مشاهدة تغذيات RSS

عبد المجيد

لعنة الميتافيزيقا بقلم: الأخضر ﭭـريسي

تقييم هذا المقال
[CENTER][B][FONT=Arial]لعنة الميتافيزيقا بقلم: الأخضر [/FONT][/B][B][FONT=Arabic Transparent]ﭭ[/FONT][/B][B][FONT=Arial]ـريسي[/FONT][/B][/CENTER]

[FONT=Arial]كل محاولة لنقض الفلسفة هي في ذاتها بناء للفلسفة، محاججة شائعة قديمة تداولها العديد من الفلاسفة، رغم أنها ترد إلى أرسطو كصائغ لهذه العبارة كحجة يدافع بها عن الفلسفة، ونجدها تتكرر مع ابن رشد. و خلاصة الحجة أن المحاولين نقض الفلسفة مضطرون لا محالة إلى إقامة حجج، وتقديم براهين تثبت صدق دعواهم، ولكن إقامة الحجة وبناء البرهان هو جوهر الفلسفة، ومن هنا يناقض هؤلاء أنفسهم بأنفسهم، إذ يبنون فلسفة في سعيهم إلى هدمها.[/FONT]
[FONT=Arial]لقد ذكرني بهذا الموقف السابق ما نجده عند المعادين للفلسفة عموما، وللميتافيزيقا خصوصا من أنصار النزعة الماركسية والوضعية خصوصا، وبعض رواد الفلسفة التحليلية المعاصرة عموما، مثل هيوم الأب الروحي للوضعية، وأوغست كونت مؤسس المدرسة، وموريتس شيليك مؤسس دائرة فيينا بوضعيتها المنطقية، وبعض الفلاسفة التحليلين مثل برتراند راسل وتلميذه لدفيج فجنشتين وغيرهم.[/FONT]
[FONT=Arial]وكلمة [/FONT][FONT=Arial](([/FONT][FONT=Arial]الميتافيزيقا[/FONT][FONT=Arial]))[/FONT][FONT=Arial] في الترجمة اللغوية الحرفية مركبة من [/FONT][FONT=Arial](([/FONT][FONT=Arial]ميتا[/FONT][FONT=Arial])) [/FONT][FONT=Arial]وتعني ما بعد[/FONT][FONT=Arial](([/FONT][FONT=Arial]ما بعد[/FONT][FONT=Arial])) [/FONT][FONT=Arial]وكلمة [/FONT][FONT=Arial](([/FONT][FONT=Arial]فيزيك[/FONT][FONT=Arial])) [/FONT][FONT=Arial]التي تعني الطبيعة. والمذكور في تاريخ الفلسفة أن الكلمة استعملت للمرة الأولى في القرن الأول قبل الميلاد، فقد أطلق أندريقوس الروديسي تسمية الميتافيزيقا على كتاب من كتب أرسطو حين رتبها، ويتضمن هذا الكتاب [/FONT][FONT=Arial](([/FONT][FONT=Arial]الفلسفة الأولى[/FONT][FONT=Arial]))[/FONT][FONT=Arial]، التي تدرس المبادئ الأولى لكل ما هو موجود، والتي تتجاوز قدرة الحواس ولا يطالها غير العقل المتأمل. ولا شك أن هذا المصطلح الفلسفي ككل المصطلحات تغير معناه، وتعددت مدلولاته واختلفت مع العصور والأزمنة، وتباينت بتباين الفلسفات والمذاهب، وسنغض عن هذا، لأن هؤلاء الفلاسفة الذين سنذكرهم على اختلافهم يشتركون في هذه المعاداة للميتافيزيقا باعتبارها نقيض العلم، فالعلم يناقض الفلسفة بوجه عام، ولكنه عدو الميتافيزيقا بوجه خاص، إذ قد يتنازل هؤلاء العلمويين فيمنحون الفلسفة دورا هامشيا، كالتنسيق بين العلوم الجزئية، مثلما رأى أوغست كونت، أو يمنحونها وظيفة تحليل وإيضاح اللغة العلمية أو حتى اللغة العادية كما رأت فلاسفة الوضعية المنطقية وبرتراند راسل ولدفيج فجنشتين مثلا، لكن لا يمكن أن نفسح للميتافيزيقا أي منفذ، ولو بقدر هذا المجال الهامشي الضيق الذي ترك للفلسفة، والميتافيزيقا عندهم تؤخذ على وجه الإجمال على أنها كل فكرة أو فرضية تتجاوز المعطيات الحسية، وهي مرفوضة لأنها مبدئيا تفسد العلم مهما قل مقدار مخالطتها له، فهي تحرفه وتزيفه موضعا ومنهجا وهدفا، إلى جانب أن الميتافيزيقا تجسد ذهنية لاعلمية لا تزال ترزح تحت سلطة الأفكار الخرافية التي تراكمت عبر عصور الظلام، ومن هنا حيث تتسلل فكرة ميتافيزيقية ينتفي العلم ويحل الوهم، وحيث يكون العلم تنتفي الميتافيزيقا بالضرورة، إنهما ضدان لا يلتقيان. [/FONT]
[FONT=Arial]غير أننا إذا تأملنا ما يعرضه علينا هؤلاء المتوجسون من الميتافيزيقا، المعرضون بها، المقابلون لها بالعلم وجدناهم ميتافيزيقيين، وهم لا يزيدون على استبدال ميتافيزيقا بميتافيزيقا أخرى. [/FONT]
[FONT=Arial]فإذا بدأنا بدافيد هيوم، وجدناه يحصر المعرفة المشروعة في صنفين من العلوم: صنف العلوم الصورية وصنف العلوم التجريبية ، وما غير هذه العلوم هو ميتافيزيقا ترادف الأوهام والخرافات، ولا تستحق كتبها غيرالحرق. لكننا لو تفحصنا ما قدمه هيوم نفسه وطبقنا عليه نصيحته فلن يسلم الكثير من كتبه من النار، فهي في جوهرها تتضمن الميتافيزيقا، ولهذا فإننا إذا أخذنا بنصيحته فسنبدأ بإلقاء نصيحته في النار لأنها هي ذاتها لا تنتمي إلى العلم الصوري ولا إلى العلم التجريبي. [/FONT]
[FONT=Arial]وإذا أتينا بالماركسية كما مثلها المؤسس كارل ماركس والرفيق فريدريك أنغلز، وإليتش لينين، وجدنا ماديتهما الطاغية تنطق بهذا العداء السافر للميتافيزيقا، لكنها في النهاية تبني ميتافيزيقا.[/FONT]
[FONT=Arial]فحسب الماركسية، إن الفلسفة بميتافيزيقاها، والفكر عموما هو فلسفة الطبقة المسيطرة اقتصاديا، فالأمر على عكس ما تحاول أن توهمنا الفلسفات المثالية والبرجوازية وفي مقدمتها فلسفة هيغل، والذي بجعله الفكر يحكم التاريخ، يجعل الإنسان يمشي على رأسه، والواقع أن الوجود المادي هو الذي يحدد الفكر، فالفلسفة والميتافيزيقا، والدين والمعتقدات، والفن والأدب، بل والعلم والمعرفة في كل المجتمعات الطبقية ليست إلا أدوات الطبقة المسيطرة لتزييف الحقائق، والفلاسفة الذين هم من الطبقة المستغِلة أو موظفيها لا يقدمون أكثر من فلسفة تبرير وميتافيزيقا تزوير، على عكس الماركسية التي تنفرد وحدها بأنها علمية تقرأ الطبيعة والواقع والمجتمع وحركة التاريخ قراءة علمية مادية صحيحة. [/FONT]
[FONT=Arial]لكننا لو تأملنا ما تعرضه الفلسفة الماركسية ما وجدناها أقل طوباوية من الفلسفات التي عرضت بها، والدين الذي طعنت فيها.فليس المجتمع الشيوعي إلا وعدا آخر بجنة عن الأرض مقابل جنة السماء، والماركسية ذاتها فرضت كعقيدة، وأقامت محاكم تفتيش ارتكبت أبشع الجرائم. والأهم هنا أن الماركسية لم تقدم أكثر من ميتافيزيقا لا تتميز إلا بماديتها الطاغية.[/FONT]
[FONT=Arial]ويقدم أوغست كونت الوضعية كمرادف للعلم الذي يتأسس على أنقاض الميتافيزيقا ، فهي من مراحل ما قبل العلم، وتمثل مرحلة المراهقة بالنسبة للفكر البشري، مثلما تمثل المرحلة اللاهوتية مرحلة الطفولة. لكن كونت بدوره يخالف وعده وينزلق إلى الميتافيزيقا بشكل بارز، وهو يقر ن نظرية المراحل الثلاث ليست أكثر من افتراض للتفسير لا قراءة استقرائية للتفسير، وهل دين الإنسانية بمعتقداته وطقوسه أقل ميتافيزيقا من أشكال الميتافيزيقا التي كرس كونت حياته لهدمها.[/FONT]
[FONT=Arial]وامتدادا للإتجاه الوضعي بصيغة جديدة، يشير الوضعيون المنطقيون إلى الميتافيزيقا كعدو أول ينبغي محاربته والقضاء عليه. والعبارات الميتافيزيقية التي يطلقها الفلاسفة لا ترقي حتى إلى مقام العبارات الخاطئة، فهي عبارات خاوية من المعنى. ويقدم الوضعيون المنطقيون [/FONT][FONT=Arial](([/FONT][FONT=Arial]مبدأ التحقيق[/FONT][FONT=Arial]))[/FONT][FONT=Arial] كمعيار للفصل بين العلم والميتافيزيقا. فالعبارة تكون مشروعة إذا كانت تحليلية (صورية) أو تركيبية (تجريبية)، وما غير هذا فليقذف في النار كما أمر هيوم. والعبارات لا تندرج في أي الصنفين، فلا هي تحليلية تصدق بالإتساق، ولا هي تركيبية نثبتها الوقائع التجريبية، ومن هنا فهي عبارات بلا معنى وغير مشروعة.[/FONT]
[FONT=Arial]لكن الوضعين المنطقين ليسوا أوفر حظا من سابقيهم، لأن [/FONT][FONT=Arial](([/FONT][FONT=Arial]مبدأ التحقيق[/FONT][FONT=Arial]))[/FONT][FONT=Arial] ذاته لا يندرج في العبارات التحليلية ولا يندرج في العبارات التركيبية التجريبية، فهو بمنطقهم نفسه مردودا مرفوضا لأنه ميتافيزيقي. [/FONT]
[FONT=Arial]أما لودفيغ فجنشتين الذي مارس تأثيرا بليغا على الوضعين المنطقيين، ومنه أقتبسوا [/FONT][FONT=Arial](([/FONT][FONT=Arial]مبدأ التحقيق[/FONT][FONT=Arial]))[/FONT][FONT=Arial]، فإنه يختم رسالته بالإقرار أن: كل ما قدمه لا يزيد على سلم استخدمه للإرتقاء، ليطرح جانبا بعد ذلك، وقد انتهى فجنشتين إلى التصوف.[/FONT]
[FONT=Arial]وبدوره يحاول راسل تجنب الميتافيزيقا ومشكلاتها، و التخلص من مشكلة [/FONT][FONT=Arial](([/FONT][FONT=Arial]الجوهر[/FONT][FONT=Arial]))[/FONT][FONT=Arial]، ويوجه مهمة الفلاسفة إلى التحليل المنطقي للقضايا، ولكن راسل نفسه انتهى إلى التفسير بـ[/FONT][FONT=Arial](([/FONT][FONT=Arial]جوهر[/FONT][FONT=Arial]))[/FONT][FONT=Arial]،هو بين الطبيعة المادية والمعنوية، وكتاباته فلسفية، وقوامها ميتافيزيقا، ولا يهم بعدها إن اختلف مضمونها. [/FONT]
[FONT=Arial]أفلا يمكننا القول أن: الميتافيزيقا عدوى تزداد انتشارا حتى بالأطباء الذين ينبرون لحدها ومحاربتها؟[/FONT]
الكلمات الدلالية (Tags): الفلسفة، لعنة إضافة/ تعديل الكلمات الدلالية
التصانيف
غير مصنف

التعليقات

كتابة تعليق كتابة تعليق