• الحركة القومية العربيــة : النـَّـشأة والتَّـطور السياسي ـ أ.د. محمد البكــّـــاء

    الحركة القومية العربيــة : النـَّـشأة والتَّـطور السياسي ـ أ.د. محمد البكــّـــاء

    نشأت قضايا التحرر القومي عامـة في ظروف سيادة النظام الإستعماري أولاً، والإمبريالية ثانياً، ثم تطورت معاركها المصيرية من أجل الحرية، والإستقلال، في ظل ظروف عالمية امتازت بالحركة الديناميكية، فالثـَّـورة الاشتراكية، والنـَّـصر على النازية، ونشـوء النظام الاشتراكي العالمي،ونهوض حركة الشعوب، وفي مقدمتها الطبقة العاملة في الأقطار المتقدمة، وأزمة

    النظام الرأسمالي، كلها خلقت ظروفاً مكـَّـنت الحركات القومية من تحقيق إنجازات رائعـة، وإغناء مضامين هذه الحركات إجتماعياً، وسياسياً، وبذا فإن القضية القوميـة العربيــة لا تختلف في مسيرتها جوهرياُ عن القضايا القومية كافة، على الرغم من (الخصوصية) التي لا يمكن تجاهلها، بحكم تجزئة أقطار الأمة العربية، وتباين أوضاعها، وظروف تطورها، لأن بعض أقطار أمتنا بقي في حوزة السَّلطنة العثمانية المتخلفة زمناً أطـول من غيره،منــذ أن استولت

    السَّلطنة العثمانية على أقطار الوطن العربي، باستثناء المغرب الأقصى في القرن السادس عشر، بعد أن: وصلت الدولة العثمانية إلى طور الكهولة المكتملة، والى أقصى حدود توسعها، باستخدام الوازع الديني في مقاربــة الولايات التي تؤلــف بعض العالم العربي، وتجاوب حـُـكام تلك الولايات مع ذلك، بعد أن كان العثمانيـــون يغازلونهم،ويبشرونهم بانتصارات المسلمين على الكفرة، ويطلبون دعاءهم، ويرسلون لهم الهدايا والغنائم ، إلا أن الحال لم يستمر على ماهو عليه إذ كانت هناك الجمعيات العلمية التي

    تأسست في القرن التاسع عشر، وشكلت البذرة الأولى لنمو الحركة القومية العربية، ويذكرون بشكل خاص (الجمعية العلمية السورية1857م) التي تأسست على قاعدة قومية عربية، ويستشهدون على ذلك بقصيدة إبراهيم اليازجي: ( تَنَبَّهُـــــوا وَاسْتَفِيقُـــوا أيُّهَا العَـرَبُ)، التي ألقيت فيها، وقد تكون هذه الجمعية قد أسهمت في إشاعة الفكرة القومية، والحفاظ على الهوية العربية،ومن متابعتي لهذا الأمر،ثبت لدي:

    أنَّ بدايات الفكـــــرة القومية، قد بدأ قبل (1875م)، أي: إنها بدأت في العام 1840م من خلال (مجمع التهذيب)، و(الجمعية السورية لاكتساب العلوم والفنون)، ورفع المستوى بجهد منظم، إضافة الى( الجمعية العلمية السورية في بيروت عام 1857 م )،التي هدفت إلى إثارة الوعي الوطني في النفوس، ونشر العلوم في البلاد من دون الاقتراب من الأمور الخلافية.
    ولكن المنظمة القومية العربية الأولى التي تأسست تحت أنوار التاريخ، هي:(جمعية حفظ حقوق الملة العربية 1881م)،والتي جاء في بيانها:( الأمة العربية تخاطب المسلمين):”

    فأين أنتم وأين هم، من منكم اليوم أمير،ومن منكم اليوم وزير، ومن فيكم مدير؟ بل كل واحد منكم فقير، وكبيركم مثل صغيركم حقير، والمال والآمال بأيدي الترك…”. ثم لتأخذ اليقظة القومية منفذاً جديداً لها بتأسيس( المنتدى الأدبي) الذي ألفه الطلاب العرب من جميع الولايات العربية في الدولة العثمانية : سوريا ، والعراق ، والحجاز، وليبيا.بعد حل جمعية (الإخاء العثماني 1908م) من قبل جمعية الإتحاد والترقي، بعد قضائها على الثورة المضادة لها.ونشط الطلاب العرب في إلقاء المحاضرات بهدف تعميق اليقظة القومية العربية، وأشرفوا على إصدار صحيفة( لسان العرب)، ولعل البارز في الفكر القومي الذي نشره (المنتدى) وشاع في

    المحافل القومية هو: صدوره عن القاعدة العلمانية، المتحررة من التيار الإسلامي السلفي .
    لذا فإن من الغبن التاريخي تجاهل البدايات الحقيقية لنمو حركة التحرر القومي العربي،لأنّ الحركة القومية ليست وليدة أوائل القرن العشرين،وذلك لأنّ جذرها التاريخي يعود إلى منتصف القرن التاسع عشر،ولهذا الظهور أسبابه، إذْ عاش العرب في اسطنبول في ظل الرابطة

    الاسلامية متساوون في دولة واحدة يجمعهم الولاء للخلافة، ولما تولى (حزب الاتحاد والترقي) (*)الحكم في إنقلاب (27 نيسان 1909م)؛ أخذ الاتحاديون يتجهون الى فكرة التمييز بين العنصر التركي، وغيره بعد أن كان يجمعهم الولاء لتلك الرابطة الاسلامية، وبذلك تغيرت الدولة من كيان إسلامي ذي قوميات متعددة متساوية في الحقوق والواجبات الى كيان عنصري، وبذلك بدأ اضطهاد العرب، والقوميات الاخرى، ومحاولة تتريك هذه القوميات وتحويلها الى أتراك،وتغييب هويتها القومية، فتنادى الشباب العربي في تركيا الى الوقوف بوجه هذه الحملة العنصرية الظالمة؛ منهم:رستم حيدر فكون مع أحمد قدوري، وعارف الشهابي جمعية عربية

    سميت (الجمعية العربية الفتاة) واتخذت شعاراً لها (العمل بالنهوض بالامة العربية الى مصاف الامم الحية واغتنام هذه الفرص لتحقيق هذه الامنية وعدم الانفصال عن الترك) إلا ان هذه الشعار تبدل بعد إعلان الحرب الى العمل من أجل استقلال البلاد العربية وتحريرها من السيطرة العثمانية. وقد انضم اليها بالإضافة الى الثلاثة الأُول كل من: رفيق التميمي،ومحمد المحمصاني، وعبد الغني العريسي، وصبري الخوجة، وتوفيق الناطور، ومن هؤلاء تكونت أول هيئة إدارية لها في باريس سنة 1911م ، وقد انضم عدد آخر من سورية الطبيعية لها، وانتقل

    مركز الجمعية الى سورية بعد عودة مؤسسيها الى بلادهم سنة 1913 م، بعد أن اتخذت من بيروت مقراً رئيساً لها، وتولى الدكتور أحمد قدوري فرعها في دمشق، فاتسع نفوذها، وكثر أعضائها، ولاسيما بعد قيام الحرب العالمية الاولى، وقد التجأ اليها بعد قيام الحرب الأمير فيصل بن الحسين، وعلي رضا الركابي، وياسين الهاشمي، وعدد آخر كثير من العرب، وقد عمل جميع أعضائها بكل اخلاص وتفاني، وهذا مادفع جمال باشا (السفاح) إلى شنق كوكبة خيرة من أعضائها،هم: عبد الغني العريسي، ومحمد المحمصاني، وسيف الدين الخطيب، ورفيق رزق سلوم، وتوفيق البساط، وعارف الشهابي، وعمر حمد، وصالح حيدر.


    _______________________
    (*) جمعية الإتحاد والترقي (Union and Progress Committee) حركة سياسية كانت توجّه مقدرات الدولة العثمانية وتدير شؤونها منذ الانقلاب الدستوري ،إذ وصلت إلى سدة الحكم بعد تحويل السلطنة إلى ملكية دستورية وتقليص سلطات السلطان آنذاك عبد الحميد الثاني في انقلاب( 27 نيسان 1909م)،حتى هزيمة الدولة في الحرب العالمية الأولى، وتوقيع معاهدة مودروس Modrus عام 1918م. وترجع أصول هذه الجمعية إلى العام 1865م حين ظهرت فئة من المثقفين الشبان أطلقوا على أنفسهم اسم «العثمانيون الجدد» أو «العثمانية الفتاة». وقد رأى هؤلاء أن الإصلاحات التي أدخلها رجال التنظيمات منذ العام 1839م قد ضعضعت الأساس الأخلاقي والعقدي للمجتمع العثماني من دون أن تقدم بديلاً مناسباً.
    تأسست جمعية الاتحاد والترقي (بالتركية: İttihad ve Terakki Cemiyeti)، في بادئ الأمر تحت اسم “جمعية الاتحاد العثماني” (بالتركية:İttihad-ı Osmanî Cemiyeti) في 1889م، من قبل طلبة طب بينهم “إبرهيم ساتروفا” و”عبدالله جودت”. هي حركة معارضة و”أول حزب سياسي” في الإمبراطورية العثمانية. ثم تحولت إلى منظمة سياسية على يد “بهاء الدين شاكر” ولتضم أعضاء تركيا الفتاة في 1906 خلال فترة انهيار الإمبراطورية العثمانية. وفي نهاية الحرب العالمية الأولى سيق معظم أعضائها إلى المحاكم العرفية على يد السلطان محمد السادس ليتم سجنهم. تم اعدام بعض من أعضاء المنظمة بعد محاكمة بتهمة محاولة اغتيال أتاتورك في 1926م، في حين بقي الأعضاء الآخرون بممارسة العمل السياسي كأعضاء في الأحزاب السياسية.

    عن فضاء أوروك
    تعليقات كتابة تعليق

    اضغط هنا للدخول

    رجاء ادخل الستة أرقام أو الحروف الظاهرة في الصورة.