• قراءة فى وثيقة تسليم السلطة

    قراءة فى وثيقة تسليم السلطة
    تباينت الآراء فى قراءة الإتفاق الموقع من بعض رؤساء الأحزاب والمجلس العسكرى. لكن غلب على الإنتقادات المزايدة على الطرفين وإتهام طرفى الإتفاق بتطويل الفترة الإنتقالية وتغليب المصلحة الحزبية. ولاندرى ماهى المصلحة الحزبية فى هذا الإتفاق. لكن القراءة المتأنية لهذا الإتفاق تجعلنا نسميه بحق "وثيقة تسليم السلطة".
    فأقل الفوائد فى هذا الإتفاق أنها أزاحت الضبابية فى موضوع نقل السلطة بإقرار المجلس العسكرى بصورة واضحة لا لبس فيها بأنه سينقل السلطة للمدنيين وفقا لخارطة طريق محددة وبخطوات ثابتة متفق عليها. ولايفوتنا التأكيد على أنه لاتوجد علامات أو إشارات لنية المجلس العسكرى الإحتفاظ بالسلطة للأبد. فلم يتم رصد أى محاولة لتسويق شخص المشير أو أى عضو آخر فى المجلس العسكرى (راجع حادثة عبدالناصر فى المنشية مثال على الشخصنة والتسويق). فحتى الآن لم يدل المشير أو رئيس الأركان بحديث تلفزيونى أو صحفى يستعرض فيه إنجازاته أو مهاراته. بإختصار المجلس العسكرى لايحاول شخصنة الوضع بل يقدم كل فترة عضوا جديدا لكل مناسبة. حتى حادثة تصوير المشير بلباس مدنى و قيام تلفزيون النظام السابق وصحفى من الفلول بخبث بتسويق المشير كرئيس دون أن يطلب منهم أحد ذلك فشلت وإنتهت بسرعة.
    المعضلة التى تجعل الكثيرين غير راضين عن هذا الإتفاق هى إختزال تسليم السلطة فى تسليم سلطات رئيس الجمهورية لأننا تعودنا على أن جميع السلطات تتركز فى منصب رئيس الجمهورية. لكن النظام الجديد الذى ينشأ وبدأ يتبلور لن يسمح بتركز سلطات مطلقة فى يد رئيس الجمهورية. بل أزعم أن مصر متجهة وبقوة نحو إعتماد النظام البرلمانى.
    ولنقرأ النقاط المهمة التى وردت فى الوثيقة:
    أولا خارطة طريق تسليم السلطة : تسليم السلطة سيكون بشكل كبير من تاريخ إنعقاد مجلس الشعب فى منتصف يناير القادم إن شاء الله. فمجلس الشعب له سلطة التشريع والرقابة وإعتماد أو سحب الثقة من الوزارة. وإذا كان مجلس الشعب سيعتمد أو يسحب الثقة من الوزارة فبالتأكيد سيكون على رئيس الجمهورية (حاليا المجلس الأعلى للقوات المسلحة) إختيار رئيس وزراء قادر على الحصول على أغلبية فى المجلس التشريعى أى أن مجلس الشعب هو من سيختار رئيس الوزراء عمليا. هذا يعنى أنه فى منتصف يناير سيكون قد تم نقل السلطة التشريعية والتنفيذية . وعندما تبدأ عملية كتابة الدستور من يدرى ربما يتحول منصب رئيس الجمهورية إلى منصب شرفى بل أرى أن هذا هو المزاج العام. فيصبح إنتقال سلطات رئيس الجمهورية تحصيل حاصل.
    ثانيا التخلى عن فكرة المبادئ فوق الدستورية : إن توقيع ميثاق شرف وليس مبادئ دستورية لإختيار أعضاء الجمعية الدستورية هو مطلب حيوى يغلق الطريق على المجلس العسكرى للمساس بالإعلان الدستورى بدون إستفتاء شعبى. وهذا ماطالبت به القوى الإسلامية وبعض القوى الليبرالية المعتدلة أى إحترام إرادة الشعب. ومعلوم أن القوى الإسلامية أعطت لضمانات وأبدت إستعداده لتوقيع هذا الميثاق على أن لا يضم لإعلان الدستورى. كما أنه إتفاق الشرف هذا سيكون بين السياسين ولايسستبع أن يضمنه الجيش. أى أنه ليس مبادئ فوق دستورية يجب فرضها على اللجنة بل إلتزام أدبى.
    ثالثا إنتخاب رئيس الجمهورية : تأخير إنتخاب رئيس للجمهورية إلى مابعد إعتماد الدستور الجديد فى رأى فى صالح العمل السياسى لعدة أسباب أهمها أن الرئيس الجديد قد يكون ديكتاتورا أو على الأقل متصلبا فى آرائه لأنه مدعوم بأغلبية شعبية على مستوى الوطن ككل فتكون شرعيته أعلى من نواب مجلس الشعب المنتخبين من دوائر إنتخابية محلية. فيصبح الرئيس المنتخب عاملا معوقا كبيرا فى كتابة دستور ينتزع منه سلطاته التى قد يصر على إستمرارها على الأقل حتى إنتهاء فترة ولايته الأولى. أقول هذا لأن المزاج العام يتجه نحو نظام برلمانى تكون سلطات رئيس الجمهورية محدودة. ولكن و من قال أن الرئيس المنتخب سيكون أكثر ديكتاتورية من المجلس العسكرى الحالى نقول إن الرئيس الآتى بالإنتخاب سيكون أقوى من المجلس العسكرى لأن شرعيته أعلى لأن المجلس العسكرى إكتسب شرعيته من تفويض بملئ فراغ غياب الرئيس أما الرئيس المنتخب فسيكون قادر على تحدى الجميع بما فيهم المجلس التشريعى بما لديه من تفويض شعبى عام.
    رابعا عزل و حرمان أعضاء الحزب الوطنى من العمل السياسى : فى الحقيقة هذه النقطة تم تحميلها أكثر مماتحتمل. ليس لأننا ضد عزل أعضاء الحزب الوطنى ولكن لأنها غير مؤثرة مثلا على الجهات المتعاونة مع الحزب الوطنى أو التى على شاكلته أو حتى التى كانت تقوم بدور المعارضة. فهناك فئات أكثر إجراما من قيادات الحزب الوطنى نفسه ولايمكن محاصرتها بقانون. ومن هذه الفئات زرافات المثقفين الذين كانوا يلمعون وينظرون للنظام و أيضا جماعات الإعلاميين بما فيهم القنوات والصحف الخاصة.
    · قانون الغدر: من العار أن نستدعى قوانين عبدالناصر سيئة السمعة التى إستخدمها للقضاء على الديموقراطية والأحزاب والمعارضة. كما أن هذا القانون فيه شبهة عدم الدستورية لأنك تحرم شخص من العمل السياسى بدون حكم قضائى. بمعنى إذا سن هكذا قانون فلن يسرى القانون من تلقاء نفسه هكذا على أعضاء الحزب الوطنى المنحل بل يجب على المدعى العام تحريك قضية لكل شخص فى الحزب الوطنى لإثبات أنه أولا كان عضوا ثم ينطبق عليه توصيف القانون ثم يصدر حكم قضائى نهائى ساعتها يكون الشخص قد تم حرمانه من ممارسة حقوقه الدستورية السياسية. أو أن يصدر القانون بقائمة بأسماء هؤلاء الأعضاء وفى هذه الحالة سيتم الطعن عليه بعدم الدستورية لأنه سيكون قد حرم من حقوقه الدستورية المشروعة بدون حكم قضائى. ولك أن تعرف أن أعضاء الحزب ثلاثة ملايين منهم ثلاثة آلاف على الأقل مابين قيادات و أعضاء أمانات المحافظات والمدن و أعضاء مجالس الشعب والشورى والمجالس المحلية.
    · إعادة النظر فى المادة الخامسة من قانون الإنتخاب : بما يسمح للأحزاب بالمنافسة على مقاعد الترشيح الفردى. وهذا كان مطلب مهم للأحزاب لغلق الباب على فلول الحزب الوطنى. فالقانون يسمح بالإنتخاب الفردى لتلافى عدم الدستورية ويفتح الباب للأحزاب للمنافسة على هذه المقاعد.
    · تغليظ العقوبات على الجرائم الإنتخابية : هذا هو أساس مكافحة فلول النظام السابق خصوصا هناك الكثير من على شاكلة فلول النظام السابق وغير مدرج فى قوائم الحزب الوطنى المنحل وكان يتبع نفس الأساليب وكان يقدم نفسه فى صورة مستقل أو حتى منتمى إلى حزب معارض.
    · الشعب هو من سيقصى أعضاء الحزب الوطنى ومن على شاكلتهم : يقول البعض أنه يمكن لفلول النظام السابق شراء أصوات. ولكن هذا منطق لايصح بعد الثورة لأن التصويت سيكون من الكثافة بحيث يستحيل معه أن يكون شراء الأصوات مؤثرا. وإذا كان هذا الأسلوب مؤثرا فهو ينطبق على جميع الأحزاب ومرشحى الرئاسة وليس على الفلول فقط. فى رأى أن هناك الكثير من فلول النظام السابق يتمنى أن ينساهم الناس وولن يغامر بالترشح لتكال له الإتهامات وتفتح ملفاته. كما أننا نكون قد إتبعنا منهج النظام السابق فى الإقصاء. سؤال جدلى مهم يجب أن نجيب عليه فى مصر مابعد الثورة ماذا لو إختار الشعب فى إنتخابات نزيهة (وأشدد إنتخابات نزيهة) أعضاء الحزب الوطنى المنحل؟
    خامسا دراسة وقف العمل بقانون الطوارئ إلا فى بعض الجرائم : لقد خان الجميع التوفيق فى هذا البند لأنه لا المجلس العسكرى يملك أن يجزم بسريان قانون الطوارئ ولا الأحزاب فى ترف الموافقة على مده فى بعض الجرائم وشاب البند العوار لعدم تعريف هذه الجرائم. أجمعت آراء الدستوريين وخصوصا المستشار المحترم طارق البشرى على إنتهاء حالة الطوارئ. وقال الكثيرين أنه يمكن كسب قضية سهلة أمام القضاء الإدارى للجزم بإيقاف العمل بالقانون. ولكن ربما هذا بند توافقى من السياسيين لتمرير البنود الأخرى. عموما هو بند كأنه غير موجود لأن هذه قضية قانونية بحتة
    سادسا عدم إحالة المدنيين إلى المحاكم العسكرية : موقف تاريخى يحسب للموقعين على هذا الإتفاق إغلاق ملف محاكمة المدنيين أمام المحاكم العسكرية نهائيا لأنه بالتأكيد لن يحدث فى ظل حكومات منتخبة ديموقراطيا. وإن كنت أود لو أضيف لهذا البند تسوية جميع القضايا التى حكمت فيها المحاكم العسكرية وإعادة محاكمة من يستحق أمام محكمة مدنية.
    ملاحظات عامة على الإتفاق :
    · وقع على الإتفاق عشرة أحزاب من حوالى 60-70 حزبا سواء المشهرين أم تحت التأسيس لكن يتقدمهم الأحزاب المؤثرة كالوفد متقدما الأحزاب الليبرالية و الأحزاب الإسلامية متمثلة فى حزبى الحرية والعدالة وحزب النور. كما لوحظ غياب الجماعات والتجمعات الشبابية التى ليس لديها مشروع حزبى. مع ملاحظة أن هناك بيان موقع عليه من 22 حزبا يطلب تمديد الفترة الإنتقالية. قل ماشئت عن هذه الأحزاب لكن بالنسبة للمجلس هذا فصيل سياسى آخر
    · هذا الإتفاق غير مغلق بمعنى أن الموقعين من السياسيين قد إقتنصوا خارطة طريق ومكاسب حقوقية أما من هم خارج الإتفاق فغير مطلوب منهم التوقيع إلا إذا أرادوا. فعلى غير الموقعين بدلا من توجيه اللوم والتخوين أن يبذلوا جهدا فى إقتناص المزيد والأفضل
    · هناك تحفظ عام على ماجاء فى ديباجة الإتفاق بالقول "أن رؤساء الأحزاب الموقعين على هذا البيان يعلنون تأييدهم الكامل للمجلس الأعلى". لقد عفا الزمن عن مثل هذه المقالات "التأييد الكامل". كان من الأفضل صياغتها بصيغة تأييد كامل للمجلس الأعلى لتنفيذ ماورد بهذه الوثيقة. ولعلها أيضا من باب المجاملة السياسية لأن المكتسبات الموجودة فى الوثيقة عظيمة.عموما أى منصف لابد أن يقدر الدور الذى لعبه المجلس العسكرى مع الإحتفاظ بحق إنتقاد الأداء فى حالة الأخطاء. وهذا ليس تفويضا ولن تمنع هذه النقطة رؤساء الأحزاب من توجيه النقد للأداء السياسى للمجلس.
    كلمة أخيرة : هذا الإتفاق أنقذ البلاد من الدخول فى نفق مظلم من الإعتصامات أو ثورة ثانية كان يمكن أن تصل إلى حد الإستشهاد (طبعا لم ولن يحدث أن تلوث أسلحة الجيش بدماء المصريين) وتضمن أيضا خارطة طريق لتسليم السلطة بغض النظر عن طول الفترة الإنتقالية فى رأى البعض. هذه الوثيقة إجتهاد محمود من الموقعين عليها من السياسيين ومن المجلس العسكرى. أما بعد إنعقاد المجلس التشريعى النتخب فى يناير إن شاء الله فلكل مقام مقال وسيتحدث بإسم الشعب من يملك تفويضا من الشعب .
    محمد أبو راشد المرصفى
    كاتب مصرى
    تعليقات كتابة تعليق

    اضغط هنا للدخول

    رجاء ادخل الستة أرقام أو الحروف الظاهرة في الصورة.