• أول من سن الدية مائة من الإبل عبد المطلب

    من كتاب الأوائل للعسكري
    أول من سن الدية مائة من الإبل عبد المطلب
    أخبرنا جماعة من مشايخنا قالوا: لقي عبد المطلب من قريش أذى كثيراً حين أقام سقاية زمزم وحسدوه حسداً شديداً لانصراف الناس إليها عن غيرها لمكانها من المسجد الحرام، ولأنها بئر إسماعيل عليه السلام، فنذر لئن ولد له عشرة نفر بلغوا معه حتى يمنعوه ليذبحن أحدهم لله عند الكعبة، فلما توافى بنوه عشرة جمعهم ثم أخبرهم بنذره ودعاهم إلى الوفاء لله به فأطاعوه وقالوا: كيف نصنع؟ قال: ليأخذ كل رجل منكم قدحاً وليكتب عليه اسمه ثم ليأتني به ففعلوا، فدخل بهم على هبل وكان أعظم أصنام قريش يضربون عنده بقداحهم لحوائجهم، فقال عبد المطلب للسادن: اضرب على بني هؤلاء بأقداحهم ودخل الكعبة، فقام يدعو الله فضرب بها عليهم، فخرج القدح على عبد الله وكان احب ولده إليه، وكان هو وأبو طالب لفاطمة بنت عمرو بن عابد المخزومي، فأخذ عبد المطلب بيده وأخذ الشفرة، ثم أقبل به إلى اساف ونائلة وهما وثنا قريش اللذان تنحر عندهما ذبائحهم ليذبحه فقامت إليه قريش فقالوا: لا تذبحه أبداً حتى تعذر فيه، ولئن فعلت هذا لا يزال الرجل يأتي بابنه حتى يذبحه فما بقاء الناس على هذا ولو كان فداه أموالنا وانطلق إلى الحجاز فإن فيه عرافة فاستخرها، فانطلق حتى قدم عليها فقالت: كم الدية فيكم؟ قال: عشر من الإبل. قالت: فارجع إلى بلادك ثم قرب صاحبك وعشراً من الإبل واضربن عليه وعليها بالقداح فإن خرجت عليه فزده عشراً من الإبل حتى يرضى ربك، فإن خرجت على الإبل فانحرها عنه فقد رضي ربك ونجى ولدك، فخرج حتى أتى مكة ثم قرب عبد الله وعشراً من الإبل وضرب فخرجت القداح على الإبل فقالت قريش: قد انتهى رضي ربك فقال:والله ما أنصفت ربي خرجت على عبد الله تسع مرات فلم أذبحه وخرجت على الإبل مرة فأذبحها. لا والله حتى أضرب عليها ثلاث مرات فضربوا فخرجت القداح على الإبل فنحرت ثم تركت لا يصد عنها بائس ولا سبع، وولد رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد خمس سنين من هذه القصة.
    أول من سن الدية كذلك النضر بن كنانة
    وذلك أنه قتل أخاه فوداه مائة من الإبل فجرت سنة.
    قال الكميت:
    أبونا الذي سن المئين لقومه ... ديات وعداها سلوفاً مئينها
    فسلمها واستوثق الناس للذي ... تعلل لما سن فيها حروبها
    غنائم لم تجمع ثلاثاً وأربعاً ... مسائل بالإلحاق شتى ضروبها
    (1/3)

    وقال أبو اليقظان: أول من سنها كذلك أبو سيارة العدواني، وهو الذي كان يفيض بالناس من المزدلفة إلى منى على حمار أسود أربعين سنة. فقالت العرب: " أصح من عير أبي سيارة " . فجرت مثلاً. قال؛ وكان من دعائه: اللهم حبب بين نسائنا وبغض بين رعاتنا واجعل المال في سمحائنا. وكان خالد بن صفوان والفضل الرقاش يختاران ركوب الحمير، ويجعلان أبا سيارة قدوة فيه، قال بعضهم لخالد وهو على حمار: ما هذا الركب؟ قال: عير من نسل الكداذ أضم السربال مفتول الأجلاد محملح القوائم يحمل الرحلة ويبلغ العقبة ويقل داؤه ويخف دواؤه ويمنعني أن أكون جباراً في الأرض أو أكون من المفسدين، ولولا ما في الحمار من المنفعة ما امتطى أبو سيارة ظهر عير أربعين سنة.
    وأما الفضل؛ فإنه سئل عن ركوبه الحمار فقال: أقل الدواب مؤونة، وأسهلها جماحاً، وأسلمها صريعاً، وأحفظها مهوى، وأقربها مرتعاً. يرى راكبه وقد تواضع بركوبه ويسمى مقتصداً وقد أسرف في يمنه، ولو شاء أبو سيارة أن يركب في الموسم جملاً مهرياً أو فرساً أعوجياً لفعل، فسمع كلامه أعرابي فقال: الحمار شنار والعير عار منكر الصوت بعيد الفوت متزلق في الوحل متلوث في الضحل. إن وقفته أدلى، وإن أطلقته ولى. مسايره مشرف وراكبه مقرف، كثير الروث قليل الغوث، سريع إلى الفواره بطيء في الفاره. لا ترقأ به الدماء ولا تمهر به النساء ولا يحلب في إناء. وقال بعضهم في وصف بغلة تطأطأت عن خيلاء الخيل وارتفعت عن ذلة العير.
    تعليقات كتابة تعليق

    اضغط هنا للدخول

    رجاء ادخل الستة أرقام أو الحروف الظاهرة في الصورة.