• نظرية الفوضى للورنتز وبوينكر

    تعريف نظرية الفوضى:هي دراسة نوعية للسلوكيات الغير منتظمة والغير مستقرة في أنظمة حتمية لا خطية وحركية، وقد لوحظ السلوك العشوائي عندما لم يكن هنالك تغيرا، وقد وصفت حالة النظام التي تتكيف مع تكرار قيم النظام.السلوك الغير مستقر معقد جدا، فهو لا يتكرر أبدا ويستمر ليبدي المؤثرات من أي اضطراب صغير.يمكن استخدام نظرية الفوضى في دراسة النظم المعقدة والحركية لكشف أساليب الترتيب من خلال التصرفات المشوشة الظاهرة، وطبقا للنظرية الرياضية فالنظام المشوش معرف بأنه يبدي حساسية للشروط البدائية، وللتنبؤ بالحالة المقبلة للنظم، ولكي يكون هذا التنبؤ أقرب ما يكون إلى الصواب، فإننا نحتاج إلى تعريف الحالات البدائية بدقة، وبمجرد ورود الأخطاء ولو كانت طفيفة، فإن التوقعات تبتعد عن الصواب، ومن خلال هذا المفهوم فإنه يصعب التنبؤ بأحوال الطقس.لقد طبقت نظرية الفوضى بدورات العمل، وعلم ديناميكية إحصاء الحيوان، وديناميكية الموائع، وحركة الكواكب والأجرام السماوية، والتيارات الكهربائية في أشباه الموصلات، والحالات الطبية، ونماذج سباق التسلح.أول من بحث في نظرية الفوضى كان عالم الأرصاد إدوارد لورينتز، ففي عام 1960 م، كان يعمل على مشكلة التنبؤِ بالطقس على حاسوب مزود بنموذج لمحاكاة تحولات الطقس، مؤلف من مجموعة مِنْ اثنتا عشرة معادلة لتشكيل الطقس، ويقوم برنامجِ الحاسوبِ هذا بتوقع نظري للطقس.وفي أحد أيام 1961 م، أراد رؤية سلسلة معينة من الحسابات مرة ثانية، ولتوفير الوقت، بدأَ من منتصف السلسلة بدلاً من بدايتها، وقد لاحظ عند عودته أن السلسلة قد تطورتَ بشكل مختلف، وبدلاً من تكرار نفس النمط السابق، فقد حدث تباعد في النمط يَنتهي بانحراف كبير عن المخطط الأصلي للسلسلة الأصلية.وفي النهاية استطاع لورينتز تفسير الأمور، فقد قام الحاسوب بتخزين الأعداد بستة منازل عشرية في الذاكرة، ولكنه كان يظهر ثلاثة أرقام عشرية فقط، وعندما قام لورينتز بإدخال عدد من منتصف السلسلة أعطاه الرقم الظاهر ذو المنازل العشرية الثلاث، و قد أدى ذلك لاختلاف بسيط جدا عن الرقم الأصلي الموجود في الحسابات، ورغم أن هذا الاختلاف بسيط جدا وضئيل، فقد تطور مع تسلسل الحسابات إلى فروق ضخمة تجلت بانحرافات المخططات الواضحة، و كانت الأفكار التقليدية وقتها تعتبر مثل هذا التقريب إلى ثلاثة مراتب عشرية دقيقا جدا، ولم يكن الفيزيائيون يلقون بالا إلى الفروقات التي يمكن أن تنتج بعد مدة من هذه الفروقات الضئيلة في الشروط البدئية للتجربة، لكن لورينتز غير هذه الفكرة، و جاءَ هذا التأثيرِ لكي يعرف بتأثيرِ الفراشة، فكمية الاختلاف الضئيلة في نقاط بداية المنحنيين كانت صغيرة جدا لدرجة تشبيهها بخفقان جناح فراشة في الهواء، لكن آثارها كانت عظيمة لدرجة التنبؤ بإعصار يضرب منطقة من العالم.نظرية الفوضى تعنى بالتنظيمات والأعمال المعقّدة، الديناميكية والغير خطية، والبعيدة عن اتزان النظم، والأداء المستقبلي لا يمكن التنبؤ به من أحداث الماضي والحاضر، و في حالة الفوضى، تسلك التنظيمات طرقا لحظية ومن المستحيل التنبّؤ بها (مشوّشة).أصل نظرية الفوضى:لاحظ البشر طوال آلاف السنين أن أسبابًا صغيرة يمكنها أن تُحدِث نتائج كبيرة غير متوقعة، وما أثار العلماء أنه في بعض المنظومات يمكن أن تقود تغيراتٌ طفيفة في الشروط الابتدائية إلى توقعات متباينة جدًّا، بحيث إن التوقُّع (أو التنبؤ) بحدِّ ذاته يصبح بلا فائدة، فقد برهن الرياضي الفرنسي جاك أدامار، في أواخر القرن الـ 19، على النظرية التالية: إن حركة نقطة مادية بلا احتكاك على سطح تعتمد اعتمادًا حساسًا على الشروط الابتدائية، والمثال الشهير على هذه النظرية هو كرات البلياردو وكيف أننا لا نستطيع التنبؤ الدقيق باتجاهاتها عندما تصطدم ثلاث كرات على الطاولة، وقد فهم العالم بيير دوهم مغزى نظرية أدامار ونشر في عام 1906 ورقة بحثية وضَّح فيها بسهولة أن التنبؤ في هذه الحالات غير مفيد أبدًا بسبب الحاجة إلى معرفة ضرورية للشروط الابتدائية غير المؤكدة، هذا ولم ينتبه هنري بوانكاريه إلى هذه الأبحاث، أو ربما لم يلحظها – وهو من يُدعى (أبا) نظرية الفوضى، وقد نشر في العام 1908م، كتابه العلم والمنهج الذي احتوى فقرة تعتبر أن فكرة المصادفة هي العامل الحاسم في المنظومات الديناميكية، لأننا نجهل بعض العوامل الابتدائية، وقد أُهمِلَتْ أعمالُ الثلاثة الذين ذكرناهم بسبب مجيء النظرية الكوانتية التي عطَّلت أفكار عالم الفيزياء كلَّه، وكذلك بسبب عدم توفر أدوات بحثية مثل نظريات الشغل في رياضيات القياس، وأيضًا بسبب عدم وجود حواسيب تحاكي تجريبيًّا ما هو مبرهَن عليه نظريًّا.وفي عام 1908م، اكتُشِفَ الكوكب نبتون، وأحدث اكتشافُه فرحًا كبيرًا في أوساط مؤيِّدي الميكانيكا النيوتنية الكلاسيكية، لأن هذا الكشف كان متوقَّعًا من رصد الانحرافات الطفيفة في مدار الكوكب أورانوس، و قد حدث أمرٌ غير متوقع في العام 1889م، عندما أنشأ ملك النروِج جائزة لمن يجد حلاً للمشكلة التالية: هل المنظومة الشمسية مستقرة أم لا؟ فقدَّم بوانكاريه حلاً للمشكلة وفاز بالجائزة، و لكن زميلاً له اكتشف لاحقًا أن ثمة خطأً في الحسابات، فأُعطِيَ بوانكاريه مهلة ستة أشهر كي يعالج المسألة إذا أراد الاحتفاظ بالجائزة، وقد وجد بوانكاريه، مذهولاً، أنه لا يوجد حلٌّ للمشكلة، وتوصل إلى نتائج قلبت النظرة المقبولة عن الكون الحتمي الخالص التي سُلِّمَ بها منذ أن وضع إسحاق نيوتن الرياضيات الخطِّية، وبيَّن بوانكاريه في بحث في عام 1890م، أن قوانين نيوتن لا تقدِّم أيَّ حلٍّ لـ(مشكلة الأجسام الثلاثة)، أي كيفية التنبؤ بحركات الشمس والأرض والقمر، ووجد أن تباينات طفيفة في الشروط الابتدائية تُحدِثُ تباينات هائلة في الظواهر النهائية وتتحدى الحالةُ التنبؤات، وهكذا صرفتْ اكتشافاتُ بوانكاريه النظر عن النموذج الخطِّي النيوتوني الذي كان يهمل التغيرات الطفيفة التي تبرز بروزًا غير متوقع.أحدث الجواب السلبي الذي توصَّل إليه بوانكاريه عواقب إيجابية على إبداع نظرية الفوضى، إذ بعد ثمانين عامًا، وفي أوائل العام 1963م، استخدم إدوارد لورنتس رياضيات بوانكاريه واصِفًا نموذجًا رياضيًّا مبسطًا لمنظومة الطقس، مؤلفًا من ثلاث معادلات تفاضلية غير خطِّية مترابطة، واستطاع من خلاله إظهار نِسَب التغير في درجة الحرارة وسرعة الرياح، وبيَّنتْ بعضُ النتائج المدهشة سلوكًا معقدًا ناجمًا عن المعادلات البسيطة المفترضة، وكذلك أظهرتْ أن سلوك منظومة المعادلات كان يعتمد اعتمادًا حساسًا على الشروط الابتدائية للنموذج الرياضي، وأوضح لورنتس بلا لبس مضامين اكتشافه قائلاً: إنه إذا كانت ثمة أخطاء في رصد الحالة الابتدائية لمنظومة( وهذا الأمر يتعذر اجتنابه في المنظومات الواقعية) فإن التنبؤ الدقيق بالحالة المستقبلية للمنظومة يكون مستحيلاً، وقد وصف لورنتس هذه المنظومات التي تُظهِر اعتمادًا حساسًا على الشروط الابتدائية بأنها تحمل أثر الفراشة، وهذا المصطلح الفريد يعود إلى العبارة الشائعة: عندما ترفرف فراشة بجناحيها في هونغ كونغ يمكنها أن تُحدِث سلسلة من الزوابع في تكساس!. تكون المنظومة الشواشية حساسة للشروط الابتدائية، ويتسبب الشواش في نقل المنظومة إلى حالة غير مستقرة، ويعرِّف كامبل الشواش بأنه يلازم تعقيد الطبيعة وتعقيد المعرفة، ويستلزم الجانب الطبيعي من الشواش تَضافُر العلوم الطبيعية كافة، بينما تعالج العلوم الإنسانية الجانب المعرفي من الشواش، ويجد الشواش تعبيرًا عنه إما في شكل صيغة أو دالة أو كليهما، وهو يدرس الاعتماد المتبادل بين الأشياء في حالة البعد عن التوازن، فعندما تكون منظومة مبدِّدة غير خطِّية مفتوحة مرتبطة ببعض العلاقات مع منظومة مفتوحة أخرى، فإن كلا المنظومتين تتقاطعان وتتشابكان وتتقاربان، وعندما ينشأ اضطراب من مصدر داخلي أو خارجي في المنظومات الشواشية فإنها تُظهِر سلوكًا شواشيًّا يتضخم على المستوى الميكروي أو الماكروي (يتضاءل أو يتعاظم)،وقد أجرى إيليا بريغوجين بحوثًا إضافية على المنظومات الديناميكية غير الخطِّية التي تُظهِر اعتمادًا حساسًا على الشروط الابتدائية، فبدأ عمله على المنظومات البعيدة عن التوازن في حقل الترموديناميكا، وقد قادته بحوثُه حول البنيات المبدِّدة غير الخطِّية إلى طرح مفهومي التوازن والـبُعد عن التوازن كي يصف حالة المنظومة، وقد كشفتْ بحوثُه عن شروط البعد عن التوازن التي تقود إلى سلوك منظوماتي مباين للسلوك الذي يتوقعه التفسير المألوف للقانون الثاني في الترموديناميكا، وتنبثق ظواهر التشعب والتنظيم الذاتي عن المنظومات المتوازنة عندما تخضع للاضطراب أو التقلقل، وقد كانت دراسات الاضطراب الخطوة التي قادت إلى نظرية الفوضى (الشواش) التي تحدث عنها بريغوجين كما لو أنه أرسطو: يمكن للمنظومة البعيدة عن التوازن أن تمضي من الوجود إلى الصيرورة، وتبيِّن هذه الصيرورة كيف يولد النظام من الشواش في المنظومات الحرارية والكيميائية، وكذلك في المنظومات الحية.استخدام نظرية الفوضى:استعملت مبادئ نظرية الفوضى وبنجاح لوصف وتفسيّر تنوّع الطبيعيّة و الظواهر الاصطناعيّة. مثال:· التنبؤ بنوبات الصرع.· التنبؤ بأسواق المال.· نماذج نظم التصنيع.· التنبؤ بحالة الطقس.· صنع المقاطع، وهى صور منتجة بواسطة الحاسب الآلي وتطبّق مبادئ نظرية الفوضى.في هذا السيناريو حيث الأعمال تدار باضطراب، وتعقّيد وبيئة يستحيل التنبّؤ فيها، يمكن لمعتقدات نظرية الفوضى أن تكون قيّمة جدّا.مناطق التطبيق تتضمّن:· إستراتيجية الأعمال/إستراتيجية المنشأة.· اتخاذ القرارات المعقّدة.· العلوم الاجتماعيّة.· سلوكيات المنظمّة وتغير المنظمّة.· سلوكيات سوق الأسهم الماليّة و الاستثمار.خطوات في نظرية الفوضى:للتحكم بحالة الفوضى ، يجب مراقبة النظام أو العمليات، وكى نضبط النظام ، فيلزم ما يلى:1. الغرض ، أو الهدف الذي يجب بلوغه من المنظمة، للنظام الذي لديه سلوكيات متوقّعة (حتميّة) و يمكن أن يكون حالة خاصّة من النظام.2. النظام قادر على بلوغ الهدف أو الغرض.3. بعض الوسائل المؤثرة في سلوك النظام. هذه هي مدخلات التحكم أي القرارات ، قواعد القرار ، أو الحالات الابتدائيةقدرات نظرية الفوضى:تلقت نظرية الفوضى تطبيقات واسعة في العصر الحديثة من العلم والتكنولوجيا، فيمكن رؤية الاتصالات والإدارة كنموذج متغير، كما ستقوم به عدّة مناطق أخرى بالأعمال، الأبحاث والدراسة في هذه المنطقة وأكاديميا يمكن أن تكون مفيدة للغاية للعمل والعالم المالي.حدود نظرية الفوضى:تحديد تطبيّق نظرية الفوضى تقع في الغالب في اختيار المعلومات المدخلة، وقد اختيرت الطرق لتحسب هذه البيانات التي تعتمد على الديناميكية التي تتضمن المعطيات وعلى نوع التحليل المستهدف ، الذي يكون بمعظم الأحوال معقدا جدا وليس دقيق دائما.نظرية الفوضى ليست بسيطّة لتجد تطبيق فوري و مباشر في بيئة العمل، غير أنّ تخطيّط بيئة العمل باستخدام معرفة حالة الفوضى فهي بالتّأكيد دراسة جديرة بالاهتمام .
    المصدر: بقلم عبد الله عبدالمجيد
    تعليقات كتابة تعليق

    اضغط هنا للدخول

    رجاء ادخل الستة أرقام أو الحروف الظاهرة في الصورة.