مشاهدة تغذيات RSS

إشراقات فكرية و أدبية

"القصة القصيرة جدا بين القبول و الرفض"

تقييم هذا المقال
[QUOTE=محمد يوب;104108][FONT="Arial"][SIZE="6"]
[COLOR="red"]"القصة القصيرة جدا بين القبول و الرفض"[/COLOR]
إن المتتبع للحركة الأدبية يرى أن هناك انشغالا واضحا بالقصة القصيرة جدا ، ما يبرر هذا الانشغال ، الانتشار الواسع و السريع لهذا الجنس الأدبي ، وكثرة المجموعات القصصية التي صدرت مؤخرا بشكل مفاجئ ، دون مقدمات ، وخاصة أننا لا نعرف تاريخا حقيقيا لها ، وكل ما لدينا هو بعض الأعمال القصصية القليلة التي كانت تنشر من حين لآخر على صفحات الجرائد و المجلات .
إن غياب تاريخ حقيقي للقصة القصيرة جدا ، وغياب ولادة طبيعية لها ، وتطور طبيعي لنموها ، وهذا النهوض المفاجئ بهذه السرعة يبعث على الدهشة و الاستغراب.
هل نحن أمام ظاهرة صحية ينبغي تبنيها ورعايتها ، أم نحن أمام انحراف ومنزلق خطير للإبداع الأدبي ، يذكرنا بما وقع للأدب العربي في عصر الانحطاط حين أصبح كل من هب ودب ينظم الشعر و يكتب في الخطابة وغيرها من الفنون الأدبية ، حينها أصبحنا نسمع شعر الخضار و خطابة الجزار و غيرها .
لقد اختلف المتتبعون للشأن الأدبي من مؤرخين ونقاد بخصوص القصة القصيرة جدا ، فمنهم من رحب بهذا الجنس الذي تسرب خلسة في عز الظلام واكتسح الساحة الأدبية ولقي قبولا وصدرا رحبا في أوساط الأدباء ، وهذا هو السر في انتشاره ، واكتساحه الميدان، وتمكن من تحقيق الذات ونشر الرسالة الأدبية بشكل ملفت للانتباه .
وقد كان لهذه الفئة ما يبرر موقفها من هذا الجنس الجديد ، مؤكدين أن الحياة في وقتنا بسرعتها وتلاحق أحداثها لا تترك لنا الفرصة و الوقت الكافيين للتعبير ، فلابد من اكتشاف وسيلة للتعبير تواكب هذه الحياة السريعة ، وهذا التراكم ، وخير ما يستوعب هذه الظروف مجتمعة هي القصة القصيرة جدا ، لأنها وحدها مستعدة للتعبير عن هذه السلسلة من الأحداث المتراكمة بأسلوب يختزل العالم بمشاكله و تناقضاته ويعبر عن هذه الحياة بشكل مكثف و بشكل أدبي يخضع لكل هذه المواصفات ، إن القصة القصيرة جدا ، هي هذه الشجرة الوافرة الظلال الهادئة التي يستظل تحتها اللأدباء ويعبرون من خلالها عن همومهم .
فبما أننا نكتفي في حياتنا اليومية بساندويتش ، وبفلم قصير ، وشقة صغيرة ، وسيارة صغيرة تناسب زحمة المدينة الكبيرة ... كان لابد من البحث عن فن أدبي قصير يلائم هذه الشروط القاهرة ، التي فرضتها طبيعة الحياة ، وضريبة العصرنة و العولمة، فكانت القصة القصيرة جدا ، هي أحسن فن يناسب هذه الحياة ، ويعبر عنها .
و قد أكد محبو القصة القصيرة جدا أن جمالية هذا الفن الأدبي يكمن في اختلاف الناس حولها ، في هذا الشغب وهذه الحركية التي عرفتها الساحة الأدبية ، في هذا الكم الهائل من المداد الذي سال حولها .
فقد اختلفوا في تسميتها فهناك من يسميها القصة القصيرة جدا و القشيرة و القصيصة و ...... أسماء كثيرة أحصاها المتتبعون في 12 اسم .
كما اختلفوا حول خصائصها هل القصة القصيرة جدا ، تميل إلى الشعر ، أم تميل إلى النثر، ولهذا اعتبروها فنا يجمع بين النثر و الشعر ، فهي شعرا عندما تنزاح إلى القصيدة النثرية و نثرا عندما تنزاح إلى الأقصوصة و لذلك أطلقوا عليها اسم الأقصودة، وهذا الاسم يجمع بين الأقص (الأقصوصة ) و قصودة يعني ( القصيدة ).
وللرجوع إلى التاريخ الأدبي نجد إن للقصة القصيرة جدا جذورا راسخة في التراث الأدبي ، متمثلة في الحكاية و في النكتة و الومضة و الشذرة ...... وغيرها من الأجناس الأدبية التي تلتقي مع القصة القصيرة جدا.
و اتفقوا كذلك على أساس واحد هو أن هذه الأجناس الأدبية الجميلة السالفة الذكر تتفق مع القصة القصيرة جدا في الخصائص التالية :
1-عدد الكلمات أقل من مائة كلمة
2- استخدام أفعال الحركة
3-استخدام الصفات و الظروف
4-استخدام الإيحاء و التلميح
5-استخدام الحوار بدل السرد
6-الإعتماد على الصراع و التوتر
7-تركيز الحوار على الشخصية الرئيسية
8-الحل ينبغي أن يكون منطقيا
كل هذه الصفات مجتمعة تجعل القصة القصيرة جدا محط اهتمام هذه الفئة من الكتاب لما فيها من تناغم مع طبيعة الحياة المعقدة التي تعرفها الإنسانية وتحاول البحث عن وسيلة للتعبير تتفق مع هذه الظروف ، إنها تمثل لهم المتنفس الوحيد الذي من خلاله يطلع القارئ على العالم من خلال رؤية أكثر شساعة بأقل الكلمات ، ولذلك فالكاتب البارع المتميز هو الذي يبلغ القصة إلى الجمهور بكلمات وجيزة ومعبرة .
ففي إحدى الأمسيات كنت أستمع للأديب عبد الله المتقي في قراءات قصصية ومن بين القصص التي أثارت انتباهي قصة بسيطة قال فيها :
(الشمس امرأة ، وعندما غابت ، اتهموها بأنها عاهرة) كلمات بسيطة لكنها ذات دلالات عميقة .
وفي لقاء آخر تميز بالغرابة حيث بدأ في قراءة مجموعة قصصية وفي لحظة قال : بدأت القصة ساد صمت في قاعة العرض ثم قال انتهت القصة في مشهد فرجوي جميل ومبدع .
وهناك فئة أخرى ترى عكس ذلك ، حيث رفضت هذا الجنس الأدبي جملة و تفصيلا ، و اعتبرته مستنسخا عن أجناس أدبية أخرى. واعتبروا كذلك أن كل من يكتب في هذا المجال ، إنما يستسهل الكتابة الأدبية، التي تحتاج في حقيقة الأمر إلى مجهود فكري ولغوي وقدرة عالية على الإبداع الفني و الجمالي .
وقد لجأ إليها كثير من الشعراء الذين فشلوا في الكتابة الشعرية الموزونة ، ثم بعد ذلك التجؤوا إلى القصيدة النثرية ، ثم بعد ذلك تعلقوا بأهداب القصة القصيرة جدا .
وهذا الاستسهال يساهم في إنتاج أعمال كثيرة ومتعددة فمنهم من ينتج أكثر من ثلاثة أعمال قصصية في اليوم ، وتتصف هذه الأعمال بالرداءة على المستوى الفني و الدلالي ، لأنها تختزل الأحداث وتكثفها و لا تهتم بالشخوص بالشكل المطلوب في كل عمل قصصي ، مما يساهم في تمييعها .
و هذا الاستسهال كذلك في كتابة القصة القصيرة جدا نتج عنه إسهال أدبي مرضي ، الذي أعطى بدوره هذه النماذج المرضية التي تسمي نفسها أعمال أدبية.
إن القصة القصيرة جدا في نظر هؤلاء نزق من الكلام انحرف عن موضعه ليتخذ لنفسه صفة أجناس أدبية أخرى و كأننا أمام جين معدل وراثيا ، لا يتصف بصفة الفنية و الأدبية ، فليس بالشعر و ليس بالنثر إنه جنس خنثى مدلل سهل الامتطاء.
إن هذا الاختلاف وهذا الجدال الطويل حول القصة القصيرة جدا ، وهذا الغموض التي يكتنفها يطرح كثيرا من الأسئلة ، وتحوم حولها كثيرا من الشكوك .
شكوك حول استمراريتها ، حول إمكانية إيجاد مكان مناسب يليق بها بين الأجناس الأدبية الأخرى ، تساؤلات متعددة ستجيب عنها ما يأتي من الأعمال الناجحة في مجال القصة القصيرة جدا ، وما تخبؤه الأيام لهذا الجنس الأدبي الجديد .
إن التجديد حالة طبيعية ، تعود عليها الإنسان مند القديم ، فما كان جديدا في وقته يصبح قديما في وقت لاحق ، وكل جديد يلقى كثيرا من الاعتراض و الرفض في البداية ، لكنه يصبح عاديا فيما بعد .
وهذا ما عرفناه في تاريخنا الأدبي قديما ، فكل حالات التجديد التي عرفها الأدب العربي ، لقيت رفضا ، ابتداء من العصر العباسي و شعر المحدثين ، والشعر الأندلسي ، وظهور الموشحات وغيرها من الفنون الجديدة . وازدادت حدة هذا الرفض وهذا الصراع في العصر الحديث ، مع ظهور الشعر الحر مع نازك الملائكة وبدر شاكر السياب .
محمد يوب[/SIZE][/FONT][/QUOTE]
الكلمات الدلالية (Tags): لا يوجد إضافة/ تعديل الكلمات الدلالية
التصانيف
غير مصنف

التعليقات

كتابة تعليق كتابة تعليق