• الضغوط المتزايدة على سورية ما هي أسبابها ؟ وما هي دوافعها ؟

    الضغوط المتزايدة على سورية ما هي أسبابها ؟ وما هي دوافعها ؟


    د جميل بغدادي

    تتزايد الضغوط الدولية على سورية يوماً بعد يوم ، من أجل إجبار الحكومة السورية على الاستجابة إلى الرغبات الدولية التي تدعو إلى إنهاء العنف ضد المعارضة وخاصة في مدن حماة وحمص ودير الزور وذلك بعد انتشار قوات الجيش في هذه المدن من أجل تحقيق الأمن في ربوع الوطن ، فقد دخل الجيش بعض المدن استجابةً لدعوة الأهالي لتخليصهم من حالة الفوضى وانعدام الأمن مع انتشار عصابات مسلحة وقطع الطرقات بالحواجز ومنع الموظفين من الذهاب إلى أعمالهم والقيام بأعمال تخريبية استهدفت المنشآت العامة وخطوط السكك الحديد ، وحتى إجبارالمواطنين على إغلاق محلاتهم والمشاركة في التظاهرات التي تدعو إلى إسقاط النظام وهذا ما تم التأكيد عليه من الإعلام السوري ، وفي المقابل فإن الإعلام المضاد وخاصة من العربية والجزيرة فتقول مصادرها عن شهود عيان وعن حقوقيين سوريين أنه لا وجود للجماعات المسلحة في صفوف المعارضة ، وأنهم يتظاهرون بشكل سلمي ويكتفون بشعارات تنادي بالحرية والديمقراطية وإسقاط النظام ، وإن هذه الشعارات بالطبع لا تروق للنظام الذي يعتمد القوة لتفريق التظاهرات ، وبالتأكيد فإن السفيرين الأمريكي روبرت فورد والفرنسي اريك شوفالييه بناءً على موقف حكومتيهما من التظاهرات نفيا أثناء زيارتهما لمدينة حماة وجود جماعات مسلحة . وبغض النظر عما يعلنه الإعلام السوري الرسمي وما يعلنه الإعلام المضاد فإننا نستطيع القول إن هناك لعبة كبيرة تستهدف المنطقة وسورية على وجه الخصوص ولهذا فإن الضغوط تتزايد على الموقف السوري ليس من أمريكا والاتحاد الأوروبي فحسب ، بل بدأ هذا الضغط يبرز إلى الوجود من خلال دول مجلس التعاون الخليجي التي قررت ثلاث دول منها استدعاء سفرائها للتشاور معهم حول الأحداث في سورية وهي السعودية والكويت والبحرين ، حتى أن العاهل السعودي الملك عبد الله بن عبد العزيز طلب من القيادة السورية في كلمته يوم 8 آب 2011 ضرورة إنهاء العنف وآلة القتل واعتماد لغة الحوار مع المعارضة ومما جاء في كلمته "ما يحدث في سـورية لا تقبل به المملكة العربية السعودية ، فالحدث أكبر من أن تبرره الأسباب ، بل يمكن للقيادة السـورية تفعيل إصلاحات شاملة سريعة ، فمستقبل سورية بين خيارين لا ثالث لهما ، إما أن تختار بإرادتها الحكمة ، أو أن تنجرف إلى أعماق الفوضى والضياع ، لا سمح اللـه" . وقد جاء خطاب العاهل السعودي بعد بيان وجّهه مجلس التعاون الخليجي المؤلف من السعودية والكويت والبحرين والإمارات وسلطنة عمان وقطر إلى الحكومة السورية ، ومما جاء فيه "وإذ تعرب دول مجلس التعاون الخليجي عن أسفها وحزنها لاستمرار نزيف الدم ، تؤكد حرصها على أمن واستقرار ووحدة سورية ، وتدعو إلى الوقف الفوري لأعمال العنف وأي مظاهر مسلحة ، ووضع حد لإراقة الدماء واللجوء إلى الحكمة ، وإجراء الاصلاحات الجادة والضرورية، بما يكفل حقوق الشعب ويصون كرامته ، ويحقق تطلعاته" .
    نحن نقف موقفاً مؤيداً مع ما جاء في خطاب العاهل السعودي وفي بيان دول مجلس التعاون الخليجي ومع دول العالم قاطبة بوقف إراقة الدماء واللجوء إلى بلغة الحوار ولكن من طرفي النزاع ، بخيث لا يتم استثناء طرف ويحمل الطرف الآخر المسؤولية كاملةً ، لا أعتقد أن أي جيش في العالم يسمح بانتشار الفوضى في بلاده ، وأعرف ويدرك معي الكثيرين أن دول الخليج نفسها استخدمت القوة المفرطة لقمع المتظاهرين غير المسالمين وفي أكثر من دولة ، ولم يتم الاكتفاء بذلك فقط بل تم إرسال قوات أمن الخليج لتعزيز الأمن في البحرين للدفاع عن الشرعية فيها ولم يتم إعلان وقوف أي دولة منهم مع المعارضة . وأنا هنا لا أريد الدفاع عن المعارضة في البحرين أو في أي دولة أخرى ، ولا أريد أن أكون مع جيش البحرين أو أي جيش آخر ، وكلما أرغب بفي الحديث عنه هو المصداقية في التعامل مع الأحداث . هل من المعقول أن يتم التعامل مع الحالتين بشكل متناقض ؟ أعتقد أن الإجابة المنطقية في حال اعتماد الديمقراطية والحرية أن يكون التعامل واحداً هنا وهناك ، وأن يكون التضامن أو الإدانة مماثلة من هذا المنبر أو ذاك. هل يسمح لدول باستخدام القوة لقمع المتظاهرين وتمنع دولة أخرى عن ممارسة هذا الحق سواءً أكانت سورية أو غيرها من الدول التي تشهد بلادها حالةً من الفوضى . لماذا لم يتناول جلالة الملك في خطابه وجود مسلحين ويطلب منهم الاحتكام إلى العقل وعدم مخالفة النظام ، وهذا هو حال دول مجلس التعاون ، أنا لا أقول هذا القول لأدين المعارضين المسـالمين ، ولكني أقول ذلك إنصافاً للحق وإظهاراً للحقيقة ، نعم هناك جماعات مسلحة في سورية ، وهذا لا يعني أن المعارضة جميعها معهم وأنهم يوافقونهم ما يقومون به من أعمال تخريبية وبث الرعب في قلوب الناس الآمنين ، لقد صورت الجماعات المسلحة السورية نفسها وهي تقتل بدم بارد ضباطاً في الجيش وعملية التمثيل بجثثهم ورميها في نهر العاصي ، هل يقف العالم المتحضر موقف المتفرج في حال حدث ذلك في بلادهم ؟ هل تسمح أي دولة متقدمة كانت أو متخلفة حتى ومهما بلغت فيها الديمقراطية والحرية بالسماح للفوضى بأن تستشري في بلادها؟ علينا أن نكون منطقيين وواقعيين ، إنه ليس كلام صادر عن مصدر مسؤول ، أو عن موظف حكومي ، أو قيادي في حزب البعث الحاكم ، إنه لسان حال أي مواطن سوري غيور على مصلحة وطنه وسلامته ومستقبل شعبه ، لماذا نتجاهل الحقيقة كاملةً ونأخذها منقوصةً أي نتناسى ما لا نريد تداوله ونعلن فقط ما نرغب بإيصاله إلى العالم ، إنها أيضاً إزدواجية في معادلة غير عادلة ، نحن في سورية شعب واحد ، لم نعهد يوماً في تاريخنا القديم أو الحديث مثل هذه الأعمال التي تهز الضمير العربي والعالمي ، لسنا ضد المعارضة السلمية ولكننا نرفض تدويل الأزمة وتحويرها عن مسارها الصحيح . نحن نرفض العمل المسلح من أي جانب وأي استخدام للقوة ، ولكن يجب على الجانبين الاحتكام إلى الغة لعقل ومتابعة الحوار وسماع الرأي الأخر لأنه الطريق الوحيد الذي سيجنب الوطن كارثة تعود وبالاً ليس فقط على السوريين بل على الوطن العربي جميعه . لا أريد أن أتحدث عن الدور السوري في المنطقة ومواقفه الممانعة لإملاءات الغرب فقد سئمنا من هذا الحديث ، ولكن ما يحدث في سورية وما يراد لها أخطر بكثير مما يعتقده البعض . لقد سقط ضحايا كثر من الجيش والأمن والمعارضين والمدنيين ، وأي قطرة دماء تنزف هي خسارة لسورية ، ولهذا علينا التحامل على الألم وتجاوز المحنة لنصل بالبلاد إلى بر الأمان .
    إن دول العالم جميعها تتصدى لأعمال العنف وتتهم جهات معينة بالإرهاب وتصنف دول بالإرهابيـة ، وخوفاً من الإرهاب ومن عمليات محتملة ضد الولايات المتحدة ، قامت الإدارة الأمريكية بتصفية زعيم القاعدة أسامة بن لادن المختبىء على بعد آلاف الأميال من أراضيها ، قتلته في ضواحي العاصمة الباكستانية في المجمع الذي اتخذه ملجأ له، نعم لقد تمت تصفيته في 2 أيار 2011 بعد مطاردة استغرقت أعواماً عدة وبعد تكتيك عسكري على مستوى عال ، شاركت به المروحيات والقوات الخاصة ، لأنها وجدت أن حياته تشكل خطراً على أمنها القومي . الكثير من الدول تعتمد أسلوب القوة عندما يتعرض أمنها القومي للخطر لأن أي تساهل في الموضوع يعني تطور الأزمة وحدوث إنفلات أمني خطير، وهذا ما لمسناه خلال الأيام الثلاثة الماضية في بريطانيا ، حيث قالت كريستين جونز قائدة شرطة العاصمة إن أكثر من 161 شخصاً اعتقلوا في عدد من أحياء لندن خلال يومين ، بعد إصابة 9 من رجال الشرطة بجروح ، وشددت بالقول “لن نتسامح مع هذا العنف المشين ، والتحقيق مستمر لتقديم المسؤولين عنه إلى العدالة” . وقد انتقلت أعمال الشغب والنهب وتحطيم المتاجر والاعتداء على الممتلكات إلى مدن برمنجهام وليفربول وبريستول، وتجاوز عدد المعتقلين 650 شخصاً ، بحيث عززت الشرطة تواجدها في لندن بنشر 16 ألفاً من أفرادها . وقد أعلنت وزيرة الداخلية البريطانية تريزا ماي بدورها أن المسؤولين عن أعمال العنف والنهب “سيواجهون عواقب أفعالهم ، وناشدت سكان الأحياء المتضررة “التعاون مع الشرطة بصورة بناءة لمساعدتها في تقديم هؤلاء المجرمين إلى العدالة” . في حين قطع رئيس الحكومة ديفيد كاميرون إجازته التي كان يقضيها في مدينة توسكانا الإيطالية من أجل عقد اجتماع عاجل مع لجنة الطوارئ ووزير الداخلية لاحتواء الأزمة واتخاذ قرارات صارمة . نعم لقد استخدمت الشرطة البريطانية القوة لقمع المتظاهرين واعتقلت الكثيـرين ، وهذا ما حدث خلال الفترة الماضية في ألمانيا وإسبانيا وفرنسا واليونان والقائمة طويلة ، فهل نسمح بالفوضى أم نطبق القوانين ؟ ولماذا تستثنى هذه الدول من الهجوم الإعلامي المضاد ، ألا يـوجد في أوروبا مجلس لحقوق الإنسان ؟ أم هذه المجالس فقط وجدت من أجل إدانة الدول العربية ومن يدور في فلكها .
    الجميع يطالب الرئيس السوري بشار الأسد بالإصلاحات وضرورة تطبيقها ، هل يمكن في أي دولة في العالم تطبيق الإصلاحات في ظل جو أمني متصاعد ويزداد توتراً وتحريضاً من الخارج ، لا أريد الدفاع عن النظام السوري ، فالجميع يدرك أن هناك الكثير من الأخطاء المتراكمة التي شكلت نواة للثورة ضد الفساد والمحسوبيات ، نعم نحن جميعاً نقر بالفساد ونطالب بمحاسبة المسؤولين وهذا ما وعد الرئيس الأسد شخصياً بتحقيقه ، ولكن السؤال لماذا لا يمنح الرئيس السوري فرصةً لتحقيق ما أصدره من مراسيم وقوانين تصب جميعها في إطار الإصلاح الذي ينادي به العالم . لقد زادت رواتب الموظفين بنسب وصلت إلى 25% وتم إصدار القرارات المتتالية التي تنسجم مع مطالب المعارضة ولم يبق منها سوى تعديل المادة الثامنة من الدستور الخاصة بحزب البعث الحاكم ، أليس كل ذلك دليلاً على جدية القيادة السورية في الإصلاح ، ولكني أعود للقول إن التظاهرات لن تتوقف إلا في حال تغيير المسار والنهج السوري في علاقاتها الخارجية ، إذا الغرب وفي مقدمتهم أمريكا يريدون من سورية فك ارتباطها بإيران ووقف دعمها لحزب الله وحماس ، والموافقة على عقد سلام مع إسرائيل وفي حال موافقتها على ذلك فالأزمة في سورية ستنتهي مثلما بدأت وهذا ما سبق وأن أكدت عليه وكيلة وزارة الدفاع الأمريكية ميشيل فلورنوي .
    وأخيراً وليس أخراً أقول إن هناك دوافع للكثيرين لممارسة المزيد من الضغط على سورية ولتشويه الحقائق التي تحدث على أرض الواقع ، فقد تم عرض صور من المعارضة السورية في الخارج لأطفال صغار زعمت المحطات الإعلامية المضادة التي بثت الصور نقلاً عن المعارضة ذاتها أنهم لأطفال رضع حديثي الولادة ماتوا في مستشفى حماة بسبب قطع النظام السوري الكهرباء عن المستشفى ، وجاء الصحفي الفرنسي لويس دنغيان ليقول كلاماً مغايراً لما جاء في الخبر فقال إن هذه الصور مأخوذة من مستشفى في مدينة الاسكندرية المصرية . وأن المعارضة السورية استخدمت هذا الأسلوب الذي تم استخدامه قبل سنوات عدة في قصة الأطفال الكويتيين حديثي الولادة في حرب الخليج الأولى التي أثارت الرأي العام الأميركي عام 1991 مما استدعى التدخل العسكري في العراق .
    تعليقات كتابة تعليق

    اضغط هنا للدخول

    رجاء ادخل الستة أرقام أو الحروف الظاهرة في الصورة.