• تأثر ديكارت بالغزالي

    الغزالي وديكارت
    يقول ديكارت
    (( أنا اافكر إذاً أنا موجود ! ))

    والغزالي يقول
    (( أنا أريد إذاً أنا موجود قادر ! ))
    فهل كانت مجرد صدفة، البحث يقول لم تكن مجرد صدفة.
    أبو حامد الغزالي حجة الإسلام
    جاء عبد الرحمن البدوي بعمل ضخم في كتاب أسماه «مؤلفات الغزالي» ونُشر سنة 1380 هـ / 1960 م، وفيه تناول البدوي 457 مصنفا يُنسب إلى الغزالي

    كانت الفلسفة في عصر أبي حامد الغزالي قد أثرت في تفكير الكثيرين من أذكاء عصره وسلوكهم، وأدى ذلك إلى التشكيك في الدين الإسلامي والانحلال في الأخلاق، والاضطراب في السياسة، والفساد في المجتمع

    فتصدّى أبو حامد الغزالي لهم بعد أن عكف على دراسة الفلسفة لأكثر من سنتين، حتى استوعبها وفهمها، وأصبح كواحد من كبار رجالها، يقول عن نفسه: «ثم إني ابتدأت بعد الفراغ من علم الكلام بعلم الفلسفة، وعلمت يقيناً أنه لا يقف على فساد نوع من العلوم، من لا يقف على منتهى ذلك العلم، حتى يساوي أعلمهم في أصل ذلك العلم.. فشمرت عن ساق الجد في تحصيل ذلك العلم من الكتب.. ثم لم أزل أواظب على التفكر فيه بعد فهمه قريباً من سنة أعاوده وأردده وأتفقد غوائله وأغواره، حتى اطَّلعت على ما فيه من خداع، وتلبيس وتحقيق وتخييل، واطلاعاً لم أشك فيه»،[38] وألّف في ذلك كتابه "مقاصد الفلاسفة" مبيّناً منهجهم. ثم بعد ذلك وصل إلى نتيجته قائلاً: «فإني رأيتهم أصنافاً، ورأيت علومهم أقساماً وهم - على كثرة أصنافهم - يلزمهم وصمة الكفر والإلحاد، وإن كان بين القدماء منهم والأقدمين، وبين الأواخر منهم والأوائل، تفاوت عظيم، في البعد عن الحق والقرب منه»

    في سنة 1968م تقدم الدكتور محمود حمدي زقزوق برسالته للدكتوراه باللغة الألمانية إلى جامعة ميونيخ بألمانيا، وكانت بعنوان (المنهج الفلسفي بين الغزالي وديكارت)، ونشرت حينها في طبعة جامعية باللغة الألمانية، وصدرت بالعربية في كتاب سنة 1973م.
    في هذه الرسالة اعتبر الدكتور زقزوق أنه أثبت بالنصوص القاطعة، التطابق الواضح بين المنهج الفلسفي لدى كل من الغزالي وديكارت، وهو المنهج المعروف بالشك المنهجي، التطابق الذي فاجأ الأستاذ المشرف على الرسالة راينهارد لاوت، الذي يعد حسب قول زقزوق، من أشد المعجبين بفلسفة ديكارت، وكان يعلن في محاضراته أن الفلسفة الحقيقية بدأت مع ديكارت.
    لهذا كان من الصعب على المشرف الألماني حسب قول الدكتور زقزوق، معرفة أن الغزالي قد سبق ديكارت في اكتشاف واستخدام الشك المنهجي، لكنه مع ذلك لم يعترض على شيء، غير أنه طلب تحويل الرسالة إلى أحد الألمانيين المستشرقين لمراجعة النصوص المترجمة إلى الألمانية لكونه لا يعرف العربية، وكان هذا المستشرق هو أنطون اشبيتالر، الذي وصفه زقزوق بأنه من كبار المستشرقين الألمان، وبعد مراجعة الرسالة لم يغير فيها حرفا واحدا، لكنه رفض فكرة أن يكون ديكارت قد تأثر بالغزالي، وعزا التشابه في المنهج بينهما إلى أنه مجرد توافق أو توارد خواطر، نافيا أن تكون هناك معرفة لديكارت بأفكار الغزالي.

    وفي سنة 1992م صدرت الرسالة في طبعة جديدة باللغة الألمانية، وتوقف عندها الكاتب السويسري كريستوف فون فولتسوجن الذي نشر مقالة في ديسمبر 1993م، بعنوان (هل كان الغزالي ديكارتا قبل ديكارت؟)، أشار إلى أهمية الكتاب مبينا أنه قد كشف عن حقيقة مفادها أن الشك المنهجي الذي يعد عملا تأسيسيا حاسما في الفكر الغربي، مرتبط بالفلسفة الإسلامية في القرن الحادي عشر، أي قبل ديكارت بأكثر من خمسة قرون، كما أشار الكاتب إلى أن التطابق المدهش بين الأفكار الواردة في كتاب “المنقذ من الضلال” للغزالي وكتاب “التأملات” لديكارت، وأن هذه المقارنة التي جرت لأول مرة من الناحية المنهجية، قد برهنت على وجود تطابق أساسي في المنهج الفلسفي لكلا الفيلسوفين.
    هذا الالتقاء الفكري والمنهجي بين الغزالي وديكارت، طالما شغل اهتمام البعض في المجال العربي، الذين توقفوا أمام تساؤلات ظلت بدون إجابات حاسمة، من قبيل: هل تعرف ديكارت على أفكار الغزالي أم لا؟ وهل اطلع ديكارت على كتاب الغزالي (المنقذ من الظلال) مترجما في نسخة مخطوطة، عن طريق بعض المستشرقين الذين ربطتهم بديكارت صلة صداقة أم لا؟ أو عن طريق بعض الكتاب الغربيين الذين سبقوا ديكارت في الاقتباس من الغزالي؟
    والمفترض من هذه المفارقة، أنها تباعد بين الغزالي وديكارت، وتفصل وتفاصل بينهما، وهذا بخلاف الصورة الحاصلة التي جعلت من الممكن المقاربة والموازنة بينهما، ودفعت بالحديث عن أثر وتأثر ديكارت بالغزالي!
    أشار إليه الدكتور محمود زقزوق، الذي يرى أنه ينبغي النظر إلى موقف الغزالي النقدي من مسائل الفلسفة نظرة عادلة، تضع هذا النقد في مكانه الصحيح، ولا تخلط بينه وبين إنكار الفلسفة من حيث هي فلسفة، ولا يبالغ زقزوق إذا قال إن الغزالي بمنهجه الفلسفي قد تقدم عصره بعدة قرون، ولم يلحقه في أفكاره إلا ديكارت أبو الفلسفة الحديثة.
    وحسب هذا الموقف، فإن العلاقة بين الغزالي وديكارت هي بين حالتين من حالات التقدم ولازدهار الفكري والفلسفي، وليس بين حالتين متعارضتين ومتنافرتين، إحداهما تتسم بالتراجع والجمود، وأخرى تتسم بالتقدم والنهوض.
    والذي أراه أن لا تأثير لمسألة التقدم والتراجع في نفي العلاقة أو تعارضها بين الغزالي وديكارت، وذلك لأن الفكرة الواحدة يمكن أن يتحدد مصيرها تقدما وتراجعا، صعودا وهبوطا، حياة أو موتا، بحسب البيئة التي تتصل بها وتتفاعل معها، فالبيئة المتراجعة تتراجع فيها الأفكار حتى الأفكار المتقدمة، والبيئة المتقدمة تتقدم فيها الأفكار وتزدهر.
    ولم يكن ديكارت فقط من تأثر بالغزالي بل كل من الفلاسفة وهم حسب دولهم، الفرنسيون: ديكارت وباسكال وجسندي ومالبرانش، والإنجليزيون: هوبز وبوتلير وكارليل، والهولندي اسبينوزا.
    بين جدلية هيغل وتفكر الغزالي
    آليات التفكر وتوليد المعاني لدى الغزالي تشابه آليات حداثية معاصرة
    أنك تجمع بين فكرتين قد اقتنعت بهما وتستحضرهما معا في عقلك فتولد معنى ثالث منهما
    ماذا قال ول ديورنت عن الغزالي :

    كان رد الفعل الذي نتج من هذه الحركة المتشككة هو ظهور أبي حامد الغزالي أعظم علماء الدين المسلمين، الذي جمع بين الفلسفة والدين، فكان بذلك عند المسلمين، كما كان أوغسطين وكانت الأوربيين
    أحس الغزالي بأنه قد عثر على هذا النوع من المعرفة في تأمل الصوفية الباطني: فالصوفي يقترب من سر الحقيقة المكنون أكثر مما يقترب منه الفيلسوف؛ وأرقى أنواع المعرفة هو التأمل في معجزة العقل حتى يظهر الله للمتأمل من داخل نفسه، وحتى تختفي النفس ذاتها في رؤية الواحد.

    وبهذه النزعة وهذا الزاج كتب الغزالي أعظم كتبه كلها تأثيراً ونعني به كتاب تهافت الفلاسفة واستعان فيه على العقل بجميع فنون العقل، فاستخدم الصوفي المسلم الجدل الفلسفي الذي لا يقل دقة عن جدل كانت Kant ليثبت أن العقل يؤدي بالإنسان إلى التشكك في كل شيء، وإلى الإفلاس الذهني، والانحطاط الخلقي، والتدهور الاجتماعي. وأنزل الغزالي العقل-قبل أن ينزله هيوم Hume بسبعة قرون-إلى مبدأ العلية، وأنزل مبدأ العلية نفسه إلى مجرد التتابع إذ قال إن كل ما ندركه هو أن ب تتبع أ على الدوام ولا ندرك أن أ هي علة ب. ومن أقواله أن الفلسفة، والمنطق، والعلوم لا تستطيع قط أن تثبت وجود الله، أو خلود الروح بل إن الإلهام المباشر هو وحده الذي يؤكد لنا هاتين العقيدتين اللتين لا قيام بغيرهما لأي نظام أخلاقي، وهو النظام الذي لا قيام لأية حضارة إلا به.
    تعليقات كتابة تعليق

    اضغط هنا للدخول

    رجاء ادخل الستة أرقام أو الحروف الظاهرة في الصورة.