مشاهدة تغذيات RSS

مروان قدري عثمان مكانسي

عد إلى صمتك

تقييم هذا المقال
[font= DecoType Naskh]
[SIZE="5"][COLOR="black"][CENTER]

[COLOR="red"][SIZE="6"]عُدْ إلى صمتك[/SIZE][/COLOR]

خرجت عن صمتي البارحة ، وخلعت رداءه ، وارتديت مِزق المتكلمين حتى لا أغدو نكرة بينهم ، وانخرطت في ميادينهم لأسمع ما يخوضون فيه من موضوعات وأحاديث قد تعود علي بالفائدة ، وقررت لحظتها إنْ أنا رجعت منهم بما يُرتجى ، أن أعترف بخطئي على رؤوس الأشهاد ، وأن أهجر الصمت والاعتزال ، وأذوب في بوتقة المتحدثين حتى أصبح في مقدمتهم .

وهبطت إلى عيِّنات بشرية لها وزنها وحجمها في أسواق الحياة :

كانت المجموعة الأولى تتحدث عن الكرة وفرسانها والمنتخبات العربية والأوربية والأهداف الساخنة والباردة والفاترة والحامية و... ونزاهة الحكام أو محاباتهم ، ورشاقة اللاعبين ولياقاتهم ، وخبرة المدربين وضعفهم ، وحصاد الملاعب والأندية .... قلت : ليس لك يا مروان مأرب في هذا النادي ، فأنت لا تفقه في الكرة سوى دحرجتها عشوائيا في الحواري القديمة أيام الشباب ، تحول إلى نادٍ آخر ، لعلك تجد مبتغاك .

تحولت إلى المجموعة الثانية فإذا بهم يتحدثون عن أحدث الأغاني و الكلابات ، ويذكرون مناقب المطربين والمطربات الأحياء منهم والأموات ، ويرفعون مسخاً إلى أعلى الدرجات ، ويهبطون بآخر إلى أسفل الدركات . رأيت في هذيانهم ما يدفع إلى الغثيان والاشمئزاز ، فخرجت من ناديهم مهرولاً إلى نادٍ آخر .

في النادي الثالث كان القوم يتحدثون عن ضعف الدولار أمام اليورو ، والسلع التي يمكن أن تطير في الأسواق طيراناً ، وتلك التي تكسد ولا تجد لها رواجاً ، كما سمعتهم يتحدثون عن سعر الذهب الذي يصرُّ على الارتفاع صعداً ولا يفكر في الهبوط أبدا ، والعقارات التي بات ثمنها ضرباً من ضروب الخيال و ... قلت : مالك وما لهؤلاء وأنت تخطئ في عدِّ الدريهمات التي في محفظتك البالية ، غادرهم إلى غيرهم بسرعة قبل أن يسيل لعابك .

المجموعة الرابعة كانت تئنُّ وتلطم من غلاء الأسعار وندرة المستلزمات الضرورية للحياة ، وسعي السواد الأعظم من البرية في الجري وراء لقمة العيش ، والبحث عن مصادر إضافية لتحسين الدخل ولو كلفهم ذلك ترك عائلاتهم والغياب عنها مدة تصل إلى العشرين ساعة في اليوم ... غادرتهم وأنا أحس بآلامهم وبحثت عن غيرهم .

رأيت مجموعة صغيرة منزوية في ركن الحياة تتهامس بشيء من الخوف والفزع عن واقع الأمة وما يجري لها على يد أعدائها في غزة والعراق و .... قلت : هذا ما سعيت له ، دنوت منهم وسلمت عليهم وتنحنحت لأشاركهم حديثهم ، فإذا بهم يرمقونني بنظراتهم ، ويتلاشون من أمامي كما يتلاشى الدخان في الهواء ، وقد ظنوا فيَّ – على ما يبدو – ظن السوء .

حرت في أمري ، وضربت أخماساً بأسداس ، فانبرى صوت من أعماقي قائلاً : عد إلى صمتك فذاك أجدى , وأبقى ، وأنقى ، وأتقى [/CENTER][/COLOR][/SIZE]


[/font]
الكلمات الدلالية (Tags): لا يوجد إضافة/ تعديل الكلمات الدلالية
التصانيف
غير مصنف

التعليقات

كتابة تعليق كتابة تعليق