• هيروشيما.. وأسلحة الإبادة النووية

    هيروشيما.. وأسلحة الإبادة النووية





    لقد فقد العلم عذريته يوم ألقيت القنبلة الذرية على هيروشيما.. أوبنهايمر.

    فى عام 1945... وفى اليوم السادس من شهر أغسطس، كانت الطائرة "إينولا جاى" تُحلق فى سماء هيروشيما، تحمل بداخلها قنبلة - الفتى الصغير Little boy - التى نتجت عن المشروع السرى - مانهاتن Manhattan Project - كانت القنبلة عبارة عن 36 كيلو جرام من اليورانيوم عالى التخصيب.. القنبلة النووية الأولى فى العالم، The First atomic bomb in the world

    وفى نهار يوم صيفى جميل، وتحديداً فى الساعة 8:15 AM... ألقيت قنبلة الفتى الصغير فوق مدينة هيروشيما، وبعد مرور 90 ثانية، أنفجرت القنبلة على أرتفاع 600 متر، وفى لمح البصر... بدأ الإنفجار بكرٍة من النار صغيرة بحجم كرة القدم، وفى خلال ثانية تضخمت الكرة وغطت دائرة بقطر 280 متر.. قدر علماء الفيزياء أن المنطقة داخل الإنفجار أرتفعت درجة حرارتها إلى 10 مليون درجة مئوية، كما لو أن أحدهم حمل هيروشيما ووضعها داخل باطن الشمس للحظة.

    وبعد مرور جزء من 10000 جزء من الثانية أنخفضت درجة الحرارة إلى 300 ألف درجة مئوية، وبعد لحظات أنخفضت درجة الحرارة إلى 5000.. كل شئ داخل تلك الكُرة النارية لن يحترق بل سيتبخر، وهذا يشمل السيارات والبنايات والأشجار والتماثيل التذكارية والناس... كل هؤلاء، وتلك الأشياء ستتحول لمجرد دخان.. الضوء الذى سيحدث بسبب الإنفجار هو أقوى بريقًا من ضياء الشمس بمائة ضعف.. لدرجة أنك لو نظرت لهذا البريق الناتج عن الإنفجار فإما أنك ستصاب بالعمى لعدة ساعات، أو أنك ستفقد بصرك على الإطلاق..

    لا يتوقف الأمر على الإحتراق، فالقنبلة أنفجرت على ارتفاع 600 متر، وبالتالى ارتفع الضغط الجوى لآلاف البارومترات، وهبطت رياح قوية لدرجة أن كل من كان أسفل القنبلة سحقهم الضغط الجوى حتى أنهم لم يستوعبوا أنهم ماتوا، فمن لحظة كانوا أحياء، وفى اللحظة التالية أنتهى كل شئ.. إن فكرة إنفجار القنبلة على هذا الإرتفاع كانت مقصودة لإحداث أكبر ضرر ممكن، وبالفعل هناك منازل على بُعد 7 كم تفجّر كل شئ مصنوع من زجاجٍ فيها، وإلا كانت الأرض ستمتص أغلب الصدمة وتُقلل من تأثير الدمار.

    والآن بدأ السيل الغامر من أشعة نووية فتاكة، الجاما والسينية والغبار النووى.. على الرغم من أن القنبلة النووية كانت قوتها التفجيرية هى 20 ألف طن TNT وهى بدائية بالنسبة للقنابل الموجودة حالياً، كالفارق بين السكين والمسدس النارى، إلا أنه من 100 إلى 150 ألف شخص ماتوا فوراً، وأصيب 100 ألف آخرون.. فى لحظة إنفجار القنبلة تدمر 60% من هيروشيما.

    لا يتوقف الأمر هنا، فبعد مرور ثلاثة أيام تضرب أمريكا مدينة ناغازاكى بالقنبلة النووية المعروفة بإسم الفتى البدين، وتقتل فى نفس اللحظة 70 ألف شخص وتُصيب ما فوق 100 ألف.. كل شئ تدمر فى المدينتين، لم يكن يوجد فارق بين طفل أو عجوز، محارب أو سيدة.. الجميع سُحقوا فى الأرض نتيجة الضغط، لك أن تتخيل أحد سكان المدينة والذى عاد للتو إلى هيروشيما أو نجازاكى، لن يتعرف على مدينته، سيتسائل بينه وبين نفسه بصدق ويقول أين مدينتى! أذكر أنها كانت هنا! وسيستغرق لحظات ليعرف أن الأمور ليست على ما يرام.

    قام أحد علماء النفس بعمل بحٍث يحاول فيه وصف الإنطباع الأول لضحايا القنبلة، قال أن الناس رأوا فجأةً بريقٍ قوى عمى أعينهم، منهم من فقد الوعى، ومنهم من أنبطح على الأرض وغطى رأسه، ثم هدأ الأمر وكأن العالم صمت للحظة، وكان هذا هو الهدوء الذى يسبق العاصفة..

    بعد مرور ثوانٍى هبطت عليهم رياح شديدة فجرت المبانى وأبادت كل من كان أسفلها.. حاول الأحياء الهروب والإبتعاد، وكانوا يقابلون أناس تساقطت عنهم جلودهم مثل ورق الشجر.. وصرخات من كل مكان، العيون جاحظة، الجميع مصاب بالدهشة، لا أحد يفهم ما الذى حدث أو أنهم ضُربوا بقنبلةً نووية، سيلاحظون أن كل شئ حولهم يحترق، بدا الأمر كما لو أنه نهاية العالم.. كانت الناس يمشون فى جماعات ممدى أذرعهم أمامهم كى يقلل هذا من الألم الناتج عن تساقط جلودهم، من المستحيل أن يتعرف أحد إلى أحد ويقول هذا الشخص هو كذا، لأن وجوههم تحولت لكتلة سوداء مشوهة من الشعر والرماد والحروقات.. كانوا أموات أحياء مصدومين لا يتحدث أحداً منهم إلى الآخر وكأنهم اتفقوا على عدم الحديث عن الأمر بشكٍل غير مباشر..

    الإنسان العادى لو تعرض إلى 700 راد، والراد هو وحدة قياس الإشعاع النووى، فغالباً هذا الشخص سيموت، ولو تعرض إلى 400 راد سيكون على وشك الموت.. ولكن على بُعد 500 متر من إنفجار القنبلة كانت قوة الإشعاع 6000 راد.. كان الإشعاع قوى لدرجة أن بعض الأشخاص طُبعت صورة أجسادهم على الأرض، ولا تزال تلك العلامات موجودة إلى الآن فى هيروشيما كشاهد على هذا اليوم.

    عندما أعتقد الناس أن القصة أنتهت، بدأ دور ثانى لعنة للقوة النووية وهو الإشعاع النووى، الأشخاص الذين تعرضوا لكميات كبيرة من الإشعاع فى خلال أيام أرتفعت درجة حرارتهم لأكثر من 40 مئوية.. وهاجمهم قيئ شديد، وعندما يستيقظون من النوم يشعرون بإرهاق متعب لحد كبير، وعلى الوسادة كانوا يتفاجئون يوميًا بتساقط شعر رأسهم بشكل كثيف، ولو استعمل أحدهم فرشة الأسنان سيجدها حمراء نتيجة نزيف اللثة، ومن يذهب إلى الحمام سيبدأ معه إسهال شديد وستأخذ حالتهم فى التدهور من سيئ إلى أسوأ.

    فيما بعد تحولت كل الحروق الناتجة عن الإشعاع النووى لورم سرطانى خبيث.. الكاتب "سيرو ناكميا" وهو أحد المصابين قال أن أكثر شئٍ تمناه المصابين هو أن يموتوا وتنتهى معاناتهم فحسب.. الأمر المثير للذهول هو أن سجلات الأطباء فى هيروشيما كانت تُصنف المرضى أنهم مصابين بحمى التيفود، وهذا يعكس حقيقة عجيبة، وهى أن حتى اليابانين أنفسهم لم يعرفوا أنهم ضُربوا بسلاحٍ نووى وتعبهم ناتج عن الإشعاع النووى، وفهموا الأمر عندما أعلنت واشنطن أنها أستخدمت سلاح نووى.

    السؤال، هل كانت أمريكا مُضطره لقذف اليابان بسلاحٍ نووى؟!

    الحقيقة أن اليابان كان إقتصادها فى الأرض، ومقاومتها فى الحرب لم تكن مقاومة بهدف المكسب بقدر ما هى لحفظ ماء الوجه، وكانت ستعلن إستسلامها على آى حال، ولكن أمريكا كانت مدفوعة بحجة أنه يجب عليها أن توقف الحرب وإلا سيرتفع عدد ضحاياها إلى المليون.

    ولكن التحليل الأدق يقول أن أمريكا كانت تُظهر قوتها وعضلاتها على اليابان لكى تبين للإتحاد السوفيتي مدى التقدم العسكرى ولتعكس خبرتها النووية وتظهر قوتها للعالم بعرٍض حى.. الشئ الذى يدعم هذا الرأى هو؛ أن القنبلة النووية الأولى لو كان لها ما يبررها وهو وقف الحرب، فما هو المبرر للقنبلة الثانية! ألم يكن من الكافى من تحذير اليابان بأنهم إن لم يوقفوا الحرب سيستخدموا هذا السلاح مرةً أخرى!

    الشئ المثير للسخرية، هو أن أمريكا تروج أن اليابان أستسلمت فى الحرب بعد ضربها بالقوة النووية، إلا أنه اتضح من محضر جلسات الحكومة اليابانية أن سبب إستسلام اليابان هو إعلان الإتحاد السوفيتي الحرب على اليابان والهجوم على القوات اليابانية فى منشوريا وشبه الجزيرة الكورية، ومات أكثر من 80 ألف يابانى وهنا أعلن الإمبراطور والقادة المدنين إستسلام البلاد فى 14 أغسطس.

    يوجد فى العالم حاليًا قراية 27 ألف سلاح نووى، تلك الأسلحة أكثر من كافية للقضاء على كل كائن يعيش على وجه الأرض.. 50 سلاح منهم فقط كافى لقتل مليار إنسان، هذا الأمر يجعلك تندهش! فنحن نتصرف كما لو أننا نمتلك بديل لأرضنا. علينا التخلص من تلك الأسلحة فى أسرع وقت لأن تلك المرة قوتنا التدميرية أكثر من كفيلة أن تمحينا نحن صانعيها من الوجود!.
    #Orion_Polaris
    #Jean_Dosto
    عن مجموعة الفلك والفيزياء
    تعليقات كتابة تعليق

    اضغط هنا للدخول

    رجاء ادخل الستة أرقام أو الحروف الظاهرة في الصورة.