• تركيا والرقص على حافة الهاوية..!

    تركيا والرقص على حافة الهاوية..!

    كفاح نصر

    زيارة بترايوس إلى تركيا كانت ساخنة جداً، وتبيّن أن هناك خلافاً تركياً أمريكياً حقيقياً وعدم ثقة بين الجانبين، خصوصاً حيال الملف السوري بعد أن خذل الأمريكيون أردوغان أكثر من مرة، ولكن ذلك لم يمنعه من السير في سياسة التصعيد تجاه سورية التي توازيها تهدئة أمريكية. وفي إيران وصلت لأردوغان رسالة سورية مفادها أن الشركات الإسرائيلية حين تزيل حقول الألغام عن الحدود التركية السورية، ربما تزيلها من أمام مقاتلي حزب العمال الكردستاني، وليس من أمام المرتزقة والإرهابيين الذين سيقتلون حين يدخلون الأراضي السورية، ويضاف إليها ملف المعسكر الجديد الذي ينوي أردوغان إقامته، فوصلت إلى أردوغان رسالة أن ما حدث في جسر الشغور حين قُتل 120 شرطياً سورياً لن يتكرر، وقال الإيرانيون لأردوغان: إن مجرد التفكير ببناء معسكر جديد سنفهم منه أنه مقدمة لأعمال تخريب على الأراضي السورية، ومن خلال التسريبات هناك كلام أن أردوغان المهزوم في سورية والمنطقة يريد دوراً بطولياً عوضاً عن خسارته التي مُني بها نتيجة تجميد الاتفاقات مع سورية والانخراط بالمشروع الأمريكي المهزوم، وهذا الأمر مرفوض لأن "دخول الحمام ليس كالخروج منه"!!.

    الرسائل السورية إلى أردوغان..؟

    السوريون حسموا أمرهم في عدة نقاط أصبحت كالخطوط الحمراء بالنسبة للسياسة السورية وبدعم إيراني وغطاء صيني روسي، ومن هذه النقاط أن إنشاء معسكر جديد لتدريب المرتزقة والإرهابيين هو مقدمة لأعمال تخريبية، على سورية أخذ الاحتياطات لها وصولاً إلى التعامل بالمثل، إزالة حقول الألغام التي أنشئت أصلاً لعناصر حزب العمال الكردستاني تعني عودة عناصر الحزب لعبور الحدود وليس العناصر الإرهابية، والنقطة الأهم التي لم يفهمها أردوغان وعليه أن يفهمها بالقوة هي أن سمعة وأمن ووحدة الجيش العربي السوري خط أحمر لا تقبل النقاش، وبالتالي يفهم من هذه الرسالة أن أي ضابط كان عميلاً للاستخبارات التركية وهرب خلال الأزمة السورية سيحاكم بتهمة الخيانة العظمى، وفي حال لم يحاكم الضباط العملاء سيحاكم ضباط الاستخبارات التركية بتهمة القيام بأعمال إرهابية وقتل وخطف، وبالتالي إما تأديب من تعامل مع الاستخبارات التركية أو تأديب جهاز الاستخبارات التركية كاملاً، وهذه النقطة هي مدخل أي مفاوضات بين سورية وتركيا، ولا يمكن الدخول إلى التفاوض إلا من هذه البوابة.

    وتبقى الرسالة الأهم هي أن على أردوغان في حال استمراره بالسير ضمن المشروع الأمريكي أن يحصد نتائج فشل المشروع كاملة بلا استثناء، وهذه الرسالة ليست رسالة سورية فحسب، بل هي رسالة إيرانية سورية روسية وصينية. فأردوغان صفّر مشكلات الغاز مع روسيا ولكن لم يبدأ بتصفير مشكلات الدرع الصاروخي حتى الآن، وكذلك في إيران فإن تصريح السيد محسن رضائي بأن المباحثات النووية مع مجموعة (5+1) بشأن الملف الإيراني ستكون خارج تركيا، هو رسالة واضحة بأن التعامل مع تركيا هو تعامل مع حلف شمال الأطلسي، ولا يوجد بعد الآن من ينظر لتركيا كدولة متوازنة لها دور في قضايا المنطقة.

    حين تهدد إيران الغرب..

    وحين قال السيد رضائي إن المفاوضات يجب أن تكون في بيروت أو بغداد أو دمشق، فعلى الغرب أن يفهم أن هذه المناطق ليست ساحات صراع مع إيران بل الصراع عليها يعني قطع المفاوضات مع إيران، والإنجليز ومعهم الأمريكيون، فهموا تماماً أن رضائي لم يفرض مكان اللقاء، بل أرسل رسالة بأن المرحلة القادمة الصراع سيكون فيها في أي مكان، ولكن لامفاوضات على سورية والعراق ولبنان، ومن يصارع إيران على هذه الساحات يقطع طريق المفاوضات مع إيران، وهذا يعني أن إيران قالت للغرب إذا لم تسلّموا بأن المسّ بهذه الساحات يعني قطع المفاوضات سنرغمكم على التفاوض معنا في هذه المناطق الثلاث على ساحات أخرى، والإنجليز أعلم بهذه الساحات، خصوصاً حين يقول مسؤول إنجليزي إن إنفجار أسطوانة غاز بالخطأ بقرب حقل نفطي خليجي خلال هذه المرحلة قد يرفع أسعار النفط عشرين دولاراً كما تشتهي روسيا وإيران، ولكن هذا المسؤول الإنجليزي يدرك أن ساحات الصراع لن تكون في منطقة ما بحدّ عينها، ولكن الهدوء سيبدأ من لبنان وسورية والعراق فقط لا غير، والأمريكي اختبر هذا الكلام سابقاً وجرّبه تماماً ما بين عام 2005 إلى العام 2009 ويدرك أن إيران تنفذ وعودها كما الرئيس الأسد ينفذ وعوده.

    المعارضة التركية تدق ناقوس الخطر..؟

    استهتار أردوغان بمصير 49 ضابطاً تركياً، منهم سبعة تدربوا في إسرائيل للعمل بالداخل السوري أثار حفيظة القوات المسلحة التركية، ولكن القلق الأكبر هو من المعارضة التركية التي حكمت تركيا سابقاً، وتعلم تماماً أن أردوغان يسير بتركيا إلى حافة الهاوية، وما يمكن حلّه بهذه الفترة خلال شهر مفاوضات، سيصبح في المستقبل القريب مشكلة كسر عظم ولن يحل بسنوات وسنوات، فالمعارضة التركية تدرك تماماً أن حزب العمال الكردستاني في حال استعاد علاقاته مع موسكو، وقد استعادها، في حال تحرك فعلياً وفتحت له سورية أبوابها لن يقفل ملفه إلا بكردستان وكسر عظم لتركيا يفقدها دورها المتوازن في المنطقة، ولن ينفعها بعدها مفاوضات ولا مباحثات وتصبح العودة للخلف مستحيلة، وبالتالي في داخل تركيا هناك قوى ضغط بوجه أردوغان تدرك خطورة المراهنة على الحصان الخاسر، وترفض أن تدفع تركيا ثمن المفاوضات الأمريكية مع محور المقاومة، وتدرك المعارضة التركية أن صبر إيران وسورية قد نفد تماماً، والأهم أن المعارضة التركية تدرك أن روسيا اليوم ليست روسيا الأمس وقد لمست نهاية العام الماضي معنى تحرك القوات الروسية في أرمينيا والبحر الأسود.

    تركيا والملف السوري

    تكلمت سابقاً عمّا يسمّى المناطق العازلة، فمن جهة العراق مستحيل، ومن جهة الأردن لا تقبل إسرائيل ولا واشنطن، فالضغوط السعودية على الأردن لا تجابه برفض أردني فقط بل برفض إسرائيلي أمريكي، لأن الأردن في حال تحوّل إلى ساحة صراع سيهدّد أمن الكيان الصهيوني، وعند دخول الجيش العربي السوري إلى جبل الزاوية سقطت أحلام المنطقة العازلة، وأخذت سورية وقتها من خلال البدء بضبط الحدود مع لبنان على وقع عمليات التطهير ومع سقوط بابا عمرو، أدرك الأمريكي أن سورية استعادت عافيتها وتوازنها، وهو أصلاً يعلم باستحالة المنطقة العازلة إلا من جهة تركيا، والمنطقة العازلة من جهة تركيا التي لم تنجح حين كانت إدلب خالية من الجيش لن تنجح والقوات السورية على الحدود التركية، وتلك المنطقة التي لم تنجح حين كان الإرهابيون يعبرون الحدود لن تنجح حين أصبحوا يقتلون على الحدود، ولكن يكمن السر الأكبر في أن سورية حين منحت جامعة الدول العربية فرصتها كانت الفرصة الأولى والأخيرة، وهناك قرار بعدم حفظ ماء وجه كل من أردوغان وآل سعود وآل ثاني، إلا إذا دفعوا الثمن على أفعالهم، فتصعيد أردوغان هو نفسه يعلم بأنه بلا طعم ولا لون إستراتيجياً، ولهذا جاء الردّ الإيراني سريعاً بأن تركيا بلد لا يمكن الوثوق به، ويجب أن تكون المفاوضات في دمشق أو بيروت أو بغداد، فهل سيفهم أردوغان هذه الرسالة؟!.

    الموساد يحذر متأخراً..؟

    ما قاله حمد بن جبر آل ثاني للسعوديين، قاله زعيم الموساد الأسبق للصحافة، إن خروج الأسد منتصراً سيكون هزيمة إستراتيجية كبرى لإسرائيل، وهذه حقيقة لا تحتاج إلى نقاش وقد أُنجز هذا النصر السوري، فخروج القوات السورية من بعض المدن لا يعني عودة العصابات بأي شكل من الأشكال، وخيارات المنطقة العازلة سقطت تماماً، بل وفي حال تعنّت أردوغان سيدفع ثمناً أكبر مما يتصوّر وقد وصلته الرسائل، وأكبر مما يتصوّر وتنتظره مفاجآت لا يتوقعها!!.

    ويبقى السؤال: هل ستنجح مهمة كوفي أنان؟.. والجواب: إن مهمته سهلة جداً، فقد جاء حين انتهى السوري من قلع أشواكه، وفي حال لم يستطع أنان وقف العنف في سورية سيكون على كل واحد "قلع شوكه بإيده" كما فعل السوريون، وعلى أردوغان أن يعي أن مهمة كوفي أنان يجب أن تنجح كونه الأعقل بين مجانين الخليج الذين فقدوا الإحساس لدرجة أنهم لم يشعروا بالبلل في ذقونهم!!.

    جهينة نيوز

    تعليقات كتابة تعليق

    اضغط هنا للدخول

    رجاء ادخل الستة أرقام أو الحروف الظاهرة في الصورة.