مشاهدة تغذيات RSS

داود سلمان الشويلي

ذكرى واقعة الطف ومفهوم الشعائر الحسينية- من وجهة نظر شرعية للامام الشيخ حسين المؤيد -

تقييم هذا المقال
ذكرى واقعة الطف ومفهوم الشعائر الحسينية
من وجهة نظر شرعية للامام الشيخ حسين المؤيد - ج1

داود سلمان الشويلي

(( ليس منا من شق الجيوب ولطم الخدود ودعى بدعوى الجاهلية )).
(( تدمع العين ، ويحزن القلب ، ولا نقول ما يسخط الرب )).
الرسول الاعظم (ص)

بداية علينا ان نؤكد على مسلمات انسانية ، وهي مسلمات اخلاقية قيمية متعارف عليها انسانيا ، اولها : ان الظلم حالة غير انسانية.
وثانيها : ان الوقوف بوجه الظالمين حق تكفله الشرائع الانسانية منذ بداية وجود الظالمين عبر التاريخ.
وثالثها : هو تمجيد هذا الواقف بوجه الظالم والظالمين .
اما على المستوى الديني – الدين الالهي لا الفكر الديني – (1) فقد جسد الدين تلك المسلمات الانسانية من خلال تقنينها وتشريعها ضمن البنية الدينية الالهية المنزلة.
ووقفة الامام الحسين بن علي ضد ظلم يزيد بن معاوية وما يمثله كملك من ملوك الدولة الاموية (2)، لا تخرج من تلك المسلمات الانسانية والدينية كذلك ،فهي وقفة او نهضة او ثورة ضد الظلم والظالمين – مهما كان نوع هذا الظلم ومن قام به – ، وتمجيد الامام الحسين من قبل المسلمين كافة والانسانية ايضا هو حق انساني وشرعي ، بل هو من المسلمات التي يعاب عليها أي مجتمع عند نسيانها او تناسيها .
في هذه السطور لا نريد ان ننتج قولا تم انتاجه قبلنا الاف المرات عن واقعة الطف ، الواقعة التي وقف فيها الامام الحسين واهل بيته وصحابته امام جيش الظلم والظالمين ، انما هدفنا هو استنطاق رأي فقهاء ومراجع الشيعة عما يرافق ذكرى التمجيد من ممارسات ( كاللطم وضرب الرؤوس بالسيوف والقامات ، وضرب الظهور بالسلاسل )اطلق عليها خطأ مصطلح الشعائر الدينية ، او الاسلامية ، او الحسينية ، وراحت مكبرات الصوت في الجوامع والحسينيات والمساجد تصدح بالاية القرآنية ((ذلك ومن يعظم شعائر الله فإنها من تقوى القلوب)) [الحج -32 ]. عادين تلك الممارسات شعائر الهية.
ان الفقيه والمرجع الشيعي الجعفري الذي ستستنطق سطورنا رأيه الشرعي في الممارسات المرافقة للاحتفال بالذكرى السنوبة لواقعة الطف ، هو الامام الشيخ حسين المؤيد ، علما ان سماحته لم يخرج عن الرأي الشرعي للكثير من شيوخ المذهب الذين تصدوا لتلك الممارسات لتنزيه المناسبة مما يشينها من امور هي غريبة عنها وعن الفكر الاسلامي والعربي خاصة. (3)
***
بداية يقول سماحته عن واقعة الطف : ((لاشك في ان نهضة الامام الحسين عليه السلام لم تكن حدثا تاريخيا عابرا أو واقعة مأساوية كسائر الوقائع العادية التي تحفل بها الازمنة, وانما كانت واقعة من اهم الوقائع الكبرى التي يهتز لها الوجدان الانساني وتطبع بصماتها على الناس . وقلما يظفر المتأمل في سجل التاريخ بحادثة كحادثة كربلاء , وقضية كقضية أبي الاحرار الامام الحسين عليه السلام في اثارتها للوجدان الجماهيري وتحريكها للعاطفة الانسانية بصورة مستمرة وبالزخم نفسه الذي زلزلت به ساحة الاحداث في المقطع الذي وقعت فيه تلك الملحمة الخالدة التي ترائت للناس اسطورة في ماعرضته من مشاهد وسطرته من معاني وخلفته من آثار . وقد خلقت هذه الحادثة قاعدة جماهيرية متصلة تبنتها وتعهدت بالنضال في سبيلها هدفا وفكرا ومنهجا ورصيدا وعملا ،وكان لهذا الامر دوره في ادامة هذه القضية وترسيخها في الالباب والقلوب ، انها ظاهرة تناغم أخاذ بين هذه القضية التي توقد بحرارتها النفوس فتطفق تعبر عما يجول فيها من رؤى ومشاعر وبين هذه النفوس التي جندت لأداء وظيفتها ازاء هذه القضية كالزيت يحترق بالنار فيمونها لتبقى شعلتها ملتهبة وملهبة مادام له وجود . ))
وفي الوقت نفسه ، يعرض سماحته ما تعرضت اليه ذكرى الواقعة عبر التاريخ من ممارسات غير صحيحة لا شرعا ولا قيميا ولا اخلاقيا.
يقول سماحته : ((وقد تعرٌضت هذه القضية لافراط وتفريط ، أما التفريط فهو المحاولات غير المبررة لجعلها من الحوادث التأريخية العادية أو شبه العادية واعطائها طابعا محدودا وتسطيحها ، فضلا عن محاولات انسائها واقتلاعها من سجل الذكريات ، بل منع البعض من اظهار الحزن والبكاء وانشاد المراثي مدخلا لها في الجانب الشخصي للقضية وكانها من قبيل التفجع على موت انسان مع انها ليست كذلك جزما ,فان الحزن والبكاء والرثاء لاجل المظلومية امر تنزع اليه النفس الانسانية حسب فطرة الله التي فطر الناس عليها فكيف يحول الشارع بحكم بين النفس وما فطرت عليه وهذا غير التفجع لحادثة الموت نفسها حيث ان الموت هو قدر الله الماضي على جميع خلقه . وهذا يعبر عن جانب التفريط في القضية وهو امر لايتقبله منطق التاثير التاريخي . واما جانب الافراط فهو الذي يتعامل مع هذه القضية من خلال تضخيم بعض تفاصيلها استنادا الى روايات ضعيفة أو التركيز على جانب الماساة والمغالاة في تحريك العاطفة الانسانية ليتحول التعاطي معها الى حالة الانفعال العاطفي واهمال المحتوى العظيم والثر الذي يتصل بفلسفة هذه النهضة ودراسة ابعادها المتنوعة واستخلاص العبر والدروس منها واستنطاقها لتبقى الحادثة الملهمة على الدوام . وقد يصل هذا التركيز العاطفي الى درجة التعبير عن العاطفة وابراز التـفاعل مع المأساة بألوان واشكال من الممارسات التي تعطي صورة مشوهة عن الطريقة المعقولة في احياء الذكرى فتوجد انعكاسا سلبيا على الذكرى نفسها,بل يتسرب من خلالها الوهن الى القاعدة الفكرية التي تنطلق منها )).
من خلال هذا الطرح الشرعي يؤشر سماحته مكامن الخلل الذي اصاب ذكرى واقعة الطف / القضية من خلال ما رافقها من ممارسات هجينة عنها عملت بالضد مما اريد لذكرى تلك الواقعة على ان تبقى على مر التاريخ – بحسن نية او بدونها ، ولكنها بجهل مطبق - فكانت تلك الممارسات قد عملت على :
- تسطيح للقضية الاصل ومحدوديتها .
- محاولة نسيانها.
ومن ادوات ذلك :
- استنكار الموت – الحق الطبيعي والالهي – والجزع من الاستشهاد في سبيل قضية ما.
- المغالات في المأساة.
- صيرورة العاطفة الانسانية المسيطر عليها من قبل العقل الى انفعال عاطفي يعمي البصر والبصيرة عن كل شيء.
الكلمات الدلالية (Tags): لا يوجد إضافة/ تعديل الكلمات الدلالية
التصانيف
غير مصنف

التعليقات

  1. الصورة الرمزية داود سلمان الشويلي
    رسالة من صديق سائر ضمن حشود السائرين الى زيارة الأربعين

    كتابات - فيحاء السامرائي

    صديقتي البعيدة
    تحياتي

    أكتب اليك وأنا جالس في خيمة في الطريق الذاهب الى الحلة ، للوصول الى مدينة كربلاء، ضمن حشود السائرين الى زيارة أربعين الحسين، حيث مشيت لحد الان خمسين كيلومتراً ولم تتورم قدماي، لانني أرتدي حذاءً رياضياً جيداً (من صنع الكفار)، ولأنني أيضا، انتهيت للتو من جلسة مساج للقدمين (ريفلكسولوجي) متوفرة في كل محطة استراحة، مجاناً وبعدالة لكل الزوار، كما وانني انهيت أتيت على صحن (رز وقيمة)، حلّيت بعده بموزة وقنينتي عصير، وختمت كل ذلك الرفاه بقارورة مياه معدنية، دون أن يطالبني أحد بثمن كل ذلك، بل يقدم من يقدمون لنا حاجاتنا، وهم ممتنون، (راجعي ما تكتبيه في رسائلك اذن عن حالة فقر النفوس وشحة الطعام في العراق، وحتى عن النظافة، لانني سأستحم في المحطة اللآتية، وجهزّني الساهرون على المواكب بمنشفة وملابس داخلية قبل قليل)...أما عن الأمان فلا تخشي شيئاً، كل قوات الأمن واشرطة مستنفرة لخدمة الزائرين السائرين، وغدت مهمتها الوطنية الاولى، حماية المواكب والسهر على راحتها، حتى فكروا بتوسيع وتحديد شعارها، وجعله (الشرطة في خدمة الزوار من الشعب)...ولايمكنني وصف الخدمات الصحية التي نراها في كل استراحة، أو سيارات الاسعاف والكوادر الصحية، التي تركت خدمة المرضى والمراجعين من بقية الشعب، في سبيل مراعاة الزائرين السائرين، وخدمات ترتجي وزارة النفط بها ثواباً، فتوزع النفط الأبيض والغاز السائل على المواكب والطباخين، ولتوفير الطاقة لمولّدات مصاحبة للمواكب، وتتبعها خدمات وزارة الكهرباء، التي تقوم بتجهيز الطاقة الكهربائية للمدينة المقدسة، فتشع بالأنوار، ولا ينقطع الكهرباء عن ما يحمله الزوار والمواكب من (نشرات) ضوئية ومستلزمات التشابيه والمكبرات الصوتية، ( وحصوة في عين) الذي يشكو من انقطاع الكهرباء في بقية المدن...
    سأتصل بكِ قريباً ونتكلم على راحتنا، لأني حصلت على بطاقات موبايل ، بلغت لحد اللحظة، خمس بطاقات، وزّعوها علينا مجاناً...ربما أسمعك تسألين، وماذا عن التراب والعجاج؟...لا تخشي شيئاً، كل الصعاب ذللّها من أشرف على تنظيم تلك المواكب، نحن نسير على الطرق المعبّدة، وسيارات النقل العام والمسافرين تسلك الطرق الفرعية الترابية، لا يهمنا أمرهم...نحن الزوار أهم من الناس الآخرين.
    تقولين وعملك؟ لا أحد يا صديقتي موجود في الدوائر الرسمية، لأن اليوم عطلة رسمية، وحتى قبل أسبوع، وبعد أسبوع أيضاَ لايوجد دواماً في أغلب الدوائر والمدارس، اهتمام الكل منصبّ اليوم على الزيارة الأربعينية، أي انتاج وأي خدمات! هراء كلها إزاء الثواب...
    علمت من رسالتك الأخيرة بأن حمّى ما عندنا هنا، وصلتكم الى هناك، وصار بعض الناس من الجاليات في أوربا يضربون ظهورهم بالسلاسل، ويتطبرون في قاعات مغلقة، ويقومون بالتشابيه وطبخ القيمة والهريسة، وحتى يلطمون في (هايد بارك كورنر)، وأنا من كنت أظن بأن الكفار يمنعون من يقيم مثل تلك الشعائر على أرضه، وكنت أظن أيضاً أن رؤية من هم في الخارج مختلفة، لجوهر الدين الاسلامي، تكون باعتقادي أعمق وأشمل وأجدى من كل تلك الشعائر الحزينة والمنفسّة عن حزن، وأن بإمكان هؤلاء، إعلاء كلمة دينهم بين الأجانب، بعلمهم وسيرهم السبّاق والمطرد في دروب التحصيل العلمي والتفوق، ولكن هيهات، كنت مخطئاً...
    أكتب اليك الآن والكل يعتقد بأني أكتب قصيدة بالمناسبة، يسلّمون عليّ باحترام ويمضون، قلّة منهم يجيد القراءة والكتابة، وحتى من تعلّم، نسي أن يقرأ كتاباً منذ أيام الدراسة...يحْيون تلك المناسبات مع الآخرين، بحكم العادة والوجاهة الاجتماعية والقبول وسط الجماعة، أو حتى النفاق...مرّ الآن من أمامي بعض من الأصدقاء والمعارف، محسوبين على اليسار والعلمانية...ولا تستغربي لو علمتِ بأن هناك موكباً للصم والبكم، يحرّكون فيه أيديهم، ويتأتؤون بشعارات غير مفهومة (آآ آ أوو...آآ آ أوو)، لكنها بالتأكيد طافحة بحماسة وحب لأهل البيت...ويشير أحدهم قبل قليل بفخر لايضاهى، بأن حشود الزائرين من محافظات البلد ومن الدول العربية والإسلامية يتوقع أن تبلغ اليوم ما يقارب 15 مليون زائر وسائر...
    ستقولين، أنت َ آخر من كنت أتصوره ضمن تلك الحشود المليونية...لا تظلميني، لست من محبّي القيمة والتمن، ولا من شاربي الشاي الصيني، الذي وزعّه الموكب الصيني، ولا من يبحث عن ساعة راحة مع نساء، حضرن تلك المناسبة لأغراض أخرى غير الثواب وحب الحسين، ولا من يؤمن بأن الأجر والثواب يحصل بالمشي على القدمين وتعطيل العمل والدراسة، وإشغال أمن الدولة أو وحداتها الصحية، بل جئت لأرى: من هؤلاء الناس؟ كيف يفكرون وبماذا؟ هل يمكن أن أجد أستجابة من أحد وأناقشه بهدوء عن جدوى كل ذلك؟ وهل يساعدني أحد في زرع شتلات صغيرة وبذورجلبتها معي، أغرسها أو أرميها على جانبي الطريق او عند نقاط التفتيش، ليخضرّ البلد؟ هل يمكنني زرع بذرة رفض لتلك الممارسات، وبدون ضجيج وتبجح؟ هل اقدر أن أعلّم،أثناء سيرنا، أميّاً بسيط حروف الأبجديةالعربية ؟...جئت لأرى هل يتقبلون قولي حين أذكر لهم بأن إحياء تلك الطقوس والشعائر على طول أيام السنة تضرّ بهم، وتضرّ بلدهم الذي يحتاج الى كل السواعد والجهود لإسعافه ونهوضه؟ أهمس لهم بان الثائر الحسين ضحّى بنفسه من أجل مبادئ ترمي لنصرة ناسه وأرضه، وهم بعملهم هذا يخذلون ناسهم وأرضهم، بجهلهم، وبطرق خاطئة يعبّرون فيها عن حبهم لرمز ثوري، ينأى عن مظاهر تسيب وإهدار طاقات، كان بامكانها أن تبني وتعمر، وتلم كل القاذروت والقمامة التي ستدفن بغداد والمدن، وتجلب الأوبئة لو بقيت دون اتلاف...نعم أحب الحسين لكن بطريقتي الخاصة التي أريد أن أخبركم يا ناسي وشعبي بها، فلو تحقق رهان من راهن من مستفيدين وسياسي هذا الزمن، على أن الزوار سيدخلون موسوعة غينس بأعدادهم المليونية في السنة القادمة، فاننا في الوقت الذي ندخل فيه هذه الموسوعة، سنكون قد خرجنا من مفهوم الدولة المعاصرة.
    وقت الاستراحة انتهى وعليّ ان أسير مع السائرين رغم أن دربينا مختلفين في نهايتيهما...
    أختم رسالتي بالأماني والأمل، عسى أن يدرك الجميع ما فيه الخير والصلاح لهذا البلد الحبيب.
    احرصي على التواصل
    صديقك المخلص
    فلان العراقي
  2. الصورة الرمزية داود سلمان الشويلي
    وصل المقال اعلاه على بريدي الشخصي من المفكر الاسلامي احمد الكاتب
كتابة تعليق كتابة تعليق