• الفيتو الروسي– الصيني صراع دولي خارج المسألة السورية لكنه حسم اللعبة عليها

    الفيتو الروسي– الصيني
    صراع دولي خارج المسألة السورية لكنه حسم اللعبة عليها
    بقلم: د.عماد فوزي شعيبي
    رئيس مركز المعطيات والدراسات الاستراتيجية
    من الحالات القليلة في تاريخ العلاقات الدولية أن تستخدم روسيا أو الصين الفيتو في مجلس الأمن، ولكنها من الحالات النادرة استخدام هذا الفيتو بصورة مشتركة روسية-صينية. و هي من الحالات الأكثر ندرة إطلاقاً لاستخدامه في زمن العالم الحالي (عالم اللا قطبية) الذي دَرَجت الدول العظمى فيه على اتخاذ قرارات في مجلس الأمن؛ إما بالتوافق أو باللغة المُلتبسة (التي حاول الرباعي المتقدم بهذا القرار اعتمادها) أو بتجنب عرض القرار (من أساسه) على مجلس الأمن.المؤكد أن القضية تتجاوز سورية وإن كانت سورية هي محورها وهي التي ستجني جزءاً مهماً من نتائجها الاستراتيجية إن إقليمياً أو دولياً حين انتهاء الأزمة.الفيتو سابق الذكر يتجاوز ذكرى –ولكنه يقارب– مواجهة العملاقين الروسي والأمريكي عام 1962 بخصوص أزمة خليج الخنازير حيث تموضعت أزمة كوبا ونصبت الصورايخ فيها. في كلتا الحالتين، كان العمالقة يقولون كلمتهم في مجلس الأمن بخصوص (كيف سيكون العالم فيما بعد هذه الأزمة). وهذا هو الموضوع.بغض النظر عن محور الأزمة (سورية أو غيرها)، إلا أن القضية هي في مكان آخر؛ أي في المكان الذي يتحدد فيه نوع وطبيعة النظام الدولي الجديد بعد سقوط النظام ثنائي القطبية وتداعي النظام أحادي القطبية ونشوء حالة انتقالية هي نظام اللاقطبية. هذه الحالة الأخيرة (ليست نظاماً من أساسه لكنها) تحولت منذ عام 2006 إلى ما يشبه النظام الدولي بانتظار الحسم الذي تعمل عليه الولايات المتحدة منذ عام 2001 وحتى عام 2006 على قاعدة فلسفة التعددية الثقافية التي يترتب عليها عدة أمور:1. السعي لإلغاء مبدأ السيادة واستبداله بمبدأ التدخل الإنساني.2. السعي لاستخدام مبدأ التدخل الإنساني غطاءً لنوع آخر من (الاستعمار) يهيئ لاستبدال الأنظمة بأنظمة موالية لإعادة تشكيل النفوذ الدولي والمصالح ومنه الانطلاق لتأسيس نظام دولي لا يُراد فيه بأي حال من الأحوال اعتباره نظاماً تشاركياً تظهر فيه قوى جديدة حيث بات واضحاً أن الصين والهند وروسيا والبرازيل وجنوب شرق آسيا يشكلون عنصراً رئيساً في ميزان الكتلة البشرية العالمي وفي ميزان النمو الاقتصادي الدولي، مما يؤهلهم ليس لأن يحلوا مكان دول عظمى تحددها أزمات اقتصادية خانقة فحسب بل لأن يواجهوا إخفاقات سياسية ذات شأن في العالم بأسره، وعلى الأقل أن تأخذ هذه الدول دورها متقاسمة مع ه الدول العظمى التقليدية تسمية الدول العظمى ذات (الفيتو) الذي يسمح لهم أن يقولوا (لا)بما يتناسب مع وزنهم البشري والاقتصادي، حيث لم يعد التسلح أو (الوراثة التاريخية)هما العناصر الرئيسة التي تحدد من هي الدولة العظمى، وإن كان هذا يمكن أن يحدد من له أن يحتفظ من باب (اللياقة!!) السياسية بلقب دولة عظمى بواقع قوى القصور الذاتي أو قوى العطالة؛ أي بواقع استمرار الحال على ما هو عليه على أساس قاعدة أن الدول العظمى لا يجوز أن تُهان بتخفيض مكانتها الدولية وهو طقس من طقوس العلاقات الدولة منذ نحو 100 عام.اللافت في القرار الأخير أنه كان بتقديمه للتصويت عبر فرنسا وبريطانيا والبرتغال وألمانيا. وواضح أن الولايات المتحدة الأمريكية قد نأت بنفسها عن تقديمه (وإن كانت تدعمه بالعمق وإلى ما لا نهاية)، وذلك في محاولة واضحة منها لعدم دخول معركة خاسرة ترى التدافع الفرنسي البريطاني إليها بلا حدود.هو نوع من أنواع المزاودة على الولايات المتحدة حيث لا تريد الدولتان (فرنسة وبريطانيا) أن تعلنا أن عدم تمكن الولايات المتحدة الأمريكية من النجاح في تطبيق هذه الوسيلة لحسم صورة المشهد للنظام الدولي المنشود لا يعني ألا يجرب الأوروبيون (حظهم)!!! بعد أن نجحوا جزئياً في ليبيا؛ حيث يعتبر الفرنسيون والبريطانيون أن شرق المتوسط (سورية ولبنان وفلسطين) من حصتهم التاريخية منذ عهد الاستعمار إلى حيث تسكن بصماتهم في سايكس بيكو!!.إن تبني فرنسا وبريطانيا (والأخيرة بدأت بهذا التبني منذ طوني بلير عام 1999) لمبدأ التعددية الثقافية وإلغاء مبدأ السيادة لصالح مبدأ التدخل الإنساني يعتبر ارتكاساً عن إرث أوروبا لما بعد الغزو النازي في الحرب العالمية الثانية وتكريس مبدأ السيادة ومبدأ المقاومة، وهو بشكل خاص بالنسبة لفرنسا ارتكاس مضاعف لأنه خروج صريح عن الديغولية من ديغوليّ أمريكي الهوى ومُعلمن الثقافة كساركوزي.وإذا ما تأكدت المعلومات التي تتردد عن أن ألمانيا قد أبلغت روسيا بأنها قد تورطت مع المحور الأنغلوساكسوني – الفرنسي بخصوص سورية، ورددت ما ليست مقتنعة به كزعيمة للكتلة الجرمانية وبإرثها السياسي الاستراتيجي المترسخ بعد الحرب العالمية الثانية، فإن التفسيرين الأقرب إلى الحقيقة لدور ألمانيا في مشروع القرار سابق الذكر هما:1. أن ألمانيا لا تريد أن تخرج من النتائج الإيجابية (لو تحققت).2. ولكن الأخطر أنها تريد لفرنسا وبريطانيا أن تتورطا في مواجهة دولية مع روسيا والصين إلى حد الخسارة، ذلك أن مصالح ألمانيا مع روسيا وخصوصاً على المستوى الاقتصادي (خط الغاز المسمى السيل الجنوبي) لا تسمح بأي حال من الأحوال بمواجهة مع روسيا. وعلينا دائماً أن نتذكر أن ليس لألمانيا سياسة خارجية مستقلة منذ ما بعد الحرب العالمية الثانية بحسب الاتفاق الدولي بعد هزيمتها على أن تتبع بريطانيا والولايات المتحدة وفرنسا في السياسة الخارجية باعتبارها دولة مهزومة.أما وقد حدثت هذه المواجهة، فهي فعلياً مواجهة مع بريطانيا وفرنسا والولايات المتحدة حيث تطبق ألمانيا القاعدة الذهبية في العمل السياسي هنا: "ما دام الأحمق يصرّ على الذهاب إلى الهاوية فدعه يذهب واذهب معه لأخذ بقايا ثيابه غنيمة حينما تمسكه قبل أن يسقط".المهم في الأمر أن ما قبل الفيتو ليس كما هو ما بعد الفيتو إن من حيث المواجهة الدولية وإن من حيث التعامل مع المسألة السورية لأن المحذور قد وقع وبات العالم أمام انقسام مُعلن، ستكون سورية –على الأغلب- خارجه لأن أحداً لن يستطيع أن يجعلها بعد اليوم مشروع ساحة عمليات، على الأقل بحسابات موازين القوى الدولية-الإقليمية- المحلية. باختصار سقط المشروع في صيغته المدوّلة.
    تعليقات 1 تعليق
    1. الصورة الرمزية ماجدة2
      ماجدة2 -
      إذا مست سورية بالأذى من قبل مجرمي النيتو و أمثالهم و عملائهم سيكون هذا الزمن زمن إستشهاد الحق
      و سيظل نعي الحق محفورا في صدورنا ، ملتهبا ، نارا تحرق لا يخمدها شيء إلا قبورنا
    تعليقات كتابة تعليق

    اضغط هنا للدخول

    رجاء ادخل الستة أرقام أو الحروف الظاهرة في الصورة.