ذكرى واقعة الطف ومفهوم الشعائر الحسينية- من وجهة نظر شرعية للامام الشيخ حسين المؤيد -
بواسطة
, 15/12/2010 عند 09:41 AM (2806 المشاهدات)
ذكرى واقعة الطف ومفهوم الشعائر الحسينية
من وجهة نظر شرعية للامام الشيخ حسين المؤيد - ج1
داود سلمان الشويلي
(( ليس منا من شق الجيوب ولطم الخدود ودعى بدعوى الجاهلية )).
(( تدمع العين ، ويحزن القلب ، ولا نقول ما يسخط الرب )).
الرسول الاعظم (ص)
بداية علينا ان نؤكد على مسلمات انسانية ، وهي مسلمات اخلاقية قيمية متعارف عليها انسانيا ، اولها : ان الظلم حالة غير انسانية.
وثانيها : ان الوقوف بوجه الظالمين حق تكفله الشرائع الانسانية منذ بداية وجود الظالمين عبر التاريخ.
وثالثها : هو تمجيد هذا الواقف بوجه الظالم والظالمين .
اما على المستوى الديني – الدين الالهي لا الفكر الديني – (1) فقد جسد الدين تلك المسلمات الانسانية من خلال تقنينها وتشريعها ضمن البنية الدينية الالهية المنزلة.
ووقفة الامام الحسين بن علي ضد ظلم يزيد بن معاوية وما يمثله كملك من ملوك الدولة الاموية (2)، لا تخرج من تلك المسلمات الانسانية والدينية كذلك ،فهي وقفة او نهضة او ثورة ضد الظلم والظالمين – مهما كان نوع هذا الظلم ومن قام به – ، وتمجيد الامام الحسين من قبل المسلمين كافة والانسانية ايضا هو حق انساني وشرعي ، بل هو من المسلمات التي يعاب عليها أي مجتمع عند نسيانها او تناسيها .
في هذه السطور لا نريد ان ننتج قولا تم انتاجه قبلنا الاف المرات عن واقعة الطف ، الواقعة التي وقف فيها الامام الحسين واهل بيته وصحابته امام جيش الظلم والظالمين ، انما هدفنا هو استنطاق رأي فقهاء ومراجع الشيعة عما يرافق ذكرى التمجيد من ممارسات ( كاللطم وضرب الرؤوس بالسيوف والقامات ، وضرب الظهور بالسلاسل )اطلق عليها خطأ مصطلح الشعائر الدينية ، او الاسلامية ، او الحسينية ، وراحت مكبرات الصوت في الجوامع والحسينيات والمساجد تصدح بالاية القرآنية ((ذلك ومن يعظم شعائر الله فإنها من تقوى القلوب)) [الحج -32 ]. عادين تلك الممارسات شعائر الهية.
ان الفقيه والمرجع الشيعي الجعفري الذي ستستنطق سطورنا رأيه الشرعي في الممارسات المرافقة للاحتفال بالذكرى السنوبة لواقعة الطف ، هو الامام الشيخ حسين المؤيد ، علما ان سماحته لم يخرج عن الرأي الشرعي للكثير من شيوخ المذهب الذين تصدوا لتلك الممارسات لتنزيه المناسبة مما يشينها من امور هي غريبة عنها وعن الفكر الاسلامي والعربي خاصة. (3)
***
بداية يقول سماحته عن واقعة الطف : ((لاشك في ان نهضة الامام الحسين عليه السلام لم تكن حدثا تاريخيا عابرا أو واقعة مأساوية كسائر الوقائع العادية التي تحفل بها الازمنة, وانما كانت واقعة من اهم الوقائع الكبرى التي يهتز لها الوجدان الانساني وتطبع بصماتها على الناس . وقلما يظفر المتأمل في سجل التاريخ بحادثة كحادثة كربلاء , وقضية كقضية أبي الاحرار الامام الحسين عليه السلام في اثارتها للوجدان الجماهيري وتحريكها للعاطفة الانسانية بصورة مستمرة وبالزخم نفسه الذي زلزلت به ساحة الاحداث في المقطع الذي وقعت فيه تلك الملحمة الخالدة التي ترائت للناس اسطورة في ماعرضته من مشاهد وسطرته من معاني وخلفته من آثار . وقد خلقت هذه الحادثة قاعدة جماهيرية متصلة تبنتها وتعهدت بالنضال في سبيلها هدفا وفكرا ومنهجا ورصيدا وعملا ،وكان لهذا الامر دوره في ادامة هذه القضية وترسيخها في الالباب والقلوب ، انها ظاهرة تناغم أخاذ بين هذه القضية التي توقد بحرارتها النفوس فتطفق تعبر عما يجول فيها من رؤى ومشاعر وبين هذه النفوس التي جندت لأداء وظيفتها ازاء هذه القضية كالزيت يحترق بالنار فيمونها لتبقى شعلتها ملتهبة وملهبة مادام له وجود . ))
وفي الوقت نفسه ، يعرض سماحته ما تعرضت اليه ذكرى الواقعة عبر التاريخ من ممارسات غير صحيحة لا شرعا ولا قيميا ولا اخلاقيا.
يقول سماحته : ((وقد تعرٌضت هذه القضية لافراط وتفريط ، أما التفريط فهو المحاولات غير المبررة لجعلها من الحوادث التأريخية العادية أو شبه العادية واعطائها طابعا محدودا وتسطيحها ، فضلا عن محاولات انسائها واقتلاعها من سجل الذكريات ، بل منع البعض من اظهار الحزن والبكاء وانشاد المراثي مدخلا لها في الجانب الشخصي للقضية وكانها من قبيل التفجع على موت انسان مع انها ليست كذلك جزما ,فان الحزن والبكاء والرثاء لاجل المظلومية امر تنزع اليه النفس الانسانية حسب فطرة الله التي فطر الناس عليها فكيف يحول الشارع بحكم بين النفس وما فطرت عليه وهذا غير التفجع لحادثة الموت نفسها حيث ان الموت هو قدر الله الماضي على جميع خلقه . وهذا يعبر عن جانب التفريط في القضية وهو امر لايتقبله منطق التاثير التاريخي . واما جانب الافراط فهو الذي يتعامل مع هذه القضية من خلال تضخيم بعض تفاصيلها استنادا الى روايات ضعيفة أو التركيز على جانب الماساة والمغالاة في تحريك العاطفة الانسانية ليتحول التعاطي معها الى حالة الانفعال العاطفي واهمال المحتوى العظيم والثر الذي يتصل بفلسفة هذه النهضة ودراسة ابعادها المتنوعة واستخلاص العبر والدروس منها واستنطاقها لتبقى الحادثة الملهمة على الدوام . وقد يصل هذا التركيز العاطفي الى درجة التعبير عن العاطفة وابراز التـفاعل مع المأساة بألوان واشكال من الممارسات التي تعطي صورة مشوهة عن الطريقة المعقولة في احياء الذكرى فتوجد انعكاسا سلبيا على الذكرى نفسها,بل يتسرب من خلالها الوهن الى القاعدة الفكرية التي تنطلق منها )).
من خلال هذا الطرح الشرعي يؤشر سماحته مكامن الخلل الذي اصاب ذكرى واقعة الطف / القضية من خلال ما رافقها من ممارسات هجينة عنها عملت بالضد مما اريد لذكرى تلك الواقعة على ان تبقى على مر التاريخ – بحسن نية او بدونها ، ولكنها بجهل مطبق - فكانت تلك الممارسات قد عملت على :
- تسطيح للقضية الاصل ومحدوديتها .
- محاولة نسيانها.
ومن ادوات ذلك :
- استنكار الموت – الحق الطبيعي والالهي – والجزع من الاستشهاد في سبيل قضية ما.
- المغالات في المأساة.
- صيرورة العاطفة الانسانية المسيطر عليها من قبل العقل الى انفعال عاطفي يعمي البصر والبصيرة عن كل شيء.