• فادي سلامة يصرخ: كفى تزويراً للحقيقة!

    فادي سلامة يصرخ: كفى تزويراً للحقيقة!

    
    وسام كنعان
    أجواء غير صحية ومتوتّرة. هكذا يصف مصدر في «الجزيرة» المناخ الذي يعمل فيه موظفو القناة القطرية هذه الأيام. لقد جاءت الأزمات والفضائح المتلاحقة لتطيح حلماً راود كثيرين حول محطة عربية حديثة تخرج عن القاعدة ولا تكون ذراعاً إعلامية للسلطة التي تملكها. آمال كبيرة بناها متابعو القناة القطرية قبل أن تتوالى الفضائح عن الفبركات والتزييف الذي مارسته قناة «الرأي والرأي الآخر» في سوريا وسلسلة الاستقالات التي توالت من العاملين في المحطة احتجاجاً على أدائها والحديث عن استقالات جماعية أخرى في الطريق (راجع ص 14).

    وفي الفترة الأخيرة، عقدت اجتماعات عديدة في أروقة المؤسسة لتقييم الوضع على وقع الفضائح التي خرجت إلى العلن. لكن يبدو أنّ كل هذه الاجتماعات لن تفيد في انتشال المحطة من حالة التخبط التي تعانيها مع إطالة أمد الأزمة السورية.
    وفي آخر التطوّرات، حصلت «الأخبار» على نسخة من رسالة بعثها مراسل القناة في طوكيو الإعلامي السوري فادي سلامة ضمن نظام الـ Talkback أي مساحة الرأي الخاصة بموظفي المحطة. هنا، شكا الإعلامي السوري طريقة تعامل «الجزيرة» مع الشأن السوري، انطلاقاً من قريته (العثمانية) وتجربته الشخصية. يقول في الرسالة المؤرخة بتاريخ 5 آذار (مارس) 2012: «في قريتي ستة من أبناء عمي قتلوا، واثنان اختفيا بعدما ظهرا على قناة «الجزيرة» على أنهما منشقّان هما عزيز وبشار (...) عزيز والد لخمسة أطفال، كان صوته يتهدّج خوفاً وهو يقول ما تم تلقينه وظلّ بندقية وراء رأسه (...) في قريتي آخر القتلى كان ابن عمتي أحمد، وجدت جثته في مكب للقمامة في حمص مقطعة الأطراف (...) في قريتي يحبّون الأسد (...)». وسخر سلامة من سياسة المراسلين غير الرسميين للمحطة أي الناشطين المعارضين الذين يزوّدونها بالأخبار، قائلاً: «مراسلو «الجزيرة» إذاً في سوريا يلتزمون المعايير التحريرية والموضوعية والحيادية وتقديم الرأي والرأي الآخر، أشدّ على أيديهم وأدعوهم إلى زيارة قريتي ففيها الكثير من القصص الجميلة».
    هكذا، وضع مراسل «الجزيرة» يده على الجرح وحض شبكة الناشطين التي تأخذ على عاتقها تقديم الأخبار للمحطة القطرية على زيارة الأماكن المنكوبة والاطلاع على حقيقة ما يجري من قتل وضرورة الانتباه إلى أنّ الأسد ما زال يحظى بمؤيدين من دون أن يتمكّن صوت هذا المراسل من تغيير شيء في سياسة محطته. وتقول مصادر من داخل المحطة لـ«الأخبار» إنّ الوضع السوري صار الشغل الشاغل لموظفي القناة، وإن الأحداث الواردة من الشام باتت تسيطر على كل الاحاديث الدائرة في أروقة المؤسسة، فلا يجتمع شخصان إلا ويكون ثالثهما الوضع السوري. وتضيف المصادر أنّ لا أحد من مديري القناة يملك أجوبة شافية حول ما يحصل، ولا أحد قادر على الردّ على علامات الاستفهام الكثيرة التي يرسمها عدد كبير من فريق «الجزيرة» الذي ضاق ذرعاً بما تفعله محطته. وقد خال بعضهم أنّ التعاطي مع الملف السوري سيتغيّر بعد إطاحة المدير العام للشبكة وضّاح خنفر إثر فضيحة «ويكيليكس» الشهيرة (راجع ص 14). لكنّ شيئاً لم يتغيّر، فالأمر مرتبط بالسياسة الخارجية القطرية تجاه سوريا.
    وضمن سلسلة الاجتماعات التي تدعو إليها إدارة «الجزيرة» لمناقشة الأزمة السورية، كشفت لنا مصادر أنّ اجتماعاً عُقد في الدوحة بين الثامن والعاشر من الشهر الجاري وشمل مديري مكاتب المحطة في العواصم المختلفة. في ذلك الاجتماع، تعالت أصوات المديرين، ووُصف الاجتماع بالعاصف في ظل الانشقاق الحاد في الرأي بين موظفي القناة تجاه الملف السوري. وتنقل المصادر عن أحد مشرفي التحرير في المحطة قوله إنّ الخطأ القاتل الذي ارتكبته القناة في الشأن السوري «أننا استنفدنا كل خططنا من أجل إسقاط النظام في سوريا لكن الأسد فاجأنا بصموده». وتابع أنّ سيناريو تونس ومصر وليبيا سقط فعلياً في سوريا! بينما لم ينكر سقوط القناة المدوي في البحرين وصمتها إزاء ما يجري هناك، واعترف بأنّ التوجهات السياسية هي التي تحكّمت كلّياً بالتغطية الإعلامية للقناة القطرية، ثم ختم حديثه متأسفاً: «في الحقيقة، على «الجزيرة» أن تعمل الآن لسنوات وسنوات كي تستعيد ثقة العرب وتعود لمنافسة كبرى القنوات».
    هكذا بعدما بذلت المحطة جهوداً حثيثة منذ انطلاقها عام 1996 حتى بنت لنفسها قاعدة جماهيرية صلبة وحصدت نجاحات متتالية وحازت ثقة شريحة الجمهور، ها هي تقامر من أجل تنفيذ أجندات حكومة بلادها وتدخل في نفق مظلم لعلّه يشي بنهاية حلم اسمه «الجزيرة».



    فاتح جاموس، المعارض الهادئ لم يشهد بالزور

    تنطبق مقولة «الزمن دوار» على تغطية قناة «الجزيرة» للسياسة السورية. عندما كانت المحطة القطرية تعدّ من أبرز الداعمين لنظام بشار الأسد وكانت تتباهى قطر بصداقتها مع سوريا، كانت «الجزيرة» تطبق ما يشبه الفيتو على بعض الشخصيات المعارضة ممن اشتهرت برفضها لديكتاتورية النظام السوري واستبداده، ودفعت سنوات من عمرها في أقبية الفروع الأمنية والسجون السورية دفاعاً عن قناعاتها. وعموماً، فإن جميع أفراد حزب العمل الشيوعي كانوا محظورين من الظهور على شاشة «الجزيرة» بسبب مواقفهم المناهضة للنظام السوري. لكن بعد اندلاع الانتفاضة، تبدلت الأحوال وصارت المحطة القطرية تبحث جاهدة عن كل من يدعي معارضته للنظام السوري.. حتى أنها بالغت في استضافة شخصيات لم يسبق للشعب السوري أن سمع بأسمائها، وصارت تطلق عليها تسمية المعارضة. وبالتزامن مع الانشقاقات الحاصلة في صفوف المعارضة السورية وتفتتها وعجزها عن التوحد تحت راية واحدة، برزت بعض الأسماء التي أطلق عليها اسم المعارضة الوطنية الداخلية التي اشتهرت بالاعتدال والحرص على مصالح الشعب السوري ونبذ أي دعوة إلى التدخل الخارجي. وكان من بين هؤلاء ميشيل كيلو، وفايز سارة، وفاتح جاموس ولؤي حسين وغيرهم.
    هكذا، حصدت تلك الأسماء إعجاب نسبة كبيرة من السوريين بمختلف انتماءاتهم وتعدد مشاربهم، وظهر جلياً الفرق بين أن يكون المرء سياسياً محنكاً خبر الانتماء إلى أحزاب سياسية وتنظيمات سرية وقارع استبداد النظام على مر عقود، وبين الوجوه المعارضة الجديدة. إلا أنّ المفارقة كانت بما أدلى به أحد موظفي «الجزيرة» المستقيلين لـ«الأخبار» عندما قال: «تطبّق «الجزيرة» فيتو على بعض الشخصيات المعارضة التي عرف عنها الاعتدال وتندد بأي دعوة إلى التدخل الخارجي وعلى رأس هؤلاء الكاتب ميشيل كيلو. والدليل أنه لم يعد أحد يلمحه على القناة القطرية في الفترة الأخيرة».
    الكلام الذي يدلي به موظف الجزيرة السابق يؤيده بشدة المعارض فاتح جاموس. ويقول هذا الأخير في اتصال مع «الأخبار»: «كانت لي تجرية طويلة مع الاعتقال دامت لمدة تسعة عشر عاماً، ولا يمكن لأحد أن يزايد عليّ أو ينفي عني صفة المعارض لهذا النظام. لكن تجربتي مع «الجزيرة» كانت أسوأ من تجربتي مع الأنظمة الحاكمة. لقد رفضوا طلبي الظهور على شاشاتهم أيام كان النظام السوري مقرباً منهم، بحجّة أنني أنتمي إلى حزب العمل الشيوعي المعارض». وعما يخص التغطية الإعلامية للملف السوري في المراحل الأخيرة، يضيف جاموس: «طلب مني أن أظهر كشاهد عيان وأتحدث عن مناطق لست موجوداً فيها. طبعاً، رفضت رفضاً قاطعاً المشاركة في مسلسل التحريض الذي تنتهجه هذه القناة. لذا فأنا متأكد أنّني من ضمن الأسماء الممنوعة من الظهور على شاشة القناة».
    إذاً، ها هي «الجزيرة» تتبع سياسة المنع ذاتها، لكنّها تمارسها هذه المرة على بعض الشخصيات التي ترفع شعار الاعتدال في معارضتها للنظام السوري وتكشف عن حكمة في طريقة تحليلها للأزمة. لكن يبدو أنّ ذلك لا يتفق مع نهج المحطة القطرية.
    وسام..

    جريدة الأخبار
    تعليقات 1 تعليق
    1. الصورة الرمزية طارق شفيق حقي
      طارق شفيق حقي -
      شريط الفضائح بدأ مع وضّاح خنفر

      
      وسام كنعان
      منذ انطلاق «الجزيرة» عام 1996، توجّهت إليها أنظار المشاهدين العرب الذين سئموا اللغة الخشبية للقنوات الحكومية. سرعان ما فرضت القناة القطرية نفسها في المشهد الإعلامي بفضل حيويتها، وتغطياتها الحصرية وانتشار مراسليها في مكان الحدث ومواكبته بالصوت والصورة. هكذا، كونت قاعدة شعبية وجماهيرية، متجاوزةً كل الانتقادات التي اتهمتها بالتطبيع مع إسرائيل، وتحويل شاشاتها منبراً للأميركيين لتبرير حروبهم، وخصوصاً بعدما تعرّضت مكاتبها في أفغانستان والعراق للقصف الأميركي. ونسي كثيرون أنّ مَن يملك القناة ليس سوى نظام يستقبل أكبر قاعدة عسكرية أميركية في الشرق الأوسط.
      لكنّ الثورات العربية وضعت «الجزيرة» على المحك. بدأ العد التنازلي لسقوط مدوٍّ تلخّص في الانحياز الفاضح، وسياسة الكيل بمكيالين. وفي مقابل تجاهل البحرين، وقعت المحطة في حالة تخبط خلال الأيام الأولى للانتفاضة السورية. بعد ذلك، مضت قدماً في دعم الانتفاضة إلى مرحلة التزوير والتحريض والفبركة الواضحة.
      هكذا، أعلنت حربها الإعلامية على دمشق، معتمدة على ما تيسّر لها من مقاطع فيديو عُرضت على الشبكات المعارضة التي تسهل فبركتها، واستعانت بالشهود العيان الذين لا يكشفون أسماءهم الحقيقية ولا يمكن الوثوق بكلامهم. فقد سبق أن بثت «الجزيرة» مئات الأخبار عن تظاهرات حاشدة في مناطق لم تشهد أي تجمّعات وبالغت في عدد القتلى والجرحى، ثم أوردت مرة خبراً عن وصول المتظاهرين إلى ساحة العباسيين وتحليق كثيف للطائرات فوقهم، رغم أنّ الحياة كانت طبيعية بنحو كامل في الساحة الشهيرة.
      كل ما سبق لم يكن سوى مقدمة لقنبلة مدوية أسقطت القناع عن «الجزيرة» وفضحت الدور الذي أنشئت من أجله المحطة وفسّرت سبب صعودها الصاروخي مترافقاً مع سطوع نجم المدير العام السابق للشبكة الإخواني الهوى وضاح خنفر الذي حصد إعجاباً كبيراً وعداوات بالجملة، رغم دبلوماسيته وحنكته وخبرته السياسية. لكنّ وثائق «ويكيليكس» (الأخبار عدد ١٠ أيلول/ سبتمبر ٢٠١١) جاءت لتميط اللثام عن تلقّي خنفر التعليمات من الاستخبارات الأميركية. الوثائق الدامغة وما أعقبها من تغطيات إعلامية أجبرت عميد محطة «الجزيرة» على الاستقالة، لكنّه خرج ليُعلن أنّه لم يُقَل بل اختار الاستقالة للتفرغ لمشاريع أخرى. وفي ظل تجاهل قناة «الرأي والرأي الآخر» للفضيحة التي أجهزت على شعارها، تتالت الفضائح. كان الاختراق الذي حققه الجيش السوري الإلكتروني لنظام البريد الإلكتروني الخاص بالمحطة (الأخبار» 24 شباط/ فبراير 2012) ودخوله الرسائل التي تبادلها مراسل بيروت السابق علي هاشم والمذيعة السورية رولا إبراهيم مجرد حلقة في مسلسل فضائح لا ينتهي. يومها، أكّدت المذيعة السورية في رسائلها أنها باتت مرتدة على الثورة وشاهدة على إعلام التحريض الذي يهدف إلى تنفيذ أجندة واضحة في سوريا. وفي ردّه عليها، وافقها هاشم الرأي، وقال إنّه فضل الوقوف على الهامش بعدما أرسل للقناة صوراً عن المسلحين وهم يشتبكون مع الجيش السوري بالقرب من وادي خالد، لكنّها لم تعرض، بل طُلب منه العودة إلى بيروت فضلاً عن اتهامه بأنّه شبيح! أمام هذه الفضيحة، اتبعت المحطة سياسة التجاهل نفسها، وخصوصاً أنّه لا يمكن نفي هذه الواقعة المدعّمة بالوثائق. وأخيراً، توالت استقالات إعلاميين وعاملين في فريق «الجزيرة»، بدءاً من مدير مكتب بيروت غسان بن جدو (عُيِّن مكانه الجزائري عياش دراجي)، مروراً بعلي هاشم وموسى أحمد وانتهاء باستقالة تتكتم عليها المحطة لنحو عشرة إداريين في مكتب الدوحة، وأنباء عن استقالات جماعية تعدّ على نار حامية لمجموعة من الإعلاميين، واحتمال عقدهم مؤتمراً صحافياً يتحدثون فيه عن الضغوط التي تمارسها عليهم إدارة المحطة.
      من جهة أخرى، لم يقف الأمر عند سلسلة الاستقالات التي لمّحت بنحو مباشر أو غير مباشر إلى أنّ السبب وراءها كان التغطية التحريضية في سوريا والصامتة في البحرين. فاجأ تلفزيون «الدنيا» («الأخبار» عدد ٧ آذار/مارس ٢٠١٢) مشاهديه ببث شرائط تظهر مراسلي المحطة غير الرسميين والناشطين السوريين الذين يتعاملون معها وهم يفبركون رسائلهم. هكذا، ظهر مراسل القناة غير الرسمي في بابا عمرو خالد أبو صلاح في غرفة تبدو كأنّها ملحق لمستشفى ميداني. ويبدو في الشريط وهو يلقّن طفلة مضمدة وطبيب شهادات معدة سلفاً من أجل تلاوتها على الهواء وهو ما حصل وتابعه مشاهدو المحطة القطرية... إذاً، وسط حفلة فضائح انتشرت رائحتها في كل مكان، واصلت المحطة القطرية سياستها التحريضية، لتتحوّل ذراعاً إعلامية للسياسة القطرية تجاه سوريا.
    تعليقات كتابة تعليق

    اضغط هنا للدخول

    رجاء ادخل الستة أرقام أو الحروف الظاهرة في الصورة.