• البعد الاستراتيجي لاستهداف إيران و سورية

    البعد الاستراتيجي لاستهداف إيران و سورية 12

    تقترب المنطقة العربية من لحظة إعلان انتهاء انسحاب قوات الاحتلال الأميركية من العراق بينما تتركز الخطوات الأميركية والإسرائيلية المواكبة لهذا الحدث الكبير على استهداف كتلة المقاومة والاستقلال في الشرق بجميع مكوناتها وهي تنصب أساسا على جبهتي الملف النووي الإيراني والتدخل في سورية وتصعيد الضغوط التي تستهدف هذين البلدين بأقصى قوة ممكنة كما يتبين من الوقائع والخطوات المتخذة.
    أولا: قامت إدارة باراك اوباما بالانقلاب على وثيقة بايكر هاملتون التي شكلت برنامج العمل المقترح قبل الانتخابات الرئاسية الأميركية لتحقيق غاية "الخروج الآمن من المستنقع العراقي" وهي تضمنت عمليا محورين رئيسيين:
    المحور الأول هو تحريك مسارات التفاوض العربية الإسرائيلية التي لخصتها الوثيقة بالمسارين الفلسطيني والسوري ـ اللبناني وفقا لما اعتمدته في صياغتها التي عادت إلى مفهوم التسوية كما ورد في رسائل الالتزامات الأميركية عشية مؤتمر مدريد.
    المحور الثاني هو التفاوض المباشر مع القيادتين السورية والإيرانية حول مستقبل العلاقات الثنائية مع الولايات المتحدة وحول أوضاع المنطقة.
    انقلبت إدارة اوباما على وثيقة بايكر هاملتون عندما اصطدمت بملف الصراع العربي الإسرائيلي وبموقف حكومة نتنياهو واللوبي الصهيوني في الولايات المتحدة وكانت الحصيلة خضوع الرئيس الأميركي والفريق الحاكم في الولايات المتحدة للمشيئة الصهيونية بدءا من ملف تجميد البناء الاستيطاني في القدس والضفة الغربية وصولا إلى تبني اوباما الصريح والمعلن لمشروع تصفية قضية فلسطين وشطب حق العودة للاجئين وطلبه الصريح من الدول العربية ، الإذعان للشرط الإسرائيلي المتمثل بإعلان الدولة اليهودية ، أي تبني اوباما خطة التطهير العرقي الجديد الذي تحضر له الحركة الصهيونية على أرض فلسطين المحتلة عام 48 تمهيدا لإحياء فكرة الوطن البديل في الأردن التي جاهر الليكود مؤخرا بالعودة إليها.
    ثانيا: في مجال التفاوض مع كل من إيران وسورية بات معروفا أن المباحثات التي جرت مباشرة او بالواسطة قد اصطدمت بحقيقة الموقف الأميركي الذي تمثل بطلب التزامات سورية وإيرانية صريحة تحقق حماية إسرائيل ، والالتزام بعدم تعريض وجودها للخطر ، وبالكف عن دعم حركات المقاومة في لبنان وفلسطين ، بالإضافة إلى طلب أميركي صريح لتأمين ضمانات مباشرة بعد التعرض لبقاء وجود عسكري أميركي دائم على أرض العراق ، و قد كثر الحديث عن هذا الأمر ، وبلغت به التوقعات الأميركية التخطيط لإنشاء قواعد عسكرية ثابتة تحت مسمى الخبراء والمستشارين بما يغطي أكثر من مئة ألف ضابط وجندي أميركي في ما يتراوح بين أربعة عشر و خمس و عشرين موقعا في الجغرافيا العراقية .
    رفضت كل من إيران وسورية مبدأ أن يكون لخروج المحتل من العراق أي ثمن كما رفضتا تقديم أي التزامات تتعلق بإسرائيل وقد اشترطت القيادتين الإيرانية والسورية في أي مفاوضات مع الإدارة الأميركية تطال علاقة أي من البلدين مع الولايات المتحدة أن تدرج سلة القضايا الخلافية في جدول أعمال واضح ومحدد ، إذا كان المطلوب التوصل إلى تفاهمات وحيث يمثل بالنسبة لكل من طهران ودمشق موضوع الصراع العربي الإسرائيلي والموقف الأميركي الداعم للهيمنة الصهيونية على المنطقة حجر الزاوية في مسارات الاختلاف والاتفاق و قد أصر الجانبان السوري و الإيراني على انسحاب الاحتلال من العراق دون قيد أو شرط و من غير أي التزام اتجاه أي وجود مستمر لقوات الاحتلال فهذا شأن سيادي يقرره العراقيون بالنسبة للقيادتين السورية و الإيرانية .
    ثالثا: في هذا المناخ وعلى هذه الأسس تحركت المفاوضات بين حكومة العراق والإدارة الأميركية بشأن اتفاقية التعاون ما بعد انسحاب قوات الاحتلال الذي سيكون ثمرة لنضال الشعب العراقي وفصائل المقاومة الوطنية والإسلامية العراقية ، و حصيلة المأزق الخطير الذي دخلته الولايات المتحدة بفعل مغامرتها العدوانية منذ اجتياح العراق ، البلد الذي تكبد الكثير من الدماء والدمار والنهب بنتيجة الغزو الأميركي البربري.
    يتضح في الحصيلة التي انتهت إليها المفاوضات أن واقع الشارع العراقي ومواقف القوى السياسية المؤثرة قد فرضا عدم التسليم بوجود ما يتخطى الألف ضابط وجندي أميركي وبرفض الحكومة العراقية شمول هؤلاء بأي حصانة ضد القوانين العراقية.
    هذه النتيجة تمثل هزيمة حقيقية للولايات المتحدة ولحلفائها في المنطقة وهي تنشئ واقعا جديدا وتوازنات يخشى المخططون الأميركيون من انعكاسها على الحكومات الحليفة في الخليج وفي المنطقة وأولا وأساسا على وجود إسرائيل ودورها، وتنطلق الحسابات الأميركية بداية من التحولات التي قد تطرأ على موقع العراق في المنطقة لجهة اقترابه من المحور السوري الإيراني ومن خياره الاستراتيجي الداعم لقوى المقاومة وهو ما سيعني تحولا كبيرا ومهما في توازن القوى الإقليمي.
    رابعا: تحدث المنظرون والمخططون في واشنطن منذ وثيقة بايكر هاملتون عن سيناريوات إملاء الفراغ الاستراتيجي كما سموه بعد الخروج من العراق ، وهم يعنون بذلك بالتحديد خطر تقدم الحلف السوري الإيراني وقوى المقاومة في المنطقة بالتحالف مع كل من روسيا والصين لتكوين قوة جذب جديدة على مساحة المنطقة على حساب النفوذ الأميركي والغربي.
    هذا الخطر سيتحول إلى واقع سياسي مطلع العام المقبل 2012 وبكل وضوح إذا كانت القوة الإيرانية الصاعدة تفرض حضورها وتستدرج الأميركيين إلى ممارسة نوع من الاستجداء السياسي للتفاوض فان الواقع السياسي العربي الناتج عن ا الغزوة الأميركية الاستعمارية للمنطقة و استنفاذ حيوية جميع الأنظمة التابعة والعميلة خلال السنوات الماضية ، يقود بداهة إلى السؤال عن القوة العربية المؤهلة للعب دور قيادي متقدم على مساحة المنطقة غير سورية، في هذا السؤال تكمن الإجابة على حجم الاستهداف والضغوط والتدخلات التي تطال سورية لاستنزافها وتكبيلها ومنعها من التحول إلى دولة قائدة في البيئة العربية والإقليمية.
    الحملة التي تستهدف إيران انطلاقا من ملفها النووي وكذلك الضغوط التي تتركز ضد سورية ليست سوى عمل وقائي يواكب لحظة الاندحار والهزيمة التي كتبتها الولايات المتحدة بدماء العراقيين بنتيجة احتلالها لهذا البلد وسعيها إلى جعله منطلقا لحروب استعمارية ومعارك لتفكيك وتفتيت للكيانات الوطنية تحت عنوان الشرق الأوسط الجديد الذي نوهت كونداليزا رايس بولادته في ساعات دامية وعصبية من حرب تموز كانت تشهد مذبحة قانا الشهيرة.
    خلف كل الضجيج والعجيج وبعد أسابيع قادمة سيظهر المشهد الحقيقي في المنطقة بانكشاف الهزيمة الأميركية و بتبلور معادلات جديدة أقلها ما يحكى عن حرب باردة ستحكم المنطقة بين محور المقاومة والاستقلال بقيادة الحلف الإيراني السوري و بالشراكة مع الثنائي الروسي الصيني من جهة وبين المحور الأميركي الإسرائيلي بالشراكة مع الغرب الأوروبي و الحكومات الإقليمية الدائرة في الفلك الغربي من جهة ثانية .
    وبديل تلك الحرب الباردة ستكون حربا تراود المغامرين في واشنطن وتل أبيب ، ويسميها بعض العقلاء بيوم القيامة أو الحرب العالمية الثالثة لأن ما بيد قوى المقاومة والاستقلال من قدرات دفاعية يفوق جميع التوقعات وقد يذهب هذه المرة بالقاعدة الغربية الثمينة التي اسمها إسرائيل وحيث تتحول القواعد الأميركية في قطر والكويت إلى تفاصيل قد تذهب بها حرائق تلك الحرب.



    وكالة أخبار الشرق الجديد
    تعليقات كتابة تعليق

    اضغط هنا للدخول

    رجاء ادخل الستة أرقام أو الحروف الظاهرة في الصورة.