• تركيا ونهج التدليس الديموقراطي على سوريا؟

    تركيا ونهج التدليس الديموقراطي على سوريا؟

    هل تغامر تركيا باللعب مع واشنطن وبروكسل بالضد من "سوريا المركزية" و"أطرافها" في لبنان وفلسطين والأردن؟. وهل تعود حكومة أنقرة للمخاطرة بمصالحها مع العراق وإيران ودول أخرى، طمعا بـ"عصافير حطت على شجرة" واشنطن وحلف شمال الأطلسي/ناتو، بعد "الثورة" في تونس و"الثورة" في مصر، والإضطراب السياسي الذي "اجتاح" غير دولة عربية؟.
    هوذا السؤال الكبير الذي ما انفك يثار منذ أن بدأت السياسة الخارجية التركية تنزاح صوب المحور الأطلسي ـ "الخليجي"، وهو انزياح يخفي في جوانبه أبعادا "إسرائيلية" أيضا، ما ينافي الوعود التي بثها زعماء حزب "العدالة والتنمية" عن رغبتهم بالإندماج في ما يسمى "الشرق الأوسط الإسلامي"؟.

    "استبقت" حكومة "العدالة والتنمية" نذر "العاصفة الهوجاء" التي كشفت عنها وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون يوم 2 شباط الماضي، وقالت أنها "ستضرب دول الشرق الأوسط"، بتوجيه عدد من "الرسائل" المفاجئة.
    أولا. عمدت الأجهزة الأمنية التركية إلى تفتيش طائرات إيرانية عابرة نحو دمشق. ومن ثم سارعت أنقرة إلى إبلاغ مجلس الأمن الدولي عن "اكتشاف" شحنة عسكرية على متن إحداها، علما بأن حكومة "الإسلاميين" الأتراك على دراية واسعة بطبيعة العلاقة الإستراتيجية بين سوريا وإيران.
    كان محتوى هذه "الرسالة" السياسية التركية واضحا : أنقرة تجد أن الظرف الدولي والإقليمي بات ملائما، لكي تظهر وتمارس اعتراضها على وجود أو حدود العلاقة بين دمشق وطهران. لكن حكومة "الحاج أردوغان" تدرك أن ممارسة العزل الإقليمي بين سوريا وإيران، يخالف مبادئ التكامل الإقليمي بين الدول الإسلامية.
    ثانيا. حينما انقسمت "جامعة الدول العربية" بشأن كيفية معالجة الأزمة الليبية المتفجرة. عارضت سوريا، ومعها الجزائر وموريتانيا، انصياع بعض أعضاء "الجامعة" للإرادة الأميركية ـ الأوروبية، بتوجيه "طلب" إلى مجلس الأمن الدولي لفرض حظر جوي دولي على "الجماهيرية".
    لكن الحكومة "الإسلامية" في أنقرة تجاهلت الموقف العربي السوري ـ الجزائري/الموريتاني، وسارعت إلى "الإنخراط" في ما وصفه وزير الداخلية الفرنسي (وقد اعتذر لاحقا) بـ"حملة صليبية" تطبق على ليبيا. وهذه المشاركة التركية الفاعلة بالعدوان الأطلسي على دولة عربية، عضو في منظمة المؤتمر الإسلامي، أكدها الرئيس عبدالله غول يوم 16 الجاري، حيث قال أن "تركيا هي [الدولة] الوحيدة التي تطبق الحظر على ليبيا، بينما [الأطلسيون] الآخرون لا يفعلون ذلك".
    ثالثا. تفيد المعلومات المتواترة بأن "إدارة" العدوان الإمبريالي على الشعب العربي الليبي تقوم في قواعد أطلسية في إيطاليا واليونان و... تركيا أيضا. ويتوقع الخبراء أن ينتقل حلف شمال الأطلسي/ناتو للعدوان البري على ليبيا في المرحلة القادمة.
    فأهداف "الحملة" لن تتحقق بقتل المواطنين الليبيين وتدمير المرافق المدنية والمنشآت العسكرية الليبية بالقصف الجوي والبحري. في وقت ما سيكون الإجتياح البري أمرا محتما.
    هذا الإحتمال الذي ينكره المعتدون الأطلسيون إلى الآن، يطرح على "إسلاميي" أنقرة سؤالا سياسيا يقلق المواطنين العرب : كيف سيكون موقف تركيا عندما تغزو جيوش الولايات المتحدة وأوروبا أراضي الجماهيرية الليبية في المرحلة المقبلة. وهل ستمنح حكومة "العدالة والتنمية" غطاءا "إسلاميا" (لنتذكر دور الجيش التركي في أفغانستان) لأبطال الجريمة الأميركية ـ الأوروبية "المتسلسلة"؟.
    رابعا : "إن تركيا تريد أن ترى النظام الصحيح في سوريا". إذن، "النظام الصحيح" يجزم الرئيس "المسلم" التركي. سبق غول في نهج التدليس الديموقراطي على سوريا والرأي العام العربي والإسلامي، أخيه "الحاج أردوغان"، وصديقهما الوزير داوود أوغلو، عندما بدآ "يكشفان" لممثلي الدول الغربية (انتبهوا لمن!)، عن عدد المرات التي اتصلا فيها "بالسوريين" لإبلاغهم بوجوب الإنصياع للديموقراطية.
    من بعد، ويا للأسف، يفاجئ المسؤول "الإسلامي" التركي الجمهور العربي، بالحديث عن "الرئيس العلوي وزوجه السنية" في دمشق. أعقبته بأيام "إطلالة" رياض الشقفة (مرشد "الإخوان المسلمين" السوريين) من اسطمبول، تحت رعاية الأجهزة "الديموقراطية" التركية، وهو يحض "الشعب السوري على الإنتفاض ضد النظام"؟!.
    مغزى هذه "الرسائل" الأربعة واضح. العزل الإقليمي، العدوان العسكري، التدليس الديموقراطي، وهناك رسالة خامسة حول "النموذج التركي"، نعود إليها لاحقا. ولقد بثها "إسلاميو" أنقرة في خضم "عاصفة" الدمقرطة الأميركية "الهوجاء"، فكيف لا تكون ريحاً سَموماً على سوريا وكل الرأي العام العربي والإسلامي.
    التوقيت في السياسة الدولية ليس أمرا شكليا. وهذا النفخ "الإسلامي" التركي في ريح المعتدين الأطلسيين و... الصهاينة، ليحملنا على الظن بأن السياسة الخارجية التركية تتجه للتمركز أكثر فأكثر على المحور الأطلسي ـ "الخليجي" المؤيد لـ"إسرائيل"، والمضاد لمحور "سوريا المركزية وأطرافها" المستمسك بالمقاومة العربية للمشروع الصهيوني، وبعروة العلاقة الوثقى بالجمهورية الإسلامية الإيرانية.
    ومن قبيل حق الأخوة "الإسلامية"، نرى أن من المناسب تذكير "الحاج أردوغان" بأن ما كسبه من احترام لدى الرأي العام العربي، والإسلامي، لم يكن بسبب لونه أو دينه، وليس نجاحا لحملة علاقات عامة لحكومته "الإسلامية"، وإنما، أساسا، بفعل اللفتة السياسية الودية التي أظهرها للفلسطينيين شعبا وقضية.
    "الرسائل" التركية "حاج أردوغان" تحير المواطن العربي. وتدفعه للتساؤل عما إذا كانت حكومة أنقرة "الإسلامية،" تقف فعلا مع الحق العربي في فلسطين والجولان ولبنان والعراق. أم أنها أدارت من "على ظهر" العرب حملة علاقات عامة، فيها من مبادئ الديبلوماسية الدولية أكثر مما فيها من موجبات الأخوة "الإسلامية".
    ولنذكِّر، فـ"إن الذكرى تنفع المؤمنين"، بأن القضية الفلسطينية، "حاج أردوغان"، هي القضية المركزية للعرب "الحديثين" ـ "ما بعد العثمانيين". وينبثق البعد الأخلاقي للقومية العربية الحديثة والمعاصرة من الإلتزام بحل هذه القضية حلا عادلا، والذي لا يعني غير الإصرار على خوض الصراع ضد الحركة الصهيونية حتى دحرها واستعادة الحق الفلسطيني السليب. وسوريا هي الحصن القومي العربي الحصين للثورة الفلسطينية المعاصرة، هي ـ حاج أردوغان ـ تقاتل وتقاوم وتفاوض ولا تستسلم.
    فلا تطعنوها من الخلف يا ... "خواجه أردوغان".

    عن موقع الحقول

    تعليقات كتابة تعليق

    اضغط هنا للدخول

    رجاء ادخل الستة أرقام أو الحروف الظاهرة في الصورة.