• حكم الاستعانة بالكفار في قتال المسلمين

    حكم الاستعانة بالكفار في قتال المسلمين…بقلم عبد المجيد قاسم عبد المجيد



    الحمد لله رب العالمين، والصلاة والصلاة على المبعوث رحمة للعالمين وعلى آله وصحبه الطيبين الطاهرين وبعد.
    - هناك أمور مفهومة “بلا فقيه” بتعبير الليبيين، يعني لا تحتاج إلى فقيه لكي يوضحها، فهي واضحة وضوح الشمس، من هذه الأمور الاستعانة بالكفار في قتال المسلمين، فهذه ” بلا فقيه” حرام وتعتبر ردة، وفيها خروج عن الملة لمن يفعلها، لأن الله عز وجل قال في كتابه: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاء بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللّهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ}(سورة المائدة الآية51)..وليس هناك أصرح وأوضح من عبارة : “وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ” الواردة في الآية للتعبير عن شدة الحرمة. ومع ذلك فمن أراد المزيد في هذه النقطة فليرجع إلى كتب التفاسير ففيها ما يشفي الغليل بإذن الله.
    - من الأمور المعروفة أن الله وصف اليهود والنصارى في القرآن بالكفار، قال تعالى في اليهود والنصارى وهم أهل الكتاب: {يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَتَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللّهِ وَأَنتُمْ تَشْهَدُونَ}آل عمران70 . .- وقال في اليهود: {فَبِمَا نَقْضِهِم مِّيثَاقَهُمْ وَكُفْرِهِم بَآيَاتِ اللّهِ وَقَتْلِهِمُ الأَنْبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقًّ وَقَوْلِهِمْ قُلُوبُنَا غُلْفٌ بَلْ طَبَعَ اللّهُ عَلَيْهَا بِكُفْرِهِمْ فَلاَ يُؤْمِنُونَ إِلاَّ قَلِيلاً }النساء155.- وقال في النصارى: ” {لَّقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُواْ إِنَّ اللّهَ ثَالِثُ ثَلاَثَةٍ وَمَا مِنْ إِلَـهٍ إِلاَّ إِلَـهٌ وَاحِدٌ وَإِن لَّمْ يَنتَهُواْ عَمَّا يَقُولُونَ لَيَمَسَّنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِنْهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ }المائدة73، ومعروف أن عقيدة النصارى التي يدافعون عنها عقيدة التثليث، وهي أن الله واحد في ثلاثة!!.- وقال فيهم كذلك: {لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُواْ إِنَّ اللّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ وَقَالَ الْمَسِيحُ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اعْبُدُواْ اللّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ إِنَّهُ مَن يُشْرِكْ بِاللّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللّهُ عَلَيهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنصَارٍ}المائدة72، وهذه عقيدتهم أن المسيح هو الله! تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا.
    - الفقهاء عندما تحدثوا عن حكم الاستعانة بالكفار تحدثوا عن الاستعانة بهم في حال السلم، واختلفوا.. فبعض الفقهاء لم يُجز الاستعانة بهم ككتبة مثلاً، وهذا يدل -من باب أولى-على اتفاقهم على عدم جواز الاستعانة بهم لحرب المسلمين، وهذا الموضوع كما قلنا “بلا فقيه”، يعني واضح.

    - أيضاً تحدث الفقهاء عن حكم الاستعانة بالكفار في قتال غيرهم من الكفار، واختلفوا، فمنهم من قال بعدم الجواز وذكروا أدلةً كثيرة من الكتاب والسنة، منها حديث أبي حميد الساعدي رضي الله عنه قال : [خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم أحد حتى إذا خلَّف ثنية الوداع نظر وراءه، فإذا كتيبة خشناء قال صلى الله عليه وسلم : من هؤلاء ؟ قالوا: هذا عبد الله بن أبي بن سلول في مواليه من اليهود من بني قينقاع، وهم رهط عبد الله بن سلام، فقال : أوقد أسلموا ؟ قالوا : إنهم على دينهم، قال: «قل لهم فليرجعوا فإنّا لا نستعين بالمشركين على المشركين». - من الفقهاء من قال بجواز الاستعانة بالكفار لقتال الكفار -وليس المسلمين- بشروط لا تتوافر الآن، ومجمل هذه الشروط:
    1- أن يكون الكافر الذي يُستعان به حسن الرأي في المسلمين.
    2- أن يكون حكم الإسلام هو الساري عليهم الجاري فوقهم.
    3- أن يكون مآل الحكم بعد الغلبة والظفر للإسلام وأهله.
    4- وجود الحاجة الحقيقية للاستعانة.
    5- أن يكون المُستعان بهم مأمونين.
    6- أن تكون لدى المسلمين قوة تكف شر خيانتهم فيما لو خانوا.
    7- مخالفة اعتقاد الكفار المستعان بهم لاعتقاد المستعان عليهم.
    8- ألا يكونوا منفردين برايتهم،بل يقاتلون تحت راية الجيش الإسلامي.
    - أي أن الخلاف في الاستعانة بالكفار في حرب غيرهم من الكفار، أما الاستعانة بهم لقتال المسلمين ليست محل خلاف، ولا كلام عنها.. والسؤال بجوازها من عدمه كالسؤال عن جواز الوضوء بالبول .. لا يليق. - نقطة أخيرة وهي في تخريج المسألة وتكييفها.. وقبل هذا لنفهم المسألة..- المسألة هي ما حدث في العراق، وعلى غراره ما يحدث اليوم في ليبيا.. حيث استعان قومٌ مسلمون، وهم المعارضة، على الحاكم المسلم بالأمريكان وبالإنجليز وبغيرهم من غير المسلمين..- خرّجها لهم فقهاء السوء كالآتي: أولاً: كفّروا الحاكم .. لأنهم يعرفون عدم جواز الاستعانة بالكافر على المسلم .. ثانياً: كيّفوا المسألة على أنها استعانة بكافرٍ طارئ على كافر مقيم .. الله أكبر .. عباقرة هؤلاء الفقهاء في ليّ عنق الحقيقة وتطويع الفتاوى .. ويقصدون بالكافر المقيم: الحاكم، والكافر الطارئ: الأمريكان وحلفاءهم.. بمعنى أنهم سيساعدونهم في التخلص من الحاكم وهو الكافر المقيم، ثم يرحلوا قائلين لهم: “نستاذنوا ياشباب.. تبوش حاجة أخرى؟؟”.- طبعاً أغمضوا أعينهم عن حقيقة أن دول الغرب تريد السيطرة على تلك الدول البائسة المتخلفة التي تنعم بالنفط ولا تستأهله.. وقد وجدتها فرصة لتوطين قواعدها العسكرية في الشرق الأوسط تحقيقاً لأمنها الاستراتيجي، وحمايةً لإسرائيل من أعدائها المحيطين بها.- وأن الحاكم الذي حكموا بكفره ليس بكافر ولم يأت بما يوجب كفره، وأن الكفر البواح أتى من غيره لكن فقهاء السوء لا يهمهم سوى إرضاء أولياء نعمتهم حتى لو جرَّ هذا الشقاء على الملايين من أبناء جلدتهم وأبناء دينهم.. فما يوقدونه من حروب، وما يوقظونه من فتن.. أنكى وأشد على الشعوب من ظلم قد ألفوه.- إن ما يحدث في ليبيا الآن فتنة .. حرب داخلية بين النظام (كما يحلو للبعض تسميته) وبين جماعة أو جماعات مسلحة من الشعب، وهذا الأمر له أحكامه في الشريعة الإسلامية، وهو لا يسوغ الاستعانة بالكفار، بل الرأي الراجح في الفقه الإسلامي عدم جواز الخروج على الحاكم المسلم إلا إذا أتى بكفر بواح فيه من الله برهان.. ولا أظن أن حاكماً منع الخمر في بلاده، وأقام الحدود، وأعز أهل القرآن يمكن أن يُحكم بكفره إلا إذا كان الأمر: “عنز ولو طارت”. - إن نظرة فاحصة تجعل تكييف المسألة خلاف المطروح، المطروح هو الاستعانة بالكافر.. لكن المسألة في حقيقتها ليست كذلك .. المسألة هي إعانة الكافر.. إعانة وليس استعانة.. أي أن السؤال الذي ينبغي أن يُسأل هو: ما حكم إعانة الكفار على المسلمين لاحتلال أرضهم ونهب ثروتهم؟، فما حدث في العراق ويحدث اليوم في ليبيا .. ليس استعانة بالغرب على إزالة حاكم، بل هو إعانة للغرب على تحقيق أهدافه في بلادنا .. وهي احتلالها ونهب ثرواتها .. إ- أخيراً أقول لأولئك الذين تذرعوا بالظلم والقتل والاغتصاب -كذبا وزورا لتمكين الغرب من بلادنا- ما قال يعقوب لبنيه: {بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنفُسُكُمْ أَمْراً فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ}يوسف18.

    تعليقات كتابة تعليق

    اضغط هنا للدخول

    رجاء ادخل الستة أرقام أو الحروف الظاهرة في الصورة.