• هل تقرع حوادث الشغب في بريطانيا نواقيس الخطر في أوروبا ؟

    د جميل بغدادي
    سؤال مشروع يستوجب طرحه في هذا التوقيت تحديداً ، هل تقرع حوادث الشغب في بريطانيا نواقيس الخطر في أوروبا ؟ وهل هذه الحوادث كانت اعتباطية أم خطط لها ؟ هل كانت رد فعل على الأوضاع المعيشية السيئة للمحتجين في بريطانيا ؟ هل ما شهدته بريطانيا خلال الأيام القليلة وما يمكن أن تشهده وسواها من دول العالم هو مؤشر لعدم قدرة حكومات العالم السيطرة على شعوبها ؟ أسئلة عديدة تفرض نفسها عما يشهده العالم من ثورات ، وخاصة في الوطن العربي الذي أصبح نقطة اهتمام من قبل العالم ، فهل تتحول أنظار العالم إلى أوروبا لمتابعة تفاصيل ما يجري فيها من أعمال شغب ؟ وهل سنشهد انتقال الأزمة إلى دول أوروبية أخرى وخاصة بعد تخوف ألمانيا من انتقال العدوى إليها ، حيث رأى مسؤول شؤون السياسة الداخلية في ولاية العاصمة برلين ايكهاردت كورتينغ أن انتقال عدوى لندن إلى برلين تعتبر مسألة وقت فالعاصمة الألمانية شبيهة تماماً بلندن اجتماعياً فأحياء الفقراء تعتبر معقلاً للفوضويين الذين ينتظرون الوقت المناسب للقيام بأعمال شغب ، غير أنه سارع بالقول إن الشرطة في برلين على أهبة الاستعداد لمواجهة الشغب . وبالتزامن مع أحداث الشغب هذه فقد اندلعت في 10 آب 2011 اضطرابات كبيرة في العاصمة التشيلية سانتياغو من قبل عشرات الآلاف من الأساتذة والطلاب والأهالي للمطالبة بإصلاحات جذرية من قبل حكومة الرئيس سيبيستيان بينيرا ، حيث تحولت إلى أعمال شغب قامت الشرطة بقمعها باستخدام الهراوات وخراطيم المياه . وهناك تخوف مماثل من قبل الكثير من الدول الأوروبية من هذه الموجة الجديدة التي بدأنا نشهد معالمها بتشجيع من وسائل التواصل الاجتماعي وفي مقدمتها الفيسبوك الذي تحول من وسيلة تواصل اجتماعي إلى مركز تحريض للنهوض ضد الأنظمة الحاكمة في العالم . وقد تم الإعلان بالأمس رسمياً من الشرطة البريطانية أن الفيسبوك من خلال الدعوات التي أطلقها كان السبب الأساس في التحريض على أعمال العنف في البلاد . إن دول العالم تهاجم الدول التي تشهد بلادها الاضطرابات في حال التشويش على الانترنيت لمنع شبكات التواصل الاجتماعي من ممارسة عملها ، في حين كشفت الحكومة البريطانية عن أنها تدرس حالياً إمكانية تعطيل شبكات التواصل الاجتماعي وخدمات الرسائل عبر الانترنت مثل خدمات رسائل بلاكبيري وموقع تويتر خلال أوقات الاحتجاجات بعد إعلان الشرطة أن المحتجين يستخدمون هذه الشبكات في التنسيق فيما بينهم . وأنه من المتوقع فرض حظر التجول في العاصمة لندن وسواها من المدن في حال تأزم الموقف . لقد فرضت الأحداث في بريطانيا نفسها على العالم لتصبح الحدث المهم ولكنه بالتأكيد ليس الأهم وخاصة بالنسبة لبعض الفضائيات العربية ، لأن أبرز حدث لديها وموضوع الساعة والدقيقة والثانية هو ما يجري في سورية من تطورات ومحاولة هذه القنوات جاهدةً إظهار النظام السوري وبمختلف الوسائل بأنه نظام فاسد وأنه يستوجب الاستغناء عنه ، بعد أن عجزت العقوبات الأوروبية من تحقيق ما تصبو إليه وهي أن تصبح سورية مثل ليبيا في قبضة حلف الأطلسي لتنتقم منها وتعبر عن غضبها الدفين من نظام كان لها بالمرصاد طوال لفترة دامت أكثر من أربعين عاماً ، ولأن هذا النظام وحده هو الذي أحبط مخططاتها في المنطقة ، فكانت ثورات الربيع العربي فرصةً سانحة لمحاولة النيل من سورية وصمود شعبها ، وأنا لا أريد أن أتطرق للأزمة التي تشهدها سورية حالياً وقدرتها على التصدي للمخططات الخارجية ، لأن الهدف من المقال هو التركيز على ما يحدث في بريطانيا ، وما هي التطورات التي يمكن أن تنجم في المستقبل في بلادها والدول المجاورة لها ؟ . لقد بدأت الأزمة في بريطانيا منذ أربعة أيام ، بدأت بحوادث شغب في العاصمة البريطانية لندن ، حوادث حملت العنف في طابعها ترافق بتحطيم النوافذ وتكسير السيارات والمحال التجارية وإحراق لها ، وصولاً إلى سرقة ما تصل إليه اليد ، وتطور الأمر بتشجيع من شبكات التواصل الاجتماعي التي دعت الشباب إلى التمرد والشغب وإحداث المزيد من الفوضى ، فازداد عدد المشاغبين إلى درجة أن قوات الأمن عجزت عن مواجهتهم رغم استخدامها القوة المفرطة وخراطيم المياه في عملية قمع مثيري الشغب "الذين لا يحملون أية أسلحة" إلا أن جهودهم أثبتت فشلها في احتواء الأزمة التي انتقلت في اليوم الثاني إلى مدن برمنجهام وليفربول وبريستول وانتقلت في اليوم الثالث إلى مانشستر وسواها من البلدات البريطانية ، وقالت كريستين جونز قائدة شرطة العاصمة أنها لن تتسامح مع هذا العنف المشين ، والتحقيق مستمر لتقديم المسؤولين عنه إلى العدالة” . وعززت الشرطة تواجدها في العاصمة وحدها بنشـر أكثر 16000 من أفرادها . وقد أعلنت وزيرة الداخلية البريطانية تريزا ماي أن المسؤولين عن أعمال العنف والنهب “سيواجهون عواقب أفعالهم ، وناشدت سكان الأحياء المتضررة “التعاون مع الشرطة بصورة بناءة لمساعدتها في تقديم هؤلاء المجرمين إلى العدالة” . ولم يتوقف الأمر عند ذلك ، حيث قطع رئيس الحكومة ديفيد كاميرون إجازته التي كان يقضيها في مدينة توسكانا الإيطالية ليعقد اجتماعاً عاجلاً مع لجنة الطوارئ ووزيرة الداخلية لاحتواء الأزمة . وأقر كاميرون في كلمة ألقاها أمام البرلمان البريطاني يوم أمس الموافق 11 آب 2011 بوجود مشكلة جذرية في المجتمع البريطاني المنقسم على نفسه كاشفاً عن التعاون بين الشرطة البريطانية والشرطة الأمريكية في نيويورك ولوس أنجلوس الأمريكيتين لمكافحة عصابات الشوارع العنيفة المؤلفة من أطفال وأسر منهارة متورطة في الأعمال الأخيرة ، مشيراً إلى أن الحفاظ على الأمن والنظام هو المهمة الأولى للحكومة وذلك بحسب تعبيره . ووصف كاميرون في خطابه ما شهدته بريطانيا بأنه عمل إجرامي لاسيما أن الاعتداءات طالت المحال التجارية ورجال الإطفاء . وحول هذه النقطة تحديداً أريد أن أسأل رئيس الحكومة البريطاني هل ما يحدث في بريطانيا هو عمل إجرامي ؟ وما يحدث في سورية من وجود عصابات مسلحة تستهدف البشر والحجر هو عمل ليس إجرامي ؟ . وقد شبه مندوب سورية في الأمم المتحدة د. بشار الجعفري أعمال العنف التي تشهدها سورية بأعمال الشغب في بريطانيا ، وأعرب الجعفري بعد انتهاء المشاورات المغلقة التي عقدها مجلس الأمن الدولي حول سورية عن دهشته من استخدام المسؤولين البريطانيين كلمة “عصابات” لوصف مرتكبي أعمال الشغب في لندن في الوقت الذي يستنكرون فيه استخدام اللفظ ذاته في سورية . قلنا في أكثر من مقال يجب أن نميز بين المعارضة المسالمة الشريفة التي تطالب بالإصلاحات وتكون في طبيعتها وتوجهاتها مسالمة ولكنها في نفس الوقت ترفض تدويل الأزمة السورية والاستقواء بالخارج بأن يكون أمنها مستهدفاً من حلف الأطلسي وسواه ، وبين الجماعات المسلحة التي تسعى إلى زعزعة الأمن والاسـتقرار وبث الفوضى والخراب . نحن مع المعارضة التي تدعو للقضاء على الفساد ، مع المعارضة التي تنادي بتحقيق حياة أفضل للمواطن السوري ، ولكننا نرفض المعارضة التي تنادي بالتدخل العسكري للقضاء على النظام تنفيذاً لأجنداتها ولمصلحتها الخاصة . هل المعارضة بأن يطالب المعارض السوري رئيس تحرير صحيفة الهدهد د. محي الدين اللاذقاني خلال استضافته في استديو قناة العربية المعروفة بخطها المناهض للأنظمة العربية التي تشهد الأزمات بغض النظر سواءً أكان الثوار على حق أو لا ، باستخدام القوة للقضاء على الأنظمة ؟ ويتحدث علانيةً بأنه من أنصارالحسم العسكري من قبل تركيا إذا لم تتدخل دول حلف الأطلسي ؟ وهذا المعارض ليس وحده بالتأكيد من يوجه مثـل هذه الدعوات فهناك غيره من معارضة الخارج تدعو لهذا الحل ، أهكذا تكون المعارضة برأيكم ؟ أهكذا يكون السـوريون أوفياء لوطنهم ، وحريصون على كرامته وسلامته ؟ إنه منطق أعوج لأشخاص لهم أسبابهم الشخصية في كره النظام ويستغلون الأزمة لتحقيق غاياتهم . نحن لا نريد أن نتهم معارضة الخارج جميعها بأنها تسعى إلى الحل العسكري ، فهناك العديد ممن رفضوا هذا الخيار خلال المؤتمرات الثلاث التي عقدت خارج الوطن ، ورفضوا التدخل العسكري الخارجي تحت أي ذريعة كانت . هناك معارضون يدركون تماماً أن هذا ليس الوقت المناسب للحساب ، لأن سلامة الوطن أهم بكثير من القضايا الفردية . وبالعودة إلى أحداث بريطانيا أقول إن رئيس الحكومة البريطانية ديفيد كاميرون أشار إلى أن حصيلة حملة الاعتقالات التي نفذتها الشرطة خلال الأيام الأربعة الماضية بلغت أكثر من ألفي شخص في شتى أنحاء بريطانيا معتبراً أن اعتقال هؤلاء الأشخاص من واجب السلطات البريطانية من أجل إعادة الأمن والنظام والهدوء إلى البلاد . ولم يكتف بذلك بل سمح للشرطة باستخدام الرصاص المطاطي ، وحذر بأنه سيطلب من الجيش التدخل لحسم الأمور في حال تطورها بشكل أكبر . وهنا أيضاً أريد أن أقول لماذا ازدواجية المعايير ، لماذا يقف القوي دائماً ضد من أقل قوة منه ، ويحاول استعراض عضلاته ، لماذا هددتم باستخدام الجيش وسمحتم باستخدام الرصاص المطاطي ؟ أليس هذا منطق متناقض برأيكم ؟ تسمحون باستخدام الجيش والقوة لقمع من وصفتموهم بالعصابات والمشاغبين ، وتنادون بشعارات حقوق الإنسـان عندما لا يخصكم الموضوع . وهذا ليس لسان حالكم فقط بل سمعنا هذه النغمة ولهجة التهديدات الموجهة للدول التي تشهد اضطرابات من قبلكم ومن قبل دول الاتحاد الأوروبي وأمريكا . وأجزم بأن هذه الدول ستغير أسلوبها وكلامها عندما يتهدد اضطراب وخطر داخلي مدنها ، وأرجو أن تصل الرسالة إلى أصحاب القرار رغم إيماني وقناعاتي المطلقة بأنها لن تصل إليهم لأنهم يريدون تحقيقات أجندات خاصة بهم سواءً أكانت هذه الدولة على حق أم لم تكن في معالجتها للأزمات التي تعصف ببلادها ، لأن إزدواجية المعايير من قبلهم هي التي أصبحت سائدة في القرن الحادي والعشرين . أقول في النهاية إن الاحتجاجات التي شهدتها العديد من المدن البريطانية هي تعبير عن غضب مكبوت لشرائح اجتماعية فقيرة ومهمشة ومحرومة بسبب ظروفها الاقتصادية الصعبة ، والتي أدت بها إلى الخروج إلى الشارع في دولة يفترض أنها إحدى أهم الدول المتقدمة في العالم ، ويؤكد المعلق السياسي في صحيفة الغارديان شيمس ميلين بأن الاضطرابات الأخيرة هي انعكاس لمجتمع تمت إدارته لعقود استناداً إلى الجشع والنهب ، معتبراً أن إصرار رئيس الحكومة ديفيد كاميرون وأصدقائه على أن السبب وراءها إجرامي صرف محاولة منه لتجنب المحاسبة على السياسات التي أدت إلى اندلاع الاضطرابات ، مؤكداً عدم المساواة حيث ارتفعت ثروة الأغنياء الذين يشكلون 10 % في لندن لتصبح أكبر بـ 273 مرة من كل ما يملكه الفقراء فيها ، مع ارتفاع كبير لنسبة البطالة ، ورأى ميلين أن معظم المشاركين في الاضطرابات ليس لهم أي حصة في مجتمع يقصيهم ونظام اقتصادي فاشل . وخلص إلى القول بأن ما نراه الآن عبر المدن الانكليزية هو انعكاس لمجتمع تمت إدارته لعقود استناداً إلى الجشع وفشل مريع في التضامن السياسي والاجتماعي محذراً من خطر أن تعمل مواجهات أثنية على تغذية هذه الاضطرابات .
    شوكوماكو
    تعليقات كتابة تعليق

    اضغط هنا للدخول

    رجاء ادخل الستة أرقام أو الحروف الظاهرة في الصورة.