مشاهدة تغذيات RSS

داود سلمان الشويلي

الانسان في فكر الامام الشيخ حسين المؤيد

تقييم هذا المقال
الانسان في فكر الامام الشيخ حسين المؤيد

(الانسان بين المدرسة الربانية والمدرسة الوضعية)(*)

داود سلمان الشويلي
قبل كل شيء يضع سماحة الامام الشيخ حسين المؤيد ، الانسان في حالة مقارنة بين التصور الالهي له وبين التصور الوضعي ، للمدارس الفكرية ذات المنشأ البشري، ومدركا بصورة واعية الى ان التصورين (الالهي والبشري) ليسا بالضرورة متطابقين ((قد تتطابق في بعض جوانبها ونقاطها وتختلف في نقاط أخرى بدرجات متفاوتة من الاختلاف. بعض هذه المدارس لها مساحات مشتركة في تصورها عن الإنسان مع المدرسة الإلهية هذه المساحة قد تتسع من مدرسة إلى أخرى وهناك مدارس فكرية تختلف تماما مع النظرة الربانية للإنسان)).
ولان الانسان يتميز بعاملين أساسيين ، كما يقول سماحته:
العامل الأول: عامل الوعي والتعقل .
والعامل الثاني: عامل الإرادة.
فمن حيث التصور الالهي ، فجميع الاديان السماوية عند سماحته تنظر الى الانسان والانسانية نظرة واحدة ، بعيدا عن فكرها الذي نشأ بعد مرحلة البعثة النبوية لكل دين ، أي بعد جفاف النبع الاول ، وبداية سيل النهر الجارف لكل شيء امامه.
يقول سماحته ، معتمدا على القرآن الكريم ، ان الله سبحانه قد كرم الانسانية عندما قال تعالى: (كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ).
اذن ، فالبشرية / الانسانية كلهم مكرمون عند الله سبحانه.
اما الانسان فقد كرمه في الكثير من الايات الكريمة ، يذكر منها سماحته:
- (( والأرضَ وَضَعَهَا للأنام))
- ((هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً ))
-(( أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا خَلَقْنَا لَهُمْ مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينَا أَنْعَاماً فَهُمْ لــَهَا مَالِكُون)) .
- (( وَهُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلائِفَ الْأَرْضِ وَرَفَعَ بَعْضَكُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُمْ))
فالانسانية مكرمة عند الله ، الا ان الانسان ، فهو بين بين ، ويورد سماحته هذا البين بين ، أي حالة التفاضل بين الناس عند الله .
يقول سماحته : (( أن هناك معايير في التفاضل وهذه المعايير قائمة على أساس الطاعة والمعصية)).
هذا هو المعيار في التفاضل الالهي ، الطاعة والمعصية ، أي – كما يقول سماحته - الفضيلة والرذيلة.
يقول سماحته عن الطاعة والمعصية : (( قيمة الإنسان لا تكون مستمدة في الأصل من طاعته لله ومن معصيته له فالله غني عن طاعة المطيعين، لا تنفعه طاعة من أطاعه ولا تضره معصية من عصاه وإنما الطاعة والمعصية معياران من معايير الفضيلة والرذيلة، أما أن يكون الإنسان ملتزماً بالفضائل وإذا التزم بالفضائل سيكون مطيعاً بلا ريب يكون مطيعا وإما أن ينحدر ويتشبث بالرذائل فيكون عاصيا، فالمعيار أيضاً هو الفضيلة والرذيلة وهو معيار موضوعي لا على أساس الطاعة والمعصية، الطاعة والمعصية تعبيران دينيان ولكن لهما رمزية، فالطاعة ترمز إلى الفضيلة والتمسك بالفضيلة والمعصية ترمز إلى التشبث بالرذيلة فإذاً هناك معياران موضوعيان في هذه القضية)).
هكذا يخرج بنا سماحته الى فضاءات بعيدة عن الفضاءات التي ارادنا الفكر الديني التقليدي– لكل الاديان – ان نفهم معاني الطاعة والمعصية ، على انهما طاعة ومعصية مباشرة لله ، اما غير ذلك ، فليس بالمهم .
هذه الافكار الجديدة عن الطاعة والمعصية التي يقول بها سماحته ، تقف بالضد من الفكر الديني التقليدي الذي دفع بالانسان المسلم خاصة الى الكسل ، والتواكل ، والخنوع ، والوقوع بالرذيلة.
فكثيرا ما نجد رجالا يؤدون الفرائض على كافة انواعها ، وهم غاطسون في الرذيلة بأشكالها المتنوعة ، كذابون ، مخادعون ، سارقون ، اكلي المال الحرام ...الخ، وعلى الرغم من ذلك لهم القدرة على اقناع البعض من جهلة الناس – من خلال المسبحة السوداء واللحية الطويلة والعمامة بألوانها العديدة - على انهم يخافون الله .
ان الطاعة لله ليست فقط اداء الفرائض ، انما طاعته سبحانه تأتي من استقامة الانسان في حياته ، ومن ثم ادائه للفرائض.
قال تعالى :
بسم الله الرحمن الرحيم
((اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ * خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ * اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ * الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ * عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ * كَلَّا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَيَطْغَى * أَنْ رَآَهُ اسْتَغْنَى * إِنَّ إِلَى رَبِّكَ الرُّجْعَى * أَرَأَيْتَ الَّذِي يَنْهَى * عَبْدًا إِذَا صَلَّى * أَرَأَيْتَ إِنْ كَانَ عَلَى الْهُدَى * أَوْ أَمَرَ بِالتَّقْوَى * أَرَأَيْتَ إِنْ كَذَّبَ وَتَوَلَّى * أَلَمْ يَعْلَمْ بِأَنَّ اللَّهَ يَرَى * كَلَّا لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ لَنَسْفَعَنْ بِالنَّاصِيَةِ * نَاصِيَةٍ كَاذِبَةٍ خَاطِئَةٍ * فَلْيَدْعُ نَادِيَهُ * سَنَدْعُ الزَّبَانِيَةَ * كَلَّا لَا تُطِعْهُ وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ)). (العلق:1 - 19)
لقد وضع الله العبادة (اسجد واقترب) بعد الحصول على العلم وبعد ذكرالصفات غير السوية للانسان .
ان المدرسة الربانية – كما يسميها سماحته – يجدها متفوقة على كافة المدارس الفكرية الوضعية في نظرتها للانسان والانسانية ، من حيث :
1 - أن الإنسان والإنسانية بوجودها ألمجموعي هي المحور الأساس للكون كله في المدرسة الإسلامية.
2 - جعل الإنسان محوراً للتشريع، مئة وأربعة وعشرون ألف نبي كلّ هؤلاء من أجل الإنسانية ، إرسال الرسل، إنزال الكتب، الاهتمام التشريعي والتقنيني بالإنسان يجعل من الإنسانية محوراً للتشريع وهذه أيضاً قيمة كبرى تمنحها المدرسة الربانية للإنسانية كلها حينما تحتضنها تشريعاً .
3 - الإنسان محور لفيوضات الله ورحمته العامّة والخاصة والهدف الأساسي لله سبحانه وتعالى هو إيصال هذا الإنسان إلى مرتبة الكمال وتحقيق سعادته في الدنيا وفي الآخرة، هذا هو هدف الله بالنسبة للإنسان.
4 - الدور الذي أعطي للإنسانية دور خلافة الله سبحانه وتعالى على الأرض وهذا دور مهم وجليل وخطير، (...) فمعنى ذلك أن هذه الإنسانية هي الممثلة والنائبة عن الله سبحانه وتعالى.
هذا ما منحته المدرسة الربانية للانسان والانسانية ، اما مدارس الفكر البشرية، فقد سلبت الانسانية قيمتها ، والانسان انسانيته.
***
اما من حيث التصور الوضعي ، البشري ،أي التصور الفكري للانسانية والانسان ، يرى سماحته ان الصورة تختلف .
يقول : (( أن أي منظومة فكرية يبنيها الإنسان سواء من خلال التأمل والتعمق في التفكير أو من خلال إيحاءات الواقع المعاش أو من خلال التجربة العملية التي تنضج أفكار الإنسان كل هذه الأفكار تبقى افكاراً محدودة غير مستوعبة وتكون النتائج نتائج هذه الأفكار ايضاً تكون نتائج محدودة ونتائج تجزيئية)). (1)
انها نابعة من الواقع من خلال تفاعل الانسان مع واقعه ((تأثير ذلك الواقع في صياغة هذا الفكر الإنساني بحيث يكون هذا الفكر الإنساني فكراً منفعلاً بالواقع حينما يكون هذا الفكر منفعلاً بالواقع يصاب بمشاكل كبيرة)).(2)
هذه المدارس على سبيل المثال: الماركسية ، والرأسمالية ، والعلمانية ،والديمقراطية ، والوجودية.
والتي منها من : ((غالت في الإنسان وحاولت أن تعطيه قيمة كاذبة)).
و منها من: ((تحتقر هذا الإنسان وتقلل من قيمته وتنزل بهذا الإنسان إلى مستويات متدنية جداً)).
ويقول سماحته عن النوع الاول انها : (( اعتمدت سبيل الديماغوجية في المزايدة بالنسبة إلى قيمة الإنسان تعطي للإنسان من جهة قيمة عالية لكنها قيمة تخرج هذا الإنسان عن حد الإنسانية وعن الدور الذي يجب أن يقوم به فإذاً تعطيه قيمة غير موضوعية )).
وعن النوع الثاني يقول سماحته: (( تنزل بهذا الإنسان إلى مستويات متدنية جداً وبعض هذه المدارس خاصة الاتجاه المادي في هذه المدارس لا يرى في الإنسان إلا كومة من العناصر الكيمائية التي تركبت في هذا البدن)).
لانها : ((ابتليت ومنيت بمحدودية في التفكير أدت إلى محدودية في النتائج فهي بنت كل ذلك كل تفاسيرها للحياة والتاريخ والمجتمع على أساس نظرية العامل الواحد واعتبرت العامل الاقتصادي)).(3)
ويقول عن الرأسمالية انها : ((آمنت بالملكية الفردية كأساس نظرت إلى الأمور نظرة تجزيئية ولم تستطع أن تربط بين مجموعة القضايا التي تنظم حياة الإنسان فرداً أو جماعة ولهذا جاءت نتائجها على شكل محدود وتجزيئي )).(4)
***
الا ان سماحته لم يبين لنا لماذا نجحت الافكار الوضعية – الى حد ما - في نظرتها الى الانسانية والانسان ، ولم تنجح النظرة الالهية ؟
مع العلم ان تلك المدارس الفكرية: (( تؤمن إما بجبرية تاريخية أو تؤمن بجبرية اجتماعية أو تجعل الإنسان أسير ظروفه وأسير عوامل حياته))، و هي ((لا يمكن أن تمنح الإنسانية أي قيمة بل تنزل بها إلى مستويات متدنية جداً)) الا انها نجحت في الكثير من المواقع ، بل سلبت الانسان من الدين الالهي.
ولان سماحته غير معني بالاجابة عن هذا السؤال بقدر تعلق موضوع محاضرته ، ولم يطرحه من خلالها، اقول : ان سبب نجاح تلك الافكار بشتى انواعها ، وككل مجموع ، هو ان القائمين على الدين ((رجال دين ومفكرون دينيون وغيرههم من العناوين)) ، هم الذين تقع على عاتقهم فشل تلك النظرة الالهية (ولا نقول الافكار).
يقول سبحانه: (وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً فَلَوْلا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ) (التوبة:122)
ان التصور الالهي - كما يقول سماحته - هو: ((تصور متوازن أولاً ويقوم على أساس موضوعي ثانياً وهذا أمر تفتقده الكثير من المدارس الفكرية الوضعية)).
الا ان الفكر الاسلامي خاصة ، قد فشل في ايصال تلك النظرة الالهية المتوازنة الى الانسانية والانسان ذاته، ولم يكن القرآن الكريم (الذي اصبح مهجورا) ولا النبي (ص) هما السبب في ذلك.
الا انه في محاضرة ثانية يجيب عن سؤال يطرحه في المحاضر مفاده :لماذا تردت اوضاع المسلمين وفقدوا حضارتهم وكيانهم السياسي؟
يجيب قائلا: (( بعد أن حصلت الازدواجية وحصل الفصل بين البناء والقاعدة الفكرية تردت الأوضاع وفقد المسلمون حضارتهم وفقدوا كيانهم السياسي الذي كان لهم وتردت أوضاعهم حتى سيطر عليهم غيرهم وفاق عليهم غيرهم و بذهم وتقدم عليهم)). (5)
لهذا يدعو سماحته الى الالتزام الديني الذي يجد فيه : (( ليس مجرد علاقة تربط بين الإنسان وبين خالقه ، بين الإنسان وبين ربه وإنما الالتزام الديني يعبر عن ذلك البرنامج العملي الذي من خلاله يستطيع أن يعيش الإنسان حياة سعيدة يتجه فيها نحو الكمال المنشود ويحقق حالة التوازن في كل شيء ، التوازن بين الدنيا والآخرة ، التوازن بين الروح والمادة ، التوازن بين العقل والعاطفة وكل الثنائيات التي تحتاج إلى توازن تتحقق من خلال الالتزام بتشريعات الله سبحانه وتعالى)).
والخلاصة:
- فشل المنظومة الفكرية البشرية على الرغم من جمع الاتباع ،ونجاح الالهية.
الدعوة الى الالتزام الديني ، ليس بالمفهوم التقليدي ، وانما بالمفهوم الذي شرحه سماحته.
‏الثلاثاء‏، 10‏ آب‏، 2010
***






الهوامش:
* نشر سماحته كراس بعنوان (الانسان بين المدرسة الربانية والمدرسة الوضعية )، وهو في الاصل محاضرة القيت في 16 – ذي القعدة – 1424 هـ.
1 – محاضرة (المنظومة الفكرية) – كراس - 9 ذو القعدة 1424 هـ.
2 – المصدر السابق.
3 - المصدر السابق.
4 - المصدر السابق.
5 - المصدر السابق.
الكلمات الدلالية (Tags): لا يوجد إضافة/ تعديل الكلمات الدلالية
التصانيف
غير مصنف

التعليقات

كتابة تعليق كتابة تعليق