• ((صورٌ مِنَ العزاء في العالَم الآخَر)) - الشاعر زاهر جميل قط

    ((صورٌ مِنَ العزاء في العالَم الآخَر)) - الشاعر زاهر جميل قط


    يقولُ ميّتٌ لِميّتٍ أتى

    لِلتَّوّ مِنْ جَنازتِهْ

    يَجُرُّ خلفَ ظلِّهِ

    مَدامِعَ ابتسامتِهْ:

    "الشُّكرُ للرّبّ المجيدْ

    مُبارَكٌ وصولُكمْ لِعالَمِ البرزخِ

    يا رفيقَنا الجديدْ"

    يبتسمُ الأوّلُ وهْوَ ينحني

    لِيستريحْ

    يصيحُ مِن بعيدْ

    صوتٌ حزينٌ آخَرٌ

    لِمَيِّتٍ حكيمْ:
    "متى العزاءْ؟؟"

    يرُدُّ ذاك الميِّتُ

    المفجوعُ بالأحياءْ :

    "يا سادتي

    العزاءُ في حديقتي

    بعدَ العِشاءْ"
    ................

    صاحَ الإمامُ خاشعاً:

    "تُقامُ يا رفاقَنا

    جنازةُ الأحياءْ

    صلُّوا على الأحياءْ"

    تجمّعَ الأمواتُ

    في حديقةِ المَيْتِ الجديدْ

    تَسَلَّقُوا بِجَمعِهم

    سحابةَ الأحزانْ

    واصطفَّ كلُّ واحدٍ

    فوقَ الصّراطِ السُّندسيْ

    وأجهشَ المكانْ

    علتْ صلاةُ الميّتينْ

    تُعانِقُ الفضاءَ

    في الجِنانْ
    ............
    قالَ الحكيمُ باكياً:

    يا ولدي..

    يا أيُّها المَيْتُ الجديدْ

    عزاؤُنا الشَّديدْ

    بِمَنْ تركْتَ خلفكَ الآنَ

    منَ الأحياءْ

    سَنَنْصِبُ العَزاءْ

    يا لِلمساكينِ الذينَ حُمّلوا

    وِزرَ البقاءْ

    فاهْترأَتْ أحلامُهمْ

    وشاختِ الدُّموعُ والدِّماءْ

    عزاؤُنا العميقْ

    بِمَنْ سيحيا يا بُنيَّ

    مرّةً أخرى هناكَ

    مُرهَقاً بِعُمرهِ

    يجولُ في البلادْ

    بحثاً عنِ الموتِ الَّذي

    قد ماتَ واستراحْ

    فَلْنَجْتمِعْ يا أصدقاءْ

    وَلْنَبْكِ أحياءً هناكَ

    سُجِّلوا

    على قيودِ دفترِ الحياةْ

    ولْتُخْفِضوا الجِباهْ

    وَلْتُعلِنوا الحِدادْ

    سَنُلْبِسُ البرزخَ

    أثوابَ السَّوادْ

    حزناً على العِبادْ
    ............

    ويستمرُّ حزنُهمْ

    لِأربعينَ عامْ

    حزناً على الأنامْ

    فهكذا تُقامُ في البرزخِ كلَّ يومْ

    مَراسمُ العَزاءْ

    حزناً على الأحياءْ

    في العالَم الآخَر إذما

    مَرَّ ذِكْرُ واحِدٍ

    مِنْ عالَمِ الحياةْ

    تُتَمْتِمُ الشِّفاهْ:

    "عليهِ رحمةُ الإلهْ"
    تعليقات كتابة تعليق

    اضغط هنا للدخول

    رجاء ادخل الستة أرقام أو الحروف الظاهرة في الصورة.