• تركيا وقطر .. لماذا ؟ .. بقلم ناصر قنديل

    تركيا وقطر .. لماذا ؟ .. بقلم ناصر قنديل

    ينطلق الحديث عن الموقفين التركي والقطري من ذاكرة تكونت خلال سنوات ماضية ، وبعيون ما كان قائما بنظر السوريين ، ومناصري خيار المقاومة قبل ثلاثة شهور ، حيث كانت تركيا هي الدولة التي وقف رئيس وزرائها في مؤتمر دافوس بوجه رئيس كيان العدو شيمون بيريز ، محتجا على عنصرية كيانه وطابعه الإجرامي منسحبا إحتجاجا على عنجهية وغطرسة هذا الكيان الذي يغتصب الأرض والحقوق ويقتل الناس بلاهوادة ، وهي تركيا التي رعت ونظمت أسطول الحرية لفك الحصار عن قطاع غزة ، ورفضت التنازل أمام التهديدات الإسرائيلية لوقف حملة التضامن مع الشعب الفلسطيني المحاصر ، وكانت قطر هي الدولة العربية الخليجية التي وقفت اثناء حرب تموز 2006 دون سواها من الدول الخليجية إلى جانب لبنان ومقاومته ، كما وقفت في 2008 إلى جانب الشعب الفلسطيني بوجه العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة .
    تشكل على هذه الخلفية موقف شعبي حاضن لمواقف تركيا وقطر بين مناصري خيار المقاومة وصار عنوانه كل من الطيب أردوغان وقناة الجزيرة ، وبالرغم من أن موقفهما بقي سياسيا ، ثمن الناس كثيرا هذين الموقفين في زمن القحط العربي والإسلامي ، وإرتفعت أعلام تركيا وقطر في الساحات وداخل البيوت ، و تزامن هذا كله مع جهد بذلته سوريا وخصوصا رئيسها لتشجيع كل من القيادتين التركية والقطرية على تعميق هذه المواقف وتعزيزها ، ومنحت سوريا بشار الأسد للقيادة التركية الحق الحصري بالوساطة في المفاوضات غير المباشرة مع الحكومة الإسرائيلية ، ويوم تدهورت العلاقات التركية الإسرائيلية أقفل الرئيس الأسد الباب أمام الطلبات الأوروبية والفرنسية بصورة خاصة لوراثة تركيا في لعب دور الوسيط ، بل ذهبت سوريا أبعد من ذلك فتوسطت لدى حليفتها الإستراتيجية إيران ، لجعل تركيا وسيطا إلزاميا في الملف النووي الإيراني ، و كذلك تشكل موقف لدى أطراف المقاومة بتشجيع سوري يضع تركيا في موقع أي وساطة محتملة في فك الحصار عن قطاع غزة ، وعلى الضفة الأخرى وتأسيسا على موقف قطر وتقديره لدى القيادة السورية إستجاب حلفاء سوريا في لبنان وفلسطين والسودان بمنح قطر دورا لا يتناسب مع حجمها الإقليمي تكريما لمواقف قيادتها من الصراع مع إسرائيل ومواقفها المساندة لخيار المقاومة .
    تجاوز الموقف الإيجابي من السياستين التركية والقطرية مجموعة من الحقائق التي لا تغيب عن بال القيادة في سوريا ولا عن بال أهل خيار المقاومة ، فتركيا لا تزال عضوا في الحلف الأطلسي ولم تكن هذه العضوية رغم كل الحديث عن التوجه شرقا موضع مراجعة ، وتركيا تحتفظ بعلاقات خاصة مع إسرائيل على مستوى التنسيق العسكري والأمني تجمدت بعض وجوهها لكنها لم تصل إلى طريق التجميد والإغلاق ، وقطر تستضيف أكبر قاعدة أميركية في المنطقة من جهة ، وكانت عراب علاقات التطبيع السياسي والإعلامي والإقتصادي مع إسرائيل ، من جهة أخرى .
    غض النظر عن الإلتباسات المحيطة بالموقفين التركي والقطري لم يكن فعل سذاجة أو حماسة بقدر ما كان فعل قناعة بضرورة تشجيع الإيجابيات في مواقف الطرفين ، لتظهير المصالح المترتبة على الخيارات الجديدة للحكومتين القطرية والتركية ، إنطلاقا من القناعة أن الحكومتين لا تنطلقان من حسابات المبادئ بل من حسابات المصالح ، وأنه كلما بدا عائد الربح من هذه المواقف الجديدة أعلى من الخسائر تمسكت هذه الحكومات بمواقفها ، وإنطلاقا من القناعة بأن الحكومتين في منتصف الطريق بين حلفين متقابلين ، الحلف الأميركي الإسرائيلي وحلف المقاومة والممانعة ، وأن إيقاع الصراع بين هذين الحلفين سيحدد الموقع النهائي لهذين الفريقين .
    في السياق الذي تشهده سوريا ثمة حقائق لا يمكن إغفالها ، فلا تركيا ولا قطر تستطيعان تغليف مواقفهما ، التي تجاوزت حدود الحد الأدني من الموضوعية والحياد كحد ادنى ، أو التضامن المبدئي مع حراك شعبي ، إلى الإصطفاف أبعد من الخندق الصدامي مع سوريا ليصبح الموقفين التركي والقطري رافعة علنية للتحريض والإستهداف ، فتركيا تحولت إلى خندق متقدم للأخوان المسلمين لتنظيم الخطط وتامين التواصل والزج بالقدرات للعمل داخل سوريا ، وقطر جعلت قناة الجزيرة ومشيخة يوسف القرضاوي رأسمالا يوضع في رصيد الحلف المناوئ لسوريا .
    لن تستطيع تركيا أو قطر إقناع أحد بأن موقفيهما نابعين من ذات إعتبار تأييد الحراك الشعبي في البلدان العربية ألأخرى ، ونحن لم نسمع من قطر تجاه ثورة الشعب في البحرين سوى أصوات جنازير الدبابات المشاركة في درع الجزيرة لقمع الثورة ، وتركيا التي نصحت للحظة الأولى بتفادي الفتنة ، تراجعت خلال لحظات عن موقفها وإلتزمت صمت القبور ، وبالمقارنة بين حالتي سوريا والبحرين كل الفوارق الموضوعية لصالح التفهم لموقف الحكومة السورية والتصعيد بوجه الموقف البحريني ، لكن الموقف الأميركي وضع مقياسا ممنوع الحياد عنه، بالرغم من أنه في سوريا حراك لم يستقطب ما يصل إلى نسبة خمسة بالمئة من السوريين بينما طالت الثورة البحرينية بإعتراف خصومها أكثر من تسعين بالمئة ، و بالمقابل تمثل سوريا خط الدفاع الأول بوجه إسرائيل فيما البحرين قاعدة أميركية بحرية كاملة ، إذا كانت ثمة ما يجب أخذه في الحساب ، لكن من الواضح أن الحساب كان وفق الساعة الأميركية وليس وفقا لساعة الحسابات الأخرى ، هي حرب مصيرية ممنوع الحياد فيها .
    في البحرين مذبحة في العتمة بشراكة تركية قطرية ، بحق شعب أعزل خرج يطلب حريته وإستقلال بلده وسقف مطالبه المشاركة ، وفي سوريا قيادة تركية قطرية لإستنهاض الشعب لتمرد مسلح وسياسي وإعلامي ، وتضخيم ونفخ في الفتنة وتنظيم للقوى وحشد للإمكانات والقدرات مالا وإعلاما وسلاحا ومخابرات .
    طبعا السؤال هو ما الذي تغير بحجم كاف لتفسير هذا الإنقلاب ؟ بما بدا أنه خديعة كبرى قادتها الحكومتان لذر الرماد في العيون طوال سنوات ، جرى خلالها شراء الرصيد المعنوي من حساب التضامن مع قضية المقاومة ، ليجري صرف هذا الرصيد دفعة واحدة رهانا بأن يحدث زلزالا كافيا لإسقاط القاعدة المركزية لخيار المقاومة في المنطقة الذي تمثله سوريا .
    الأكيد أنه إنقلاب والأكيد أنه رهان على إحداث زلزال ، والأكيد أن ما يفسره ليس نظرية الخديعة ، بل تطور نوعي إستراتيجي في الإصطفافات الجديدة للجغرافيا السياسية في المنطقة ، فإستعصاء القضية الفسطينية حركت جموده إنتصارات المقاومة ، وفي قلبها سوريا ، وبات الصراع على خط تماس محوره حل يرضي إسرائيل بقدر متواضع من الحقوق العربية ، أم التمسك بالحقوق ، والأنظمة التي راهنت على إسرائيل تتهاوى ، وتحصين إسرائيل والمصالح الأميركية يستدعي من واشنطن تقديم تنازلات كبرى ، لكن الإختيار بين تقديمها لحلف المقاومة أو تقديمها لحلفاء موثوقين مثل تركيا وقطر ، مقابل توليهم تعميم الثورات التي أطاحت مصروتونس لتطال سوريا ، الجائزة هي تقاسم السلطات الجديدة في المنطقة من بوابة إعادة ترتيب حركة جماعة الأخوان المسلمين في المنطقة كحصان للخيار الأميركي الإسرائيلي ، أعيد تنظيمه منذ 2008 وإجتماعات أنقرة وصولا إلى تسليم الأخوان بإتفاقيات كامب ديفيد وتنكرهم لخيار المقاومة ، وتعهدهم ترتيب ملف حركة حماس بإبعاد رموز هذا الخيار ، ولكن أساسا تولي الحراك في سوريا ، وصولا إلى الأردن كمشروع وطن بديل طال إنتظاره بدلا من الدولة الفلسطينية المستقلة .
    الحلقة الراهنة من الصراع واضحة، هل ينتصر الخيار الأميركي الإسرائيلي الذي تقوده تركيا وقطر لحل هزيل للقضية الفلسطينية وإسقاط قوى المقاومة مقابله ، بعدما هزم خيار الإستسلام الذي قاده حلف الإعتدال العربي ؟ أم يتمكن حلف المقاومة والممانعة من كسر الحلقة الجديدة لتصبح المنطقة بأسرها أمام إستحقاق واحد هو القبول بالحل السوري للصراع العربي الإسرائيلي ؟
    حرب عالمية هي بكل المعايير ، حرب تموز جديدة ، والنصر فيها اصعب من نصر تموز ، لكنه أهم وأعظم ، والسباق في المعركة على الشعب السوري وموقعه في هذه الحلقة الخطيرة من الصراع الإستراتيجي على مصير المنطقة ، يستحق الشعب السوري الإصلاحات المستحقة في كل الميادين ، كما قال الرئيس بشار الأسد ، لأن هذا الشعب هو صمام الأمان لربح الجولة ما قبل الخيرة في هذا الصراع ، وبعدها نتحدث عن مستقبل تركيا وقطر والحقوق الضائعة و المستحقة .

    وكالة أخبار الشرق الجديد
    تعليقات كتابة تعليق

    اضغط هنا للدخول

    رجاء ادخل الستة أرقام أو الحروف الظاهرة في الصورة.