• عوارف معرفية من التصوف وأدبه في المغرب: عبد الوهاب الفيلالي

    صدور كتاب عوارف معرفية من التصوف وأدبه في المغرب للدكتور عبد الوهاب الفيلالي

    صدر عن دار الرشاد الحديثة بالدار البيضاء – المغرب كتاب جديد للأستاذ الباحث الدكتور عبد الوهاب الفيلالي، يحمل عنوان: عوارف معرفية من التصوف وأدبه في المغرب. في طبعة أنيقة تعبر عن معاني الجمال الأدبي والجلال الفكري، اللذين يتضمنهما الكتاب.
    يعتبر هذا الكتاب (عوارف معرفية من التصوف وأدبه في المغرب ) بحسب مؤلفه "محاولة من محاولات الاقتراب الممكن من حقيقة التصوف وأدبه في المغرب" وهو الهدف الذي اجتهد الباحث في سبيل تحقيقه اعتمادا على نماذج مختارة بعناية فائقة ومحددة بدقة من أدب التصوف بالمغرب، التماسا لشمولية مقاربة موضوع الكتاب وعمق تناوله المنهجي. وفيما يلي نذكر تلك النماذج مرتبة حسب ورودها في الكتاب، وهي:
    1- اللغة عند الصوفية، ممثلة في الكشف عن ظاهرة اللذة الكامنة في هذه اللغة.
    2- صوفية العمل الأدبي، ممثلا لها بجوانب من تجربة التوجيه التربوي في شعر التصوف المغربي.
    3- العَلَم الأديب، ممثلا له في علمين اثنين، هما:
    - البعد الخلقي في شعر الحسن اليوسي؛ نماذج وتجليات.
    - عبد الرحمان بن محمد بن عبد الهادي السجلماسي شاعر المحبة المحمدية.
    4- المؤلَّف المرتبط بالتصوف وأهله، ممثلا له بكتاب "سلوة الأنفاس ومحادثة الأكياس بمن أُقبر من العلماء والصلحاء بفاس"؛ بعض تجليات هويته الصوفية.
    من ثمة، تكون عدد الدراسات المتضمنة في الكتاب خمس دراسات أكاديمية، تجمعها وحدة موضوعية؛ وهي تقريب القارئ من التصوف وأدبه في المغرب.
    بعد رحلة ممتعة في قراءة وتذوق تلك النماذج من التصوف وأدبه في المغرب، يختم المؤلف كتابه بالإفصاح عن مجموعة من الاستنتاجات أو الأسس والآفاق تخص تراث الأدب الصوفي في المغرب إبان العصر العلوي خاصة، وتاريخ المغرب على العموم، نذكر منها الآتي:
    - هيمنة المسار الصوفي الطرقي ببعده الإجتماعي الجماعي دون التقليص من ذاتية التجربة، واتحاد الطرق في التمسك بالتوجه السني المعتدل بعيدا عن التطرف و المغالاة. و قد جاء الأدب و فيا لهذا التوجه السني و مؤكدا له باستمرار.
    - تميز الأدب الصوفي في المغرب بضخامة كمه ، يؤكد ذلك تعدد مصـادره ، و تنوع مظانه، و كثرة متونه، و استحالة حصر نصوصه.
    - تميز الأدب الصوفي في المغرب بتعدد أنواعه، و اتساع مجالاتـه و موضوعاته، وتفرده- بالمقارنة مع غيره- بالزعامة في بعضها؛ مثل أدب الصلاة على الرسول صلى الله عليه وسلم، و حكاية الكرامة الصوفية...، يضاف إلى ذلك تنوع ذواته المرجعية و الموضوعية ( الله-الرسول-الولي أو الشيخ-المريد-عموم الناس)، و جمعه بين الروحي الخلقي والرمزي الإيحائي، و الضعيف و القوي، واتحاد نصوصه و أنواعه و موضوعاته و مضامينه و وسائل أدائها وآليات تصويرها ضمن موضوعة "الحب" التي هي أساس السلوك الصوفي.
    - إسهام الصوفيين في الإبداع الأدبي مرتين بفعل التوجه الطرقي؛ مرة مبدعين، وأخرى ذواتا مرجعية و موضوعات للإبداع، مثلما في أدب الحب الولوي و التوسل إلى شيوخ التصوف و طرقه و مدحهم.
    - غلبة مفهوم الأدب القائم على الاكتراث للفكرة قبل الصياغة، و الرؤية النفعية قبل المتعة الفنية، مع وجود كم مهم من النصوص الإبداعية التي نجح أصحابها في المزاوجة بين الذوق الخلقي الصوفي و الذوق الفني.
    - ليس الاهتمام بالمحسنات البديعية و الاحتفال بالعبارة في أدبنا الصوفي مظهرا من مظاهر الضعف الأدبي و التكلف، و إنما ذلك من أساليب إذكاء المعنى و تعميق العبارة والسمو بها إلى مستوى الرمز و الإشارة، بحثا في اللغة عن ما يعادل الفكرة الصوفية والحال و المقام.
    - ارتباطا بهوس البحث عن المعادل الموضوعي و بخصوصيات الأدب الصوفي وكل التجربة الصوفية والخلفية الثقافية المغربية عامة، يمكن تأويل ما نصادفه من خصائص و تجاوزات عروضية لها اتصال وثيق باللهجة المغربية،و قراءة القرءان وتجويده ، وفن السماع، ونفسية الباث، و خصوصيات الحال والمقام.
    - يكرس التواصل الواضح بين أدبائنا الصوفيين و السلف الصوفي في الأفكار والتجربة و الإبداع قاعدة وحدة التجربة الصوفية الإسلامية في العمق،و تجاوزها للحدود المكانية و القيود الزمانية، ويعكس رغبة الأديب الصوفي في بلوغ أسمى مدارج التكمل ومظاهره في الإنسان و اللغة و التعبير.
    - وأخيرا، إن الأدب المغربي أدب دنيوي و أدب ديني، صوفي و غير صوفي، وللشق الصوفي منه أثر بارز في غيره ، تلك هي حقيقة الأدب المغربي في أغلب فتراته. والأدب ذو البعد الديني هو الأدب الرسمي الحقيقي إذا ما راعينا كم الإنتاج وتنوعه، وانتشاره الواسع، و البعد الديني المهيمن في المغرب ، و تضمن هذا الأدب العديد من الخصائص و أسرار الهوية الثقافية المغربية.
    بعد هذه الاستنتاجات، يعرض المؤلف الدكتور عبد الوهاب الفيلالي لجملة من الضرورات المنهجية والفكرية التي ينبغي أخذها بعين الاعتبار عند البحث في الأدب الصوفي في المغرب؛ كضرورة المزاوجة المنهجية بين الكم و الكيف في دراسة تراثنا، والالتزام بسياق الواقع العام في المغرب، و بالسياق الصوفي الطرقي خاصة، في دراسة الأدب الصوفي، وضرورة مراجعة نعوت الضعف، والتقليد، والصنعة، والتكلف، والاجترار، والتكرار...وغيرها مما نعت به الأدب المغربي-كله أو بعضه- في العديد من فتراته. إلى غير ذلك من الضرورات التي مكنت المؤلف من فتح آفاق جديدة للاشتغال أمام الباحثين والغيورين على الأدب المغربي الصوفي.
    ثم ذيل المؤلف هذا الكتاب بفهرس مفصل للمصادر والمراجع بالعربية والفرنسية يمكن اعتباره ببليوغرافيا لا غنى عنها لكل باحث في المجال يتلمس طريق البحث العلمي في الأدب الصوفي في المغرب.
    جدير بالذكر أن النتائج التي توصل إليها الباحث لم تكن وليدة زواج متعة بين المؤلف والأدب المغربي، بل وليدة زواج كاثوليكي وغرام قيسي قديم ودائم، يؤكده شغف هذا الباحث بالأدب العربي في المغرب في الشق الصوفي منه، وحرصه على خدمة هذا التراث المغربي، استمرارا لجهود عمالقة البحث العلمي في نبوغ التراث المغربي فكرا وإبداع وأعلاما؛ كعبد الله كنون وعباس الجراري وعبد الله بنصر العلوي وأحمد العراقي وآخرون.. ممن كانت كلية الآداب ظهر المهراز فاس تحفل بهم، وما تزال إلى اليوم تضم رجالا في العلم والأدب، كما قيل: "أولئك آبائي فجئني بأمثالهم".
    من ثمة، يأتي كتاب عوارف معرفية من التصوف وأدبه في المغرب تتويجا لمسيرة علمية وفكرية امتدت أزيد من عقدين من الزمان قضاهما الأستاذ الدكتور عبد الوهاب الفيلالي في البحث العلمي الأكاديمي الدقيق في مجال الأدب الصوفي في المغرب، وما يرتبط به من ظواهر وقضايا فنية وموضوعية، وإشكالات علمية وجمالية ذوقية، كما عاشر خلال هذه الفترة الطويلة متونا مغمورة من الأدب الصوفي بالمغرب؛ دراسة وتوثيقا وتحليلا وتذوقا وتأويلا. مما مكنه من الإسهام في تنوير مسار البحث العلمي والأكاديمي المتخصص في هذا القسم الصوفي من موروثنا الأدبي المغربي، بعد أن اكتملت التجربة العلمية ونضجت عند هذا الباحث المخلص للأدب المغربي، فأثمرت رحلته العلمية الطويلة عوارف معرفية من التصوف وأدبه في المغرب ليكون لبنة أخرى من لبنات الصرح الأدبي الصوفي بالمغرب، يعزز المكتبة المغربية بنوع من المؤلفات ذات البعد الأكاديمي الدقيق.
    هذا، وتجدر الإشارة إلى أن المؤلف الدكتور عبد الوهاب الفيلالي المنسق البيداغوجي لماستر التصوف في الأدب المغربي، والخبير في مجال الأدب العربي بالمغرب والإبداع الصوفي على وجه الخصوص، لديه عددا من الكتب والدراسات الأكاديمية التي تنتظر دورها للنشر قريبا، نذكر منها على سبيل المثال: "الأدب الصوفي في المغرب إبان القرنين الثامن عشر والتاسع عشر للميلاد- ظواهر وقضايا-"، و "دراسات في الملحون"، وغيرهما.

    أعد هذه القراءة: خالد التوزانيtouzani79@hotmail.com

    حاصل على شهادة الماستر في التصوف في الأدب المغربي الفكر والإبداع
    هذه المقالة نشرت أصلا في موضوع المنتدى : عوارف معرفية من التصوف وأدبه في المغرب: عبد الوهاب الفيلالي كتبت بواسطة التوزاني مشاهدة المشاركة الأصلية
    تعليقات 1 تعليق
    1. الصورة الرمزية د .يوسف علي محمد علي
      د .يوسف علي محمد علي -
      ارغب في نشر ورقة علمية بعنوان دراسات في الادب الصوفي السوداني
    تعليقات كتابة تعليق

    اضغط هنا للدخول

    رجاء ادخل الستة أرقام أو الحروف الظاهرة في الصورة.