• خبير إقتصادي: الإكتفاء الغذائي الذي تتمتع به سوريا يمكنها من مقاومة أي ضغط أو حصار

    هل تؤثر العقوبات الاقتصادية على سوريا؟ سؤال يطرح اليوم بشدة، ولاسيما أن كل المعطيات حتى الآن تشير إلى ذلك، والجواب يأتي من الأسواق السورية نفسها التي لم تفقد حتى الآن أي مواد وخاصة أن سوريا كانت قد إتخذت إجراءات احترازية مسبقة لمواجهة مثل هذه التحديات.
    وعن هذا الموضوع نشر موقع الإنتقاد آراء خبراء الإقتصاد.
    أستاذ الإقتصاد في الجامعة الأميركية في بيروت الدكتور كامل وزنه والخبير الإقتصادي حسن مقلد.
    الدكتور كامل وزنة أستاذ الإقتصاد في بيروت يضيء في بداية حديثه على خريطة سوريا الإقتصادية، فيقول إن "موقع سوريا الجغرافي في آسيا الغربية على الساحل الشرقي للبحر الأبيض المتوسط يعتبر موقعاً إستراتيجياً من الناحية التجارية عند ملتقى القارات الثلاث (آسيا وأوروبا وأفريقيا)".
    ويصف وزنة "الإقتصاد السوري بأنه إقتصاد متعدد الموارد يعتمد بشكل أساسي على الزراعة والصناعة والتجارة والسياحة والخدمات، حيث تشكل الزراعة 17% من نسبة الموارد السورية، أما الصناعة 26% فيما يبقى الحيز الأكبر لقطاع الخدمات وهو حوالي الـ 60%". ويشير الى أن "هذا القطاع يشهد في الفترة الحالية تراجعاً ملحوظاً بسب الأحداث الأخيرة التي شهدتها سوريا".
    وزنة يشير إلى أن "الإقتصاد السوري في تركيبته الحالية لا يختلف عن معظم إقتصاديات دول العالم والتي باتت مداخليها تعتمد بشكل رئيسي على قطاع الخدمات". ويلفت إلى أن "هذا الاقتصاد شهد تطورات إيجابية في العقد الأخير من الزمن بحيث إرتفع الناتج القومي في سوريا من عشرة مليارات دولار سنوياً إلى تسعة وخمسين مليار دولار، وأصبحت الصناعات المحلية السورية تصدر إلى الخارج كذلك المنتجات الزراعية السورية".
    ويضيف أن "سوريا هي بلد منتج للنفط الذي تصدر قسماً منه الخارج ولكن الكمية المصدرة ليست بكبيرة. وهي تقدر بحوالي مئة وخمسين ألف برميل يومياً. أما الباقي فهو يذهب إلى الإستهلاك المحلي".
    وعن مدى تأثر الميزان التجاري السوري بمحاولات التضييق الإقتصادي والمالي التي تحاول الدول الغربية فرضه على سوريا يقول الدكتور وزنة: "إن واقع التجارة الخارجية لسوريا يبين أن الأسواق العربية تستقطب حوالي 40% من إجمالي الصادرات السورية. ويعتبر العراق السوق الأكبر للصادرات السورية يليه السوق اللبناني بنسبة 12%. مما يعني أن السوق العربية هي الأهم بالنسبة لسوريا أما بقية الصادرات فهي تذهب إلى أوروبا ودول آسيا وإفريقيا وأميركا الجنوبية ودول جنوب وشرق آسيا إضافة إلى روسيا وإيران، وهذه الأسواق مجتمعة يمكن أن تكون البديل للسوق الأوروبي.
    وزنة يلحظ أيضاً أن "العقوبات الأوروبية على سوريا حتى الآن لم تشمل الصناعات الغير بترولية والتي ما تزال خارج هذا الإطار، ومن المحتمل أن تظل كذلك ذلك أنه بالرغم من تفاقم الأزمات السياسية بين الدول. فان التبادل التجاري عادة ما يبقى بعيداً عن الصراعات السياسية لأن هذا الجانب له طابع مالي وإستخدامه لايصيب فقط الطرف المستهدف بالعقوبات بل هو يضر أيضاً بالطرف الذي يحاول فرض العقوبات".
    إضافة إلى ذلك يقول وزنة إن مسألة الإكتفاء الغذائي الذي تتمتع به سوريا يمكنها من مقاومة أي ضغط أو حصار. كما أن سوريا لا تعاني من مديونية ترهق إقتصادها وتجبرها على إتباع وصفات تفرضها الدول الدائنة وهذا يمنحها مرونة كبيرة في تحديد خياراتها. مما يساعد إلى حد كبير في إحتواء الأزمة المالية والإقتصادية. ذلك لأن فوائد الدين عادة ما تكون باهظة وهي التي تدفع الدول المديونة للرضوخ للشروط السياسية للدول الدائنة.
    وزنة لا يرى أيضاً في "العقوبات النفطية تأثيراً كبيراً على الإقتصاد السوري كون معظم النفط السوري يذهب لتأمين المستلزمات الداخلية والنفط بحد ذاته سلعة ضرروية لكل دول العالم وستجد من يشتريها. فضلاً عن أن العقوبات النفطية لن تصيب سوريا فقط بل هي ستصيب الشركات الأوروبية التي تعمل في مجال التنقيب عن النفط في سوريا".
    ويلفت وزنة من ناحية أخرى إلى أنه "بالرغم من الأحداث التي تعانيها بعض المناطق السورية فإن التقارير الورادة من هناك تشير إلى أن المدن الرئيسية السورية ما زالت تشهد نشاطاً إقتصادياً عادياً وهذا ما أشارت اليه صحيفة "نيويورك تايمز" في عددها الأخير الذي قالت فيه: "إنه رغم الوضع المتأزم في سوريا فإن الأسواق في المدن السورية مازلت تعج بالباحثين عن أحدث الأزياء".
    وزنة يعلق على موضوع العقوبات على الحركة المالية للإقتصاد السوري، فيرى أن "خروج السوريين من التعامل بالدولار إلى اليورو قد يفيد الإقتصاد السوري على المدى الطويل". ويوضح أن "الإيرانيين كانوا سباقين في ذلك. وأنه من الأفضل لسوريا التفتيش عن منظومة مالية خارج إطار هاتين العملتين. وإذا كان بعض المراهنين على سقوط سوريا يعتقدون أن الهدف من هذه العقوبات هو زيادة الضغوطات على فئة التجار السوريين بهدف دفعهم للتخلي عن دعمهم للقيادة في سوريا مما يعجل في سقوطها. فإن هذه المعادلة لن تؤت ثمارها بسب التطور النوعي الكبير الذي أصاب الاقتصاد السوري في العشر سنوات الأخيرة أي منذ إستلام الرئيس بشار الأسد الحكم.
    والذي كان التجار من أكبر المستفيدين منه لجهة إرتفاع القيمة الشرائية عند المواطن السوري ونوعية الخدمات الطبية والتعليمية التي قدمتها القيادة للمواطن السوري".
    وفيما يخلص الدكتور وزنة إلى القول إنه "لا خوف في المدى الراهن على الوضع الإقتصادي في سوريا في ظل محاولات الدول الغربية تكثيف الضغوط عليها ".
    يلفت وزنة إلى أن العقوبات الإقتصادية كما هو معروف تاريخياً لا تؤدي إلى سقوط أنظمة ولكن تضعف البنية الإقتصادية للدول. مشيراً إلى أن السوريين في ظل هذه المعطيات مطالبون بإنتزاع فتيل الإرهاب الذي تمارسه العصابات المسلحة من أراضيهم على وجه السرعة حتى تعود الدورة الإقتصادية الى سابق عهدها.
    ويرى وزنة أيضاً أن "ما يساعد سوريا على تخطي أزمتها الإقتصادية الراهنة أن هذا البلد بتركيبته الاقتصادية والاجتماعية لا يستطيع أن يكون بلداً ليبرالياً في منظومته الإقتصادية. حتى أن الدول الكبرى التي كان إقتصادها ليبرالياً بدأت تعاني من أزمات اقتصادية حادة وإنهيارات كبرى. وفي طليعتها الولايات المتحدة الاميركية والتي هي اليوم الدولة الأولى المأزومة إقتصادياً في العالم. وهو ما يدعو الصناعيين في سوريا في ظل الأوضاع الراهنة إلى الإبقاء على صناعاتهم ولو بأرباح قليلة خوفاً من نشوء أزمة بطالة".
    أما الخبير والمستشار الإقتصادي حسن مقلد فيقول إن "الإقتصاد السوري كان مبنياً منذ بداياته على الزراعة بشكل أساسي. وفي الفترة الممتدة ما بين أوائل السبعينيات ومنتصف الثمانييات قررت سوريا إنتهاج سياسية الإكتفاء الغذائي الذاتي، وذلك تحصيناً لقرارها السياسي بأن تكون دولة ممانعة ومواجهة لكل الخطط الإستعمارية التي تهدف إلى سلبها وسلب العرب حقوقهم الوطنية والقومية. وهذا القرار كان من الطبيعي أن يعرضها لشتى أنواع الضغوطات الإقتصادية الأمنية من الدول الإستعمارية وكان من أبرز تجلياته في تلك المرحلة الإجتياح الإسرائيلي الى لبنان، وحصار إقتصادي عربي على سوريا، تمثل فيما بعد بوقف جميع أنواع التحويلات والاستثمارات مع سوريا". ويشير مقلد إلى أن "سوريا عملت على تحويل هذه الأزمة إلى عنصر إيجابي لإقتصادياتها، حيث عملت على تحويل زراعاتها إلى صناعات زراعية إحتلت مرتبة متقدمة في الأسواق العالمية فتحوّلت سوريا على سبيل المثال من بلد مستورد للحمضيات إلى أحد أكبر بلدان العالم المصدرة للحمضيات كما أن سوريا تحتل اليوم بفضل هذه السياسة المرتبة السادسة عالمياً في تصدير الزيت والزيتون. وهي أيضاً الدولة الوحيدة في العالم التي لا تستورد اللحوم".
    وأضاف مقلد:ة "مع بداية التسعينيات ومع صدور المرسوم التشريعي رقم 10 والذي سمح للقطاع الخاص بالإستثمار في مجالات عدة. بدأت بنية الإقتصاد السوري تتغيّر وهذا الأمر هو موضوع نقاش حتى اليوم بين مختلف الشرائح الإقتصادية والإجتماعية في سوريا وخارج سوريا".
    وقال: "هذا الإنفتاح إستمر مع مجيئ الرئيس بشار الأسد إلى السلطة، حيث سمح بفتح بعض المصارف الخاصة، وأصبح هناك حديث عمّا يعرف بالإقتصاد الاجتماعي".
    ويرى مقلد أن "سياسة الإنفتاح هذه إستفادت منها الدول المناهضة للسياسة السورية. لتمارس ضغوطها على سوريا في أزمتها الراهنة من خلال الشريان المالي. وذلك من خلال بعض القرارات ضد المصارف السورية، ومن خلال الطلب من دول الجوار وضع قيود على التعاملات المصرفية على أشخاص سورييين"، إضافة الى ذلك يقول مقلد إن "الليرة السورية تتعرّض لضغوط هائلة لإضعافها منذ نشوء الأزمة السورية وقد إستخدمت في ذلك أموال هائلة من الخارج".

    ويعتبر مقلد أن "سوريا التي إعتادت المرور بظروف مماثلة من الحصار الإقتصادي قادرة على إيجاد آليات مالية وإقتصادية بديلة وهي متحضرة لها. من خلال إيجاد أسواق بديلة يكاد يكون السوق العراقي أهمها. فالعلاقات الإقتصادية السورية العراقية تمر اليوم بمرحلة متقدمة والموقف الإقتصادي العراقي من سوريا يحمل في طياته موقفاً سياسياً من الحكومة العراقية برفض الحصار على سوريا. مما يعني سقوط جزء هام من المخطط الأميركي التي تحاول الولايات المتحدة تنفيذه ضد سوريا".
    وفيما يرى مقلد أيضاً أن العقوبات النفطية على سوريا لن تضر بالإقتصاد السوري. ذلك أن الصين والهند يمكن أن تكونا السوق البديل للأسواق الأوروبية. وهما تملكان طاقة إستيعابية لهذا النفط تفوق بعشرات المرات قدرة الأسواق الأوروبية. يلفت إلى إن سوريا تستقبل يومياً حوالي 150000 برميل من النفط العراقي في إشارة واضحة من العراقيين على ترابط العلاقات الإستراتيجية مع سوريا.
    ويشير مقلد إلى تملل رجال الأعمال الأتراك من سياسة حكومتهم تجاه سوريا. وهم وراحو يتهمون حكومتهم بتدمير ما بنوه من مصالح مع سوريا ومن خلالها مع بقية العالم خلال سبع سنوات من الإنفتاح. وخاصة بعد أن إعتقدوا أنه لا يوجد بديل عن إستثماراتهم في سوريا فتبين لهم أن الإستثمارات العراقية جاهزة بسهولة لكي تكون بديلاً لإستثماراتهم. مما يعني أن ورقة الضغط التركية على سوريا التي كان البعض يعول عليها في سلم الضغوطات على سوريا تبين أنها ورقة هشة وضعيفة.
    ويؤكد مقلد في جانب آخر على صعوبة فك الترابط بين التجار والصناعيين في سوريا وقيادتها وفق ما يراهن عليه البعض. ذلك أن التجار والصناعيين في سوريا يدركون جيداً أن اي إنفلات في الأوضاع في سوريا سيؤدي إلى تكريس النموذج العراقي أو اللبناني إبان الحرب الأهلية مما سيلحق أفدح الأضرار بمصالحهم.
    ويخلص مقلد إلى القول بأن العقوبات الاقتصادية قد تؤدي الى إضعاف أنظمة ولكن لا تؤدي إلى سقوطها، وأن سياسة العقوبات قد تكون فرصة لتقوية الإقتصاد الداخلي فالعقوبات قد تكون مكسب للصناعة السورية والتجار يمكنهم تعويض واردات الإتحاد الأوروبي من آسيا وبأسعار منافسة، وكذلك من الصناعات الوطنية السورية.
    شكوماكو
    تعليقات كتابة تعليق

    اضغط هنا للدخول

    رجاء ادخل الستة أرقام أو الحروف الظاهرة في الصورة.