• الانتصار بالنكهة السورية

    من تكسير قرون (الحَمَدين: عبد التلمود الأجير، وعبد الليكود الصغير)
    إلى تكسير قرون (سعود الصغير عبد الناتو)

    لم يعد الآن بإمكان حمد وسعود ممارسة أي ضغط دبلوماسي على سورية، بل على العكس الضغوط الآن تنصب عليهم هم، والزيارات الأميركية الأخيرة هي خير مثال.
    روسيا خلال الأسابيع الماضية وجهت سيلا من الانتقادات للسعودية وقطر بدءا من اتهامهما بدعم الإرهاب ووصولا لاتهامهما بالسعي لإفشال مهمة كوفي عنان، وعنان قبل يومين دعا هذين البلدين بالاسم لكي يدعما مهمته. أي أن السعودية وقطر صارتا رسميا طرفا في النزاع مع سورية ولم تعودا دولتين وسيطتين كما حاولتا طرح نفسيهما في البداية.
    أمام كل هذا التراجع والانحدار الدبلوماسي فَقَدَ حمد وسعود القدرة حتى على المناطحة الدبلوماسية ولم يبق لهما إلا المناطحة الإعلامية حصرا.
    المناطحة الإعلامية بدأت تأخذ طابعا بائسا. قناة العربية تذيع كل يوم خبرا كبيرا يتبين أن لا أساس له من الصحة. قبل أيام تحدثوا عن الطائرة التي قصفت حلب وفرت إلى تركيا، وبالأمس تركيا نفت هذا الخبر من أساسه. وبالأمس وتعليقا على زيارة الرئيس السوري إلى حمص زعمت قناة العربية أن الأسد تعرض لإطلاق نار واضطر لقطع زيارته، وطبعا هذا الكلام لا يدخل العقل ولا يقنع أحدا.
    القنوات الخليجية تخلت منذ بداية الأزمة السورية عن شعاراتها المهنية وتحولت إلى قنوات ناطقة باسم دول. هذا الأمر سوف يترك آثاره على سمعة هذه القنوات مستقبلا. بالنسبة لقطر خسارة الجزيرة لسمعتها يعني أن دولة قطر نفسها ستخسر وجودها السياسي، لأن قطر هي قناة الجزيرة وبدون الجزيرة قطر لا معنى لها في السياسة.
    هذه المناطحة الإعلامية تكلف الخليجيين رصيدهم الإعلامي والدعائي وهي في نفس الوقت لا تحرز شيئا على أرض الواقع، لأنها مجرد مناطحة.
    أميركا بالأمس ردت على زيارة الأسد إلى حمص بتسريب الخبر التالي:
    لندن: «الشرق الأوسط»
    قالت صحيفة «التايمز» البريطانية في مقال نشرته أمس إن المعارضة السورية في الولايات المتحدة والشرق الأوسط تجري مفاوضات سرية مع مساعدين رفيعي المستوى للرئيس الأسد في محاولة لإقناعهم بالانشقاق عن النظام سعيا إلى تقويضه. وإن تلك المجموعات تتحدث عن إجرائها اتصالات لأسابيع مع أفراد في الدائرة المقربة من الأسد ممن يسعون إلى هروب آمن من دمشق. ومن هؤلاء قادة في الجيش وفي الحرس الجمهوري ومسؤولون رفيعو المستوى في القصر الرئاسي، يزود بعضهم المعارضة بمعلومات منذ أشهر.
    وتحدثت الصحيفة عن أن كثيرين منهم يتفاوضون حول شروط الانشقاق خاصة فيما يتعلق بأسرهم. وقال أحد النشطاء وهو يقيم في الولايات المتحدة رافضا الإفصاح عن هويته: «إنهم يحاولون التوصل إلى صفقات وتأمين خروج آمن لعائلاتهم. وهناك الكثير من العوامل التي يجب أخذها في الاعتبار؛ إنه كابوس تنظيمي».
    وأشار أسامة منجد، كبير مستشاري برهان غليون، رئيس المجلس الوطني السوري، إلى أن التعامل يتم مع كل حالة على حدة. كما علمت صحيفة «التايمز» حسب ما نشرت أن محاولة بعض المسؤولين تأمين مخرج آمن لعائلاتهم الكبيرة العدد يشكل مهمة مستحيلة على الثوار. وقال منجد في تصريحاته للصحيفة البريطانية إن بعض أفراد الدائرة المقربة من الأسد سيبقون ليكونوا مخبرين من داخل النظام لا يثيرون الريبة. وأضاف: «ما زلنا بحاجة إليهم في الداخل حاليا، حيث يزودونا بمعلومات قيمة». ولا يُعتقد أن رجال الجيش الذين يسعون إلى الانشقاق والهروب من أولئك الذين تورطوا بشكل مباشر في أعمال العنف الذي يرتكبها النظام منذ اندلاع الثورة منذ عام مضى.
    من جهتهم أكد نشطاء المعارضة في الخليج عدم منح أي شخص يشتبه في ارتكابه جرائم حرب أي «حصانة»، حسب الصحيفة.
    هذا الكلام هو ما تردده أميركا منذ بداية الأزمة. في الأشهر الأولى للأزمة أميركا كانت تتحدث عن وجود قيادات عليا في النظام تستعد للانشقاق ووجود رجال أعمال بارزين يستعدون للهرب. فيما بعد تبين أن كل هذا الكلام كان مجرد خزعبلات فيلتمانية ولا أساس له في الواقع.
    أميركا تسعى لحفظ ماء وجهها بتسريب هذه الأخبار. وأميركا ما زالت تعتقد جديا أن حملتها الإعلامية والدعائية سوف تسقط النظام السوري. هذه الحملة لا تحقق شيئا الآن سوى أنها تأكل من رصيد أميركا وسمعتها.
    الإعلام النفطي روج لوجود اتفاق بين قوى “المعارضة السورية” في اسطنبول بالأمس، ولكن الواقع كان نقيض ذلك. الاجتماع لم ينجز أي اتفاق. هيثم المالح ما زال مختلفا مع المجلس الوطني وكل الانقسامات ما زالت على حالها. هذا هو ما أوردته وكالات الأنباء الغربية نفسها.
    ما يجري الآن هو استمرار لحملة الكذب والتضليل الإعلامي التي تقودها أميركا ولكن بدون أي عمل دبلوماسي مؤازر لهذه الحملة الإعلامية. أميركا أوقفت رسميا الحملة الدبلوماسية على النظام السوري ولكنها لم توقف الحملة الإعلامية.
    التقارب السوري-العراقي كابوس أميركا:
    قبل أيام نشر موقع دبكا الإسرائيلي مقالا عنوانه: “العراق يشدد الإجراءات الأمنية تحسبا لهجوم سوري أو من القاعدة على القمة العربية”. المقال يزعم أن سورية وبسبب غضبها من عدم حضورها القمة العربية تسعى لإجهاضها بالتفجيرات.
    طبعا الرائحة الأميركية فائحة بقوة من هذا المقال. المقال يعبر عن انزعاج أميركي مما يتداوله العراقيون من اتهامات للخليجيين بأنهم يسعون لإجهاض القمة العربية بالتفجيرات، وأميركا تريد بهذا المقال أن تؤثر على الرأي العام وتحول التهمة من أتباعها الخليجيين إلى سورية.
    أميركا تريد أيضا أن تبرز حقيقة أن سورية ممنوعة من حضور القمة العربية. أميركا تعتبر أن هذا مكسب كبير لها وتريد إبرازه للرأي العام وتسليط الأنظار عليه.
    طبعا هذا المقال موجه للدهماء ولمن لا يتابعون السياسة، ولكن ليس هناك شخص متابع للأوضاع في المنطقة يصدق أن سورية هي من تفجر في العراق.
    أميركا خلال احتلالها للعراق وفي إطارها غزوها الثقافي لهذا البلد حاولت أن تحقق أمرين:
    1. تنفير العراقيين من القومية العربية، ولهذا السبب وجدنا الاتهامات للبعثيين بأنهم هم من يفجرون الناس وبأن سورية تدعمهم في ذلك وتقوم بإدخال مقاتلي القاعدة إلى العراق.
    2. تنفير العراقيين من إيران، ولذلك وجدنا أيضا الاتهامات التي لا تحصى لإيران.
    صحيح أن إيران تدخلت في العراق ودعمت التيارات الإسلامية (التي تتوافق مع سياستها) ولكن من المستبعد أن تكون إيران متورطة في التفجيرات وأعمال الإرهاب. إيران لا مصلحة لها مطلقا في إشعال صراع طائفي في العراق لأن هذا سيضعف نفوذها في المنطقة بشدة. أصلا المخطط الأميركي الأساسي يقوم على خلق صراع سني-شيعي يحاصر إيران ويمنعها من التمدد نحو إسرائيل.
    إيران لو أشعلت صراعا سنيا-شيعيا في العراق فهي تكون بذلك ترسم حدودا لنفسها تنتهي عند بداية محافظة الأنبار. ما هي مصلحتها في ذلك؟ طبعا ليس لإيران أي مصلحة في ذلك. إيران تريد مد تأثيرها إلى إسرائيل لأنها تعتبر أن ذلك أمر حيوي للدفاع عن نفسها في وجه أميركا.
    من يسعى لإشعال الصراع الطائفي في المنطقة هي أميركا، وهذا أمر معلن وهناك أدلة عليه في مئات المقالات والتصريحات والدراسات التي نشرت خلال السنوات الماضية.
    أميركا أرادت أن تربط تنظيم القاعدة إعلاميا بسورية، وكثير من العراقيين صدقوا هذا الربط، ولكن لحسن الحظ أن ضراوة الحملة الوهابية على الشيعة أزاحت الغشاوة عن أعين العراقيين وجعلتهم يدركون أخيرا أين هو مصدر القاعدة الحقيقي.
    مصدر القاعدة الحقيقي هو مملكة الظلام التلمودية الجاهلية الوهّابية السعودية. هذه الدولة هي التي اخترعت أصلا فكرة تكفير الشيعة. المسلمون السنة قبل الوهابية لم يكونوا يكفرون الشيعة ولم يكن يوجد شيء اسمه الصراع السني-الشيعي. الصراع السني-الشيعي هو اختراع سعودي-أميركي 100%.
    لا يوجد في التاريخ الإسلامي جماعة دعت لمقاتلة الشيعة وإبادتهم إلا الوهابية السعودية.
    أميركا على ما يبدو لا تفهم حقيقة المناخ السائد في المنطقة. هي مثلا كانت تتوقع من الأقليات السورية ومن العلمانيين أن ينحازوا “للثورة السورية”. هذا التوقع يدل على أن أميركا لا تعرف شيئا عن تأثير القنوات الوهابية والمواقع الإلكترونية الوهابية. كيف يمكن للأقليات أن تنحاز للثورة السورية في ظل هذا المناخ الوهابي المسعور السائد في المنطقة؟ والذي يكفّر، ليس الشيعة فقط، بل حتى المذاهب الإسلامية السنّية الأخرى.
    الوهابية السعودية ترفع لواء إبادة الشيعة، فكيف يمكن لإنسان ينتمي لأقلية أن يؤيد الوهابية؟
    أميركا تريد من جهة خلق نزاع سني-شيعي لاحتواء إيران، ومن جهة ثانية هي تتوقع من الأقليات أن تنحاز للسنة ضد الشيعة في هذا النزاع. هذا منطق سقيم، لأن الأقليات ليسوا عميانا وهم يرون أن الصراع السني-الشيعي سببه الوهابيون وليس الشيعة.
    أميركا تتعامل مع سكان المنطقة وكأنها تتعامل مع ذئاب أو وحوش ضارية لا قدر لها إلا الصراع. هي تقول أننا إذا ألبسنا الوهابيين ربطات عنق، وصوّرنا الشيعة في الإعلام على أنهم متطرفون متعصبون، فهذا سوف يدفع الأقليات لتأييد الوهابيين ضد الشيعة. ما فات أميركا هو أن الأقليات لا تريد أن يكون هناك صراع من الأساس، لأنّ الصراع ليس من مصلحة أيّ أقليّة، لأنها ستكون الخاسر الأكبر حينئذ.
    أميركا تنطلق في نظرتها لسكان المنطقة من مفاهيم عنصرية صهيونية. الصهاينة يقولون أنهم ناس متحضرون مسالمون ديمقراطيون يعيشون وسط غابة من الجماعات الدينية المتوحشة التي تريد القضاء عليهم وإبادتهم. أميركا تصدّق هذه النظرة وتنظر لسكان المنطقة بالفعل على أنهم مجرد جماعات دينية ضارية لا هدف لها سوى القتال والحروب الدينية، وهي لهذا السبب تحاول التدخل في شؤون المنطقة بما يتناسب مع هذه العقلية.
    أميركا تفترض أن الصراع الديني في المنطقة هو شيء عادي، وبالتالي هي تفترض أن الأقليات لا بد أن تنحاز إلى جانب طرف ما، وهي تحاول أن تدفع الأقليات للتحالف مع “السنة” ضد “الشيعة”. ما فات أميركا هو وجود الفكر القومي والوطني الذي تؤمن به كثير من الأقليات في سورية والعراق والذي يدعوها لنبذ الصراع الديني من الأساس.
    أميركا تنظر للمنطقة بعينين: عين صهيونية وعين وهابية، وهذا هو ما يجعلها لا تفهم المنطقة. الصهاينة والوهابيون هم وحوش طائفية ضارية، ولكن بقية سكان المنطقة ليسوا كذلك. هذا هو السبب الذي أفشل مخططات أميركا نسبياً في العراق وكلياً في سورية.
    أميركا الآن منزعجة من التقارب الشعبي السوري-العراقي. هي منزعجة من الأفكار العراقية التي تؤيد التحالف مع سورية ضد النفطية الأعرابية العربية، وهذا هو ما يدفعها لاتهام سورية بالسعي لتفجير قمة بغداد.
    قمة بغداد هي مكسب لسورية لأنها سوف تخرج القضية السورية من يد قطر وتجعلها في يد العراق.
    الإعلام الأميركي وصل إلى مرحلة الهذيان. اليوم موقع دبكا نشر مقالا يقول فيه أن إيران قامت بشحن آلاف الناشطين من طهران إلى دمشق للمشاركة في يوم المسيرة العالمية إلى فلسطين في نهاية الشهر. إسرائيل تحضر الأجواء منذ الآن للقول بأن الفلسطينيين الذين سيشاركون في المسيرة العالمية هم إيرانيون.
    المتظاهرون الفلسطينيون هم إيرانيون، حركات المقاومة في غزة هي إيرانية، سورية هي إيرانية، حزب الله إيراني… كل ما له علاقة بالمقاومة الفلسطينية هو إيراني حسب المفهوم الصهيوني، وهذا طبعا هو نفس المفهوم الوهابي السعودي.
    السعودية تصور أيضا كل ما له علاقة بالإصلاح بأنه إيراني. مثلا إذا تظاهر بعض العرب الشيعة في القطيف وطالبوا بالمساواة فهم إيرانيون، وثوار البحرين هم إيرانيون مع أن شيعة البحرين بمعظمهم عرب ولا يوجد بينهم من الإثنية الإيرانية إلا القليل جدا.
    هل هناك هذيان مثل هذا الهذيان الصهيوني-الوهابي-الأميركي؟
    كلمة “إيران” لدى هذا المحور لا تعني دولة إيران المعروفة وإنما هي مصطلح عام يطلق على كل من يناوئ أنظمة هذه الدول بأي شكل. مثلا إذا انتقدت آل سعود بسبب فسادهم المالي تصبح “إيراني” بمعنى مناوئ لآل سعود، وإذا شاركت في مظاهرة المسيرة العالمية نحو فلسطين تصبح “إيراني” بمعنى مناوئ للصهيونية، وهكذا… كلمة “إيراني” لدى هؤلاء الناس هي ليست اسما لشعب أو لقومية وإنما هي مصطلح اجتماعي-سياسي لا يحمل طابعا قوميا محددا.
    ما الذي بقي من الجامعة العربية في ظل الجو الذي تعيشه المنطقة. السعودية لن تشارك في القمة العربية وهي تشن حملة ذات طابع طائفي على العراق في إعلامها، وعموما السعودية حسمت أمرها في موضوع الصراع مع “الشيعة” وهي لا تنوي التراجع.
    اليوم رئيس تحرير صحيفة “الشرق الأوسط” (البيدق الصهيوني الليكودي) كتب ما يلي:
    … القصة هي أن التساهل مع الإرهابيين، وكل مستخدمي العنف، إعلاميا من شأنه أن يؤثر على أمن الناس والأوطان، فلا يمكن لمحطة تلفزيونية، أو أي وسـيلة إعلامية، أن تخدم أهداف الإرهاب، تحت أي مبرر، لأن لذلك تبعات.
    أبسط مثال هو التساهل القديم مع العمليات الانتحارية بفلسطين، حتى انتهى بنا الحال إلى وصول العمليات الانتحارية لمدننا العربية، والإسلامية، والأمر نفسه ينطبق على التغطية الإعلامية لإرهاب «القاعدة»، وتحديدا منذ بث عرس ابن أسامة بن لادن بأفغانستان، وحتى أعوام قريبة. فترويج الإرهاب إعلاميا، وتحت أي مـــبررات، أمر ستكون له آثار مدمرة، ولذا فإن الحرية مسؤولية، والإعلام كذلك مسؤولية
    كاتب هذا المقال يريد أن يقول أن “العمليات الانتحارية بفلسطين” هي أساس إرهاب القاعدة، وأن “التساهل مع الإرهاب الفلسطيني” هو ما أدى إلى انتشار الإرهاب في العالم.
    ما هو الفرق يين هذا الكلام وكلام الصهاينة؟
    قبل فترة سعود الفيصل قال أن “السعودية لا ترعى الإرهاب ولكن من يرعى الإرهاب هو سورية التي لم تترك جماعة إرهابية في العالم وإلا فتحت لها مكتبا في دمشق”، والمقصود هو مكاتب الحركات الفلسطينية.
    أيضا من يتابع الإعلام الوهابي يجد دائما المديح لاتفاقية كامب دافيد بين مصر وإسرائيل على أساس أن مصر بهذه الاتفاقية “حررت أرضها”، أما النظام السوري فهو بنظرهم نظام فاشل وهم يعيّرونه بأنه لم “يحرر أرضه” كما “حررت مصر أرضها” ويعتبرون أن هذه من مثالب سورية وأمر يدعو للاستهزاء منها.
    هذه المواقف السعودية الوهابية كلها مواقف قديمة ومعروفة، ولكن الجديد هو إبرازها للعلن، وطرد سورية من الجامعة العربية هو جزء من هذا المخطط الهادف لإعلان هذه المواقف وتعميمها وجعلها هي القاعدة. لهذا السبب أميركا سعيدة بطرد سورية من الجامعة العربية وبكون سمعة الأسد “صارت في الحضيض” كما قال جيفري فيلتمان.
    أميركا تنظر الآن للأمور كما يلي: الدولتان الوحيدتان المعاديتان لإسرائيل صارتا معزولتين: سورية طردت من الجامعة العربية ونبذت، وإيران محاصرة بالصراع السني-الشيعي، وبالتالي كل أعداء إسرائيل محاصرون ومنبوذون.
    الشوكة في حلق أميركا الآن هي العراق، ولهذا السبب أميركا أوعزت مجددا لأتباعها بالانفتاح على العراق على أمل جذبه بعيدا عن سورية وإيران. الكويت وافقت على حل القضايا العالقة مع العراق، والسعودية عينت سفيرا، وقطر انفتحت إعلاميا، ولكن كل هذا لم يغير على ما يبدو موقف العراق من القضية السورية، ولهذا السبب غضب الخليجيون وقاطعوا قمة بغداد بعد أن سعوا لنسفها.
    بصراحة ليس هناك مستقبل للجامعة العربية في المدى القريب. الجامعة العربية كانت خطأ من أساسها وهي تلفظ أنفاسها. طالما أن أميركا متجهة إلى خلق صراع محاور في المنطقة فهذا يعني عمليا أن الجامعة العربية صارت ميتة. سورية والعراق هي دول مهمة ولا يمكن للجامعة العربية أن تستمر طالما أن الدول العربية تعادي هذين البلدين.
    مشكلة العراق هي أنه ما زال ضعيفا ولذلك هو غير قادر على فرض نفوذه على أحد.
    يجب على العراق أن يسعى للترابط مع سورية عن طريق معاهدات واتفاقيات إستراتيجية بعيدة المدى. الاقتصاد السوري ليست له قاعدة نفطية هائلة كالاقتصاد العراقي، وفي حال ارتبط الاقتصاد السوري بالاقتصاد العراقي فهذا سيجعل سورية والعراق، أقوى اقتصاديا وبالتالي سياسيا. القطيعة الغربية-العربية مع سورية هي فرصة للعراق لكي يمتّن علاقته مع سورية.
    الدولار الأميركي يفقد ثلاثين بالمئة من قيمته
    انخفض سعر الدولار الأميركي من 100 ليرة سورية إلى 70 ليرة سورية خلال أسبوعين. هذا الانخفاض السريع يمكن تفسيره باحتمالين:
    الاحتمال الأول هو أن الدولة السورية ضخت كميات كبيرة من الدولار في السوق.
    الاحتمال الثاني هو أن سعر الدولار أصلا لم يكن حقيقيا وكان مجرد فقاعة ناجمة عن المضاربة.
    طبعا الدولة السورية تدعم الاحتمال الثاني وهي تقول أنها لم تضخ كميات كبيرة من الدولار في السوق.
    المضاربة أمر مشاهد وملموس في الحياة اليومية. وهناك كثيرون لا يحتاجون الدولار بشيء ولكنهم يحرصون على شرائه باستمرار وبشكل غريب. هذه الظاهرة كانت نابعة سابقاً عن وجود اعتقاد لدى كثير من المواطنين بقرب التدخل العسكري الأميركي، وهو اعتقاد، للمخابرات التركية دور في ترويجه بهدف دفع الاقتصاد للانهيار.
    الدولة الأميركية وأتباعها ما زالت ماضية في سياسة إغلاق السفارات والتهويل الإعلامي. مثلا الحديث التركي الأخير عن “المنطقة العازلة” لم يكن إلا مجرد تهويل إعلامي بحت. المفترض ألا يصدق أحد هذه الخزعبلات التركية الآن ولكن من غير المستبعد أن يكون هناك ناس ما زالوا يصدقون الكلام التركي حتى الآن.
    المعارضون بالذات لديهم ثقة كبيرة في انهيار النظام وهم لهذا ربما يساهمون في المضاربة وخفض سعر الليرة السورية، ولكن هذه السياسة ستنعكس سلبا عليهم، لأن السعر الناجم عن المضاربة ليس سعرا حقيقيا وهو سينهار إن عاجلا أم آجلا وسيتسبب بخسائر كبيرة لهم.
    الحكومة السورية تقول أنها تريد تثبيت سعر الليرة عند 60-65 ليرة مقابل الدولار، وهذا يعني أن الليرة لن تعود مجددا إلى سعرها القديم (50 ليرة مقابل الدولار).
    انخفاض سعر الليرة بحد ذاته ليس مشكلة كبيرة للاقتصاد. هو مشكلة للمواطنين لأنه يعني أن مداخيلهم ستنخفض، ولكنه ليس مشكلة كبيرة للاقتصاد عموما.
    بالنسبة لموضوع انخفاض سعر الليرة بشكل معقول، فهو سيزعج المواطنين لأنه يعني أن أسعار المستوردات سترتفع، ولكن انخفاض سعر الليرة قد يفيد الاقتصاد من عدة نواحي. أولا هو يخفض أسعار المنتجات المحلية مقابل المنتجات المستوردة، وهذا يعني أنه يشجع على زيادة الإنتاج المحلي. ثانيا هو يخفض أسعار المنتجات المحلية المصدرة إلى الخارج وبالتالي يزيد من تنافسيتها.
    الدول الآسيوية (اليابان، الصين،…) تسعى دائما لإبقاء قيمة عملتها منخفضة أمام العملات الأخرى، وهذا الأمر سبّب مشكلة كبيرة بين الصين والغرب.
    من فوائد الأزمة الحالية أنها ربما تساعد النظام السوري على إجراء إصلاحات أكثر عمقا. المطلوب الآن هو تثبيت سعر الليرة السورية عند سعر أخفض من السابق. هذا يعني أن المنتجات الأجنبية لن تعود إلى أسعارها قبل الأزمة ولكنه في المقابل يعني زيادة الإنتاج الداخلي (وبالتالي زيادة المعروض من فرص العمل).
    تعليقات كتابة تعليق

    اضغط هنا للدخول

    رجاء ادخل الستة أرقام أو الحروف الظاهرة في الصورة.