* الموقف من الائمة:
1 - تقديس الائمة ، وعلمهم بالغيب.
2 - الولاية التكوينية.
6 - المبحث السادس:
* الموقف من بعض المسائل تاريخية:
- قضية الزهراء.
7 - المبحث السابع:
* الموقف من ولاية الفقيه.
8 - المبحث الثامن:
* الموقف من بعض العقائد:
1- عالم الذر.
2- التوسل والشفاعة.
3– الرجعة.
4- الشهادة الثالثة.
5- مصحف فاطمة.
9 - المبحث التاسع:
* الموقف من بعض المسائل :
1- الخمس.
2- السجود على التربة الحسينية.
3- الموقف من الموسيقى.
4– الموقف من لعب الشطرنج.
5- طهارة كل انسان.
6- المرأة والارث من الارض.
7- صيام رمضان.
10 - المبحث العاشر
* الموقف من بعض المماراسات والطقوس:
- الشعائرالحسينية.
***
- مقدمة:
يدخل الفكر الشيعي الامامي الاثني عشري - بكل تجلياته الفقهية والسياسية والتاريخية ، في عصرنا الحاضر ، منذ منتصف القرن الماضي تقريبا- في ازمة حادة تتمثل في :
- توقف اعمال العقل فيه بعد ان بني اساسا على العقل. (1)
- اضافة للمصدرين الرئيسيين ، القرآن والسنة النبوية الموثقة - في تحصيله الاجتهادي ، واصبح يعيد انتاج ما تم انتاجه سابقا من اراء فقهية ، جاء بعضها لاسباب سياسية او فكرية او تحت ذريعة ان (ما خالف العامة فخذوا به) .
- السير على خطى السلف في اتخاذ المواقف حول مسائل تاريخية دون الفحص والتمحيص ، ودون الاعتماد على الدليل .
- اذا كان قبل اكثر من قرنين من الزمن قد برزت المدرسة الاخبارية (اصحاب النقل) بين فقهاء المذهب معتمدة على كل ما وصلها من روايات واخبار دون تمحيص ، ثم اختفت من الواجهة الفكرية للمذهب امام صلابة المدرسة الاصولية (اصحاب العقل – تأسست على يد الشيخ المفيد في القرن الخامس الهجري)، فها هي تعود مرة اخرى في زمن الفضائيات ، وثورة الاتصالات ، والشبكة العنكبوتية ، لتزيد الازمة حدة.
- بروز ظاهرة التكفير والابعاد من المذهب للرأي الاخر الذي يستخدم عقله في المناقشة، والفحص والتمحيص للروايات والمواقف التاريخية. (2)
هذه الازمة هي الصورة الامثل لما مر به هذا الفكر عبر التاريخ ،بسبب المواقف السياسية ، ومن ثم الايديولوجية التي اتخذها بعض شيوخه امام الرأي الاخر الذي ينطق بالاسلام، او العكس ، ومن تلك المواقف (وهي سياسية بإمتياز):
- العداء المستحكم بين السلطة واهل البيت وشيعتهم عبر العصور الاسلامية منذ استشهاد الخليفة الراشد الرابع الامام علي بن ابي طالب.
- بروز الدولة الصفوية امام الدولة العثمانية ممثلة للمذهب الشيعي!!! ، وبروز ما سمي بالتشيع الصفوي مقابل التشيع العربي. (3)
- بروز المدرسة الاخبارية بين فقهاء المذهب مقابل المدرسة الاصولية وما تلى ذلك من صراع بين فقهاء المدرستين.
- انشقاق بعض فقهاء المذهب، وانشاء مذاهب اخرى تحولت فيما بعد الى ديانات مستقلة بعيدة عن الاسلام ، كالبهائية ، والاحمدية .
واذا كان الحال هذا عند شيوخ المذهب ، وكل يعتقد بصحة متبناه ، فإن الازمة ايضا قد وصلت الى ذروتها بعد تطبيق نظرية ولاية الفقيه في ايران نهايات القرن الماضي ، بعد ان كانت المرجعية البارزة بين عموم ابناء المذهب نفسه تتمثل بشخص واحد ، تعددت الى اكثر من واحد ، حتى بات ابناء المذهب منقسمين بين مجموعة لا تعد من المراجع ، من ناحية ، ومن ناحية ثانية ، بين مراجع ذات اصول عربية ومراجع ذات اصول فارسية او اعجمية (غير عربية ) ، ومن ناحية ثالثة ، بين مراجع يعتقدون بنظرية ولاية الفقيه ، ومراجع لا يعتقدون بها، وبين مراجع اخباريين وغيرهم اصوليين.
وفي هذا الخضم المتلاطم بين صفوف الشيعة ، يبرز سؤال مفاده : ما الصحيح بين كل ذلك؟
والصحيح المستفهم عنه في السؤال اعلاه يأخذ جوانب عدة، منها : هل الصحيح هو الموقف الفقهي ؟ ام الصحيح هو الموقف السياسي؟
والجواب عن الاول ، بالنفي، لان الموقف (الرأي)الفقهي عند الشيعة ، يعتمد في الحصول عليه بعد القرآن الكريم والسنة النبوية ، العقل ، أي الاجتهاد ، والاجماع ، فضلا عن الاختلافات الطفيفة وغير المشهورة بين الرأي الفقهي والاخر ، وكذلك ، فأن جل الاراء الفقهية هي اراء مستنسخة مما سبق القول فيه ، سوى بعض المستجدات.
واذا كان الصحيح المستفهم عنه هو الموقف السياسي من كل ما مر منذ تأسيس المذهب في القرن الثالث الهجري ولحد الان ؟ فهنا يبرز الجواب عاليا من بين الاوراق الصفر ، تحدوه مقولة – ان صحت - (4) نقلت عن الامام الصادق مفادها : (ما خالف العامة فخذوا به) ، ومن هذه المقولة تجذ ّر الصراع المذهبي مع الاخر ، فضلا عن تقبل – بسبب ذلك الصراع السياسي – المذهب للكثير من الاراء الغالية ، والاسطورية ، وابراز ما لم يتوثق من مواقف تاريخية كثيرة ، واتخاذ المواقف المعادية للمذاهب الاسلامية الاخرى .
***
بعد هذه الجردة البسيطة والمبسطة لتاريخية الصراع الداخلي للمذهب ، تقف هذه الدراسة امام مرجعين عربيين كانت لهم مواقف فقهية ومعالجات فكرية مغايرة لما عند كل الفقهاء والمراجع الاخرين عبر التاريخ المرجعي تقريبا ، وصلت الى حد ان افتي 21 مرجعا اعجميا بخروج احد هذين المرجعين وهو السيد محمد حسين فضل الله من المذهب ، بعد ان كفروه ، وما زال البعض من رجال الدين الشيعة يرون فيه ضال مضل. (5)
هذه الوقفة هي دراسة مقارنة بين مرجعيتي السيد فضل الله (اللبناني الجنسية) والشيخ حسين المؤيد (العراقي الجنسية)، بعد انتقال السيد فضل الله الى ذمة الخلود ، وخلو المرجعية العربية ممن يمثلها ، وليس ذلك من باب التمييز العنصري (القومي) ، بقدر ما هو تمثل للايات الكريمات الدالة على ان كل امة يرسل الله سبحانه لها رسولا من بينها ، وكتابا بلغتها ، إذ انه نزل بلسان العرب، وعلى عرفهم وعاداتهم، فصيحا بليغا :
((وما أرسلنا من رسول إلا بلسان قومه ليبين لهم فيضل الله من يشاء ويهدي من يشاء وهو العزيز الحكيم)). [إبراهيم: 4 ]
(( وكذلك أنزلناه قرآنا عربيا وصرفنا فيه من الوعيد لعلهم يتقون أو يحدث لهم ذكرا)). [طه: 113 ]
((قرآنا عربيا غير ذي عوج لعلهم يتقون)). [الزمر: 28 ]
(( كتاب فصلت آياته قرآنا عربيا لقوم يعلمون )).[فصلت: 3 ]
والاجدر عند ذاك ان يكون الفقهاء والمراجع من القومية ذاتها تمثلا بالاية الكريمة :
((وما كان المؤمنون لينفروا كافة فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة ليتفقهوا في الدين ولينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم لعلهم يحذرون)). [التوبة: 122 ]
لان اللغة هي حاضنة الفكر، فضلا عن انها مؤثرة ومتأثرة به.
وحري بعامة الشيعة العرب ان يقلدوا مراجع عرب ، كما هو الحال في ايران وغيرها من بلدان العالم، إذ أغلب الشيعة هناك يقلدون ابناء جلدتهم .
والدراسة هذه ، فضلا عن كونها دراسة مقارنة بين فكر السيد فضل الله وبين فكر الشيخ المؤيد -على كافة المستويات - الا انها لا تنسى ان تبرز الاراء والمواقف الاصلاحية التي دعا لها المرجعين في الفكر الشيعي الامامي الاثني عشري .
ويجب التنبيه الى ان هذه الدراسة قد اعتمدت ما نشر من اراء وطروحات على المواقع الالكترونية لكلا المرجعيتين ، من خلال موضوعات محددة .
***
منهجية الاصلاح في المذهب عند الامامين فضل الله والمؤيد:
كان السيد فضل الله مرجعا اشكاليا ، و كانت اراؤه وطروحاته الفقهية، ونظرته لاحداث التاريخ ، ومنهجيته ، كالحجر الذي يرمى في البركة الساكنة ، انها كانت صعقة كهربائية للفقه والفكر الشيعيين ، ومن هذا المنطلق ، راحت اقلام البركة الساكنة تنال منه ومن مرجعيته ، ومن طروحاته الفقهية والفكرية والتاريخية ، فكان بحق المرجع الاشكالي في تاريخ المرجعية .
اما الشيخ حسين المؤيد ، الفقيه والمرجع الشيعي الاخر ، الذي كانت اراؤه وطروحات الفقهية ، ونظراته التدقيقية لقضايا تاريخية ، فقد مثل عند ذلك - على مستوى الحوزة – وجه اخر من وجود التصحيح والتجديد والاصلاح . (6)
يتصف مشروع الامام الشيخ المؤيد النهضوي في المرجعية بـ : (7)
- انفتاحه الذهني تجاه مسألة التجديد والاجتهاد الصحيحين توثيقا .
- تفعيل الفكر الديني علميا وموضوعيا وعقلانيا.
- المراجعة النقدية الشاملة والعلمية والعقلانية للتراث الاسلامي ، وخاصة الشيعي منه ، ذلك التراث الذي قال عنه سماحته في رد على سؤال وجه له: (و ما نجده في التراث من غث دسته يد الغلاة أو غيرهم من المغرضين لا يعبر عن المفاهيم الصحيحة المتطابقة مع نصوص القرآن الكريم و روحه) للوصول الى التقارب المذهبي خدمة لفكر اسلام قرآني صحيح.
- واهم نقطة في مشروع سماحته ، دعوته الى الوحدة الاسلامية في زمن تكالب فيه اعداء الاسلام على هذا الدين الحنيف ، وتعالت اصوات ثقافة السب واللعن والتكفبر على الورق الصناعي والورق الافتراضي ، اوعلى الفضائيات .
فيما يقف السيد فضل الله في صفه ، وكلاهما يحملان مشروعا نهضويا، اصلاحيا، تجديديا . فيرى: (( أنّ الإسلام بحاجة إلى حركة إصلاح ديني كتلك التي حدثت في أوروبا في القرن السادس)).
وعن مشروعه الاصلاحي ، يرى سماحة السيد فضل الله إنّ الإصلاح يجب ان يكون في فهم النص ، يقول:
(( طبعاً النص يمثل الحقيقة، ولكن المسألة هي في فهم النص، لأنّ بعض الناس قد يفهمون النصوص الإسلامية، سواء كانت نصوصاً قرآنية أو نصوصاً من السنّة، قد يفهمونها فهماً سيئاً، ولذلك لا بد من إصلاح الفهم للنص وإصلاح السلوك العام الذي يتحرك به الناس، والذي قد يمثِّل الأخذ بالخرافة أو الغلو أو ما أشبه ذلك.
(...)هناك مصدران: مصدر التخلّف الذي يشيع بين المسلمين من خلال أولئك الذين يحملون ثقافة الخرافة، وثقافة التخلف، وثقافة الغلو، وهذا ما نشاهده في كثير من الدعوات التي يتحرك بها بعض شبابنا في لبنان وفي العراق وفي إيران وما إلى ذلك، حتى بعض المشايخ الذين يحاربون الذين يحملون الوعي والتقدم والانفتاح والاعتدال. أما المصدر الثاني، فهو هذا التمزق الذي نشهده في الواقع الإسلامي بين السنة والشيعة، وبين السنة أنفسهم، وبين الشيعة أنفسهم، إضافةً إلى الحرب العالمية المعلنة ضد الإسلام والمسلمين في جميع أمورهم، في الوقت الذي نجد أن المسلمين يواجهون الموقف في الكثير من الحالات بالنـزاع في الهامشيات، والتجريديات، ما لا يؤدي إلى أية نتيجة في حسابات صنع القوة.
(... ( إن الإسلام لا يمنع المسلم من الاجتهاد في فهم الكتاب والسنة ومناقشة إجتهادات العلماء في تفسيرهما وفي تحديد المفاهيم العامة في الاسلام ولكن هناك ثوابت شرعية وفكرية إسلامية كحرمة الزنا والسحاق واللواط لا مجال لإنكارها من ناحية مزاجية أما مسألة العدل فهي حقيقة التشريع في الاسلام وكما ان بعض تصرفات المسلمين الظالمة او الخاطئة في الماضي والحاضر لا تمثل الإسلام الذي يرفض الظلم كله للمسلم وللكافر ولكن الأمور لا تناقش بالانفعال المزاجي بل بالعلم وبالموضوعية،( ...) إني مسلمٌ، لست سنّياً بالمعنى العصبي، ولست شيعيّاً بالمعنى العصبي، أنا مسلم في خط أهل البيت (عليهم السلام) الذي يمثل الخط الإسلامي الأصيل البعيد عن الخرافيين والمتخلفين الذي يحاولون إقحام الخرافة والغلوّ في منهج أهل البيت(ع)، ومنهج أهل البيت بريء من ذلك)).
ويؤكد السيد فضل الله قائلا: ((ان التراث الفقهي والكلامي والفلسفي نتاج المجتهدين والفقهاء والمفكرين ، وهو لا يمثل الحقيقة الا بمقدار ما نقتنع به من تجسيده للحقيقة ، على أساس ما نملكه من مقاييس الحقيقة ، وبالتالي فان الفكر الاسلامي ما عدا البديهيات هو فكر بشري قد يخطئ فيه البشر وقد يصيبونه.))
ويقول: (( لا بد من الخروج من أقبية الذات والخصوصيات والحسابات الضيقة ، وعلينا ان نواجه قضايانا وأفكارنا وحتى عقيدتنا بالنقد والشجاعة والجرأة قبل ان ينقدها الآخرون ، لأننا نملك كما غير قليل من الموروث الذي تركه لنا الأقدمون ، والذي ينبغي النظر اليه بعين النقد والتحليل حتى لا نكون مصداقا للآية الكريمة : ( انا وجدنا آباءنا على أمة وانا على آثارهم مقتدون)" ويقول: " ان الحرية المطروحة هنا وهناك هي حرية مناقشة الآخر . أما ان نناقش في فكرنا في عملية نقد علمي فهذا ليس واردا ، بل قد نجد هنا وهناك إرهابا فكريا ، ولذا فاني اعتقد ان علينا ان ندرس ما عندهم وان عليهم ان يدرسوا ما عندنا ، بطريقة علمية موضوعية بعيدا عما اذا كانت هذه المفردات الفكرية او الفقهية او المفهومية مما التزم به المتقدمون ، او مما لم يلتزموا به)).(8)
في دراستنا هذه سنناقش مواقف المرجعيتين ، من خلال موضوعات محددة ، فقهية وفكرية وتاريخية، ومن خلالها سيتوضح الامر امام الشيعة المؤمنين – خاصة مقلدي السيد فضل الله بعد انتقاله الى ذمة الخلود – في ان الشيخ حسين المؤيد هو المرجع العربي الذي يمكن ان يكون المرجع المقلد – بفتح اللام – عند الشيعة العرب.
***
الهوامش:
1 - لمعرفة الكثير عن استخدام العقل عند الفقهاء الشيعة الامامية الاثني عشرية يمكن مراجعة المصادر التالية:
- رسالة في تخطئة المجتهد وتصويبه – السيد علي الامين – ط2 – دون ذكر دار النشر.
- دراسة نقدية للامامة عند الشيعة - اثير العراقي – مستنسخ من شبكة النت. 2 – يمكن مراجعة كتاب زبدة التفكير في رفض السب و التكفير – السيد علي الامين – في الاصل حوار مع قناة المستقلة – 2009 .
3 – راجع كتاب : التشيّع العلوي والتشّيع الصفوي – د. علي شريعتي.
4 - والدراسة ترى براءة الامام منها.
5 - لهذا كانت المواجهة - الشيخ جلال الصغير - ص 13 . وانظر الى ما جاء في الكتاب عن الصراع الذي دار بين مكاتب المرجعيتين في الشام وبيروت.
6 - راجع كتابنا ج1 – للوقوف على معاني هذه المفاهيم والمصطلحات.
7 - راجع كتابنا ج1
8 - حوارات في الفكر والسياسة والإجتماع، السيد فضل الله، ص 480.
***
المبحث الاول
الموقف من الامامة

جاء في الشافي في مقدمة محقق كتاب الامامة - للشريف المرتضى - ج 1 - ص 5 – 12 :
(( الإمامة رئاسة عامة في أمور الدنيا والدين ، وقد أجمع المسلمون على وجوبها إلا ما يحكى عن أبي بكر الأصم من قدماء المعتزلة من عدم وجوبها إذا تناصفت الأمة ولم تتظالم ، وقال المتأخرون من أصحابه : إن هذا القول غير مخالف لما عليه الأمة ، لأنه إذا كان لا يجوز في العادة أن تستقيم أمور الناس من دون رئيس يحكم بينهم فقد قال بوجوب الإمامة على كل حال ووافق الأصم بذلك النجدات من الخوارج.
واختلفوا في دليل وجوبها هل هو العقل أو الشرع أو هما معا في كلام طويل لا مجال لاستعراضه هنا .
ثم بعد أن انعقد الاجماع على وجوب الإمامة صاروا فريقين .
أحدهما أن الإمامة تثبت بالاتفاق والاختيار .
والثاني بأنها ثبتت بالنص والتعيين.
والفريق الأول هم جمهور أهل السنة ومعظم الخوارج والزيدية من الشيعة ، وفي هذا الفريق من يذهب إلى أنها تثبت أيضا بالقهر والغلبة ، فكل من غلب بالسيف وصار إماما وسمي أمير المؤمنين فلا يحل لأحد يؤمن بالله واليوم الآخر أن يبيت ولا يراه إماما برا كان أو فاجرا وأنه لا ينعزل بالفسق والظلم ، وتعطيل الحدود ولا يخلع ولا يجوز الخروج عليه .
واختلف القائلون بالاختيار في كيفية انعقادها فقالت طائفة : لا تنعقد إلا بجمهور أهل الحل والعقد ليكون الرضا عاما ، والتسليم لإمامة المختار إجماعا .
وقالت طائفة : أقل من تنعقد به الإمامة خمسة يجتمعون على عقدها أو يعقدها أحدهم برضا الأربعة واستدلوا على ذلك بأمرين : أحدهما أن بيعة أبي بكر انعقدت بخمسة أجمعوا عليها ثم تابعهم الناس وهم عمر بن الخطاب وأبو عبيدة بن الجراح ، وأسيد بن حضير ، وبشير بن سعد ، وسالم مولى أبي حذيفة .
والثاني تنعقد بواحد لأن عمر عقدها لأبي بكر ، ولأن العباس قال لعلي : أمدد يدك أبايعك حتى يقول الناس عم رسول الله بايع ابن عمه فلا يختلف عليك اثنان.
وقال آخرون : تنعقد بثلاثة يتولاها أحدهم برضا الاثنين كما يصح عقد النكاح بولي وشاهدين كما أن هناك خلافا بين هذين الفريقين في شروط الإمامة من حيث القرشية والهاشمية والعدالة بل والحرية ، وتعدد الأئمة في زمن واحد إلى غير ذلك من الشرائط التي اختلفوا فيها تجد كل ذلك مبثوثا في كتب الكلام والعقائد والمذاهب والفرق .
أما الفريق الثاني وهم الذين قالوا لا طريق إليه إلا بالنص وهؤلاء ثلاث فرق البكرية والعباسية والإمامية .
فقالت البكرية : إن النبي صلى الله عليه وسلم نص على أبي بكر إشارة وهم جماعة من الحنابلة وأصحاب الحديث وبعض الخوارج .
وقالت الراوندية إنه نص على عمه العباس تلويحا ، وقد نشأت هذه الطائفة في صدر الدولة العباسية وناصرهم الجاحظ في رسالة سماها " العباسية " ثم انقرضت هذه الطائفة في زمن قصير .
وقالت الإمامية نص على علي عليه السلام تصريحا وتلويحا ، وأن الإمامة عهد الله الذي لا خيرة للعباد فيه وأنها إمرة إلهية كالنبوة وإن كانت دونها مقاما وبعدها منزلة ، ولا يجوز للنبي صلى الله عليه وآله أن يترك أمته هملا يرى كل واحد رأيا ، ويسلك كل واحد سبيلا ، فلا بد من تعيين الإمام ، والنص عليه حسما للخلاف ، وقطعا لدابر الفتنة ، إلى ذلك من الأقوال والأدلة التي ذكروها في كتبهم الكلامية والاعتقادية .
والخلاف في الإمامة بين المسلمين واقع بالفعل من صدر الاسلام إلى يوم الناس حتى قال الشهرستاني : " أعظم خلاف بين الأمة خلاف الإمامة إذ ما سل سيف في الاسلام على قاعدة دينية في كل زمان مثل ما سل على الإمامة في كل زمان " فلا غرابة إذن إذا كثر حولها الكلام ، وتصاولت فيها الأقلام ، وأفرد فيها عشرات بل مئات الكتب)) .
وفي (أصل الشيعة وأصولها ) قال الشيخ كاشف الغطاء - ص 221 وما بعدها عن الامامة:
(( قد أنبأناك أن هذا هو الأصل الذي امتازت به الإمامية وافترقت عن سائر فرق المسلمين ، وهو فرق جوهري أصلي ، وما عداه من الفروق فرعية عرضية كالفروق التي تقع بين أئمة الاجتهاد عندهم كالحنفي والشافعي وغيرهما .
وعرفت أن مرادهم بالإمامة : كونها منصبا إلهيا يختاره الله بسابق علمه بعباده ، كما يختار النبي ، ويأمر النبي بأن يدل الأمة عليه ، ويأمرهم باتباعه .
ويعتقدون : أن الله سبحانه أمر نبيه بأن ينص على علي عليه السلام وينصبه علما للناس من بعده ، وكان النبي يعلم أن ذلك سوف يثقل على الناس ، وقد يحملونه على المحاباة والمحبة لابن عمه وصهره ، ومن المعلوم أن الناس ذلك اليوم ، وإلى اليوم ، ليسوا في مستوى واحد من الإيمان واليقين بنزاهة النبي وعصمته عن الهوى والغرض ، ولكن الله سبحانه لم يعذره في ذلك فأوحى إليه : [ يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك وإن لم تفعل فما بلغت رسالته ] ، فلم يجد بدا من الامتثال بعد هذا الانذار الشديد ، فخطب الناس عند منصرفه من حجة الوداع في غدير خم ، فنادى وجلهم يسمعون : " ألست أولى بالمؤمنين من أنفسهم " ؟ .
فقالوا : اللهم نعم .
فقال : " من كنت مولاه فهذا علي مولاه " . . إلى آخر ما قال .
ثم أكد ذلك في مواطن أخرى تلويحا وتصريحا ، إشارة ونصا ، حتى أدى الوظيفة ، وبلغ عند الله المعذرة .
ولكن كبار المسلمين بعد النبي صلى الله عليه وآله تأولوا تلك النصوص ، نظرا منهم لصالح الاسلام حسب اجتهادهم فقدموا وأخروا ، وقالوا : الأمر يحدث بعده الأمر .
وامتنع علي وجماعة من عظماء الصحابة عن البيعة أولا ، ثم رأى [ أن ] امتناعه من الموافقة والمسالمة ضرر كبير على الاسلام ، بل ربما ينهار عن أساسه ، وهو بعد في أول نشوئه وترعرعه ، وأنت تعلم أن للاسلام عند أمير المؤمنين عليه السلام من العزة والكرامة ، والحرص عليه والغيرة ، بالمقام الذي يضحي له بنفسه وأنفس مالديه ، وكم قذف بنفسه في لهوات المنايا تضحية للاسلام . وزد على ذلك أنه رأى الرجل الذي تخلف على المسلمين قد نصح للاسلام ، وصار يبذل جهده في قوته وإعزازه ، وبسط رايته على البسيطة ، وهذا أقصى ما يتوخاه أمير المؤمنين من الخلافة والإمرة ، فمن ذلك كله تابع وبايع ، حيث رأى أن بذلك مصلحة الاسلام ، وهو على منصبه الإلهي من الإمامة ، وإن سلم لغيره التصرف والرئاسة العامة ، فإن ذلك المقام مما يمتنع التنازل عنه بحال من الأحوال .
أما حين انتهى الأمر إلى معاوية ، وعلم أن موافقته ومسالمته وإبقائه واليا فضلا عن الإمرة ضرر كبير ، وفتق واسع على الاسلام لا يمكن بعد ذلك رتقه لم يجد بدا من حربه ومنابذته .
والخلاصة : أن الإمامية يقولون : نحن شيعة علي وتابعوه ، نسالم من سالمه ، ونحارب من حاربه ، ونعادي من عاداه ، ونوالي من والاه ، إجابة وامتثالا لدعوة النبي صلى الله عليه وآله : " اللهم وال من والاه ، وعاد من عاداه " .
وحبنا وموالاتنا لعلي عليه السلام وولده إنما هي محبة وموالاة للنبي صلى الله عليه وآله وإطاعة له .
(... ) إن الإمامية تعتقد أن الله سبحانه لا يخلي الأرض من حجة على العباد ، من نبي أو وصي ، ظاهر مشهور ، أو غائب مستور ، وقد نص النبي صلى الله عليه وآله وأوصى إلى علي ، وأوصى علي ولده الحسن ، وأوصى الحسن أخاه الحسين ، وهكذا إلى الإمام الثاني عشر المهدي المنتظر عليهم السلام وهذه سنة الله سبحانه في جميع الأنبياء ، من آدمهم إلى خاتمهم )).
قال السيد فضل الله عن الامامة :
(( أن الخلاف حول موضوع الإمامة يجب أن ننظر إليه في سياقه التاريخي الماضوي، كما يجب أن ننطلق منه برؤية عصرية تجمع المسلمين ولا تفرقهم )).
فيما قال المؤيد :
(( قد ذكرنا مراراً و تكراراً في مقابلاتنا في الإعلام و في أجوبتنا على أسئلة السائلين انّ الإمامة ليست أصلاً من أصول الدين و ان عدم الإعتقاد بها – سواءً لعدم ثبوتها أو لثبوت عدمها – لا يؤثر في اسلام الإنسان و لا في إيمانه , و ان كل من اعتقد بالاسلام و تبناه ديناً و امتثل أحكامه و تعاليمه بالطريق الذي تيقنه بعد التثبت فهو مسلم مؤمن مهما كان مذهبه و هو أهل لقبول عمله و نيل نعيم الله تعالى و الفوز بجنته عز و جل . و كل كلام يخالف ذلك فأنا أرفضه و أبرء منه )).
وعندما سأل سماحته عن مداخلته في قناة المستقلة حول الموضوع قال :
(( المعروف في الفكر الإمامي الاثنا عشري (( أنّ أصول الدين خمسة هي التوحيد و العدل و النبوة و الإمامة و المعاد . و أطلق عليها أصول الدين بإعتبارها أصول العقيدة الإسلامية حسب رؤية المدرسة الإمامية الإثنا عشرية و كون العقيدة هي الركيزة الأساسية للايمان و الالتزام الديني .
و هذا التصنيف هو التصنيف المدرسي السائد في الفكر الامامي الاثنا عشري .
و أما التعبير عن تلكم الأصول بأصول المذهب فيراد به أن هذه الاصول هي أصول العقيدة في المذهب الإمامي , و قد جيء بهذا التعبير بأعتبار ما يذهب اليه الإمامية من ان من لم يؤمن بالعدل و الامامة لا يكون خارجاً عن الاسلام بنحو مطلق و انما هو محكوم بما يسمونه الاسلام الظاهري أي ما حقنت به الدماء و جرت عليه المناكح و المواريث , لكنه يكون خارجاً عن المذهب . و هذا الأمر يتفق عليه علماء المذهب بحيث يعتبر المخالف شاذاً بمعنى أنهم يتفقون على انّ المعتقد بالتوحيد و النبوة و المعاد محكوم بالإسلام بالمعنى السالف , و انه يكون خارج المذهب و على اساس ذلك رتبوا أمرين :-
الأول :- عدم إطلاق صفة المؤمن على غير الإمامي الإثنا عشري لكون الإمامة من أصول العقيدة حسب المذهب , لذا فهي دخيلة في الإيمان الحقيقي و إن لم تكن دخيلة في الاسلام الظاهري , لذا لا يتصف منكر الامامة عندهم بالايمان و ان اتصف بالاسلام بمعناه الظاهري العام .
الثاني :- ان اتصاف غير الامامي الاثنا عشري بالاسلام الظاهري انما يعني معاملته معاملة المسلم في الدنيا , و لا يستلزم ذلك معاملته معاملة المسلم في الآخرة حيث انه منكر لما هو من اصول العقيدة , و متبع في العمل مسلك غير الامام الشرعي فلا يقبل عمله . و يستثنى من ذلك المستضعف و هو من لم يكن له من الادراك و العلم ما يمكنه من الوصول الى ما عليه المذهب , و أما غيره فهو خاضع للحالة العامة , فهو خارج عن المذهب يعامل في الدنيا معاملة المسلم لكنه يعامل في الآخرة معاملة غير المسلم .
و اما الجاحد للامامة بمعنى من يعلم بثبوتها لكنه منكر لها عناداً و استكباراً فيحكمون عليه بالكفر في الدنيا على اساس أن جحوده يستبطن ردّ الرسالة و الكفر ببعضها و هو يستلزم الكفر .
هذا هو الاتجاه المدرسي في الفكر الاثنا عشري .
و نحن نختلف مع هذا الاتجاه في تصنيف أصول الدين و يترتب على ذلك عدم كون الامامة أصلاً من هذه الأصول .
توضيح ذلك :-
ان الأصل هو عبارة عما يرتكز عليه الشيء و يبنى , في مقابل الفرع , و عليه يكون معنى أصول الدين هو ما يرتكز عليه الدين و يبنى .
و هذا المعنى هو معنى يختلف بإختلاف الاعتبارات و الوجوه التي يلحظ بها الشيء , فربما يكون شيئ ما باعتبار معين أصلاً من الأصول و ربما يكون باعتبار آخر فرعاً و ليس أصلاً . فالصلاة على سبيل المثال و هي من فروع الدين باتفاق فقهاء المذهب عبّر عنها في الأحاديث بعمود الدين و العمود مما يرتكز عليه الدين . و في بعض الأحاديث الواردة عن أهل البيت عليهم السلام ورد التعبير ببني الاسلام على خمس و عدّ منها الصلاة و الصيام و الحج و هي كلها من الفروع . و نجد ايضاً أن الايمان بالمعاد جعل أصلاً من أصول الدين و لم يجعل الإيمان بالرسل و الانبياء و الكتب السماوية لا سيما القرآن الكريم أصلاً من هذه الأصول مع أنّ الصلاة اذا كانت عمود الدين و ممما بني عليه الإسلام فلا شك في ارتكاز الاسلام على الايمان بالقرآن الكريم .
كل ذلك يدلل على أنّ اثبات صفة الأصل لشيء و عدم اثباتها لشيء آخر انما هو بلحاظ الإختلاف في الاعتبارات و الوجوه الملحوظة . و ليس ذلك بعيداً عن الإجتهاد و عن العوامل الدخيلة في تبلور المذهب و تمييزه عن غيره , و من هنا فانه يجب التمييز بين ما هو أصل مطلقاً و بين غيره أي بين ما لا يمكن أن يكون الا أصلاً مهما تعددت الاعتبارات , و بين غيره مما يمكن أن يكون خاضعاً للاعتبارات و اللحاظات و العوامل الاخرى . و يترتب على ذلك أنّ الأصل على نحو الاطلاق هو الذي يجب أن يكون الأصل الأساسي لانه من دونه لا تقوم للدين قائمة كدين و لا يمكن من دونه أن يرتبط الانسان بالدين و يتصف بانه من أتباعه و المنتمين اليه فما كان كذلك هو الجدير بجعله أصلاً للدين لأنّ كل ما عداه يكون تفصيلاً .
و على هذا الأساس نقول ان ما يكون أصلاً مطلقاً يرتكز عليه الدين من حيث المبدأ هو :-
1. الإقرار بوحدانية الله عز و جل الهاً و رباً .
2. الإقرار بنبوة محمد صلى الله عليه و آله و سلم رسولاً من عند الله تعالى .
3. الإلتزام الاجمالي بالرسالة و هو يستبطن معنيين :-
آ . الالتزام بان كل ما جاء به النبي صلى الله عليه و آله و سلم فهو حق من عند الله تعالى .
ب• عدم انكار و ردّ ما يحتمل أنه من الرسالة قبل قيام الدليل على أنه ليس منها .
هذه هي الأصول التي يرتكز عليها الإسلام على نحو الاطلاق , بمعنى انه لا تقوم للاسلام قائمة بدون واحد منها , و لا يمكن أن يدخل الانسان في دائرة الاسلام ابتداء من دون واحد منها . فهي أصول لا تختلف باختلاف الاعتبارات و الوجوه الملحوظة فيما يمكن أن يجعل ركيزة للدين .
و أما غير هذه الأمور الثلاثة , فلا يمكن أن يعدّ أصلاً على نحو الاطلاق . و يدل على ذلك عمل النبي صلى الله عليه و آله و سلم و هو الذي جرت عليه السيرة في الاسلام , فان النبي صلى الله عليه و آله و سلم أخذ الأمور الثلاثة شرطاً في الدخول للاسلام حيث أن الإقرار بالشهادتين هو شرط ذلك و مفتاح الإنتماء الى الاسلام . و الاقرار بالشهادتين اقرار بوحدانية الله تعالى الهاً و رباً , و اقرار بنبوة محمد صلى الله عليه و آله و سلم رسولاً من عند الله عز و جل و هذان الاقراران هما المدلول المطابقي للشهادتين , ثم ينضوي تحت الاقرار بهما الالتزام الاجمالي بالرسالة فهو معنى تابع لذينك الاقرارين .
و لو كان هناك شيء آخر معتبر في الإسلام على نحو الموضوعية لما أكتفي في اسلام غير المسلم بمجرد الشهادتين و للزم ان يضم اليه ذلك الشيء , و هذا يعني أن الإيمان بالمعاد و اليوم الآخر يدخل في الايمان بالرسالة , و ليس أصلاً على نحو الإطلاق بحيث تكون مدخليته في الاسلام على نحو الموضوعية , و لذا لم يشترط الاقرار به في الدخول في الاسلام لكونه تفصيلاً يدخل في الايمان بالرسالة , و لذا لم يأخذ النبي صلى الله عليه و آله و سلم الاقرار به من مشركي مكة و قد كانت عقيدتهم قائمة على انكاره . و ما ذاك الا لانه ليس دخيلاً في ما يرتكز عليه أصل الاسلام على نحو الموضوعية و انما هو معتبر من حيث اعتبار الايمان برسالة النبي عليه الصلاة و السلام و هو جزء أساسي فيها و تفصيل أساسي من تفاصيلها . و بناء على ما ذكرنا يتضح أنّ الامامة ليست من أصول الدين بالمعنى المتقدم , و عليه فان انكار الامامة ما لم يرجع الى انكار شيء من الرسالة لا يستلزم الكفر بمعناه الحقيقي , و ان هذا الانكار لا تأثير له في اتصاف الانسان بالاسلام بمعناه الواقعي .
و أما الإيمان فليس له الا معنيان :-
الأول :- التصديق بالاسلام عقيدة و شريعة .
الثاني :- التصديق المقرون بالعمل .
و كل ما يعرّف به الايمان خارج هذين المعنيين في هذا المجال لا يستند الى دليل من الكتاب و السنة .
و من خلال ما ذكرناه يتضح :-
1. ان منكر الامامة اما لعدم نهوض أدلتها عنده , أو لقيام الدليل عنده على عدم ثبوتها لا يخرج عن الاسلام و لا عن الايمان , فهو مسلم واقعي و مؤمن بالمعنى الأول للايمان لانه مصدّق بالاسلام و رسالته , و بالمعنى الثاني اذا اقترن تصديقه بالعمل بأحكام الإسلام .
و ذلك لأن الامامة ليست لها مدخلية على نحو الموضوعية في الاسلام , و ليست أصلاً من أصوله المطلقة , و انما هي تفصيل ينظر في ثبوته و الأصل عدمها حتى يقوم دليل قاطع عليها فمن أنكرها لعدم ثبوتها عنده فان انكاره لها لا ينافي التزامه الاجمالي بالرسالة , لانه لم ينكر ما هو ثابت , و لم يردّ ما يحتمل ثبوته من دون دليل لذا فانكاره لها لن يصطدم بما هو اساس الدين لذا لا يخرج عن الاسلام الواقعي , و لا يخرج عن الايمان .
2. ان التمييز في الفكر الامامي الاثنا عشري بين ما سمّي بالاسلام الظاهري و الاسلام الحقيقي على أساس القبول بالامامة غير صحيح . فبناءً على ما ذكرناه مما سلف و أكدناه في النقطة السابقة أيضاً فانّ اسلام منكر الامامة الذي لم يقم عنده دليل عليها أو قام عنده الدليل على عدمها هو اسلام حقيقي , لم يؤثر انكاره للامامة على شيء من الاعتقاد باصوله و فروعه و العمل بها .
فمصطلح الاسلام الظاهري لا يصح اطلاقه على منكر الامامة بالوجه الذي تقدم لان منكرها على هذا الوجه داخل في دائرة الاسلام و الايمان حقيقة فلا بد أن يكون اسلامه واقعياً , و انما يطلق مصطلح الاسلام الظاهري على من دخل في الاسلام دخولاً ظاهرياً فاعلن اقراره بالشهادتين دون أن يبني عليها اعتقاده و هو من يتفق المسلمون جميعاً على انه مسلم بحسب الظاهر و يسمى منافقاً . و لا علاقة للنفاق بقضية انكار الامامة و انما له علاقة بقضية الاعتقاد بالاسلام نفسه .
و يتحصل من كل ما ذكرناه أنّ الأحاديث المنسوبة الى أهل البيت عليهم السلام و التي يستفاد منها أن للاعتقاد بالامامة مدخلية في الاسلام الواقعي و في الايمان يجب ردها لمنافاتها للكتاب المجيد و السنة النبوية الشريفة و ما عليه السيرة القطعية في الاسلام .
فان قيل :- على النهج الذي ذكرتموه هل يكون منكر المعاد كمنكر الامامة متصفاً بالاسلام و الايمان ؟
قلنا :- هناك فرق واضح بين المعاد و الامامة فالمعاد و ان كان تفصيلاً من التفاصيل الرئيسة في الاسلام لكنه من الامور التي ثبتت في الاسلام على نحو الضرورة و هو
أمر واضح غاية الوضوح في القرآن و السنة , و لذا فان منكره يكون كافراً لانه أنكر ما هو جزء أساسي ثابت بوضوح في الرسالة , فالمعاد في الاسلام ليس من القضايا التي يمكن أن يتطرق اليها الانكار , لوضوح ثبوتها بمستوى يفيد اليقين بينما الإمامة ليست كذلك فانها لم تثبت على مستوى الضرورة , و انما هي قضية خلافية متنازع عليها تحتاج الى نظر و اقامة دليل , و ليست أدلتها من الوضوح بالدرجة التي تفضي اقامة هذه الادلة الى وضوح النتيجة , لذا لم يكن انكارها موجباً للكفر و الخروج عن الاسلام و الايمان . و منكروها لم ينكروها جحوداً و عناداً و انما أنكروها اما لعدم نهوض أدلتها عندهم فيكون انكارهم لها حينئذ موافقاً للأصل لأن الأصل عدمها ما لم يقم دليل قاطع عليها , أو أنهم أنكروها لقيام الدليل عندهم على عدم ثبوتها . و في كلتا الحالتين لا تأثير لمثل هذا الانكار على اسلامهم و ايمانهم لعدم اصطدامه مع ما هو المعتبر في الاسلام و الايمان)) . (1)
الهوامش:
1 - للزيادة في التوضيح : يمكن مراجعة المصادر التالية:
- جواد علي، المهدي المنتظر عند الشيعة الإثني عشرية، جواد علي، ترجمة د. أبو العيد دودو، منشورات الجمل 2007.
- تطور الفكر السياسي الشيعي من الشورى الى ولاية الفقيه - أحمد الكاتب- الدار العربية للعلوم . موقع الكاتب الالكتروني .
***
المبحث الثاني

الموقف من الحوزة
للحوزة تاريخ طويل ، غني ، ومثمر بين صفوف عامة الشيعة الامامية الاثني عشرية ، وفي صفوف فقهاء المذهب الذين تخرجوا فيها وحصلوا على الدرجات العلمية حسب التراتبية الحوزوية ، ان كان ذلك في حوزة النجف او قم.
وفي هذه الدراسة لا نريد ان نقدم جردة تاريخية لها بقدر ما نريد ان نلقي الضوء عليها في عصر وصل فيه المذهب الى ازمته الحادة ، فتأثرت به الحوزة او ان الحوزة هي التي مرت بتلك الازمة فأثرت في المذهب ، و الامران متداخلان ، وقول احدهما يعبر عن القول الاخر في الوقت نفسه.
وقد تنبه الى ذلك الكثير من المراجع والفقهاء والمفكرين ورجال الدين الشيعة الامامية الاثني عشرية ، فكتبوا الدراسات ، وخير مثال على تلك الدراسات – ذات الطابع النقدي والداعي الى التصحيح- هو خلو الدراسة في الحوزة من دراسة القرآن الكريم (المصدر الاول في التشريع) ، وتفسيره .(1)
يقول السيد فضل الله عن الأسلوب الامثل للخروج من أجواء الجمود الَّتي تنتشر في الحوزات؟
(( السّبل إلى ذلك كثيرة، وأهمّها الانفتاح على مشاكل العصر والأمّة، من أجل المشاركة في إيجاد الحلول المناسبة لها، لأنّه من الضّروريّ أن تكون الحوزة قريبةً جدّاً من النّاس، وبالتّالي، فلا ينبغي لها الابتعاد عن كلّ المشاكل والابتلاءات الّتي تحدث هنا وهناك، وهذا ما يعطي الحوزة دوراً فاعلاً وإيجابيّاً، وبالتّالي، فإنّ الانفتاح على الآخرين وعلى اعتراضاتهم وإشكالاتهم، سواء كانت تتعلّق بالنّاحية العقائديَّة والوجوديَّة، أو بالنّاحية التّاريخيَّة، ونحو ذلك من قضايا، يجعل التَّواصل والتّفاهم ممتدّاً إلى الّذين نختلف معهم، تماماً كما كان عليه الأئمّة(ع)، (... ) وهذا ما نريد للحوزة أن تكون عليه، ونسأل الله أن يلهم الجميع السّير في هذا الاتجاه، والحمد لله، فإنّنا نلمس بين وقتٍ وآخر من يتحسَّس مثل هذه الهموم، ويحاول السّير بالحوزة إلى الأمام.))
فيما يرى الامام الشيخ المؤيد من خلال المشروع النهضوي الذي قدم فيه ملامح التجديد والتصحيح والاصلاح للحوزة وللاجتهاد في حوزة النجف العربية العراقية، ان :
(( الحوزة تاريخيا وللأسف الشديد كانت تفتقد ولا تزال إلى الحضور العراقي ،الحوزة مكان حاضنة مفتوحة لكل الجنسيات لا يوجد تمييز إلا بالكفاءة العلمية وبالتقوى ولكن هذا لا يعني أن تتحول الحوزة في بلد كالعراق هو مهد للتشيع تاريخيا وحاضنة للتشيع تاريخيا ويعتبر شيعة العراق في الطليعة من شيعة المسلمين ،لا يمكن أن تتحول هذه الحوزة إلى وضع يهمش فيه الحضور العراقي والوجود العراقي بل لابد أن يكون المحور والأساس في الحوزة هو للعراقيين وللوجود العراقي ،والآخرون أيضا يفسح لهم المجال في حوزة هي حاضرة علمية كبرى وجامعة علمية تخرج العلماء والأفاضل من مختلف الجنسيات ولكن العراق يحتاج إلى علماء عراقيين ويحتاج إلى أفاضل عراقيين والى خطباء عراقيين والى أئمة جماعة عراقيين والى مراجع عراقيين والى أساتذة عراقيين وهذه حقيقة اجتماعية في كل مكان أشار إليها القران الكريم( وما أرسلنا من رسول إلا بلسان قومه ليبين لهم ) فهو لا يرسل إلى العرب إنسان أعجميا ولا يرسل إلى العجم أنسانا عربيا وإنما من كل قوم يرسل من هو منهم يفهم ثقافتهم ولغتهم وأجوائهم وبالتالي يكون اقدر على التأثير فيهم ، نعم الكفاءة شرط لدينا مقاييس ومعايير شرعية الاعلمية وما شاكل ولكن الحضور العراقي في الحوزة أمر ضروري جدا لكي تستطيع الحوزة أن تنسجم مع الواقع العراقي وان توثر في الواقع العراقي وهذا أمر كانت تفتقد إليه الحوزات العلمية وحاول السيد الشهيد الصدر السيد محمد باقر قدس الله نفسه حاول في أخريات سنيه حاول أن يستقدم المثقفين والجامعيين إلى الحوزة وان يطعم هذه الحوزة بعقول عراقية وان يحتضن وان ينمي الحضور العراقي في الحوزة ولكن لم تطل به الأيام وانتكس الوضع إلى أن تصدى الشهيد الثاني الصدر الثاني إلى هذه القضية وعمل على تقوية الحضور العراقي في الحوزة ولعل ما هو موجود الان من حصيلة في الحوزة عراقية هي من ثمرات غرسه والان أيضا الحوزة بحاجة إلى تقوية وتنمية الحضور العراقي لان المجتمع العراقي لا يزال بحاجة وطلب العلم واجب كفائي إذا لم يمتثل بالنحو الذي يسقط به هذا الوجوب يكون الجميع آثمين والان لا يوجد ذلك العدد الكافي الذي يمكنه أن يغطي حاجة العراق فضلا عن حاجة البلدان العربية التي للشيعة فيها تواجد ولهذا من يجد في نفسه الرغبة والكفاءة والأهلية لطلب العلم الديني يجب عليه أن يبادر إلى طلب العلم والى الانخراط في صفوف الحوزة لكي يكون لنا ذلك العدد الكافي الذي نتمكن من خلاله من تغطية حاجات المجتمع العراقي لدينا وعلى جميع الأصعدة وهذه قضية قائمة إلى يومنا وسوف تزداد هذه الحاجة إلى الحضور العراقي في الحوزة مستقبليا أيضا ولابد أن يتنادى كل المخلصين لتوفير الظروف والأجواء التي يحتضن فيها من يريد طلب العلم ويوفر له الجو الكافي والمعاش الكافي الذي يمكنه من طلب العلم ومن التقدم والرقي كي يستطيع من خدمة المجتمع كي يستطيع خدمة المجتمع فيما بعد.((
والمشكلة تلك التي شخصها سماحته بأسلوب تاريخي علمي ومنطقي ، تكمن اسبابها كما يقول في ندوة حوارية :
((في عدم تبلور مرجعية عراقية وطنية لها محورية في داخل الشعب العراقي الامر الذي كنا نصر عليه منذ اليوم الأول ولانريد أن ننطلق من منطلق عنصري في هذه القضية وإنما هذه مسألة تقتضيها طبيعة المجتمعات واشار اليها القرآن الكريم "وَمَا أَرْسَلْنَا مِن رَّسُولٍ إِلاَّ بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ " العراق الذي يحتضن الحوزات العلمية الشيعية في العالم اعني بذلك النجف الاشرف حوزة النجف تاريخيا بعد الفترة الصفوية همش فيها المحور العراقي الوطني الا في فترات محدودة ولهذا في ظل غياب مرجعية عراقية لها محوريتها لايمكن للمجتمع أن يتحرك بالشكل الصحيح . أساساً المشكلة التّي يعاني منها الشعب هي ان هناك معادلة تستبطن تناسبا عكسيا فهناك عاطفة دينية متأججة وثقافة دينية متدنية(...) . حينما تكون هنالك عاطفة دينية متأججة وثقافة دينية متدنية يدخل على الخط ما اصطلح عليه بالديماغوجية الدينية التّي تضاف اليها الديماغوجية السياسية وحينئذ تدخل قوى دينية وسياسية لتحريك الامة بأتجاه مصالحها هي، مستغلة تأجج العاطفة وتدني الثقافة .
وهناك قضية اخرى وهي انه تاريخيا كلما كان المتصدي في المجتمع العراقي مرجعية عراقية وطنية او كان هناك محور علمي عراقي وطني نجد ان المواقف تكون ايجابية ، المواقف العامة تكون ايجابية وينتعش الوضع الديني وينتعش الوضع الوطني بينما حينما تغيب المحاور الدينية العراقية الوطنية تتأزم الامور ويعيش المجتمع حالة من الضياع وأساساً نظرة وتربية الشيعة في تعاطيهم مع المرجعية هي على اساس النظر إلى المرجعية على انها زعامة دينية ولهذا تلتف الامة حول المرجع بوصفه نموذجا للزعامة الدينية وهذه التربية اعتاد عليها الناس وهي من حيث المبدأ قضية صحيحة ولكنّها حينما تلتقي مع مصداق مناسب نجد ان الزعامة الدينية تحرك الامة بأتجاه الاهداف الرسالية وحينما يغيب مثل هذا النموذج الظواهر غير الطبيعية او غير المطلوبة تطفو على السطح نحن نعتقد ان الشعب العراقي بحاجة إلى المحور الديني العراقي الوطني هذا المحور يجب ان يكون له ثقله العلمي . انت تحدثني عن مرجعيات تعبرعنها مرجعيات عراقية ولكن بغض النظر عن الاسماء وانت لم تطرح اسماء ولذلك استطيع ان اتوسع في هذا المجال لا اعتقد ان هناك فيمن يقصد من تتوفر فيه هذه المواصفات لان بروز المرجعية يقوم على اساس ان يكون للمرجع ثقله ووزنه العلمي الواضح في الحوزة وان يكون له عطاؤه الفكري في الامة . الامة في العصر الحديث تعودت على مرجعيات كان لها عطاؤها الفكري حينما نستذكر اسماءً لامعة كالامام الشهيد محمد باقر الصدر الذي لم يقتصر على مجرد الفتوى في الحلال والحرام وإنما كان له اسهامه الفكري الحضاري وكان له عطاؤه الفكري الذي تربى عليه شباب الامة ، الامة بحاجة إلى النمط الذي يغذيها من خلال وزنه وثقله مضافا فهمه وثقافته السياسية الحديثة التّي تجعله قادراعلى فهم الاحداث وتحليلها تحليلاً صحيحا ليتخذ المواقف الصائبة بشأنها ولهذا اعتقد انه من الضروري للمشروع الوطني السياسي والاجتماعي ان يعتمد على مرجعية عراقية لها وزنها العلمي ولها قدرتها على العطاء الفكري ولها ثقافتها السياسية المتينة اذا برز هذا المحور والتفت الامة حول هذا المحور يمكن رسم معادلة جديدة تكنس تداعيات وافرازات الواقع الحالي ونحن نؤكد وكنا قد اكدنا في بياناتنا ومواقفنا على ضرورة تقوية التّيار الوطني الذي يتبنى المشروع الوطني العراقي الذي لايقوم على اساس طائفي او اثني وإنما يقوم على اساس اعتماد المواطنة العراقية والتأكيد على هوية العراق الوطنية العربية والإسلامية . ).(
فسماحته يشدد على مسألة مهمة وهي تعريق الحوزة في النجف ليس بسبب عنصري شوفيني ، ولكن بسبب جوهري هو: (( لكي تستطيع الحوزة أن تنسجم مع الواقع العراقي وان توثر في الواقع العراقي وهذا أمر كانت تفتقد إليه الحوزات العلمية)).
وسماحة الامام الشيخ عندما ينتقد المرجعية فأنه ينطلق من اساس اسلامي ،وبمنهجية علمية موضوعية اسلامية، وبوطنية صافية لا تشوبها شائبة، وفي الوقت نفسه يطالب بتطوير عمل تلك المرجعيات .
يقول سماحته :
((موقف المرجعيات من الأحداث التّي شهدتها وتشهدها الساحة يرتبط بطبيعة هذه المؤسسة الدينية وان كان هناك , وهناك في الواقع إشكاليات في العمل المرجعي في عمل المؤسسة الدينية هذه الاشكاليات تعود إلى حاجة المؤسسة الدينية الى إعادة بناء وتطوير بما يؤهلها للعب دورها الاساسي بما يتناسب وطبيعة المرحلة ومتطلبات العصر ، لاشك بان هذا الاداء الذي شهدناه ونحن لانريد ان ننطلق من مواقف تتعلق بالأشخاص وإنما نريد ان ان نثمن الأداء والمنهج لاشك بان هذا الأداء لم يكن موفقا , المرجعية أساساً لايصح ان تكون مجرد منصب للفتوى بالحلال والحرام ولايمكن ان يستغرق عمل المرجع في هذا الجانب فقط انما المرجعية طبقاًًًًًًً لمدرسة اهل البيت امتداد شرعي لخط الإمامة وبالتالي يكون المرجع ممثلا لمنصب الإمامة في المجتمع وماقيمة الإمامة بدون الانفتاح على المجتمع بعرضه العريض, الآمر الذي يقتضي توفر مواصفات في المرجع تؤهله لاداء هذا الدور الكبير بما في ذلك ثقافته السياسية وفهمه وقدرته على تحليل الأوضاع تحليلاً صائباً . اذاً المؤسسة الدينية بوضعها الحالي ليست مؤهلة للعب هذا الدور على ان عملها لايزال يكتسب صفته التقليدية الرتيبة ولم يتطور بعد إلى عمل مؤسسي فالمرجع يحتاج لاتخاذ المواقف والقرارات إلى جهاز عمل وإلى مركز للأبحاث والدراسات وإلى هيئة استشارية تخصصية تمده بالمعطيات اللازمة وتعينه على حسن اتخاذ القرار. هذا الامر بحسب ما نعلمه من واقع المرجعيات غير متوفر بالشكل المطلوب ولهذا لايمكن ان نعتبر اداء المرجعيات فيما يرتبط بقضية كالقضية التّي تعرض لها العراق وكحدث كالحدث الذي تمر به المنطقة هذا الأداء ليس أداء يتناسب وحجم هذا الحدث . نحن ننطلق من منطلق تقييم ماجرى من إحتلال من خلال الستراتيجية التّي تنتهجها الولايات المتحدة ولهذا نعتبر ان الموقف الذي كان يجب ان يتخذ لابد ان يتناسب مع خطورة هذه الستراتيجية و تداعياتها على الامة بأكملها (...) فأذن نحن ننظر إلى الهجمة الامريكية على العراق وعلى المنطقة من هذه الزاوية الستراتيجية . من الواضح ان الافق اذا كان بهذا الشكل , هذا الامر يستدعي من المؤسسة الدينية موقفا يتناسب مع حجم خطورة هذه القضية والاداء الذي لاحظناه ليس بهذا المستوى مطلقا , المرجعية لم تتبن موقف المقاومة المسلحة وتبنت بحسب ماهو معلن موقف المقاومة السياسية ولكنّ المقاومة السياسية بالمعنى الفني السياسي لابد ان تتجسد في مجموعة من المظاهر يتحرك من خلالها الشعب تتحرك من خلالها الامة لم نجد مظهرا من هذه المظاهر التّي يمكن ان نقول عنها انها مقاومة سياسية بحجم الإحتلال . كان يمكن للمرجعِِِِِية أن توجه الشعب والامة بأتجاه المقاومة السياسية وأن تستغل نفوذها لتحريك الامة بهذا الاتجاه وكمثال بسيط على القضية لو أن المرجع اصدر فتوى تقضي بأن يرفع كل بيت عراقي لافتة على باب الدار تقول لا للإحتلال هذا مثال بسيط لوجدنا الامة تعيش في جو مقاوم سياسيا للإحتلال لكن لم نشهد مثل هذه القضية لم نشهد مثلا تظاهرات بحجم واسع تقوم على فكرة المقاومة السياسية للإحتلال)) .
ومن مواصفات المرجع الذي عليه ان يتحمل تنفيذ الاهداف التي ذكرناها سابقا ، ان يكون كما يقول سماحته:
(( ان المرجع إذا أراد أن يلعب دوراً وحدوياً وان يكون مرجعاً وان يكون ملكا لكل المسلمين دون أن يتقوقع في إطار مذهبي ضيق حينئذ ممكن أن يشكل زعامة إسلامية ينضوي تحت مظلتها أبناء العراق بمختلف طوائفهم. ولا توجد لدى أبناء الشعب العراقي أية حساسية من التعامل مع مرجعية وطنية وحدوية ترعى مصالحهم بدون النظر إلى انتماءاتهم)).
ولما كان حديثنا في السطورالسابقة قد انصب حول المرجعية ودورها في الحياة العامة والسياسية – وبأية صورة لها – فعلينا ان ننتبه الى امر هام، وهو دخول رجال دين بأسم الدين او الحوزة ليلعبوا ادوارا لا تخدم الشعب ، وقد حذر سماحته من مثل هؤلاء عندما قال :
((من المشاكل التّي عانتها الامة ومن التحديات التّي يواجهها المشروع الوطني والمشروع النهضوي هو ان بعض الاتجاهات ذات الصبغة الدينية بدلا من تديين السياسة سيست الدين وهذه مشكلة تترك اثرا سلبيا على الدين نفسه انا لا اعني قضية فصل الدين عن السياسة انا اعتقد ان الإسلام هو دين الحياة لكل مناحيها ولكنّ تسييس الدين بمعنى تفريغ الدين من محتواه الرسالي وتحويل هذا الدين إلى آلة سياسية للوصول إلى اهداف معينة هذا هو الخطر)) .
وهكذا نرى ان نقد الشيخ المؤيد للمرجعية ودورها اليومي ، اكثر افقا مما جاء في نقد السيد فضل الله ، ذلك لان الشيخ المؤيد وهو يقدم نقده للحوزة والعاملين فيها ، فإنه ينطلق من عروبة الاسلام ، وعروبة المذهب ، والدراسة هذه لا ترى في ذلك أي نغمة عنصرية طالما ان الحديث يدور عن الحوزة في العراق العربي .
وكما طرح الشيخ رؤيته للحوزة ، وان تكون على شكل مؤسسة ، نرى ان السيد فضل الله يطرح مشروعا طالما طالب به البعض في الستينات من القرن السابق ، وما زال هاجسا عند الكثير من عامة الشيعة وخاصتها ، الا وهو مشروع (الحوزة المؤسسة) ، من خلال ما رسمه لها السيد من دائرتين مهمتين ، قال عنهما : ((الأولى: إبعاد المرجعية عن الصفة الشخصية، وجعلها مؤسسة متكاملة موحَّدة لا تعيش الفواصل في شخصيات المراجع، ولا يتحدد امتدادها الزمني بحياة المرجع، بل تضم مختلف الطاقات التي يحتاجها المرجع (رئيس المؤسسة) في إطلالة المرجعية على العالم، فيستفيد من تجارب السابقين ضمن التراث المتوفر لدى المؤسسة، وتستمر من بعده من خلال المرجع الذي يأتي بعده.
الثانية: أن تتخلى المرجعية عن حالتها التقليدية في الميل إلى الوسط الحوزوي بعيداً عن الاهتمامات العامة في حياة المسلمين، فلا بد للمرجعية أن تطلّ على قضايا العالم السياسية والثقافية والاجتماعية)).
فالمرجعان يتفقان في ان الحوزة بحاجة الى اصلاح ، من حيث انها :
1 – بحاجة الى الانفتاح على مشاكل العصر والأمّة.
2 – تفتقد إلى الحضور العربي و العراقي خاصة .
3 – بحاجة الى ان تكون على شكل مؤسسة .
الهوامش:
1 – راجع: الفصل الاول ( فاعليَّة الحوزة) من كتابنا
و: ( ثوابت ومتغيرات الحوزة العلمية ) - الدكتور جعفر الباقري .
و: عقائد الإمامية - الشيخ محمد رضا المظفر - ص 7 – 12.
***
المبحث الثالث

الموقف من الروايات والاحاديث

احتوت كتب الحديث الشيعية ، والكثير من المصادر المعتمدة في المذهب (ككتاب بحار الانوار مثلا) على أحاديث وروايات كثيرة غير صحيحة سندا او متنا ، وتتضارب الكثير منها مع صريح القرآن الكريم وآراء ومواقف الائمة في حياتهم ، او انها غير معقولة ، قال بها الغلاة من المحسوبين على المذهب عبر التاريخ لاسباب كثيرة ، او دخلت عليه من فرق اديان سماوية ووضعية ، او فلسفية او كلامية او اشراقية ، او صوفية ، حتى بات المذهب ينوء تحت ثقلها ، فراحت اصوات بعض رجال المذهب عبر تاريخه ، ترتفع عاليا بعدم صحتها ، الا ان البناء اصعب من الهدم ، فظلت تلك الاحاديث والروايات في متون الكتب الي يومنا هذا لاسباب كثيرة ليس اهمها ظهور المدرسة الاخبارية فحسب، وانما تحول الكثير – في وقتنا الحاضر – من رجال الدين الشيعة – خاصة المنبريين "الروزخونية" والفضائيين – الى ان ينشروا تلك الاخبار والروايات والاحاديث دون ضابط شرعي، او دليل عقلي ، فأساؤا الى المذهب بدلا من الاحسان اليه . (1)
سنناقش رأي الامامين، السيد فضل الله ، والمؤيد ، في تلك الاحاديث والروايات من خلال:
- الرأي في السنة النبوية.
- الرأي في ما احتواه نهج البلاغة.
- الرأي في بعض الكتب الشيعية.
- الرأي في روايات الادعية.
***
1- الرأي في السنة النبوية:
يقول السيد فضل الله :
((لقد أخذ علماؤنا بأحاديث رويت من طريق السنة، ولكننا لا نعتقد أن كتب الحديث التي يرويها مسلم والبخاري وغيرهما هي كتب صحاح، كما لا نعتقد صحة كل ما في كتب الحديث لدينا كالكافي والتهذيب وغيرهما.)).
فيما يقول الامام الشيخ حسين المؤيد :
(( ان مصطلح السنة عند الشيعة الامامية يطلق على قول المعصوم وفعله وتقريره ، ويقصدون بالمعصوم الرسول الاعظم صلى الله عليه واله وسلم وابنته فاطمة الزهراء عليها السلام والأئمة الاثنى عشر ،وبالتالي فالسنة التي هي احد المصادر الاصلية للاحكام الشرعية والمفاهيم الاسلامية، تعم كل ذلك عندهم .
وقد كان الصدر الاول من الشيعة سباقين الى تدوين السنة لا سيما الاحاديث . وعند الرجوع الى المؤلفات التي فهرست لرجال الاحاديث والاصول والكتب والمدونات الحديثية نجد ان قدماء الشيعة كانت لهم المؤلفات الكثيرة المتصلة بنقل الاحاديث عن الرسول الاعظم صلى الله عليه واله وسلم وعن امير المؤمنين علي والحسن والحسين وزين العابدين عليهم السلام .
وقد كانت هذه الكتب والمدونات مدار النقل والتحديث والسماع ، وفي كل طبقة اضيف الى تلكم المدونات الاحاديث التي تروى عن الأئمة التالين حسب كل طبقة ، وبهذا تكونت ثروة حديثية واسعة . الا ان النسبة الاكبر من هذه المدونات لم تصلنا خاصة بعد ان تم اختزال كل ذلك التراث عبر المجاميع الحديثية التي عبر عنها بالكتب الاربعة وذلك في القرنين الثالث والرابع الهجري ، وصارت هذه الكتب مدار النقل والاستدلال . على ان هناك كتبا كثيرة في مواضيع معرفية شتى نقلت الاحاديث لكنها لم تخل من عملية الاختزال التي اشرنا اليها .ومن الملفت للنظر ان عملية اختزال هذا التراث تكاد تكون اقتصرت من حيث الممارسة والنتيجة على المرويات عن الامامين الباقر والصادق ومن بعدهما من الائمة ولم تنقل من مدونات الحديث التي انتجها الصدر الاول والتي اكتظت باحاديث الرسول صلى الله عليه واله وسلم واهل بيته الاولين عليهم السلام الا النزر القليل الامر الذي ادى الى فقدان الشيعة لثروة حديثية ضخمة. والذي اعتقده ان هناك عوامل لا يتسم بعضها بالايجابية ادت الى هذه النتيجة الوخيمة التي اثرت على بلورة الفكر الشيعي بالطريقة التي عمقت شرخ الخلاف بينه وبين فكر المدارس الاسلامية الاخرى، بعض هذه العوامل عقيدي وبعضها اجتهادي ، فانت اليوم لا تجد في المرويات ما ينقل عن امير المؤمنين علي وعن الحسن والحسين وزين العابدين عليهم السلام الا النزر اليسير فضلا عن المرويات عن رسول الله صلى الله عليه واله وسلم ، بينما حين ترجع الى مصادر الشيعه الزيدية تجد ان اهم مصادرهم هو مسند الامام زيد عليه السلام وهو يحتوي على الاحاديث التي يرويها زيد عن ابيه السجاد عن الامام الحسين عن علي عن رسول الله صلى الله عليه واله وسلم فتستطيع ان تحظى بكم من الاحاديث عن الرسول صلى الله عليه واله وسلم واهل بيته الاولين الامر الذي لا تجد نظيره في الكتب الاربعة . وحتى الكتب الاربعة تتضمن عددا غير قليل من الاحاديث التي تتصف بسند معتبر لا يمكن نسبتها الى الأئمة عليهم السلام ولا تتصف بالحجية لان متونها تحتوي على خلل فاضح يشي بان هذه الاحاديث اما ان تكون مدسوسة ووضع لها سند معتبر او مكذوبة يمكن ان يكون بعض رجال سندها ممن تم توثيقه بحسب الظاهر غير ثقة بالواقع قام بافتعالها اوالزياة والنقصان فيها الامر الذي سبب في نظري مشكلة كبيرة في اتجاه عملية الاستنباط في المسار الصحيح . ومن هنا فانني اخذ كل هذه الامور بنظر الاعتبار في استنباط الاحكام وقد قمت بتاصيل قواعد في هذا المجال بحيث لا تكتفي عملية الاستنباط بالمصادر الموجودة وانما تعتمد منهج المقارنة والدراسة التحليلية وتتبع مسار الاحكام منذ خيوطها الاولى، كما لا تكتفي بالنظر الى اعتبار السند وانما تدقق في المتن وتدرس جو النصوص وتنفتح على كل القرائن التي يمكن ان تلعب دورا في تقييم النص )). (2)
ويقول سماحته في احدى اجاباته عن امر يتعلق بسند ومتن حديث :
((إنّ اعتبار الحديث – أي حديث – و حجيته لا ترتبط بسلامة سنده و حسب , و انما لا بد في صلاحية الحديث للأخذ به و إعتباره حجة مضافاً الى سلامة السند من سلامة المتن و عدم مخالفته للقطعي من النقل و العقل، فلو أن متن الحديث كان مخالفاً لمضمون قرآني قطعي الدلالة , فان الحديث يسقط عن الحجية حتى لو كان سنده صحيحاً اذ تكشف مخالفته للقرآن الكريم عن ثغرة فيه تمنع من الإحتجاج به , لانه لا يمكن أن يصدر من رسول الله صلى الله عليه و على آله و سلم ما ينافي القرآن الكريم (...) و كذلك اذا كان متن الحديث مما يكذبه الواقع الخارجي فانه يسقط عن الإعتبار أيضاً , لان حديث الرسول عليه أفضل الصلاة و السلام لا يتطرق اليه الكذب بحال فلا يمكن ان يكذبه الواقع , فما يكذبه الواقع لا يكون منتسباً الى رسول الله صلى الله عليه و على آله و سلم)).
- رد بعض الاحاديث:
رد فضل الله حديث: "إن من زار الحسين عليه السلام في قبره كمن زار الله في عرشه"، لقد أثارت هذه العبارات جدلاً طويلاً بيننا، وقال البعض منا إن مساواة منـزلة الحسين(ع) بمنـزلة الله سبحانه وتعالى غير جائزة، كما إن القول بزيارة الإنسان لله في عرشه يتناقض مع الفقه الجعفري الذي ينفي التشبيه عن ذات الله تعالى نفيا قاطعاً، وقال الخطيب إن ذلك من باب المجاز. )).
قائلا: (( هذا كلام يتنافى مع أبسط عقائدنا التوحيدية التي تؤكد أن الله سبحانه هو فوق الزمان والمكان، وأن العرش ليس هو المكان الذي يضم الله سبحانه، مع ملاحظة أخرى، وهي أن مساواة زيارة الحسين(ع) بزيارة الله في عرشه لا ينسجم مع العقيدة التي ترتفع بعظمة الله عن خلقه حتى المقربين إليه، وإننا ندعو الخطباء والعلماء إلى التدقيق في صحة هذه الأحاديث أولاً، وإلى دراسة تأثيراتها السلبية على مصداقية مذهب الإمامية ثانياً. حتى إنه لا يجوز أن نلقي على الناس كلاماً لا نلتزم بظاهره ثم ندخل في تأويله بعنوان المجاز أو غيره، بل إن الواجب هو التحدث عن العقيدة ورموزها بوضوح تام لا يثير أية شبهة أو إشكال)).
فيما رد الشيخ المؤيد الحديث : (( حدثنا محمد بن موسى بن المتوكل قال حدثنا عبد الله بن جعفر الحميري عن أحمد وعبد الله ابني محمد بن عيسى عن الحسن بن محبوب عن العلاء ابن رزين عن محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام قال: كان علي بن الحسين عليهما السلام يقول: أيما مؤمن من دمعت عيناه لقتل الحسين عليه السلام حتى تسيل على خده بوأه الله تعالى بها في الجنة غرفا يسكنها أحقابا، وأيما مؤمن دمعت عيناه حتى تسيل على خديه فيما مسنا من الاذى من عدونا في الدنيا بوأه الله منزل صدق، وأيما مؤمن مسه أذى فينا فدمعت عيناه حتى تسيل على خده من مضاضة أو أذى فينا صرف الله من وجهه الاذى وآمنه يوم القيامة من سخط النار)).
قائلا: (( سند هذه الرواية معتبر حسب مباني علم الرجال عند الإمامية و ليس في متنها ما يوجب سقوطها عن الحجية , فالثواب المذكور فيها حيث انه مما لا يعلمه الا الله تعالى الذي أعد هذا الثواب فلا بد أن يكون علي بن الحسين عليهما السلام حين أخبر عن هذا الثواب قد أخذه رواية تنتهي إلى رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم . كما أن الواضح من متن الرواية أن البكاء المذكور فيها ليس من باب الجزع على الميت و إنما هو بكاء على مظلومية الحسين عليه السلام سيد شباب أهل الجنة و الذي قال فيه رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم " حسين مني و أنا من حسين " و هو عمل مشروع منسجم مع الفطرة الإنسانية وَ لم يردع عنه الشرع و أيّ نفس انسانية لا تهتز باكية على مظلومية الحسين عليه السلام و الأذى الذي أصابه في سبيل الحق و العدل و تقويم الانحراف و إصلاح الأمة و الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر . و أما الثواب المذكور في الرواية فحاله حال سائر الأعمال المستحبة التي أعدّ الله تعالى لمن أتى بها ثواباً و أجراً في الآخرة , فإن ذلك لا يعني الا استحقاق الثواب من حيث المبدأ , و أما الإستحقاق العملي فهو منوط بالإستقامة على شرع الله عز و جل . و من هنا ليس للإنسان أن يتساهل في أوامر الله تعالى و نواهيه بحجة أنه سينال الجنة لمجرد بكائه على مظلومية الإمام الحسين عليه السلام .)).
***
2 - الرأي في ما احتواه نهج البلاغة من نصوص:
اما عن رأيه بما ضمه كتاب نهج البلاغة من خطب وكلمات ورسائل الامام علي بن ابي طالب ، فيقول الشيخ المؤيد:
(( واما كتاب نهج البلاغة فقد اخطأ من ادعى انه من تاليف الشريف الرضي وانما الصحيح ان الشريف الرضي قام بجمع هذه الخطب والكلمات المنسوبة الى امير المؤمنين علي عليه السلام من الكتب والمصادر والمنقولات والمدونات. ولا بد من اتباع منهج التدقيق في المنقول في هذا الكتاب حسب السند والمتن فما تم له سند معتبر ولم يكن في متنه خلل يمكن حينئذ نسبته الى امير المؤمنين عليه السلام ويترك ما عداه . فالناس وقعوا في قضية نهج البلاغة بين تفريط وافراط ، فالتفريط نسبة الكتاب الى الرضي نفسه ،والافراط هو القول بنسبة كل ما في الكتاب الى امير المؤمنين عليه السلام ، والمنهج الوسط هو ان الكتاب ليس للشريف الرضي وانما هو مجموع ما نسب الى امير المؤمنين علي عليه السلام من خطب وكلمات ، ويحكم بصحة ما كان له سند معتبر ولم يكن في متنه خلل وما لا ينافي الاعتبار)).
وعن سند خطبة الشقشقية ، يقول الامام الشيخ: ((هذا السند غير معتبر في ضوء معطيات علم الرجال عند الإمامية لوجود عكرمة فيه , لأنه غير موثق عندهم , و يذهب رجاليون امامية الى انه مجروح() .
وعن خطبتي البيان و التطنجية فيقول عنهما انهما غير صحيحتين:
(( فكل منهما ساقط سندا مضافا إلى اشتمال المتن في كليهما على فقرات باطلة من أكثر من جهة بحيث لو كان سند كل منهما صحيحا لسقط عن الحجية والاعتبار بسقوط المتن ولدخلت روايات الخطبتين تحت قاعدة الروايات التي تكذب متونُها أسانيدَها .
ومن هنا يتضح ضعف المحاولات الرامية إلى إضفاء نوع من الاعتبار عليهما بحجة أن سنديهما وإن كانا ضعيفين إلا أن المضمون قد ورد في روايات أخرى تتصف بصحة السند أو تتعاضد . وهذا تبرير واه لأن المضمون إذا كان باطلا لمخالفته للقرآن الكريم أو للأمور القطعية فإن الرواية تسقط عن الاعتبار حتى لو كان سندها صحيحا . وكذلك يضعف التبرير لإشكال بعض فقرات المتن بتأويل مضامين الخطبتين في الفقرات المشكلة . ويرده أن التأويل في هذه المضامين غير نافع مضافا إلى أنه في أي منها هو تأويل خاطئ أو تحكمي . ومن هنا لا يصح التعويل على هاتين الخطبتين بل لا تجوز روايتهما وترويجهما)).
فيما يقول السيد فضل الله عما ورد في كتب النهج:
(( ليس كل ما ورد في نهج البلاغة تصح نسبته للامام علي (ع) بل لا بد من دراسة سند كل خطبة او كلمة كما انه ليس من صنع الشريف الرضي وقد تحدث الكثير من العلماء في اكثر من كتاب عن مصادر نهج البلاغة((..
وعن خطبة التطنجيه ، يقول:
((هذه الخطبة غير صحيحة ومكذوبة عن لسان الإمام علي عليه السلام)).
***
3 - الرأي في بعض الكتب:
ورث الشيعة مكتبة كبيرة تضم عددا كبيرا من الكتب، وهي تحتاج الى من يخرج منها الغث والسمين ، فضلا عن معرفة أي الكتب المنتحلة ، وتوثيق الاخر,
وقد كان لبعض رجال المذهب دورا لا بأس به فيهذا المجال ، والامثلة كثيرة ليس هنا مجال تعدادها ، وانما يمكن ان نعطي امثلة بسيطة ، من مثل ، كتاب سليم بن قيس الذي اصبح خير مثال على اختلاف شيوخ ورجال المذهب بين موثق له وبين غير موثق له ، الا ان الشيخ المفيد نفى صحة الكتاب ، وكذلك كتاب فقه الرضا الذي تحفظ السيد الخوئي على صحته ، وغير ذلك من الكثير من الكتب.
فعن رأيه في كتاب : (مستطرفات السرائر)،(حسب ما جاء في سؤال احد السائلين) يقول الامام الشيخ المؤيد:
((و أما مستطرفات السرائر فحيث أن ابن ادريس لم يذكر طرقه الى الكتب التي نقل منها تلكم الروايات فلذا لا تتصف روايات مستطرفاته بالحجية . و قد حاول البعض علاج هذه الثغرة بمعالجات غير صحيحة . فالصحيح أن مستطرفات ابن ادريس غير واجدة لمعايير الاعتبار)).
في سؤال مفاده: (( قد وجدت فى كتاب مفاتيح الجنان ان آية الكرسى على التنزيل تختلف على ما هو موجود فى القران الكريم ، نريد من سماحتكم توضيح ذلك. ))
اجاب السيد فضل الله : ((لا قيمة لهذه الرواية جملة وتفصيلاً...)).
وهناك امثلة كثيرة في هذا الباب يجدها القاريء في اجابات المرجعين على مواقعهم الالكترونية.
***
4 - الرأي في روايات الادعية والزيارات:
وقد وضح الشيخ المؤيد رأيه الفقهي في الكثير من الروايات الناقلة للادعية – على سبيل المثال – من خلال اجاباته العلمية والموضوعية المتجردة من كل عاطفة ، يقول سماحته على سبيل المثال:
(( أما زيارة عاشوراء المشهورة فهي ضعيفة سندا ، وقد حاول بعض العلماء تصحيح سندها بناء على بعض المباني والقواعد الاجتهادية التي نذهب ويذهب كثير من المحققين في علمي الدراية والرجال إلى خطأها ، على أن متن هذه الزيارة يستبطن أوجها من الخلل التي تدلل على أنها إما أن تكون موضوعة أو أن يد الدس والتحريف قد نالتها فيسقط إعتبارها حتى لو فرض صحة سندها . إذ يلاحظ على متن هذه الزيارة
أولا : ركاكة السبك والأسلوب وهو أمر بعيد عن بلاغة أهل البيت عليهم السلام ، ومن أمثلة ذلك أنها بعد أن تذكر عظم الرزية وجلل المصيبة تشرع بالدعاء باللعن بعبارة (( ولعن الله أمة أسست ....)) وتختم الجملة بالبراءة ممن تناولهم اللعن ، وما أن تبدأ جملة جديدة يخاطب فيها الأمام الحسين (ع) ((يا أبا عبد الله إني سلم لمن سالمكم وحرب لمن حاربكم وولي لمن والاكم وعدو لمن عاداكم إلى يوم القيامة)) حتى تعود بحرف العطف ويكون مدخول العطف جملة تتضمن اللعن ، والعارفون بأساليب البلاغة في التعبير يدركون بوضوح أن هذا النوع من الأسلوب بعيد عن بلاغة التعبير ، إذ كان المفروض أن تكون جملة اللعن المعطوفة قد مزجت في الدعاء باللعن السابق بينما الذي حصل هو أن جملة الخطاب للإمام الحسين عليه السلام صارت في الوسط دون التسلسل المطلوب في الجمل . ومن أمثلة ذلك أيضا ورد في آخر الزيارة (( اللهم العن يزيد خامسا والعن عبيد الله ابن زياد وابن مرجانة ..)) مع أن عبيد الله ابن زياد هو نفسه ابن مرجانة وليس شخصا آخر وكان المفروض لو أريد الإشارة إلى أمه التعبير بابن مرجانة كبدل لابن زياد لا بالإتيان بواو العطف.
ثانيا : خلو الزيارة من المعاني التربوية في حين أنها أنشأت ليزار بها الإمام الحسين عليه السلام في ذكرى عاشوراء حيث نهضته العظيمة وتضحيته هو والصفوة من أهل بيته وأصحابه من أجل تصحيح الانحراف وإقامة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والدفاع عن القيم فكان من الطبيعي أن تتضمن الزيارة فلسفة النهضة الحسينية لتوعية الزائرين بمقاصد هذه النهضة وأهدافها النبيلة ، إن المعاني التربوية هي الأساس في المنهج التربوي الذي استخدمه أئمة أهل البيت عليهم السلام في كلماتهم وأدعيتهم بينما اقتصرت هذه الزيارة في طابعها العام على السلام واللعن وركزت على حالة الانفعال النفسي إزاء الحادثة .
ثالثا : تضمنت هذه الزيارة لعن بني أمية قاطبة وقد صرحت بعموم اللعن لبني أمية ويلاحظ عليه تناول اللعن لأناس ينتسبون لبني أمية لا يجوز لعنهم لصلاحهم أو لأنهم لا يستحقون مثل هذا اللعن لهم ، فهذا خالد بن سعيد بن العاص (رض) من أوائل الصحابة إسلاما ومن أبرزهم جهادا وصلاحا وهو الذي تنقل روايات الشيعة نفسها وقوفه مع علي عليه السلام بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في مسألة الخلافة ضمن من وقفوا معه وانحاز إليه مثل أبي ذر وعمار والمقداد وقد مات شهيدا في الجهاد في سبيل الله وكذلك أخوة خالد بن سعيد أسلموا جميعا وجعلهم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أمراء على بعض الإمارات مع أخيهم خالد ولما توفي صلى الله عليه وآله وسلم ترك خالد وأخوته إماراتهم ورجعوا إلى المدينة فقال لهم أبو بكر (رض) مالكم رجعتم عن أعمالكم وما من أحد أحق بالعمل من عمال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ارجعوا إلى أعمالكم فقالوا نحن بنو أحيحة ( لقب أبيهم ) لا نعمل لأحد بعد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أبدا . ثم ذهبوا إلى الشام يجاهدون في سبيل الله حتى استشهدوا جميعا هناك وقد قيل ما فتحت في الشام بلدة إلا وفيها رجل من بني سعيد ميتا . فعلى أي أساس شرعي يتناول اللعن مثل هؤلاء الأبرار . وعلى أي أساس شرعي ينال اللعن أم المؤمنين رملة بنت أبي سفيان أم حبيبة زوج رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم التي أسلمت في مكة مخالفة أباها حينما كان أبوها رأس الكفر والحرب على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وعلى المسلمين ، وهاجرت مع زوجها إلى الحبشة وتنصر زوجها في الحبشة وأرادها أن تتنصر معه فأبت وبقيت على إسلامها ثم مات زوجها وظلت هي في الحبشة تتحمل المصاعب ثابتة على إسلامها حتى تزوجها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ورجعت من الحبشة إلى المدينة . ولها موقف عظيم الشأن إذ قدم أبوها أبو سفيان مشركا إلى المدينة أثر نقض المشركين لصلح الحديبية وحين هم بالجلوس طوت عنه الفراش وقالت إنك مشرك نجس لا تجلس على فراش النبي ، وبعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وقرت في بيتها ولم تخرج منه كما لم تخرج من المدينة إلا للحج فما أعظمها جرأة على رسول الله أن تلعن زوجه أم المؤمنين هذه . وهذا أبو حذيفة ابن عتبة بن ربيعة أسلم في مكة قبل دخول المسلمين دار الأرقم وهاجر مع امرأته إلى الحبشة ثم قدم على الرسول في مكة وهاجر إلى المدينة وشهد الغزوات مع رسول الله وكان يقاتل في بدر في صفوف المسلمين مقابل أبيه عتبة وأخيه الوليد وعمه شيبة حيث كانوا في طليعة صفوف المشركين فوقف مقابلهم باسلا حتى أنه طلب مبارزة أبيه وكان بعد وفاة رسول الله في مقدمة صفوف الجيش الإسلامي المتجه إلى اليمامة لقتال مسيلمة الكذاب فقاتل حتى أستشهد فعلى أي أساس شرعي يتناول اللعن مثل هذا الصحابي الجليل . وهناك غير هؤلاء منتسبون لبني أمية لا يوجد وجه شرعي لتناول اللعن لهم . إن عبارة اللعن هذه أبعد ما تكون عن نهج أهل البيت و أدبهم وورعهم.
رابعا : تصرح الزيارة بلعن الخلفاء الراشدين الثلاثة وهو أمر لم يعرف أبدا عن أهل البيت عليهم السلام بل أشتهر عنهم عكس ذلك تماما ، فكانوا يحرصون على أن لا يصدر منهم ما ينافي احترام هؤلاء الصحابة ، وهذا معروف من سيرتهم ، وعرفه عنهم الناس جميعا في عصرهم ، ولذا كانت لأئمة أهل البيت المكانة العالية عند الجميع ، ولو أن شيئا غير ذلك عرف عنهم وتسرب إلى الناس لكان للناس منهم موقف آخر كما لا يخفى على من سبر تاريخ تلك الفترة.
وبالتالي لا تصح نسبة هذه الزيارة إلى الإمامين الباقرين عليهما السلام ولا يصح الإتيان بها حتى برجاء المطلوبية .
ومن الخطأ الفادح أن تجعل هذه الزيارة أو أن يتم تصويرها على أنها تمثل معلما من معالم الثقافة الشيعية وأدبياتها فيقوم البعض بحسن نية أو لأجل المزايدات على حساب الحقيقة بالمبالغة بالتمسك بها وتعظيم شأنها وإضفاء صفة القداسة عليها ورفض المناقشة العلمية الهادئة لها ولمثلها من الأدبيات التي تضر المذهب وأتباعه ولا تفيد وتعمق البغضاء بين المسلمين وتمعن في تبديد شملهم وتمزيق وحدتهم وهو أمر مرفوض رفضا قاطعا في ثقافة أهل البيت عليهم السلام ومدرستهم . ومن المدهش أن ينجر بعض أهل العلم وبعيدا عن المنهج العلمي للتشبث في تصحيح هذه الزيارة وإضفاء صفة القداسة عليها بقصص ومنامات ومكاشفات وما شاكل في حين أن الاستدلال المنطقي يسير عكس ذلك فالتقييم العلمي حينما يدل على عدم اعتبار هذه الزيارة علميا يدلل على بطلان هذه القصص والمنامات والمكاشفات بدلا من جعلها رصيدا لإثبات الموضوع .
وأما زيارة الجامعة الكبيرة فهي ضعيفة سندا أيضا ، وقد قام بعض العلماء بتصحيح السند بناء على مباني وقواعد اجتهادية نراها ويراها كثير من المحققين في علمي الدراية والرجال خاطئة . ومتن الزيارة على الرغم من أسلوبه البليغ وجزالة عباراته إلا أنه أشتمل على بعض المضامين التي تسقط اعتبار هذه الزيارة ، منها ما ينافي الثقافة القرآنية التي أراد الله تعالى أن تتربى عليها الأمة الإسلامية ويصاغ فكرها طبقا لها ، ومنها ما ينافي الواقع الخارجي ولا يتطابق معه ، فقد ورد في هذه الزيارة {{وبكم ينزّل الغيث وبكم يمسك السماء أن تقع على الأرض إلا بإذنه}} وقل لي بربك ألا ترى بونا كبيرا بين هذا المضمون وثقافته وبين قوله تعالى وهو يأمر نبيه أن يقول للناس ويثقفها على هذا المضمون ((قُل لاَّ أَقُولُ لَكُمْ عِندِي خَزَآئِنُ اللّهِ وَلا أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلا أَقُولُ لَكُمْ إِنِّي مَلَكٌ إِنْ أَتَّبِعُ إِلاَّ مَا يُوحَى إِلَيَّ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الأَعْمَى وَالْبَصِيرُ أَفَلاَ تَتَفَكَّرُونَ )) وقوله تعالى في سورة الأعراف (( قُل لاَّ أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعاً وَلاَ ضَرّاً إِلاَّ مَا شَاء اللّهُ وَلَوْ كُنتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لاَسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ إِنْ أَنَاْ إِلاَّ نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ )) وقوله تعالى في سورة الكهف ((قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ )) وهذا كله بالنسبة لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وخاتم أنبيائه فكيف بغيره ممن لم يبلغ مرتبته . وورد أيضا {{ وإياب الخلق إليكم وحسابهم عليكم }} ألا تجد فيها لو فكرت بموضوعية وسليقة مستقيمة بعيدا عن العاطفة والرواسب الذهنية والنفسية ما ينافي ثقافة القرآن الكريم التي أراد الله تعالى من خلالها تربية العقل المسلم على مفاهيم الإسلام والقرآن يقول ((وَنَبْلُوكُم بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ )) و((كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ ثُمَّ إِلَيْنَا تُرْجَعُونَ )) و ((كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ لَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ )) و((وَالْمَوْتَى يَبْعَثُهُمُ اللّهُ ثُمَّ إِلَيْهِ يُرْجَعُونَ )) و ((إِنَّا نَحْنُ نَرِثُ الْأَرْضَ وَمَنْ عَلَيْهَا وَإِلَيْنَا يُرْجَعُونَ )) و ((إِلَى اللّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعاً فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ )) و ((ثُمَّ تُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ )) و ((َالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوا وَّقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ )) و ((وَإِمَّا نُرِيَنَّكَ بَعْضَ الَّذِي نَعِدُهُمْ أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ فَإِلَيْنَا مَرْجِعُهُمْ )) وأنظر إلى قوله تعالى مخاطبا رسوله ((وَلاَ تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ مَا عَلَيْكَ مِنْ حِسَابِهِم مِّن شَيْءٍ وَمَا مِنْ حِسَابِكَ عَلَيْهِم مِّن شَيْءٍ فَتَطْرُدَهُمْ فَتَكُونَ مِنَ الظَّالِمِينَ )) و ((إِنَّ إِلَيْنَا إِيَابَهُمْ * ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا حِسَابَهُمْ )) وقوله تعالى ((قَالُوا أَنُؤْمِنُ لَكَ وَاتَّبَعَكَ الْأَرْذَلُونَ * قَالَ وَمَا عِلْمِي بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ * إِنْ حِسَابُهُمْ إِلَّا عَلَى رَبِّي لَوْ تَشْعُرُونَ)) . وورد في هذه الزيارة {{ وجاهدتم في الله حق جهاده حتى أعلنتم دعوته وبيّنتم فرائضه وأقمتم حدوده ونشرتم شرائع أحكامه وسننتم سنّته }} وهذه الفقرة واضحة الدلالة في أن جهاد الأئمة عليهم السلام قد أنتج وأثمر وتمخض عن الأمور المذكورة في هذه الفقرة من إعلان الدعوة وبيان الفرائض وإقامة حدود الله ونشر أحكام الإسلام فهل هذا مطابق للواقع الخارجي ؟ وإذا كان شخص كالإمام الرضا عليه السلام وقد أعطيت له ولاية العهد من المأمون لم يتمكن وهو ولي عهد من إقامة صلاة العيد بحدودها كما تذكر الروايات فكيف هو أو غيره قد تمكن من إقامة حدود الله تعالى ؟ وإذا كان الأئمة عليهم السلام قد ابتلوا بالتقية حتى في بيان الأحكام العادية للناس كما هو المعروف في ثقافة التشيع فكيف يمكن أن يقال أن جهادهم تمخض عن نشر الأحكام وإعلان الدعوة وبيان الفرائض ؟ لقد قضى أكثر الأئمة عليهم السلام حياتهم ولم تكن مقاليد الأمور بيدهم لا سياسية ولا اجتماعية ولا دينية . وإن وجود هذه المضامين في هذه الزيارة يوهن اعتبار النص بكامله ، وقد تقرر في علوم الحديث والفقه أن اشتمال الحديث على فقرة غريبة يخدش في إعتبار النص بكامله . وهكذا تسقط هذه الزيارة عن الاعتبار ولا يصح الإتيان بها حتى برجاء المطلوبية)) .
ويقول السيد فضل الله عن صحة سند الزيارة الجامعة :
((لم يثبت صحة اسانيد كتاب كامل الزيارات حيث لا يكفي مدح ابن بابويه في إثبات ذلك وهذا ما ذهب اليه ايضا السيد الخوئي (ره()).(3)
هذه نماذج من موقف المرجعين من الروايات والاحاديث التي تمتلئ بهما المصادر الحديثية الشيعية ، والتي هي عند الكثير من رجال المذهب وفي شتى العصور لا يأتيها الباطل من كل جوانبها ، الا ان المرجعين من خلال فحصهما لتلك الاحاديث والروايات ، وجدا انها لا تصمد امام النقد ، من حيث السند ، او المتن . او من خلالهما معا .
وهذا الامر له اهمية كبيرة على مستوى المذهب، اوعلى مستوى الدين الاسلامي ، لان الفحص والتمحيص ، والنقد ، يأتي تمثلا لصريح القرآن في ذم السير على خطى ما جاء به الاباء .
(( وإذا قيل لهم تعالوا إلى ما أنزل الله وإلى الرسول قالوا حسبنا ما وجدنا عليه آباءنا أولو كان آباؤهم لا يعلمون شيئا ولا يهتدون)). [المائدة :104 ]
((قالوا بل وجدنا آباءنا كذلك يفعلون)). [الشعراء :74 ]
(( وإذا قيل لهم اتبعوا ما أنزل الله قالوا بل نتبع ما وجدنا عليه آباءنا أو لو كان الشيطان يدعوهم إلى عذاب السعير )). [لقمان: 21 ]
((بل قالوا إنا وجدنا آباءنا على أمة وإنا على آثارهم مهتدون)). [الزخرف: 22 ]
الهوامش:
1 - لزيادة التوضيح يمكن مراجعة المصادر التالية:
- أحمد القبانجي، تهذيب أحاديث الشيعة، منشورات الجمل، 2009
- هاشم معروف الحسيني ، دراسات في الحديث والمحدثين، ص 40-48، 130-139.
- عبد الهادي الفضلي، دروس في أصول الفقه الإمامية، ص 74، موقع الحوزة العلمية الزينبية.
- نظريّة السنّة أو خبر الواحد في مدرسة الاُصول الشيعيّة القديمة، الشيخ حيدر حبّ الله.
2 – كل التأكيدات الواردة في الدراسة وضعت من قبلي.
3 – يقول احمد الكاتب : شكك العلامة السيد مرتضى العسكري (أحد مؤسسي حزب الدعوة الاسلامية) بصحة زيارة عاشوراء، ودعا الى الكف عن ترديد ما فيها من اللعن ، وذلك في محاضرة له في مدرسة السيدة المعصومة بقم بتاريخ 29 / 4 / 2004 حول زيارة عاشوراء التي يرد فيها لعن ظالمي أهل البيت عليهم السلام فقال: "إذا توجهنا إلى سيرة الأئمة فلن تجد عندنا هذا الأمر، وما ورد بشأن زيارة عاشوراء غير صحيح، وأنا متردد في أصل زيارة عاشوراء، وفي هذا العصر وهذه الظروف الحساسة لم يعد للعن موقعا أو محلا".)) – الهامش: . 265- من كتابه : السنة والشيعة.. وحـــدة الــــدين - خلاف السياسة والتاريخ.
***
المبحث الرابع

الموقف من الصحابة

1 - المسلم و المؤمن : (1)
هناك ثقافة يحاول البعض نشرها بين المسلمين – والشيعة خاصة – هي ثقافة العداء داخل اللحمة الاسلامية ، لشق وحدة المسلمين بدوافع سياسية ليس الا.
ومن اساليب هذه الثقافة التي تحاول بعض الفضائيات – فضلا عن الكتب – نشرها،هي اعطاء معان لالفاظ (مصطلحات) لم تكن من المفاهيم الاساسية في القرآن الكريم .
هذان المصطلحان هما : المسلم والمؤمن.
إذ يفرق بعض علماء الشيعة الامامية الاثني عشرية بين " المسلم والمؤمن" تحت تأثير اسباب سياسية تاريخية، تعضدهم في ذلك بعض الايات القرآنية التي تفسر تفسيرا يخرجها عن كونها آيات عربية الالفاظ والمعاني ، او ان يقسرون تفسيرها وكذلك تأويلها على معنى واحد مطلوب من قبل هذا البعض.
فيرى الكثير من الشيعة ان مصطلح مسلم يشمل القائل بالشهادتين ، اما المؤمن المسلم فهو الشيعي فقط.
فالشيخ المفيد ، يرى التفرقة بين "المسلم والمؤمن "، إذ يقول : (( واتفقت الإمامية على أن الاسلام غير الإيمان ، وأن كل مؤمن فهو مسلم و ليس كل مسلم مؤمنا ، وأن الفرق بين هذين المعنيين في الدين كما كان في اللسان ، ووافقهم على هذا القول المرجئة وأصحاب الحديث . وأجمعت المعتزلة وكثير من الخوارج والزيدية على خلاف ذلك ، وزعموا أن كل مسلم مؤمن وأنه لا فرق بين الاسلام والإيمان في الدين)).
الا ان الكثير من علماء المذهب الذين ارادوا قول الحق دون عاطفة مزيفة ، ودون ان يقعوا تحت تأثير روايات لم تثبت امام تحقيق الصحة والوثوقية ، اردفوا بين اللفظين وجعلوهما بمعنى واحد يطلق على من قال بالشهادتين.
يقول الشيخ كاشف الغطاء رحمه الله:
(( إن أهم ما امتازت به الشيعة عن سائر فرق المسلمين هو : القول بإمامة الأئمة الاثني عشر ، وبه سميت هذه الطائفة ( إمامية ) إذ ليس كل الشيعة تقول بذلك ، كيف واسم الشيعة يجري على الزيدية والإسماعيلية)).
و تعتمد عقائد الشيعة في اصولها وفروعها كما يقول الشيخ كاشف الغطاء على القضايا التالية :
1 - معرفة الخالق .
2 - معرفة المبلغ .
3 - معرفة ما تعبد به ، والعمل به .
4 - الأخذ بالفضيلة ورفض الرذيلة .
5 - الاعتقاد بالمعاد والدينونة .
فضلا عن ذلك ، فالشيخ كاشف الغطاء رحمه الله ، وهو يصحح اخطاء وقع فيها بعض رجال المذهب ، يؤكد على ان : (( الدين علم وعمل (...) والاسلام والإيمان مترادفان ، ويطلقان على معنى أعم يعتمد على ثلاثة أركان : التوحيد ، والنبوة ، والمعاد)) .
مما جاء في اعلاه ، يمكن الخروج بنتيجة مفادها :
1 – ان الاصول عند هذا المذهب تستقي من القضايا الخمسة اعلاه.
2 – ان الفروع في هذا المذهب تعتمد الاصول المستقات من القضايا اعلاه.
3 – بمعنى ، ان كل ما شذ عن تلك القضايا ، وهي اسس الدين الاسلامي ، وابتعد عنها ، فهو لا علاقة له بعقائد الشيعة الامامية الاثني عشرية.
ويتابع الشيخ كاشف الغطاء ليؤكد تأصيله للمذهب الامامي الاثني عشري ، فيقول :
(( والاسلام والإيمان مترادفان ، ويطلقان على معنى أعم يعتمد على ثلاثة أركان : التوحيد ، والنبوة ، والمعاد . فلو أنكر الرجل واحدا منها فليس بمسلم ولا مؤمن ، وإذا دان بتوحيد الله ، ونبوة سيد الأنبياء محمد ( صلى الله عليه وآله ) ، واعتقد بيوم الجزاء من آمن بالله ورسوله واليوم الآخر فهو مسلم حقا ، له ما للمسلمين وعليه ما عليهم ، دمه وماله وعرضه حرام . ويطلقان أيضا على معنى أخص يعتمد على تلك الأركان الثلاثة وركن رابع وهو العمل بالدعائم التي بني الاسلام عليها وهي خمس : الصلاة ، والصوم ، والزكاة ، والحج ، والجهاد . وبالنظر إلى هذا قالوا : الإيمان اعتقاد بالجنان ، وإقرار باللسان ، وعمل بالأركان ، ( من آمن بالله ورسوله وعمل صالحا ) . فكل مورد في القرآن اقتصر على ذكر الإيمان بالله ورسوله واليوم الآخر ، يراد به الاسلام والإيمان بالمعنى الأول ، وكل مورد أضيف إليه ذكر العمل الصالح يراد به المعنى الثاني . والأصل في هذا التقسيم قوله تعالى : [ قالت الأعراب آمنا قل لم تؤمنوا ولكن قولوا أسلمنا ولما يدخل الإيمان في قلوبكم ]. وزاده تعالى إيضاحا بقوله بعدها : [ إنما المؤمنون الذين آمنوا بالله ورسوله ثم لم يرتابوا وجاهدوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل الله أولئك هم الصادقون ] يعني : أن الإيمان قول ويقين وعمل . فهذه الأركان الأربعة هي أصول الاسلام والإيمان بالمعنى الأخص عند جمهور المسلمين . ولكن الشيعة الإمامية زادوا ( ركنا خامسا ) وهو : الاعتقاد بالإمامة)) .
يقول السيد فضل الله : (( كلاهما من المسلمين الذين يعتقدون بالعقيدة الإسلامية الواحدة والشيعة يعتقدون بالإمامة وينتهجون مذهب أهل البيت (ع) أما السنة فلا يعتقدون بالأئمة أولياء واجبي الطاعة.((
فيما يؤكد سماحة الشيخ المؤيد : ((هذا التصنيف غير صحيح ونحن نذهب إلى أن كل من اعتقد بالإسلام وتبناه دينا وامتثل أحكامه وتعاليمه بالطريق الذي تيقنه بعد التثبت فهو مسلم مؤمن مهما كان مذهبه)).
والقرآن الكريم يؤكد هذا الفهم في اكثر من اية .
***
2 - حرمة سب زوجات النبي والصحابة :
يقول محمد جواد مغنية في: ( الشيعة في الميزان - ص 292 – 298) :
(( أما عقيدة الإمامية بالصحابة . فيدل عليها قول إمامهم الرابع زين العابدين علي بن الحسين عليه السلام في الصحيفة السجادية من دعاء له في الصلاة على أتباع الرسل . قال : " اللهم وأصحاب محمد خاصة الذين أحسنوا الصحبة ، والذين أبلوا البلاء الحسن في نصره وكانفوه وأسرعوا إلى وفادته وسابقوا إلى دعوته ، واستجابوا له حيث أسمعهم حجة رسالاته وفارقوا الأزواج والأولاد في إظهار كلمته ، ‹ صفحة 293 › وقاتلوا الآباء والأبناء في تثبيت نبوته ، وانتصروا به ومن كانوا منطوين على محبته يرجون تجارة لن تبور في مودته ، والذين هجرتهم العشائر ، إذ تعلقوا بعروته ، وانتفت منهم القرابات إذ سكنوا في ظل قرابته ، فلا تنس لهم اللهم ما تركوا لك وفيك ، وأرضهم من رضوانك وبما حاشوا عليك ، وكانوا مع رسولك دعاة لك وإليك ، واشكرهم على هجرهم فيك ديار قومهم وخروجهم من سعة المعاش إلى ضيقة ، ومن كثرت في إعزاز دينك من مظلوميهم ")).
اصبح اللعن والسب ثقافة عند الكثير من رجال الدين الشيعة ، فنجد الكثير من الادعية والزيارات تمتلأ بهذا اللعن والسب، حتى ان ما يخرج من المطابع من كتب ودراسات ، وكذلك ما يدون على الصفحات الافتراضية على شبكة الانترنيت ، فضلا على المنابر الحسنية ، اصبحت نغمة يومية وكأن الاسلام جاء بهما دون غيرهما من تشريعات تطالب المسلم ان يتخلق بغير هذه الاخلاق.
ان ثقافة السب واللعن والكراهية للخلفاء الراشدين ، برزت الى حد ما بعد الغيبة الصغرى ، إذ لو تتعبعنا اسماء رجال الشيعة لوجدنا انهم تسموا باسماء اؤلئك الصحابة ، وخير مثال عبى ذلك: ان اسم السفير الاول للامام المهدي هو (أبو عمر عثمان) ، وغيره من الاسماء.
بداية لا يجوّز الامامين لعن المسلم – مهما كان تفكيره او مذهبه - فضلا عن لعن الصحابة باسمائهم ، لان ذلك – كما يريان – يضر بوحدة المسلمين .
كذلك ، نهانا الله سبحانه من لعن الهة المشركين كي لا يسبوا الله لجهلهم : ((ولا تسبوا الذين يدعون من دون الله فيسبوا الله عدوا بغير علم كذلك زينا لكل أمة عملهم ثم إلى ربهم مرجعهم فينبئهم بما كانوا يعملون)). [الانعام: 108 ]
اما النبي (ص) فقد كانت اخلاقه عظيمة (وانك لعلى خلق عظيم) ولم يبعث ليسب ويلعن ، وانما بعث رحمة للعالمين.
ولم يكن الامام علي بن ابي طالب او احد من الائمة سبابين لعانين فحاشين ، وهذه سيرهم متناثرة في المصادر ولم تذكر عنهم ذلك ، وعندما سب رجل من اصحاب الامام علي رجال من اصحاب معاوية قال لهم : لا تسبوهم بل اوصفوا اعمالهم.
فثقافة السب واللعن ثقافة غير اسلامية حتى لو بدرت من بعض الصحابة لاسباب ذاتية ، فقد كان النبي (ص) ينهى عن ذلك ، والمصادر زاخرة بالروايات.
يقول السيد فضل الله عن الذين يسبون الصحابة والسيدة عائشة زوج الرسول:
))إننا نستنكر ونشجب ونرفض هذا الاسلوب الشائن في الحديث عن السيدة عائشة أم المؤمنين زوج النبي محمد (ص) الذي يمثل الإساءة الى بيت النبي (ص) )( ... )هذا من جهة ومن جهة أخرى فإن هذا الكلام يؤدي الى الفتنة بين المسلمين والى إثارة الحساسيات المذهبية التي تؤدي الى اسقاط الوحدة التي هي الأساس لقوتهم وعزتهم)).
ويقول كذلك :
((لا يجوز لعن المسلم وإن خالفنا في التفكير او المذهب كما ان لعن الصحابة باسمائهم غير جائز ولا بأس بلعن الظالمين بشكل عام)).
ويؤكد قائلا:
((يحرم لعن الخلفاء الثلاثة، بل يحرم فعل أو قول كل ما يضر بوحدة المسلمين ويثير البغضاء ويوقع الفرقة بينهم.)).
اما الشيخ المؤيد فيقول:
((نعم يجب احترام الخلفاء الراشدين رضي الله تعالى عنهم،و يمكن أن يستدل له بدليلين :-
الأول :- سيرة أئمة أهل البيت عليهم السلام فانّ المتتبع لسيرة أمير المؤمنين علي عليه السلام و الحسن و الحسين عليهما السلام يقف بوضوح على حقيقة أن أهل البيت في تعاملهم مع الخلفاء الراشدين في حال حياتهم و بعد مماتهم –أي الخلفاء الراشدين -التزموا باحترامهم و لم يصدر منهم ما ينافي الإحترام . و يعزز هذه السيرة كلمات أهل البيت في حق الخلفاء الراشدين الدالة على احترامهم حتى أن الإمام زيد بن علي بن الحسين عليهم السلام ذكر انه لم يرَ في أهل البيت من يقول في أبي بكر و عمر الا خيرا . و مواقف أهل البيت مع الخلفاء الراشدين كلها تشير الى حفظ الإحترام , و لهذا لم يستطع خصوم أهل البيت عليهم السلام الإمساك بقول أو فعل ينافي إحترام الخلفاء الراشدين لاستغلاله في التشهير ضدهم و الطعن فيهم و إضعافهم أمام المسلمين و إستغلال ذلك كورقة في كسب الصراع . و هذه السيرة تكشف عن التزام أهل البيت عليهم السلام بهذه القضية و مهما يكن تفسير ذلك فهذا الالتزام العملي واجب الاتباع على شيعتهم . فعليهم أن يلتزموا بما التزم به أئمتهم . و كل ما نقل من كلمات منسوبة الى أهل البيت على خلاف ذلك فهو غير صحيح اما لضعفه سنداً أو لمنافاته للسيرة القطعية المعلومة منهم عليهم السلام فيكون ساقطاً عن الإعتبار و عند التحقيق تجد أنه موضوع عليهم اما من الغلاة أو من يحاول توظيف ذلك لمصالحه أو من خصوم أهل البيت الذين يحاولون توظيف ذلك ضدهم .
الدليل الثاني :- أن الثابت بالادلة الشرعية كتاباً و سنة وجوب الحفاظ على وحدة المسلمين و تجنب كل ما يؤدي الى الفرقة و التباغض و العداء و الشقاق بين المسلمين . و هذا الواجب من أهم الواجبات التي تتقدم على كثير من الأحكام . و بما أن المساس باحترام الخلفاء الراشدين يؤدي الى الفرقة و الشقاق والبغضاء و العداوة وَ يؤدي الى فتح ثغرة يستغلها أعداء الإسلام و المسلمين في ضرب بعضهم بالآخر و اضعافهم لذا يكون حفظ احترام الخلفاء الراشدين واجباً على الشيعي و ان قال بإمامة أهل البيت عليهم السلام . و لا مصلحة لمسلم في إثارة ما يؤدي الى الفرقة و التباغض بل في ذلك مفسدة كبيرة و أكيدة .((
ويقول كذلك: (( هذا العمل الشنيع من المحرمات الأكيدة , فانّ سباب المسلم العادي حرام منهي عنه في الشريعة المقدسة فما بالك بسب من وصفهن القرآن الكريم بامهات المؤمنين و الصحابة الذين مدحهم القرآن الكريم في مواضع عديدة و الذين بذلوا الغالي و الرخيص من أجل إعلاء راية الإسلام و التمكين له .
انّ سب الصحابة أو أمهات المؤمنين بعيد أيضاً عن منهج أهل البيت عليهم السلام و على المسلم أن يحسن الظن بزوجات رسول الله صلى الله عليه و على آله و سلم و هنّ اللواتي اخترن الله و رسوله من دون تردد على الحياة الدنيا و زينتها , و كذلك الصحابة الأبرار من المهاجرين و الأنصار الذين نطق القرآن المجيد بعظيم الثناء عليهم .
و كونهم بشرا غير معصومين قد يعتريهم ما يعتري البشر لا يسوّغ سبهم اذ لا يجوز سب المسلم حتى و إن صدر منه ما لا ينبغي ارتكابه , و اذا كان المسلم العادي يرجو لنفسه من رحمة الله تعالى ما ينجيه فكيف لا يرجو ذلك لذلك الجيل الطليعي الذي انفتح على الإسلام و حمل رسالته و جاهد في سبيلها و كان خير أمة أخرجت للناس .
هذا مضافاً الى ما يوجبه السب من إثارة الفتنة و استفزاز من هم أخوة في الإسلام و تحريك الضغائن بين المسلمين مما يعكر صفو العلاقة الإسلامية بين المسلمين و يفرق جمعهم و يشتت شملهم و يجعلهم أعداءً و قد أرادهم الله تعالى أخوة متحابين و يفتح باباً لمن يكيد بالإسلام و اهله .
و بهذا العنوان أيضاً يحرم السب حرمة شديدة و هو يفضي الى عظائم الأمور المحرمة فيجب على كل مسلم أن ينزه نفسه عن ذلك و يطهر قلبه من الغل و الحقد .
عصمنا الله و اياكم من الزلل في القول و العمل .
" ربنا اغفر لنا و لأخواننا الذين سبقونا بالإيمان و لا تجعل في قلوبنا غلاً للذين آمنوا ربنا إنك رؤوف رحيم)).
***
3 - فضيلة ابو بكر:
قبل كل شيء ارجو الانتباه الى قضية مهمة ، وهي ان السطور القادمة تتحدث عن فضيلة ، ولم تكن عن قدسية شخص ما - مهما كان هذا الشخص - لانه في الاسلام لا قدسية لاحد – مهما كانت منزلته – وانما القدسية الخالصة لله سبحانه فقط.
ان حادثة الغار اثناء الهجرة النبوية ، وصحبة ابو بكر الصديق للرسول (ص) معروفه ، موثقة ، في السيرة النبوية ، وفي المصادر التاريخية الاسلامية ، فضلا عن ورودها في القرآن الكريم:
((إلا تنصروه فقد نصره الله إذ أخرجه الذين كفروا ثاني اثنين إذ هما في الغار إذ يقول لصاحبه لا تحزن إن الله معنا فأنزل الله سكينته عليه وأيده بجنود لم تروها وجعل كلمة الذين كفروا السفلى وكلمة الله هي العليا والله عزيز حكيم)). [التوبة: 40 ]
والعجيب – ولا عجب امام القرآن الكريم – ان تكون هذه الاية هي واحدة من أيات سورة براءة (التوبة) التي – حسب المصادر – بلغها الامام علي بن ابي طالب المسلمين ، يوم الحج بأمر من الرسول ، بحضرة الصديق نفسه الذي كان اميرا للحج.
نتساءل ، كيف اتفق ان يكون ابو بكر الصديق اميرا للحج وفي الوقت نفسه تبلغ سورة براءة في ذلك الموسم وفيها ذكر له ؟
وكذلك ، وهي - الاية – ربما جاءت لتزيل الشكوك عن صدر ابي بكر الصديق عندما بلغها بدلا عنه الامام علي بن ابي طالب ؟
ورب قائل يقول : ان بعض المصادر تذكر ان التبليغ لم يشمل السورة كلها ، بل ما نزل منها من ايات (صدر السورة، او الى رأس الاربعين كما قال الطبري) في ذلك الوقت والخاصة بالمشركين.
اقول ان اية الصحبة تتكامل مع ايات براءة التي جاءت في صدر الاية .(2)
الا ان البعض من الشيعة الامامية الاثني عشرية يحاول انكار فضيلة الصحبة ، فضلا عن انكار الصحبة اساسا.
وجواب عن سؤال مفاده : (( ظهر في الآونة الأخيرة من يقول بعدم وجود أبوكر مع الرسول(صلى الله عليه وآله) في الغار وأن الموجود ابن بكر أو ما شابه. من الذي كان مع النبي (صلى الله عليه وآله) في الغار هل هو أبابكر أو غيره؟ وهل يعتبر دلك فضيلة لأبى بكر؟)).
يجيب السيد فضل الله قائلا : (( هو ابو بكر بحسب التاريخ المتسالم عليه وليس ذلك فضيلة بحد ذاته)).
اما الشيخ المؤيد فيرى في مثل هذا الانكار مغالطة تاريخية : (( في هذا الجواب مغالطة و قفز على الحقائق لا بد أن يترفع عنه أهل العلم و التحقيق , فلا ينبغي التشكيك في أن صحبة ابي بكر الصّديق رضي الله عنه للرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم في هجرته مضافاً الى كونها شرفاً عظيماً فهي فضيلةٌ لا تنكر سواءً بلحاظ الآية الكريمة الواردة في ذلك ، أو بلحاظ القضية نفسها .
أما بلحاظ الآية الكريمة فيكفي في بيان هذه الفضيلة :-
أولاً :- إن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم قد شرك معه أبا بكر رضي الله عنه في معية الله تعالى . فقال له : ( لا تحزن إن الله معنا ) و قد ذكر القرآن الكريم نص كلام النبي صلى الله عليه وآله وسلم من باب تصديق رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فيما قاله . و بما أن هذه المعيّة هي معيّة حفظ و رعاية ربانية و هي لا تكون الا لمؤمن صادق الإيمان دلّت الآية على فضل أبي بكر رضي الله عنه سواءً في تزكية ايمانه أو في نيله شرف المشاركة في هذه المعية لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم , و لا يخفى على النبيه أن صيغة التعبير ( إن الله معنا ) فيها بيان لرفعة منزلة هذا الشريك و أنه ليسَ مجرد صاحب سفر أو طريق و انما هو رفيق درب في الرسالة و حركتها , فلم يقل صلى الله عليه وآله وسلم " سينجينا الله " أو " ان الله معي و سننجو " بل قال " إن الله معنا " .
ثانياً :- بناءً على أن قوله تعالى { و أيده بجنود لم تروها } هو عطف جملة على جملة و أن المراد به الإشارة الى واقعة بدر و ليس عطفاً على نفس واقعة الغار في مضامينها , فان الضمير في قوله تعالى { فانزل سكينته عليه } يعود الى ابي بكر رضي الله عنه فهو الذي تقتضيه المناسبة و لا يناسب عوده الى الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم لأن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كان مطمئناً غير قلق , و الذي حزن و كان قلقاً هو ابو بكر الصّديق رضي الله عنه فأنزل الله سكينته عليه رفعاً لقلقه و حزنه . مضافاً الى القرينة التي ذكرها الفخر الرازي " ره " و هي انه لو كان المراد إنزال السكينة على رسول الله صلى الله عليه وآله و سلم للزم من ذلك أن يكون رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قلقاً خائفاً قبل ذلك و لو كانت هذه حال الرسول صلى الله عليه وآله وسلم لما أمكنه أن يهديء روع أبي بكر رضي الله عنه و يقول له " لا تحزن " و هكذا يتضح أن السكينة نزلت على أبي بكر رضي الله عنه . و في تعبير الآية الكريمة ما يدلل على فضل أبي بكر رضي الله عنه من جهتين :-
الأولى :- استعمال لفظ " أنزل " و هذا يعني أنها سكينة خاصة أنزلت في هذهِ القضية و لهذا الشأن .
الثانية :- إضافة السكينة الى الله عز وجل فهي سكينة ربانية .
و هناك فرق بين أن تقول " أسكنه " و بين أن تقول " انزل السكينة عليه " فالأخيرة فيها فضل واضح لانها تستبطن عناية خاصة .
هذا بلحاظ الآية الكريمة , و أما بلحاظ القضية نفسها فانها تدلل على الفضل من جهات عديدة أبرزها :-
أولاً :- إختيار الرسول صلى الله عليه وآله وسلم لأبي بكر رضي الله عنه دون غيره من صحابته لهذا السفر التاريخي في معناه و مضمونه و بما يمثله من نقلة نوعية في حركة الرسالة الإسلامية و ما له من دلالات حين يدخل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم المدينة المنورة مستصحباً أمام مستقبليه في المدينة و هو يفتح عهداً جديداً فيها .
فنحن نجد اختيارين مهمين لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في حادثة الهجرة و هما إختياره لعليّ ابن ابي طالب عليه السلام لينام في فراشه و يكون درعه الواقي و يقف في مواجهة المشركين و ما قد ينجم عن إكتشافهم هجرة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من ردود أفعالهم ثم لينجز وصاياهُ صلى الله عليه وآله وسلم بعدَ أن ينجيه الله تعالى من شرور المشركين بعد مبيته و ما يتلوه , و اختياره لأبي بكر رضي الله تعالى عنه ليكون صاحبه في هذه الهجرة التاريخية .
ثانياً :- دلالة هذا الإختيار على الدرجة العالية من الوثوق و الإنسجام و المودة و القرب .

ثالثاً :- في هذا الإختيار ابراز لشخصية ابي بكر رضي الله تعالى عنه والفاتٌ الى منزلته .
رابعا :- إستجابة أبي بكرٍ رضي الله عنه للرسول صلى الله عليه وآله وسلم و مرافقته في هذه الرحلة دون أن يعتذر بأي عذر و دون أن يسوق أي مبررٍ للتنصل و هو يعلم ما قد تنطوي عليه هذه الرحلة من مخاطر و أنه قد يكون هو شخصياً عرضةً لهذه المخاطر يدلل على عمق إيمانه رضي الله عنه و إستعداده للتضحية و مدى حبه لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم .
و اعتقد أن أي دارس لهذه القضية لا يمكن إلا أن يخرج بنتيجة تدلل على أن هذه الصحبة هي فضيلة و منزلة هامة لأبي بكر الصّديق رضي الله تعالى عنه , وهي لم تكن مجرد صحبة طريق إقتضتها ظروف طارئة أو ما شاكل , و انما هي صحبة اختيرت بعناية و ان ابا بكر رضي الله تعالى عنه كان فيها رفيق درب رسالي في حركة الدعوة الإسلامية .
و قد حاول بعض من تنكب الانصاف الاتيان بتبريرات تخرج هذه الصحبة عن كونها منقبة و فضيلة , لكنها تبريرات سخيفة لا يقبلها المنطق السليم و لا تنسجم مع منطق طبيعة الأشياء .)).
وهنا نجد فرقا كبيرا بين رأي السيد فضل الله الذي يثبت الصحبة و ينكر الفضيلة ، ورأي الشيخ المؤيد الذي لا ينكر الاثنين.
ان الصحبة في المفهوم العام هي فضيلة بحد ذاتها ، لانها من الاخلاق الحميدة والسلوك الطيب ، خاصة اذا كان وقت الصحبة هذه وقتا حرجا لكلا الصاحبين، اذ انهما – الرسول وابو بكر – هاربان من المشركين ، والصحبة هنا تأتي ايضا من باب المناصرة، والمؤانسة ، وابعاد الوحشة ، وتأكيد التأييد والمؤازرة ، لهذا انزل الله السكينة على الاثنين.
وهذه الصحبة تختلف كل الاختلاف عن صحبة السجينين مع يوسف التي يقول بعض الناكرين لفضلية صحبة ابو بكر للرسول انهما متشابهتان.
فصحبة ابو بكر الصديق جاءت بوعي منه ، بل بطلب منه كما تذكر المصادر ، وثانيا: انهما من دين واحد ، وثالثا : انها بين رسول وصاحب له ، وايضا هي بين اب لخطيبة الرسول – حسب المصادر التي تذكر ان الخطبة جرت قبل الهجرة- وزوج الخطيبة ، وهذا يعني ان ابا بكر كان يخاف على الرسول من المشركين لانه رسول الله وصديقه وصهره.
اما صحبة السجينان ليوسف فهي صحبة تمت تحت الاجبار ، أي رغما عنهما ، وهي صحبة وقتية ، والطرفان لا يعرفان بعضهما.
الهوامش:
1 - راجع كتابنا : التصحيح والتجديد في الفكر العربي الاسلامي
- المذهب الشيعي الامامي خاصة- المسلم – المؤمن – الامامة.
2 - حدثني محمد بن الحسين قال حدثنا أحمد بن المفضل قال حدثنا أسباط عن السدى قال لما نزلت هذه الآيات إلى رأس الأربعين يعنى من سورة براءة فبعث بهن رسول الله مع أبي بكر وأمره على الحج فلما سار فبلغ الشجرة من ذي الحليفة اتبعه بعلى فأخذها منه فرجع أبو بكر إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله بأبي أنت وأمي أنزل في شأني شئ قال لا ولكن لا يبلغ عنى غيري أو رجل منى أما ترضى يا أبا بكر انك كنت معي في الغار وأنك صاحبي على الحوض قال بلى يا رسول الله فسار أبو بكر على الحج وسار علي يؤذن ببراءة )). (تاريخ الطبري - الطبري - ج 2 - ص 382 - 387)
* **
المبحث الخامس

الموقف من الائمة

يقول الشيخ محمد رضا المظفر في (عقائد الإمامية - ص 73 – 74):
(( عقيدتنا في الأئمة:
لا نعتقد في أئمتنا ما يعتقده الغلاة والحلوليون ( كبرت كلمة تخرج من أفواههم ) . بل عقديتنا الخاصة أنهم بشر مثلنا ، لهم ما لنا وعليهم ما علينا ، وإنما هم عباد مكرمون اختصهم الله تعالى بكرامته وحباهم بولايته ، إذ كانوا في أعلى درجات الكمال اللائقة في البشر من العلم والتقوى والشجاعة والكرم والعفة وجميع الأخلاق الفاضلة والصفات الحميدة ، لا يدانيهم أحد من البشر فيما اختصوا به . وبهذا استحقوا أن يكونوا أئمة وهداة ومرجعا بعد النبي في كل ما يعود للناس من أحكام وحكم ، وما يرجع للدين من بيان وتشريع ، وما يختص بالقرآن من تفسير وتأويل .
قال إمامنا الصادق عليه السلام : " ما جاءكم عنا مما يجوز أن يكون في المخلوقين ولم تعلموه ولم تفهموه فلا تجحدوه وردوه إلينا ،وما جاءكم عنا مما لا يجوز أن يكون في المخلوقين فأجحدوه ولا تردوه إلينا " .)).
***
1 - تقديس الائمة ، وعلمهم بالغيب:
يحاول بعض رجال المذهب الشيعي تحت تأثير الغلاة من الوصول بالائمة الى مصاف الانبياء، بل هناك اقوال تؤكد على افضليتهم على الانبياء ، وكذلك توصلهم الى مكان الربوبية ، ويسبغون عليهم صفات الله سبحانه ، ويجعلوهم وكلاء الله وقد فوضهم سبحانه بتسيير الكون وما فيه (سبحانه عما يشركون).
أنكر السيد فضل الله تقديس الأئمة، والقول بمعرفتهم بالغيب، ومطاولة مكانتهم لمقام النبوة، والتفويض، وكذلك القول بنظرية الوسائط و ان النبي و الائمة هم من البشر غير العاديين ؟
قال السيد فضل الله: (( لا دليل على صحة مثل هذه النظرية، بل لعل الأدلة على بطلانها كثيرة، ولا سيما النصوص العديد التي وردت عن النبي والأئمة (ع) والتي نفت التفويض ومحاربته أشد المحاربة)).
وقول ايضا:
((النبي (ص) والأئمة (ع) بشر كسائر البشر، ولا يختلفون في شيء من ذلك عن سائر الناس أبداً، إلا أنهم حجج الله على عباده اختارهم واصطفاهم لإخراج الناس من الظلمات إلى النور، وهذا يعني أنه لا بد لهؤلاء أن يكونوا بالنحو الذي يؤهلهم للقيام بهذا الدور، وهو يتطلب الرعاية الخاصة والمباشرة من الله التي لا تجعلهم بشراً عاديين وإن كانوا بشراً حقيقة وفعلاً، ولكنهم يمتازون عنهم من جهة كونهم لا يفعلون إلا ما يرضي الله، وهذا ما نعبر عنه بالعصمة، لأن العصمة إنما هي من خلال الألطاف الزائدة والمستمرة، لأن طبيعة المهمة تتطلب ذلك، حيث قد أنيط إليهم أمر هداية الناس، فكيف يتم ذلك إذا لم يكونوا على قدر يؤهلهم لذلك وبالنحو الذي يجعل من الآخرين متأسين بهم وسائرين على خطاهم، فطبيعة الدور الذي أوكله الله إليهم يقتضي أن يكون لله سبحانه وتعالى بهم عناية خاصة تؤهلهم لذلك. وأما التعبير عن خلقهم أنواراً قبل آدم (ع)، فهو باعتبار ما سيكونون عليه في المستقبل، فهم أنوار يهتدي بها الناس في الظلمات، وليس المقصود من الخلق هنا الخلق بالمعنى المتعارف، ليكون للنبي والأئمة خلقين، بل هو خلق واحد كسائر الناس)).
فيما قال الشيخ المؤيد :
(( ليس مقام أهل البيت عليهم السلام بأعلى من مقام الأنبياء , فالنبوة درجة عظيمة تتقدم على سائر درجات الناس مهما كان نوع النبوة و مهما تفاضلت درجات الأنبياء فيما بينهم , و مهما علت درجة من ليس بنبي . و ما نجده في التراث من غث دسته يد الغلاة أو غيرهم من المغرضين لا يعبر عن المفاهيم الصحيحة المتطابقة مع نصوص القرآن الكريم و روحه . إن من يتمعن في آيات الكتاب المبين ما يتصل منها بالرسالة و النبوة و مكانتهما يعرف ان النبوة هي الدرجة الأعلى التي يصل اليها بشر و ان روح القرآن الكريم ناطقة بذلك فضلاً عن مجموع نصوصه . و خذ مثلاً من ذلك قوله تعالى { يا موسى اني اصطفيتك على الناس برسالاتي و بكلامي فخذ ما آتيك و كن من الشاكرين } فنلحظ في هذه الآية الكريمة ان علو درجة موسى على الناس جميعاً و فيهم من هو مثل الخضر انما هي لكونه مبعوثا من الله تعالى بالرسالة و نبياً يوحى اليه . ان كل رواية يستفاد منها أو يستشم أن درجة آل البيت عليهم السلام أعلى من درجة الأنبياء فهي مردودة و هي لا تتطابق مع الثقافة القرآنية و معطيات القرآن الكريم . و أما روايات خلق النبي صلى الله عليه و على آله و سلم و الأئمة عليهم السلام أنواراً قبل خلق آدم فهي ضعيفة اما على مستوى ضعف السند , أو على مستوى تضارب متونها , أو على مستوى تهافتها وَ تنافيها مع معطيات القرآن الكريم و ثقافته . ان نظرة فاحصة في آيات القرآن الكريم حول النبي الأعظم صلى الله عليه و آله و سلم و ما وصف به في القرآن و الآيات الواردة في بيان منزلته لا تجد فيها حتى ما يشير الى ما تذكره هذه الروايات . و انظر بربك لقوله تعالى في سورة الشورى { و كذلك أوحينا اليك روحاً من أمرنا ما كنت تدري ما الكتاب و لا الإيمان و لكن جعلناه نوراً نهدي به من نشاء من عبادنا و انك لتهدي الى صراط مستقيم } فهل يتناسب هذا المضمون مع مضمون روايات خلق الأرواح و منها روح النبي صلى الله عليه و آله و سلم و انها كانت تسبح الله تعالى و تقدسه , و القرآن يقول { ما كنت تدري ما الكتاب و لا الايمان } ؟ فهل من المعقول و هل من المنطقي أن هذه الروح التي كانت قبل حلولها في الجسد تقدس الله تعالى فاذا بها حين حلت الجسد لم تكن تدري ما الإيمان ؟ ان المعيار في قبول الروايات هو عرضها على القرآن الكريم فإذا لم تتطابق مع نصوص القرآن و روحه و الثقافة القرآنية التي أراد الله تعالى للمسلمين أن يتربوا عليها فهذه الروايات مردودة و ليس لها اعتبار و من الله تعالى نستمد السداد و به الاعتصام(( .
كذلك ، قوله عن علم الائمة برواية الاشعري: (( هذه الرواية و إن كان لها بحسب الظاهر سند معتبر و بمضمونها وردت روايات أخرى الاَّ أنه لا يسعنا الأخذ بمفادها ، و ذلك لما يلي :-
انّ ظاهرها ينافي القرآن الكريم قال تعالى { عالم الغيب فلا يظهر على غيبه أحدا الا من ارتضى من رسول فانه يسلك من بين يديه و من خلفه رصداً } . و هذه الآية واضحة الدلالة في أن علم الغيب لا يطلع الله تعالى عليه الا من ارتضى من رسول . و معنى ذلك اختصاصه بالرسل فكيف ينتهي ما خص الله به الرسل الى غيرهم فهذا مناف للإنحصار بالرسل .
ان لازم ما ورد في الرواية أن الأئمة أعلى رتبة من الرسل ، لان الثابت انه ليس كل الرسل يعلمون كل ما يعلمه الملائكة بينما على هذه الرواية فان الأئمة يعلمون ما تعلمه الملائكة فهم أعلى مرتبة من الرسل و أعلم منهم ،و هذا غلو واضح .
ان تعليم الله تعالى للملائكة لا يأتي إعتباطاً و انما لا بد أن يكون لحكمة و لا بد أن من العلوم التي يعلمها الملائكة ما يرتبط بما يحتاجون اليه حسب ما يكلفون به فما الداعي الى أن ينتقل هذا العلم الى غيرهم و هم غير مكلفين بما يكلف به الملائكة و هكذا الأمر بالنسبة للرسل فانه لا شك أن من العلوم التي يعلمونها ما يرتبط بطبيعة وضعهم كرسل ، فما الوجه في انتقال هذا العلم الى غيرهم ؟ و هذا يكشف أن في مضمون الرواية غلواً في الأئمة يرفعهم الى مصاف الرسل و الملائكة مهما علت درجاتهم .
انها معارضة بروايات تدل بوضوح على أنّ الأئمة لا يعلمون أشياءً تتعلق بالغيب مع الجزم بانها مما يعلمه قسم من الملائكة و هذا يعني انه ليس كل ما تعلمه الملائكة منته اليهم .
و هكذا نصل الى ضرورة الإعراض عن هذه الرواية و أمثالها لانها من روايات الغلو المرفوض )).
ويقول كذلك: ((ليس مقام أهل البيت عليهم السلام بأعلى من مقام الأنبياء , فالنبوة درجة عظيمة تتقدم على سائر درجات الناس مهما كان نوع النبوة و مهما تفاضلت درجات الأنبياء فيما بينهم , و مهما علت درجة من ليس بنبي .
و ما نجده في التراث من غث دسته يد الغلاة أو غيرهم من المغرضين لا يعبر عن المفاهيم الصحيحة المتطابقة مع نصوص القرآن الكريم و روحه .
إن من يتمعن في آيات الكتاب المبين ما يتصل منها بالرسالة و النبوة و مكانتهما يعرف ان النبوة هي الدرجة الأعلى التي يصل اليها بشر و ان روح القرآن الكريم ناطقة بذلك فضلاً عن مجموع نصوصه . و خذ مثلاً من ذلك قوله تعالى { يا موسى اني اصطفيتك على الناس برسالاتي و بكلامي فخذ ما آتيك و كن من الشاكرين } فنلحظ في هذه الآية الكريمة ان علو درجة موسى على الناس جميعاً و فيهم من هو مثل الخضر انما هي لكونه مبعوثا من الله تعالى بالرسالة و نبياً يوحى اليه .
ان كل رواية يستفاد منها أو يستشم أن درجة آل البيت عليهم السلام أعلى من درجة الأنبياء فهي مردودة و هي لا تتطابق مع الثقافة القرآنية و معطيات القرآن الكريم .
و أما روايات خلق النبي صلى الله عليه و على آله و سلم و الأئمة عليهم السلام أنواراً قبل خلق آدم فهي ضعيفة اما على مستوى ضعف السند , أو على مستوى تضارب متونها , أو على مستوى تهافتها وَ تنافيها مع معطيات القرآن الكريم و ثقافته
ان نظرة فاحصة في آيات القرآن الكريم حول النبي الأعظم صلى الله عليه و آله و سلم و ما وصف به في القرآن و الآيات الواردة في بيان منزلته لا تجد فيها حتى ما يشير الى ما تذكره هذه الروايات . و انظر بربك لقوله تعالى في سورة الشورى { و كذلك أوحينا اليك روحاً من أمرنا ما كنت تدري ما الكتاب و لا الإيمان و لكن جعلناه نوراً نهدي به من نشاء من عبادنا و انك لتهدي الى صراط مستقيم } فهل يتناسب هذا المضمون مع مضمون روايات خلق الأرواح و منها روح النبي صلى الله عليه و آله و سلم و انها كانت تسبح الله تعالى و تقدسه , و القرآن يقول { ما كنت تدري ما الكتاب و لا الايمان } ؟ فهل من المعقول و هل من المنطقي أن هذه الروح التي كانت قبل حلولها في الجسد تقدس الله تعالى فاذا بها حين حلت الجسد لم تكن تدري ما الإيمان ؟
ان المعيار في قبول الروايات هو عرضها على القرآن الكريم فإذا لم تتطابق مع نصوص القرآن و روحه و الثقافة القرآنية التي أراد الله تعالى للمسلمين أن يتربوا عليها فهذه الروايات مردودة و ليس لها اعتبار و من الله تعالى نستمد السداد و به الاعتصام)) .
***
2 - الولاية التكوينية:
طالعت اكثر كتب رجال الشيعة الامامية – مراجع ورجال دين – فوجدتها تؤكد هذا المبدأ ،بصورة مباشرة وغير مباشرة ، وقد نشر السيد علي عاشور كتاب : الولاية التكوينية لآل محمد (ع) (راجع القرص المدمج : مكتبة أهل البيت (ع) - الإصدار الأول). وكذلك كتاب : الولاية التكوينية ، الحق الطبيعي للمعصوم (ص) – الشيخ جلال الصغير – ط الثانية - مزيدة ومنقحة-1419 - 1998 م - دار الأعراف للدراسات - بيروت .(القرص السابق) ، فبعد ان يؤكد الصغير الولاية الشمولية للرسول حسب تفسيره للاية ( إنما وليكم الله ورسوله والذين أمنوا )، يقول (ص203): (( ولهذا يمكن القول أن ولاية الرسول ( ص ) على هذا الكون هي ولاية مطلقة ، ومن ولايته نستنج تماثل ولاية أهل البيت ( عليه السلام ) مع ولايته ( ص ) بناء على دلالات الآية الكريمة : " أبناءنا وأبناءكم ونساءنا ونساءكم وأنفسنا وأنفسكم "...)).
الا انه على ص 95يذكر :
((ولا بد في البدء من الإشارة إلى أننا لسنا في قبالة نص شرعي يحدد الاسم ، وإنما جاء الاسم ليشير - وبإشارة موفقة - إلى مفهوم شرعي تضمنته العديد من النصوص الشرعية ، وبكلمة أخرى أن اسم الولاية التكوينية لم يرد لا في آية قرآنية ولا في سنة شريفة ، فالنص الشريف يخلو من هذه التسمية ، ولكن هذه التسمية استخدمت في وقت متأخر لتشير إلى مفهوم تداولته العديد من الآيات القرآنية ، والنصوص الشريفة ، وبقدر عدم أهمية الاهتمام بمن وضع هذه التسمية من علماء الكلام من علمائنا الأبرار - قدس الله أنوارهم - إلا أننا نجد أن من الحق الإشارة إلى أن من وضع التسمية قد وفق أيما توفيق في الوصف الدقيق للمفهوم )).
ونسي هذا الشيخ ما ذكره الله في كتابه العزيز لنبيه ، من انه سبحانه:
((ألم تر أن الله يزجي سحابا ثم يؤلف بينه ثم يجعله ركاما فترى الودق يخرج من خلاله وينزل من السماء من جبال فيها من برد فيصيب به من يشاء ويصرفه عن من يشاء يكاد سنا برقه يذهب بالابصار)). [النور : 43 ]
(( ألم تر إلى ربك كيف مد الظل ولو شاء لجعله ساكنا ثم جعلنا الشمس عليه دليلا )).[الفرقان :45 ]
(( وكأين من دابة لا تحمل رزقها الله يرزقها وإياكم وهو السميع العليم * ولئن سألتهم من خلق السماوات والارض وسخر الشمس والقمر ليقولن الله فأنى يؤفكون * الله يبسط الرزق لمن يشاء من عباده ويقدر له إن الله بكل شئ عليم * ولئن سألتهم من نزل من السماء ماء فأحيا به الارض من بعد موتها ليقولن الله قل الحمد لله بل أكثرهم لا يعقلون )).[العنكبوت :60 - 63 ]
وغيرها من الايات التي تؤكد انه سبحانه هو الذي يدير الكون ولن يعهد به لاحد.
يقول السيد فضل الله: (( الولاية التّكوينية غير ثابتة، بل يعارضها القرآن الكريم، وعقيدة التّوحيد الخالصة، فلم يثبت أنّ الله تعالى جعل لواحدٍ من البشر القدرة على التصرّف في عالم التّكوين، إلا في مجالٍ محدودٍ كمورد المعجزة، حيث يكون ذلك بإقدارٍ من الله تعالى)). (1)
فيما يقول الشيخ المؤيد: ((ليست مطلقة وإنما هي محدودة جدا في حالات ضيقة كالكرامات التي تكون من الله تعالى وبإرادته وتمكينه عز وجل في خصوص تلك الحالات ، وهي تنسب إلى الله تعالى بالذات والحقيقة لا إليهم عليهم السلام ، وبهذا الاعتبار يمكن إنكار الولاية التكوينية لهم على الإطلاق فإنها تنتسب بالذات والحقيقة إلى الله عز وجل.)).
الهوامش:
1 - للسيد فضل الله دراسة قيمة عن هذه المسألة منشورة على موقعه الالكتروني ، اصدرها في كتاب تحت عنوان (نظرة اسلامية حول الولاية التكوينية)، فمن يريد الاطلاع فليراجعها.

***
المبحث السادس

الموقف من بعض المسائل التاريخية

قضية الزهراء:
من حوادث التاريخ غير المدروسة دراسة علمية موضوعية ، والمليء بها الى حد الاشباع تكرارا واضافة، هو ما سمي بحادثة: (الهجوم على بيت الزهراء) او حادثة (كسر ضلع الزهراء) او حادثة (حرق بيت الزهراء)، تعددت الاسماء والحادثة واحدة. (*)
والحادثة كما مروية في المصادرالتاريخية يمكن ان نستشف منها الامور التالية ، بعد تفكيكها الى موتيفات حسب منهج بروب المورفولوجي:
1 – الاستهلال: وهو مبايعة الخليفة الراشد الاول.
2 - هناك فريقان ، احدهما فريق الخلافة والاخر فريق بني هاشم (علي بن ابي طالب خاصة).
3 – قام فريق الخلافة بالهجوم على دار الفريق الثاني لاجباره على البيعة للخليفة.
4 – الفريق الثاني – خاصة الامام علي بن ابي طالب ، لانه المطلوب الاول من الفريق الاول – لم يخرج الى من ناداه ، وتذكر مصادر الحادثة انه لم يخرج لهم لانه رفض البيعة.
5 – الذي خرج هو السيدة فاطمة الزهراء ، هي وليس غيرها ، المرأة ذات الخدر ، والمفجوعة بموت والدها رسول الله (ص)، ولم تخرج خادمتها مثلا .
6 – يتحاور الفريق الاول مع السيدة فاطمة ، فيضطر (عمر بن الخطاب خاصة) بدفع الباب التي تقف خلفه السيدة فاطمة ، فيحدث الاتي:
آ/ كسر ضلع من اضلاع السيدة فاطمة ، وقيل ان مسمارا من مسامير الباب دخل صدرها .
ب/ سقطت على الارض ، فسقط جنينها المحسن، او ادى سقوطها الى اسقاط جنينها بعد فترة.
7 - يجرون الامام علي كما تجر البهائم (الجمل المخشوشب) – حاشاه - ، بوضع حبل في عنقه، وجره منه؟؟؟؟
8 - تخرج السيدة فاطمة الزهراء خلف موكب الجر، علما ان المسمار قد كسر ضلعها ، وانها سقطت على الارض فسقط جنينها في الان نفسه او بعد فترة.
الا انه من المعلوم – وكلنا يعرف بحكم ان بعضنا من المتزوجين وقد اجهضت زوجة البعض منا لسبب او اخر – ان هناك دماء تنزف ، والام في الظهروالبطن، فضلا على الام الضلع المكسور ، او دخول المسمار .
– اتساءل: اين شجاعة الامام علي؟ واين احترامه لمقام النبي(ص) وهو يرى بنت رسول الله (ص) دون ان ينتفض بوجه من فعلوا ذلك؟
واين شجاعته واحترامه للعصبية العائلية او القبلية ، و لميثاق الرباط الزوجي، والحياة الزوجية ، وهو يرى زوجته تضرب، ويكسر ضلعها، وتجهض؟
اين اصبحت شجاعته ورجولته وشهامته المعهودات ؟ اليس في ذلك خنوع وجبن، وحاشا علي الذي دحى باب خيبر وجندل الابطال من كل هذه الافتراءات؟
– ويحق لنا التساؤل ايضا:
آ/ لماذا لم يخرج الامام علي او بعض بني هاشم تلبية للنداء ؟
ارى ان الجواب هو : اما لانه لم يسمع ، وهذا غير صحيح ، لانه بحكم الولاية التكوينية – كما يعتقد بعض الشيعة - يجب ان يسمع.
او انه لم يرغب بالخروج ، لانه كان غاضبا على من سلبوه حق الهي (نص الولاية).
وهذا ايضا غير صحيح ، لان الولاية التكوينية تجعله – حتما – من الغالبين.
اما تخريج بعض الشيعة لسكوته ، فقد كان : لانه لم يرد شق الوحدة الاسلامية تنفيذا لوصية النبي (ص) له بذلك.
وهذا قول مردود جملة وتفصيلا، لان عدم مبايعته او امتثاله للواقع المفروض عليه – حسب وصية النبي (ص) – هو شق للوحدة الاسلامية ،ولو بايع لكفى الله المؤمنين شر القتال، ولحافظ على الوحدة الاسلامية.
– ونتساءل ايضا:
آ/ من اين يأخذ المذهب الشيعي عقيدته؟
الجواب - بالتأكيد - من القرآن والسنة النبوية الصحيحة.(1)
الا ان السيد هاشم الهاشمي في كتابه ( حوار مع فضل الله حول الزهراء) ، يرى ان من ينكر هذه الحادثة يعتبر منحرفا من المذهب ، لانه يرى في ذلك عقيدة ومن ضرورات المذهب.
فأي مذهب تبنى ضرورات عقيدته (الاصول والفروع) على حوادث تجري بين البشر؟ واذا كان هذا صحيحا ، فهل بنى الله سبحانه دينه الاسلامي على كسر رباعية النبي (ص) في موقعة احد؟
اليست مثل هذه العقيدة تجعل من الشيعي محبا للخنوع والجبن لاجل المحافظة عليها ، بالضد من الامام علي ، والامام الحسين وقيامهما الدفاع عن الاسلام وعقيدته ، وكذلك الامام زيد ، ويحيى.
اليست هذه العقيدة هي التي ستعلمنا – اسوة بالامام علي في هذه الحادثة– عدم الدفاع عن الزوجة؟
فأي عقيدة هذه التي يريدوننا ان ندافع عنها ، ونحن نتعلم منها عدم الدفاع الحق ؟
و رد الهاشمي على قول ابن أبي الحديد المعتزلي: (( فأما الأمور الشنيعة المستهجنة التي تذكرها الشيعة من إرسال قنفذ إلى بيت فاطمة عليها السلام ، وأنه ضربها بالسوط فصار في عضدها كالدملج وبقي أثره إلى أن ماتت ، وأن عمر أضغطها بين الباب والجدار ، فصاحت : يا أبتاه يا رسول الله ! وألقت جنينا ميتا ، وجعل في عنق علي عليه السلام حبل يقاد به وهو يعتل ، وفاطمة خلفه تصرخ وتنادي بالويل والثبور ، وابناه حسن وحسين معهما يبكيان ، وأن عليا لما احضر سألوه البيعة فامتنع ، فتهدد بالقتل ، فقال : إذن تقتلون عبد الله وأخا رسول الله ! فقالوا : أما عبد الله فنعم ، وأما أخو رسول الله فلا ، وأنه طعن فيهم في أوجههم بالنفاق ، وسطر صحيفة الغدر التي اجتمعوا عليها ، وبأنهم أرادوا أن ينفروا ناقة رسول الله صلى الله عليه وآله ليلة العقبة ، فكله لا أصل له عند أصحابنا ، ولا يثبته أحد منهم ، ولا رواه أهل الحديث ولا يعرفونه ، وإنما هو شئ تنفرد الشيعة بنقله بإنه ( جاء بقرني حمار ) ورده على ابن حجر العسقلاني وهو ينقل عمن ادعى أنهم من أئمة أهل البيت النبوي : ألا ترى إلى قولهم - أي الروافض - إن عمر قاد عليا بحمائل سيفه وحصر فاطمة فهابت فأسقطت ولدا اسمه المحسن . . . )) ، قائلا :(( وعلامات الكذب بادية على كلامه بوضوح حيث جعل الاسقاط متسببا عن الرعب لا الحصر ، مع أنه لم يفصح عن اسم من زعم أنهم من أئمة أهل البيت النبوي ، ورغم إنه نقل في لسان الميزان عن الحافظ محمد بن أحمد الكوفي إن رجلا كان يقرأ على أحمد بن السري بن أبي دارم إن ( عمر رفس فاطمة حتى أسقطت بمحسن ) ...)). (2)
فالردان غير علميين .
جاء الرد الاول بصيغة الاستهزاء، وفي الردود العلمية يجب ان تكون الموضوعية و الدليل هما الحاكمان.
والرد الثاني هو تساؤله عن اسم الائمة الزاعمون لوقوع الحادثة ، مع العلم ان الحادثة انتشرت في الكتب ردا او قبولا، عندها لا يستقيم سؤال من قال ، وانما الذي يستقيم والحادثة هو هل حدثت ام لا ، وكذلك عن قوله (فهابت) ولم يقل انحصرت، أي مناقشة وتثبيت حق هذا؟
يقول الشيخ كاشف الغطاء رحمه الله :
((ولكن قضية ضرب الزهراء ولطم خدها مما لا يكاد يقبله وجداني ويتقبّله عقلي، ويقتنع به مشاعري، لا لأن القوم يتحرّجون ويتورعون من هذه الجرأة العظيمة، بل لأن السجايا العربية والتقاليد الجاهلية التي ركّزتها الشريعة الاسلامية وزادتها تأييداً وتأكيداً تمنع بشدة ان تضرب المرأة او تمد اليها يد سوء، حتى انّ في بعض كلمات امير المؤمنين (عليه السلام) ما معناه: ان الرجل كان في الجاهلية اذا ضرب المرأة يبقى ذلك عاراً في اعقابه ونسله.
ويدلّك على تركّز هذه الركيزة بل الغريزة في المسلمين وانها لم تفلت من ايديهم وان فلت منهم الاسلام: ان ابن زياد وهو من تعرف في الجرأة على الله وانتهاك حرماته لما فضحته الحوراء زينب (عليها السلام )، وافلجته وصيرته احقر من نملة، واقذر من القملة، وقالت له: ثكلتك امك يا ابن مرجانة، فاستشاط غضباً من ذكر امه التي يعرف انها من ذوات الاعلام، وهمّ ان يضربها، فقال له عمرو بن حريث وهو من رؤوس الخوارج وضروسها انها امرأة والمرأة لا تؤاخذ بشيء من منطقها، فاذا كان ابن مرجانة امتنع من ضرب العقيلة خوف العار والشنار وكلّه عار وشنار، وبؤرة عهار مع بعد العهد من النبي (ص) فكيف لا يمتنع اصحاب النبي (ص) مع قرب العهد به من ضرب عزيزته، وكيف يقتحمون هذه العقبة الكؤود ولو كانوا اعتى واعدى من عاد وثمود. ولو فعلوا او هموا ان يفعلوا اما كان في المهاجرين والانصار مثل عمرو بن حريث فيمنعهم من مدّ اليد الأثيمة، وارتكاب تلك الجريمة، ولا يقاس هذا بما ارتكبوه واقترفوه في حق بعلها سلام الله عليه ومن العظائم حتى قادوه كالفحل المخشوش فأن الرجال قد تنال من الرجال ما لا تناله من النساء.
كيف والزهراء (عليها السلام ) شابة بنت ثمانية عشر سنة، لم تبلغ مبالغ النساء واذا كان في ضرب المرأة عار وشناعة فضرب الفتاة اشنع وافظع، ويزيدك يقيناً بما اقول انها ــ ولها المجد والشرف ــ ما ذكرت ولا اشارت الى ذلك في شيء من خطبها ومقالاتها المتضمنة لتظلّمها من القوم وسوء صنيعهم معها مثل خطبتها الباهرة الطويلة التي القتها على المهاجرين والأنصار، وكلماتها مع امير المؤمنين (عليه السلام) من المسجد، وكانت ثائرة متأثرة اشد التأثر حتى خرجت عن حدود الآداب التي لم تخرج من حظيرتها مدة عمرها، فقالت له: يا ابن ابي طالب افترست الذئاب وافترشت التراب ــ الى ان قالت: هذا ابن ابي فلانة يبتزّني نحلة ابي وبلغة ابني، لقد اجهد في كلامي، والفيته الألد في خصامي ولم تقل انه او صاحبه ضربني، او مدّت يد اليّ وكذلك في كلماتها مع نساء المهاجرين والأنصار بعد سؤالهن كيف اصبحت يا بنت رسول الله؟ فقالت: اصبحت والله عائفة لدنياكن، قالية لرجالكنَّ، ولا اشارة فيها الى شيء عن ضربة او لطمة، انما تشكو اعظم صدمة وهي غصب فدك واعظم منها هي غصب الخلافة وتقديم من أخر الله وتأخير من قدّم الله، وكل شكواها كانت تنحصر في هذين الأمرين وكذلك كلمات امير المؤمنين (عليه السلام) بعد دفنها، وتهيّج اشجانه وبلابل صدره لفراقها ذلك الفراق المؤلم، حيث توجه الى قبر النبي (ص) قائلاً: السلام عليك يا رسول الله عني وعن ابنتك النازلة في جوارك الى آخر كلماته التي ينصدع لها الصخر الأصم لو وعاها، وليس فيها الاشارة الى الضرب واللطم ولكنه الظلم الفظيع والامتهان الذريع، ولو كان شيء من ذلك لأشار اليه (عليه السلام)، لأن الأمر يقتضي ذكره ولا يقبل ستره، ودعوى انها اخفته عنه ساقطة بأن ضربة الوجه ولطمة العين لا يمكن اخفاؤها.
واما قضية قنفذ وان الرجل لم يصادر امواله كما صنع مع سائر ولاته وامرائه وقول الامام (عليه السلام): انه شكر له ضربته فلا امنع من انه ضربها بسوطه من وراء الرداء وانما الذي استبعده او امنعه هو لطمة الوجه وقنفذ ليس ممن يخشى العار لو ضربها من وراء الثياب او على عضدها وبالجملة فأن وجه فاطمـة الزهـراء هـو وجـه الله المصون الذي لا يهان ولا يهون ويغشى نور العيون، فسلام الله عليك يا ام الأئمة الأطهار ما اظلم الليل واضاء النهار،0 وجعلنا الله من شيعتك الأبرار، وحشرنا معك ومع ابيك وبنيك في دار القرار)). (3)
اما سماحة الامام الشيخ المؤيد ، فقد بحث في الحادثة في مضانها التاريخية وهو يقف في منطقة الحياد ، حياد العالم الموضوعي الذي يدور مع الدليل انى دار ،و لا تأخذه في الله لومة لائم ، ومجردا من العاطفة العمياء، فخرج بنتيجة مفادها:
(( لم يثبت ذلك عندي ... وقد ذكرنا أن حادثة كسر ضلع الزهراء عليها السلام غير ثابتة، بل القرائن المنطقية تدلل على أنها غير صحيحة ولم تكن هذه الحادثة سببا لوفاتها عليها السلام . وإنما المستفاد من النقول التاريخية أنها مرضت ووافاها الأجل سلام الله عليها . وكان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قد أخبرها بأنها أول أهل بيته لحوقا به.)).
وقال كذلك : (( إثبات وقوع هذه الحادثة هو الذي يحتاج إلى دليل والأدلة التي ذكرت لإثبات هذه القضية إما ضعيفة سندا أو متضاربة ومتعارضة أو مخالفة لمنطق طبيعة الأشياء وللقرائن التي لا بد من تحكيمها عند تقييم مضامين الأخبار والنقول وتفصيل ذلك موكول إلى مجاله التخصصي الأوسع وفقنا الله وإياكم لمراضيه)).
اما عن مسألة وجود ولد للزهراء اسمه محسن ، فيقول سماحته :
(( الأخبار في ذلك متضاربة ،و لذا لم يجزم بعض أكابر زعماء الطائفة كالشيخ المفيد بوجود ولد للزهراء (ع) اسمه المحسن فراجع كتاب الإرشاد للمفيد)) .
فيما وقف سماحة السيد فضل الله على الحادثة مترددا بين اثباتها او عدمه ، وله فيها اراء ، إذ انه : (لا ينفي ولا يثبت) ، و نثبت هنا اراء السيد كما هي ، قال:
(( لقد ذكرنا في بعض كلماتنا وفي صدد الكلام على ظلامات الزهراء (ع) من حيث المبدأ والذي تعرضت له بعد وفاة أبيها (ع) وقلنا في سياق الحديث: "وهذه الظلامات رواها السنة والشيعة، ولا نجازف إذا قلنا إن الروايات التي تتحدث عن مظلوميتها متضافرة ومستفيضة، بل تكاد تكون متواترة. ومع ذلك ذكرنا في موضع آخر، أن هناك بعض الحوادث التي تعرضت لها مما لم تتأكد لنا بشكل قاطع وجازم، كما في مسألة حرق الدار فعلاً، وكسر الضلع وإسقاط الجنين ولطم خدها وضربها.. ونحو ذلك مما نقل إلينا من خلال روايات يمكن طرح بعض علامات الاستفهام حولها إما من ناحية السند وإما من ناحية المتن. والمراد من حاصل كلامنا، أن الروايات التي تحدثت عن ظلاماتها كثيرة، وقد تكون متواترة من حيث مجموعها لا من حيث كل مفردة من مفردات الحوادث الفردية.. ومع ذلك لو نظرنا الى كل مسألة، فقد يكون هناك روايات معتبرة فنأخذ بها وقد يكون الأمر بالعكس، فنتوقف عندئذ إذا لم يصل الأمر الى حد القطع بالعدم. ومن هنا قلنا.. ولذا فقد أثرنا بعض الاستفهامات كما أثارها بعض علمائنا السابقين رضوان اللهم عليهم كالشيخ المفيد الذي يظهر منه التشكيك في مسألة إسقاط الجنين، بل في اصل وجوده، وإن كنا لا نوافقه على الثاني.. ولكننا لم نصل الى حد النفي لهذه الحوادث كما فعل الشيخ محمد حسين كاشف الغطاء (قده) بالنسبة لضربها ولطم خدها.. لأن النفي يحتاج الى دليل كما أن الإثبات يحتاج الى دليل، ولكن القدر المتيقن من خلال الروايات المستفيضة، بل المتواترة تواتر إجمالياً هو الاعتداء عليها من خلال كشف دارها والهجوم عليه والتهديد بالإحراق، وهذا كاف للتدليل على حجم الجريمة التي حصلت)).
)) لا ننكر مظلومية السيدة الزهراء (ع) وما ذكرناه أننا لا نتفاعل مع مقولة كسر الضلع والاعتداء بالضرب على سيدة النساء (ع) فإن الروايات في ذلك غير ثابتة، ولا يعبر ذلك عن نفي مظلوميتها ومظلومية أهل البيت (ع) فإن الثابت انهم ظلموا وأوذوا ولم تحفظ وصية النبي (ص) فيهم، ويرجى الإطلاع على كتابنا (الزهراء القدوة) المتوفر على موقع بينات)).
(( إننا لم نثبت حادثة كسر الضلع كما أنه لم يثبت نفيها وذلك من جهة عدم وفاء الأحاديث بالدلالة على ذلك من جهة أسانيدها ومضامينها، والثابت أنها عليها السلام ظلمت وأوذيت ولم تحفظ وصية النبي (ص) فيها وفي سائر أهل البيت (ع) وقد ثبت الإعتداء على البيت العلوي بالتهديد بالإحراق، والمهم في المقام القول بأن هذه المسألة هي من المسائل التاريخية وليست من مسائل العقيدة والإمامة فتختلف فيها الآراء تبعاً لاختلاف الأصول المعتمدة ولا يجوز أن تجعل مثارا للتشهير بالعلماء وندعو المؤمنين الى التبين والوعي في ذلك والاهتمام بسير المعصومين في أقوالهم وأفعالهم ومواعظهم وتراثهم)).
اما مكتب سماحته فقد رد اكثر من مرة على من تساءل عن موقف السيد من هذه الحادثة ، وهذه امثلة من اجابات المكتب:
(( إن سماحة سيدنا دام ظله يؤكد ظلامة الزهراء (ع) من قبل الخليفتين ابي بكر وعمر، لجهة محاصرة بيتها والتهديد بإحراقه ومنع الإمام علي (ع) من حقه في الخلافة، غير ان المصادر التاريخية لا تساعد على الجزم بحدوث سائر ما يروى في هذه الحادثة من إسقاط الجنين وكسر الضلع، لذا فإنه دام ظله لا يثبت ذلك ولا ينفيه)).
((إن سماحة السيد (دام ظله) لا ينكر مظلومية السيدة الزهراء (ع) أما تفاصيل الأحداث فهي خاضعة للثبوت السندي مع دراسة الحادثة بحسب ظروفها وقرائنها والمهم أن لا يجعل ذلك مثاراً للإتهام وتشويه صورة العلماء بل إن ذلك مسألة تاريخية بحتة قد تختلف فيها الآراء تبعاً للأصول المعتمدة والأدلة)).
((الثابت لدى العلماء ومنهم سماحة السيد(دام ظله) مظلومية السيدة الزهراء(ع) وأهل البيت(ع) وأنه لم تحفظ وصية النبي(ص) فيهم والثابت التعرض بالهجوم على البيت العلوي والتهديد بإحراقه، أما بعض تفاصيل الأحداث فلم يثبتها سماحته كما أنه لم ينفها، ولكنها من المسائل التاريخية التي قد تختلف فيها الآراء تبعاً للأصول المعتمدة وليست من مسائل العقيدة والإمامة ولا يعبر عدم ثبوتها عن تبرئة أعداء أهل البيت(ع)).
تخلص الدراسة الى نتيجة مفادها :
- ان هذه الحادثة تاريخية ذكرتها المصادر التاريخية تحتاج الى دراسة علمية موضوعية حيادية للخروج بنتائج افضل وادق من حيث الثبوت او النفي.
- ان الحوادث التاريخية لا يمكن ان نبني عليها عقيدة رغم محاولات البعض من رجال الشيعة ذلك ، لاسباب كثيرة ربما اهمها الاسباب السياسية ، فضلا عن ادرار العطف من عامة الشيعة.
اما بالنسبة الى اجابات السيد فضل الله والشيخ المؤيد ، فيمكن الخروج بخلاصة تؤكد ان السيد فضل الله لم ينكر حادثة كسر الضلع بل صرّح بانه لا ينفي و لا يثبت , بينما الإمام المؤيد كان واضحا جداً و أنكر حصول هذه الحادثة المزعومة .
الهوامش:
* يقول احمد الكاتب : ((من أهم القصص الأسطورية الخطيرة التي لعبت عبر التاريخ وتلعب اليوم دورا كبيرا في تأجيج الخلافات بين الشيعة والسنة، بعد زوال معظم أسباب الخلافات التاريخية. ولذلك فان من الضروري التوقف عند هذه القصة – الأسطورة، والبحث في ظروف نشأتها وعرضها على التحليل المختبري والجنائي للتأكد فيما اذا كانت تتمتع بأية مصداقية أو حقيقة تاريخية.)) (أحمد الكاتب -السنة والشيعة..وحـــدة الــــدين - خلاف السياسة والتاريخ- ) وفيه مناقشة مستفيضة ودقيقة لهذه المسألة ولمصادرها .
1 – يعتمد الشيعة الاحاديث النبوية المنقولة عن الائمة ، ابناء الحسين خاصة ، وهي قليلة جدا، او تروى بلا اسناد اليه (ص) ، وهي قول المعصوم ايضا، أي الامام .
2 - حوار مع فضل الله حول الزهراء (س) - السيد هاشم الهاشمي - ص 275.
- يذكر احمد الكاتب في الهامش 249، رواية اخرى تقول: (( وروى المفيد في كتابه (الاختصاص): ان فاطمة استنزعت كتابا من أبي بكر برد فدك اليها ، فخرجت والكتاب معها ، فلقيها عمر فقال : يا بنت محمد ! ما هذا الكتاب الذي معك ؟ فقالت : كتاب كتب لي أبو بكر بردّ فدك ، فقال : هلميّه إليّ ، فأبت أن تدفعه إليه ، فرفسها برجله ـ وكانت عليها السلام حاملة بابن اسمه : المحسن ـ فأسقطت المحسن من بطنها ، ثم لطمها ، فكأني به أخذ الكتاب فخرقه. فمضت ومكثت خمسة وسبعين يوماً مريضة من ضربة عمر ثم قبضت)). (السنة والشيعة..وحـــدة الــــدين - خلاف السياسة والتاريخ- ).
نتساءل: متى سقط الجنين؟ هل سقط اثناء الهجوم على الدار ، ام في هذه الواقعة التي حدثت قبل حادثة الهجوم على الدار؟
(( ويقول الشيخ فارس الحسون، مدير مركز الأبحاث العقائدية التابع لمكتب السيد علي السيستاني: "الحقيقة أنّ قضية الزهراء سلام الله عليها أساس مذهبنا، وجميع القضايا التي لحقت تلك القضية وتأخّرت عنها كلّها مترتبة على تلك القضية، ومذهب الطائفة الامامية الاثني عشرية بلا قضية الزهراء سلام الله عليها وبلا تلك الاثار المترتبة على تلك القضية ـ هذا المذهب ـ يذهب ولا يبقى، ولا يكون فرقٌ بينه وبين المذهب المقابل".)). نقلا عن : (السنة والشيعة..وحـــدة الــــدين - خلاف السياسة والتاريخ- )
نتساؤل : هل يبنى مذهب على روايات لواقعة تاريخية مشكوك في وقوعها؟
3 - أصل الشيعة وأصولها - الشيخ كاشف الغطاء - ص 223.


***
المبحث السابع

الموقف من نظرية ولاية الفقيه

نظرية ولاية الفقيه نظرية سياسية تعني بالحكم ، وقد تحدث الكثير عنها .
يقول المفكر الاسلامي احمد الكاتب عنها : ((اما ولاية الفقيه فهي نظرية حديثة لم يجمع عليها الشيعة.)).
وها صحيح لان الكثير من فقهاء ومجتهدي الشيعة لا يعتقدون بها.(1)
يقول السيد فضل الله: (( ولاية الفقيه هي جزء من فقه النظام السياسي في الإسلام، والمسلمون بمذاهبهم كافة قد اجمعوا على وجوب كون الإسلام هو الحاكم في شتى الميادين، وقد تعرض الفقه الإسلامي لتفاصيل ذلك النظام ومن جملتها صفات الحاكم، فكان فيما شرطه الشيعة من شروط فيه هو ان يكون فقيهاً مجتهداً، فوجد ما صار يعرف بـ (ولاية الفقيه) التي تعددت فيها الآراء وتشعبت المسائل، في حين يظل المشروع الشيعي هو نفسه المشروع الإسلامي فإن المطلوب على الصعيد السياسي تحكيم الإسلام ووفقاً لأي مذهب، وذلك في قبال الحكومات العلمانية التي تسيطر على أنظمة الحكم في المجتمعات الاسلامية)).
فيما لا يرى رحمه الله - كما يؤكد مكتبه – ((لا يرى وجود الولاية العامة للفقيه، لعدم الدليل الشرعي على ذلك إلا أنه من باب العمل بالمصلحة الإسلامية العليا تثبت الولاية للفقيه في موقف توقف حفظ نظام المسلمين عليها ، وقد لا تتوقف المصلحة على ذلك ، وقد يتأثر حفظها بالشورى مثلاً)).
وبكلمة واحدة يقول في موضع اخر : (( أن الولاية عندنا للفقيه لا تثبت بالنصوص من الكتاب والسنة بل من قاعدة حفظ النظام إذا توقف عليها فيدور الأمر مدار ذلك وجوداً وعدماً)).
وهي – كما يقول رحمه الله – : (( مسألة فقهية تختلف فيها الإجتهادات بحسب الأدلة والنظر فيها فمن الفقهاء من قال بها ومنهم من لم يقل بها)).
وعن نظرية ولاية الفقيه التي تمارس الان في ايران بعد وصول الخميني الى سدة الحكم ، يذكر سماحة الامام الشيخ المؤيد موقفه الفقهي منها ، فيقول:
(( لا نرى ذلك ، فلم يدل دليل معتبر على ولاية الفقيه بهذا المعنى ، وإنما المستفاد من الأدلة المعتبرة أن شرعية الحكم في الإسلام تقوم على ركنين أساسيين :
الأول :- استناد الحكم والنظام في إدارة شؤون الشعب إلى الشريعة الإسلامية وقوانينها الثابتة والمتغيرة .
الثاني :- استناد السلطة إلى إرادة الأمة .
فإذا أختل أحد هذين الركنين يفقد الحكم شرعيته في الإسلام. وأما إبتناء الحكم على أساس ولاية الفقيه فهو أمر لا نقول به)) . (2)
لهذا تبقى نظرية ولاية الفقيه نظرية مختلف فيها وعليها ،وواحدة من النظريات السياسية عند الشيعة غير المتفق عليها بين فقهائهم ومراجعهم.
الهوامش:
1 – راجع دراستنا : (احمد الكاتب - قراءة في الفكر الشيعي المعاصر).
2 - لا باس ان نستأنس برأي مرجع (لبناني الجنسية ) هو علي الامين:
يقول سماحته: (( منطق ولاية الفقيه الذي يَصدُر من إيران لا ينفع الطائفة في أي بلد من هذه البلدان. هذا مشروع يرتبط بإيران وحدها، ومن الخطورة والخطأ تحويل ولاية الفقيه إلى دعوة سياسية تعزل الشيعة عن غيرهم من المذاهب في مجتمعاتهم، وفي البحرين ولبنان فإن مثل هذه الفكرة تمثل خطورة على نسيج المجتمع التعددي، ولا يمكن أن يُكتب لها النجاح. عندما طرح الإمام الخميني هذه المسألة في الحوزة النجفية لم يَلقَ استجابة على الإطلاق. بل إن مما يجدر ذكره أن ''ولاية الفقيه'' صيغة من الصيغ التي لم يمارسها الأئمة في حياتهم. لا ينبغي لما يطرح في إيران اليوم أن يكون ولاية عابرة للحدود والأوطان والشعوب والمجتمعات. السيد الخامنئي ليست له ولاية على الشيعة خارج إيران. بين شيعة إيران وشيعة الخليج وشيعة لبنان رابطة مذهبية هذا صحيح ولكن هذه الرابطة رابطة ثقافية لا تعني أن تكون له ولاية سياسية. هذا شيء أساسي ينبغي أن ينتبه له أبناء الشيعة في البحرين. الولاية في البحرين للقيادة السياسية على كل المواطنين. والواجب هو رفض أي ولاية سياسية على الشعب البحريني للفقيه أو غيره إلا ولاية القيادة السياسية للبلد)).
ويقول كذلك :
(( وقد اضطربت الأفكار وتعددت الآراء في الآونة الأخيرة حول وجود مشروع سياسي للشيعة في العالم أو في أماكن تواجدهم وأخذ بعض المفكّرين والعلماء يبحثون عن نظرية الحكم عند الشيعة بشكل عام تارة وعن صيغة المشروع السياسي في بعض أماكن وجود الشيعة تارة أخرى حَّتى بدا وكأن الشيعة قوم يعيشون وحدهم وكأنهّم جسم منفصل عن أجسام شعوبهم وأممهم وأوطانهم وبدأ بعض الباحثين يتساءل عن هوية الإنسان الشيعي وكأنّه إنسان قادمُ من عالم آخر .
والذي ينبغي أن يقال في هذا المجال بأنّ كثيراً من الأبحاث التي برزت على السّاحة الفكرية من بعض علماء الشيعة ومفكّريها كالبحث عن نظرية الحكم عند الشيعة وأنهّا على نحو ولاية الفقيه الفرد أو على نحو شورى الفقهاء هي أبحاث نظرَّية ليس لها حظُّ في الواقع الذي تعيشه الشيعة في عالم اليوم والغد ولم يكن الماضي أحسن حالاً من الحاضر لأن الشيعة لم يكونوا وحدهم في يوم من الأيام وهذه الأبحاث تدور حول حاكمية الفقيه فرداً أو جماعة في مجتمع شيعي خالص وهذا الأمر لن يتحقق لا في دنياً ولا في آخرة هذا مع أنهّا نظريات لا يوافق عليها أغلب علماء الشيعة خصوصاً المحققّون منهم ، والحاصل أنّ هذه النّظريات التي طفت على السّطح ليس لها ارتباط بعالم الواقع الذي يعيشه الإنسان الشيعي الذي يتكوّن المجتمع منه ومن غيره الذي لم يسمع بهذه النظريات فضلاً عن أن يقبل بها مضافاً إلى ما عرفت من كونها غير مقبولة عند الفريق الأعظم من الشيعة أنفسهم .(أفنلزمكموها وأنتم لها كارهون )... )). - بحث العلامة المجتهد السيد علي الأمين- في مؤسسة الإمام الخوئي –لندن- في25/10/1999-
***
المبحث الثامن

الموقف من بعض العقائد

1- عالم الذر:
((وإذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذريتهم وأشهدهم على أنفسهم ألست بربكم قالوا بلى شهدنا أن تقولوا يوم القيامة إنا كنا عن هذا غافلين)). [الاعراف 172 ]
يدعي الكثير من فقهاء الشيعة ان الله سبحانه اشهد ذرية ادم على الامامة . (1) يقول السيد فضل الله عن صحة احاديث عالم الذر والميثاق :
(( لم يثبت عندنا ذلك، وقد تحدثنا عن ذلك في تفسيرنا من وحي القرآن. أما الآية التي استدل بها عليه فلا دلالة لها على ذلك)).
فيما يقول الشيخ المؤيد عن الحديث الذي يؤكد ان الله (أخذ ميثاق شيعتنا بالولاية لنا وهم ذر، يوم أخذ الميثاق على الذر) :
(( هذا الحديث و ان كان له بحسب الظاهر سند معتبرلوثاقة كل رجال سنده ، الاّ أن اللازم ان يضرب به عرض الجدار فهو زخرف باطل و لا يمكن أن يقبله عقل سليم و لا يأخذ به الا أبله أو مجنون ذلك أن متنه مليء بالخلل من جهات كثيرة منها :-
أولاً :- إن نظرية أخذ الميثاق من الذر نظرية غير صحيحة و تبطلها دلائل عقلية كثيرة و لا دلالة للآية الكريمة اليها و لا يصح تفسيرها على أساسها . و عليه اذا سقطت فكرة أخذ الميثاق من الذر سقط الحديث من أساسه .
ثانياً :- لو فرض صحة نظرية أخذ الميثاق من الذر فاننا اذا رجعنا الى الآية الكريمة لوجدنا أن مساقها مختلف تماماً عن مساق المتن المذكور في الرواية ، قال تعالى ( و اذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذريتهم و أشهدهم على أنفسهم ألست بربكم قالوا بلى شهدنا أن تقولوا يوم القيامة انا كنا عن هذا غافلين . أو تقولوا انما أشرك آباؤنا من قبل و كنا ذرية من بعدهم أفتهلكنا بما فعل المبطلون) . فمساق الآية الكريمة واضح في أن الهدف من أخذ الميثاق هو إقامة الحجة و سد باب التنصل و الإعتذار عن الإلتزام بالعقيدة الحقة بمبررات معينة ، بينما الرواية تتحدث عن أن الميثاق بالولاية انما أخذ من الشيعة ، مع انه لو أريد الانسجام مع مساق الآية الكريمة لكان اللازم أن يؤخذ الميثاق من غيرهم لسد باب التنصل و الإعتذار عن التمسك بالولاية. و من الناحية المنهجية تبقى علامة إستفهام كبيرة ترتسم امام هذه الرواية فلماذا يأخذ الله تعالى الميثاق على الربوبية من جميع البشر بينما يأخذ الميثاق بالولاية من الشيعة فقط ؟ ان هذا الاستفهام يبقى شاهداً على الخلل في مضمون الرواية .
ثالثاً :- انّ الرواية تتحدث عن أن الميثاق أخذ على الذر للأقرار لله تعالى بالربوبية و لمحمد صلى الله عليه وآله وسلم بالنبوة ، مع أن الآية الكريمة لا تتحدث الا عن أخذ الميثاق بالربوبية ، وهذا هو المعقول و أما الميثاق بنبوة محمد صلى الله عليه وآله وسلم فبلحاظ أنّ أصل الميثاق قد أخذ من الذر جميعاً أي من البشرية كلها منذ آدم عليه السلام و بلحاظ أنّ البشرية الى زمان بعثة محمد صلى الله عليه وآله وسلم لم تكن مكلفة أصلاً بالإقرار بنبوته و لا بمعرفته فما الوجه في أخذ الميثاق منهم بذلك ؟
رابعاً :- تقول الرواية أنّ الله تعالى خلق أرواح الشيعة قبل أبدانهم بألفي عام و عرضها على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم . و هذا كلام باطل بأي وجه صوّر فان كان النظر فيه الى عالم الذر فمن الواضح أن عالم الذر كان قبل الفي عام من خلق أبدان الشيعة ، و إن كان النظر الى غير عالم الذر فبما أن أبدان الشيعة لم تخلق دفعة واحدة و انما خلق الأبدان تدريجي بتدرج الأزمنة و الأعصار فلا يلتئم ذلك مع تحديد الألفي عام كوقت لخلق الأرواح قبل الأبدان .
و الحقيقة ان هذه االرواية من مصاديق قاعدة الروايات التي تكذب متونها أسانيدها .
انّ هذه الرواية و أمثالها من تفاهات الغلاة و محاولاتهم في نسج العقائد الباطلة حول الإمامة و ان أهل البيت عليهم السلام براء من مثل هذه التفاهات و التخرصات و من اللازم تطهير الثقافة الشيعية منها .)).
***
2 - التوسل والشفاعة:
من المسائل العقدية التي اشتركت فيها الاديان كافة – السماوية والوضعية – هي مسألة الشفاعة ، واخذت لها مساحة واسعة في الدراسات الفلسفية والكلامية(2) ، وباتت عند المؤمنين - بتلك الاديان- شغلهم الشاغل وحلمهم الذي يرجون التحقق يوم الاخرة،ليفوزوا الفوز العظيم ، انها صارت ثقافة عامة منذ فجر التاريخ (تقديم القرابين والاناشيد والتراتيل الدينية على سبيل المثال) الى يومنا هذا.
الا ان الاختلاف الذي وقع بين الاديان، ومن ثم بين المذاهب داخل كل دين في هذه المسألة، جعلها تتربع على عرش الدراسات تلك ، ومن ثم وضع لها الكثير من الاحاديث.(3) - على صعيد الدين الاسلامي - التي تؤيدها من خلال الشافع والمشفوع اعتمادا على العشرات من الايات القرآنية ، فراحت كافة المذاهب الاسلامية تضع الاحكام لها ، وتتفنن بذكر من يشفع ومن الذي يشفع له.
ووضعت الاسئلة الكثيرة:
- هل هي خاصة بالمؤمنين ام لغيرهم، خاصة اصحاب الكبيرة ؟
- من هم المشفعون ،هل الانبياء يشفعون ام ان النبي محمد (ص) فقط يقوم بهذه الفضيلة ، وهل هناك غيرهم؟
وهناك من وسع، وهناك من ضيق .
وقد ناقش الفكر الشيعي الامامي هذه المسألة، وتوصل الى ان من يقوم بالشفاعة هم : الأنبياء والشهداء والعلماء ، و القرآن ، والصالحون، والمؤمنون ،وخاصة النبي (ص) والائمة.
(( والشفاعة ثبتت عندنا للنبي ( ص ) وكثير من أصحابه ولجميع الأئمة المعصومين وكثير من المؤمنين الصالحين . . .)) كما يقول الطوسي ص26 .
و قال الامام على بن ابي طالب( لنا شفاعة ولأهل مودتنا شفاعة) كما يذكر الصدوق ص20.
وقال الشيخ المفيد : (( اتفقت الإمامية على أن رسول الله ( ص ) يشفع يوم القيامة لجماعة من مرتكبي الكبائر من أمته ، وأن أمير المؤمنين ( عليه السلام ) يشفع في أصحاب الذنوب من شيعته ، وأن أئمة آل محمد ( عليهم السلام ) كذلك ، وينجي الله بشفاعتهم كثيرا من الخاطئين )). ص25.
وفي اجابة للمرجع الديني السيد علي السيستاني عن سؤال جاء فيه: ( لمن الشفاعة الكبرى يوم القيامة ؟ 1 - الرسول الأكرم - صلى الله عليه وآله - ؟ 2 - فاطمة الزهراء - عليها السلام - ؟ 3 - علي بن أبي طالب - عليه السلام - ؟) قال :
(( رسول الله - ص - صاحب الشفاعة الكبرى ففي الأحاديث أن الأنبياء أيضا بحاجة إلى شفاعته والمراد من الشفاعة أن ولايته أي متابعته والإيمان به لو لم ينضم إلى العمل لم ينفع . ولا يبعد أن يقال أنها بهذا المعنى لا تختلف بالنسبة إلى الرسول (ص) ، فإنه كما لا ينفع العمل من دون ولائه (ص) كذلك لا ينفع من دون ولائهم سلام الله عليهم)) .( استفتاءات - السيد السيستاني - ص 242).
وجاء في التفسير المنسوب للإمام العسكري - ص 37:
(( ... شفاعة المؤمنين : فإذا كان يوم القيامة أضاف هذه الرحمة الواحدة إلى تسعة وتسعين رحمة فيرحم بها أمة محمد صلى الله عليه وآله ، ثم يشفعهم فيمن يحبون له الشفاعة من أهل الملة حتى أن الواحد ليجئ إلى مؤمن من الشيعة ، فيقول : اشفع لي . فيقول : وأي حق لك علي ؟ فيقول : سقيتك يوما ماءا . فيذكر ذلك ، فيشفع له ، فيشفع فيه ، ويجيئه آخر فيقول : إن لي عليك حقا ، فاشفع لي . فيقول : وما حقك علي ؟ فيقول : استظللت بظل جداري ساعة في يوم حار . فيشفع له ، فيشفع فيه ، ولا يزال يشفع حتى يشفع في جيرانه وخلطائه ومعارفه ، فان المؤمن أكرم على الله مما تظنون )).
في هذا التفسير يتخصص المؤمن بالشيعي فقط.
ومن هذا الفهم الشيعي الامامي للشفاعة ، تأثرت الحياة اليومية للشيعة الامامية ، حتى وصل الامر الى القول ان زيارة ضريح الامام الحسين تدخل صاحبها الجنة، وغير ذلك، فبدأ الاتكال ، وضاعت الفرائض الالهية.
(( عن أبي عبد الله ( ع ) قال : من زار الحسين بن علي ( ع ) في شهر رمضان ومات في الطريق لم يعرض ولم يحاسب وقيل له ادخل الجنة آمنا )).(4)
عن جعفر بن محمد ((من جاءه خاشعا محتسبا مستقيلا مستغفرا فشهد قبره في احدى ثلاث ليال من شهر رمضان أول ليلة من الشهر وليلة النصف وآخر ليلة منه تساقطت عنه ذنوبه وخطاياه)). (5)
((وروى عمر بن يزيد قال : قلت لأبي عبد الله ( عليه السلام ) إني سمعتك وأنت تقول : كل شيعتنا في الجنة على ما كان منهم . قال : صدقتك كلهم والله في الجنة قال : قلت جعلت فداك إن الذنوب كثيرة كبار . فقال : أما في القيامة فكلكم في الجنة بشفاعة النبي المطاع أو وصي النبي ولكني والله أتخوف عليكم في البرزخ . قلت : وما البرزخ ؟ قال : القبر منذ حين موته إلى يوم القيامة))0 (6)
واخيرا يقول محرر (الشفاعة حقيقة إسلامية) في صفحته الاخيرة : ((وأن الرسول ( ص) والأئمة من أهل البيت ( عليهم السلام ) والصالحين والعمل الصالح والقرآن والملائكة كلهم يشفعون للذين يستحقون الشفاعة)).
و تعرف الشفاعة لغة : (7)
((شفع شفعا ، الشئ صيره شفعا أي زوجا بأن يضيف إليه مثله ، يقال كان وترا فشفعه بآخر " أي قرنه به " . وتقول " شفع لي الأشخاص " أي أرى الشخص شخصين لضعف بصري ، وشفع شفاعة لفلان ، أو فيه إلى زيد : طلب من زيد أن يعاونه وشفع عليه بالعداوة : أعان عليه وضاده . وتشفع لي وإلي بفلان أو في فلان : طلب شفاعتي)).
اما اصطلاحا فهي : (نوع من الدعاء والرجاء) و (رفع العقاب عن المذنبين) ص10.
هذا يعني، ان طرفا ثالثا يسمى الشافع ، دخل في الوسط بين الطرف الاول المتشفع منه (المشفع) والطرف الثاني المتشفع له.
وهو ما يسمى مجازا بـ (الواسطة) بين طرف واخر، او في مفهوم المشركين قبل البعثة بمعنى :(المتخذينهم زلفى ، أي المتقرب بهم ) مع العلم ، يقول القرآن الكريم:
(وَمَا أَمْوَالُكُمْ وَلا أَوْلادُكُمْ بِالَّتِي تُقَرِّبُكُمْ عِنْدَنَا زُلْفَى إِلَّا مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً فَأُولَئِكَ لَهُمْ جَزَاءُ الضِّعْفِ بِمَا عَمِلُوا وَهُمْ فِي الْغُرُفَاتِ آمِنُونَ) (سـبأ:37) (أَلا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فِي مَا هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي مَنْ هُوَ كَاذِبٌ كَفَّارٌ) (الزمر:3) وقد وردت الشفاعة وتصريفاتها في القرأن الكريم في اكثر من اية:
*(لا يَمْلِكُونَ الشَّفَاعَةَ إِلَّا مَنِ اتَّخَذَ عِنْدَ الرَّحْمَنِ عَهْداً) (مريم:87) *(يَوْمَئِذٍ لا تَنْفَعُ الشَّفَاعَةُ إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَنُ وَرَضِيَ لَهُ قَوْلاً) (طـه:109) *(وَلا تَنْفَعُ الشَّفَاعَةُ عِنْدَهُ إِلَّا لِمَنْ أَذِنَ لَهُ حَتَّى إِذَا فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ قَالُوا مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ قَالُوا الْحَقَّ وَهُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ) (سـبأ:23) *(قُلْ لِلَّهِ الشَّفَاعَةُ جَمِيعاً لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ) (الزمر:44) *(وَلا يَمْلِكُ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ الشَّفَاعَةَ إِلَّا مَنْ شَهِدَ بِالْحَقِّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ) (الزخرف:86) *( وَاتَّقُوا يَوْماً لا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئاً وَلا يُقْبَلُ مِنْهَا شَفَاعَةٌ وَلا يُؤْخَذُ مِنْهَا عَدْلٌ وَلا هُمْ يُنْصَرُونَ) (البقرة:48) *( وَاتَّقُوا يَوْماً لا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئاً وَلا يُقْبَلُ مِنْهَا عَدْلٌ وَلا تَنْفَعُهَا شَفَاعَةٌ وَلا هُمْ يُنْصَرُونَ) (البقرة:123) *(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِمَّا رَزَقْنَاكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لا بَيْعٌ فِيهِ وَلا خُلَّةٌ وَلا شَفَاعَةٌ وَالْكَافِرُونَ هُمُ الظَّالِمُونَ) (البقرة:254) *( مَنْ يَشْفَعْ شَفَاعَةً حَسَنَةً يَكُنْ لَهُ نَصِيبٌ مِنْهَا وَمَنْ يَشْفَعْ شَفَاعَةً سَيِّئَةً يَكُنْ لَهُ كِفْلٌ مِنْهَا وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ مُقِيتاً) (النساء:85) *( كل نفس بما كسبت رهينة * إلا أصحاب اليمين * في جنات يتساءلون * عن المجرمين * ما سلككم في سقر * قالوا لم نك من المصلين * ولم نك نطعم المسكين * وكنا نخوض مع الخائضين * وكنا نكذب بيوم الدين * حتى أتانا اليقين * فما تنفعهم شفاعة الشافعين * فما لهم عن التذكرة معرضين * كأنهم حمر مستنفرة *فرت من قسورة ).(38 - 51 )
*( ونادى أصحاب النار أصحاب الجنة أن أفيضوا علينا من الماء أو مما رزقكم الله قالوا إن الله حرمهما على الكافرين * الذين اتخذوا دينهم لهوا ولعبا وغرتهم الحياة الدنيا فاليوم ننساهم كما نسوا لقاء يومهم هذا وما كانوا بآياتنا يجحدون *ولقد جئناهم بكتاب فصلناه على علم هدى ورحمة لقوم يؤمنون *هل ينظرون إلا تأويله يوم يأتي تأويله يقول الذين نسوه من قبل قد جاءت رسل ربنا بالحق فهل لنا من شفعاء فيشفعوا لنا أو نرد فنعمل غير الذي كنا نعمل قد خسروا أنفسهم وضل عنهم ما كانوا يفترون). (50 - 53 )
*( ويوم تقوم الساعة يبلس المجرمون * وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ مِنْ شُرَكَائِهِمْ شُفَعَاءُ وَكَانُوا بِشُرَكَائِهِمْ كَافِرِينَ) (الروم:13) *( أَمِ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ شُفَعَاءَ قُلْ أَوَلَوْ كَانُوا لا يَمْلِكُونَ شَيْئاً وَلا يَعْقِلُونَ) (الزمر:43) *( فكبكبوا فيها هم والغاون * وجنود إبليس أجمعون * قالوا وهم فيها يختصمون * تالله إن كنا لفي ضلال مبين * إذ نسويكم برب العالمين * وما أضلنا إلا المجرمون * فما لنا من شافعين * ولا صديق حميم ) (الشعراء : 94 - 101)
*(وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لا يَضُرُّهُمْ وَلا يَنْفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَؤُلاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللَّهِ قُلْ أَتُنَبِّئُونَ اللَّهَ بِمَا لا يَعْلَمُ فِي السَّمَاوَاتِ وَلا فِي الْأَرْضِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ) (يونس:18) *( اللَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلا نَوْمٌ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِمَا شَاءَ وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَلا يَؤُودُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ) (البقرة:255) *(وَأَنْذِرْ بِهِ الَّذِينَ يَخَافُونَ أَنْ يُحْشَرُوا إِلَى رَبِّهِمْ لَيْسَ لَهُمْ مِنْ دُونِهِ وَلِيٌّ وَلا شَفِيعٌ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ) (الأنعام:51) *(وَذَرِ الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَهُمْ لَعِباً وَلَهْواً وَغَرَّتْهُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَذَكِّرْ بِهِ أَنْ تُبْسَلَ نَفْسٌ بِمَا كَسَبَتْ لَيْسَ لَهَا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيٌّ وَلا شَفِيعٌ وَإِنْ تَعْدِلْ كُلَّ عَدْلٍ لا يُؤْخَذْ مِنْهَا أُولَئِكَ الَّذِينَ أُبْسِلُوا بِمَا كَسَبُوا لَهُمْ شَرَابٌ مِنْ حَمِيمٍ وَعَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْفُرُونَ) (الأنعام:70) *(إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ مَا مِنْ شَفِيعٍ إِلَّا مِنْ بَعْدِ إِذْنِهِ ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ أَفَلا تَذَكَّرُونَ) (يونس:3) *(اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ مَا لَكُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا شَفِيعٍ أَفَلا تَتَذَكَّرُونَ) (السجدة:4) *(وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْآزِفَةِ إِذِ الْقُلُوبُ لَدَى الْحَنَاجِرِ كَاظِمِينَ مَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ حَمِيمٍ وَلا شَفِيعٍ يُطَاعُ) .(غافر:18)
ولما كان البشر كافة لم يطلع احد منهم على غيب الله ، فلا يمكن لنا ان نفرر شخصا قد ( أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَنُ وَرَضِيَ لَهُ قَوْلاً).
اذن، من يملك فعل الشفاعة هم :
- مَنِ اتَّخَذَ عِنْدَ الرَّحْمَنِ عَهْداً.
- إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَنُ وَرَضِيَ لَهُ قَوْلاً.
- إِلَّا لِمَنْ أَذِنَ لَهُ.
- إِلَّا مَنْ شَهِدَ بِالْحَقِّ.
والمنفي عنهم الشفاعة:
- من يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ الشَّفَاعَةَ.
- لا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئاً وَلا يُقْبَلُ مِنْهَا شَفَاعَةٌ.
- المشركون.
- المجرمون.
- اِلظَّالِمِونَ.
- الذين نسوا الدين.
- الكافرون.
- الممتنع عن الانفاق.
- المفترون.
- الغاوون .
- جنود إبليس.
- المكذبون بيوم القيامة.
- الذين اتَّخَذُوا دِينَهُمْ لَعِباً وَلَهْواً وَغَرَّتْهُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا.
فيما يذكر الفكر الشيعي الامامي بلا دليل موثق اؤلئك الذين يملكون الشفاعة (بإذن الله) وهم:
- النبي (ص).
- السيدة فاطمة الزهراء.
- الامام علي بن ابي طالب و الائمة.
- الشيعة المؤمنون.
- الشهداء.
- العلماء.
- الصالحون.
وحتما ان الشهداء والعلماء والصالحين هم فقط من الشيعة طالما خص الشيعة من المؤمنين فقط . (8)
الشفاعة عند سماحة الامام الشيخ المؤيد:
ناقش سماحة الامام الشيخ هذه المسألة انطلاقا من قواعد اساسية ذكرها سماحته، منها :
((1- ان الشفاعة قضية تعيش في وجدان الناس و تنعكس على سلوكهم و طريقة تفكيرهم و نظرتهم الى الأمور ، و هي مضافاً الى أنها تلتقي مع نزعة في نفس الانسان تميل الى التشبث يأطواق النجاة و ان على مستوى الامل ، فانها اتخذت بدوافع سياسية و مصلحية أيضاً لتبرير تصرفات الظالمين و من على شاكلتهم و ترميم صورتهم بين الناس و تسكين خواطرهم ازاء ما يصدر عنهم من سيئات.
2- إنّ تكوين مفهوم صائب عن الشفاعة يجب أن يمر عبر التركيز على ما ورد في القرآن الكريم و جعله الأساس الذي بناءً عليه يتم التعامل مع ما ورد في الشفاعة من أحاديث فلا يؤخذ الا بما ينسجم و المعطيات الموجودة في القرآن الكريم ، و يترك ما عدا ذلك وان كان له سند معتبر ، لأن اعتبار السند لوحده لا يكفي في حجية الحديث و انما يجب التأكد من سلامة المتن أيضاً على أساس عدم التنافي مع محكمات القرآن الكريم و مسلمات العقل و الفطرة .
ومن هذه المنهجية العلمية / الواقعية ، ناقش سماحة الامام الشيخ مفهوم الشفاعة، فكانت (نظريته) او رأيه الذي لا يبتعد عن القرآن الكريم .
ان نظرية الامام الشيخ، تعتمد على :
1 - أن الأصل و القاعدة العامة في الثواب و العقاب و الجزاء هيَ الإيمان و العمل.
2 - ان للشفاعة دور في يوم الجزاء و ان لم تكن الأصل و القاعدة لكنها عامل مساعد .
3- ان قرار الشفاعة بيد الله تعالى وحده ، فهو مالك الشفاعة و اليه يرجع أمرها ، و ليس هناك تفويض عام بها لأحد من دون الله عز و جل.
4- إن الشفاعة يوم القيامة لا تكون الا بإذن من الله عز و جل في ذلك اليوم فليس لأحد أن يبادر بالشفاعة لأحد.
5- ان تأثير الشفاعة يتوقف على أمرين :- الأول :- اذن الله تعالى بالشفاعة . الثاني :- رضاه بها .
6- انّ الشفاعة لا تكون في كل المجالات.
7- أنّ الاذن بالشفاعة لن يعطى الا اذا ارتضى الله تعالى الشفاعة للمشفوع له، و لعل هذه الغيبية تأتي في سياق يربي الناس على عدم الاتكال على الشفاعة بدلاً من العمل.
8- لم يذكر القرآن الكريم تفاصيل المجالات التي تقبل فيها الشفاعة.
9- لم يتحدث القرآن الكريم عن تفاصيل الشافعين.
ونفهم من اعلاه :
انها بيد الله، ولا تفويض عام بها الا لمن يرتضيه و يأذن له ، وليست عامة ،وعلى المؤمن ان لا يتكل عليها لان ايمانه وعمله هما العاملان المساعدان في الحصول عليها.
فيتوصل سماحة الامام الشيخ الى نتيجة مفادها :
1 - أن الشفاعة قضية محدودة بحدود معينة و انها ترتبط باذن الله تعالى و لها مجالات معينة و لا تكون الا في حق أشخاص معينين .
2 - لا بد أن تعرض أحاديث الشفاعة على هذه المعطيات القرآنية فيقبل منها ما لا يتعارض و هذه المعطيات تعارضا بيناً و يرفض الباقي .
وهاتان النتيجتان (أي محدودية الشفاعة وصحة الاحاديث) لم يضعهما نصب عينيه كل من ناقش هذه المسألة من فلاسفة وكلاميين ومفسرين ورجال دين وغيرهم.
وقد انتبه سماحة الامام الشيخ الى قضية كانت غائبة عمن ناقش هذه المسألة وهي قضية التوبة المفتوح بابها امام المؤمنين ، ومن خلالها يمكن للعبد ان يراجع اعماله فيتوب ولا ينتظر الشفاعة الاخروية.
*(وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً ثُمَّ اهْتَدَى) (طـه:82) اذن فالشفاعة ، كما يقول سماحة الامام الشيخ:
((ليست ذلك الباب المفتوح على مصراعيه ليكون طوق النجاة للمجرمين و الآثمين ليتعلقوا به ، و ليست رجاءً يعوّل عليه من لا يريد أن يسعى و يتواكل عن العمل إتكالاً على الشفاعة ، كما أنها ليست باباً ضيقة تختص بالمتقين فقط دون غيرهم ، فإن هذا الاختصاص لا تدل عليه آيات القرآن الكريم ، و قوله تعالى ( و لا يشفعون الا لمن إرتضى ) المقصود به من ارتضى للشفاعة و ليسَ من ارتضى بمعنى من اتقى و رضي عنه لتكون الشفاعة خاصة بالمتقين لان هذا الفهم لا ينسجم مع ما يفهم عرفاً من معنى الشفاعة و من الجو العام لآيات الشفاعة و قيودها الموحي بالشفاعة لمن يحتاج اليها في درء العذاب أو تخفيفه ، و هذا لا يتنافى مع استحقاق المذنب للعقاب الاخروي حتى تلك الذنوب التي يستحق عليها الخلود في النار لأنه قد يكون له من الأعمال و المواقف ما يفتح له معها باب الشفاعة عند الله تعالى في التخفيف أو المسامحة . نعم كل ذلك في إلاطار الذي لا يخرج بالشفاعة عن مقتضى فلسفة المعاد و عن القاعدة الأساسية في الجزاء)).
ونستشف من كتابات السيد فضل الله - خاصة في تفسير من وحي القرآن - مهاجمته للتوسل والشفاعة .
اخيرا :
نسأل: من هم الشافعين عند الله ، من دونه سبحانه؟
الجواب : هم من ارتضى الله لهم الشفاعة.
: ومن هم اؤلئك؟
: انهم في غيب الله .
***
3 – الرجعة:
جاء في (عقائد الإمامية - الشيخ محمد رضا المظفر - ص 80 – 87):
(( عقيدتنا في الرجعة:
إن الذي تذهب إليه الإمامية أخذا بما جاء عن آل البيت عليهم السلام أن الله تعالى يعيد قوما من الأموات إلى الدنيا في صورهم التي كانوا عليها ، فيعز فريقا ويذل فريقا آخر ، ويديل المحقين من المبطلين والمظلومين منهم من الظالمين ، وذلك عند قيام مهدي آل محمد عليه وعليهم أفضل الصلاة والسلام .
ولا يرجع إلا من علت درجته في الإيمان أو من بلغ الغاية من الفساد ، ثم يصيرون بعد ذلك إلى الموت ، ومن بعده إلى النشور وما يستحقونه من الثواب أو العقاب ، كما حكى الله تعالى في قرآنه الكريم تمني هؤلاء المرتجعين الذين لم يصلحوا بالارتجاع فنالوا مقت الله أن يخرجوا ثالثا لعلهم يصلحون : ( قالوا ربنا أمتنا اثنتين وأحييتنا اثنتين فاعترفنا بذنوبنا فهل إلى خروج من سبيل ) " المؤمن : 11 " .
نعم قد جاء القرآن الكريم بوقوع الرجعة إلى الدنيا ، وتظافرت بها الأخبار عن بيت العصمة . والإمامية بأجمعها عليه إلا قليلون منهم تأولوا ما ورد في الرجعة بأن معناها رجوع الدولة والأمر والنهي إلى آل البيت بظهور الإمام المنتظر ، من دون رجوع أعيان الأشخاص وإحياء الموتى .
والقول بالرجعة يعد عند أهل السنة من المستنكرات التي يستقبح الاعتقاد بها ، وكان المؤلفون منهم في رجال الحديث يعدون الاعتقاد بالرجعة من الطعون في الراوي والشناعات عليه التي تستوجب رفض روايته وطرحها . ويبدو أنهم يعدونها بمنزلة الكفر والشرك بل أشنع ، فكان هذا الاعتقاد من أكبر ما تنبز به الشيعة الإمامية ويشنع به عليهم .
ولا شك في أن هذا من نوع التهويلات التي تتخذها الطوائف الإسلامية فيما غبر ذريعة لطعن بعضها في بعض والدعاية ضده . ولا نرى في الواقع ما يبرر هذا التهويل ، لأن الاعتقاد بالرجعة لا يخدش في عقيدة التوحيد ولا في عقيدة النبوة ، بل يؤكد صحة العقيدتين ، إذ الرجعة دليل القدرة البالغة لله تعالى كالبعث والنشر ، وهي من الأمور الخارقة للعادة التي تصلح أن تكون معجزة لنبينا محمد وآل بيته صلى الله عليه وعليهم وهي عينا معجزة إحياء الموتى التي كانت للمسيح عليه السلام ، بل أبلغ هنا لأنها بعد أن يصبح الأموات رميما ( قال من يحيى العظام وهي رميم قل يحييها الذي أنشأها أول مرة وهو بكل خلق عليم ) " يس : 79 " .
وأما من طعن في الرجعة باعتبار أنها من التناسخ الباطل ، فلأنه لم يفرق بين معنى التناسخ وبين المعاد الجسماني ، والرجعة من نوع المعاد الجسماني ، فإن معنى التناسخ هو انتقال النفس من بدن إلى بدن آخر منفصل عن الأول ، وليس كذلك معنى المعاد الجسماني ، فإن معناه رجوع نفس البدن الأول بمشخصاته النفسية فكذلك الرجعة .
وإذا كانت الرجعة تناسخا فإن إحياء الموتى على يد عيسى عليه السلام كان تناسخا ، وإذا كانت الرجعة تناسخا كان البعث والمعاد الجسماني تناسخا .
إذن ، لم يبق إلا أن يناقش في الرجعة من جهتين ( الأولى ) أنها مستحيلة الوقوع ( الثانية ) كذب الأحاديث الواردة فيها . وعلى تقدير صحة المناقشتين فإنه لا يعتبر الاعتقاد بها بهذه الدرجة من الشناعة التي هو لها خصوم الشيعة . وكم من معتقدات لباقي طوائف المسلمين هي من الأمور المستحيلة أو التي لم يثبت فيها نص صحيح ، ولكنها لم توجب تكفيرا وخروجا عن الإسلام ، ولذلك أمثلة كثيرة : منها الاعتقاد بجواز سهو النبي أو عصيانه ، ومنها الاعتقاد بقدم القرآن . ومنها القول بالوعيد ، ومنها الاعتقاد بأن النبي لم ينص على خليفة من بعده .
على أن هاتين المناقشتين لا أساس لهما من الصحة ، أما أن الرجعة مستحيلة فقد قلنا أنها من نوع البعث والمعاد الجسماني غير أنها بعث موقوت في الدنيا ، والدليل على إمكان البعث دليل على إمكانها . ولا سبب لاستغرابها إلا أنها أمر غير معهود لنا فيما ألفناه في حياتنا الدنيا ، ولا نعرف من أسبابها أو موانعها ما يقربها إلى اعترافنا أو يبعدها وخيال الانسان لا يسهل عليه أن يتقبل تصديق ما لم يألفه ، وذلك كمن يستغرب البعث فيقول ( من يحيي العظام وهي رميم ) فيقال له : ( يحييها الذي أنشأها أول مرة وهو بكل خلق عليم ) .
نعم في مثل ذلك ، مما لا دليل عقلي لنا على نفيه أو إثباته أو نتخيل عدم وجود الدليل ، يلزمنا الرضوخ إلى النصوص الدينية التي هي من مصدر الوحي الإلهي ، وقد ورد في القرآن الكريم ما يثبت وقوع الرجعة إلى الدنيا لبعض الأموات كمعجزة عيسى عليه السلام في إحياء الموتى ( وأبرئ الأكمه والأبرص وأحيي الموتى بإذن الله ) وكقوله تعالى ( أنى يحيي هذه الله بعد موتها فأماته الله مائة عام ثم بعثه ) والآية المتقدمة ( قالوا ربنا أمتنا اثنتين . . . ) فإنه لا يستقيم معنى هذه الآية بغير الرجوع إلى الدنيا بعد الموت ، وإن تكلف بعض المفسرين في تأويلها بما لا يروي الغليل ولا يحقق معنى الآية .
وأما المناقشة الثانية ، وهي دعوى أن الحديث فيها موضوع ، فإنه لا وجه لها لأن الرجعة من الأمور الضرورية فيما جاء عن آل البيت من الأخبار المتواترة .
(...) وعلى كل حال فالرجعة ليست من الأصول التي يجب الاعتقاد بها والنظر فيها ، وإنما اعتقادنا بها كان تبعا للآثار الصحيحة الواردة عن آل البيت عليهم السلام الذين ندين بعصمتهم من الكذب ، وهي من الأمور الغيبية التي أخبروا عنها ، ولا يمتنع وقوعها )).
إذا، الرجعة ليست من الاصول عند الشيعة كما يحلو للبعض القول بذلك، وكما يقول د. جواد علي: (بأن تعاليم الرجعة ليست مذهبا دينيا وإنما هو اختراع هيأته أجواء الإحباط السياسي، في وقت تمتع فيه "الأعداء" بنعم الحياة ونعيمها). (*)
الرأي الشرعي للسيد فضل الله :
(( هي ثابتة إجمالاً، ولكن لم يثبت كونها رجعة أشخاص، والمحتمل أنّها رجعة الحقّ ودولته وحكم العدل، من خلال ظهور الإمام الحجّة(عج)، وملء الأرض قسطاً وعدلاً.)).
ويقول الشيخ المؤيد: (( السند المذكور للرواية في مفروض السؤال سند معتبر تام الاّ أنّ هذه الرواية ساقطة عن الحجية و ان كان لها بحسب الظاهر سند معتبر لمنافاتها للقرآن الكريم و كل ما ينافي القرآن الكريم فانه ساقط عن الحجية و لا إعتبار به .
و من وجوه منافاتها للقرآن انّ الله تعالى قال عن المشركين :{ حتى اذا جاء أحدهم الموت قال رب ارجعون لعلَي أعمل صالحاً فيما تركت كلا انها كلمة هو قائلها و من ورائهم برزخ الى يوم يبعثون } ، و هذه الآية الكريمة تدلل بوضوح على أن المشرك بموته اذ ينتقل الى البرزخ فانه يبقى في البرزخ الى حين البعث و هذا ينافي دعوى رجعته للحياة الدنيا لان لازم رجعته انّ مكوثه في البرزخ ليس مكوثاً مستمراً الى يوم البعث و انما تتخلله العودة الى الحياة الدنيا قبل البعث . اذن مضمون الرواية ينافي هذه الآية . و كذلك ينافي قوله تعالى عن المتقين :{ لا يذوقون فيها الموت الا الموتة الأولى } وَ من محض الإيمان هو من جملة المتقين و على رأسهم و الآية بهذا المضمون آبية عن التقييد ، فالرواية في مضمونها تتنافى مع مضمون هذه الآية فالرواية في مضمونها تنافي هاتين الآيتين ، مضافاً الى أنها بما تتضمنه من قضية الرجعة مغايرة للثقافة القرآنية التي لا وجود فيها لقضية الرجعة بالمعنى الذي تطرحه روايات الرجعة ، فإن المستفاد من مجموع الآيات القرآنية الكريمة التي تتحدث عن الموت و ما بعده أن الخط العام للبشرية هو انها تنتقل بالموت الى عالم ما بعده و تسلك مراحله نحو الآخرة دون عودة للدنيا .
{ قل الله يحييكم ثم يميتكم ثم يجمعكم الى يوم القيامة لا ريب فيه و لكن أكثر الناس لا يعلمون } الجاثية 26 .
{ كيف تكفرون بالله و كنتم أمواتاً فاحياكم ثم يميتكم ثم يحييكم ثم اليه ترجعون } البقرة 28 .
{ و هو الذي أحياكم ثم يميتكم ثم يحييكم ان الانسان لكفور } الحج 66 .
{ كل نفس ذائقة الموت و انما توفون أجوركم يوم القيامة } آل عمران 185 .
{ الله يتوفى الأنفس حين موتها و التي لم تمت في منامها فيمسك التي قضى عليها الموت و يرسل الأخرى الى أجل مسمى } الزمر 42.
{ ثم أماته فأقبره ثم اذا شاء أنشره } عبس .
{ و جائت سكرة الموت بالحق ذلك ما كنت منه تحيد و نفخ في الصور ذلك يوم الوعيد } ق .
{ أفما نحن بميتين الا موتتنا الاولى و ما نحن بمعذبين ان هذا لهو الفوز العظيم . لمثل هذا فليعمل العاملون } الصافات 58-60 .
{ انك ميت و انهم ميتون ثم انكم يوم القيامة عند ربكم تختصمون } .
فالمتحصل أن القول بالرجعة بالمعنى الذي تطرحه روايات الرجعة بعيد كل البعد عن الثقافة القرآنية . ولو كانت الرجعة ثابتة لذكر القرآن ذلك ببيان لا لبس فيه خاصة فيما يتصل بالوعد و الوعيد و إقتصاص المظلومين من الظالمين و إنتقام المؤمنين من الكافرين و لكان لذلك أثر في تحقيق أهداف الرجعة مع أنه ليس في القرآن الكريم شيء واضح في ذلك . و قد إستدل القائلون بالرجعة ببعض الآيات التي لا دلالة لها على ذلك أصلاً و تفصيل الكلام عن ذلك موكول الى محل آخر إن شاء الله تعالى و منه نستمد السداد و به الإعتصام)) .
***
4 - الشهادة الثالثة:
قال الشيخ الطوسي:
* (( وأما ما روي في شواذ الأخبار من قول : " أشهد أن عليا ولي الله وآل محمد خير البرية " فمما لا يعمل عليه في الأذان والإقامة . فمن عمل بها كان مخطئا )).(9)
*(( وليس من الاذان قول اشهد ان عليا ولي الله أو ان محمدا واله خير البرية وان عليا أمير المؤمنين حقا مرتين مرتين لأنه من وضع المفوضة لعنهم الله على ما قاله الصدوق ولما في النهاية ان ما روى أن منه ان عليا ولي الله وأن محمدا واله خير البشر أو البرية من شواذ الاخبار لا يعمل عليه وما في المبسوط من أن قول اشهد ان عليا أمير المؤمنين عليه السلام وال محمد خير البرية من الشاذ لا يعول عليه وما في المنتهى ما روى من أن قول ان عليا ولي الله وال محمد خير البرية من الاذان من الشاذ لا يعول عليه ثم إن خروجه من الاذان من المقطوع به لاجماع الامامية من غير نكير حتى لم يذكره ذاكر بكتاب ولا فاه به أحد من قدماء الأصحاب ولأنه وضع لشعائر الاسلام دون الايمان و لذا ترك فيه ذكر باقي الأئمة عليهما السلام ولان أمير المؤمنين عليه السلام حين نزوله كان رعية للنبي صلى الله عليه وآله فلا يذكر على المنابر ولان ثبوت الوجوب للصلاة المأمور بها موقوف على التوحيد والنبوة فقط على أنه لو كان ظاهرا في مبدء الاسلام لكان في مبدء النبوة من الفترة ما كان في الختام ومن حاول جعله من شعائر الايمان فالزم به لذلك يلزمه ذكر الأئمة عليهم السلام وقد أمر النبي صلى الله عليه وآله مكررا من الله في نصبه للخلافة والنبي صلى الله عليه وآله يستعفى حذرا من المنافقين حتى جاءه التشديد من رب العالمين ولأنه لو كان من فصول الاذان لنقل بالتواتر في هذا الزمان ولم يخف على أحد من آحاد )).(10)
* (( وأما الشهادة لعلي ( عليه السلام ) بالولاية وإمرة المؤمنين فليست جزءا منها )) .(11)
* (( وصورة الأذان والإقامة محددة شرعا ضمن ما ذكرناه فلا يجوز ان يؤتى بشئ آخر من الكلام فيها على أساس انه جزء منها واما التكلم بكلام أو جملة بدون ان يقصد المؤذن أو المقيم جعله جزءا من اذانه وإقامته فهو جائز ومن ذلك قوله بعد الشهادة الثانية لمحمد برسالة ( اشهد ان عليا ولي الله ) فان ذلك جائزا إذا لم يقصد به كونه جزءا من الأذان والإقامة وانما أراد به الاعلان عن حقيقة من حقائق الاسلام وهي ولاية علي عليه الصلاة والسلام)).(12 )
* (( مسألة 934 : أشهد أن عليا ولي الله ، ليست جزء من الأذان والإقامة ، ولكن يحسن الإتيان بها بعد أشهد أن محمدا رسول الله ، بقصد القربة المطلقة . أحكام الأذان والإقامة)). (13)
* (( وأقول : لا يبعد كون الشهادة بالولاية من الأجزاء المستحبة للاذان ، لشهادة الشيخ والعلامة والشهيد وغيرهم بورود الاخبار بها ،قال الشيخ في المبسوط فأما قول : " أشهد أن عليا أمير المؤمنين ، وآل محمد خير البرية " على ما ورد في شواذ الاخبار * فليس بمعمول عليه في الاذان ، ولو فعله الانسان لم يأثم به ، غير أنه ليس من فضيلة الاذان ولا كمال فصوله)) .(14)
* (( س- أنتم تقولون في الأذان ( أشهد أن عليا ولي الله ) ، أعطونا رواية صحيحة من كتبكم على هذه الشهادة الثالثة التي تقولونها .
الجواب نعتقد بأن الحد الأدنى الواجب لتحقق الإسلام هو شهادة : ( لا إله إلا الله محمد رسول الله ) فمن اعتقد بهاتين الشهادتين فهو مسلم شرعا ، له ما للمسلمين وعليه ما عليهم ، ما عدا الغلاة والنواصب . لكن لا يكمل إسلام المسلم ولا تبرأ ذمته ، حتى يشهد بولاية أمير المؤمنين وبقية العترة النبوية الطاهرة عليهم السلام ويبرأ من أعدائهم . والاعتقاد بهذه الشهادة الثالثة من أصول الدين عندنا ، فنحن بعد الشهادة للنبي صلى الله عليه وآله بالنبوة والرسالة ، نشهد لعلي والأئمة المعصومين من ولده عليهم السلام بالإمامة والولاية . هذا عن الإعتقاد بها ، أما قولها وإعلانها ، فهو واجب في بعض الحالات ، ومستحب في بعضها . ومع أن ولاية أهل البيت عليهم السلام من أصول الدين ، فنحن نحكم بإسلام من يتشهد بالشهادتين ولم يعتقد بها )). (15)
* (( فيقول في أذانه وإقامته بعد الشهادة الثالثة ، الشهادة الرابعة لا بقصد الجزئية ، فنقول فيها ما نقول في الشهادة الثالثة ، ولا أظن أن يخالفني في ذلك واحد من الفقهاء والعلماء إلا من يجهل المباني الفقهية ، وما جاء وراء الفقه من المعاني الدقيقة . فيجوز أن يقول المؤذن والمقيم بعد الشهادة الثالثة : ( أشهد أن فاطمة الزهراء عصمة الله ) مرتان أو مرة واحدة أو يلحق ذلك بالشهادة الثالثة بعد قوله : ( أشهد أن عليا ولي الله وأن فاطمة الزهراء عصمة الله ) ، فتدبر)) .
وفي هامش ص 13 قال: (( لقد سبقني في هذا المعنى والفتوى شيخنا الأستاذ آية الله الشيخ حسن زاده الآملي دام ظله في ( حكمة عصمتية في كلمة فاطمية : 14 ) قائلا : كانت فاطمة بنت رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ذات عصمة بلا دغدغة ووسوسة ، وقد نص كبار العلماء كالمفيد والمرتضى وغيرهما بعصمتها ( عليها السلام ) بالآيات والروايات ، والحق معهم ، والمكابر محجوج ومفلوج ، وكانت ( عليها السلام ) جوهرة قدسية في تعين إنسي ، فهي إنسية حوراء ، وعصمة الله الكبرى ، وحقيقة العصمة ، إنها قوة نورية ملكوتية تعصم صاحبها عن كل ما يشينه من رجس الذنوب والأدناس والسهو والنسيان ونحوها من الرذائل النفسانية . . . وإذا دريت أن بقية النبوة وعقيلة الرسالة ووديعة المصطفى وزوجة ولي الله وكلمة الله التامة فاطمة ( عليها السلام ) ذات عصمة ، فلا بأس بأن تشهد في فصول الأذان والإقامة بعصمتها وتقول مثلا : ( أشهد أن فاطمة بنت رسول الله عصمة الله الكبرى ) ، ونحوها)) .(16)
اعلاه جملة من المصادر القديمة والحديثة وما ورد فيها من روايات حول الشهادة الثالثة في الاذان، اوردتها ليكون القاريء على بينة تامة من امره.
في المصادر القديمة ، تسلسل القول كما يلي :
- انها من وضع المفوضة لعنهم الله على ما قاله الصدوق.(17) وهي من شواذ الأخبار.
- وأما الشهادة لعلي ( عليه السلام ) بالولاية وإمرة المؤمنين فليست جزءا منها .(18)
- إن خروجه من الاذان من المقطوع به لاجماع الامامية من غير نكير حتى لم يذكره ذاكر بكتاب ولا فاه به أحد من قدماء الأصحاب. (19)
- من عمل بها كان مخطئا.(20)
- الاتيان بها من المستحبات .(21)
- لو فعله الانسان لم يأثم به ، غير أنه ليس من فضيلة الاذان ولا كمال فصوله.(22)
- ان ذلك جائز إذا لم يقصد به كونه جزءا من الأذان والإقامة .(23)
- يحسن الإتيان بها بعد أشهد أن محمدا رسول الله ، بقصد القربة المطلقة . (24)
من اعلاه تتبين الامور التالية:
1 – ان هذه الشهادة ليست جزء من الاذان.
2 – الاتيان بها من باب القربة، وليس جزء من الاذان حسب اجماع الامامية من غير نكير.
3 – ليس من فضيلة الاذان ولا كمال فصوله.
4 - من الأجزاء المستحبة للاذان.
5 – اخبارها من شواذ الاخبار لا يعمل عليه ، و من الشاذ لا يعول عليه.
6 - من عمل بها كان مخطئا .
7 - لو كان من فصول الاذان لنقل بالتواتر في هذا الزمان ولم يخف على أحد من آحاد .
اذن، نتوصل من الاقوال اعلاه الى نتيجة مفادها : ان الشهادة الثالثة هي مضافة .
السؤال : من اضافها ؟
الجواب : انها من وضع المفوضة (25) ، لعنهم الله كما يقول كاشف الغطاء.(26)
اما قول الكوراني : (( لا يكمل إسلام المسلم ولا تبرأ ذمته ، حتى يشهد بولاية أمير المؤمنين وبقية العترة النبوية الطاهرة عليهم السلام ويبرأ من أعدائهم . والاعتقاد بهذه الشهادة الثالثة من أصول الدين عندنا ، فنحن بعد الشهادة للنبي صلى الله عليه وآله بالنبوة والرسالة ، نشهد لعلي والأئمة المعصومين من ولده عليهم السلام بالإمامة والولاية . هذا عن الإعتقاد بها ، أما قولها وإعلانها ، فهو واجب في بعض الحالات ، ومستحب في بعضها .)).(27)
ففيه امور، منها:
1 – انه من جماعة المفرقة ، فقد فرق بين المسلم والمؤمن ، المسلم من قال بالشهادتين ، والمؤمن من قال بالثلاثة.
2 - والاعتقاد بهذه الشهادة الثالثة من أصول الدين.
3 - أما قولها وإعلانها ، فهو واجب في بعض الحالات ، ومستحب في بعضها.
اتسائل: كيف ومتى يكون الاتيان بها واجبا مرة، ومرة من المستحبات؟
وكيف يفرق العامي من الشيعة بين الواجب والمستحب؟
وكيف يقول الشيخ الطوسي انها من شواذ الأخبار وهي مما لا يعمل عليه في الأذان والإقامة و من عمل بها كان مخطئا؟
والادهى من ذلك غلوا ما يقوله المسعودي ، وما يضيفه للاذان ، يقول: (( فيقول في أذانه وإقامته بعد الشهادة الثالثة ، الشهادة الرابعة لا بقصد الجزئية ، فنقول فيها ما نقول في الشهادة الثالثة ، ولا أظن أن يخالفني في ذلك واحد من الفقهاء والعلماء إلا من يجهل المباني الفقهية ، وما جاء وراء الفقه من المعاني الدقيقة . فيجوز أن يقول المؤذن والمقيم بعد الشهادة الثالثة : ( أشهد أن فاطمة الزهراء عصمة الله ) مرتان أو مرة واحدة أو يلحق ذلك بالشهادة الثالثة بعد قوله : ( أشهد أن عليا ولي الله وأن فاطمة الزهراء عصمة الله ) ، فتدبر)) .
ويضيف في هامش ص 13 : (( لقد سبقني في هذا المعنى والفتوى شيخنا الأستاذ آية الله الشيخ حسن زاده الآملي دام ظله في ( حكمة عصمتية في كلمة فاطمية : 14 ) قائلا : كانت فاطمة بنت رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ذات عصمة بلا دغدغة ووسوسة ، وقد نص كبار العلماء كالمفيد والمرتضى وغيرهما بعصمتها ( عليها السلام ) بالآيات والروايات ، والحق معهم ، والمكابر محجوج ومفلوج ، وكانت ( عليها السلام ) جوهرة قدسية في تعين إنسي ، فهي إنسية حوراء ، وعصمة الله الكبرى ، وحقيقة العصمة ، إنها قوة نورية ملكوتية تعصم صاحبها عن كل ما يشينه من رجس الذنوب والأدناس والسهو والنسيان ونحوها من الرذائل النفسانية . . . وإذا دريت أن بقية النبوة وعقيلة الرسالة ووديعة المصطفى وزوجة ولي الله وكلمة الله التامة فاطمة ( عليها السلام ) ذات عصمة ، فلا بأس بأن تشهد في فصول الأذان والإقامة بعصمتها وتقول مثلا : ( أشهد أن فاطمة بنت رسول الله عصمة الله الكبرى ) ، ونحوها)) . (28)
يقول سبحانه:(لَقَدْ جِئْتُمْ شَيْئاً إِدّاً) (مريم:89) والمحصلة التي نخرج بها هي : ان الذي يأتي بها ملعون، حسب قول الصدوق وكاشف الغطاء، وهذا يعني ان اللعنة ستطال مؤذني الشيعة كافة في عصرنا والعصور التي سبقتنا ، و التي ستأتي بعد عصرنا.
وقد افتى سماحة الامام الشيخ المؤيد بما يلي:
(( نعم ، نحن نفتي بعدم مشروعية الشهادة الثالثة في الأذان والإقامة ، فإن الأذان والإقامة عبادتان توقيفيتان شأنهما شأن العبادات التوقيفية التي تؤخذ كيفيتها المحددة والمعينة من الشارع الأقدس.
وقد وردت الروايات البيانية المعتبرة في تحديد فصول الأذان والإقامة وليس في أي من هذه الروايات عن أهل البيت عليهم السلام تصريح أو تلميح إلى الشهادة الثالثة لا كفصل من فصول الأذان والإقامة ولا كزيادة خارجة عن كونها جزء منهما لكنها تلحق بالشهادتين إستحبابا أو جوازا .
وبناءً على ذلك وبحكم عدم الدليل على الجزئية أو الإلحاق لا كجزء لا يكون الإتيان بالشهادة الثالثة مشروعا لا على نحو الإستحباب لعدم الدليل ، ولا على نحو الجواز ، لأن المعتبر في فصول الأذان والإقامة هو الترتيب والموالاة في السياق ، ومن دون دليل على الجواز يكون الإتيان بالشهادة الثالثة مخلا بذلك فلا يجوز . ولذا لا يجوز الفصل بين أي من فصول الأذان أو فصول الإقامة من غير دليل لأنه إخلال بنظام الأذان والإقامة وهو مناف للإرتكاز المتشرعي القطعي القائم على أن للأذان والإقامة نظما ووحدة في السياق من حيث الترتيب والموالاة بين الفصول . إلا أن جملة من فقهاء الإمامية مع تسليمهم بعدم كون الشهادة الثالثة جزءً من فصول الأذان والإقامة وعدم جواز الإتيان بها على نحو الجزئية أفتوا بمشروعية الإتيان بها إستحبابا أو برجاء المطلوبية أو جوازا . ومستندهم في ذلك إما روايات واردة في مورد الأذان والإقامة أو روايات تحث على إتباع القول بلا إله إلا الله محمد رسول الله بالقول ( علي أمير المؤمنين ) فاستدل بها بدعوى إطلاقها الشامل للأذان والإقامة .
لكن هذه الفتوى ليست صحيحة لأن الروايات الواردة في مورد الأذان والإقامة الذاكرة للشهادة الثالثة أو ما شاكلها ضعيفة سندا بل رماها أكابر أساطين الطائفة كالصدوق والطوسي بالشذوذ والوضع وهما أقرب عصرا إلى هذه الروايات وأكثر إطلاعا على مآخذها ، وقد جزما بأن هذه الروايات من وضع الغلاة والمفوضة وشهدا بأنها موضوعة وشاذة ، وهذه الشهادة منهما إن لم تكن حسية فهي قريبة من الحس ، ولا يوجد ما يضعف هذه الشهادة بل يوجد ما يؤكدها ، وبالتالي فهذه الروايات من المقطوع به أو المطمأن به على أقل التقادير أنها موضوعة فلا يعتنى بإحتمال صدورها عن الأئمة عليهم السلام ، وعليه فهي لا تصلح مستندا لا للإستحباب ولا للإتيان برجاء المطلوبية . وأما الروايات التي أُدعي أنها مطلقة إطلاقا شاملا للأذان والإقامة فهي مضافا إلى ضعف سندها لا إطلاق لها فإطلاقها منصرف عن مثل الأذان والإقامة كعبادة توقيفية لها نظامها وسياقها المحدد . وإلا لو صح التمسك بالإطلاقات في مثل الأذان والإقامة للزم من ذلك إمكان إضافة كثير من العبارات إلى الأذان والإقامة تمسكا بإطلاقات وردت في أدلة معتبرة ، فإن الحث على الصلاة مستحب بلا شك فهل يمكن إضافة فصل للأذان أو الإقامة ولو لم يكن بعنوان الجزئية بأن يقول المؤذن أو المقيم حي على عمود الدين ، كما إن التذكير بالموت والآخرة مستحب بلا شك لكن هل معنى ذلك أن يسمح للمؤذن أو المقيم بالتلفظ بكلمات ضمن أذانه أو إقامته تذكر بالموت والآخرة بدعوى إطلاق ما دل على إستحباب التذكير بالموت والآخرة ؟
فالحقيقة إن الإرتكاز القائم على أن للأذان والإقامة نظما خاصا وسياقا معينا يمنع من شمول الإطلاقات لمثل الأذان والإقامة.
وهكذا يتضح أن الإتيان بالشهادة الثالثة في الأذان والإقامة غير مشروع ويعد بدعة يجب التحرز منها . ويتحمل العلماء مسؤولية كبيرة في بيان الأحكام الصحيحة وتنقية الأفكار وعليهم الاضطلاع بذلك بشجاعة وعدم الإكتراث بضجيج الجهلة والمغرضين ، وعلى عموم المؤمنين وعلى المثقفين والمتنورين أن لا يسمحوا بمثل هذا الضجيج الذي يعتبر مجرد بيان الرأي والفكر حسب القناعة العلمية جريمة تواجه بالطعن والضجيج والتهويل بدلا من الحوار الموضوعي والنقد العلمي . إن هناك من يريد أن يتعامل مع قضية الشهادة الثالثة في الأذان والإقامة وكأنها عنصر من جوهر التشيع مع أنها قضية ليس لها أساس في فقه أهل البيت عليهم السلام ولا في ممارساتهم وحتى القائلون بمشروعيتها لا يرونها سوى أمر مستحب والمستحب يجوز تركه من غير إثم ، فلماذا كل هذا التضخيم والتهويل والتشنيع على جهود المصلحين الهادفين إلى تنقية التراث وإصلاح الأفكار والسلوك . ولعل كثيرين يتذكرون الضجة التي أقامت الدنيا ولم تقعدها على مصلحين أجلاء لمجرد بيانهم لرأي أدى إليه إجتهادهم وتفكيرهم العلمي كتلك الهجمة التي واجهها الشيخ محمد الخالصي رحمه الله لمجرد أنه أفتى بعدم مشروعية الشهادة الثالثة في الأذان والإقامة . والهجمة الشرسة التي واجهها الإمام السيد محسن الأمين رحمه الله لمجرد أنه أفتى بلزوم تنزيه الشعائر الحسينية من الممارسات الدخيلة . لكن الإصلاح يشق طريقه مهما كانت المصاعب جمة ولا سيما في عصرنا عصر العلم والثقافة والرشد)).
ويفتي سماحة الامام السيد محمد حسين فضل الله بما يلي :
(( وعن اختلاف السنة والشيعة في صيغة الأذان، يقول سماحته :"نحن لا نعتبر أن جملة «أشهد أن عليا ولي الله» هي جزء من الأذان، وقد كتبنا ذلك في كتاب الفتاوى، وقلنا إننا لا نوافق على أن يزاد في الأذان أي شيء، هناك خلاف آخر في الأذان في جملة «حي على خير العمل»، فهناك روايات لدى المسلمين الشيعة تفيد بأنها جزء من الأذان، ولكن المسلمين السنة لا يرون ذلك، كما أن السنة يزيدون في أذان الصبح «الصلاة خير من النوم»، والشيعة لا يرون ذلك، أما جملة «أشهد أن عليا ولي الله» فليست جزءًا من الأذان، ولا يجوز اعتقاد كونها جزءًا من الأذان، وإنما يأتي بها الشيعة للتبرك)).
وقال في الاستفتاءات ايضا:
((الشهادة الثالثة ليست بدعة في ذاتها ، ولكنها ليست من الفصول الواجبة لا في الأذان ولا في الإقامة ، نعم هي من حقائق الإيمان عندنا، ولم ينقل لنا في الأخبار أن النبي (ص) أو أحدا من الأئمة (ع) كانوا يدخلونها في الأذان أو الإقامة ، ولذا فنحن جرياً على ذلك قلنا إنه لا يجوز إعتبارها جزءاً منهما لأنها ليست كذلك ، ولعل الذين أدخلوها هم بعض الغلاة من الشيعة كما يقول الشيخ الصدوق )رحمه الله) باعتبار أنه يستحب الشهادة لعلي بالولاية كلما ذكرت الشهادة للنبي (ص(بالرسالة ، ولكن هذا لا يوجب أن يكون الأمر كذلك فيما هو من الأمور التوفيقية كالأذان والإقامة ، وخاصة بالنسبة للإقامة لاحتمال أن تكون بمثابة الجزء من الصلاة لأنه يكره كراهة شديدة الإتيان بما ينافي الصلاة بعد الإقامة.)).
ان سماحة الشيخ المؤيد قد افتى :
1 - بعدم مشروعية الشهادة ، لا استحبابا (29) ولا من الجواز لانعدام الدليل .
2 – اما الروايات والاحاديث التي تؤكد على الإستحباب و الإتيان برجاء المطلوبية هي:(( ضعيفة سندا بل رماها أكابر أساطين الطائفة كالصدوق والطوسي بالشذوذ والوضع وهما أقرب عصرا إلى هذه الروايات وأكثر إطلاعا على مآخذها ، وقد جزما بأن هذه الروايات من وضع الغلاة والمفوضة وشهدا بأنها موضوعة وشاذة )).
3 - وهي بدعة يجب التحرز منها .
بعد ذلك يحمل سماحته العلماء : (( مسؤولية كبيرة في بيان الأحكام الصحيحة وتنقية الأفكار وعليهم الاضطلاع بذلك بشجاعة وعدم الإكتراث بضجيج الجهلة والمغرضين ، وعلى عموم المؤمنين وعلى المثقفين والمتنورين أن لا يسمحوا بمثل هذا الضجيج الذي يعتبر مجرد بيان الرأي والفكر حسب القناعة العلمية جريمة تواجه بالطعن والضجيج والتهويل بدلا من الحوار الموضوعي والنقد العلمي)) .
4 – ويتساءل بإندهاش ونحن معه : (( لماذا كل هذا التضخيم والتهويل والتشنيع على جهود المصلحين الهادفين إلى تنقية التراث وإصلاح الأفكار والسلوك . ولعل كثيرين يتذكرون الضجة التي أقامت الدنيا ولم تقعدها على مصلحين أجلاء لمجرد بيانهم لرأي أدى إليه إجتهادهم وتفكيرهم العلمي كتلك الهجمة التي واجهها الشيخ محمد الخالصي رحمه الله لمجرد أنه أفتى بعدم مشروعية الشهادة الثالثة في الأذان والإقامة . والهجمة الشرسة التي واجهها الإمام السيد محسن الأمين رحمه الله لمجرد أنه أفتى بلزوم تنزيه الشعائر الحسينية من الممارسات الدخيلة)) .
5 – يؤكد سماحته بشجاعة العالم الواثق من نفسه ومن مبانيه الفقهية: ((الإصلاح يشق طريقه مهما كانت المصاعب جمة ولا سيما في عصرنا عصر العلم والثقافة والرشد)).
***
- مصحف فاطمة:
كثر الحديث عما سمي بمصحف فاطمة ، وقد شنع المخالفين لمذهب الشيعة الامامية به على انه قرآن اخر غير القرآن الذي بين ايدينا ، وقد تعددت الاراء حول ذك عند رجال الدين الشيعة الامامية.
ورأي السيد فضل الله هو :
(( قد ذكرت بعض الأحاديث شيئاً اسمه مصحف فاطمة، لكنه ليس قرآناً، بل هو كتاب فيه أحاديث سمعتها من والدها النبي (ص)، أو فيه وصيتها خواطر وافكار دونتها فيه، أو مما سمعته من حديث الملك وصار يتوارثه أبناؤها كأثر من آثارها صلوات الله وسلامه عليها وعلى أبنائها الطاهرين)).
فيما رأي سماحة الشيخ المؤيد هو:
(( وردت أحاديث في بعض كتب الشيعة الأثني عشرية منسوبة الى بعض أئمة آل البيت عليهم السلام تفيد وجود كتاب أطلق عليه في هذه الأحاديث ( مصحف فاطمة ) . الا انه لا يمكن الإستناد الى هذه الأحاديث لضعف بعضها سنداً و لإشتمال بعضها على خلل في المتن يوجب سقوطها عن الحجية , و لوجود التضارب و التهافت بين هذه الأحاديث بنحو لا يفسح المجال للجمع العرفي المخرج من التهافت فيحكم بسقوطها جميعاً . و عليه يكون الكلام عمّا يسمى بمصحف فاطمة كلاماً عارياً عن المستند العلمي و يجب تنقية الثقافة الشيعية و التراث الشيعي منه )).
الهوامش:
1 - راجع القرص الالكتروني مكتبة اهل البيت - بحث في عالم الذر وعوالم وجود الانسان قبل الدني – مركز المصطفى (ص).
2 - انكرت المعتزلة الشفاعة ، لتأكيد العدل الالهي.
3 - رأيي – المتواضع - في الاحاديث النبوية : انها ما زالت غير موثقة وغير متفق عليها بين المذاهب الاسلامية ، وسبق ان قلت هذا الرأي في اكثر من دراسة ، لهذا اعتبر كل حديث موضوع ما لم يثبت العكس.
4 - موسوعة أحاديث أهل البيت (ع) - الشيخ هادي النجفي - ج 4 - ص 299 – 304 – ط الأولى 1423 – 2002 م - دار إحياء التراث العربي للطباعة والنشر والتوزيع - بيروت – لبنان - شارع دكاش.
5 - المصدر السابق.
6 - ثلاث رسائل ، العوائد والفوائد - السيد مصطفى الخميني - ص 37.
7 - (الشفاعة حقيقة إسلامية - مركز الرسالة ) سأعتمد هذا المصدر في هذه الدراسة ، كونه يناقش الشفاعة من وجهة نظرالمذهب الشيعي الامامي المتداول في مصادره المعتمدة ، ونقارنه بمفهوم الشفاعة من وجهة نظر شيعية اخرى ، هي وجهة نظر سماحة الامام المؤيد في اجابته للسائل عن الشفاعة. وسأذكر الصفحة فقط من المصدر اعلاه عند الاخذ منه، ما لم اذكر غير ذلك.
8 – راجع كتابنا : التصحيح والتجديد في الفكر العربي الاسلامي - الفكر الاجتهادي الشيعي نموذجا - الكتاب الاول - التصحيح والتجديد الاجتهادي في المذهب الشيعي- عند المرجع الديني سماحة اية الله الامام الشيخ حسين المؤيد.
* –المهدي المنتظر عند الشيعة الإثني عشرية- د.جواد علي - ت: أبو العيد دودو - منشورات الجمل, كولونيا, ألمانيا - الطبعة: الأولى/2005
9 – قال الشيخ الطوسي: فمن عمل بها كان مخطئا.( النهاية - الشيخ الطوسي - ص 69)
10 – ان خبر مشروعيتها من الاحاد ، وكذلك فهو – الخبر - من الشواذ كما قال كاشف الغطاء في:( كشف الغطاء (ط.ق) - الشيخ جعفر كاشف الغطاء - ج 1 - ص 227.).
اذن، ثبت عدم صدق قول الميلاني بأقوال هؤلاء العلماء الكبار .
وفي خاتمة بحثه وتحت عنوان فائدة صغيرة ،يقول : (( جاء في السيرة الحلبية ما نصه : وعن أبي يوسف [ أبو يوسف هذا تلميذ أبي حنيفة إمام الحنفية ] : لا أرى بأسا أن يقول المؤذن في أذانه : السلام عليك أيها الأمير ورحمة الله وبركاته ، يقصد خليفة الوقت أيا كان ذلك الخليفة . لاحظوا بقية النص : لا أرى بأسا أن يقول المؤذن السلام عليك أيها الأمير ورحمة الله وبركاته ، حي على الصلاة ، حي على الفلاح ، الصلاة يرحمك الله . ولذا كان مؤذن عمر بن عبد العزيز يفعله ويخاطب عمر بن عبد العزيز في الأذان الله أكبر ، الله أكبر ، أشهد أن لا إله إلا الله ، السلام عليكم يا أيها الأمير ورحمة الله وبركاته حي على الصلاة ، حي على الصلاة ، حي على الفلاح ، حي على الفلاح ، لا أرى بأسا في هذا)) .( الشهادة بالولاية في الأذان - السيد علي الميلاني - ص 41)
اقول:
كان على الميلاني ان يفرق بين لفظى (يرفع) و (يقول) ، فالمصطلح الشرعي عن المناداة للصلاة هو رفع الاذان، وهذ الرفع يكون بالصوت الجهوري (على أي مقام نغمي كان) لا بالقول العادي ، ففرق كبير في ان اقول اشهد ان لا اله الا الله بالصوت الجهوري لكي يسمعه الناس كافة عند دعوتهم للصلاة وبلحن واحد مع مفردات الاذان ، وبين ان اقول قولا عاديا بلفظ اخر ، وبنبرة صوت اخرى .
ان السامع لاذان الشيعة هو قول الشهادة الثالثة بالصوت الجهوري نفسه من حيث تنغيمه او جهوريته، وهذا يعني ان الاتيان بالشهادة هي جزء من الاذان.
هناك عبارات يضيفها المؤذن من عندياته ، كأن يطلب المغفرة والرحمة من الله ، او ان يقول : اللهم امتنا على ولاية امير المؤمنين ، او ان يقول : اللهم عجل فرجه، وما شاكل من العبارات ، فإن المؤذن يقولها بصوت وتنغيم يختلفان عن صوت وتنغيم الاذان الشرعي ، وهذا ما يقال عنه القول ، وليس رفع الاذان.
ويقول ايضا : (( الشهادة بالولاية شعار المذهب : بعد أن أثبتنا الجزئية الاستحبابية للشهادة الثالثة في الأذان ، فلا يقولن أحد أن هذه الشهادة في الأذان إذا كانت مستحبة ، والمستحب يترك ، ولا مانع من ترك المستحب ، فحينئذ نترك هذا الشئ . هذا التوهم في غير محله . لأن هذا الأمر والعمل الاستحبابي ، أصبح شعارا للشيعة ، ومن هنا أفتى بعض كبار فقهائنا كالسيد الحكيم رحمة الله عليه في كتاب المستمسك بوجوب الشهادة الثالثة في الأذان ، بلحاظ أنه شعار للمذهب ، وتركه يضر بالمذهب ، وهذا واضح ، لأن كل شئ أصبح شعارا للمذهب فلا بد وأن يحافظ عليه ، لأن المحافظة عليه محافظة على المذهب ، وكل شئ أصبح شعارا لهذا المذهب فقد حاربه المخالفون لهذا المذهب بالقول والفعل)) .( الشهادة بالولاية في الأذان - السيد علي الميلاني - ص 43 - 44)
اقول : لماذا يا ميلاني تعد ترك المستحب وهما ، مع وجود الارجحية بين الفعل وعدمه في المستحب، وانه قد ثبت من قول العلماء ان من عمل بالشهادة الثالثة كان عمله خطأ كما قال الشيخ الطوسي ، وان ما جاء من اخبار دالة على الاتيان بها هي اخبار احاد ومن الشواذ كما في قول الشيخ كاشف الغطاء.
أما ان تركها يعد وهما لانها اصبحت شعارا للشيعة ، فلا اظن ان الاذان يتحمل الشعارات، لانه وضع اساسا للمناداة للصلاة.
11 - مستمسك العروة - السيد محسن الحكيم - ج 5 - ص 544 .
12 - الفتاوى الواضحة - للسيد محمد باقر الصدر - ص 284.
13 - الأحكام الشرعية - الشيخ المنتظري - ص 167 .
14 - بحار الأنوار - العلامة المجلسي - ج 81 - ص 111.
15 - أجوبة مسائل جيش الصحابة - الشيخ علي الكوراني العاملي - ص 54 – 55.
16 - الأسرار الفاطمية - الشيخ محمد فاضل المسعودي - ص 13 – 14.
17 - كشف الغطاء - ج 1 - ص 227.
18 - مستمسك العروة - ج 5 - ص 544.
19 - كشف الغطاء - ج 1 - ص 227.
20 - النهاية - ص 69.
21 - بحار الأنوار - ج 81 - ص 111.
22 – المصدر السابق - ج 81 - ص 111.
23- الفتاوى الواضحة - ص 284.
24 - الأحكام الشرعية - ص 167.
25 - المفوضة: (( قوم قالوا إن الله خلق محمدا وفوض إليه خلق الدنيا فهو الخلاق لما فيها ، وقيل فوض ذلك إلى علي عليه السلام)) .( مجمع البحرين - الشيخ الطريحي - ج 3 - ص 438)
(( الا ان أمير المؤمنين علي بن ابي طالب يؤكد في خطبته القاصعة على ان الله سبحانه لم يفوض احد بدلا عنه : " أن حكمه في أهل السماء وأهل الأرض واحد ، وما بين الله وبين أحد من خلقه هوادة في إباحة حمى حرمه على العالمين " .
(...) وبهذا توصلنا إلى إبطال قول المفوضة الذين قالوا : إن الله تعالى فوض إلى محمد وعلي عليهما السلام الخلق والرزق وغير ذلك)) . (رسائل المرتضى - الشريف المرتضى - ج 4 - ص 21).
26 - كشف الغطاء - ج 1 - ص 227.
27 - أجوبة مسائل جيش الصحابة العاملي - ص 54 – 55.
28 - الأسرار الفاطمية - الشيخ محمد فاضل المسعودي - ص 13 – 14.
29 - معنى الاستحباب : ميل النفس إلى الشيء .
واصطلاحا : حكم شرعي دون الالزام ، أي أن الشارع يرخص في مخالفته ، كاستحباب صلاة الليل . (المصطلحات - إعداد مركز المعجم الفقهي - ص 221).
***
المبحث التاسع

الموقف من بعض المسائل

1- الخمس:
فرض "الخمس" بعد معركة بدر كما هو موضح في ايات سورة الانفال ، والتي يفهم منها ان " الخمس" يكون على ما يغنم في المعركة وليس في غيرها.
الا ان الفقه الشيعي الامامي الاثني عشري اوجب على عامة الشيعة الخمس في كل شيء، ووضعوا له شروطا وقوانين تصل حد ايقاف تنفيذ المسلم الشيعي لفرض شرعه الله في كتابه العزيز وهو الحج مثلا ، اذا تعارضت مصاريفه المالية مع جباية الخمس ، فالجباية تكون واجبة عند ذاك!!!.
يرى فضل الله ان أحكام الخمس تقع في مسائل:
(( م - 178: الخمس هو فرض مالي مقداره: (20%) يؤخذ من الأموال التي يملكها المكلف البالغ العاقل القادر على التصرف بأمواله، كما مرّ في شروط وجوب الزكاة، وهو عبادة يجب فيها قصد التقرب، وصورته: (أعطي هذا المال خمساً قربةً إلى الله تعالى).
م-179: يجب الخمس في أمور عديدة، أهمها:
1 ـ الثروات الطبيعية المستخرجة من الأرض، سواء من البر أو البحر، وكذا ما يوجد فيها من كنوز مذخورة، وهي:
أ ـ المعادن المستخرجة من الأرض، كالذهب والبترول والملح والأحجار الكريمة، مثل الماس والعقيق وغيرها، شرط أن تكون قيمة ما يخرجه المكلف من الأرض عشرين ديناراً ذهباً فصاعداً، فلا يجب الخمس فيما قلّ عن هذا المقدار.
ب ـ الكنوز المدفونة في باطن الأرض والتي لا يعلم لها مالك مسلم، أو كان مالكها المسلم قديماً لا تعرف له ذرية، شرط أن تبلغ قيمة الكنز عشرين دينار ذهباً فصاعداً، فلا يجب الخمس في الأقل من هذا المقدار.
ج ـ ما يستخرج من البحر بالغوص مما هو من غير الحيوان، كاللؤلؤ والمرجان والإسفنج ونحوها، ولا يجب فيه الخمس إلا إذا بلغ النصاب، ومقداره دينار فصاعداً، فلا يجب في ما هو أقل من دينار.
2 ـ المال الحلال المختلط بالحرام: وذلك كما إذا اختلط المال الحلال بشيء من الأموال المصطلح عليها بـ(السحت)، مثل: ثمن الخمر والميتة وآلات اللهو والربا وما أشبه ذلك من الأرباع المحرمة، فإذا جهل الإنسان المسلم مقدار الحرام، ولم يعرف مالكه ليرده إليه، وجب عليه أن يخمس ذلك المال ليصبح حلالاً وليجوز له التصرف فيه.
3 ـ أرباح المكاسب: وهي كل ما يستفيده الإنسان من طريق التجارة أو الزراعة أو الهبة أو نحوها، حيث ينبغي للإنسان أن يحدد يوماً معيناً في كل سنة، ويسمى (رأس السنة)، ليرى ما بقي معه من أمواله هذه التي اكتسبها خلال السنة بعدما صرف منها في مختلف حاجاته الدنيوية والأخروية على نفسه وعياله وضيوفه، فيخمسه.
م-180: لا يجب دفع الخمس من الأموال التي يرثها الإنسان من أحد أقربائه إلا ميراثه من قريب لا يتوقع أن يرثه، وكذا لا يجب على المرأة تخميس مهر زواجها.
م-181: الخمس الذي يخرجه المكلف من أمواله ينقسم إلى قسمين:
1 ـ سهم الإمام، ومقداره (10%) ويأخذه الفقيه العادل المجتهد ويصرفه في شؤون الأمة المختلفة، على الفقراء والمشاريع الخيرية الصحية والثقافية والدينية وشؤون تبليغ الدين والدعوة إليه والدفاع عنه، وذلك وفق الأولى فالأولى. ولا يجوز للمكلف أن يتصرف به إلا بعد أخذ الإذن من المرجع الذي يقلده دافع الخمس.
2 ـ سهم السادة، ومقداره (10%)، ويصرف على فقراء السادة الهاشميين وأيتامهم الفقراء وأبناء سبيلهم الذين نفدت نفقتهم أثناء سفرهم. وهذا القسم لا يجوز ـ أيضاً ـ صرفه إلا بإذن مرجع التقليد.
م-182: الشروط التي ذكرنا لزوم توفرها في مُستَحِق الزكاة هي نفسها يجب أن تتوفر في مستحق الخمس، سوى شرط واحد هو أنه لا مانع أن يعطي غير الهاشمي خُمسَه للهاشمي)).
أي انه يرى كباقي الفقهاء (والمراجع) المعاصرين ، ان الخمس يقع على المكاسب. (1)
الا ان الامام الشيخ المؤيد يرى خلاف ذلك ، حسب مبانيه الفقهية ، فهو لا يرى في المكاسب انها خاضعة لجباية الخمس .
يقول سماحته عن خمس المكاسب :
(( الذي أذهب اليه هو أن خمس أرباح المكاسب ليس من التشريعات على مستوى الأحكام الشرعية الثابتة في الشريعة الإسلامية , فهو ليس كالزكاة التي هي ضريبة نص عليها القرآن الكريم و قرنها بالصلاة في مواضع كثيرة , وَ وردت نصوص نبوية في بيان أحكامها و تصدى رسول الله صلى الله عليه و على آله و سلم لجبايتها . فخمس أرباح المكاسب ليس كالزكاة من حيث كونه حكماً من الأحكام الثابتة في الشريعة الإسلامية .
الاّ أن عدداً من أئمة آل البيت عليهم السلام تصدوا لطلب خمس أرباح المكاسب من شيعتهم , و أوجبوا عليهم دفع هذا الخمس و وردت في هذا نصوص كثيرة , و ثبت هذا الأمر في الواقع التاريخي , و كان له رد فعل في فرق شيعية أخرى حيث أن بعض أئمة و فقهاء الزيدية اعترضوا على ذلك في وقته .
و الذي يدقق في هذه القضية يجد أن الائمة الذين أوجبوا الخمس في أرباح المكاسب لم يوجبوه بوصفه حكماً شرعياً ثابتاً من أحكام الشريعة , و انما بنوا ذلك على أساس امامتهم و ولايتهم التي تعطيهم صلاحية فرض ضريبة على قواعدهم المنتمية لهم و المعتقدة بإمامتهم , فيكون وجوب دفع الخمس اليهم طاعة لولي الأمر , و يكون هذا الخمس من الأحكام الولائية و من الأحكام التي يملأ بها ولي الأمر ما اصطلح عليه الإمام الشهيد السيد محمد باقر الصدر قدس سره بمنطقة الفراغ و التي يملأها ولي الأمر حسب مقتضيات المصلحة العامة , و هذه الأحكام وان أخذت طابع الإلزام و وجوب الطاعة من وجهة نظر شيعية الا انها ليست من الأحكام الشرعية الثابتة في الشريعة و انما هي من القوانين التنفيذية التي يصدرها الإمام بصفته ولياً للأمر . و يبدو أن الأئمة عليهم السلام قد رأوا أن وجود ميزانية مالية بأيديهم لسد حاجات شيعتهم و ضمان إستقلاليتهم لممارسة دورهم في الإمامة ضرورة تستدعي فرض ضريبة على شيعتهم لتحقيق هذا الهدف فأوجبوا عليهم ذلك باعتبار ولايتهم التي يعتقد بها شيعتهم .
و هذا هو الذي يفسر تحليل الخمس من قبل بعض الأئمة في فترات معينة و تجميد طلبه في فترات معينة . فان خمس أرباح المكاسب لو كان حكماً شرعياً ثابتاً في الشريعة كالزكاة فانه ليس للإمام تعطيل هذا الحكم الشرعي أو جعل الناس في حل من إمتثاله اذ ليست له ولاية على الأحكام الشرعية الثابتة في نفسها في الشريعة و لذا ليس له تعطيل الزكاة أو جعل الناس في حل من دفعها في نفسها . بل ان لسان التحليل انما يتناسب مع الأحكام الولائية التي يصدرها الإمام ملأً لمنطقة الفراغ و لا يتناسب مع الأحكام الشرعية الثابتة في الشريعة الإسلامية .
و أما النصوص الصادرة من الأئمة عليهم السلام الدالة على خلاف ذلك فهي محل مناقشة علمية ولا تصمد أمام التحقيق.
و في ضوء هذا الفهم , لا يكون اخراج خمس أرباح المكاسب واجباً على المكلف كحكم شرعي تكليفي أولي . و ما طلبه الأئمة بحكم الولاية فقد أحلوه و أباحوه لشيعتهم و لا يجب عليهم دفعه الا اذا طلبه من له الولاية عليهم بحكم ولايته .
و أما الزكاة فهي ضريبة منصوصة في الشريعة اٍلاسلامية و يجب دفعها إمتثالاً لحكم ثابت في الشريعة . و نحن نميل الى وجوبها في الأوراق النقدية و عدم إختصاص وجوبها بالذهب و الفضة المسكوكين بسكة المعاملة . ((.
***
2- السجود على التربة الحسينية:
التربة لغة :
(( بمعنى مطلق التراب ، فالترب والتربة ، والتراب ، لها معنى واحد معروف . لكنها صارت حقيقة عرفية في بعض أقسام التراب وهو ( التربة الحسينية ) ، وهو التراب المأخوذ من القبر ، أو الموضوع على الصندوق ، أو الموضوع في الحائر ، وهو ما يصح إطلاق العرف على الطين المأخوذ من القبر لو وجد )). (2)
ويقول علماء الشيعة أن السجود هو على التربة الحسينية ، وليس للتربة ذاتها ، فهو ليست شركا، لانها غير مسجود لها ، وانما مسجود عليها ، وفرق بين الاثنين.
ويقول السبحاني:(( وأما السر في التزام الشيعة استحبابا بالسجود على التربة الحسينية ، فإن من الأغراض العالية والمقاصد السامية منها ، أن يتذكر المصلي حين يضع جبهته على تلك التربة ، تضحية ذلك الإمام بنفسه وأهل بيته والصفوة من أصحابه في سبيل العقيدة والمبدأ ومقارعة الجور والفساد)) . (3)
واذا كان السبحاني وغيره من علماء الشيعة يرون ان السجود على التربة هو من باب الاستحباب، وهو ليس من الفرض المحتم ، ولا من واجب الشرع والدين ، ولا مما ألزمه المذهب ، كم يقول الشيخ الاميني ، الا ان انشغال المصلي بغير الله، هو خروج من الصلاة ، وابتعاد عنه .
ويقول السبحاني : ((ولعل هذا هو المقصود من أن السجود عليها يخرق الحجب السبع كما في الخبر ، فيكون حينئذ في السجود سر الصعود والعروج من التراب إلى رب الأرباب)) (4)
وقد رويت روايات كثيرة عن فضل السجود على التربة ، اغلبها غير موثوق ، منها الرواية التي يكون في طريق اسنادها محمد بن سنان غير الموثوق عند اصحاب الرجال الشيعة الامامية ، تقول الرواية :
(( عن محمد بن جعفر القرشي الرزاز ، عن محمد بن الحسين ، عن محمد بن سنان ، عن أبي سعيد القماط ، عن عمر بن يزيد بياع السابري ، عن أبي عبد الله عليه السلام قال : ( إن أرض الكعبة قالت : من مثلي وقد بنى الله بيته على ظهري ويأتيني الناس من كل فج عميق ، وجعلت حرم الله وأمنه ؟ ! فأوحى الله إليها أن كفي وقري ، فوعزتي وجلالي ما فضل ما فضلت به فيما أعطيت به أرض كربلاء إلا بمنزلة الإبرة غمست في البحر فحملت من ماء البحر ، ولولا تربة كربلاء ما فضلتك ، ولولا ما تضمنته أرض كربلاء لما خلقتك ولا خلقت البيت الذي افتخرت به ، فقري واستقري وكوني دنيا متواضعة ذليلا مهينا غير مستنكف ولا مستكبر لأرض كربلاء وإلا سخت بك وهويت بك في نار جهنم)). (5 )
وسردوا القصص الخرافية التي ارادوا من خلالها بيان فضلها، منها:
(( ... الحسن بن يوسف بن المطهر العلامة في ( منتهى المطلب ) رفعه قال : إن امرأة كانت تزني وتوضع أولادها وتحرقهم بالنار خوفا من أهلها ، ولم يعلم به غير أمها ، فلما ماتت دفنت فانكشف التراب عنها ولم تقبلها الأرض ، فنقلت من ذلك المكان إلى غيره ، فجرى لها ذلك ، فجاء أهلها إلى الصادق ( عليه السلام ) وحكوا له القصة ، فقال لأمها : ما كانت تصنع هذه في حياتها من المعاصي ؟ فأخبرته بباطن أمرها ، فقال الصادق ( عليه السلام ) : إن الأرض لا تقبل هذه ، لأنها كانت تعذب خلق الله بعذاب الله ، اجعلوا في قبرها شيئا من تربة الحسين ( عليه السلام ) ، ففعل ذلك بها فسترها الله تعالى)) .(6)
ربما برروا ذلك بقولهم انما انكشف التراب عن تلك الزانية في ذلك الوقت للعظة ، وكأن الشيعة زمن حضور الامام المعصوم بحاجة الى العظة اكثر من الشيعة بغياب الامام.
ارى ان تلك الروايات وضعت للعظة فقط ، ولا دخل لحضور الامام ، سوى للتوكيد.
ان خلاصة رأي علماء الشيعة بالسجود على التربة هو :
- ان التربة هي من تراب الارض.
- ان السجود هو عليها، وليس لها.
- ان السجود عليها يـأتي استحبابا.
واذا كانت النقطة الاولى من البديهيات ، الا ان النقطتين الاولى والثانية فيهما اشكال.
فكم من خطباء المنابر الحسينية قد ثقف عامة الشيعة على ذلك ؟
لا احد سوى المرحوم الشيخ الوائلي كما اطلعت وسمعت ، اما قول المراجع في ردودهم على الاستفتاءات او من خلال رسائلهم العملية بذلك، فلا طائل منه طالما لا يصل اسماع وافهام العامة.
و من فتاوى علماء الإمامية حول موضع السجود :
(( لقد وردت المضامين الحديثية المتقدمة في فتاوى فقهاء الامامية منذ القدم وإلى اليوم ، وقد اخترنا أربعة نصوص للدلالة على أن الأصل في السجود هو أن يكون على الأرض .
1 - قال الشيخ علي بن الحسين بن بابويه القمي ( الصدوق الأول ت 329 ه‍ ) في وصيته إلى ولده أبي جعفر الصدوق الثاني كما نقلها عنه بقوله : ( قال أبي رحمة الله عليه في رسالته إلي : اسجد على الأرض أو على ما أنبتت الأرض ولا تسجد على الحصر المدنية ، لان سيورها من جلد ، ولا تسجد على شعر ولا صوف ولا جلد ولا إبريسم ولا زجاج ولا حديد ولا صفر ولا شبه ولا رصاص ولا نحاس ولا ريش ولا رماد . وإن كانت الأرض حارة تخاف على جبهتك الاحتراق أو كانت ليلة مظلمة خفت عقربا أو شوكة تؤذيك فلا بأس أن تسجد على كمك إذا كان من قطن أو كتان ).
2 - أبو الصلاح تقي الدين بن نجم الدين عبد الله الحلبي ( ت 447 ه‍ ) : قال : ( لا يجوز السجود بشئ من الأعضاء السبع إلا على محل طاهر ، ويختص صحة السجود بالجبهة على الأرض أو ما أنبتت مما لا يؤكل ولا يلبس ، فإن سجد ببعض الأعضاء على محل نجس وبالجبهة على ما ذكرناه كالصوف والشعر والحنطة والثمار لم تجزه الصلاة ) .
3 - الشيخ أبو جعفر محمد بن الحسن بن علي بن الحسن الطوسي ( ت 460 ه‍ ) قال : ( لا يجوز السجود إلا على الأرض أو ما أنبتته الأرض مما لا يؤكل ولا يلبس ويحتاج أن يجمع شرطين : أن يكون ملكا أو ما في حكم الملك ، ويكون خاليا من نجاسة ، فأما الوقوف على ما فيه نجاسة يابسة لا تتعدى إليه فلا بأس به ، والتنزه عنه أفضل ) .
4 - السيد كاظم اليزدي قدس سره في العروة الوثقى قال : ( يشترط مضافا إلى طهارته - مسجد الجبهة من مكان المصلي - أن يكون من الأرض أو ما أنبتته غير المأكول والملبوس ، نعم يجوز على القرطاس أيضا ، فلا يصح على ما خرج عن اسم الأرض كالمعادن مثل الذهب والفضة والعقيق والفيروزج والقير والزفت ونحوهما ، وكذا ما خرج عن اسم النبات كالرماد والفحم ونحوهما ، ولا على المأكول والملبوس كالخبز والقطن والكتان ونحوهما ، ويجوز السجود على جميع الأحجار إذا لم تكن من المعادن )). (7)
من اعلاه، نجد الاختلاف بينا وواضحا بين فقهاء الشيعة الامامية في مكان السجود، فمنهم من وسع دائرة المسموح السجود عليه (كالسيد اليزدي)، ومنهم من ضيقها ، (كالشيخ الطوسي).
اما سماحة الامام الشيخ المؤيد فقد افتى قائلا:
(( الذي أذهب إليه وأفتي به هو أن الأصل في السجود أن يكون على الأرض وما أنبتت من غير المأكول والملبوس وهو المصداق الأفضل وإن كان السجود على غير الأرض كالسجاد والبسط وما شاكل جائزا وصحيحا وهو رخصة، وأما حديث ( جعلت لي الأرض مسجدا وطهورا) فهو لا يدل على عدم صحة السجود على غير الأرض .
أولا : لأن الحديث يمكن أن يكون ناظرا إلى جهة الإيجاب لا إلى جهة السلب بمعنى أنه ناظر إلى أن الأرض كلها بترابها وأحجارها وصخورها ورملها مسجد وليس ناظرا إلى عدم جواز السجود على غيرها رخصة .
ثانيا : إن من الواضح أن كون الأرض طهورا ليس قضية مطلقة وإنما هو في حالة التيمم عند فقد الماء أو العذر في استعماله فهي طهور كبدل عن الماء فهذا بنفسه يخدش في استفادة انحصار السجود بالأرض دون غيرها حيث لا تستفاد القضية المطلقة فالأرض مسجد لكن ليس على نحو الانحصار بحيث لا يصح السجود على غير الأرض كما أن الأرض طهور لكن ليس مطلقا وإنما عند تحقق أسباب التيمم . فإذن هذا الحديث لا يدل على عدم صحة السجود على غير الأرض)) .
ومن الامور المهمة في هذه الفتوى انها تنظر بعين الاعتبار للواقع المتحول بين زمن واخر ومكان واخر،واذا كان النبي (ص ) كما تؤكد بعض الروايات، ادى فريضة الصلاة وهو راكب على مطيته للحالة التي كان عليها وللاسباب التي ذكرتها المصادر ، فإن الواقع بتقدم الزمن يفرض امورا كثيرة من اهمها ما يقدمه التطور العلمي في وسائط النقل ، وفي البناء ، وفي صناعة الانسجة (المصنوعة من النفط على سبيل المثال )المستخدمة كمفروشات وغير ذلك ، وكلها – لو اخذنا المعنى المباشرللاية تلك – تتناقض ومعنى الارض الطبيعية المتعارف عليها.
اذ ان ارضية الطائرة والسيارة والقطار ، وكذلك انواع المواد التي تصنع منها المفروشات ، كلها لا ينطبق عليه المعنى الحرفي للارض تلك .
وقد اختلف علماء الدين من المذاهب كافة في الصلاة التي تؤدى على غير الارض بالمفهوم الذي فهم منه بقرينة الطهور بأنها الارض الطبيعية ، وليست الارض المستقرة.
فالطهور هنا ليس المراد به الاستقرار، وانما ما يهدف اليه وهو التيمم .
اذن ، فالله سبحانه جعل الارض لعباده مستقرا وطهورا.
ومن معنى المستقر جاء الخلاف بين العلماء ، فمنهم من قال بالارض الترابية ، ومنهم من قال بالارض بكافة انواعها ، كالصخرية ، والرملية ، ومنهم من قال بما خلق على الارض (المزروعات مثلا) ومنهم من يرى غير ذلك ،وتعددت المعاني واختلفت الاراء والفتاوي ليس بين المذاهب الاسلامية وانما بين علماء المذهب الواحد.
الا ان الفهم الصحيح للاية اولا، وللواقع – في كل الازمنة والاماكن - الذي يفرض نفسه على المصلين ، هو الذي يؤخذ به.
وقد خلت فتوى سماحته من ذكر التربة الحسينية ، وهذا معناه – كما ترى الدراسة – انها تدخل من ضمن الارض ، ولكن بدون افضلية ، او قداسة.
فيما نرى السيد فضل الله ،في فتواه ادناه ، لم يرفض السجود على التربة ، و انما فسّر طبيعة ذلك السجود، وانه يرتبط بمبنى فقهي خاص به ،و ليس لأجل قداسة التربة.
(( التّربة التي نسجد عليها هي أحد الأمور الّتي يصحّ السّجود عليها، ولا خصوصيّة لها، فإنّه يمكن السّجود على الأرض وما أنبتت مما لا يؤكل ولا يلبس وعلى القرطاس. وقد ورد عن النبيّ(ص): "جُعِلت لي الأرض مسجداً وترابها طهورًا".)).
***
3- الموقف من الموسيقى:
عن دراسة الفنون والموسيقى خاصة ، فالسيد فضل الله ، يرى ان لا مانع من التعلم ، وانما الحرمة تقع على العزف، لإنّه :((لا يحرم تعلّم الموسيقى، ولكنّ الحرام هو عزف الموسيقى التي تكون محرّمة، كالتي تكون مثيرةً للغرائز الجنسيّة، والتي عادةً ما تتناسب مع مجالس اللّهو والطّرب وأهل الفسوق)).
ويقول في كتابه الفقه الميسر : (8)
(( يحرم الغناء المعروف بين اهل المعاصي ، وهو ذلك الغناء المشتمل على التغزل بالحبيب ، وتمجيد العشق ، والحض على الفساد ، فلا يحرم الغناء اذا خلا من ذلك ، كالغناء المشتمل على الحنين للوطن ، وعلى التغني بالطبيعة او الامومة او نحوها . هذا ، ويحرم اهذ الاجرة على الغناء المحرم، والمال الذي يأخذه المعني لا يملكه ، فيجب عليه ان يرده الى اصحابه . ونفس الحكم يجرب على (شرائط) الغناء ، فإنه يحرك تسجيلها وبيعها.)).
فيما يقول عن الموسيقى :
(( لا يحرم صنع الالات الموسيقية ، ولا الاتجار بها ، اذا امكن استخدامها في عزف الالحان التي تثير الغرائز ، كذلك فانه يجوز اقتناؤها وعزف تلك الالحان المحللة عليها والاستماع اليها ، اما الالحان المثيرة للغرائز فلا يجوز عزفها زلا الاستماع اليها )).
ويقول كذلك في اجابة اخرى :
((تعاطى الإسلام مع الفن تعاطياً إيجابياً لا سلبياً وإنما نظّمه وقنّنه حتى لا يكون هناك فوضى وإستغلال للفن إستغلالاً رخيصاً، ولذا حرم الحفلات الماجنة والموسيقى الصاخبة ولم يحرم غيرها وهو ما إتفقت عليه الآراء في الغالب وأما ما يصدر من فتاوى فهو نتاج إستعمال الغناء والموسيقى إستعمالاً خارج الإطار الذي وضعه الله له ونفس الأمر بالنسبة إلى باقي الفنون.))
فيما يرى الشيح المؤيد غير ذلك ، اذ يقول:
(( الذي أذهب اليه هو أن الموسيقى ليست حراماً بعنوانها , فلا تترتب عليها سماعاً أو عزفاً حرمة ذاتية , و أرى أن حرمة الموسيقى في نفسها ليست محتملة فقهياً , و لا يثبت في الأدلة ما يوجب تحريمها في نفسها . فالموسيقى لها في نفسها قيمة عقلائية , و الميل البشري نحوها في كل زمان و مكان و على إختلاف الشعوب و طبائعها هو ميل جبلي يندفع نحوه الإنسان من داخل ذاته و يلاحظ حتى في الأطفال الصغار الذين لا عهد لهم بمجالس الغناء و الموسيقى و انما يميلون الى الموسيقى من داخل ذواتهم , و طريقة الشارع في التعامل مع مثل هذه القضايا تقضي بان لا يمنع عنها في نفسها , و انما توجّه و تقوّم , فالشارع لا يعمل على كبت و تعطيل ما هو جبلي و غريزي في البشر , و انما يعمل على توجيهه و تنظيمه , ذلك ان الله تعالى هو الذي أودع ذلك في الإنسان بحكمته , فالردع عنه في ذاته يستحيل صدوره من الشارع الحكيم . مضافاً الى أن الإرتكاز العقلائي قائم على أن الموسيقى ذات قيمة جمالية في حد ذاتها , فليست في نفسها شيئاً قبيحاً و لا فاسداً أو باطلاً , نعم قد يقبح لما يعرض عليه أو يقترن به أو يتخذ لأجله . و هذا الارتكاز يمكن اعتباره قرينة لبية تحتف بنصوص التحريم و تمنع من انسياق حرمة الموسيقى في نفسها منها , و تمنع من إنعقاد الإطلاق فيها , فان تحريم الموسيقى في حد ذاتها لما كان خلاف الإرتكاز فان العرف لا يفهم من نصوص التحريم ذلك و بالتالي لا ينعقد لتلك النصوص اطلاق يقتضي تحريم الموسيقى بذاتها .
أضف الى ذلك انّ سماع الموسيقى الطبيعية ليس حراماً بالإجماع , فلا يحرم سماع تغريد البلبل مثلاً , و لا الأصوات الي فيها نسب موسيقية مما هو موجود في الطبيعة , فلا يحتمل فقهياً أن يحرم سماع ما يحاكي هذه الأصوات و لكن من خلال الوتر الموسيقي و النغمة الموسيقية على الآلة و هذا من شواهد عدم حرمة الموسيقى في حد نفسها .
فالموسيقى في نفسها ليست حراماً و ان أطربت كيف و النسب الموسيقية طبيعية كانت أو آلية من شأنها ايجاد الطرب في النفس الإنسانية حسبما أودعه الله تعالى فيها .
نعم تحرم الموسيقى اذا خرجت عن سياقها السالم الى سياق آخر يفضي الى الإنحراف و يخرج بالانسان عن وضعه العقلائي و الشرعي و عدا ذلك فهي من المباحات الشرعية , و يمكن الإستفادة منها فيما هو محبب عقلائياً و شرعياً(( ..(9)
***
4– الموقف من لعب الشطرنج:
الشطرنج الة للتسلية ، الا انها في الوقت نفسه ، هي الة لتوسيع المدارك ، ولعبها رياضة للفكر ، اضافة للتجربة والخبرة المستحصلة منها .
واللعب بها يمكن ان يكون بهدف الربح والخسارة المادية او المعنوية، واذا كان الهدف مادي ، يدخل فيما اسماه الشرع بالميسر ، وان كان معنويا ، فإنها لا تختلف عن أي لعبة يكون فيها التنافس – والتنافس الشريف – هدفا معنويا،وقد احل الشرع ذلك ، كسباق الخيل ، او الهجن ، او العاب الساحة والميدان ونحوها.
وقد حرم الكثير من فقهاء الشيعة اللعب بالشطرنج حرمة مطلقة، كالسيد الخوئي مثلا ،لانهم يرون هدفا واحدا منها هو هدف المقامرة ، وهذا خطأ جسيم .
يرى السيد فضل الله في الشطرنج واللعب به، انه :(( يجوز ذلك للتسلية بدون أن يشتمل على الربح والخسارة)).
الا انه في الوقت نفسه يطلب تجنب اللعب حتى للتسلية او كرياضة فكرية استحبابا ، يقول : ((والأحوط إجتنابه على نحو الإستحباب.)).
أي انه يترك للشيعي العامي الخيار في اللعب او عدمه ، ومثل هذا الحكم (الاحوط ، الاستحباب) له مساوئ كثيرة في نفسية الشيعي العامي الذي يطلب الحكم الشرعي ، فضلا عن تركه للكثير من منافع بعض الالعاب ، فكرية ، ورياضية ، وكذلك مسلية.
اما الشيخ المؤيد فيرى :
((أن حرمة اللعب بالشطرنج فقهيا ليست حرمة ذاتية بمعنى أن اللعب بالشطرنج لا يحرم لذاته ومن حيث كونه لعبا بالشطرنج ، وإنما يحرم اللعب بالشطرنج على أحد أساسين:-
الأول:- أن يكون اللعب بالرهان فيدخل في حرمة الميسر.
الثاني:- إن اللعب بالشطرنج يدخل في اللهو المحرم فيحرم بحرمة اللهو .
ونقول :- أما الأساس الأول فهو صحيح ، فإن اللعب بالشطرنج إذا كان برهان فهو محرم لأنه من الميسر والقمار الذي لا شك في حرمته. وأما الأساس الثاني ففيه نظر حيث لا دليل على حرمة مطلق اللهو ، وإنما يحرم اللهو في حالات معينة لا تنطبق دائما على اللعب بالشطرنج ، كأن يشغل الإنسان عن امتثال أحكام الله عز وجل أو يؤدي به إلى الابتعاد عن الله تعالى ، أو يخل بالتزامه بالحقوق التي عليه إزاء نفسه أو الآخرين . وبناء على ذلك لا نرى حرمة اللعب بالشطرنج إذا لم يكن بالرهان ولم يشغل الإنسان عن امتثال أحكام الله عز وجل أو يؤدي به إلى الابتعاد نفسيا عن الله تعالى أو يخل بالحقوق التي عليه إزاء نفسه أو الآخرين)).
***
5- طهارة كل انسان:
ناقشت مرة احد اقاربي الذي ذكر لي ان الصابئة نجسون شرعا (10 ) وانه قد عان كثيرا من هذا ، خاصة ان داره تقع بالقرب من محلاتهم ، وكثيرا ما كان عندما يمر امام محلاتهم ان بعضهم كان يرش رصيف الشارع المقابل لمحله بماء خرطوم المياه (الصوندة)، والرذاذ المتطاير من ارضية الرصيف يقع على ثوبه فينجس.
قلت له من باب المحاورة وليس ايراد الحكم الشرعي:
اولا: ان مقدار النجاسة شرعا لا يجب ان تكون اكبر في المساحة من الدرهم الواحد ، وان الرذاذ هذا هو على شكل قطرات صغيرة جدا .
ثانبا : ان الماء هذا لم يمسه الصابئي مباشرة، وعلى فرض ان الصابئي نجس ، فهو لا ينجس .
ثالثا : انا اعرف ان الانسان – مطلق الانسان – هو طاهر لانه من خلق الله .
رابعا: عليك ان تتأكد من فتوى مرجعك.
هذا السؤال طرح على المرجعين ، السيد فضل الله ، والشيخ المؤيد ، فكانت اجاباتهم كما يلي :
قال السيد فضل الله:
(( كلّ إنسان طاهر ذاتاً حسب رأينا الفقهيّ، ويجوز الأكل عندهم من غير اللّحوم، ما لم يعلم اشتماله على أجزاء مما يحرم أكله.)).
فيما قال الشيخ المؤيد:
(( ان المسيحيين والصابئة غير محكومين بالنجاسة ، ويبنى على طهارة أوانيهم وما شاكل حتى يثبت تنجسها .)).
وكذلك :
(( أننا نذهب إلى عدم النجاسة الذاتية لغير المسلم مهما كان دينه ، وعليه فملاقاة بدنه برطوبة لأجزاء الطعام أثناء الطبخ لا يوجب نجاستها . وما لم يعلم يتنجس بدنه بعين من أعيان النجاسة يبنى على الطهارة في حال الملاقاة.))
أي : طهارة كل إنسان ، وكذلك كل ما يطبخه ما لم يعلم اشتماله على أجزاء مما يحرم أكله.
***
6- المرأة والارث من الارض:
اجمع كل فقهاء ومراجع الشيعة الامامية على ان المرأة الزوجة لا ترث من زوجها الارض ، والسبب كما يقول الشريف المرتضي : ((مما انفردت به الإمامية أن الزوجة لا ترث من رباع المتوفى شيئا ، بل تعطى بقيمة حقها من البناء والآلات دون قيمة العراص ، وخالف باقي الفقهاء في ذلك ولم يفرقوا بين الرباع وغيرها في تعلق حق الزوجات ، والذي يقوى في نفسي إن هذه المسألة تجري مجرى المسألة المتقدمة في تخصيص الأكبر من الذكور بالمصحف والسيف ، وأن الرباع وإن لم يسلم في الزوجات فقيمتها محسوبة لها . ثم أحال بالبيان هنا على ما بينه هناك وقد تقدم ، ثم قال : ويمكن أن يكون الوجه في صد الزوجة عن الرباع أنها ربما تزوجت فأسكنت هذه الرباع من كان ينافس المتوفى أو يغيظه أو يحسده فينقل ذلك على أهله وعشيرته فعدل بها عن ذلك على أجمل الوجوه)). ( 11)
ويقول المرتضى ايضا في رسائله:
((إن المرأة لا ترث من الرباع شيئا ، ولكن تعطى حقها بالقيمة من البناء والآلات . والذي أقوله في هذه المسألة ويقوى عندي أن المرأة لا تعطى من الرباع شيئا ، وإن أعطيت عوضا من قيمته من غيرها ، لأنها معرضة للأزواج ويسكن في رباع الميت من غيره من تسخط عشيرة زوجها ، فإذا أعطيت حقها من قيمة الرباع وصلت إلى الحق ، وزال ثقل اسكان الغرباء مساكن المتوفى . وجرى ذلك مجرى ما قلناه في تفضيل الولد الأكبر بالخاتم والسيف . وإنما قلنا ذلك لأن الله تعالى قد جعل لها الربع من التركة ثم الثمن ، ولم يستثن شيئا ، فلا يجوز تخصيص ذلك إلا بدليل قاطع . والخبر المروي : بأنها لا تورث من الرباع ..)).(12)
الا ان ما استوقفني في كتاب مختلف الشيعة هو قوله : ((عن أبان ، عن الفضل بن عبد الملك وابن أبي يعفور ، عن الصادق - عليه السلام - قال : سألته عن الرجل هل يرث من دار امرأته أو أرضها من التربة شيئا أو يكون ذلك بمنزلة المرأة فلا يرث من ذلك شيئا ؟ فقال : يرثها وترثه من كل شئ ترك وتركت . ثم قال - عقيب هذه الرواية - : قال مصنف هذا الكتاب : هذا إذا كان لها منه ولد ، أما إذا لم يكن لها منه ولد فلا ترث من الأصول إلا قيمتها. وتصديق ذلك : ما رواه محمد بن أبي عمير ، عن ابن أذينة في النساء إذا كان لهن ولد أعطين من الرباع. والشيخ - رحمه الله - في الاستبصار لما أورد الأخبار الدالة على منع الزوجة من الإرث في رقبة الأرض أورد الحديث الذي رواه الفضل بن عبد الملك وابن أبي يعفور. ثم قال : أنه لا تنافي الأخبار الأولة من وجهين : أحدهما : أن نحمله على التقية ، لأن جميع من خالفنا يخالف في هذه المسألة ، وليس يوافقنا عليها أحد من العامة ، وما يجري هذا المجرى يجوز التقية فيه)).(13)
اما من المعاصرين ، كالسيد السيستاني فإنه لا يخرج عن فتوى الاولين ، يسأله سائل قائلا: (( ورثنا بيتا من أبينا والآن نريد بيعه وقد توفي أحد الأخوة ولم يخلف سوى زوجته وقد تزوجت فكم تستحق من الإرث ؟ فيجيبه : لها ربع سهمه من الإرث وترث من البناء دون الأرض)). (14)
اما رأي السيد فضل الله فهو :
((المعروف المشهور بين فقهاء الإمامية عدم إرث الزوجة من العقار لكنه محل إشكال عندنا فلا يترك الاحتياط بالتصالح بين الزوجة وباقي الورثة في ذلك)).
فيما يرى الشيخ المؤيد:
19 - ((المعروف بين فقهاء الإمامية أن الزوجة لا ترث من الأرض وسائر الأموال غير المنقولة لا عينا ولا قيمة . ولكننا نذهب إلى أنها ترث من الأرض وسائر الأموال غير المنقولة عينا، وأن حصتها في الإرث ثابتة في كل ما ترك زوجها من الأعيان والقيم دون تمييز سواء أكان لها منه ولد أم لم يكن لها منه ولد)).(15)
إذا ، يرى فضل الله التصالح بين الورثة لاخراج حصة من ارث (الارض) للزوجة، فيما يورثها الشيخ المؤيد.
***
7- صيام عاشوراء:
تضاربت الاراء الفقهية بصيام عاشوراء ، ويمكن معرفتها من خلال ما جمعه الشيخ الطوسي في الاستبصار من احاديث وروايات ، فقال : (16)
((باب صوم يوم عاشوراء:
[ 437 ] 1 - علي بن الحسن بن فضال عن هارون بن مسلم ، عن مسعدة بن صدقة عن أبي عبد الله عليه السلام عن أبيه أن عليا عليهما السلام قال : صوموا العاشوراء التاسع والعاشر فإنه يكفر ذنوب سنة .
[ 438 ] 2 - عنه عن يعقوب بن يزيد عن أبي همام عن أبي الحسن عليه السلام قال : صام رسول الله صلى الله عليه وآله يوم عاشوراء .
[ 439 ] 3 - سعد بن عبد الله عن أبي جعفر عن جعفر بن محمد بن عبد الله عن عبد الله بن ميمون القداح عن جعفر عن أبيه عليه السلام قال : صيام يوم عاشوراء كفارة سنة .
[ 440 ] 4 - فأما ما رواه محمد بن يعقوب عن علي بن إبراهيم عن أبيه عن نوح بن شعيب النيسابوري عن ياسين الضرير عن حريز عن زرارة عن أبي جعفر وأبي عبد الله عليه السلام قالا : لا تصم يوم عاشوراء ولا عرفة بمكة ولا بالمدينة ولا في وطنك ولا في مصر من الأمصار .
[ 441 ] 5 - عنه عن الحسن بن علي الهاشمي عن محمد بن موسى عن يعقوب بن يزيد عن الوشا قال : حدثني نجية بن الحارث العطار قال : سألت أبا جعفر عليه السلام عن صوم يوم عاشوراء ؟ فقال : صوم متروك بنزول شهر رمضان والمتروك بدعة قال : نجية فسألت أبا عبد الله عليه السلام عن ذلك من بعد أبيه فأجابني بمثل جواب أبيه ثم قال : أما أنه صيام يوم ما نزل به كتاب ولا جرت به سنة إلا سنة آل زياد بقتل الحسين عليه السلام .
[ 442 ] 6 - عنه عن الحسن بن علي الهاشمي عن محمد بن عيسى بن عبيد قال : حدثنا جعفر بن عيسى أخي قال : سألت الرضا عليه السلام عن صوم عاشوراء وما يقول الناس فيه ؟ فقال : عن صوم ابن مرجانة تسألني ذلك يوم صامه الأدعياء من آل زياد بقتل الحسين عليه السلام ، وهو يوم يتشأم به آل محمد عليهم السلام ، ويتشأم به أهل الاسلام ، واليوم الذي يتشأم به الاسلام وأهله لا يصام فيه ولا يتبرك به ، ويوم الاثنين يوم قبض الله فيه نبيه صلى الله عليه وآله وما أصيب آل محمد عليهم السلام إلا في يوم الاثنين فتشأمنا به وتبرك به أعداؤنا ويوم عاشوراء قتل فيه الحسين عليه السلام وتبرك به ابن مرجانة ويتشأم به آل محمد عليه السلام فمن صامهما أو تبرك بهما لقى الله عز وجل ممسوخ القلب وكان محشره مع الذين سنوا صومهما وتبركوا بهما .
[ 443 ] 7 - عنه عن الحسن بن علي الهاشمي عن محمد بن عيسى قال : حدثنا محمد بن أبي عمير عن زيد النرسي قال : حدثنا عبيد بن زرارة قال سمعت زرارة يسئل أبا عبد الله عليه السلام عن صيام يوم عاشورا ؟ فقال : من صامه كان حظه من صيام ذلك اليوم حظ ابن مرجانة وآل زياد قال : قلت وما حظهم من ذلك اليوم ؟
قال : النار .
فالوجه في الجمع بين هذه الأخبار ما كان يقول شيخنا رحمه الله وهو أن من صام يوم عاشوراء على طريق الحزن بمصاب آل محمد ( عل ) والجزع لما حل بعترته فقد أصاب ، ومن صامه على ما يعتقد فيه مخالفونا من الفضل في صومه والتبرك به والاعتقاد لبركته وسعادته فقد أثم وأخطأ)) .
نفهم من الاحاديث اعلاه ، ان صيام عاشوراء سنة حسب الحديث الثاني ،وهو كفارة للذنوب حسب الحديثين الاول والثالث ، اما الحديث الرابع فقد نها عنه الامام دون تعليل ، والحديث الخامس يسأل فيه امامين ،فابو جعفر عليه السلام يقول : صوم متروك بنزول شهر رمضان والمتروك بدعة، اما أبو عبد الله عليه السلام فيقول : أما أنه صيام يوم ما نزل به كتاب ولا جرت به سنة (هو سنة حسب الحديث الثاني )إلا سنة آل زياد بقتل الحسين عليه السلام .
اما الحديث السادس فقد جاء فيه منع الامام الرضا صومه لانه يصادف يوم مقتل الامام الحسين لانه (يوم يتشأم به آل محمد عليهم السلام) ولا ادري كيف نمنع سنة بسبب التشاؤم ؟
والحديث السابع فيه أن حظ صائمه النار!!!!!!!!!
فيما رأي السيد فضل الله الفقهي هو:
((قد جرى عرف المؤمنين بمنهج أهل البيت (ع) على تجنب صيام يوم عاشوراء، خوفا أن يظن أن فيه مجاراة لبني أمية الذين صاموه شكرا لله تعالى على قتل الإمام الحسين (ع)، بحسب زعمهم)).
اما الرأي الفقهي للشيخ المؤيد ، فهو:
(( الذي أفتي به هوَ استحباب صوم يوم عاشوراء . و في صيامه ثواب عظيم , فينبغي للمسلم أن يصوم هذا اليوم تقرباً الى الله تعالى و كسباً لثواب صيامه , فيكون صومه له بهذه النية و على هذا الوجه لا على أي وجه آخر .
و أما ما ورد في الجوامع الحديثية للشيعة الإمامية من أخبار تنهى عن صوم يوم عاشوراء فهي بأجمعها ضعيفة لا إعتبار بها و لا تنهض أمام الأخبار المعتبرة الدالة على استحباب صوم يوم عاشوراء سواءً ما ورد منها في طرق الإمامية أو ما ورد من طرق غيرهم)) .
الهوامش:
1 – راجع دراستنا : الخمس في الفقه الشيعي الامامي الاثني عشري - والمرجعية الرشيدة - (الامام الشيخ حسين المؤيد وموقفه من خمس المكاسب).
2 - مرقد الإمام الحسين (ع) - السيد تحسين آل شبيب - ص 83 .
3 - أضواء على عقائد الشيعة الإمامية - الشيخ جعفر السبحاني - ص 511 .
4 - المصدر السابق.
5 - حوار مع فضل الله حول الزهراء (س) - السيد هاشم الهاشمي - ص 86 وما بعدها.
6 - نماذج من كرامات الأئمة ومعجزاتهم عليهم السلام - مركز المصطفى (ص) .
- اتساءل: كم من زانية مدفونة منذ ان دفنت تلك المرأة الى يومنا هذا رفضتها ارض القبر؟
الجواب : ولا واحدة.
7 - السجود مفهومه وآدابه والتربة الحسينية - مركز الرسالة - ص 85 وما بعدها
8 - الفقه الميسر - طبقا لفتاوي المرجع الديني السيد محمد حسين فضل الله – تاليف :فضيبة الشيخ محمد عطيوي – ط2 – 2009 – دار الملاك.
9 - يمكن مراجعة الدراسة المطولة التي كتبها سماحة الامام الشيخ المؤيد عن الغناءوالموسيقى على موقعه الالكتروني وفي كتابنا المستدرك.
10 - وهو من مقلدي السيد الصدر ، ولا اعرف ان كانت هناك فتوى للسيد الصدر بهذا الشأن ، الا انني تربيت على هذه الثقافة في كنف عائلتي ومجتمعي الشيعيين منذ الصغر ، وكان يدرس معي احد الصابئة ويجلس معي على رحلة صفية واحدة في الدراسة المتوسطة ، وكنت اذهب معه الى داره واتناول طعامه دون ان ادع لتلك الثقافة ان تؤثر فيّ .
11 - راجع : مختلف الشيعة - العلامة الحلي - ج 9 - ص 32.
12 - رسائل المرتضى - الشريف المرتضى - ج 1 - ص 259 .
13 - العلامة الحلي - ص36 – 37.
14 - استفتاءات - السيد السيستاني - ص 353.
15 – في سؤال وجه لسماحته عن فتواه مفاده:
((س: أفتيتم بان الزوجة ترث زوجها من الأراضي و الأموال غير المنقولة , و خالفتم في هذه الفتوى اجماع فقهاء الإمامية و تفردتم بهذه الفتوى فما هو دليلكم على هذا الحكم في اطار منهج الإستنباط عند الإمامية ؟))
اجاب قائلا:
ج:- انّ الإستدلال على الفتوى التي ذهبنا اليها يحتاج الى رسالة مفصلة مبسوطة ليس هذا محلها , لكننا نذكر زبدة الإستدلال على هذه الفتوى الثابتة عندي بوضوح تام لا شبهة فيه و إن خالفت ما هو معروف عند فقهاء الإمامية .
ويمكن تلخيص ذلك في النقاط التالية :-
1. انّ آية توريث الزوجة ظاهرة في ارثها من كل التركة سواءً أكانت منقولة أم غير منقولة ذلك ان اضافة الربع أو الثمن الى التركة – اذا نظر اليها لحالها أو في مجموع الحصص المضافة الى التركة – تعطي ظهورا في ارادة كل التركة , و هذا ظهور عرفي يعززه تذييل هذه الإضافة بقوله تعالى { من بعد وصية توصون بها أو دين } فانّ ذلك يكوّن ظهوراً في أن الكلام هو عن مجموع التركة . و بعبارة أخرى لا يصح اضافة الحصة الى التركة بناء على حرمانها من بعضها اذ انها لن تأخذ لو حرمت ربع التركة و هذا واضح .
2. ان الروايات الدالة على حرمان الزوجة من ارث الأراضي و الأموال الغير منقولة سواء ما كان منها مطلقاً او ما كان متضمناً للتفصيل مخدوشة في نفسها بحيث لا يصح جعلها مستنداً لحكم شرعي . و لنا أدلة و قرائن قوية تدلل على سقوط هذه الروايات عن الحجية .
3. لو فرضنا حجية هذه الروايات في حد نفسها فانها معارضة بما دل على عدم حرمان الزوجة , و هذا التعارض تعارض مستقر لا مجال فيه للجمع العرفي . و الترجيح يكون للروايات الدالة على الحرمان لموافقتها للكتاب المجيد , فتسقط روايات الحرمان بذلك .
4. ان محاولة الجمع بين المتعارضين بحرمان الزوجة من غير المنقول عيناً و عدم حرمانها قيمة هي محاولة فاشلة من الناحية الفنية .
5. ليس هناك اجماع تام يصح التمسك به على الحكم بحرمان الزوجة من ارث الأراضي و الأموال الغير منقولة , و لا يوجد تسالم على هذا الحكم , و هناك شواهد على عدم وجودالتسالم على الحكم بالحرمان . فلا يصح أن يقال ان الفتوى بعدم الحرمان تصطدم بالتسالم الفقهي على عدم الإرث أو تصطدم بالإجماع .
و من شواهد عدم التسالم :
1- عدم وجود ما يدل على ثبوت ارتكاز متشرعي عام في زمن الأئمة على الحرمان.
2 - الرواية التي يرد فيها الإمام علي ما أبداه السائل من فهمه لحرمان الزوجة فهذه الرواية بنفسها تفند الفكرة و حيث أن ما أبداه السائل لا بد أن يكون مستنداً الى شيء سمعه من مقول و روايات فالردع فيه ابطال للمنقول .
3- ذهاب ابن الجنيد الى عدم الحرمان يدلل على ان الحرمان غير متسالم عليه في زمانه .
4- كلام السيد المرتضى في الذريعة بتنظير القضية بالحبوة يشير الى انه لا يوجد تسالم على الحكم .
5- اختلاف الفقهاء في استدلالاتهم ناشيء من الروايات دون استناده الى التسالم .
6- ألسنة الروايات هي ألسنة أسئلة عن أصل الحكم مما يدلل على عدم وجود ارتكاز مسبق أو تسالم على أصل الحكم .
7 - ان الحكم بعدم التوريث لو كان ثابتاً لعرف ذلك منذ زمن النبي صلى الله عليه و على آله و سلم و لذهب اليه على الأقل عدد من الصحابة و التابعين و فقهاء المذاهب و لا يوجد مانع من بيان هذا الحكم أو تأجيله ليظهر فيما بعد , و لعرف عن فقهاء أهل البيت عليهم السلام كالإمام زيد مع انه لا أثر لهذا على الإطلاق و المسألة من المسائل الإبتلائية العامة مما يضعف الروايات الواردة في المنع و يمنع من الفتوى على طبقها و يوجب التوقف فيها .
و دعوى كون الحكم تشريعاً متأخراً من بعض أئمة آل البيت عليهم السلام تردها بعض روايات الباب مضافاً الى أن الصحيح ان الأئمة ليس بيدهم التشريع و ليسوا مشرعين , فالتشريع من مختصات النبوة و ينتهي بإنتهاء النبوة و انقطاع الوحي و روايات تفويض التشريع الى الأئمة مردودة و باطلة و مخالفة للقرآن الكريم و هي من وضع الغلاة . هذا و حمل روايات عدم الحرمان من الإرث على التقية مردود في نفسه , اذ عدم التقية في هذا المورد ليس بأكثر من عدم التقية في اعلان بطلان العول و التعصيب علماً بان فكرة التقية في الأحكام محل مناقشة عندنا .
و مما تقدم تتضح مجموعة من القرائن التي توجب رد روايات حرمان الزوجة من ارث الأراضي و الأموال الغير منقولة و هي :-
1. ان الحكم بالحرمان لو كان ثابتاً لظهر و بان خاصة و المسألة ابتلائية مع ان الحكم الذي ظهر هو الحكم بعدم الحرمان .
2. التعليل الوارد في بعض روايات الحرمان تعليل سقيم يسقطها متناً .
3. مخالفة هذه الروايات لظاهر آية التوريث في القرآن الكريم .
4. الروايات المعارضة لروايات الحرمان فيها تفنيد لقضية الحرمان و تستبطن ابطالاً للمنقول في مجال الحرمان .
هذه اشارة الى الإطار الإستدلالي الذي جعلنا نذهب الى عدم حرمان الزوجة من ارث الأراضي و الأموال غير المنقولة فالصحيح انها ترث من زوجها حصتها من كامل تركته )).
16 - ج 2 - ص 134 – 140.
***
المبحث العاشر

مماراسات وطقوس

- الشعائرالحسينية:
يحتفل بعض الشيعة الامامية الاثني عشرية في كل بقاع العالم – اينما وجدوا – بذكرى عاشوراء ، احتفالات تكللها مظاهر الحزن بمناسبة واقعة الطف ، واستشهاد الحسين وصحبه فيها وما جرى من سبي لال البيت بعد ذلك ، إذ يمارس بعض العامة من الشيعة الامامية دون الخاصة من رجال الدين بعض الممارسات المستوردة من الهند (1) ، كاللطم وضرب الرؤوس بالسيوف والقامات ، وضرب الظهر بالسلاسل ، وقد افتى الكثير من مجتهدي الشيعة بحرمتها ، وسكت البعض عنها ، لانها اعمال مستحبة برأيهم الفقهي ، اما الذين حرموها فلم تنشر فتاويهم بين عامة الشيعة ، وهذا يعني قبول فعلها من باب الاستحباب.
ان احتفالات يوم عاشوراء متنوعة:
- منها ما يسمى بالمجالس الحسينية ، او مجالس العزاء ، ودور رجل الدين المختص بها يدعى قاريء التعازي ، او خادم الحسين ، او الملة ، او خادم منبرالحسين، او الروزه خون ، اوالخطيب (قلة هم الذين تنطبق عليهم تسمية الخطيب)، اذ يأتي هذا الرجل بقصة مقتل الحسين موزعا اياها على ايام عاشوراء.
- ومن ممارسات جسدية مستوردة من الغير، كاللطم ، وضرب الرؤوس بالقامات ، وضرب الظهور بالسلاسل، فضلا عن السير على الاقدام على الجمر، او الزحف وقطع المسافات الطوال لزيارة مرقد الامام الحسين.
وفي الاونة الاخيرة لم يكتف الشيعة بهذه المناسبة الحزينة ، بل تعدوها الى مناسبات وفاة الائمة اجمعهم والسيدة فاطمة الزهراء والسيدة زينب .
والادهى من ذلك ان تلك الممارسات الحزينة قد طغت في كثير من الاحيان على مناسبات الاحتفالات بمواليد الائمة.
وتسمى تلك الممارسات بـ:
* شعائر الله: إذ يردد القائمون عليها، او الداعون لها آية قرآنية لتأكيد ذلك: (وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ). (الحج:32) * او: الشعائر الحسينية.
وقد افتى الكثير من رجال الدين من العقلاء والذين يزنون الاشياء بميزان العقل ، و المنفتحين على عصرهم ، والمدركين جيدا لخطر القيام بهذه المظاهر ، والداعين الى الوحدة الاسلامية، بحرمتها. (2)
ولم يفتِ الكثير من الفقهاء والمراجع بحلية اللطم وضرب الرؤوس والظهر، الا انهم لا ينهون العامة من ذلك بفتوى تحرم مثل هذه الممارسات .
وان اغلب وكلاء المراجع هم من المشجعين لها ، ليس من خلال الفعل ، وانما من خلال السكوت عن ممارستها،او الدعوة لها ، وعندما تسأل الفقهاء والمراجع ورجال الدين عن النهي يدعي ان العامة لا تمنتنع. (3)
ان السكوت على الشيء في العرف الاجتماعي هو قبول به.
***
في النصف الاول من القرن الماضي ، اصدر السيد محسن الامين رحمه الله رسالة هي اشبه بالبيان الى عامة وخاصة الشيعة منددا بما يقومون به – او بعضهم – من اعمال غير صحيحة ، وغير ثابتة عن الائمة ، سميت تلك الرسالة برسالة التنزيه لاعمال الشبيه ، هذا نصها:
(( قال رحمه الله في مفتتح الرسالة : ان الله سبحانه وتعالى أوجب انكار المنكر بقدر الإمكان بالقلب أو اليد أو اللسان ومن أعظم المنكرات اتخاذ البدعة سنة والسنة بدعة والدعاية إليها وترويجها .
ثم يشير بعد ذلك إلى ما ينكره من الأمور التي دخلت في مجالس ذكرى الحسين فيقول :
فمنها الكذب بذكر الأمور المكذوبة المعلوم كذبها وعدم وجودها في خبر ولا نقلها في كتاب وهي تتلى على المنابر وفي المحافل بكرة وعشيا ولا من منكر ولا رادع وسنذكر طرفا من ذلك في كلماتنا الآتية إن شاء الله ، وهو من الكبائر بالاتفاق لا سيما إذا كان كذبا على الله أو رسوله أو أحد الأئمة ع .
ومنها ايذاء النفس وادخال الضرر عليها بضرب الرؤوس وجرحها بالمدى والسيوف حتى يسيل دمها وبضرب الظهور بسلاسل الحديد وغير ذلك . وتحريم ذلك ثابت بالعقل والنقل وما هو معلوم من سهولة الشريعة وسماحتها الذي تمدح به رسول الله ص بقوله : جئتكم بالشريعة السهلة السمحاء ومن رفع الحرج والمشقة في الدين بقوله تعالى : ما جعل عليكم في الدين من حرج .
ومنها الصياح والزعيق بالأصوات المنكرة القبيحة .
ومنها كل ما يوجب الهتك والشنعة مما لا يدخل تحت الحصر ويختلف الحال فيه بالنسبة إلى الأقطار والأصقاع إلى غير ذلك .
فادخال هذه الأشياء في إقامة شعائر الحزن على الحسين ع من المنكرات التي تغضب الله ورسوله ص وتغضب الحسين ع فإنما قتل في احياء دين جده ص ورفع المنكرات فكيف يرضى بفعلها لا سيما إذا فعلت بعنوان انها طاعة وعبادة .
وقد رأينا في هذه الأيام أوراقا مطبوعة ذكر فيها صاحبها انه يرد على ناشئة عصرية من صفتها كذا وكذا فطائفة منها ازدلفت إلى مشاهدهم المقدسة ببقيع الغرقد فهدمتها وطائفة منهم قد تألبت لابطال إقامة العزاء للنبي وآله وعترته أيام وفياتهم المعلومة لا سيما يوم عاشوراء . وحسن فيها ما يفعله بعض الناس أيام عاشوراء من لبس الأكفان وكشف الرؤوس وجرحها بالمدى والسيوف حتى تسيل منها الدماء وتلطخ بها تلك الأكفان ودق الطبول وضرب الصنوج والنفخ في البوقات الدمام وغير ذلك والسير في الأزقة والأسواق والشوارع بتلك الحالة .
وعرض بنا بسوء القول لنهينا عن قراءة الأحاديث المكذوبة وعن هذا الفعل الشائن للمذهب وأهله والمنفر عنه والملحق به العار عند الأغيار والذي يفتح باب القدح فيه وفي أهله ونسبتهم إلى الجهل والجنون وسخافة العقول والبعد عن محاسن الشرع الاسلامي واستحلال ما حكم الشرع والعقل بتحريمه من ايذاء النفس وادخال الضرر عليها حتى أدى الحال إلى أن صارت صورهم الفوتغرافية تعرض في المسارح وعلى صفحات الجرائد .
وقد قال لنا أئمتنا ع كونوا زينا لنا ولا تكونوا شينا علينا وأمرونا بان نفعل ما يقال لأجله رحم الله جعفر بن محمد ما أحسن ما أدب به أصحابه . ولم ينقل عنهم انهم رخصوا أحدا من شيعتهم في ذلك ولا أمروهم به ولا فعل شئ من ذلك في عصرهم لا سرا ولا جهرا حتى في أيام ارتفاع الخوف والتقية كأوائل دولة بنى العباس وعصر المأمون وغير ذلك .
وقد كتب على ظهرها انها للمصلح الكبير أ فهذا هو الاصلاح الذي يوصف صاحبه بالمصلح الكبير بالحث على أمر لو فرض محالا انه ليس محرما فهو يلصق العار بالمذهب وأهله وينفر الناس منه ويفتح باب القدح فيه أ ليس من الورع في الدين والاحتياط فيه التحاشي عنه أ ما يقتضي الاصلاح لو كان القصد الاصلاح تركه والتجافي عنه صيانة للمذهب وأهله من الصاق العيب بهم والتنفير عنهم فلو فرض إباحته فهو ليس من واجبات الدين التي يضر تركها .
وقد أفاض صاحبها في ذكر خرافات العرب قبل الاسلام مما لا مساس له بالموضوع وفي أمور أخرى كثيرة من هذا القبيل بعبارات مطولة ولسنا بصدد استقصاء جميع ما فيها مما يوجب الانتقاد لأن ذلك يطول به الكلام ولا يتعلق لنا به غرض بل نقتصر على شق الرؤوس واستعمال الطبول والزمور ونحوها ونذكر نموذجا من كلامه في غيرها مما وقع نظرنا عليه اتفاقا ليكون مثالا لغيره .
كقوله ومن فواجع الدهور وفظائع الأمور وقاصمات الظهور وموغرات الصدور ما نقلته بعض جرائد بيروت في هذا العام عمن نحترم اشخاصهم من المعاصرين الوطنيين من تحبيذ ترك المواكب الحسينية والاجتماعات العزائية بصورها المجسمة في النبطية وغيرها فما أدري أ صدق الناقل أم كذب فإن كان صادقا فالمصيبة على الدين جسيمة عظيمة لا ينوء بها ولا ينهض بعبئها عاتق المدينين إلى آخر ما هنالك . ونقول : هذا التهويل وتكثير الأسجاع لا يفيد شيئا ولو أضيف إليه اضعافه من قاطعات النحور ومجففات البحور ومفطرات الصخور ومبعثرات القبور ومهدمات القصور ومسقطات الطيور . بل إن من فجائع الدهور وفظائع الأمور وقاصمات الظهور وموغرات الصدور اتخاذ الطبول والزمور وشق الرؤوس على الوجه المشهور وابراز شيعة أهل البيت واتباعهم بمظهر الوحشية والسخرية أمام الجمهور مما لا يرضى به عاقل غيور وعد ذلك عبادة ونسبته إلى أهل البيت الطهور . والمواكب الحسينية والاجتماعات العزائية لا تستحسن ولا تحل الا بتنزيهها عما حرمه الله تعالى وعما يشين ويعيب وينسب فاعله إلى الجهل والهمجية وقد بينا ان الطبل والزمر وإيذاء النفس والبروز بالهيئة المستبشعة مما حرمه الله ولم يرضه لأوليائه سواء وقع في النبطية أو القرشية أو مكة المكرمة .
وجاء فيها قالوا انا نجد قراء التعزية كثيرا ما يسردون على مسامع الجالسين أحاديثا كذا مكذوبة وأجاب بما لفظه : وكثير من أساطين العلماء يعملون بضعاف الاخبار من السنن ومن المعلوم ان روايات التعزية من سنخ الرخص لا العزائم والله يحب ان يأخذ برخصه كما يحب أن يأخذ بعزائمه .
وانا نسأله ما ربط عمل العلماء بالخبر الضعيف في السنن باخبار التعزية التي هي أمور تاريخية لا احكام شرعية وما ربط الخبر الضعيف بالمقام والقائل الموهوم انما قال إنهم يوردون أحاديث مكذوبة ولم يقل ضعيفة الاسناد وما معنى ان روايات التعزية من سنخ الرخص لا العزائم فالرخصة خاصة بالمباح والمستحب والمكروه والعزيمة بالحرام والواجب فما معنى ان روايات التعزية من الرخص فهل تلك الروايات نفسها مباحة أو مكروهة أو مستحبة فإن كان المراد نفس الرواية فلا تتصف بشئ من ذلك وإن كان المراد نقلها فأي معنى لقول نقلها رخصة لا عزيمة مع أنها إن كانت كذبا كان نقلها محرما وإن كان المراد مضمونها فهو قصة تاريخية لا تتصف برخصة ولا عزيمة ولو فرض ان مضمونها حكم شرعي فلا بد ان يكون أحد الأحكام الخمسة التكليفية فكيف جعل رخصة فقط وقوله إن الله يحب ان يؤخذ برخصه الخ لا ربط له بالمقام إذ معناه ان الله يحب ان يخفف على عبده بترك المستحب مثلا كما يحب ان يلتزم بفعل الواجب وترك المحرم فما ربط ذلك بايراد الرواية المكذوبة في التعزية .
وجاء فيها قالوا وجلهم اي قراء التعزية يتلو الحديث ملحونا وأجاب بما ملخصه على طوله ان المستمعين أمم عديدة ألسنتها شتى منهم عربي وفارسي وتركي وهندي و . و . الخ . ومنهم عوام فينقل لهم معنى الأحاديث بألفاظهم العامية إلى أن قال وأي حاجة ماسة للعربية الفصحى في قراءة التعزية على أمة أمية كمعدان العراق وقروية الشام وسكان بادية نجد والحجاز واليمن المصطلحين فيما بينهم على وضع ألفاظ معلومة .
وأنت ترى ان الجواب غير منطبق على هذا المقال الموهوم فالقائل يقول الأحسن رفع اللحن من قراءة التعزية وهو يقول في جوابه ان المستمعين منهم عربي وفارسي وتركي وهندي فما ربط الفارسي والتركي والهندي والجاوي بالمقام فلم يقل القائل انه لا ينبغي قراءة التعزية بالتركية للأتراك وبالفارسية للفرس وبالهندية للهنود بل يقول ينبغي لقراء التعزية بالعربية للعرب عدم اللحن ولم يقل انه لا ينبغي ان يقرأ الحديث بالمعنى حتى يجيبه بان منهم عواما فينقل لهم الحديث بألفاظهم العامية على أن ذلك أمر غير واقع فليس في قراءة التعزية من يقرأ بالألفاظ العامية بل كلهم يقرأون الفصحى ولكن مع اللحن من البعض والقائل لم يأب عن قراءة التعزية بالألفاظ العامية كالنعي المتعارف بل يقول إذا قرئ الشعر لا يحسن ان يكون ملحونا وإذا نقل حديث أو خطبة ينبغي ان لا يكون فيه لحن . والقائل يقول لا ينبغي اللحن في قراءة التعزية وهو يقول في جوابه لا يلزم قراءتها بالعربية الفصحى ولو فرضنا انه أراد من العربية الفصحى عدم اللحن فيقال له إذا اي حاجة إلى ترك اللحن في جميع الكلام ولما ذا وضع النحو وكتب العربية وهل قراءة الفاعل مخفوضا والمفعول مرفوعا تزيد في فهم المعاني لمعدان العراق وقروية الشام وسكان بادية نجد واليمن والنازلين بأرياف مصر والحالين في نواحي حضرموت والمتبوئين صحراء إفريقية وبلاد المغرب وما الذي يدعوه إلى كل هذه المدافعة عن اللحن في قراءة التعزية وما القارئ الا خطيب .
وما الذي يدعوه إلى كل هذه المدافعة عن اللحن في القراءة أ هو حب الاصلاح أم أمر آخر وهل إذا تلونا الحديث والشعر بدون لحن فاستجلبنا به قلب ذي المعرفة ولم ننفره بسماع الغلط وصنا الحديث عن اللحن والغلط وعن الخطا في فهم المعنى بسبب اللحن ولم نجعل تفاوتا على غير ذي المعرفة الذي لا يضره رفع الفاعل ولا يزيد في فهمه خفضه يكون عملنا هذا مضرا وعكسه نافعا والمستمعون كما يوجد فيهم المعدان يوجد فيهم أهل العلم والمعرفة .
قال : وممن طعن على القراء للتعزية بعض المعاصرين زعم أن الكثيرين منهم بين مخلق كذا للاخبار وبين ماسخ لها وعنده هذا الطعن عليه انتهى .
ومراده كاتب هذه السطور الذي ذكر في مقدمة المجالس السنية ما لفظه : هذا ولكن كثيرا من الذاكرين لمصابهم ع قد اختلقوا أحاديث في المصائب وغيرها لم يذكرها مؤرخ ولا مؤلف ومسخوا بعض الأحاديث الصحيحة وزادوا ونقصوا فيها لما يرونه من تأثيرها في نفوس المستمعين الجاهلين بصحة الاخبار وسقمها إلى آخر ما ذكرناه . والمجالس السنية انما ألفناها لتهذيب قراءة التعزية واصلاحها من العيوب الشائنة والمحرمات الموبقة من الكذب وغيره وانتقاء الأحاديث الصحيحة الجامعة لكل فائدة فقام هذا الرجل يرمينا بان هذا الطعن علينا بأننا نختلق الأحاديث ونمسخها وجاء بعبارته هذه التي جمجم فيها وبترها وأبت نفسه الا ان يذكرها والله تعالى يعلم وعباده يعلمون وهو نفسه يعلم اننا لسنا كذلك واننا نسعى جهدنا ونصرف نفيس أوقاتنا وعزيز أموالنا في تاليف الكتب وطبعها ونشرها لا نستجدي أحدا ولا نطلب معونة مخلوق قصدا لتهذيب الأحاديث التي تقرأ في إقامة العزاء من كل كذب وعيب وشين ليكون الذاكرون من الخطباء الذين تستجلب قراءتهم الأنظار وتستهوي إليها الأفئدة والاسماع وتستميل الطباع وليكون اثرها في النفوس بقدر ميلها إليها ولتكون مفخرا للشيعة لا عارا عليهم ولتكون قراءتهم عبادة خالصة من شوب الكذب الموجب لانقلابها معصية فان إقامة شعائر الحزن بذكر صفات الحسين ع ومناقبه وماثره ووصف شجاعته وإبائه للضيم وفظاعة ما جرى عليه وذكر المواعظ والخطب والآداب ومستحسن اخبار السلف وغير ذلك والتخلص إلى فاجعة كربلاء على النهج المألوف مع تهذيبها عن المنافيات والمنكرات من أنفع المدارس وأقوى أسباب التبشير بالدين الاسلامي وطريقة أهل البيت ع وجلب القلوب إلى حبهم والسير على طريقتهم والاتصاف بتكريم صفاتهم كما أن اقامتها على غير هذه الطريقة من أقوى أسباب التنفير عن دين الاسلام وطريقة أهل البيت ع يعرف ذلك كل منصف ونحن نذكر لك واقعة واحدة تكون نموذجا لما نقوله وهي أنه اتفق وجودنا في مدينة بعلبك في وفاة بعض أجلاء السادة من آل مرتضى فقرأ رجل من القراء الذين عودناهم على عدم اللحن في القراءة خطبة من النهج في صفة الأموات وكان بعض عرفاء المسيحيين حاضرا فقال لجلسائه انني لم أعجب من بلاغة هذا الكلام الذي هو غاية في البلاغة ولا من جري القارئ في قراءته كالسيل ولا من مضامين هذا الكلام الفائقة وإن كان ذلك كله موضع العجب وانما عجبت من عدم لحن هذا القارئ فيما قرأه على طوله . يقول هذا الرجل اننا نزعم ان الكثير منهم بين مختلق للاخبار ثم يشتمنا بهذا القول وما ندري ما الذي يزعمه هو أ يزعم أنهم كلهم ليسوا كذلك كيف وغالبهم عوام يخلطون الحابل بالنابل ولا ننكر ان فيهم الفضلاء الكاملين الذين يفتخر بأمثالهم ولكن الكثير منهم ليسوا كذلك كما هو مشاهد بالعيان ويجهل أو يتجاهل قراءتهم حديث أين ضلت راحلتك يا حسان الذي اختلقه بعض الناس على سطح مسجد الكوفة كما هو مشهور عند فضلاء النجف وغيرهم . أم حديث خرجت أتفقد هذه التلاع مخافة أن تكون مظنا لهجوم الخيل على مخيمنا يوم يحملون وتحملون والا فليدلنا في اي كتاب هذا الحديث وأي رواية جاءت به ضعيفة أو صحيحة . أم حديث ان البرد لا يزلزل الجبل الأصم ولفحة الهجير لا تجفف البحر الخضم أم حديث قول شمر للحسين ع بعدك حيا يا ابن الخارجي أم حديث اي جرح تشده لك زينب . أم حديث مخاطبة زينب للعباس حين عرض شمر عليه وعلى اخوته الأمان . أم حديث مجئ زين العابدين لدفن أبيه مع بني أسد . أم حديث درة الصدف التي حاربت مع الحسين ع أم حديث مجئ الطيور التي تمرغت بدم الحسين ع إلى المدينة ومعرفة فاطمة الصغرى بقتل أبيها من تلك الطيور : أم غير هذه الأحاديث الكثيرة التي تقرأ على المنابر وهي من الكذب الصراح والتي يطول الكلام بالإشارة إليها في هذه العجالة . أم يزعم أن قراءة الأحاديث المختلقة خير من قراءة الأحاديث الصحيحة المروية قصدا للاصلاح . وحاصل مقصود هذا المصلح الكبير ان لا ينبه أحد من قراءة التعزية على ترك قراءة الأحاديث المكذوبة وعلى ترك اللحن ولا على قراءة بعض ما ينفر السامعين بل يريد ان تبقى الأحاديث ممزوجا صحيحها بسقيمها وغثها بسمينها وصدقها بكذبها وخطاها بصوابها وقشرها بلبابها ولحنها باعرابها فحبذا هذا الاصلاح .
وما ندري ما الذي يسوءه من حمل القراء على قراءة الأحاديث الصحيحة وما الذي يعجبه من قراءة الأحاديث المكذوبة والملونة وليس هو بقارئ تعزية ولا اقامه القراء محاميا ووكيلا عنهم .
ومما قاله في تحسين لبس الأكفان وكشف الرؤوس وشقها بالمدى والسيوف يوم عاشورا : ما الذي نقموه على هذه الفئة وسفهوا لأجله احلامها واخرجوها به عن دائرة الإنسانية أ لبسها لبس الموتى فهذا عمل غير معيب عقلا وهو مشروع دينا في احرام الحج ومندوب في كل آن للآخرة وتأهبا للموت وكفى واعظا ومن الغرور بالدنيا محذرا ومنذرا أ كشفها عن رؤوسها وهذا أيضا مستحسن طبا مشروع بالاحرام دينا أم شقها أرؤسها بآلة جارحة وهذا أيضا مسنون شرعا إذ هو ضرب من الحجامة تلحقها الأحكام الخمسة التكليفية مباحة بالأصل والراجح منها مستحب والمرجوح مكروه والمضر محرم والحافظ للصحة واجب فقد تمس الحاجة إلى عملية جراحية تفضي إلى بتر عضو أو أعضاء رئيسية حفظا لبقية البدن وسدا لرمق الحياة الدنيوية والحياة الدنيا بأسرها وشيكة الزوال والاضمحلال أ تباح هذه الجراحة الخطرة لفائدة ما دنيوية ولا تباح جراحة ما في اهاب الرأس لأعظمها فائدة وأجلها سعادة أخروية وحياة أبدية وفوز بمرافقة الأبرار في جنة الخلد انتهى .
قوله الحجامة مباحة بالأصل بل هي محرمة بالأصل لأنها ضرر وإيذاء للنفس ولا تحل الا مع الضرورة لدفع مرض أو ألم أعظم منها والا لكانت كفعل حجام ساباط الذي ضرب به المثل فقيل : أفرع من حجام ساباط . وكان إذا لم يجد من يحجمه حجم زوجته وأولاده.
قوله والمرجوح مستحب فيه أنه يشمل الواجب والمستحب.
قوله والحافظ للصحة واجب فيه انه لا يجب دائما فمع الخوف على النفس يجب وبدونه يستحب . وحيث جعل شق الرؤوس نوعا من الحجامة فهو إما واجب وذلك حينما يخشى الضارب على نفسه الهلاك لو لم يضرب نفسه بان يخبره الطبيب الحاذق ان في رأسه مرضا مهلكا لا يشفيه الا جرح رأسه وشقه أو مستحب بان يكون الضارب محموما حمى شديدة ويخبره الطبيب الحاذق ان دواءه في شق رأسه واخراج الدم منه ويشترط في هذين عدم التعرض للشمس وشدة الحركة الذي قد يوجب شدة مرضه أو هلاكه واما محرم وذلك حيث يكون ايذاء صرفا وضررا بحتا . وحيث إن الذين يضربون رؤوسهم ليس في رؤوسهم داء ولا في أبدانهم حمى فانحصر فعلهم في الحرام وإذا كان محرما لم يكن مقربا إلى الله ولا موجبا لثوابه بل موجبا لعقابه ومغضبا لله ولرسوله ص وللحسين ع الذي قتل لاحياء شرع جده ص قوله قد تمس الحاجة إلى عملية جراحية الخ فيه ان العملية الجراحية المفضية إلى بتر العضو أو الأعضاء تباح بل تجب لأنها مقدمة لحفظ النفس الواجب وتباح لأجل الضرورة فان الضرورات تبيح المحظورات فيقدم الأهم وهو حفظ النفس على المهم وهو عدم الايذاء والاضرار ويرتكب أخف الضررين ولكن الحرام لا يباح لادراك المستحب فالاستحباب لا يعارض الحرمة ولا يطاع الله من حيث يعصى ولا يتقبل الله الا من المتقين .
ومن ذلك تعلم أن قوله أ تباح هذه الجراحة الخطرة لفائدة ما دنيوية ولا تباح جراحة ما في اهاب الرأس لأعظمها فائدة وأجلها سعادة أخروية كلام شعري فان الفائدة الأخروية وهي الثواب لا تترتب على فعل المحرم فلا يكون في هذا الفعل الا الضرر الدنيوي والأخروي .
وما أشبه هذا الكلام الشعري بما يحكى ان رجلا صوفيا سرق تفاحة وتصدق بها فسأله الإمام الصادق ع عن سبب فعله ذلك فقال إنه لما سرقها كتبت عليه سيئة فلما تصدق بها كتب له عشر حسنات لأن من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها ومن جاء بالسيئة فلا يجزى الا مثلها فإذا أسقطنا سيئة من عشر حسنات بقي تسع حسنات فقال له الصادق ع ان هذا جهل أ وما سمعت قوله تعالى انما يتقبل الله من المتقين انك لما سرقت التفاحة كتبت عليك سيئة فلما تصدقت بها كتبت عليك سيئة أخرى لأنك تصدقت بغير مالك أو ما هذا معناه . ثم قال : لا يقال إن السعادة والفوز غدا لا يترتبان على عمل ضرري غير مجعول في دين الله لأنا نقول أولا الغير مشروع كذا في الاسلام من الأمور الضررية هو ما خرج عن وسع المكلف ونطاق طاقته لقبح التكليف حينئذ بغير مقدور إما ما كان مقدورا فلم يقم برهان عقلي ولا نقلي على منع جعله وكونه شاقا ومؤذيا لا ينهض دليلا على عدم جعله إذ التكاليف كلها مشتقة من الكلفة وهي المشقة وبعضها أشد من بعض وأفضلها أحمزها وعلى قدر نشاط المرء يكون تكليفه وبزنة رياضة المرء نفسه وقوة صبره وعظمة معرفته يكلف بالأشق فالأشق زيادة للاجر وعلوا للرتبة ومزيدا للكرامة ومن هاهنا كانت تكاليف الأنبياء أشق من غيرها ثم الأوصياء ثم الأمثل فالأمثل وفي الخبر ان عظيم البلاء يكافؤه عظيم الجزاء وفي آخر ان أشد الناس بلاء الأنبياء ثم الأوصياء ثم الأمثل فالأمثل من المؤمنين وعباد الله الصالحين وهكذا إلى الطبقة السفلى وهي طبقة المستضعفين من الرجال والنساء والولدان الذين لا يجدون حيلة ولا يهتدون سبيلا فهم أخف تكليفا من سائر الطبقات انتهى .
قوله لا يترتبان على عمل ضرري غير مجعول في دين الله فيه ان الجعل للأحكام لا للأعمال فيقال هذا الحكم مجعول في دين الله أو غير مجعول ولا معنى لقولنا هذا العمل مجعول في دين الله أو غير مجعول بل يقال جائز أو غير جائز أو نحو ذلك قوله لأنا نقول أولا الغير مشروع كذا في الاسلام الخ فيه أولا ان قوله الغير مشروع لحن غير مسموع تكرر وقوعه منه كما نبهنا عليه إذ لا يجوز دخول آل على المضاف الا إذا دخلت على المضاف إليه كالجعد الشعر. (4)
ثانيا انه ذكر أولا ولم يذكر ثانيا قوله أما ما كان مقدورا فلم يقم برهان عقلي ولا نقلي على منع جعله فيه أولا ان الكلام في العمل الذي فيه ضرر كما صرح به في قوله لا يترتبان على عمل ضرري والجعل للحكم لا للعمل كما مر فكانه اشتبه عليه ما سمعه من أن الله لم يجعل حكما ضرريا بمقتضى قوله ص لا ضرر ولا ضرار وما يريد ان يثبته من أن الله يجوز ان يكلف بما فيه ضرر كشق الرؤوس فخلط أحدهما بالآخر ثانيا قوله لم يقم برهان عقلي ولا نقلي على منع جعله ان أراد به انه لم يقم برهان على جواز ان يكلف الله بما فيه ضرر فأين قول الفقهاء دفع الضرر المظنون واجب وأين اكتفاؤهم باحتمال الضرر الموجب لصدق خوف الضرر في اسقاط التكليف وأين قولهم بوجوب الافطار لخائف الضرر من الصوم وببطلان غسل من يخاف الضرر لحرمة الغسل واقتضاء النهي الفساد في العبادة ووجوب التيمم حينئذ وأين قولهم بوجوب الصيام واتمام الصلاة على المسافر الذي يخاف الضرر على نفسه بالسفر لكون سفره معصية وقولهم بسقوط الحج عمن يكون عليه عسر وحرج في الركوب والسفر أو يخاف الضرر بسفره إلى غير ذلك من الاحكام المنتشرة في أبواب الفقه. قوله وكونه شاقا ومؤذيا لا ينهض دليلا على عدم جعله فيه انه أعاد لفظ الجعل وقد عرفت انه ليس له هنا محل وجمع بين الشاق والمؤذي وهما غيران حكما وموضوعا فالمؤذي وهو الضار يحرم فعله ولم يكلف الله به والشاق الذي فيه عسر وحرج لم يكلف الله به لقوله تعالى ما جعل عليكم في الدين من حرج الا في موارد مخصوصة لكن ربما يجوز فعله إذا لم يكن مضرا .
ومن الطريف قوله التكاليف كلها مشتقة من الكلفة فان الكلفة إذا بلغت حد العسر والحرج أسقطت التكليف كما عرفت وإذا بلغت إلى حد الضرر أوجبت حرمة الفعل . وأفضل الأعمال أحمزها إذا لم تصل إلى حد الضرر والا حرمت فضلا عن أن تكون أفضل أو غير أفضل قوله على قدر نشاط المرء يكون تكليفه الخ فيه ان تكاليف الله لعباده واحدة لا تتفاوت بالنشاط والكسل وقوة الصبر وعظمة المعرفة فالواجبات يكلف بها الجميع لا يسقط واجب عن أحد بكسله وضعف صبره وحقارة معرفته ولا يباح محرم لاحد بشئ من ذلك ولا يجب مباح ولا يحرم على أحد بقوة صبره ونشاطه وعظمة معرفته وكذا المستحبات والمكروهات نعم الكسلان كثيرا ما يترك المستحب وقليل الصبر كثيرا ما يفعل المكروه والتكليف في الكل واحد وليس في الشريعة تكليف لشخص بغير الشاق ولآخر بالشاق ولشخص بالشاق ولآخر بالأشق بحسب تفاوت درجاتهم ومراتبهم في النشاط والرياضة والصبر والمعرفة ومن هنا تعلم فساد قوله : ومن هاهنا كانت تكاليف الأنبياء أشق من غيرها ثم الأوصياء ثم الأمثل فالأمثل . نعم كلف نبينا ص دون غيره بأشياء خاصة مثل صلاة الليل فكانت واجبة عليه كما أبيح له أشياء خاصة دون غيره مثل الزيادة على أربع أزواج وباقي التكاليف يتساوى فيها مع غيره وأين هذا مما نحن فيه .
قوله وفي الخبر ان عظيم البلاء يكافؤه عظيم الجزاء . هذا أجنبي عن المقام إذ المراد بالبلاء هو المصائب الدنيوية من موت الأولاد وذهاب الأموال والقتل وتسلط الظالم وأمثال ذلك وأي ربط لهذا بما نحن فيه من التكليف بالشاق أو ما فيه ضرر . وهكذا خبر ان أشد الناس بلاء الأنبياء ثم الأوصياء ثم الأمثل فالأمثل : ليس معناه أشد الناس تكليفا بل المراد بذلك المصائب والبلايا الدنيوية التي تصدر عليهم كما صدر على النبي ص وأهل بيته ع وأوليائهم . وفي اي لغة يصح تفسير البلاء بالتكليف .
وهل الذين يشقون رؤوسهم من أمثل الطبقات حتى كلفوا بذلك والعلماء وخيار المؤمنين ليسوا كذلك فلم يكلفوا به ولم يفعلوه . وأما المستضعفون فهم القاصرون في الادراك الذين رفع الله عنهم بعض التكاليف التي لا يمكنهم معرفتها لقصور ادراكهم كما رفع التكاليف عن المجانين لحكم العقل بقبح تكليف الجميع فأين هذا مما نحن فيه . قال : ولو كان الشاق وان دخل تحت القدرة والطوق غير مشروع ما فعلته الأنبياء والأولياء أ لم يقم النبي ص للصلاة حتى تورمت قدماه أ لم يضع حجر المجاعة على بطنه مع اقتداره على الشبع أ لم تحج الأئمة مشاة حتى تورمت أقدامهم مع تمكنهم من الركوب أ لم يتخذ علي بن الحسين البكاء على أبيه دأبا والامتناع من تناول الطعام والشراب حتى يمزجها بدموع عينيه ويغمى عليه في كل يوم مرة أو مرتين أ يجوز للنبي وآله ص ادخال المشقة على أنفسهم طمعا بمزيد الثواب ولا يجوز لغيرهم أ يباح لزين العابدين ان ينزل بنفسه ما ينزله من الآلام تأثرا وانفعالا من مصيبة أبيه ولا يباح لوليه ان يؤلم نفسه لمصيبة إمامة أ ينفض العباس الماء من يده وهو على ما هو عليه من شدة الظما تأسيا بعطش أخيه ولا نقتص اثره أ يقرح الرضا جفون عينيه من البكاء والعين أعظم جارحة نفيسة ولا نتأسى به فنقرح على الأقل صدورنا ونجرح بعض رؤوسنا أ تبكي السماء والأرض تلك بالحمرة وتي بالدم العبيط ولا يبكي الشيعي بالدم المهراق من جميع أعضائه وجوارحه ولعل الاذن من الله لسمائه وأرضه ان ينزف كذا على الحسين ما تشعر بترخيص الإنسان الشاعر لتلك المصيبة الراتبة ان ينزف من دمه ما استطاع نزفه اجلالا واعظاما وهب أنه لا دليل على الندب فلا دليل على الحرمة مع أن الشيعي الجارح نفسه لا يعتقد بذلك الضرر ومن كان بهذه المثابة لا يلزم بالمنع من الجرح وان حصل له منه الضرر اتفاقا انتهى . وقد عرفت ان المشقة إذا وصلت لحد العسر والحرج أوجبت رفع التكليف بالاجماع لقوله تعالى ما جعل عليكم في الدين من حرج ولم توجب تحريم الفعل وإذا وصلت إلى حد الضرر أوجبت رفع التكليف وحرمة الفعل إما استشهاده بقيام النبي ص للصلاة حتى تورمت قدماه فان صح فلا بد ان يكون من باب الاتفاق اي ترتب الورم على القيام اتفاقا ولم يكن النبي ص يعلم بترتبه والا لم يجز القيام المعلوم أو المظنون انه يؤدي إلى ذلك لأنه ضرر يدفع التكليف ويوجب حرمة الفعل المؤدي إليه والا فأين ما اتفق عليه الفقهاء من أنه إذا خاف المكلف حصول الخشونة في الجلد وتشققه من استعمال الماء في الوضوء انتقل فرضه إلى التيمم ولم يجز له الوضوء مع أنه أقل ضررا وإيذاء من شق الرؤوس بالمدى والسيوف إلى غير ذلك ، واما وضعه حجر المجاعة على بطنه مع اقتداره على الشبع فلو صح لحمل على صورة عدم خوف الضرر الموجب لحرمة ذلك لكن من أين ثبت انه كان يتحمل الجوع المفرط الموجب لخوف الضرر اختيارا مع القدرة على الشبع وكذا استشهاده بحج الأئمة مشاة هو من هذا القبيل ، أما بكاء علي بن الحسين ع على أبيه المؤدي إلى الاغماء وامتناعه عن الطعام والشراب فان صح فهو أجنبي عن المقام فان هذه أمور قهرية لا يتعلق بها تكليف وما كان منها اختياريا فحاله حال ما مر ، وأما نفض العباس الماء من يده تأسيا بعطش أخيه فلو صح لم يكن حجة لعدم العصمة ، واما استشهاده بتقريح الرضا ع جفون عينيه من البكاء فان صح فلا بد ان يكون حصل ذلك قهرا واضطرارا لا قصدا واختيارا والا لحرم ومن يعلم أو يظن أن البكاء يقرح عينيه فلا يجوز له البكاء ان قدر على تركه لوجوب دفع الضرر بالاجماع وحكم العقل ، أما قوله : أ تبكي السماء الخ . . . فكلام شعري صرف لا يكون دليلا ولا مؤيدا لحكم شرعي وأما قوله : وهب أنه لا دليل على الندب فلا دليل على الحرمة فطريف لان الأصل في المؤذي والمضر الحرمة ودفع الضرر واجب عقلا ونقلا ، ومثله قوله مع أن الشيعي الجارح لا يعتقد بذلك الضرر ، فان الجرح نفسه ضرر أولا وذلك لا يتفاوت فيه الشيعي وغيره فالكل ذو لحم ودم لا دخل فيه للمذهب . ثم نقول عطفا على قوله أ يقرح الرضا جفون عينيه ولا نتأسى به فتقرح على الأقل صدورنا ونجرح بعض رؤوسنا : اننا لم نركم جرحتم مرة بعض رؤوسكم ولا كلها ولا قرحتم صدوركم من اللطم ولا فعل ذلك أحد من العلماء وانما يفعله العوام والجهلة . أ تأمرون الناس بالبر وتنسون أنفسكم . يا أيها الذين آمنوا لم تقولون ما لا تفعلون كبر مقتا عند الله ان تقولوا ما لا تفعلون .
ونقول عطفا على قوله : أ تبكي السماء والأرض بالحمرة والدم ولا يبكي الشيعي بالدم المهراق من جميع أعضائه : اننا ما رأيناكم أهرقتم دما طول عمركم للحزن من بعض أعضائكم ولا من جميعها فلما ذا تركتم هذا المستحب المؤكد تركا أبديا وهجرتموه هجرا سرمديا ولم يفعله أحد من العلماء في عمره ولو بجرح صغير كبضعة الحجام ولما ذا لم يلبسوا الأكفان ويحملوا الطبول والأبواق وتركوا هذه المستحبات تفوز بها العوام والجهلة دونهم)) . (5)
ماذا نستنتج من تلك الرسالة وما فيها من مناقشات موضوعية ، شرعية ؟
نستنتج الاتي :
- ان السيد الامين يطلق على ما يجري في عاشوراء تسمية البدع.
- وانها اعمال منكرة تغضب الله ورسوله (ص) وتغضب الحسين .
- وهي ليست طاعة ولا عبادة.
ان المنكر مما يجري في عاشوراء ، هو: الكذب بذكر الأمور المكذوبة المعلوم كذبها وعدم وجودها في خبر ولا نقلها في كتاب وهي تتلى على المنابر وفي المحافل بكرة وعشيا.
ومن بعض الاحاديث التي كذبها السيد الامين، والتي تذكر على المنابرفي مجالس العزاء الحسينية :
- حديث: أين ضلت راحلتك يا حسان الذي اختلقه بعض الناس على سطح مسجد الكوفة كما هو مشهور عند فضلاء النجف وغيرهم .
- حديث: خرجت أتفقد هذه التلاع مخافة أن تكون مظنا لهجوم الخيل على مخيمنا يوم يحملون وتحملون والا فليدلنا في اي كتاب هذا الحديث وأي رواية جاءت به ضعيفة أو صحيحة .
- حديث: قول شمر للحسين ( ع) بعدك حيا يا ابن الخارجي.
- حديث: اي جرح تشده لك زينب .
- حديث: مخاطبة زينب للعباس حين عرض شمر عليه وعلى اخوته الأمان .
- حديث: مجئ زين العابدين لدفن أبيه مع بني أسد .
- حديث: درة الصدف التي حاربت مع الحسين ع .
- حديث مجئ الطيور التي تمرغت بدم الحسين ع إلى المدينة ومعرفة فاطمة الصغرى بقتل أبيها من تلك الطيور.
وايضا مما استنكره شرعا، ايذاء النفس وادخال الضرر عليها من مظاهر لبس الأكفان وكشف الرؤوس وجرحها بالمدى والسيوف حتى تسيل منها الدماء وتلطخ بها تلك الأكفان ودق الطبول وضرب الصنوج والنفخ في البوقات والدمام وغير ذلك والسير في الأزقة والأسواق والشوارع بتلك الحالة . وابراز شيعة أهل البيت واتباعهم بمظهر الوحشية والسخرية أمام الجمهور مما لا يرضى به عاقل غيور وعد ذلك عبادة ونسبته إلى أهل البيت الطهور. وتحريم ذلك ثابت بالعقل والنقل، وكل ما يوجب الهتك والشنعة.
إن هذه الرسالة ( رسالة التنزيه) أثارت ثائرة الخرافيين والمتاجرين بالدين ، وقتذاك ، لكنها استطاعت ان تحرك الاسن في بحيرة المذهب. (6)
يذكر المفكر الاسلامي احمد الكاتب في كتابه (الشيرازي في مواجهة التحديات الحضارية ) ان الشيخ حسين الحلي أصدر كتابا ضد الأمين تحت عنوان : (سيماء الصلحاء في إثبات جواز إقامة العزاء لسيد الشهداء) .
ويقول كذلك: في الكتاب ذاته إن الشيرازي : ((أيد مختلف انواع الشعائر بما فيها اللطم وضرب السلاسل والتطبير ووطء الجمر اللاهب يوم عاشوراء.
حتى انه قاد بنفسه مواكب للتطبير ( ضرب الرؤوس بالسيوف) باسم الحوزة الدينية في كربلاء في أواخر الستينات ، لحسم الجدل الدائر حولها . ودفع أخاه السيد حسن الشيرازي في سنة 1385/1965إلى تأليف كتاب باسم (الشعائر الحسينية) شن فيه هجوما عنيفا على الذين ينتقدون الشعائر ووصفهم بالعملاء للمستعمرين والعداوة للتشيع ، وهو ما أدى إلى انقسام الناس في كربلاء ، وانحياز جماعة من أصدقاء الشيرازي السابقين وخاصة أعضاء (الجمعية الخيرية الإسلامية) إلى الصف المطالب بإصلاح الشعائر والوقوف امام التطرف في ممارستها ، ثم أدى إلى قيام بعض أنصار الشيرازي بالهجوم على مركز الجمعية الخيرية وتحطيمه سنة 1966 مما ترك شرخا في صفوف الحركة الإسلامية في كربلاء والعراق.
كان الشيرازي ينظر إلى (الشعائر الحسينية) كوسيلة مهمة لنشر الإسلام والتشيع وتعزيز قوة المرجعية أمام الدولة العراقية ، ويرى في محاولات ضربها أو تحجيمها من قبل السلطات الظالمة محاولة للسيطرة على الأجواء . وكان انحيازه الى جانب المؤيدين الى اقامة الشعائر الحسينية بمختلف أنواعها ، يحقق له ضمنا شعبية واسعة في صفوف عامة الناس بالرغم من انه كان يبعد عنه النخبة المثقفة التي كانت تستنكر التطرف في ممارستها كدخول النار او التطبير والضرب بالسلاسل )).
ويقول السيد علي الامين:(( إن هذه الأمور التي تمارس في إحياء مراسم عاشوراء تندرج تحت عناوين العادات والتقاليد التي تراكمت عبر مئات السنين وليس لها في معظمها أساس من الشرع وقد تترسخ بعض العادات إلى درجة يصعب معها الإقلاع عنها لأنها أصبحت في نظر القائمين بها جزءاً من الشعائر الدينية التي يعتقد أصحابها أنهم ينالون الأجر والثواب عليها وهنا يأتي دور العلماء الذين يجب أن يُظهروا الحقيقة للناس وعندما كنا في العراق كان رأي جملة من العلماء يخالف تلك المظاهر ولكنهم كانوا لا يجرؤون على التصريح بذلك خوفاً من جمهور الناس الذين اعتادوا على تلك الأعمال وقد أفتى بعض العلماء بحرمة إدماء الرؤوس والأجساد وبعض المظاهر الأخرى وقد تعرّض هذا البعض إلى حملات واسعة من التشهير وصلت إلى حد التكفير كما جرى ذلك للمرحوم السيد محسن الأمين الذي حرَّم تلك المظاهر قبل منتصف القرن الماضي وألف كتاباً لتهذيب السيرة الحُسينية ولتصحيح أداء خطباء المنبر الحسيني•
وعلى كل حال فإنّ الشيعة مدعوون إلى أن يرجعوا إلى أئمتهم من أهل البيت الذين لم يمارسوا مثل هذه العادات والتقاليد في عاشورا مع أنهم أنفسهم هم أصحاب المصيبة بأبيهم وجدهم الإمام الحسين وأهل بيته سلام الله عليهم أجمعين))• (7)
ان الرأي الفقهي للسيد فضل الله فيما سمي بالشعائر الحسينية هو:
1 - (( يحرم الضرب بالسلاسل أو السكاكين ((ذلك لما فيه من الاضرار التي يحرم ارتكابها شرعا بحق النفس او الغير ولما يسببه ذلك من الاساءة والتوهين لمذهب أهل البيت (ع) كما هو رأي السيد الخوئي (ره) في ذلك)).
2 - (( لا يجوز النظر الى موكب التطبير والمشاركة والتأييد، ومجرد النظر ليس محرماً)).
3 - (( عندئذ فما دام محرماً فلا يمكن جعله من الشعائر الدينية أو الحسينية ولا سيما إذا كان مسيئاً للمذهب أيضاً فسوف تشتد الحرمة وتتأكد)). (8)
ثم يقول : (( علينا أن نعمل لتكون عاشوراء إسلامية ويكون الهدف منها هو تعريف الناس بالإسلام لأن الغالب في طريقة إثارة الذكرى هو استنـزاف الدمعة وترديد المأساة مما يفرض على بعض القراء أو الخطباء الإتيان بالأحاديث الموضوعة المثيرة، وقد أصبح من المعروف أن القارئ الناجح هو الذي يستنـزف الدمعة لا الذي يفتح العقل، فينبغي حتى تبقى عاشوراء مدرسة إسلامية - لأن الناس تجتمع في عاشوراء أكثر من غيرها من المناسبات وتستمع للخطيب أكثر من غيره - ينبغي أن نمزج الفكرة بالعاطفة فالعاطفة ضرورية في تخليد عاشوراء ولكن علينا أن نعرف كيف نعقلن العاطفة حتى نعطي الناس معنى ثورة الإمام الحسين(ع). كما علينا أن نبتعد عن العادات المحرمة المتخلفة والتي تسيء إلى عاشوراء ومذهب أهل البيت(ع) مما يشوّه صورة ذلك أمام العالم. إن عاشوراء انطلقت من خلال الموقع الإسلامي في إصلاح الأمة وتصحيح الانحراف وتأكيد الانفتاح على مواجهة التحديات الاستكبارية ضد الإسلام والمسلمين بالوقوف مع حركة الوحدة الإسلامية من أجل أن يكون الإسلام في حاضرنا ومستقبلنا الرسالة العالمية كما أرادها الله للإنسان كله)).
ويقول السيد فضل الله:
(( لقد أفتينا فتوى قاطعة بحرمة التطبير وضرب الزنجير مع السكاكين:
أولاً: من جهة أنه إضرار بالجسد، والإضرار بالجسد حرام حتى في عاشوراء بمناسبة الاحتفال بالإمام الحسين(ع) وهذا الإضرار ليس من الشعائر، لأنه لم يرد فيها أي نصّ من النبي(ص) أو الإمام(ع) كما ذكره السيد الخوئي رحمه الله.
وثانياً: لأنه يؤدي إلى هتك حرمة المذهب الشيعي وأهله لاستلزامه سخرية الناس بهم، لأن ذلك مظهر تخلف وتأخر كما أن المواساة لأهل البيت(ع) لا تتحق بذلك، بل بالجهاد في سبيل الله. ولذلك فإننا ننصح أخواننا المؤمنين أن يمتنعوا عن هذه العادة السيئة وأن يبيّنوا لأخوانهم الأضرار اللازمة منها وأن يحتفلوا بالذكرى بإحياء أمر أهل البيت(ع) بذكر محاسن كلامهم وذكر سيرتهم وأخلاقهم كما أمرونا بذلك. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته)).
ويفتي رحمه الله بإثم فاعلها:
((- التطبير محرم وفاعله آثم لما يسببه ذلك من الإساءة والهتك للمذهب الحق وكذا من جهة حرمة الإضرار بالنفس أو الغير)).
ثم يطالب رحمه الله بتطوير هذه الشعائر في الوسائل والاساليب بحيث تكون افعالها غير محرمة، فيقول:
(( إن دور الشعائر الحسينية في الراهن والمستقبل، هو نفس الدور الذي كان في الماضي، وإن كان اللازم التطوير في الوسائل والاساليب التي تعمم من الفائدة المترتبة على مثل هذه الشعائر، والدور المطلوب هو كون هذه المجالس والشعائر مدرسة نقّالة اسلامية تعلم الاجيال الاسلام الحقيقي والدور الصحيح للدين في حياة الشعوب)).
اما الشيخ حسين المؤيد فرأيه الفقهي هو:
(( لاشك في ان نهضة الامام الحسين عليه السلام لم تكن حدثا تاريخيا عابرا أو واقعة مأساوية كسائر الوقائع العادية التي تحفل بها الازمنة, وانما كانت واقعة من اهم الوقائع الكبرى التي يهتز لها الوجدان الانساني وتطبع بصماتها على الناس . وقلما يظفر المتأمل في سجل التاريخ بحادثة كحادثة كربلاء , وقضية كقضية أبي الاحرار الامام الحسين عليه السلام في اثارتها للوجدان الجماهيري وتحريكها للعاطفة الانسانية بصورة مستمرة وبالزخم نفسه الذي زلزلت به ساحة الاحداث في المقطع الذي وقعت فيه تلك الملحمة الخالدة التي ترائت للناس اسطورة في ماعرضته من مشاهد وسطرته من معاني وخلفته من آثار . وقد خلقت هذه الحادثة قاعدة جماهيرية متصلة تبنتها وتعهدت بالنضال في سبيلها هدفا وفكرا ومنهجا ورصيدا وعملا , وكان لهذا الامر دوره في ادامة هذه القضية وترسيخها في الالباب والقلوب , انها ظاهرة تناغم أخاذ بين هذه القضية التي توقد بحرارتها النفوس فتطفق تعبر عما يجول فيها من رؤى ومشاعر وبين هذه النفوس التي جندت لأداء وظيفتها ازاء هذه القضية كالزيت يحترق بالنار فيمونها لتبقى شعلتها ملتهبة وملهبة مادام له وجود . وقد تعرٌضت هذه القضية لافراط وتفريط , أما التفريط فهو المحاولات غير المبررة لجعلها من الحوادث التأريخية العادية أو شبه العادية واعطائها طابعا محدودا وتسطيحها , فضلا عن محاولات انسائها واقتلاعها من سجل الذكريات , بل منع البعض من اظهار الحزن والبكاء وانشاد المراثي مدخلا لها في الجانب الشخصي للقضية وكانها من قبيل التفجع على موت انسان مع انها ليست كذلك جزما ,فان الحزن والبكاء والرثاء لاجل المظلومية امر تنزع اليه النفس الانسانية حسب فطرة الله التي فطر الناس عليها فكيف يحول الشارع بحكم بين النفس وما فطرت عليه وهذا غير التفجع لحادثة الموت نفسها حيث ان الموت هو قدر الله الماضي على جميع خلقه . وهذا يعبر عن جانب التفريط في القضية وهو امر لايتقبله منطق التاثير التاريخي . واما جانب الافراط فهو الذي يتعامل مع هذه القضية من خلال تضخيم بعض تفاصيلها استنادا الى روايات ضعيفة أو التركيز على جانب الماساة والمغالاة في تحريك العاطفة الانسانية ليتحول التعاطي معها الى حالة الانفعال العاطفي واهمال المحتوى العظيم والثر الذي يتصل بفلسفة هذه النهضة ودراسة ابعادها المتنوعة واستخلاص العبر والدروس منها واستنطاقها لتبقى الحادثة الملهمة على الدوام . وقد يصل هذا التركيز العاطفي الى درجة التعبير عن العاطفة وابراز التـفاعل مع المأساة بألوان واشكال من الممارسات التي تعطي صورة مشوهة عن الطريقة المعقولة في احياء الذكرى فتوجد انعكاسا سلبيا على الذكرى نفسها,بل يتسرب من خلالها الوهن الى القاعدة الفكرية التي تنطلق منها . ولذا فاننا نرى أن هذه الممارسات غير صحيحة وليست فيها مصلحة ويجب تنزيه الشـعائر الحسينية منها والعمل على احياء الذكرى بالطرق الصحيحة التي تـتـنــاسب وعظمتها وما تستحقه من فاعلية وبقاء ولا نعني بذلك اغفال الجانب العاطفي والمأساوي في القضية لكن يتم ابراز عنصر المأساة وما فيه من تحريك للوجدان وما يتمخض عنه من تعبير تتوهج من خلاله العاطفة الانسانية بالاداء الصحيح الذي يتماشى والطبع العقلائي بما يحفظ للفكرة هيبتها وللحادثة عمق تأثيرها الايجابي وبالله التوفيق)).
وقال كذلك:
(( لا يعد التطبير في حد نفسه شعيرة دينية , لأن الشعيرة الدينية هي ما جعله الله تعالى من معالم دينه وعلائمه ، وليس التطبير كذلك ، فإنه لم يجعل شرعا من معالم الدين وعلائمه ، وإنما هو من مخترعات الناس وما تواضع عليه البعض لإظهار التفجع على الإمام الحسين عليه السلام ، مع أنه ليس من المصاديق المشروعة ولا الراجحة للتفجع ، ذلك أن مورد النصوص الواردة في هذا الباب هو عناوين خاصة معينة كالحزن والبكاء والتعزية والرثاء وهي عناوين لا تنطبق على مثل التطبير ولا تتسع له ، ولو فرض وجود إطلاق في هذه النصوص أو غيرها فإنه لا يشمل مثل التطبير وضرب السلاسل وما جرى مجراهما ، لانصراف الإطلاقات عنهما عرفا لعدم كونهما من المصاديق المنظورة في العرف العام والمتعارفة عقلائيا في هذا المجال ، مضافا إلى بعدها عن مذاق الشارع حسب المرتكزات المتشرعية ،الأمر الذي يوجب إنصراف الأذهان العرفية عنها في زمان صدور النصوص .
ثم إن هذه المصاديق والأساليب لا تنسجم مع مقاصد الشريعة ومذاق الشارع وما يستفاد من مجموع خطاباته في باب حفظ النفس والبدن وصيانتهما عن الأذى والضرر وحرص الشارع على سلامتهما مما يمكن أن يستنبط منه مبغوضية هذه الأفعال عند الشارع المقدس خاصة مع عدم كونها من المصاديق اللازمة والمطلوبة . هذا إن لم يستفد من بعض الأدلة وبشكل مباشر حرمة مثل هذه الأفعال. أضف إلى ذلك إن هذه الأفعال تسيء إلى صورة الدين والمذهب وتشوه المضمون الحقيقي لإحياء قضية الإمام الحسين عليه السلام ، ولا شك في ذلك لا سيما في زماننا هذا ولو في الجملة فتكون محرمة بالعنوان الثانوي . وهكذا يتضح أن التطبير وما جرى مجراه لا يندرج في شعائر الدين ولا في العناوين الجائزة أو الراجحة .
(...) إن النصح بترك التطبير هو نصح في محله ونحن ندعم الدعوة إلى ترك التطبير وكنا قد أجبنا على سؤال في هذا الموضوع فراجعوه ..
(...) ما تفعله بعض المراكز الصحية في يوم عاشوراء من فتح باب التبرع بالدم هو أمرسديد وفيه ثواب جزيل وخدمة إنسانية وهو بديل صحيح ومناسب عن الممارسات غير الصحيحة وغير المشروعة .
وختاما نقول لكم أيها الأخوة الأعزاء أتركوا التعصب للعادات والأعراف غير السليمة التي هي ليست من الأمور التي جاء بها الدين الحنيف أو أقرها ، وليس من الصحيح الجمود أو التعصب لأمور أو أساليب أقصى ما يقال فيها إنها من اختراعات بعض العوام ظنا منهم أو اعتقادا بأنها وسيلة صحيحة للتعبير عن التفجع على الإمام الحسين عليه السلام وإحياء قضيته العادلة .
وليس من الصحيح التعاطي مع الأساليب بنحو التعاطي مع المبادئ وإن التمسك يجب أن يكون بالمبدأ وبالحكم الشرعي وليس بالأسلوب الذي يمكن إستبداله بما هوخير منه وأجدى ، وليس ترك أسلوب معين أو إستبداله بأسلوب آخر محرما أو مكروها فلماذا التشدد والتعصب لأساليب معينة جرت عليها العادة في فترة من الزمن على حساب الأساليب الناجعة والمرغوبة ، ولا شك أن التطبير وما جرى مجراه يسيء إلى القضية أكثر مما يخدمها أو يحييها.
إن الدفاع عن الشعائر الحسينية لا يكون بالدعوة إلى الأساليب المسيئة وغير المشروعة أو العادات التي تجاوزها الزمن ، وإنما يكون بالعمل على إحياء قضية الإمام الحسين عليه السلام وتحريكها في الوجدان والحياة بوصفها مدرسة بأبعادها الدينية والسياسية والإجتماعية وذلك بالأساليب التي تخدم هذه القضية ولا تسيء لها . كما إنه ليس من الصحيح مجابهة المخالفين للتطبير بما يخرج عن الشرع والأخلاق ليس إلا لأنهم دعوا إلى تنزيه الشعائر وإصلاحها فلا بد أن يحترم الرأي الأخر ولا تحاكم النوايا . إن المعارضة للتطبير وما يجري مجراه ليس معارضة للشعائر الحسينية ومن الخطأ الفاحش أن ينظر على أنها معارضة للشعائر الحسينية بل هي دعوة إصلاحية لتنزيه الشعائر الحسينية وإبرازها بالصورة الصحيحة والناصعة . ولماذا يتم إختزال إحياء قضية كبرى بمستوى قضية الإمام الحسين عليه السلام بمجموعة من الأساليب التي لم يرد بها نص شرعي ولا يقبلها العرف العقلائي العام وإنما جرت عليها العادة في فترة متأخرة من الزمن.)).
الهوامش:
1 - هذا ما صرح به الشيخ حسن الصفار (من علماء الشيعة السعوديين ) في واحدة من المقابلات التلفازية.
2 - ربما يفهم البعض من قولي هذا ان تلك الممارسات جاءت لتضرب الوحدة الاسلامية ، انما اعني ما يتردد في تلك الممارسات من هتافات – اهازيج وردات واشعار- تهدف الى ضرب الوحدة الاسلامية ، من خلال رفع شعارات المطالبة بالثأر من قتلة الحسين واحفادهم، خاصة شعار : يا لثارات الحسين .
3 . – ان جل الذين يمارسونها هم إما:
* صبيان لم يصلوا حد التكليف الشرعي،
* او، شباب لم يكونوا من المؤمنين الملتزمين دينيا،والسائرين على خطى الامام الحسين وما قام به،( ومن هنا يمكن ان نفهم قول السيد فضل الله ، ان اغلب من يقوم بهذه الممارسات هم من السكيرين، إذ مثل هؤلاء لا تفيد معهم فتوى او نصيحة ، فلماذا قامت قيامة البعض على السيد فضل عندما اتهم الممارسين بالسكر؟).
* و الباقون ، وهم القلة ، يمارسونها على اعتقاد فكري مذهبي تحت تأثير من يدعو لها، دون معرفة المضار النفسية والجسدية والفكرية المذهبية.
4 - ما زال جل الكتاب – بشتى اختصاصاتهم ودرجاتهم العلمية – يدخلون (ال) على المضاف ، وهو خطأ فاحش ، فاضح ، وكان عليهم ان يراجعوا كتاب الله وقوله سبحانه في سورة الفاتحة: (غير المغضوب) (غير الحق)ولم يقل الغير مغضوب،او الغيرحق.
5 - أعيان الشيعة - السيد محسن الأمين - ج 10 - ص 373 وما بعدها.
5 – تامصدر السابق - ج 10 - ص 373 وما بعدها.
- لا ننسى كذلك آراء كل من السيد محمد محمد الصدر في كتابيه : (شذرات من فلسفة تاريخ الحسين ،و أضواء على الثورة الحسينية)، ومطهري في : (الملحمة الحسينية) ، وشريعتي في كتابه ( التشيع الصفوي والتشيع العلوي) خاصة.
6 – راجع كتابنا رجال الاصلاح في المذهب الشيعي الامامي الاثني عشري.
7 - علي الامين - في حوار عام وشامل تناول مختلف القضايا مع جريدة اللواء –ج3- 12/8/2008.
8 – تلك اجابات متفرقة اجاب بها السيد سائليه مدونة على موقع بيانات الالكتروني الخاص بمرجعيته.
***
الكلمات الدلالية (Tags): لا يوجد إضافة/ تعديل الكلمات الدلالية
التصانيف
غير مصنف

التعليقات

  1. الصورة الرمزية داود سلمان الشويلي
    الاخت الفاضاضلة ماجدة المحترنة
    تحية
    لم اسمع باطروحة السيد الحيدري عن المهدي لكي اعطي فيها رأيي وبالتاكيد هي اطروحة من يؤمن بوجود المهدي ، وبالمقابل انا قرات اطروحة احمد الكاتب الذي ينفي فيها ولادة المهدي بالعكس من الشيعة الامامية الاثني عشرية ومنهم السيد الحيدري
    شكرا جزيلا ولك التوفيق
    الشويلي
    تم تحديثة 06/07/2011 في 02:36 AM بواسطة داود سلمان الشويلي
كتابة تعليق كتابة تعليق