مشاهدة تغذيات RSS

قصائد الشاعر التونسي سامي الذيبي

حوار حول التجربة الشعريّة للشاعر سامي الذيبي

تقييم هذا المقال
[B][SIZE="4"]حوار حول التجربة الشعريّة للشاعر سامي الذيبي

حاوره الأستاذ سيف الديّن البنّاني

كنتُ من كان يمشي كالنيام يرى بأحلامه منشودات الإرادات صورا بيضاء وسوداء هي أحلامنا،لكني استفقتُ بين منامين أستمع إلى صوت احتضاري بين شهادة وبحث عنها إلى عديد الأسماء،ذكرتها،ما كنتُ آدم حينها،كنتُ أسألها ..

هي صاحبة الصوت قصيدتهُ بعناوينها الكلّ،التي وكأنّي بها ما عادت عنوانًا تعرّفها بل نهايات تميتنا وترهقنا مع الصّوت وقصيدته،ما عدنا نطرق القصائد بمقدّماتها بل نكون معها وفيها،نُبكيها،بصوتهِ جوْهرها ،وفتح للغة أفاقات لنسمعها،نكذّبها،نقتلها،ندينها،ونسألها،أرجوك أن تعذر لغة الأسئلة لأنّ للسؤّال حريّة العيش بين فنّ ونقد فنّ ….أصدر منذ ايام رواية شعرية بعنوان "كأني أرمّم هذا الخلود"،عن دار إفريقية للنشر بتونس،طبعة أولى مارس2010.

هو الشاعر سامي الذيبي أستاذ من خريجي المعهد العالي للتنشيط الشبابي والثقافي ببئر الباي بتونس وطالب بالماجستار،له العديد من الجوائز الأولى وله مشاركات على المستوى العربي وجوائز هامّة،هو غنّاء للشعر ففي إلقاءه تضيع فيك الصحاري والجبال والبحار وكأنّك في الملكوت تعانق فيضا غريبا وقويّا…

كرهتُ أسئلة نقديّة تقنيّة تساءل حرقة قلب وشاعرها..يا قارئنا اعلَم أنّي التقيتُه داخل سجننا بقلب واحد يزفّ للغة خبرًا هو أنّ الشعر ما نحبّ وكلّ ما أردنا،هل أنّ كل الجوائز التي تحصّل عليها هي هدايا القدر وهدايا القدر هي حقيقتُهُ،نحن/هو/أنا،أحببتُ ما استمعتُ إليه ذات مرّة أولى في إحدى الأمسيات الشعريّة بالجامعة االتونسية،ونحنُ ومعنا أنتم،هل ستحبّونهُ بعد أن خرج إلى دوّامته التي كان فيها بيتا صغيرا على أقدام الجبال الحجريّة المتكلّسة إلى "أرض المجاز" مارّا من شمال افريقيا إلى شرقه عند مكتبات العرب بين النخيل يصدح بالأمّة ويعانق الإنسان في سرّه الأبديّ"من أنتم؟"ليحدّد وزن تعبه عمُرًا سبع وعشرون سنبلةً فهل سيكفينا عمرنا دقيقًا وخبزًا لنشبع ألمًا وحقيقةً عند عشاء قصيدته ونحن نتمسّح كالذئاب على أعتابها…

وقد حاولت في حواري مع الشاعر سامي الذّيبي أن أعطي للغة مساحات أكثر فكانت الأسئلة التالية:

1)-الشاعر سامي الذيبي ماهي عدد القصائد التي نسيت؟

القصائد التي نسيت،سرعان ما تحضر أطيافها وسرعان ما تتخفّى ولعلّي أقتنصُ لحظَةَ هدوءها لأسجنها لغَةً في قفص قصيدة متحرّرة تلامس أوعية الوعي وتغادر ممن الذوات إلى الأنا ومن الأنا في رحلة الذّوات الأخرى..

2)-هل عمركَ هو عمر قصائدِكَ؟

أحاول في لحظة الوعي بالكتابة،أن أطوّع الموهبة لتفكّر معي ،لأنّ الموهبة أثناء هطولها لا تكف لولادة نصّ شعري فيحضر النّاقد فيَّ ويحضر المحترف في الكتابة وتحضرُ كل عيون القرّاء حينها ألازمُ ضرورة أن يكون النصّ الشعري يتقارب مع السن الفكري الذي يحضِرُ في حضرتهِ القراءة النّقديّة والقراءات الثقافيّة التي تكون زورقا لنجاة القصيدة من الانسيابيّة أوالتّكرار تفاديا للغرق في مستنقع الرّؤية الضيّقة للنص الشعري.

3)- ما الذي كرهت في ما لم تكتب؟ هل تعجبك قصائد النثر الحديث؟

كرهتُ القصائد التي قلتها أو قالتني من تلقاء نفسها ولم يسعفني الحظ والوقت لتدوينها أو تذكّرها..

أمّا ما يخص قصائد النثّر ،فأنا من المعجبين بهذا الشكل،خاصة وقد برزت عدّة أصوات متميّزة في الساحة العربيّة استطاعت أن تلبّي حاجة الأذواق الشعريّة المختلفة ..لكنني في الوقت الحالي ما زلت ممن يراهنون على أنّ القصيدة تستمدّ إيقاعها الداخلي والخارجي والخاص من التفعيلة ،وذلك إيمانًا مني أنّ الذائقة العربيّة هي الآن تحتاج و تتماهى مع الشعر الموزون أكثر من أيّ وقت آخر..

4)-إن تمّ اختياركَ شاعرا آخر،فمن هو الشاعر الذي تختاره؟ ألم تزاحم بعشقكَ وحبّكَ قصائد محمود درويش؟






- سؤال فلسفي فيه من الطرافة والذكاء الكثير- لكننّي حتما سأختار سامي الإنسان العادي وأتنصّل من هذا الشاعر فــيَّ ،أجل فانا لن أختار شاعرًا،لكنتُ أنا الإنسان العادي ،وأما حضور محمود درويش فهو أمر يشرّفني أوّلا وثانيا هو أمر طبيعيّ وأعتقد أنّ الجيل الشعري المطلّع على التجربة الدّرويشيّة إن صحّ التعبير،والرجل ساحر إلى درجة أنّه يترك طابعه الخاص ،لكن أعتقد أنّني أهيّئُ مسربي الخاص للانزياح ،ما دام محمود درويش يعبّر عن الواقع الحاضر بنفس حضور هذا الواقع في كل شاعر فمن الضّروري والصحّي أن يتم الالتقاء في بعض الألغام الشعريّة،هذا كما لا يجب أن نتناسى أنّ زوايا التقاط الصّور الشعريّة مختلفة والأسلوب ،ولعل هذا بالضبط ما يجعل نقاط الترابط الخفيّة أو المكشوفة بين الشعراء كامنة وموجودة تتراءى في أغلب النصوص الإبداعيّة.






5)-لماذا لم تختر لمجموعتكَ الأخيرة عنوانًا غير "صفر السّفر الطّويل" بسفر القصيدة بين أوّل الرسل وآخر الشهداء،مثلاً؟

أنا عادة لا أختار عنوانا قبل الاشتغال على النص الشعري ،والعنوان عادة هو الذي يفرض نفسه على صاحبه،وأمّا ما تقترحهُ فهو لا يمكن أن يكون إلا محاولة لتلخيص الرّواية الشعريّة وقد تكون العناوين قابلة للتغيير مادامت هناك عدم ثقة في جدواها واضطلاعها بمهمّة الدّلالة على النص بعينه،وقد أكون واثقا من هذا العنوان الذي أرجوا أن ينال إعجاب القرّاء..

6)-هل لا زالت إيقاعات الشعر الحديث تغريكَ بالبقاء معها؟

قد ألمحت إلى هذه المسألة في إجابة سابقة إذ قلت أنني ممّن يعتبرون أنّ الذائقة العربيّة –وليست كلّها-مهما طرأ عليها من تغيير متزامن نع التغييرات الواقعية الحاصلة في مختلف ميادين الحياة فإنّها تبقى مشدودة إلى نوع من الإيقاع الذي تلبيّه القصائد الحرّة أو العموديّة ،هذا ولا أنفي أنّ القصائد النثرية قد وصلت درجات هامّة من الإبداع الفني خالقة إيقاعاتها و مناخاتها الخاصّة ،إلاّ أننّي في الوقت الرّاهن لازلتُ أنتشي بالتفعيلة التي تؤمّنُ لي منفلت القول الشعري…

7)- تخيّل نفسكَ جميلاً على مرآتكَ،أيّ الجمال تختار:مدينتكَ الشاحبة أم وجهكَ الذي لم تراه؟

ما من إنسان يستطيع التنصّل من الأرض التي ترعرع فيها ونشأ بين أحضانها الشائكة فإنّ ذكريات الطفولة ببراءتها وسذاجتها تبقى نبراسا يشعّ في دواخلنا يحاول أن يقصي الجوانب السلبية التي نبتت كالطفيليات في هذا الواقع لذلك حتما سأختار وجه "حاسي الفريد" مدينتي الشامخة رغم قساوة كل شيء فيها…

أمّا ما يخصّ هذه المزاوجة بين الوجه والوجه المنشود فإنّني قد تملكني هذا السؤال منذ فترة ولعله السبب في إنتاج نص عنونته بـ"لاتكن وجهي تمامًا" وفيه يدور حوار بين الوجه الحقيقي والوجه المعكوس على المرآة ويتخلل الحوار الوجه /الذّات المتخفي -لأسباب غير معلومة ومعلومة- وفي النص ينتصر الوجه الثابت في زحام الأقنعة..

8)-هل مجازاتكم أنتم الشعراء هي كلّها من أرض واحدة أم أنّ مجازكَ هو أنّكَ لا زلتَ تراه طفلا في ذاكرتكَ؟

بالنسبة للمجاز فإنّه يبقى مهما ارتقى وتطوّر واتّسع يرد من حقل لغوي واحد ويبقى يرد من عين الواقع المُشَاهَد،فالأرض والمكان واحد لكن ما يتغيّر هي لحظات اقتناص الصّورة، فبناءها المجازي يختلف حسب الشعراء وطبائعهم وحالاتهم النّفسيّة أو بالأحرى كل تراكماتهم تتدخل في دفع المجاز إلى التوالد والتجدّد والإبداع..فلو طلبت من أحدهم مثلاً أن يبتدع صورة مجازيّة مستوحاة من شيء معلوم و قارنتها مع آخرين ابتدعوا صورا مستوحاةً من نفس المشهد الأوّل المعلوم فإنّك حتما ستجد مجازات مختلفة ومتنوّعة في حين أنّ مصدر التركيبة المجازيّة نفسها،وأرى أنّ المجاز يتحرر من سلطة العمر وينساب نحو ما يعلق في الذهن من فكر وثقافة وتجربة حياة..

9)-أرهقتكَ سفرات الأنبياء وطول أعمارهم في سفركَ الطّويل ،فهل وصلت صُوَرُكَ وصفهم وهل شاكلت مشاهدك معجزاتهم؟

بالتأكيد تطلّب من العمل سنتين من الكتابة والدراسة في قصص الأنبياء ،هذا كما أرهقني وجوب انزياح الكتابة عن الطابع السردي والقصصي والتاريخي إلى ما هو إبداعي في الكتابة الشعرية،هذا كما يجب أن أقرّ أنّني كنتُ حذرًا أثناء اقتنائي للصور والمجازات وحتى المفردات اللغويّة والأشكال التعبيرّيّة ،لأنّني لا أستحضر أناسا عاديين يمكن أن أطلق فيهم العنان للغة كي تأخذ ما تريد،كنتُ دائم القلق من أن أسيء لأحد من الأنبياء أو كأن لا أعطيه حق حضوره في النص وكأن لا أحسن توظيف رموز قصصهم وأبعادها والعبر المستنتجة منها..كل هذه الممنوعات كانت تستدعي منّي الانتباه والقلق،الانتباه إلى عدم المساس بالمقدّسات والانتباه إلى تجاوز الطابع التاريخي للأحداث من أجل معانقة الإبداع ،وكنت قلقا إزاء كيفيّة توجيه هذه القصص إلى ما يشاكلها ويشابهها في الواقع الحاضر حتّى يلامس النص قضايا الإنسان عمومًا،لذلك حاولتُ أن أستدعي كل نبيّ وفق الترتيب الزّمني لنبوءاتهم،وفي الحقيقة أنا في النص غير مطالب بوصف الأنبياء فقط كان استدعاءهم بمثابة الشاهدين على الماضي والحاضر والمستقبل..

10)- هل أنّ أنواتُكَ داخل قصائدكَ مدّت القصيدة عمرًا جديدا،وكأنّكَ تهديها عدم اكتشافكَ لذاتكَ؟

ما من شاعر استطاع الانفلات من عقال الأنا وحضورها في نصّه الإبداعي، وما من شاعر يرتدي خوذه الأمان من عَفَويّة تكشّف الذات وظهورها،كالمولود تماما لا يخرج من بطن أمّه إلا بما يعلق فيه من صفات وراثية للأمّ،وكذلك بالضبط حضور الأنا في أغلب النصوص الإبداعية،ولكن الحضور المكثّف للأنا في الرواية الشعرية أكاد أقول كان حضورا قصديّا على اعتبارها شركا نُصب ليشارك القارئ في النص الشعري أو هي حالة تذويب للذوات داخل ذات واحدة ..

وعدم اكتشافي لذاتي أمر طبيعيّ فقد نطلّ على أشياء في ذواتنا أو نكاد نلامسها،فبمجرّد اكتشافها تتخفّى وتبتعد ،هذا حتى لا تموت الذات الشاعرة وتتواصل-هذه الذات التي لا تهدأ على حال-تبحث وتساءل الموجودات،وقد أعتبر اكتشاف الذات ضربا من ضروب التصوّف والفناء في الله أو قد تكون الموتى الأبدي…

11)-هل نوبات كل الشّعراء خسارات داخل المكاتب أو بين الأغاني؟

لا بالطبع ،الشاعر المبدع الحقّ يستطيع أن يتجاوز كل الحدود وكل الشباك المنصوبة لأصحاب الفكر في هذا الوطن الكبير،على النص الإبداعي أن يحقق تحرره الذاتي وبالتالي لن يظل قابعا في المكاتب،هذا كما لا يجب أن نغفل جانبا هاما ولعل ما قصدته وهو أن الأجيال الجديدة تعيش حالة نفور من الكتاب،وإذا كان هذا السبب الشائع فثمّة وسائل متطورّة تستطيع أن تعانق من خلالها كل النصوص الإبداعية وتفتح لها آفاق أرحب في العالم..لكن ما أستطيع أن أشير إليه هو الهجمة الإعلامية الشرسة سواء في المسلسلات أو الأفلام التي لا تزال ترسم الشاعر أو المفكر والفيلسوف على انّه كائن هلامي يعيش في تخوم "غبيّة" إن صحّ التعبير..إنّ الالتفات إلى الدور الهام للمثقف يجب أن يعيد الاحترام لهذا المثقف وكذلك ثمّة أشباه مثقفين وأشباه شعراء وأشباه الأشباه عليهم أن يتركوا الساحة احتراما وحفاظا على ثقافة الأجيال القادمة..

في ختام هذا الحوار الشيق معكم أيها الشاعر الكريم ،سأكون الآن تقليديا في طلب مقطع شعري نختتم به هذا الحوار.

"تمسّكْ بموتِ الحواسِّ

فكلّ الخديعَةِ فيهِنَّ

زغرَدْنَ لمّا انتهتْ

سهرةُ العرسِ

ألبستهمْ جبَّةً،

من بكاءْ

وعدْتُ إلى النّعشِ حرًّا،

خفيفًا

بغير طلاءٍ

وعدْتُ لقَبْرٍ تنوّرَ لمّا

أزاحوا الغطاءْ"ْ[/SIZE][/B]
الكلمات الدلالية (Tags): لا يوجد إضافة/ تعديل الكلمات الدلالية
التصانيف
غير مصنف

التعليقات

كتابة تعليق كتابة تعليق