مشاهدة تغذيات RSS

طارق شفيق حقي

الإعلام و ألعاب ما بعد الحداثة "قناة الجزيرة نموذجاً"

تقييم هذا المقال
الإعلام و ألعاب ما بعد الحداثة قناة الجزيرة نموذجاً

طارق شفيق حقي

- شكلت مرحلة ما بعد الحداثة لدى الغرب مرحلة عصيبة انعكست على العالم بأسره ، وهناك إشارات واضحة أن هيمنة ثقافة ما بعد الحداثة في حالة ضعف مستمر في الغرب ، وتتمتع هذه الحالة التي سادت في الغرب منذ 1970 بعدة مفاهيم متضاربة وقيم متصارعة ، ولعل كثيراً من المفكرين لا يجد فرقاً بين "الحداثة" ( modernismأو المعاصرة أو الحداثية أو الحداثوية) وما بعد الحداثة.

- والحداثة كمصطلح : حركة تجديد في أوربا الغربية في حقول الانتاج والأفكار وأنماط الحياة والحكم والفن خرجت على جمود سنوات العصور الوسطى ، وأعلنت القطيعة مع ماضيها والتخلي عن موروث أوربا الفكري والديني وأعلنت الحرب ضد الفكر الميتافيزيقي ، وبشكل أكثر دقة يعتبر النصف الثاني من القرن الثامن عشر والنصف الثاني من القرن العشرين هي مرحلة الحداثة.

- ونتيجة تلمس المراقبين تغير أساليب الحداثة وظهور عدة مميزات جديدة في حالة السلوك الفكري، قام بعض المفكرين بالإعلان عن حالة ما بعد الحداثية والتي تميزت بصفات ومصطلحات خاصة بها مثل : الاستلاب والانتقائية والتلفيقية والانطوائية و انفصام الشخصية والتفكيكية والذاتية والفوضوية والكولاج اليأس و العصاب والصراع والانتحار والموت البطيء.... واللعب والألعاب اللغوية.
- ونحن في هذا المقال سنتناول " الألعاب اللغوية" والتي تعمل محركات الإعلام على تسويقها وإغواء الناس بها.
- ولا بد أن نشير أن هذه الألعاب اللغوية انتقلت من حقول الاقتصاد إلى الأدب إلى الفنون إلى الإعلام، فعلى سبيل المثال لم يعد منتج " الشامبو" لتنظيف الشعر ولمعانه وإزالة القشرة، بل أصبح يولد السعادة و قوة الشخصية ويضيف المرح للحياة وهو عالم من الخيال والمتعة، وأصبح يعمل كالخطابة للبنات فهو سر انجذاب الرجال للنساء وحلم كل فتاة مراهقة، وهذه الألعاب اللغوية أصبحت تنمو في فضاء الخيال بعيداً عن المنتج في شكل تضليلي إغوائي في ظل انفتاح القنوات وعدم تدخل السلطة في عمل الشركات الرأسمالية ، وقد يظن الإنسان أن هذه المنتجات الكثيرة هي لشركات كثيرة في دول عديدة ثم لو تابع بدقة لعرف أن أغلبها ينتج في مجموعة اقتصادية أمريكية واحدة .
- تناضل القنوات الإعلامية لإبداع أشكال اختزالية من الجمل والعبارات لها سحرها وتأثيرها في المتلقي ، وتختفي تحت هذه الكلمات وتدافع عن نفسها بهذه الحجج، فقناة الجزيرة كان شعارها " حياد - موضوعية " لكن كيف هو شكل هذا الحياد ونوعه ، وكيف يمكن لقناة عربية من دولة عربية أن تكون محايدة في قضية عربية ، وكيف هي الموضوعية هل تعني أن نستمع لرأي العدو الصهيوني الآخر ونسمع حجته ثم تنتهي المسرحية بأن تقوم المذيعة خديجة بن قنة بانتقاد الرأي الآخر ( الجريمة والمجزرة ) أو أن لا تقدم له الشكر كما تقدمه للطرف العربي ؟؟
- لقد استطاعت الجزيرة تحت ستار هذه اللعبة اللغوية أن تدخل الصهاينة إلى كل منزل عربي في عملية أنسنة الصهيوني بجعله طرفاً آخر ورأياً آخر ثم تحولت قضية بيت المقدس إلى مجرد اختلاف وجهات نظر، بينما حقيقة هذا الرأي مجازر بحق الأطفال والنساء وجرائم إنسانية لم يشهد له التاريخ بأسره.
- ثم قامت الجزيرة بعد ذلك بتغير هذا الشعار ، إلى لعبة لغوية هرباً من ثغرات الشعار القديم ومثل ذلك " الرأي والرأي الآخر".
- أثناء حرب تموز أطلقت الجزيرة لعبة لغوية جديدة وهي " لبنان تحت القصف" في شكل ترويعي للمشاهد بضخامة وعظم الكارثة التي ستحل بلبنان ، في شكل لتوليد ظلال لا واعية تلعب على نفسية المتلقي وتأزمه ، وقد كتبت يومها في موقع أسواق المربد والكلام لازال موجوداً : لماذا لا تكتب قناة الجزيرة من باب الحياد والموضوعية جملة مرادفة وهي " إسرائيل تحت القصف" فإذا كان لبنان يومها محاصراً من الجو والبحر ، فلقد كانت صواريخ المقاومة الإسلامية اللبنانية تمطر على كل أرجاء إسرائيل بشكل تراتبي موسيقي منظم ، استطاع بلحنه العسكري أن يعزف ألحان الخوف والارتباك في قلوب الصهاينة، وقد قلت - والكلام مسجل- في منتصف الحرب وكل القنوات الإعلامية تراهن على مسح حزب الله واقتلاعه من جذوره ، قلت ستقوم قناة الجزيرة بعد أن ينتصر المقاومون بالتهليل والزغردة لهم، وحين انقلبت الموازين وانكشفت الصورة وقاربت الحرب على وضع أوزارها ، قامت قناة الجزيرة بتغير لعبتها اللغوية إلى جملة مختلفة الظلال " الحرب السادسة" ، ثم بعد أن انتهت الحرب هرع "بن جدو" لحدود فلسطين ليعلن النصر في مشهد مهيب ولعبة إعلامية مفضوحة.

- ما بعد حرب لبنان فرض على الإعلام مراجعة لأساليبه ، فشهر من التغطية الإعلامية لقناة معقدة كقناة الجزيرة يعد زمناً طويلاً و مرحلة يجب الاستفادة من ثغراتها .
- ومن الألعاب اللغوية التي تسوق لها قناة الجزيرة في طيات نشراتها وبرامجها :
- الحرب ضد الإرهاب : لعبة لغوية صنعتها أمريكا وصدرتها لتستخدمها كل الحكومات العربية ، كغطاء لمحاربة الإسلام وتفريغ الجيوب الإسلامية ، ثم بدأت لعبة تصنيع الجماعات المتشددة ومحاربتهم إعلامياً ، كأنها لعبة عسكرية ، فترسل هذه الجماعات للجزيرة تيوب الصور التذكارية التي تم التقاطها بالأذقن الطويلة والكلاشنكوف ، وتغمض أعين التقانات الأمريكية في الفضاء، حتى تدفع الحكومات العربية بالاتفاق أم بالخداع لمحاربة طاحونة الإرهاب وترويع المسلمين عامة ، وهذه المرحلة هي مرحلة جديدة مرنة من الحملات الصليبية ، فبعيد أن صرح بوش الابن عقب ضرب برجي التجارة العالميين بأن الحروب الصليبية قد عادت ، عاد وأكد محبته للإسلام والمسلمين، ثم أعلن لعبته اللغوية الخادعة "الحرب ضد الإرهاب"، وهذا من باب تحريف الكلم عن مواضعه وله جذور تراثية تاريخية بحاجة لدرس وربط.

نهاية التاريخ : لعبة لغوية من ألعاب " فرانسيس فوكو ياما" قائلاً إن نهاية تاريخ الاضطهاد والنظم الشمولية قد ولى وانتهى إلى دون رجعة مع انتهاء الحرب الباردة وهدم سور برلين، لتحل محله الليبرالية وقيم الديمقراطية الغربية. وقد أضاف وشرح فوكوياما نظريته المثيرة للجدل في كتاب أصدره عام 1992 بعنوان "نهاية التاريخ والإنسان الأخير"

وقد قصد فوكوياما أن يعارض فكرة نهاية التاريخ في نظرية كارل ماركس الشهيرة "المادية التاريخية"، والتي اعتبر فيها أن نهاية تاريخ الاضهاد الإنساني سينتهي عندما تزول الفروق بين الطبقات. كما تأثر فوكوياما في بناء نظريته بأراء الفيلسوف الشهير هيغل واستاذه الفيلسوف ألن بلوم، حيث ربط كلاهما بين نهاية تاريخ الاضهاد الإنساني واستقرار نظام السوق الحرة في الديمقراطيات الغربية ( موسوعة ويكابيديا) وفوكوياما هو ذاته قد دعا هو ورفاقه الرئيس الأأميركي السابق بيل كلينتون إلى ضرورة التخلص من نظام الرئيس العراقي السابق صدام حسين. وقد وقع على خطاب مماثل وجه إلى الرئيس بوش في أعقاب هجمات 11 سبتمبر، حتى وإن لم توجد ما يربط نظام صدام بمنفذي الهجمات. وكان فوكوياما خلال تلك الفترة مؤمنا بضرورة التخلص من الأنظمة الاستبدادية بالقوة خاصة في حالة الشرق الأوسط. ، و فكرة نهاية التاريخ والقرن الأمريكي وما يشابه الحلم الأمريكي الذي تريد أمريكا عولمتها في فكرة الحلم النهاية هي فكرة تحاول أن تتجاوز
فكر ابن خلدون في وصفه لمراحل نمو الحضارات وضعفها ، فيقوم فكر فرانسيس على لعبة لغوية تتجاوز توصيف ابن خلدون لغوياً لا فكرياً، ثم يقوم بالبحث عن تنظير ينطلق من لعبته ، ثم رغم أن حرض المحافظين على غزو العراق تراجع بعدها وأعلن خطأ رأيه ذلك وكأنها لعبة أخرى، وقد قامت أكثر من شخصية سياسية يهودية أمريكة باللعب السياسي في شكل من أشكال الإدعاء الزائف بالخطأ والتراجع وتحميل الآخر تبعات الحرب.

- تمديد تجميد الاستيطان : من المصطلحات التي يسوق لها الإعلام اليوم ، وهذه الألعاب اللغوية تعبر عن ألعاب سياسة ودراما يمثلها نجوم من هوليود البيت الأبيض وبعض الكمبارس من ساسة المنطقة العربية ، فغدت قضية بيت المقدس مختزلة في لعبة لغوية يضحك بها على الذقون ، ويتم التفاوض مع الصهاينة على تمديد تجميد الاستيطان، فعملية السلام برمتها لعبة سياسية يقتات عليها ساسة البيت الأبيض والكيان الصهيوني، و" في عام 1982 صرح متيتياهو دروبلس ( رئيس قسم الاستيطان السابق في الوكالة اليهودية) أن عدد المستوطنين الصهاينة سيصل إلى 100 ألف في الضفة الغربية عام 1987 وبحلول عام 2010 سيبلغ مليون وربع يهودي ، ونشر الخبر بحذافيره في كثير من الصحف العربية وزينت المعلومة صفحاتها وعناوينها الرئيسية. ولكن بحلول عام 1987 لم يكن عدد المستوطنين قد تجاوز 50-60 ألفاً ، أي أن نبوءة دروبلس أو مخططه فشلت تماماً ! ومع هذا صرح هذا المسئول الصهيوني نفسه في ذلك العام 1987 بأن هناك خطة مدروسة لزيادة عدد المستوطنين اليهود في الضفة الغربية وغزة لتبلغ نسبتهم 40 بالمائة من مجموع عدد السكان العرب في نهاية القرن الحالي أي 600 ألف مستوطن ، ثم أشار إلى أن هذه الخطة تفترض هجرة مليون ونصف مليون يهودي من الاتحاد السوفيتي ، ثم عادت الصحف العربية لتنشر هذا الخبر في عناوين صفحاتها الرئيسية ، دون أن تراجع أطروحات وأكاذيب دروبلس"( دفاع عن الإنسان – عبد الوهاب المسيري) ، فمن متيتياهو عام 1982 إلى نتنياهو 2010 ماذا تغير في الخطاب الوهمي الإسرائيلي مقارنة مع الواقع الحقيقي، فكم من اليهود اليوم يستوطنون في غزة المحررة. وما أعداد المهاجرين من الكيان الصهيوني بعد حرب تموز، تبقى هذه الأسئلة برسم الاستفسار.

- ما بعد بعد حيفا : الجملة الشهيرة للسيد حسن نصر الله التي أطلقها أثناء حرب تموز ، وقد جاءت رداً على ألعاب الصهاينة اللغوية وكان لها وقعها في الإعلام خاصة الإعلام الذي يسوق لهذه الألعاب ويتعامل معها وكأنها أغوت من يعمل على إغواء متابعي الإعلام وهي لعبة لغوية رداً على لعبة لغوية.

- ما بعد السلام : عقد مؤتمر ما بعد السلام في غرناطة تحت عنوان " ما بعد السلام" وهو بهذا الشكل الاختزالي يرسخ لحقيقة واقعية السلام وفرضه بشكله اللغوي إعلامياً ، فما شكل هذا السلام بعد حرب تموز وحرب غزة.

- هل هناك مرحلة جديدة اسمها ما بعد الصناعة أو ما بعد الحداثة أو ما بعد الفن، أم أن كلمة " ما بعد " هي كذلك لعبة لغوية من ألعاب ما بعد الحداثة، يقول رايموند وليامس بعد أن يرفض الحداثة كحالة سليمة بأن ما بعد الحداثة هي نفسها قناع لحجب التحولات المستجدة الأكثر عمقاً في ثقافة الرأسمالية العالمية ( حالة ما بعد الحداثة – ديفيد هارفي ).

- وهذا يذكرنا بألعاب بوش الابن حين هبط من السماء كمخلص على ظهر البارجة الأمريكية في شكل تزيفي متجاوزاً ما سيحدث مقرباً المستقبل الذي يحلم بشكل تعسفي ليعلن : " GAME OVER "

- والسؤال الذي يدور في الأذهان كيف استطاعت ألعاب ما بعد الحداثة أن تنجح في التأثير في العالم بأسره ، لعلنا نقول أنه استخفاف أمريكا بالعقول ، قال تعالى : فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطَاعُوهُ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا فَاسِقِينَ 54 الزخرف


30/9/2010

تم تحديثة 03/10/2010 في 03:34 PM بواسطة طارق شفيق حقي

الكلمات الدلالية (Tags): لا يوجد إضافة/ تعديل الكلمات الدلالية
التصانيف
دراسات

التعليقات

كتابة تعليق كتابة تعليق

Trackbacks