• في صياغة الموقف من النظامين السوري والليبي والتمرد عليهما

    في صياغة الموقف من النظامين السوري والليبي والتمرد عليهما

    د. إبراهيم علوش

    في سياق تحديد الموقف من النظامين السوري والليبي والتمرد المدعوم خارجياً عليهما، لا بد أن نبدأ من تحديد التناقض الرئيسي وتحديد معسكر الأعداء ومعسكر الأصدقاء بناء على كيفية تحديدنا لذاك التناقض الرئيسي.

    فإذا بدأنا من فرضية أن الأساس هو الحريات الفردية، وأن كل من يعيق الحريات الفردية هو العدو، وكل من يسهل نيلها هو الصديق، يصبح من السهل عندها أن نتعامل مع الولايات المتحدة وحلف الناتو والدول العربية التابعة لهما، لا على أساس مشاريعها في المنطقة، والاصطفاف القائم على الأساس القومي، بل على أساس الشعارات السياسية التي يرفعونها لتمرير مشاريعهم السياسية في المنطقة. وقد رأينا ما جرى في العراق، على سبيل المثال لا الحصر، ونعرف بالتالي أن المشروع الأمريكي في المنطقة هو مشروع: 1) هيمنة، و2) تفكيك، 3) بغلاف “ديموقراطي”.

    أما إذا بدأنا من أولوية التناقض الرئيسي مع الإمبريالية والصهيونية، وهو التناقض الذي لاحظنا تغييبه إلى حدٍ بعيد في الانتفاضات الشعبية الأخيرة، فإن الاصطفاف يصبح مختلفاً بالضرورة، وعندها تصبح الدول والقوى التي تشكل عائقاً أمام المشاريع الإمبريالية والصهيونية قوى صديقة بالضرورة، حتى لو كانت لنا ملاحظات كبيرة عليها، ولو كان تناقضها مع الإمبريالية والصهيونية نابعاً ببساطة من مخطط قوى العولمة في تكسير الدول المركزية، مثل يوغوسلافيا السابقة أو كوريا الشمالية المعيقة لمخططاتها. في تلك الحالة، لا نسقط مطلب الإصلاح والتغيير طبعاً، ولا نسقط مطلب الحقوق الفردية، ولكننا نشترط بالحد الأدنى ما يلي:

    1) أن يكون صاحب ذلك المطلب غير مرتبط بأجندة خارجية أو بعلاقة مع الخارج الاستعماري المعادي،

    2) أن لا يكون جزءاً من مشروع تفكيك الوطن باسم تغيير النظام.

    وهي الشروط التي لا نراها متحققة في معارضة ليبية تتلقى الدعم المالي والاستخباري والعسكري مباشرة من أعداء الأمة، وهو ما يطرح ضرورة اتخاذ موقف حاسم منها، ولو كانت لدينا قوى شعبية عربية منظمة حقيقية لحق علينا أن نطالبها بالتطوع في ليبيا لمقاتلة متمردي حلف الناتو لأنهم مجرد امتداد لقوى الهيمنة الخارجية، ولأنهم يمثلون مشروع تفكيك لليبيا باسم التخلص من القذافي.

    وفي سوريا نرى أصابع الحريري والقوى الخليجية تلعب. ونرى عصابات مسلحة تكمن لقوى الجيش، وهو ما لم نره في الدول التابعة للإمبريالية مثل مصر وتونس، فهل هذه صدفة؟ لماذا تلجأ المعارضة للسلاح في الدول الممانعة وليس في الدول التابعة؟ ولماذا تحمل المعارضة مشروعاً لتغيير الرأس دون تغيير النظام في تونس ومصر، حيث بقيت التبعية والعلاقة على حالها مع الطرف الأمريكي-الصهيوني، أما في سوريا وليبيا فإن المطروح هو تغيير النظام وتفكيك البلد، وليس تغيير الرأس فحسب؟!

    من هنا يصبح طرح مطلب إسقاط بشار والقذافي في هذه اللحظة من قبل قوى عليها عشرات علامات الاستفهام مطلباً مشبوهاً بصراحة، حتى لو كانت للمرء عشرون ملاحظة على النظام السوري، ومئة وعشرون ملاحظة على النظام الليبي. وبجميع الأحوال، عندما يكون هناك مشروع تفكيك أو تدخل خارجي فإن أي ملاحظة على النظام الممانع تصبح مؤجلة إلى أجل غير مسمى. فالتناقض الرئيسي في هذه اللحظة، بالنسبة للوحدويين، يصبح التناقض مع التدخل الخارجي ومع التفكيك، وليس مع من يحاربهما، بغض النظر عن دوافعه لمحاربتهما، سواء كانت مجرد الحفاظ على نظامه أم دوافع مبدئية نقية.

    القوى التي تريد أن تحل محل بشار نراها تهاجم المقاومة اللبنانية، ولسنا واثقين على الإطلاق أنها ستحتضن المقاومة الفلسطينية، أو أنها ستسمح لسوريا أن تكون ملجأ للمقاومة العراقية، أو أنها ستتبنى نهج المقاومة. فمن يريد أن يحل محل النظام السوري أو الليبي عليه أن يثبت للشعب العربي أولاً أنه أكثر قومية وأكثر تناقضاً مع الطرف الأمريكي-الصهيوني منه، وأكثر تأييداً للمقاومة، ومن ينتقد النظامين السوري والليبي على تنازلاتهما، وهي كثيرة، عليه أولاً أن يتأكد أن بديل هذين النظامين لن يكون عميلاً مفضوحاً لمجلس التعاون الخليجي وحلف الناتو على الأقل. أما المرتبطون بأجندات خليجية وأمريكية فلا مشروعية لمطالبتهم بإسقاط الأنظمة الممانعة ليحل محلها شيء أسوأ بعشرات المرات على المستوى القومي، ولو أعطى قدراً أكبر من الحريات الفردية في البلد المقسم.

    على عبدالله صالح في اليمن حالة فريدة طبعاً لأنه تابع للإمبريالية، ولكننا بالمقابل لا نريد تفكيك اليمن. ومن هنا فإن الحرص ليس عليه أبداً بل على اليمن. ولا يمكن أن نقدم الدعم لقوى مرتبطة بالخارج أو صاحبة مشروع تفكيك عنوانه “فك الارتباط”، وحتى ولو كان طرح مطلب إسقاط النظام في حالة اليمن مشروعاً.

    ولو كان النظام السعودي غير تابع للإمبريالية وغير عميل، لما كانت هناك مشكلة أن يأخذ المغرب لا البحرين فحسب. والخليجيون أولى بالبحرين بكل تأكيد من إيران مثلاً. غير أن حالة البحرين تكشف للحد الأقصى مدى زيف دعاة الديموقراطية وحقوق الإنسان، ممن يثيرون الفتن المسلحة في سوريا وليبيا تحت عنوان دعم المعارضة، ويقومون في نفس الوقت بسحق الحراك الشعبي البحريني دون أن يشعر أحد منهم بمدى نفاقه. ونسوق هذا على سبيل المقارنة، دون أن يعني ذلك أبداً أن التدخل الإيراني في البحرين مشروع بأي شكل من الأشكال، وهو تدخل قائم ونشط.

    أخيراً، دعونا لا نلقي بالاً للدعايات التي تطلقها وسائل الإعلام الصفراء حول النظامين السوري والليبي، خاصة بعدما تبين للملاً أن قصة قصف المدنيين في بنغازي بالطائرات كانت كذبة كبيرة، وأن أولئك “المدنيين” كانوا قد توجهوا للثكنات وأنهم نجحوا في الكثير من الحالات بالحصول على سلاحها.

    أما قصص تعاون القذافي مع الموساد ضد الثوار فلا تستحق حتى الرد عليها في ظل التعاون العلني والمكشوف بين المعارضة الليبية وحلف الناتو.

    باختصار، التغيير إن لم يكن مناهضاً للإمبريالية والصهيونية فإنه على الأرجح من صنعهما.

    عن موقع الصوت العربي الحر
    تعليقات كتابة تعليق

    اضغط هنا للدخول

    رجاء ادخل الستة أرقام أو الحروف الظاهرة في الصورة.