مشاهدة تغذيات RSS

طارق شفيق حقي

الضياع

تقييم هذا المقال

الضياع
التاريخ 27/حزيران . الساعة الواحة والنصف ظهراً,في ركن ركين كان يحاول جاهداً أن يلملم بقايا أفكاره , وما أتى بشيء , نظر إلى الساعة التي اقتربت من موعد بدء المهرجان...يا إلهي...ماذا أفعل ؟ لم تكتمل القصة..مازلت بحاجة إلى تشويق والنهاية ليست مدهشة –ما العمل ؟..كان عليك أن تشارك بقصة أخرى. هذا أول مهرجان يحصل لي فيه هكذا.

وبينما هو ي مكانه اقتربت منه امرأة , تأملته ثم.... احتضنت رأسي وانهالت بآلاف القبل علي, جمد عقلي لحظتها والدمعات الساخنات تنهمل علي , كانت تتشبث بي كما لم يتشبث الولد بأمه , حملت وجهي بكفيها الدافئتين, كانت عيناها مغرورقتين بالدموع , حزن واجم فيهما ,وأسراب الحمام تهدل وتطير منهما..." كأنك هو!! لو عاش لكان الآن بمثل عمرك"

حركت رأسي عيناي تتأملها كما لم تتأمل في حياتها, وجمت وأنا أحدق فيها......

أبداً الخالق الناطق كتحريكة رأسك وتوقد عينيك....يا اللهّّ



" من هو يا خالة..والله قد أبكيتني "

- إنه.إنه محمد ولدي , إن مثلك كمثله عندي . ومسحت خدي بيدين ما رأيت أدفأ منهما ومضت في لجة الغياب, تسح الحزن خلفها, لم ينتبه لها أحد وكأنها خيال..... كانت القصة بين يدي, لا أعرف لماذا شعرت بالضجر من الكتابة, كأن شيئاً في صدري, ماذا أفعل...؟

- القصة لم تكتمل بعد..سأحاول إكمالها في المدرج ..ودخل المدرج سريعاً وكان يعج بالتصفيق وما إن جلس حتى نودي اسمه..

أتى دوري.... يا إلهي ماذا أفعل لم تنته القصة..

وجدت قدمي تمران بي إلى المنبر, صعدت...نظرت في الجمهور, نظروا في...العرق يتفصد من جسدي, مئات العيون تحدق في..وما يوحى ألي بحل .

ساد صمت ثقيل , تساءل الجمهور ...ماذا يفعل ؟ - ماذا أفعل.

نظرت لجنة الحكم في تأملني أحدهم وهز لي برأسه أن أبدأ...أبدأ بماذا؟

هاج المدرج وتشاورت اللجنة... كيف سمح له بالمشاركة..لعلها الواسطة...ازداد الموقف حرجاً الأوراق بيدي...أنظر فيها مرة وفي الجمهور مرة أخرى..ٌقصة لم تكتمل... لا يلوح لي سوى اسمها ( الضياع)

حاولت القراءة, ما عدت أرى شيئاً , ماذا أفعل ؟ هل أتركها بدون نهاية وأزعم أنه فن حديث من التقانات تلفت يمينا يساراً...

من يعينني ؟ ازداد الضغط النفسي بوجود من دعوت من أصدقائي وحلم الفوز بالجائزة ينحسر من أمامي.

يدي ترتجف ..وإذ بقطرة تسقط فوقها ظننت بأنه العرق..عرق؟! أي عرق هذا....يدي بعيدة عن وجهي نظرت بالقطرة...يا الهي !!؟؟ ما هذا ؟ وارتسمت علائم الدهشة على وجهه ونسي المدرج بمن فيه.

نظر للسقف المستعار , لقد تسربت منه ...ثم تسربت أخرى سقطت بين عينيه...مسحها حدق بها شمها...

إنها رائحة والدي حين كان يعود إلى المنزل وتضرب والدتي حينها...ماذا أقول للجمهور؟؟

قل لهم ولا توجل...

إنه دم أيها السادة دم!!

ومن أين جاء الدم قال أحدهم

وكتمت الفتيات صرخة خوف وما حرك ذلك شيئاً في بعض الصدور إلى أن تقاطرت القطرات من هنا وهناك...

صرخت فتاة عند أول قطرة دم سقطت على وجهها ممتزجة بأحمر الشفاه , وهاج المدرج وماج...لطخت أسماء المشاركين بالدماء أمام اللجنة ..لاقط الصوت...الستائر المقاعد وسالت كميات من الدم القاني فوق الجميع... وهو يصيح دماء دماء


يتبع...

أمرت اللجنة بإخراج الجمهور من المدرج... قلت لا لا يخرج أحدكم.. ارتقيت المنبر كان المنظر رهيبا الماء يتقاطر من السقف كل ما في المدرج دماء ويدي تنزف قد اصفر الوجه.. أحاول أن أختبئ وراء هذا المنبر الكل يحاول الهرب

أثقلت الحقيقة ميزان الفكر ينهال علي الرصاص واحد من بين الشهود رفع آلة التصوير يسجل الحدث وأنا احتمي بهذا المنبر ,, أوتراني اخدع من وراءه.. كل الأحداق تتأملني وتريد الهروب من المواجهة وما تعرف بأنه لحظة حق يحملها خيط الشوق لمعرفة لازم الخبر الذي مزق ثيابه إخوتي لا يوجد فوق هذا السقف سوى مئات من القتلى مئات من الجثث رنت أصوات الرصاص المدافع هدير الطائرات آلات التعذيب بكاء الأمهات قناصة في كل مكان تمتزج ضحكاتهم النتنة برائحة البارود وتضحك أعينهم عن أحقر ما في الكون وأسفل يخترق الرصاص الأجساد تنزف الدماء انظر في الجمهور والجمهور ينظر في هذه الدماء التي ترنها ما هي إلا من جثث فوفنا ارتفع صوت الأذان الله اكبر الله اكبر ولا تحسبن الذين قتلوا أمواتا ... مئات من الشهداء تشع جراحهم وتكاد دمائهم تضيء من حولها ... وفي وسطهم جثمان طفل صغير ابتسم لي ابتسامة وديعة كان مدثرا بغطاء اخضر ومن تحت الغطاء أطلت عيون ألاف الأطفال ألاف من الدرر يقيمون العرس وقبل أن يبدأ يشير لي بيده والثقة ترتسم على الوجه أن تعال تعال....ونحن هنا في علبة من كارتون ستائر سميكة تحيط بنا أزيلوا بني قومي هذه الستائر عنكم وحينها فتحت كل النوافذ كانت أشعة الشمس قوية عميت العيون منها للوهلة الأولى وما إن ذهب بريقها حتى امتزجت أول صيحة لي بذهول الجمهور انظروا .... من خلف النوافذ أصاخ جمع إلينا .. وقل استمع نفر من الشهداء إلى مهرجاننا.... ها ي أم تحمل طفلها وما زالت الدماء حارة عليه.... ويرد الطفل الكلام وتقول له أنصت أنصت.. وهاهو هناك شيخ عجوز ما لف سيجارته من التتن الرطب حتى اخترقت شظية جسده وانفتحت جراحه كتفتح وردة من دهان احمر عبقت برائحة الدماء..

وذاك شاب متوقد العينين رص بالرصاص رصاً.. يحدق في كصقر هرم ماذا أقرأ لكم أأسمعكم شيئاً من هذه القصة قصة الضياع...لكنه..سأسمعكم...وما إن قرأ لهم سطر أو سطرين حتى تململ كل واحد منهم وأطرق الرأس حزين...طمر الصغير وجه في صدر أمه الدامعة العينين.. رمى الشيخ سيجارته إلى الساحة وهناك رأيت سالومي ترقص أجمل رقصاتها ومن حولها اجتمع شرذمة الأوغاد يتبادلون الكؤوس وهم يستمعون إلي والكلب الأبيض يحيط بهم ومن ورائهم يركع أشباه الرجال وتتعالى ضحكاتهم النتنة أمعقول إنهم يستمعون إلى مهرجاننا لاحت مني التفاتة إنها تتلك المرأة التي ضمتني في الصباح تساقطت دمعاتها ومن خلفها سارت قوافل الشهداء شبان وشبان وبقايا كلمات قصتي ترن في المكان وتتعالى ضحكات الأوغاد وتتمايل الراقصة يقترب منها خنزير ضخم استلم الحكم بعد جرذ نتن من سلالة الإرهاب وركع لبهموت الأصفر



أز الرصاص صاحت المرأة وبكت طويلا وا حرقتاه وا شعباه واقفا أمامها الأوراق بيدي والدموع بيديها نال الأوغاد من ابنها زوجها أبيها زيتونتها قصف كل يوم دماء كل يوم خيانة كل يوم وأنا الآن أمامها وقصتي الآن أمامها...

الفت منظر الموت وهي تطبخ وهي تخيط وهي تنظف وهي نائمة تفز من نومها تصيح تضم روح ولدها إلى صدرها وتغني له " ديللون يا الولد يدللون" وها هي الآن تبكي واشباباه ....يا الله ترفع يدها إلى السماء اللهم إليك أشكو ضعف قوتي وقلة حيلتي وأنت ربي يئز الرصاص تهدر الطائرات ترن بقايا كلمات قصة الضياع في المكان ترن ضحكات الأوغاد رفع يدها إلى من تكلني إلى بعيد يتجهمني أم إلى عدو ملكته أمري إن لم يكن بك علي غضب فلا أبالي فلا أبالي وتحولت إلى طير من نور وطارت بعيدا تبعها كل الشهداء... سكنت واجفا الأوراق بيدي الجمهور يتأملني اللجنة رفعت يدي النازفة الدماء يتقاطر منها وماء الوجه مازال جامد تراه السؤال إلى الله يقطره دماء تراءى لي والدي صاحت بي دماؤه وانتفضت كل ذرة دماء في جسدي صرخت بالطيور البعيدة مزقت أوراق قصة الضياع نهض على إثرها شرذمة الأوغاد لاحت لي الطيور ترمقني بزوايا عينيها ورف لي طير صغير بجناحه صرخت بالأوغاد



إخوتي قرر الانسحاب من المهرجان لحين كتابة قصتي الجديدة نزلت من المنبر اعتذرت من الجمهور لجنة الحكم وركضت سريعا غير عابئ بدمائي ابحث عن عيون طيور علها تكون أرواح شهداء تتأمل منا شيئا أكثر.





حلب 9/1/2001
الكلمات الدلالية (Tags): لا يوجد إضافة/ تعديل الكلمات الدلالية
التصانيف
قصة

التعليقات

كتابة تعليق كتابة تعليق

Trackbacks