• أصول اعتقاد أهل السنة في معاملة ولي الأمر

    أصول اعتقاد أهل السنة في معاملة ولي الأمر







    الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده؛ وبعد:
    فلقد دأب علماء أهل السنة منذ اشرأبت الفتن وبدأت في الظهور في بداية العصور الإسلامية الأولى ببيان الحق بدليله حيال ما يجب فعله مع إمام المسلمين؛ سواء عدل في سيرته أو جار وظلم وتعدى. وقيامهم بذلك البيان الواضح الجلي في هذه القضية هو استشعارهم بالميثاق والأمانة العلمية الملقاة على عاتقهم ببيان الحق وعدم كتمان العلم؛ ولم يحملهم على ذلك تزلف لأحد أو التقرب إليه بخلع ما ليس له؛ وإنما هو دينٌ يدينون به وطاعة للوحي الذي تعبدوا الله به. وببركة التزامهم بتلك النصوص الشرعية من قرآن وسنة اتضح عبر تاريخ الأمة أن منهج أهل السنة في هذه المسائل من أصح المناهج وأحمدها عاقبة. بخلاف المناهج البدعية الأخرى التي ضلت الطريق الصحيح؛ فأخذت تتخبط خبط عشواء فيها وكانت دوائر السوء عليهم.
    ولعظم هذه المسألة أدرجها علماء أهل السنة في مصنفاتهم العقائدية وجوامع السنة؛ لمسيس الحاجة إليها؛ فقلَّ أن تجد مؤلفاً لأهل السنة في العقيدة إلا وهذه المسألة مدرجة بين تلك المسائل التي تهتم بتصحيح العقيدة أو بتأصيلها. وفيما يلي نماذج من كلام علماء أهل السنة رحمهم الله في بيان تلك الأصول حول هذه القضية المهمة.
    الأصل الأول: السمع والطاعة لولي الأمر في غير معصية
    قال الإمام البخاري في صحيحه: بَاب السَّمْعِ وَالطَّاعَةِ لِلْإِمَامِ مَا لَمْ تَكُنْ مَعْصِيَةً
    7142 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ عَنْ شُعْبَةَ عَنْ أَبِي التَّيَّاحِ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "اسْمَعُوا وَأَطِيعُوا وَإِنْ اسْتُعْمِلَ عَلَيْكُمْ عَبْدٌ حَبَشِيٌّ كَأَنَّ رَأْسَهُ زَبِيبَةٌ".
    7143 - حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ حَدَّثَنَا حَمَّادٌ عَنْ الْجَعْدِ عَنْ أَبِي رَجَاءٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ يَرْوِيهِ قَالَ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "مَنْ رَأَى مِنْ أَمِيرِهِ شَيْئًا فَكَرِهَهُ فَلْيَصْبِرْ فَإِنَّهُ لَيْسَ أَحَدٌ يُفَارِقُ الْجَمَاعَةَ شِبْرًا فَيَمُوتُ إِلَّا مَاتَ مِيتَةً جَاهِلِيَّةً".
    7144 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ حَدَّثَنِي نَافِعٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "السَّمْعُ وَالطَّاعَةُ عَلَى الْمَرْءِ الْمُسْلِمِ فِيمَا أَحَبَّ وَكَرِهَ مَا لَمْ يُؤْمَرْ بِمَعْصِيَةٍ فَإِذَا أُمِرَ بِمَعْصِيَةٍ فَلَا سَمْعَ وَلَا طَاعَةَ".
    7145 - حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ حَفْصِ بْنِ غِيَاثٍ حَدَّثَنَا أَبِي حَدَّثَنَا الْأَعْمَشُ حَدَّثَنَا سَعْدُ بْنُ عُبَيْدَةَ عَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: بَعَثَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَرِيَّةً وَأَمَّرَ عَلَيْهِمْ رَجُلًا مِنْ الْأَنْصَارِ وَأَمَرَهُمْ أَنْ يُطِيعُوهُ، فَغَضِبَ عَلَيْهِمْ، وَقَالَ أَلَيْسَ قَدْ أَمَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ تُطِيعُونِي، قَالُوا: بَلَى، قَالَ: قَدْ عَزَمْتُ عَلَيْكُمْ لَمَا جَمَعْتُمْ حَطَبًا وَأَوْقَدْتُمْ نَارًا ثُمَّ دَخَلْتُمْ فِيهَا، فَجَمَعُوا حَطَبًا فَأَوْقَدُوا نَارًا فَلَمَّا هَمُّوا بِالدُّخُولِ، فَقَامَ يَنْظُرُ بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ، قَالَ بَعْضُهُمْ: "إِنَّمَا تَبِعْنَا النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِرَارًا مِنْ النَّارِ أَفَنَدْخُلُهَا؟؟، فَبَيْنَمَا هُمْ كَذَلِكَ إِذْ خَمَدَتْ النَّارُ وَسَكَنَ غَضَبُهُ فَذُكِرَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: "لَوْ دَخَلُوهَا مَا خَرَجُوا مِنْهَا أَبَدًا إِنَّمَا الطَّاعَةُ فِي الْمَعْرُوفِ".
    وقال الإمام ابن أبي عاصم في كتابه السنة (2 / 492): باب في ذكر السمع والطاعة
    1026- حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ عَمَّارٍ، حَدَّثَنَا مُدْرِكُ بْنُ سَعْدٍ قَالَ: سَمِعْتُ حَيَّانَ أَبَا النَّضْرِ قَالَ: سَمِعْتُ جُنَادَةَ بْنَ أَبِي أُمَيَّةَ عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "اسْمَعْ وَأَطِعْ فِي عُسْرِكَ وَيُسْرِكَ وَمَنْشَطِكَ وَمَكْرَهِكَ وَأَثَرَةٍ عَلَيْكَ وَإِنْ أَكَلُوا مَالَكَ وَضَرَبُوا ظَهْرَكَ".
    1027- حَدَّثَنَا الْحَوْطِيُّ عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ نَجْدَةَ، حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَيَّاشٍ عَنْ عَقِيلِ بْنِ مُدْرِكٍ عَنْ لُقْمَانَ بْنِ عَامِرٍ عَنْ أَبِي رَاشِدٍ الْحُبْرَانِيِّ عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ أَنَّهُ قَامَ فِيهِمْ فَحَدَّثَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَقُولُ: "مَنْ عَبَدَ اللَّهَ لا يُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا وَأَقَامَ الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَسَمِعَ وَأَطَاعَ فَإِنَّ اللَّهَ يُدْخِلُهُ مِنْ أَيِّ أَبُوابِ الْجَنَّةِ فَإِنَّ لَهَا ثَمَانِيَةَ أَبُوابٍ".
    1028- حَدَّثَنَا دُحَيْمٌ، حَدَّثَنَا الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ، حَدَّثَنَا ابْنُ ثَوْبَانَ عَنْ عُمَيْرِ بْنِ هَانِئٍ عَنْ جُنَادَةَ بْنِ أَبِي أُمَيَّةَ أَنَّهُ حَدَّثَهُ عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "عَلَيْكَ بِالسَّمْعِ وَالطَّاعَةِ فِي عُسْرِكَ وَيُسْرِكَ وَمَنْشَطِكَ وَمَكْرَهِكَ وَأَثَرَةٍ عَلَيْكَ وَأَنْ لا تُنَازِعَ الأَمْرَ أَهْلَهُ".
    وقال الإمام الخلال في كتابه السنة (1 / 97): باب "جامع في طاعة الإمام وما يجب على للرعية"، وأورد فيه عدة أحاديث صحيحة كالسابقة؛ تدل على وجوب السمع والطاعة للإمام ما لم يأمر بمعصية.
    وكذلك فعل الإمام الآجري في كتابه الشريعة (1 / 36) حيث قال: باب "في السمع والطاعة لمن ولي أمر المسلمين، والصبر عليهم وإن جاروا، وترك الخروج عليهم ما أقاموا الصلاة".
    وقال الحافظ البيهقي في كتابه الاعتقاد (242): باب "طاعة الولاة ولزوم الجماعة وإنكار المنكر بلسانه أو كراهيته بقلبه والصبر على ما يصيبه من سلطانه".قال تعالى :
    يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ النساء: ٥٩ وقال تعالى : ( وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا النساء: ١١٥
    أخبرنا أبو عبد الله الحافظ وأحمد بن الحسين ومحمد بن موسى قالوا حدثنا أبو العباس محمد بن يعقوب ثنا محمد بن إسحاق الصغاني والعباس بن محمد الدوري قالا حدثنا الحجاج بن محمد الأعور قال: قال ابن جريج:قال تعالى : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ نزلت في عبد الله بن حذافة بن قيس بن عدي السهمي بعثه النبي صلى الله عليه وسلم سرية، أخبرنيه يعلى بن مسلم عن سعيد بن جبير عن ابن عباس حدثنا السيد أبو الحسن محمد بن الحسين بن داود العلوي أخبرنا أبو القاسم عبد الله بن إبراهيم بن بالويه ثنا أحمد بن يوسف السلمي ثنا عبد الرزاق أخبرنا معمر عن همام بن منبه قال هذا ما حدثنا أبو هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من أطاعني فقد أطاع الله ومن يعصيني فقد عصى الله ومن يطع الأمير فقد أطاعني ومن يعص الأمير فقد عصاني".
    أخبرنا محمد بن عبد الله الحافظ أخبرنا أبو بكر بن إسحاق الفقيه أخبرنا أبو المثنى ثنا مسدد ثنا يحيى عن عبيد الله حدثني نافع عن عبد الله عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "السمع والطاعة على المرء المسلم فيما أحب وكره ما لم يؤمر بمعصية فإذا أمر بمعصية فلا سمع ولا طاعة".
    وقال الإمام ابن أبي العز في شرح العقيدة الطحاوية (1 / 379): قوله: (ولا نرى الخروج على أئمتنا وولاة أمورنا وإن جاروا ولا ندعوا عليهم ولا ننزع يدا من طاعتهم ونرى طاعتهم من طاعة الله عز وجل فريضة ما لم يأمروا بمعصية وندعو لهم بالصلاح والمعافاة)
    قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ
    ) وفي الصحيح: عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "من أطاعني فقد أطاع الله ومن عصاني فقد عصى الله ومن يطع الأمير فقد أطاعني ومن يعص الأمير فقد عصاني"، وعن أبي ذر رضي الله عنه قال: "إن خليلي أوصاني أن أسمع وأطيع وإن كان عبدا حبشيا مجدع الأطراف" وعند البخاري: [ولو لحبشي كأن رأسه زبيبة] [وفي الصحيحين أيضا: على المرء المسلم السمع والطاعة فيما أحب وكره إلا أن يؤمر بمعصية [فإن أمر بمعصية] فلا سمع ولا طاعة] [وعن حذيفة بن اليمان قال: كان الناس يسألون رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الخير وكنت أسأله عن الشر مخافة أن يدركني فقلت: يا رسول الله إنا كنا في جاهلية وشر فجاءنا الله بهذا الخير فهل بعد هذا الخير من شر؟ قال: نعم، فقلت: هل بعد ذلك الشر من خير؟ قال: نعم وفيه دخن، قال: قلت: وما دخنه؟ قال: قوم يسنون بغير سنتي ويهدون بغير هدي تعرف منهم وتنكر، فقلت: هل بعد ذلك الخير من شر؟ قال: نعم: دعاة على أبواب جهنم من أجابهم إليها قذفوه فيها، فقلت: يا رسول الله صفهم لنا؟ قال: نعم قوم من جلدتنا يتكلمون بألستنا قلت: يا رسول الله فما ترى إذا أدركني ذلك؟ قال: تلزم جماعة المسلمين وإمامهم فقلت: فإن لم يكن لهم جماعة ولا إمام؟ قال: فاعتزل تلك الفرق كلها ولو أن تعض على أصل شجرة حتى يدركك الموت وأنت على ذلك] [وعن ابن عباس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من رأى من أميره شيئا يكرهه فليصبر فإنه من فارق الجماعة شبرا فمات فميتته جاهلية] وفي رواية: [فقد خلع ربقة الإسلام من عنقه] وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا بويع لخليفتين فاقتلوا الآخر منهما [وعن عوف بن مالك رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "خيار أئمتكم الذين تحبونهم ويحبونكم وتصلون عليهم ويصلون عليكم وشرار أئمتكم الذين تبغضونهم ويبغضونكم وتلعنونهم ويلعنونكم"، فقلنا: يا رسول الله أفلا ننابذهم بالسيف عند ذلك؟ قال: "لا ما أقاموا فيكم الصلاة ألا من ولي عليه وال فرآه يأتي شيئا من معصية الله [فليكره ما يأتي من معصية الله] ولا ينزعن يدا من طاعته].
    فقد دلّ الكتاب والسنة على وجوب طاعة أولي الأمر ما لم يأمروا بمعصية فتأمل قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ
    ) - كيف قال: وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ ، ولم يقل: وأطيعوا أولي الأمر منكم؟ لأن أولي الأمر لا يفردون بالطاعة بل يطاعون فيما هو طاعة لله ورسوله، وأعاد الفعل مع الرسول لأن من يطع الرسول فقد أطاع الله، فإن الرسول لا يأمر بغير طاعة الله بل هو معصوم في ذلك وأما ولي الأمر فقد يأمر بغير طاعة الله فلا يطاع إلا فيما هو طاعة لله ورسوله، وأما لزوم طاعتهم وإن جاروا فلأنه يترتب على الخروج من طاعتهم من المفاسد أضعاف ما يحصل من جورهم بل في الصبر على جورهم تكفير السيئات ومضاعفة الأجور، فإن الله تعالى ما سلطهم علينا إلا لفساد أعمالنا والجزاء من جنس العمل فعلينا الاجتهاد في الاستغفار والتوبة وإصلاح العمل،قال تعالى : ( وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ) الشورى: ٣٠ وقال تعالى :َوَلَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) آل عمران: ١٦٥ و قال تعالى (مَا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللَّهِ وَمَا أَصَابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ وَأَرْسَلْنَاكَ لِلنَّاسِ رَسُولًا وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا) النساء: ٧٩ وقال تعالى : (وَكَذَلِكَ نُوَلِّي بَعْضَ الظَّالِمِينَ بَعْضًا بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ ) الأنعام: ١٢٩ فإذا أراد الرعية أن يتخلصوا من ظلم الأمير الظالم فليتركوا الظلم، وعن مالك بن دينار: أنه جاء في بعض كتب الله: "أنا الله مالك الملك قلوب الملوك بيدي فمن أطاعني جعلتهم عليه رحمة ومن عصاني جعلتهم عليه نقمة فلا تشغلوا أنفسكم بسب الملوك لكن توبوا أعطفهم عليكم".
    الأصل الثاني: حرمة الخروج على ولي الأمر
    وهذا ما قرره الحافظ أبو بكر الإسماعيلي في كتابه اعتقاد أئمة أهل الحديث [ص (75: 76)] حيث قال: (ولا يرون الخروج بالسيف عليهم ولا قتال الفتنة، ويرون قتال الفئة الباغية مع الإمام العدل، إذا كان وجد على شرطهم في ذلك).
    وقال شيخ الإسلام أبو عثمان الصابوني في عقيدة السلف أصحاب الحديث، ص (93): (ولا يرون الخروج عليهم بالسيف وإن رأوا منهم العدول عن العدل إلى الجور والحيف، ويرون قتال الفئة الباغية حتى ترجع إلى طاعة الإمام العدل).
    وقال الإمام الأصبهاني في كتابه الحجة في بيان المحجة (2 / 418): فصل في بيان منع الخروج على أولي الأمر.
    393 - وأخبرنا هبة الله، أخبرنا عمر بن زكار، أخبرنا الحسين ابن إسماعيل حدثنا علي بن مسلم، حدثنا ابن أبي فديك، حدثني عبد الله بن محمد ابن عروة عن هشام بن عروة عن أبي صالح عن أبي هريرة رضي الله عنه أنّ النبي صلى الله عليه وسلم قال: "سيليكم بعدي ولاة فيليكم البر ببره، والفاجر بفجوره، فاسمعوا لهم وأطيعوا في كل ما وافق الحق، وصلوا وراءهم فإن أحسنوا فلهم، وإن أساءوا فلكم وعليهم".
    394 - قال: وأخبرنا هبة الله، قال: أخبرنا محمد بن الحسين الفارسي، أخبرنا أحمد بن سعيد، حدثنا أحمد حدثنا محمد بن يحيى، حدثنا عبد الرزاق أخبرنا معمر عن الزهري عن محمود بن الربيع أن أبا أيوب رضى الله عنه كان يغزو مع يزيد بن معاوية.
    395 - قال: وأخبرنا هبة الله، أخبرنا علي بن محمد ابن أحمد ابن يعقوب، حدثنا أحمد بن خالد الحروري، حدثنا محمد بن يحيى الذهلي، حدثنا قتيبة حدثنا يعقوب بن عبد الرحمن عن أبي حازم عن أبي صالح عن أبي هريرة رضي الله عنه أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: 'عليكم بالطاعة في منشطك ومكرهك ويسرك، وزاد بعضهم، وعسرك وأثرة عليك'.
    الأصل الثالث: النصيحة لولي الأمر
    قال الإمام ابن أبي عاصم في كتابه السنة (2 / 516): باب "ما يجب على الرعية من النصح لولاتها"
    1085- حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ نُمَيْرٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ عَنْ عَبْدِ السَّلامِ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "ثَلاثٌ لا يَغِلُّ عَلَيْهِنَّ قَلْبُ الْمُؤْمِنِ إِخْلاصُ الْعَمَلِ لِلَّهِ وَالنَّصِيحَةُ لِوُلاةِ الأَمْرِ وَلُزُومُ جَمَاعَتِهِمْ فَإِنَّ دَعْوَتَهُمْ تُحِيطُ مِنْ وَرَائِهِمْ".
    1089- حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ حُمَيْدٍ، حَدَّثَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ وابْنُ أَبِي حَازِمٍ عَنْ سُهَيْلِ بْنِ أَبِي صَالِحٍ عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَزِيدَ عَنْ تَمِيمٍ الدَّارِيِّ أَنّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "الدِّينُ النَّصِيحَةُ، قَالُوا لِمَنْ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ لِلَّهِ وَلِرَسُولِهِ وَلأَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ وَعَامَّتِهِمْ"، قَالَ ابْنُ عُيَيْنَةَ وَكَانَ عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ حَدَّثَنَاهُ عَنِ الْقَعْقَاعِ بْنِ حَكِيمٍ عَنْ أَبِي صَالِحٍ فَلَقِيتُ سُهَيْلا فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لَهُ فَقَالَ أَنَا سَمِعْتُ عَطَاءَ بْنَ يَزِيدَ يُحَدِّثُ بِهِ أَبِي.
    وقال الإمام ابن منده في كتابه الإيمان (1 / 424): "وأما النصيحة لأئمة المسلمين فحب صلاحهم ورشدهم وعدلهم واجتماع الأمة عليهم وكراهية افتراق الأمة عليهم والتدين بطاعتهم في طاعة الله والبغض لمن أراد الخروج عليهم. اهـ.
    وقال ابن بطة العكبري في الشرح والإبانة على أصول السنة والديانة (1 / 260) "اَلنَّصِيحَةُ لِأَئِمَّةِ اَلْمُسْلِمِينَ وَعَامَّتِهِمْ": ثُمَّ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ اِعْتِقَادُ الدِّيَانَةِ بِالنَّصِيحَةِ لِلْأَئِمَّةِ وَسَائِرِ اَلْأُمَّةِ فِي اَلدِّينِ وَالدُّنْيَا وَمَحَبَّة الْخَيْرِ لِسَائِرِ اَلْمُسْلِمِينَ, تُحِبُّ لَهُمْ مَا تُحِبُّ لِنَفْسِكَ, وَتَكْرَهُ لَهُمْ مَا تَكْرَهُ لِنَفْسِكَ.
    والحمد لله رب العالمين، وهو المستعان وعليه التكلان ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين.
    مجلة إذاعة القران
    تعليقات كتابة تعليق

    اضغط هنا للدخول

    رجاء ادخل الستة أرقام أو الحروف الظاهرة في الصورة.