• السعودية: اعمدة الارهاب

    السعودية: اعمدة الارهاب

    بقلم د . مضاوي الرشيد
    ان كان لمصر فضل على العالم العربي فهو فضل تعريف هذه الامة المقهورة بمصطلح البلطجية الذي اصبح اليوم مادة دسمة للبحث والنقاش حيث رغم اختلاف البيئات والثقافات الا ان للبلطجية فروعا عربية تنتشر في كل مكان ولكن بنكهة محلية. ينقسم بلطجية النظام السعودي الى فرعين كما تم تفصيله في هذا المقال حيث ان العمود الارهابي الاول يتمسح بالدين والفضيلة لذلك ربما يصح تسميته بميليشيا النظام الدينية اما العمود الثاني فهو اجدر ان يعرف على انه نوع من سماسرة النظام القمعي. وكلاهما يعملان في بيئات مختلفة ومتباينة لان النظام السعودي اعتاد على تقسيم المجتمع الى بيئات دينية واخرى ليبرالية في اكبر عملية لشق الصف ومنع أي خطاب وطني موحد من التبلور لذلك يجب على أعمدة الارهاب ان تعكس هذه الازدواجية القمعية وتتفرد بمساحات منشقة ومتباينة يتم ارهابها بأساليب مختلفة وآليات متعددة ويعمل السماسرة والمليشيا جنباً الى جنب لتفتيت بنية المجتمع وتجنيد الطائفية والقبلية واختراق الشرائح الاجتماعية لتمكين النظام منها وتحكيم السيطرة عليها بوسيلة الارهاب التجسسي القديمة. ومن ثم التعاطي مع الاحرار من قبل اجهزة الامن المختصة التي تكمل حلقة القمع والابتزاز والخوف.



    تمتلئ السجون السعودية بمساجين سياسيين لو دونا اسماءهم لكنا نحتاج الى مجلدات كبيرة. من محمد الودعاني ومحمد البجادي وخالد الزهراني الى مخلف الشمري وسعود الهاشمي وغيرهم من السجناء القدماء الذين دخلوا السجون وحتى هذه اللحظة يبقون حبيسي ارادة اجهزة الدولة والتي اختصت بممارسة ارهاب منظم مدروس ومعمم على شخصيات جريمتها الوحيدة انها لا تقبل بنظام شمولي تعسفي قد ساهم في الحجر على الانسان واستلاب ارادته وتبنيه لفردية مقيتة تبعده عن العمل الجماعي من اجل انتزاع الحقوق.

    لقد نجح هذا الارهاب الذي يمارسه النظام في قطع المجتمع عن اواصر التقارب والعمل الجماعي واستفرد به فردا فردا. والنتيجة هي امتلاء السجون بالابرياء والناشطين الذين يريدون اعادة انسانية المجتمع وحقوقه المدنية والاجتماعية والسياسية. يعتمد هذا النظام السعودي الشمولي على اعمدة ارهاب متنوعة ويزداد اعتماده على هذه الاعمدة كلما ازدادت نسبة انحدار شرعيته وخطابه الذي على اساسه قامت له قائمة.

    في ظل فقدان الشرعية الدينية والسياسية والاقتصادية لم يبق سوى تلك الاعمدة ومن اهمها التالي: اولا اصحاب الاثواب القصيرة والتي ترتبط باجهزة وزارة الداخلية وامارات المناطق الذين يعتبرون اعمدة النظام وعيونه وآذانه التي تخترق الحي والمسجد والشارع وتقوم بغزوات منتظمة ومرتبة لتكتشف ليس ابتعاد الناس عن الدين وتبنيهم لشركيات مزعومة بل مهمتهم الاولى والاخيرة التجسس والتنصت على البشر ورصد تحركاتهم وافكارهم وقراءة ما يدور في صدورهم.

    تحت مظلة الغزوات الموجهة لمعارض الكتاب مثلا هم بالحقيقة عيون النظام وذراعه اليمنى التي ترتبط بآلة القمع التي تتخذ من الدين غطاء لها. ويفتخر هؤلاء بليلة القبض على الكتاب عندما يقع في أيديهم كراس صغير او كتاب كبير خارج عن العلوم المسموح بها حيث ان النظام يسمح فقط بالعلوم التي لا ترفع غباء ولا تزيل غشاوة ويستعرضون انجازهم هذا على صفحات العوالم الافتراضية ليرهبوا البشر ويثيروا في نفوسهم حالة هروب من الواقع المدمر الذي زج النظام اغلبية شعبه به.
    وان كان هدف هؤلاء حماية الفضيلة والابتعاد عن الرذيلة الا ان المهمة الاولى والاخيرة هي القبض على البشر والحجر عليهم وهؤلاء هم نفسهم الذين اتوا بلباس مدني وقبضوا على الشاب الشجاع الذي رفع راية سلمية امام مسجد الراجحي وقال رأيه انه محمد الودعاني الذي اعتقلته جحافل الشر التي تمولها يد النظام وان اتت بدون زي رسمي فهذا له مغزى حيث يظن البعض انهم من ابناء المجتمع المتطوعين للدفاع عن ولي الامر حيث ثارت حميتهم لدولة الاسلام وبعفوية بريئة قرر هؤلاء المرتزقة ان يقتنصوا شابا في ربيع العمر يحلم بمستقبل افضل ويملك جرأة اصبحت غير معتادة في ظل النظام السعودي حيث تقهقر الرجال وانطووا على ذاتهم في عملية هروب جماعية من المواجهة القادمة.

    وبينما يتبختر هؤلاء اصحاب الاثواب القصيرة في ازقة المدن واروقتها الا ان لهم فرعا آخر يجول ويصول على صفحات العوالم الافتراضية يكفر هذا ويفسق ذاك ويطعن في عرض هذا ويبدع آخر. يحرض على القتل والتصفية الجسدية لانه معدوم الفكر وممسوح الهوية سوى تلك التي ترتبط بالنظام والذي يعتمد عليه في استنشاق الهواء الذي يتنفسه رغم ان مهمته خنق الانفاس. فيعين نفسه حارسا للجنة وأبوابها ومشرفا على جهنم ونارها وكأن له سلطة عند رب العالمين وتأثيرا قويا على يوم الحساب وتظل المهمة الصعبة هي التجسس على البشرية وقراءة افكارها في عملية استباقية للحجر على البشر الذين يتوقون الى الحرية والعيش الكريم بعيدا عن حاجب السلطان وعيونه وآذانه.

    وبالسيطرة على الشارع والعالم الافتراضي معا يجد المجتمع السعودي نفسه امام العمود الاول من اعمدة ارهاب النظام.
    ويلي ذلك العمود الثاني الذي يأتيك حليق اللحية والشارب يرقص على انغام هيب هوب النظام فيتململ ويتأفف من القمصان القصيرة واللحى الطويلة لانه يدين بالحرية الفردية والخيارات الشخصية والبارات الليلية حيث توفر له هذه المساحات فرصة نادرة لاختراق المجتمع وطيفه الآخر الذي هرب الى الملذات بعيدا عن المواجهة المباشرة ووجد الملاذ في عملية اغتيال لروح الحرية ومصادرة الحقوق المدنية والسياسية. وان تسكعت هذه الشريحة الارهابية في مساحات الحرية الا انها اكبر عدو للحرية والكرامة لانها شريحة ترتبط بآلة قمعية تلجأ الى الحانة والخمارة والسكر والعربدة التي تتحول الى آلية من آليات النظام الشمولي.
    وكلما ازداد القمع المباشر وغير المباشر تجد المجتمعات المغلوبة على امرها الملاذ في هذه المساحات المخترقة وتبقى العيون والآذان تراقب وتكتب التقارير عن المجتمع في صحوته وسكره لتخنق البشر حيثما تواجدوا وان كانوا في حالة هروب جماعية فرضتها عليهم معطيات القمع وآلياته المتعددة والمتشعبة. ولعمود الارهاب هذا مساحاته الافتراضية ايضا حيث ينشر سمومه بين البشر ويقتنص الاحرار واصحاب الرأي الآخر ومؤخرا وجد هؤلاء ملاذهم في الفيس بوك والتويتر يستعملون الفكاهة والنكتة الساقطة كسقوطهم في مستنقع النظام السعودي وكما نظيرهم المتدين نجدهم يختصون ليس بالرذائل بل بالاجساد وتضاريسها وينسجون الحكايات والاساطير عن ليالي صاخبة لمعارضين وناشطين هم انفسهم ادرى بها.
    ولا يترفع هؤلاء عن دعوات القتل الصريحة يطلقونها يمينا ويسارا على الشرفاء من ابناء الجزيرة الذين رفضوا الظلم ونذروا انفسهم دفاعا عن المظلومين في السجن الكبير.

    ان كان لمصر فضل على العالم العربي فهو فضل تعريف هذه الامة المقهورة بمصطلح البلطجية الذي اصبح اليوم مادة دسمة للبحث والنقاش حيث رغم اختلاف البيئات والثقافات الا ان للبلطجية فروعا عربية تنتشر في كل مكان ولكن بنكهة محلية. ينقسم بلطجية النظام السعودي الى فرعين كما تم تفصيله في هذا المقال حيث ان العمود الارهابي الاول يتمسح بالدين والفضيلة لذلك ربما يصح تسميته بميليشيا النظام الدينية اما العمود الثاني فهو اجدر ان يعرف على انه نوع من سماسرة النظام القمعي.
    وكلاهما يعملان في بيئات مختلفة ومتباينة لان النظام السعودي اعتاد على تقسيم المجتمع الى بيئات دينية واخرى ليبرالية في اكبر عملية لشق الصف ومنع أي خطاب وطني موحد من التبلور لذلك يجب على أعمدة الارهاب ان تعكس هذه الازدواجية القمعية وتتفرد بمساحات منشقة ومتباينة يتم ارهابها بأساليب مختلفة وآليات متعددة ويعمل السماسرة والمليشيا جنباً الى جنب لتفتيت بنية المجتمع وتجنيد الطائفية والقبلية واختراق الشرائح الاجتماعية لتمكين النظام منها وتحكيم السيطرة عليها بوسيلة الارهاب التجسسي القديمة. ومن ثم التعاطي مع الاحرار من قبل اجهزة الامن المختصة التي تكمل حلقة القمع والابتزاز والخوف.

    ومن اجل فهم هؤلاء القائمين على تركيز دعائم ارهاب النظام يجب تفصيل خلفيتهم الاجتماعية والاقتصادية. هم أولاً واخيراً اناس يفتقدون انسانيتهم وجذورهم الاجتماعية وهويتهم الثقافية هم طفيليات انتجتها عمليات تهميش النظام للمجتمع طيلة عقود طويلة.

    يصح تسميتهم بأنهم طبقة تحت الطبقات هم الذين جاءوا الى المدينة وقذفتهم الى طرفها ودخلوا المدرسة وطردتهم طاولاتها هم اصحاب الجذور المبعثرة الفاقدة للعمل والرؤية لا يفهمون معنى الوطن وكل ما يعرفونه علاقات السيد والعبد ليس لهم عنوان او مكان كل ما لهم جروح قذرة ترتبط بأبشع أنواع القمع. هم يعيشون في العتمة حيث تنبت طفيليات العفن وتفوح رائحة الفساد والنتن.
    هم عمود النظام الأجوف المفرغ من محتواه وعليه تطبع صور الاهانة والخنوع وتتهاوى حوله هامات الشرفاء الذين يتربص بهم النظام. يقودون النشطاء الى السجون تماماً كما حصل للأكاديمي الذي جاء الى الوزارة يطالب بالافراج عن والده ومن ثم اقتادوه الى السجن. لا يفرق هؤلاء بين رجل وامرأة لان اعمدة الارهاب النظامية لا تنتظم بشريعة او وثيقة فيهينون النساء تماماً كما يهينون الرجال الشرفاء والاحرار. هم يعيثون فساداً لانهم لا يخضعون لرقيب او حسيب او ضمير بل ان رقيبهم الوحيد هو الذي يوظفهم ويصرف الاموال عليهم وهو الذي يؤمن لهم الحماية بعد ان امنوا حمايته هو.
    عن موقع مجلة رؤية السعودية
    نقلا عن مجلة رؤية

    تعليقات كتابة تعليق

    اضغط هنا للدخول

    رجاء ادخل الستة أرقام أو الحروف الظاهرة في الصورة.