مشاهدة تغذيات RSS

طارق شفيق حقي

زهد وقبح

تقييم هذا المقال

زهد وقبح



يا بني لا تجعل زهدك قناعاً للقبح , قالها ثم توارى عني

كم تمنيت يوماً أن ألقاه لفترة أطول , كم كان جميلاً لو جلست معه أحكي له قصة الزهد وقصة القبح... وحين تحس أن زهدك أمسى ستاراً جباناً يستر قبحك تعرف أنك بدأت تزهد .



كم قناعاً ستلبس يا ترى

قابع في حضن المعرفة لا أعلم شيئاً ... محض إرادة غائرة عجوز نصفه في القبر, يا ويلاه لو تكون قتيل الحسرة كل مرة أقول فيها سألتقيه هذا الغريب لكنه يختفي عني , يقول كلمتين ثم ينصرف , وأنا فيني بوح شتاء ودروب طويلة

ومضيت لا أدري متسعاً للفكرة ومتسعاً للأمل

في حضن الوقت أكسر كل عقارب الساعات وأخلط ماء اللحظات بحيرتي, أفكر كم لو كنت جباناً لهربت , ورضيت بالتعب... لكنه هو التعب والعدم معاً

كم هو الشعور بالعدم صارخ



وقفت لا أدري علني هزأت بذاتي , دمار هائل يحل بي

في اللحظة التي أحسست فيها بحرارة يد الغريب كانت القلعة خلفي تنهار, كل قلاعي قد انهارت وهو انصرف بعيداً



في المرة الماضية كان يقول لي يا ولدي لا تبكي فما البكاء بمجدي , جمع قطراتك للسيل ... عل السيل يغسلك

لكنه لم يغسلني لقد دمرني

أنا ملك القلعة أنام وحيداً في العراء في البرد القارص

حين دخلت بلاط قلعتي كان الحشم من حولي وحركة القلعة كخلية نحل , ألاف الحراس يجوبون القلعة باب القلعة يعلو ثلاثين ذراعاً والجدران سماكة خمسة أذرع , لو أنك مشيت فيها من أولها لأخرها لاحتجت ساعات

يصل القسم الشمالي بالجنوبي جسر يمر فوق بحيرة كبيرة تحيطها غابات كثيفة ويعلو فوق القلعة أبراج علو كل برج سبعين ذراعاً

ترى من رأس كل برج بحر من الأبحر , في البرج الأيمن وكنت أسميه برج الوحدة كنت أسرج ليلي وأمضي أسابيع هناك كنت أصعد ألف درجة حتى أصل أخره وفي أخره كنت أسعد الناس وحيداً أطلع على كل القلعة تحركني ألف فكرة وتأخذني كل فكرة ألف عام

في البرج الأيسر وكنت أسميه برج الحيرة كان للأسف مكان خلوتي بعد برج الوحدة ...للقلعة عشرات الأبراج



كنت سعيداً في قلعتي... لكنها الأيام واليوم أقف على ركام القلعة أجد الجثث تحت الأنقاض وأعيد مشهد تداعي الأبراج وانهدام الجسر وغيض البحيرة واحتراق الغابات وتهدم القلعة عن بكرة أبيها

كل ذلك من كلمتك أيها الغريب "يا بني لا تجعل زهدك قناعاً لقبحك"



نظرت خلفي للدمار و قلت وها قد زهدت حق الزهد أيها الغريب فما أقبحه من زهد

الكلمات الدلالية (Tags): لا يوجد إضافة/ تعديل الكلمات الدلالية
التصانيف
قصة

التعليقات

  1. الصورة الرمزية طارق شفيق حقي

    حوار مع البحر

    حين شعرت أني قد ضحيت بقلعتي في سبيل انتزاع زهد واهٍ , ظهر لي الغريب قلت له بإشارة مني لحطام القلعة: هي ذي قلعتي وها هو الزهد الحقيقي... كانت تعابير وجهي تقول ما أقبحه من زهد.
    كان يفهمها جيداً...نظر وقال لعل القبح الحقيقي يختفي وراء الزهد القبيح

    انظر , وأشار بيده لملكوت السماء كم قلعة الكون هذه كبيرة مترامية لا نهاية لها كانت تنتقل من مجرة لمجرة وأنا غارق العينين غائم الرؤية ذاهل الفكرة.

    انظر في بروج السموات لكل سماء بروجها, وفي هذه القلعة الكبرى قبح لا يُرى... هل تراه يا صديقي حركت عيني وفكرتي..لم أكن أملك لا رؤيا ولا رؤية



    قلت لعلك قد عرفت فأعرف ذاتك أكثر تعرف أين هو قبح الكون.



    وغاب عني... خلت أني أريد النواح ,لكن صمت الموقف الجلل حال دون ذلك , وها قد اختفى الغريب تاركاً قلبي في حيرته , لا سبيل أعرفه ولا قلعة أعود لها كل ما أعرفه أني غدوت كما يدعي الغرب أقترب من القبح



    هل كنت حقاً ..... ربما ؟!



    الآن زاد كدري على قلعتي , كنت أحسب أنها ضاعت مني واليوم يزيد حزني حين أعرف أني قد ضعت قبلها.

    ما نفع السفينة بلا ربان ...

    ومشيت في دربي أجلد ذاتي بسوط الشك , حتى سقطت مغشياً علي

    حين أفقت كانت الشمس تداعب خصلات شعري

    قلت أيتها الشمس عدت ما أصبرك علي

    نهضت كان البحر يضرب أمواجه بصخور الشاطئ

    تذكرت يوم كان الخدم في قلعتي يوقظونني كل صباح , هذا يحضر الماء وذلك المنشفة وأخر الطعام ....

    اقتربت من البحر..قلت السباحة في الصباح فكرة جميلة



    ونزلت للبحر اقتربت منه , ورميت بعض من الماء على جسدي ووجهي



    دخلت البحر رويدا رويداً... كان الماء مالحاً جداً أحرق حلقي.. حاولت السباحة لم أقدر وكأني نسيت كل فنون السباحة



    رميت بجسدي أحسب أني أطوف فوق الماء , وحركت ذراعي اليمني ثم اليسرى لكني هبطت للقاع , كانت الموجة ترميني بعيداً



    وقفت كان نصف جسدي في الماء وقدمي مغروسة في رمل البحر تحركت للوراء , آه آلمتني حجارة البحر وخزتني وسال الدم تحت الماء , دم ممزوج بماء البحر المالح

    تراجعت للوراء أكثر.. دفعتني موجة فسقطت ودخل الماء في فمي وأذني وانفي لسعني من شدة ملوحته ... وضعت يداي في محاولة كي أتماسك لكنه حجارة البحر المدببة وخزتني ... تماسكت ونهضت سالت الدماء من يدي... تراجعت وأسندت ظهري لصخرة كبيرة قلت لن تدفعك موجة أخرى ... سأقف هنا في مأمن من أمواج البحر ...لكن

    الموج هاج في وجهي وتدافع بقوة موجة بعد موجة كان يضربني في صدري أخذت أحادثه..أنا ملك القلعة أيها البحر

    ستحملني اليوم فوق ظهرك , لقد جئت إليك كي نتحاور

    لكنه علا وطاح بي فوق الصخرة وانقلبت تجرحني نتؤات الصخرة

    معلناً نهاية الحوار السريع

    كم كنت قاسياً أيها البحر... ثم هاج بموجة أكبر وكأنه يهزأ بي وبكلامي وضربني ضربة بموجة طاحت بي حتى وصلت لطرف الشاطئ



    شعرت حينها بجبروت وقوة البحر هذا الملك الأزرق المالح الكبير

    شعرت بغضبه وقوته, بقدرته على الانتقام, أيها البحر زدتني اليوم حزناً

    لقد كنا أصدقاء أتذكر كنت تحملني فوق ظهرك ...يومها قال لي الغريب إن لم تستطع المشي فوق الماء فعليك أن تسبح على الأقل كي لا تغرق...



    أتذكر يومها تقدمت إليك أول مرة , خلت أنني سأغرق, لكن لم يبتل من جسدي سوى قدماي مشيت بعيداً بعيداً

    وللبحر قصة كبرى لا يعلمها إلا عشاق الغرق

    لا بد من الغرق حتى ولو خالفنا كلام الغريب



    سأغرق فيك أيها البحر , رغماً عنك

    أعدت الكرة واقتربت من البحر لكنه لطمني بقوة بموجة عالية

    تنسى دائما آداب الدخول

    وآداب الحوار



    هنا قد انتهي الحوار

    عليك الحوار معه في مرة أخرى


  2. الصورة الرمزية طارق شفيق حقي
    عودة للكهف





    سئمت من الحوار ومن آداب الحوار قالها , ومشى يدير للبحر ظهره منكسر الخاطر منه... يقول في ذاته أوسعت ما وسعت من بني آدم ولم يسعني كبرك .

    , توارى في الغياب وأمسك أخر ذرة في ذاته أن تنهار...كانت ذرة مغموسة بالحزن والحزن سلوان الرجال وأديمهم ........وسعه الغيباب فغاب ..وسعه حزنه الذي انتشر من حوله كظلام ليل بهيم , ما ضرك لو نفاك البحر عنه , رغم ذلك لن أعود إليك أيها البحر ...لن تنسى أنك كنت ضئيلاً أمامه لا تملك ناصية للحرف لا رداً ولا عتاب ولا ناصية كلام, كم كنت صغيراً أيها البحر , كم كنت قاسياً على قلبي المحطم

    كن أظن أول الأمر بصغري أمامك حين دفعتني , لكن الكبير لا يأتي بفعل صغير, كم كنت صغيراً معي أيها البحر

    تملكتني حينها غضبة فعدت راكضاً للبحر أمسكت حجرة ورميتها في البحر, لم يكن ليرى تأثيراً لها في بطن البحر المالح..... كان مسوداً هادئاً

    أقفلت عائداً منكراً رغبتي بلومه حين هدأ ..ربما رغب لو حاورني لكني سأحرمه الحوار... تكفيك تلك الحجرة الصغيرة أيها البحر الكبير... ليس مثلك أهل للحوار وأقفلت لا أكلمه ولا أنظر فيه... هو القوي الكبير وأنا الصغير الضئيل لا أفكر بالغريب ولا أنوي رؤيته

    كم تمنيت ظل شجرة خضراء أنام فيها طويلاً... كم تمنيت كهفي الصغير يسعني يقبلني مهما كنت وكيف كنت يقبل قبحي ويقبل ألمي يقبلني كيفما أكون

    بحثت في الجبل القريب في الظلمة السوداء ..البحر من ورائي ومن أمامي بسيط كبير وشجيرات الشوك تشوكني , وقف فكري عند كل شوكة وشوكة

    كانت الدماء تسيل من قدمي لا أعرف ألماً يصل لقلبي... ماعاد قلبي يفكر بألم ويحس .

    لم تحسن الحوار أيها البحر نظر فوجد أمامه جبلاً وقد ظهر كهف صغير

    فرح لرؤيته ودخل الكهف , أسند رأسه لحجرة وضع يديه بين رجليه التي ضمهما لجسده وغط في نوم عميق......



    نام الغريب في الكهف لم يعرف أنه هو الغريب كان يظن الغريب رجلاً أخر..بل لم يعرف أن هذا الكهف هو كهف مولده هو قلبه وعقله هو أمه وأبوه وخليلته .. هو الكون كله فيه تعلم الحوار ... منه بدأ وها هو يعود إليه منكسراً مرة أخرى , خرج وقد أخرجته صاحبة المشرب مدعيةً الحزن وهي براء منه , ومشى في البلاد وبنى قلعة لم ترى مثلها البلاد ...قلعة كان مصيرها الدمار والحطام... تكسرت كل جدرانه وتهدمت وصارت نسياً منسياً, حين دخله العطف هدمه... واختفى القبح تحت ستار الزهد منذ متى تستر القبح وكيف دخل لم يعرف لم يراه ففي القلاع الكبيرة ربما يختفي في كل غرفة صغيرة كبار الآثام .

    هاهو ينام والدموع التي أمسكها تتدحرج على خديه, هل خانتك الدموع كذلك , تخفف عنك وأنت نائم وما فائدة السلوى و أنت غائب .

    تسيل الدموع كما تسيل الدماء من جرح قديم

    ها هو ينام لا يدري وجعاً من هذه الصخرة التي توسد بها , فالأوجاع قد سرت في جسده وقلبه . قدماه تسيلان من شوك الطريق وجسده رضّ من حجارة البحر وحلقه يتحرق من ملح البحر..

    ها هو ينام لا يدري هل تستيقظ معه قوته أم تستيقظ معه قبائل الحزن والحرمان..



    جرت الدموع حارة على خديه تمتزج بتراب الكهف

    ها هي أمك ولا أم غير الكهف لك.

    كانت الدموع تجري ساخنة ظاهرة للعيان .. ترى كم كان قلبه يتألم ويزفر..كم كانت العواصف تعصف به ...أي دمار حل بقلبه

    أخذ الغريب يزفر ويزفر أخذ غليان قلبه يزداد وهو نائم تشتعل ذراته بعد أن تفلت الألم في غيابه.. كم كنت جباراً أيها الغريب تمسك شعوب يأجوج ومأجوج الألم .

    وها قد أنهد السد وتصدع ... هدته مأجيج الألم , استباحت ذراته وعظامه وأخذته حمى شديدة وسال العرق غزيراً, أخذ يزفر ويشهق حتى زفر زفرة اهتز لها الكهف وتساقطت صخرة عظيمة سدت باب الكهف.

    واختفى الغريب في كهفه القديم لم يعرف له أحد في الأرض وجوداً

    لم يشعر باختفائه أحد من أهل البسيطة

    مر زمان طويل والغريب نائم في كهفه وقد طالت لحيته وشعره وأظافره

    مر زمان طويل ولا زالت بقايا دموع وزفرات تخرج من قلبه

    مر زمان طويل والغريب يتوسد الصخرة التي نأت بحمل رأسه وما يجول بعقله... حتى تصدعت وشق فيها شق كبير ثم تفتت وارتطم رأس الغريب بالأرض وبقايا الصخرة المفتتة , فتح عينيه ببطء شديد أغلقهما... مرت فترة من الزمن ببطء شديد شد يديه.. لم تتحركان ... حاول أن ينهض لم يستطع . حاول أن يتذكر ولو فكرة كانت أفكاره رماداً يذروها محاولات التذكر



    بقي طويلاً ممداً يحاول أن يعرف من هو

    كانت ذاته غريبة عنه.. قال هل كنت أنا الغريب ... من كان ذلك الذي يظهر لي يدعي أنه الغريب..حاول أن ينهض لم يكن فيه ذرة قوة

    عاد فنام.
كتابة تعليق كتابة تعليق

Trackbacks