• مَرثيَّةُ جَسَد - د عادل المصري

    مَرثيَّةُ جَسَد
    تقولُ ليلى ولَيلُ العَجزِ قد وفَدَا
    يَجتاحُني ألماً والحينُ قَد أفِدا
    لَبِّثْ فقدْ هجمَتْ سودُ النحوسِ أتَتْ
    على بَقِيَّةِ سُؤْرٍ خِلتُهُ نَفِدا
    فلا الجوارِحُ في إبَّانِ فورَتِها
    ولا السَّواعِدُ تَقوى أن تَمُدَّ يدا
    تِسعونَ دبَّتْ دبيبَ النملِ في جَسَدي
    لتُكْمِلَ الهدمَ فيما شذَّ أو صَمَدا
    تَعَمَّقَ الشَّرْخُ في مِرآةِ ذاكِرَتي
    لِتَطْمِسَ القُرْبَ تُبدي ذِكرَ ما بَعُدا
    كأنَّما هي والأيّامُ قد نَتَقَتْ
    سُورَ الشَّبابِ وَخَلَّتْ رَسمَهُ بَدَدا
    يُهَدِّمُ الدَّهْرُ جِسماً ليسَ تُبرِئُهُ
    يَدُ الطبيبِ وإن عانى وإن جَهَدا
    ودَمدَمَ الشيبُ هطَّالاً يُؤَرِّقُني
    واحسرَتاهُ إذا ما الشَّيبُ قد وفَدا
    وعَمَّ رأسي دُوارٌ، باتَ يقلِقُهُ
    ذاكَ الطنينُ ونقصٌ في السَّماعِ بدا
    وأرْبَكَ الجِسمَ ضَغطٌ باتَ يُقلِقُهُ
    نَذِيرُ شُؤمٍ إذا أهمَلْتَهُ صَعَدا
    وراوَدَ السُّدُّ عَيْنِي عنْ تألُّقِها
    فالليلُ والصبحُ في مرآتِها اتَّحَدا
    وَغَضَّنَ الزَّمَنُ العاتي بَريقَ سَناً
    وخدَّدَ الوَجهَ حتَّى خِلتُهُ قِدَدا
    وَفَرَّتِ السِّنُّ تِلوَ السِّنِّ هارِبَةً
    عَبْرَ السنينَ تُذِيقُ العجزَ والدَّرَدا
    أشكو إلى اللهِ شُحَّاً في جَدَا غُدَدٍ
    ضنَّتْ بِمُفْرَزِها بل خِلتُهُ نفِدا
    وبُحَّةُ الصَّوتِ غالَتْ سِحرَ حَنجَرَةٍ
    كانَتْ تُدَنْدِنُ لحناً رائِعاً غَرِدا
    وقَلْقَلَ النَّظمَ أدهانٌ مُصَلِّبَةٌ
    تُحمِّلُ القلبَ أعباءً وقد جُهِدا
    وأزعجَ الهَضمَ أصنافٌ أُحبِّذُها
    كانتْ تروقُ فأمسَتْ تُزعِجُ الكَبِدا
    وكانَ ما كانَ من أيَّامِ جارِحَةٍ
    إذا اشرَأبَّتْ تُثِيرُ الرُّوحَ والجَسَدا
    أمستْ وقد أكَلَتْ أيَّامَها وغَفَتْ
    لا تَسْتَفِيقُ وإنْ كانَ الدَّواءُ: دَدا
    والسَّاقُ تَشكو نـُـمالاً باتَ صاحِبُها
    يَرتاحُ للسَّهلِ يشكو المعْصَ إن صعَدا
    تَقارَبَ الخَطوُ يُنبي قُربَ نَكسَتِهِ
    كالطِّفلِ يخطُو على الكُرسيِّ مُعتَمِدا
    تَرَقَّقَ العَظمُ واستشرى بهِ وهَنٌ
    واحدَودَبَ الظَّهرُ مِنْ أدْوَائِهِ كَمَدا
    وأنهَكَ الجسمَ حُمَّى في مَفاصِلِهِ
    حتّى تَطَلَّبَ مِنْ عُكَّازَةٍ سَنَدا
    تَشَوَّشَ الحِسُّ حِسُّ اللمسِ لو لمَسَتْ

    ورعشَةٌ في يدِ التسعينَ مُزمِنَةٌ
    كَفِّي حَريراً لَخالَتْ لَمْسَهُ مَسَدا
    تَوَسَّفَ الجِلدُ إذ جفَّتْ موارِدُهُ
    لو أمسَكَتْ قلماً لارتَجَّ مُرتَعِدا
    ماذا تبقَّى مِنَ العُمرِ الكئيبِ إذا
    مِنَ الرُّواءِ فعانى اليَبْسَ والجَلَدَا
    ما عِشْتُ مُكتَئِباً أو عِشتُهُ عددا
    وهل بُعيدَ فَواتِ الفَوتِ أمنيةٌ
    وهل ترى بعدَ فَوتِ الفَوتِ مُلْتَحَدا
    قد غادَرَ الدارَ أصحابٌ على عَجَلٍ
    وخَلَّفُوني بِدارِ العَجْزِ مُنفَرِدا
    وغابَ عني طريقٌ كنتُ أسلُكُهُ
    حِسُّ الجِهاتِ توارى حيثما شرَدا
    فذاكَ حالي وحالُ الناسِ في بلدي
    تسارَعَ العُمرُ سَبَّاقاً بِمَنْ وَرَدا
    وعلَّمَتني على الأيَّامِ تَجرِبَتي
    أنْ أشهَدَ الحَقَّ مِعواناً لِمَنْ شَهِدا
    أستغفِرُ اللهَ مِن ذَنْبٍ أنوءُ بِهِ
    حُبُّ الغَواني وشِعرٌ فيَّ قدْ وُلِدا



    د. عادل المصري
    حلب – الأنصاري – ص.ب: 3021
    17/12/2002م
    تعليقات كتابة تعليق

    اضغط هنا للدخول

    رجاء ادخل الستة أرقام أو الحروف الظاهرة في الصورة.